نعى اليم ...... سودانيز اون لاين دوت كم تحتسب الزميل فتحي البحيري فى رحمه الله
وداعاً فتحي البحيري
|
Re: السيرة النبوية والتاريخ.. توثيق أم تلفيق.. واقع أم ميثولوجيا (Re: بشري الطيب)
|
شكرا لك عزيزي بشرى الطيب على التعليق..
لكي نعتبر من عبرة أن النبي قد كان لا يريد أن يكتب عنه غير القرآن، علينا أن نعود إلى جوهر المنهاج الديني نفسه.. فالنبي عندما لم يرد أن نكتب عنه غير القرآن كان يعلم أنه ترك لنا كل ما نحتاجه لإقامة أمر الدين والإستفادة الصحيحة من رسالته.. لقد ترك النبي فينا القرآن والسنة، والقرآن هو الكلام الموجود اليوم بين دفتي المصحف، أما السنة فهي مفتاح معرفة هذا القرآن، وهذه السنة هي منهاج عملي مباشر في صقل الشخصية وتوسيع وتعميق التجربة الإنسانية الفردية..
كان النبي قواما بالليل، صواما بالنهار، دائم التفكر والتأمل، مراقبا لكل حركاته وسكناته، وهو قد عرف بحبه للعزلة والإختلاء بالنفس لتصفية الفكر منذ حداثة سنه، وكان يوصي بها أصحابه، ويخبرهم أنها (درب الصالحين قبلكم).. كان النبي قائما على منهاج صارم في تقويم النفس، وإبراز الإنسان فيه وإخراج الحيوان منه.. بدأ في ذلك المنهاج قبل بعثته بما يزيد عن الخمسة عشر عاما، واستمر عليه، مع التطوير والتركيز، بعد بعثته، في مكة والمدينة.. حتى قال عنه الأعرابي (كان محمد وكانما نصب له علم فشمر يطلبه)..
لقد جسد النبي لامته صورة الإنسان، من حيث المعنى الأصيل للإنسان، وقد لمس الناس فيه تلك القيمة، وكان أكبر من لمسها وأحسها صحابته المقربين، فصار أحدهم لا يتردد في فداء تلك القيمة المجسدة بنفسه وماله، إذ أنهم شعروا في تلك القيمة ما يستحق الفداء.. وكان هو، في بساطته وفقره وطيب معشره ودقة فكره وكبير محبته للناس، مرتفقا بهم كالوالد الحنون، لا يدعوهم إلا لما لهم به طاقة، ولا يأمرهم بمستوى أخلاقي دون أن يطبقه هو في شخصه ويطبق ما هو أكبر منه، متحريا الآية الكريمة (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون.. كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون)..
وما قيل أعلاه إنما هو مدخل للقضية الأساسية هنا، وهي أن الصحابة لم يدونوا أحاديث النبي أو سيرته إلا لأنهم لم يكونوا في حاجة لتدوينها.. فقد تركهم النبي على ما يكفيهم ويزيد، كتاب الله وسنته.. فاستعصم الصحابة بقدر طاقتهم من تلك السنة، وسعوا إلى تجسيدها ليعلموا الأجيال اللاحقة التي لم ترى النبي بنفس الأسلوب الذي كان يعلمهم به، بأسلوب "القدوة".. وقد تنزل لهم النبي بقدر حاجتهم وطاقتهم من التفسير والتشريع من القرآن، فكانوا بذلك في غنى عن سوى ما تركهم عليه..
إن القيمة العليا للدين هي الجوهر الإنساني.. هي أن يصبح الإنسان "إنسانا" بمعنى الكلمة.. أن يكون صادقا مع نفسه ومع الناس، وأن يكون مواطنا صالحا في مجتمعه، ينفع ولا يضر، وأن يكون حصيفا في ارتفاقه بما توفره له البيئة المحيطة به في تخصيب حياته والأشياء والاحياء من حوله، وفي إعمار الأرض بالتناغم معها وإزالة مسببات العداوة بينه وبينها.. كان هذا، في خلاصته، هو ما تعلمه الصحابة من مربيهم، فعاشوا حياة زهد وذكر وفكر وتحري للعدل والإحسان بين الناس..
ومن أعجب وقائع التاريخ الشاهدة على تلك القيمة العليا التي استهدى بها الصحابة هي واقعة الهجرة، واقتسام الأنصار مع المهاجرين أموالهم وخواصهم عن طيب خاطر ورغبة.. لقد كانت تلك الواقعة هي أول واقعة اشتراكية حقيقية في التاريخ، وقد كانت سابقة لزمانها بشكل كبير، بشكل يحير أي دارس تاريخي (حتى أننا إلى اليوم قاصرين عن مستواها)، وما كان سبقها لزمانها إلا لأنها كانت من إلهام قيمة عليا تجسدت بين الناس، تمشي على قدمين، كانت هي أيضا سابقة لزمانها..
