السيرة النبوية والتاريخ.. توثيق أم تلفيق.. واقع أم ميثولوجيا

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 03-28-2024, 03:10 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الأول للعام 2005م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
05-06-2005, 02:30 PM

Yaho_Zato
<aYaho_Zato
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 1124

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
السيرة النبوية والتاريخ.. توثيق أم تلفيق.. واقع أم ميثولوجيا




    لنا أن نتسائل، بعد هذه المعمعة التي جرت قريبا في السودان (الأرض والكيان) جراء كتاب منشور في الشبكة العالمية يتعرض بالتشكيك والنيل من شخص النبي الكريم، نبي الإسلام محمد بن عبدالله ..

    لم تدون السيرة النبوية إلا بعد قرابة القرنين من وفاة النبي، وكان أول من دونها محمد بن إسحاق.. ومحمد بن إسحاق هذا هو نفس الشخص الذي تتهمه الكثير من المصادر التاريخية التي عاصرته وتلته بفترة قليلة بأنه كان ينتحل الأشعار ويؤلفها وينسبها إلى شخصيات تاريخية في عهد النبي وقبله، وأنه كان يحاول دوما أن يصبغ على السيرة النبوية كثيرا من "الدراما" حيث أنها مهمة للإستهلاك الشعبي والتسويق المحلي.. ومن ثم، وبعد كل هذا، يأخذون عنه ويستمرون في التدوين، والتطويل، لتصبح هذه الكتب المليئة بالمغالطات وثائق تاريخية لنا نحن اليوم، نتعامل معها بما يشبه القداسة، ومن ثم نغضب ونتشنج عندما يقوم شخص ما بعرض بعض الجوانب الصريحة منها.. فهل المشكلة الحقيقية هنا فيمن ينقل من تلك المصادر، أم في هذه المصادر نفسها؟

    ولنا أن نتسائل أيضا.. لماذا لم يقم الصحابة بتدوين شيء من سيرة النبي، وهم الأعرف به وبسيرته؟ ولماذا أمر النبي بأن لا يكتب عنه سوى القرآن، ولم يسمح بأن تكتب احاديثه إلا في مناسبات وملابسات معينة اقتضت ذلك منعا للقدح في مصداقيته حين قال بعض معاصريه أنه قد يتحدث بمزاجات غضب ومزاح وغير ذلك دون أن يقصد ما يقول، كبقية أفراد الأمة؟

    ولماذا نجد اليوم أن أكثر الصحابة صحبة للنبي وعشرة له وقربا منه هم أقل أقلهم رواية عنه في مصادر الحديث المنتشرة اليوم؟ ولماذا يكون أحد المتأخرين في الإسلام (أبو هريرة) هو أكثر هؤلاء رواية عنه؟ هذا بالرغم من أن أبا هريرة نفسه يرد عنه قولا معناه (سمعت من رسول الله أحاديثا لو تحدثت بها لقطع مني هذا الحلقوم)؟

    إن تعاملنا مع هذه المصادر التاريخية بهذا التسليم لهو الآفة الحقيقية التي أصبنا بها نبينا وتاريخنا في محل أذى وجهل.. ونحن بعد كل هذه السنين من تقدم منطقنا ومعرفتنا كبشر نستطيع أن نرى بوضوح أكثر أن هذه الكتب الصفراء من الروايات الشعبية لا يمكن أن تكون محل مصداقية أكبر من مصداقية "الونسات" التي تتناقلها الشعوب في حياتها اليومية، إلا قليلا.. إن سيرورة التاريخ عند جميع الشعوب والأديان تؤكد أن سير القادة العظماء في التاريخ هي دوما معرضة للتزوير والتحوير ومطاوعة الخيال الشعبي من تفخيم أوتقليل شأن أوحتى الكذب والبهتان الصراح لخدمة أغراض دنية لا تمت لسمو الدين بصلة..

    لعل الغربيين كانوا أعقل منا في هذه عندما أطلقوا على المؤرخ اليوناني (هيرودوتوس) لقبان، الأول (أبو التاريخ) والثاني (أبو الأكاذيب).. ولعل المنطق التاريخي نفسه لن يفضي بنا، إذا تناولناه علميا، إلا إلى نتيجة أن التاريخ الذي نتعامل معه اليوم كمعطى جاهز لا يمكن أن يكون أكثر من ميثولوجيا، حيث تتعايش الواقعة التاريخية والقصة المنسوجة من الخيال جنبا إلى جنب..

    ما يجب أن نعلمه بشكل مؤكد أننا مسؤولون مسؤولية تامة عن تحليل هذا المعطى المقدم لنا في هذه الكتب الصفراء.. فالطريف في الأمر أن هؤلاء القادحين في سيرة النبي وسيرة الإسلام، أيا كانوا، وجدوا دوما، وما زالوا يجدون، من يرد عليهم ويدافع عن النبي والإسلام من نفس المصادر التي استاق أولئك منها الدلائل، وعندما نعود لتلك المصادر نجد أنها فعلا تدعم كلا الطرفين النقيضين معلوماتيا.. ومن الواضح في كتب السيرة أن القصة الواحدة كثيرا ما تكون لها أكثر من رواية من أكثر من مصدر، وتكون هذه الروايات مخالفة لبعضها بشكل سافر، ومن ثم تجدهن جنبا إلى جنب في نفس الكتاب ونفس الصفحة، ونجد بعد ذلك من لا يرضى في التشكيك في مصداقية تلك الكتب!

    الأمر ببساطة لا يعدو كونه قراءة انتقائية من الطرفين، فهؤلاء الذين يريدون أن يقدحوا في نبي الإسلام وفي تعاليمه لن يتعبوا كثيرا في إيجاد ما يريح سوء ظنونهم في تلك المصادر، ويمكنهم بعد ذلك أن يقوموا بحبك القصص التي لا تستوعب غير سوء الظنون تلك، ويلقوا ما تبقى من الروايات المناقضة لظنونهم تلك في البحر.. مع أن البديهة تقول أن من يثق في مصدر تاريخي فعليه أن يثق بكل مافيه، وإلا لن تكون ثقته تلك إلا ثقة في انتقائيته هو لا أكثر، واختلاقا للتاريخ لا أكثر، وهذا بالفعل ما هو جاري اليوم، وما ظل جاريا منذ آماد بعيدة في تاريخ التوثيق البشري.. فهؤلاء القادحون في السيرة النبوية، وكذلك أولئك المدافعون عنها، لا يعدون كونهم قرائا انتقائيين، يختارون من تلك المصادر ما يعجبهم من الروايات، ويتغاضون عن ما لا يعجبهم.. هم ببساطة يقومون بصياغة تاريخهم الخاص وليس التاريخ الأصيل.. وليكن واضحا هنا أني أتحدث عن كلا الطرفين، وليست عندي النية هنا بعد عن الحديث عن أقربهما للمصداقية، فذاك شأن آخر..

    ما الحل إذا؟ وكيف نستطيع معرفة الصحيح في التاريخ من الملفق؟

    هذا في الحقيقة هو السؤال الذي يجب أن تتجه نحوه الأنظار.. وهو السؤال الذي طالما تغاضت عنه الكثير من المدارس التوثيقية والفكرية عبر العصور، مع أنه هو هو السؤال الأصيل.. هو السؤال الحقيقي.. وهو أكثر الأسئلة إلحاحا وأكثرها أهمية..

    لست أملك إجابة جاهزة على هذا السؤال، ولكني أزعم أن هناك منهاجا يؤهلنا كأفراد وجماعات لخوض غمار هذا السؤال بجدارة أكثر من أشكال الطيش التي نراها اليوم ماثلة أمامنا، وإن طاب للبعض بأن يسميها تحقيقات ودراسات وتحليلات وغير ذلك.. مع العلم أني هنا لا أتهم كل المحللين التاريخيين، ولا أتهم كل الدارسين التاريخيين.. بل الحق أن منهم من كانوا نماذجا عظيمة في التدقيق والفهم والتحليل، بمناهج محترمة، وإن اختلفنا مع بعضها..

    لعل من أهم النقاط التي يجب الإنتباه لها هي أنه لا يمكن لأحدنا أن يدرس التاريخ بمعزل عن واقعه هو.. فنحن دوما ندرس التاريخ ونحلله مستخدمين أدوات مكتسبة من واقع عصرنا وواقع ثقافتنا وواقع تجاربنا الشخصية.. نحن، باختصار، لا يمكن أن نتجرد من تجربتنا المجسدة في حيواتنا الخاصة المعاصرة عندما نحاول دراسة حياة المجتمعات البشرية السابقة والتي عمرت أكثر مما نعمر نحن كأشخاص بما لا يقاس.. ونحن أيضا ببساطة لا نعتبر لتاريخ البشرية كثير عبرة إلا لأن هذا التاريخ ينعكس على واقع مجتمعاتنا المعاصرة والتي تنعكس بالمقابل على واقع حياتنا نحن كأفراد، بشكل شخصي.. أي أن تاريخ البشرية كله، باختصار، لا يهمنا إلا لانه مختزل في حيواتنا نحن الشخصية.. كل منا إنما يبحث في تاريخه هو عندما يبحث في تاريخ المجتمعات الماضية وواقع المجتمعات المعاصرة..

    لهذا نحن لا مناص لنا، إذا أردنا فهم ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا، من أن نعمق تجاربنا الشخصية، وان نصقلها، وان نوسعها قدر الإمكان بواسطة توسيع حياة فكرنا وحياة شعورنا.. ولسنا ندعو باي حال من الأحوال بأن نلقي تلك الكتب الصفراء جانبا، فهي ليست المشكلة، وإنما المشكلة في طريقة تعاملنا معها.. ولكنا ندعو دوما إلى إعمال الفكر في كل ما نأتي وما ندع.. قد يكون كلامي هذا هلاميا بشكل كبير بالنسبة للبعض، ولكنه ليس كذلك إلا لأن قضية التاريخ نفسها قضية شائكة لا يمكن اخنزال الرؤية فيها في مكتوب صغير كهذا..

    من الناحية الإسلامية، فإن هناك جماعة من الناس وجدت منهاجا تتعرف به أكثر على شخص النبي الكريم وتقترب به منه بصفة شخصية تجعله (كإنسان) جزءا لا يتجزأ من تجارب أفرادها الذاتية والشخصية.. هؤلاء الناس هم أهل التصوف.. ولا أعني بالتصوف إلا المنهاج، ولا أعني بالمنهاج إلا سنة النبي، الذي هو عمله في خاصة نفسه، من عبادة ومعاملة وتأمل وتفكر دائم لا ينقطع.. هذا منهاج، وقد يقول قائل بأن هناك مناهج أخرى، فلماذا هذا المنهاج بالتحديد؟ وأقول هنا باني ليس لي أن أحدد، فأنا، كغيري من بني البشر منذ ظهور البشرية، إنما ابني على تجربتي الشخصية وفهمي الشخصي ولا أملك الخروح عنهما وإن ادعيت ذلك، ولكن المناهج لا تظهر حصافتها بالكلام، وإنما بالنتائج العملية، وهذه النتائج العملية لا سبيل لتذوقها إلا سبيل "الذوق".. إن المنطق العقلي نفسه يخبرنا أن مٍسألة الذوق، أو التجربة الفردية أو البرهان الفردي، هي أكثر القضايا منطقية.. لانا نحن لا انفكاك لنا من تمحورنا حول ذواتنا وفهمنا للكون من حولنا عن طريق استيعابنا الشخصي، فكل هذه العوالم المحيطة بنا ليست ذات قيمة إلا عندما تنعكس على أفكارنا ومشاعرنا، فهذه العوالم في الأساس لا وجود لها-بالنسبة لنا- إلا في دواخلنا.. هذا ما عناه الصوفي الذي قال (وتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر).. ورغم أن جميع دلائل المنطق إنما تشير إشارة قوية إلى هذه الحقيقة المجردة، إلا أن الكثير ما زال يأخذ الفهم الصوفي للوجود كفهم ميتافيزيقي هائم وراء الأخيلة وقائم على الغيبيات، في حين أنه أكثر الفهوم عملية وواقعية و"فيزيقية" من حيث جوهر "الفيزيقية".. إن صح التعبير..