ولا يقدح في تلك القيمة العليا كونها عاشرت الناس، في كثير من الأمور، بما ألفوه.. فالنبي كان واعيا بظروف زمانه ومكانه، وظروف مستوى الفهم عند من عاش بينهم، وكان واعيا بأن تطور المجتمع نحو الإنسانية العظمى لا يأت بقفزات غير موزونة وغير محكمة.. ولذلك أتى بتشاريع ثورية على مجتمعه في نواحي، ولم يشأ أن يثور بشكل غير موزون على تشاريع مجتمعية في نواحي أخرى، توخيا للحكمة.. فقام بتطبيق تشريع الزكاة، على سبيل المثال، وهو خطوة جبارة نحو الإشتراكية، وحدد أخلاقيات معينة وصارمة يلتزم بها المسلمون في حروبهم، على سبيل المثال أيضا، حين أثبتت تجربة مكة أن الناس في ذلك الزمان لا بد وأن يحملوا السيف ويقاتلوا إذا أرادوا تحريك ثورة وتغيير المجتمع..
ولا يقدح في تلك القيمة العليا أيضا كون النبي تزوج بنساء كثيرات (بالنسبة لحساب اليوم) فهو لم يفعل بذلك ما يشين في عرف زمانه، وقد كان هو من أحكم من عمل بعرف زمانه، وكانت هناك ظروف اقتصادية وسياسية ومجتمعية كثيرة تجعل زواج الرجل بأكثر من امرأة، أصلح وأوفق للمجتمع وللأسرة.. ولم يكن هذا الأمر مقتصرا على جزيرة العرب فقط، بل كان سمة واضحة في أغلب مجتمعات الكرة الأرضية في ذلك الزمان.. ولم يكن أمر فارق السن بين الرجل وأزواجه أيضا بالأمر المستنكر أو الغير حميد، بل كانت له مزايا اقتصادية واجتماعية وأسرية كبيرة وافت حاجة ذلك الزمان ومستواه، وهو أيضا لم يكن بالأمر المقتصر على جزيرة العرب، بل كان منتشرا في أنحاء الارض، وما زالت ظلاله إلى الآن موجودة في كثير من المجتمعات البشرية.. الحق أن كل هذه التفاصيل المجتمعية والأسرية البسيطة في حياة النبي التي ما فتئ البعض يستخدمها اليوم بسوء نية لم تكن سوى أمور عادية جدا في مجتمع القرن السابع الميلادي، ولم تؤثر في مصداقية العاملين بها وكرامتهم عند الناس اطلاقا، بل إنها كانت من المحامد لهم لكونهم رعوا أعراف مجتمعهم مما لم يكن ضارا بحكم وقته.. ونحن اليوم، كمثال، ما زال لدينا أعرافا مجتمعية معينة نحرص عليها ونحمد الحريصين عليها، خصوصا عندما لا تكون ذات أثر سلبي على معايير المجتمع السليم اليوم.. وكل شعوب الأرض اليوم ما زال عندها جانب من تلك الأعراف..
ولكن الاهم من ذلك أن ذلك التشريع المجتمعي لم يكن كلمة الإسلام الأخيرة، والسارية المفعول لكل زمان ومكان.. هذا إنما هو ادعاء أناس زعموا، منذ بداية عهد الملوك في الإسلام، أنهم يتحدثون باسم الإسلام، وهم ابعد الناس عنه، بواقع حالهم وواقع مقالهم.. وقد بذر النبي منذ ذلك الزمن بذرة التطور المستمر في التشريع والقيم الإنسانية للمجتمعات والأفراد.. فإذا أتى اليوم من يريد أن يبقى بنا في العصور الغابرة باسم الدين، فإنما هو يتكلم بفهمه هو للدين لا أكثر، والدين براء من ذلك الفهم الذي يكذبه الواقع الظاهر والفطرة السليمة..
لقد تجنى المسلمون أشد التجني على دينهم عندما ركنوا إلى قرطسته في نصوص جامدة، وأفهام متحجرة، وكتب صفراء مليئة بالتناقضات والدعاوي الملفقة لأغراض مريضة، وتوكيل أمره لأناس لا يرجون له وقارا، فاستغلوه واستغلوهم شر استغلال باسمه، من أجل غاياتهم الدنية.. ولقد آن للمسلمين أن يسمعوا نبض الحياة القوي في دينهم، والذي ما خفت يوما، وهو يرفض الركون ويدعو إلى التطور المستمر بإلحاح متصل.. فكمال الإسلام، كتشريع وكمنهاج فردي، يكمن في تطوره، إذ أن الكامل هو الذي يتطور باستمرار، وليس العكس، فكمال الإسلام في تطوره المستمر، لا في جمود المتحدثين باسمه زورا وبهتانا..
وأختم هذه العبارات المقتضبة بما ختم به الأستاذ النور حمد مشاركته، حيث قال (فنحن الآن بين سندان فقهاء السلاطين الذين لا يعرفون جوهر الإسلام، ولا مقامات نبيه، وبين مطرقة القادحين في الإسلام، وفي نبيه بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير. وكل ذلك يفتح بابا كبيرا لمقاربة أمور كثيرة لم تتم مقاربتها بعلم كاف، وظلت معلقة ومعماة في فضاء الإبتسار، والتبسيط الساذج، والكلفتة)..