    ولعل أبسط ما يمكن أن يقال في ختام هذا المكتوب القصير أن أكبر دلائل نبوة محمد إنما هو محمد نفسه! فلقد أسرف الكثير من رواة المسلمين على أنفسهم ليبحثوا في التاريخ وينقبوا ويصطنعوا دلائلا مادية على نبوته، عليه الصلاة والسلام، ليحاججوا بها من يحاججهم في نبوته وليثبتوا بها عقائد المسلمين فيه، وما نرى إلا أنهم غفلوا بذلك عن أكبر دليل وأوحد دليل، وهو شخصه عليه الصلاة والسلام، إذ أن كل الدلائل لن تجدي في إقناع شخص بنبوته إن لم يكن هو، عليه الصلاة والسلام، نفسه متمثلا لقيم النبوة في سيرته الشخصية.. ولا سبيل، في الواقع، لدراسة سيرته الشخصية، كنبي ذي رسالة متجاوزة لظروف مكانها وزمانها اللذين ظهرت فيهما، إلا بسلوك منهاجه، أي بتقليده والإقتداء بشخصيته.. وليس الإسلام كدين، عند الأصل الأصيل، إلا ما جسده محمد في الدم واللحم (كانت أخلاقه القرآن)، إذ أن الإسلام كدين قائم في الأساس على مصداقية محمد، ومحمد وحده.. المسلمون لم يصدقوا محمدا لأن الله نزل لهم بنفسه وقال لهم أن هذا نبيي فاسمعوا له، وإنما لأنهم اعتمدوا مصداقيته هو كإنسان خاطبهم وعاش بينهم وجربوه في أخلاقه ومبادئه.. وكذا هو الحال مع جميع الانبياء، أو حتى مدعي النبوة عبر التاريخ (بطبيعة الحال نحن نتحدث عن المؤمنين بالأنبياء، لا عن من اضطر لاتباعهم خوفا أو طمعا كالمنافقين مثلا).. الإسلام كدين، ببساطة، متمركز حول شخصية محمد، شاء المسلمون ذلك أم أبوا، ولا سبيل لمعرفة الإسلام معرفة حقيقية إلا عن طريق محمد، وبـ(طريق محمد)!

    وقيمة محمد بالنسبة للإسلام إنما هي صورة مصغرة لقيمة الإنسان بالنسبة للكون، فالإنسان لا يحفل بهذا الكون حوله، ولا قيمة له عنده، إلا لانعكاسة وتأثيره عليه، ولولا ذلك لما حفل به.. وعليه فإن الإسلام كدين لا قيمة له إلا كوسيلة ومطية للإنسان في سيره نحو كمالاته المنشودة.. فهل لم يئن الأوان بعد لندرك هذا ونتفكر فيه بجدية أكثر؟ ونقبل على ديننا من حيث يجب الإقبال عليه؟ لا بالزعيق وإدعاء الغضب والتعصب والغيرة عليه ضد أناس لا قيمة لأقوالهم وكتاباتهم إلا عندما نتأثر بها نحن ونجزع منها نحن ونخدع بها أنفسنا بأنفسنا نحن؟


    قصي همرور
    مايو 2005


    (عدل بواسطة Yaho_Zato on 05-06-2005, 03:13 PM)
    (عدل بواسطة Yaho_Zato on 05-06-2005, 05:05 PM)

                  

05-06-2005, 03:07 PM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 48584

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السيرة النبوية والتاريخ.. توثيق أم تلفيق.. واقع أم ميثولوجيا (Re: Yaho_Zato)

    أشكرك يا قصي على هذا المكتوب وأحييك..

    قال البوصيري:
    كيف ترقى رقيك الأنبياء * يا سماء ما طاولتها سماء

    يظن بعض المسلمين أن عمر سيدنا نوح المذكور في القرآن بأنه 950 سنة إنما هو مسألة خاصة بسيدنا نوح.. وإذا نظرنا إلى قصص سفر التكوين في الكتاب المقدس، العهد القديم، نجد أن كل أعمار الأنبياء المذكورين في تلك الحقب تماثل عمر سيدنا نوح.. ومن الجائز أن يكون سيدنا نوح قد عاش قبل حوالي 6 ألاف سنة.. وأن سيدنا آدم قد عاش قبل حوالي الثمانية آلاف سنة تقريبا.. المهم أنه قد عاش في زمن اكتشف فيه الإنسان الزراعة، وألّف الحيوان، بدليل أن أحد ابني آدم قرّب قربانا من زراعته، والآخر قرّب قربانا من الحيوان.. الوقت الذي اكتشف فيه الإنسان الزراعة يرجع إلى هذا التاريخ بحسب الاكتشافات الأثرية.. ولكن نفس هذه الاكتشافات الأثرية لم تجد دليلا على طول أعمار البشر بحيث تصل إلى قريب من مائة سنة، دع عنك مئات السنين التي نجدها مدونة في العهد القديم، أو ألف سنة إلا خمسين عاما، كما ورد في القرآن الكريم.. فماذا يمكن أن يعني هذا التناقض؟؟

    أرجو أن يثير مقالك هذا نقاشا هادئا ومفيدا..

    ياسر
                  

05-06-2005, 04:49 PM

Abdulgadir Dongos
<aAbdulgadir Dongos
تاريخ التسجيل: 02-09-2005
مجموع المشاركات: 2609

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السيرة النبوية والتاريخ.. توثيق أم تلفيق.. واقع أم ميثولوجيا (Re: Yasir Elsharif)

    لك التحية والأحترام أستاذ قصي .
    أشكرك علي الأضاءة ، وفعلا أشاركك الهم . رغم أن القرآن قالها صريحة
    من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ، الا أن هناك ثلة ما تزال ترهب الآخرين . لا أخال أن الأرهاب غيرة للدين ، أنما يصور لهم الواقع اذا أبعد الدين سيفقدون السيطرة والتسلط علي المجتمع .
    لا أتفق معك في أنهم يركنوا في الماضي التليد بعقولهم ، فهم يعون وعيا حسيسا طريق السلطة والتسلط لكنهم وجدوا نفسهم أمام واقع هندسته الكتب الصفراء التي ذكرت . هم يتشوقون الحياة المادية أكثر من آدم سمث نفسه ، لكن الواقع الموروث بكتبه الصفراء يلزمهم ابراز التطرف الروحي حتي يتثني لهم النفوذ الروحي وبالتالي النفوذ السياسي .
    السواد الأعظم من المسلمين في العالم العربي والأسلامي يركنون الي الموروث الروحي لتماسك الدولة ، شيوعيهم ولبراليهم سواء . وها نحن نشاهد الأمثلة الحية في العالم العربي بالذات ، حيث انفلت الأمر بتنامي الشرائح التي تعلمت في الغرب "أو العالم المادي".
    هذه الشرائح التي ظلت تتقاطر للغرب المادي جلها من الأسلاميين المتطرفين، يتسلحون بأرقي أنواع التعليم المادي والذي لا يقر بوجود الشئ أن كنت لا تراه . لي تجربة مع بعضهم في الجامعة التي أدرس بالولايات المتحدة ، هل تعلم أن أحد هؤلاء الوهابيون أتي ليدرس اللغة العربية في أمريكا ؛؛
    هؤلاء الناس هم الذين يسيطرون علي الأقتصاد في أغلب العالم الأسلامي ، لكن تنقصهم الشجاعة لمناقشة الواقع الموروث من تلك الكتب الصفراء .
    الغالبية منهم كانت تتبع استراتيجية التركيز علي دمغ الأنجيل والتوراة بالتحريف ، وهكذا نشأنا في السودان . القرآن هو المطلق في هذا العالم النسبي ، والسيرة هي الخط المستقيم الذي لا بد وأن يتبعها كل من شهد أن لا اله الا الله وأن محمدا عبده ورسوله . دون نقاش أو جدل يزج في التهلكة ، والتهلكة التي يعنون هي في المقام الأول تهلكتهم وماديات الواقع الذي ورث. .

    ...يتبع















    دنـقس .
                  

05-06-2005, 05:55 PM

Yaho_Zato
<aYaho_Zato
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 1124

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السيرة النبوية والتاريخ.. توثيق أم تلفيق.. واقع أم ميثولوجيا (Re: Abdulgadir Dongos)

    أستاذي العزيز ياسر الشريف.. شكرا على مرورك وتعليقك..

    عزيزي عبدالقادر دنقس..
    لك كثير الشكر على المداخلة المتميزة..

    لعل إتجاهي الاساسي في المقال عاليه كان مخاطبة الشعب لا مخاطبة السلطة والمستغلين للدين لأغراض السياسية.. فالواقع يخبرنا أن هؤلاء المتسترين بستار الدين لم يجدوا لأنفسهم شرعية وتأييدا من بين الشعب إلا لوجود العاطفة الدينية الجياشة في هذا الشعب.. وهذه العاطفة ليست هي المشلكة، ولكن المشكلة عندما تصبح عاطفة فجة، غير مدعومة بفكر، رغم أن الدين إنما هو منهاج فكري في المقام الاول (وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون)..

    وكما ذكرت، فليس من مصلحة هؤلاء المتأسلمين أن يراجعوا مصداقية تلك الكتب الصفراء، فهي المصدر الوحيد الذي يملكون لتثبيط الشعوب والمثقفين عن الإستغناء عن وصايتهم الدينية المزعومة عليهم.. والحق أن ليس لهؤلاء أدنى مصداقية في القرآن أو في سنة النبي (وهما المرجعان الاصيلان المستمران للدين، مع الفهم الصحيح لمعنى السنة) فالقرآن (حمال أوجه) لا يستطيعون أن يدعوا الفهم الأوحد له، والسنة عمل في محاربة النفس وشهواتها من حب مال وجاه وسلطة، وهم كما ترى أبعد عن الناس عن هذه.. فلم يبق لهم إذا ما يتسترون خلفه ويحكمون عبره سوى هذه الكتب الصفراء، ولهذا تجدهم يحيطونها بهالة من القداسة خوفا عليها من التناول النقدي الحصيف الذي سيثبت انتهاء صلاحيتها وعدم جدواها لزماننا..

    هذه هي مشكلة الأديان الأساسية عبر التاريخ، وهي أن ألد أعدائها دوما هم الذين يتسترون بأستارها، ويحورون رسالاتها السامية ليخدمون بها أغراضا دنية، غاية في الدناءة والإنحطاط عن سماء الدين..

    ولعلك ذكرت جانبا طيبا من حديث تحريف كتب الأديان الاخرى، فهؤلاء يطيب لهم أن يمسحوا مصداقية الكتب السماوية السابقة تماما لمجرد أن تحريفا قد جرى عليها(وأنا أوافق على أن يد التحريف قد مستها، خصوصا العهد القديم) ولكنهم ينسون أن القرآن نفسه -الذي أخبرهم بما تعرضت له تلك الكتب من تحريف- لم ينف عن تلك الكتب صفة القداسة بعد! فهاهو ينادي النصارى واليهود بـ"أهل الكتاب" ويدعوهم إلى تطبيق وصايا ما هو مكتوب عندهم(قل يا اهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والانجيل وما انزل اليكم من ربكم)، فهل كان سيدعوهم لتنفيذ تلك الوصايا لو كان التحريف فد ألغى مصداقيتها؟.. واسمعه أيضا يقول (ليسوا سواء، من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون* يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات وأولئك من الصالحين) فهل كان سيتحدث عنهم القرآن بهذه الصفات النبيلة لو كانوا أتباع كتاب فاقد للمصداقية؟ وهل كان سيقول عن تلك الكتب انها (آيات الله) لو كان التحريف قد نالها كلها (أو حتى معظمها)؟.. واسمعه أيضا يقول (إن الذين أمنو والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خواف عليهم ولا هم يحزنون)..

    وهؤلاء المتأسلمون إنما يناقضون أنفسهم عندما يفعلون ذلك، وإنما يتجنون حتى على الشريعة الإسلامية نفسها عندما يفعلون ذلك، فالشريعة الإسلامية أساسا مستمدة ومستلهمة في معظمها من شريعة اليهود (كالزكاة ذات المقادير مثلا)، وحتى الكثير من العبادات كذلك، منها على سبيل المثال الصيام، خصوصا صيام يومين في الاسبوع (من صيام النبي) وغير ذلك الكثير..

    ولهذا فإن التعصب الديني هو أعدى أعداء الدين نفسه.. والدين في جوهره هو منهاج بحث وتقصي خلف الحقيقة المطلقة الشاملة لهذا الكون، بذراريه ودراريه، فكيف يكون التعصب والتزمت والتشنج خدما لمنهاج ذي غاية عظيمة ونبيلة كهذه؟ مالهم كيف يحكمون؟

    وأراك قد ذكرت جانبا مهما من هذه التناقضات التي يرزح فيها هؤلاء الأوصياء على قلوب الناس وعقولهم، وهي تمتعهم بكافة معطيات الحضارة الغربية المادية والمعنوية دون أدني حرج ومن ثم -وبقوة عين- يحدثونك عن نظام الحكم الأفضل والأحسن والمنزل من عند الله، وهو نفس نظام الحكم الذي هربوا من وطأته عليهم وعلى أهليهم إلى أحضان الغرب..