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
السيرة النبوية والتاريخ.. توثيق أم تلفيق.. واقع أم ميثولوجيا | Yaho_Zato | 05-06-05, 02:30 PM |
Re: السيرة النبوية والتاريخ.. توثيق أم تلفيق.. واقع أم ميثولوجيا | Yasir Elsharif | 05-06-05, 03:07 PM |
Re: السيرة النبوية والتاريخ.. توثيق أم تلفيق.. واقع أم ميثولوجيا | Abdulgadir Dongos | 05-06-05, 04:49 PM |
Re: السيرة النبوية والتاريخ.. توثيق أم تلفيق.. واقع أم ميثولوجيا | Yaho_Zato | 05-06-05, 05:55 PM |
Re: السيرة النبوية والتاريخ.. توثيق أم تلفيق.. واقع أم ميثولوجيا | Abdulgadir Dongos | 05-06-05, 08:48 PM |
Re: السيرة النبوية والتاريخ.. توثيق أم تلفيق.. واقع أم ميثولوجيا | Dr.Elnour Hamad | 05-07-05, 00:28 AM |
Re: السيرة النبوية والتاريخ.. توثيق أم تلفيق.. واقع أم ميثولوجيا | Yasir Elsharif | 05-07-05, 01:40 AM |
Re: السيرة النبوية والتاريخ.. توثيق أم تلفيق.. واقع أم ميثولوجيا | Yaho_Zato | 05-07-05, 10:51 AM |
Re: السيرة النبوية والتاريخ.. توثيق أم تلفيق.. واقع أم ميثولوجيا | Yaho_Zato | 05-07-05, 11:37 AM |
Re: السيرة النبوية والتاريخ.. توثيق أم تلفيق.. واقع أم ميثولوجيا | Yaho_Zato | 05-07-05, 04:24 PM |
Fictions and defictionize | Mutwakil Mustafa | 05-07-05, 04:29 PM |
Re: Fictions and defictionize | Abdulgadir Dongos | 05-07-05, 11:20 PM |
Re: Fictions and defictionize | Yaho_Zato | 05-08-05, 06:52 AM |
السيرة النبوية والتاريخ.. توثيق أم تلفيق.. واقع أم ميثولوجيا | Yaho_Zato | 05-08-05, 07:24 AM |
Re: السيرة النبوية والتاريخ.. توثيق أم تلفيق.. واقع أم ميثولوجيا | بشري الطيب | 05-08-05, 10:48 AM |
Re: السيرة النبوية والتاريخ.. توثيق أم تلفيق.. واقع أم ميثولوجيا | Yaho_Zato | 05-08-05, 05:19 PM |
Re: السيرة النبوية والتاريخ.. توثيق أم تلفيق.. واقع أم ميثولوجيا | jini | 05-08-05, 05:30 PM |
Re: السيرة النبوية والتاريخ.. توثيق أم تلفيق.. واقع أم ميثولوجيا | محمد أبوجودة | 05-09-05, 06:06 AM |
Re: السيرة النبوية والتاريخ.. توثيق أم تلفيق.. واقع أم ميثولوجيا | Yaho_Zato | 05-09-05, 10:04 AM |
Re: السيرة النبوية والتاريخ.. توثيق أم تلفيق.. واقع أم ميثولوجيا | محمد أبوجودة | 05-10-05, 01:38 AM |
Re: السيرة النبوية والتاريخ.. توثيق أم تلفيق.. واقع أم ميثولوجيا | Abdulgadir Dongos | 05-10-05, 04:04 AM |
Re: السيرة النبوية والتاريخ.. توثيق أم تلفيق.. واقع أم ميثولوجيا | Yaho_Zato | 05-10-05, 10:38 AM |
Re: السيرة النبوية والتاريخ.. توثيق أم تلفيق.. واقع أم ميثولوجيا | Yaho_Zato | 05-10-05, 11:38 AM |
Re: السيرة النبوية والتاريخ.. توثيق أم تلفيق.. واقع أم ميثولوجيا | Yaho_Zato | 05-10-05, 03:31 PM |
Re: السيرة النبوية والتاريخ.. توثيق أم تلفيق.. واقع أم ميثولوجيا | Abdulgadir Dongos | 05-10-05, 07:29 PM |
Re: السيرة النبوية والتاريخ.. توثيق أم تلفيق.. واقع أم ميثولوجيا | Mohamed Adam | 05-10-05, 11:08 PM |
Re: السيرة النبوية والتاريخ.. توثيق أم تلفيق.. واقع أم ميثولوجيا | Yaho_Zato | 05-11-05, 01:42 PM |
Re: السيرة النبوية والتاريخ.. توثيق أم تلفيق.. واقع أم ميثولوجيا | Yaho_Zato | 05-11-05, 02:07 PM |
|
|
|