    هذا ونترك ما يمكن أن يقال أكثر لمرات قادمات، علها تكون..

    ولك عزيزي دنقس كثير الود..
                  

05-06-2005, 08:48 PM

Abdulgadir Dongos
<aAbdulgadir Dongos
تاريخ التسجيل: 02-09-2005
مجموع المشاركات: 2609

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السيرة النبوية والتاريخ.. توثيق أم تلفيق.. واقع أم ميثولوجيا (Re: Yaho_Zato)

    أستاذ قصي، تحيات طيبات صالحات ،
    Quote: لعل إتجاهي الاساسي في المقال عاليه كان مخاطبة الشعب لا مخاطبة السلطة والمستغلين للدين لأغراض السياسية.. فالواقع يخبرنا أن هؤلاء المتسترين بستار الدين لم يجدوا لأنفسهم شرعية وتأييدا من بين الشعب إلا لوجود العاطفة الدينية الجياشة في هذا الشعب.. وهذه العاطفة ليست هي المشلكة، ولكن المشكلة عندما تصبح عاطفة فجة، غير مدعومة بفكر، رغم أن الدين إنما هو منهاج فكري في المقام الاول (وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون)..


    من يأتي للسلطة أستاذ قصي لا بد وأنه مر بعمق التفاعلات الأقتصادية ، الروحية، الأجتماعية ، السياسية والثقافية في المجتمع ، لذا السلطة تعكس ما يدور بحواري وأزقة المجتمع . معزرة أن كان ما كتبت لا يوافق والخط الذي تريد ، لاكني أري أن ما يترعه الرأي العام يعكس واقع الحال . لا أخالك بأنك تريد السفر والمكوث بحواري الخرطوم لتعلم أن صفوة تلك البلاد مهووسة . القاصي والداني في هذا العالم القرية ، يوقن أن الخرطوم تحكم من قبل متطرفين. هذا بكل بساطة عكسه أعلام الخرطوم وقضاء الخرطوم الذي يحاكم أنسان قرأ كتاب ورأي أنه جدير بالمشاركة حتي يتم التثاقف ، كيف حال الرجل لو كان هو صاحب الكتاب ومبطن الرأي؟ العاطفة الدينية سيد قصي أصلها هؤلاء المتأسلمين، فجامعة القرآن الكريم والخلاوي التي تدعمها الدولة سبب الواقع الدرامي الذي تراه . الدعم المؤسسي للخلاوي والتعليم الديني من التشاطر في العالم العربي ، فالدولة ان كانت ليبرالية أو دكتاتورية شيوعية تساهم بشكل مقدر في دعم هؤلاء البؤساء لتأمن شرهم . كيف الحال ان كانت الدولة دينية تريد أسلمة المجتمع وتصدير القيم السماوية . تراني أختلف معك في مسألة العاطفة في الدين ، عاطفة الدين خطورتها تكمن في أن القاتل بأسم الدين لا يحس الجرم ولا تؤنبه الجوارح . خاصة في بلاد مثل بلدنا، هناك من يوظف معاطيف الدين هؤلاء ليوسع من أمبراطوريته . لم تشفع لهم الدراسات بكمبردج أو السوربورن ، عندما يقف أحدا في طريق الأهداف الأستراتيجية التي يهندسون لها. تكفير الصحفي محمد طه ، ورأه رسائل جمة يريد لها أهل المؤتمر الوطني والقابضون الي جمرة السلطة أن تري النور . لا تنسي هذه الأيام ووجود الحركة الشعبية بينهم ، وهي الشريك الذي يعتبرونه أبدي لكن لا يشاركهم المعتقد . من مصلحة أمثال هؤلاء المتأسلمين التضحية بمثل أنسان محسوب عليهم ليأكدوا بأن لهم خطوطا حمراء لا تحمل العبور .
    [
    Quote: B]ولعلك ذكرت جانبا طيبا من حديث تحريف كتب الأديان الاخرى، فهؤلاء يطيب لهم أن يمسحوا مصداقية الكتب السماوية السابقة تماما لمجرد أن تحريفا قد جرى عليها(وأنا أوافق على أن يد التحريف قد مستها، خصوصا العهد القديم) ولكنهم ينسون أن القرآن نفسه -الذي أخبرهم بما تعرضت له تلك الكتب من تحريف- لم ينف عن تلك الكتب صفة القداسة بعد![/
    B] السؤال الأهم يا أستاذ قصي ، اذا كان كل الديانات السماوية ترجع بصورة أو بأخري لأبراهيم الخليل اليهودي الأصل لماذا نمجد قدسيةالقرآن وننكر قدسية التوراة والأنجيل ؟ ان كنت تؤمن بأن التوراة حرف ، هناك بعض المسيحيون يعتبروا أنالقرآن ليس بكتاب الله . بل هناك من يذكر أحراق أمير المؤمنين عثمان بن عفان للمصحف بعد موت الرسول الكريم، ويقولون فية أن لم تكن هنالك أخطاء فادحة في القرآن لما جمعه أمير المؤمنين وأمر بأحراقه . في أعتقادي أن هذه القصص لا تقدم ولا تؤخر ، الكل له مقدساته والكل له روحانياته . ان كان لك رأي في دين الآخرين ، الآخرين لهم رأي في دينك . ليس هناك من يثبت خطأ معتقد أحد مهما أوتي من المعرفة ، المعتقد شئ يفطر عليه الأنسان وفي الكبر هناك من يواصل علي دينه الذي فطر عليه وهناك من يلفظ دينه لأنه لا يجد نفسه بروحانياته . علي كل لا أخال أنها معضلة ، من يريد أن يؤمن ومن يريد فليكفر .
    لك الود والأحترام .


    ...يتبع ،














    دنـقس .
                  

05-07-2005, 00:28 AM

Dr.Elnour Hamad
<aDr.Elnour Hamad
تاريخ التسجيل: 03-19-2003
مجموع المشاركات: 634

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السيرة النبوية والتاريخ.. توثيق أم تلفيق.. واقع أم ميثولوجيا (Re: Abdulgadir Dongos)

    شكرا الإبن قصي على طرق هذه المسألة الهامة.

    ما يجري الآن في السودان ربما يكون قد جاء على قدر من أجل أن تتسارع الخطى في مسار مواجهة الخرافات والأساطير، والمفاهيم المكلفتة التي ألحقت بالدين إلحاقا، وحرفته من مساره، وأخرجته من معناه. فالدين سيرورة قديمة، عرفتها كل المجاميع البشرية في كل بقاع الكوكب. وقد عرفتها المجموعات البشرية حتى في أقصى حالات انعزالها عن بقية المجموعات. فالدين جزء من التكوين السيكلوجي للإنسان، وهو ضرورة لابد أن تجد الإستجابة لها في شكل من الأشكال. تلك السيروة الطويلة المسماة الدين، كان مبعثها وهدفها على الدوام، تحقيق إنسانية الإنسان. غير أن هذه السيرورة قد عانت من انحرافات كثيرة. وهي انحرافات لم تطال الإسلام وحده، وإنما جميع الأديان، كتابية كانت أم غير كتابية، توحيدية كانت أم تعددية. فالدين قد تم استخدامه كأداة للسلطة ولإسكات الأصوات، ولإستعباد الآخرين.

    وفي التجربة الإسلامية فقد رزء الدين بمعارضيه بمثلما رزء بمؤيديه. وما أثاره من يسمى بدكتور المقريزي في كتابه، "المجهول في حياة الرسول" ليس أمرا جديدا. فقد سبق أن أثيرت كل هذه القضايا من قبل. غير أنها لم تجد مواجهات شافية من قبل من يسمون عندنا برجال الدين. وهؤلاء بطبيعة التعليم الذي يتلقونه أضعف من أن ينهضوا في مواجهة أي شيء. كل ما يملكونه هو العواء، والصراخ، والتهديد بإلحاق الأذي، إما بأيديهم، وإما باستخدام محاكم، وقضاة، وقوانين، لا تختلف كلها، لدى التحليل النهائي، عن استخدام العصي والسيخ والسكاكين، وغيرها من أدوات إلحاق الأذى.

    ما يجرى الآن في السودان خير. ونسأل الله ألا يطال الصحفي محمد طه محمد أحمد، منه أي أذى. ونرجو أن يتعلم محمد طه من هذه التجربة بعد أن يخرج منها معافى بإذن الله. فهذا هو الغول الذي استنسخوه مما بقي من أجنة التاريخ ثم علفوه وكلفوه فنهض على أربعته وشرع في افتراسهم، واحدا واحدا.

    نرجو أن تكون هذه الفورة السلفية هي الفورة الأخيرة. وهي تبدو في هذا الظرف مثل "فرفرة مذبوح". والمذبوح هنا هو هذا العقل السلفي الضيق المدارك الذي أبدل القرآن، وروح الدين، وكل المعاني الإنسانية السامية التي جسدتها حياة نبي الإسلام العظيم، بهذه الترهات التي تمتليء بها الكتب الصفراء. قال تعالى: ((وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم، وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم، والله يعلم وأنتم لا تعلمون)).

    مؤيدو الإسلام من قبائل السلف لا يعرفونه، ولا يعرفون نبيه، وإن توهموا ذلك. والقادحون في الإسلام وفي نبيه من الجهة الأخرى لا يعرفون الإسلام ولا يعرفون نبيه. بل، إن المسيحيين منهم واليهود لا يعرفون حتى أنبياءهم والديانات الكتابية التي أتى بها أولئك الأنبياء، والتي يظن هؤلاء القادحون أنهم من منطلقها إنما يعارضون الإسلام. فالمحنة إذن مركبة، وهي محنة يتشارك فيها مؤيدو الإسلام من السلفيين والقادحين فيه جهلا موبقا بالدين الذي هو ظاهرة إنسانية، قبل أن يكون وحيا سماويا.
    القادحون يحاكمون الإسلام، ونبي الإسلام، من منطلق "بعدي" ـ أي بعد خمسة عشر قرنا من الزمان ـ ويستخدمون في هذه المحاكمة قيما لم تكن قد تبلورت في ذلك الزمان بهذا الشكل التي هي به عليه اليوم! هم يخرجون طرف السيرورة الإسلامية الذي لامس أرض الواقع في القرن السابع الميلادي، من إطاره التاريخي الذي حكمه. وينقلونه إلى الإطار التاريخي السائد الآن، لتتم محاكمته وفق منظومات فكرية ومعرفية لم تكن سائدة يومها وإنما تبلورت لاحقا. وهذا يقع في باب ما يسميه الغربيون بالـ context وهو أمر تجب مراعاته بدقة في حالات معالجة قيم الماضي من منظور الحاضر.

    يتجاهل القادحون في الإسلام وفي نبي الإسلام حقيقة مهمة جدا. هذه الحقيقة أن هذه الديانة لها مليار معتنق اليوم، ولا يمكن لعاقل أن يطفف من قدرها، أو يستسخفها، اللهم إلا إذا كان مغرضا، أو مجنونا. فعلى الرغم من تخلف المسلمين الفكري والسياسي والإقتصادي في عالم اليوم، فإن الإسلام يمثل الديانة الأسرع نموا بين الديانات جميعها. إذن، لابد أن يكون في هذه الديانة التي عاشت أكثر من أربعة عشر قرنا من الزمان، وبلغ أتباعها المليار نسمة شيء يستحق الإحترام، أو قل شيء ما يستحق التأمل، أو حتى مجرد الحيرة. فالثقة وروح التهكم التي يتحدث بها من يسمى بالمقريزي فيها الكثير من خفة العقل، ومن الغرض المبيت.

    في وقت كانت فيه الملكية هي النظام الوحيد المعروف في منطقة الشرق الأدنى وأوروبا، جاء شخص بدين هزم به الملوك، غير أنه، وعلى غير العادة المتبعة وقتها، لم ينصب من نفسه ملكا. وحتى خليفتيه أبو بكر، وعمر، لم ينصبا من نفسيهما ملكين، حتى بعد أن دانت لهما كل بقاع فارس ورومية! كيف يتجاوز أي دارس محايد للتاريخ مثل هذه الحقائق الناصعة بإغراق نفسه في مماحكات فرعية وقصص وحكايا مشكوك في صحتها. والثابت منها من أمور مثل تعدد الزوجات، والإسترقاق، وغيرها، كلها كانت أمورا عادية، وممارستها شائعة في ذلك الوقت. اللهم إلا إذا كنا نعتقد أن ذلك العصر كان من الممكن أن يقفز فجأة وبلا مقدمات إلى ما نحن عليه العالم الآن!

    المشكلة أن المسلمين لا يعرفون قدر دينهم. وقدر دينهم الحقيقي كامن في جوهره الإنساني الخالد، وفي حياة نبيه البسيطة الزاهدة في الحطام، أكثر من كونه كامنا في شريعته المرحلية التي ارتبطت بحكم ذلك الوقت "القرن السابع الميلادي". الشاهد أن الروايات المعنعنة التي يقدسها المسلمون اليوم، ويظنون أنها الإسلام، مليئة بكثير من الخزعبلات. وكثير منها لمما اخطته المخيال الشعبي الشفاهي، في بيئة كانت تسليتها الوحيدة هي المشافهة والتفنن في صنع الحكايات. والسيرة، كما تفضلت أنت، قد كتبت بعد قرنين من وفاة النبي. وكثير من الأحاديث التي تم تضعيفها مثلا، إنما تم تضعيفها لأنها كانت تقوى الإتجاهات المعارضة لاحتكار السلطة والثروة. فالمنهج الذي به جرى تمحيص حقائق السيرة وأقوال النبي ليس منهجا منزلا، وإنما هو منهج تمت صناعته بواسطة الفقهاء الجالسين في بلاط الخلفاء الأمويين والعباسيين. فالخلفاء كانوا معروفين بالإغداق على طبقة الفقهاء والشعراء، والمغنين، والمهرجين، وما إلى ذلك. والفقيه الذي لا يسير فقهه في وجهة ما يرضي البلاط لا ينال الأعطيات، ويفقد كل المزايا المتاحة، وربما لن يجد لنفسه مكانا، في نهاية الأمر، إلا وسط فقراء المتصوفة الذين بعدوا بأنفسهم من بلاط السلاطين، ورضوا بخشن الثياب وبخشن الطعام، وبخش المسكن، من أجل أن يسلم لهم دينهم. فما يسمى الآن عندنا بـ "الإسلام السني"، ليس في حقيقة أمره سوى النسخة التي نسخها فقهاء البلاطين الأموي والعباسي لتناسب مؤسستيهم الحاكمتين.

    في محاضراته الكثيرة التي كان الأستاذ محمود محمد طه يلقيها في الأندية والمحافل في مدن السودان المختلفة، لم يكن يعنعن الأحاديث. وكان هذا مما يثير حنق الفقهاء. كان الأستاذ محمود يقول أنه يعرض معاني الحديث على القرآن، فما وافق القرآن فهو حديث نبوي، وما لم يوافق القرآن فليس حديثا نبويا. وكان يقول، وكان هذا يغيظ المعارضين من رجال الدين وفقهاء الشريعة: ((نحن بنعرف الحديث من نوره)). كانت تلك هي أول مواجهة علمية وعملية للمؤسسة الفقهية التي احتكرت فهم الدين وتفسيره منذ الفتنة الكبرى. كان الفقهاء يركزون على "العنعنة"، وكان الأستاذ محمود يركز على مراد الدين، وعلى جوهره، وعلى القيم التي من أجلها جاء الدين، وعلى السيرة النبوية بوصفها تجسيدا لتلك القيم. ومن أهم ما كان يقول به الأستاذ محمود: ((العبرة ليست بالنصوص وإنما بفهم النصوص))

    بنى الأستاذ محمود محمد طه كثيرا على الموروث الصوفي. لم يكن الصوفية أيضا يهتمون بـ "عنعنة" الأحاديث. وأغلب الأحاديث التي يتداولها الصوفية منكورة عند فقهاء السلاطين. وكان المتصوفة يطلقون على الفقهاء لقب "علماء الرسم".. لأنهم يرسمون وينحتون، ويبتعدون من الجوهر كلما أوغلوا في "النحت" وفي "الرسم". ورد في أشعار المتصوفة مما قام بتخميسه الشيخ عبد الغني النابلسي، وقد تضمن إشارة إلى جهل الفقهاء بمقامات النبي الكريم:

    سحابُ غيوبِ الذاتِ أضحت رهيننا
    ومنكم لقد أُخفي مقامُ أميننا
    فيا علماءَ الرسمِ هل من معيننا؟
    مذاهبكم نرفو بها بعضَ ديننا، ومذهبُنا عُمِّي عليكم وما قلنا

    فرق المتصوفة بين ولاية النبي، ونبوة النبي، ورسالة النبي. وبنى الأستاذ محمود محمد طه على هذا الأساس الصوفي أقوى الأبنية العرفانية. قال الأستاذ محمود محمد طه، أن النبي في مرتبة الولاية، أكبر منه في مرتبة النبوة. وفي مرتبة النبوة، أكبر منه في مرتبة الرسالة. فالنبي كولي، إنما يتلقى عن الله كفاحا بلا واسطة الملك جبريل. وقد قال هو في ذلك: ((لي ساعة مع الله لا يسعني فيها نبي مرسل ولا ملك مقرب)). ومعلوم أن جبريل توقف عند سدرة المنتهى ولم يذهب بقية المشوار مع النبي الكريم. أما في مرتبة النبوة فهو يتلقى عن طريق جبريل والقرآن هو تجسيد علوم مرتبة النبوة. أما مرتبة الرسالة فقد قال عنها: ((نحن معاشر الأنبياء أمرنا أن نخاطب الناس على قدر عقولهم)). ولذلك فهناك "أحاديث ولاية" وهذه كثيرا ما ينكرها الفقهاء. وهناك "أحاديث نبوة". وهناك "أحاديث رسالة". هذا الميزان هو الذي يفتح الباب على مسألة الـ context فالنبي كرسول هو فرد من قبيل من الناس عاشوا في القرن السابع الميلادي، وقد جرى عليه بعض مما جرى عليهم بصورة من الصور. وهو كنبي عاش في مستوى ما جاء به جبريل من الوحي. وهو كولي عاش في سمت أسمى مما جاء به جبريل إليه.

    وحياة النبي مليئة بالشواهد على كل هذه المعاني. فهو قد أمر المؤمنين بزكاة المقادير، في حين كان هو ينفق كل ما زاد عن حاجته الحاضرة. كما كان لا يتميز على أصحابه في شيء من مأكل أو مشرب، أو مسكن، أو ملبس. فالإسلام هو أول فكرة اشتراكية سارت على قدمين فوق ظهر الأرض، ونبيه أول اشتراكي سار على قدمين فوق ظهر الأرض. ولو لم تكن في الإسلام، وفي نبي الإسلام ميزة غيره هذه لكفتهما. لكن الفقهاء بحكم حبهم للدنيا لا يرون هذه المعاني الإنسانية الكوكبية، ولا يسلطون عليها الضوء لأنها تقف بينهم وبين مطامعهم في الدنيا، كما تقف أيضا حائلا بين أولياء نعمتهم من الحكام، وبين مطامعهم في الدنيا التي لا تحدها حدود. وأهل الإنقاذ قدموا أقوى النماذج في تاريخ السودان للدنيا التي تؤكل باسم الدين، وبنهم لا حد له.

    فنحن الآن بين سندان فقهاء السلاطين الذين لا يعرفون جوهر الإسلام، ولا مقامات نبيه، وبين مطرقة القادحين في الإسلام، وفي نبيه بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير. وكل ذلك يفتح بابا كبيرا لمقاربة أمور كثيرة لم تتم مقاربتها بعلم كاف، وظلت معلقة ومعماة في فضاء الإبتسار، والتبسيط الساذج، والكلفتة. وأرجو أن أتمكن من العودة.
                  

05-07-2005, 01:40 AM

Yasir Elsharif
<aYasir Elsharif
تاريخ التسجيل: 12-09-2002
مجموع المشاركات: 48584

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السيرة النبوية والتاريخ.. توثيق أم تلفيق.. واقع أم ميثولوجيا (Re: Dr.Elnour Hamad)

    الأخ العزيز النور،
    تحية المودة والشوق

    لقد سعدت بعودتك للكتابة في المنبر خاصة في هذا الظرف الحرج..

    ياسر
                  

05-07-2005, 10:51 AM

Yaho_Zato
<aYaho_Zato
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 1124

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السيرة النبوية والتاريخ.. توثيق أم تلفيق.. واقع أم ميثولوجيا (Re: Yasir Elsharif)

    أستاذي العزيز النور حمد..

    جزيل الشكر على تشريفك هذا الخيط.. ومن الواضح جدا أن مشاركتك أعلاه قد ذكرت الكثير مما كان يجب أن يذكر في هذا المنبر وفي هذا الظرف (الحرج كما عبر الاستاذ ياسر)، ومما كان يجب الوقوف عنده بتحليل وتبيين كالذي أتت به مشاركتك القيمة.. واسمح لي أن أتبنى كل ما ورد في مشاركتك من رأي، فهي قد أذهبت عني شخصيا كبير حمل اقتضته مسؤولية افتراع هذا الخيط..


    عزيزي عبدالقادر دنقس..

    بداية يا عزيزي، دعني أؤكد لك أني لم أفترع هذا الخيط لأسمع أصوات المؤيدين فقط، ومن المؤكد أن مشاركاتك هنا لها قيمة كبيرة، وبالنسبة لي خصوصا، فهي تعينني، على أقل تقدير، لتبيين وجهة نظري أكثر.. وسأحاول العودة إليك في مشاركة تالية.. مع كثير ودي..
                  

05-07-2005, 11:37 AM

Yaho_Zato
<aYaho_Zato
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 1124

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السيرة النبوية والتاريخ.. توثيق أم تلفيق.. واقع أم ميثولوجيا (Re: Yaho_Zato)

    عزيزي عبدالقادر دنقس..

    سأرد على مشاركتك الاخيرة في شكل نقاط..

    (1)
    أنت تتحدث عن الثقافة الشعبية السائدة اليوم (ثقافة الإستعلاء الديني والعرقي) بين أهل شمال السودان.. والحق أني لم أختلف معك في هذه، ولكني، بخلافك، قد تحدثت عن العوامل التاريخية التي أورثتنا هذه الحالة الراهنة.. من الواضح أن الحالة الراهنة هي ميرات سنين من تسلط الهوس الديني على أرض السودان، والنصيب الأكبر في هذا التسلط يرجع للسنين الطوال التي رزح الشعب فيها تحت حكم هؤلاء المتأسلمين، حيث غيروا الكثير من طبائع الشعب بتغيير بيئته وحكر مصادر المعلومات الوافية عنه، وإشهار سيف الإذلال والقهر في وجهه..

    ومرة أخرى، فالعاطفة الدينية في الاساس عاطفة سامية، تربط الإنسان، هذا الجرم الصغير، بالبيئة المحيطة به، من مجتمع وطبيعة وأفكار ومشاعر متألقة ومتبلورة وسابحة في كل هذا الكون.. المشكلة دوما تكون في سوء توجيه هذه العاطفة.. المهاتما غاندي كان ذا عاطفة دينية شديدة، جعلته يحب كل الهند، بهندوسييها ومسلميها، وجعلته يبذل حياته من أجلهم.. الام تيريزا كانت ذات عاطفة دينية شديدة، جعلتها تعايش الفقراء والمنبوذين وتلاصقهم وتبذل حياتها في خدمتهم.. مارتن لوثر كنج كان ذا عاطفة دينية شديدة، جعلته يسعى لتحقيق دولة يعيش فيها أبنائه السود دون اعتبار للون جلدهم، ولكن محتوى شخصياتهم.. الاستاذ محمود كان ذا عاطفة دينية شديدة، جعلته يقضي كل حركاته وسكناته في بذل الخير للأحياء والأشياء، حتى توج تلك المسيرة بذلك الفداء العظيم..

    تعرض الشعب السوداني لاستغلال الصفوات (الطائفيين والمتأسلمين) لهذه العاطفة الدينية، وعليه جرى سوء التوجيه لها..


    (2)
    حديثك عن قدسية الكتب لم أفهمه تماما.. هل ترى أني لا أوافق على قدسية تلك الكتب؟ إن كنت ترى ذلك فما عليك إلا أن تراجع حديثي من جديد، لترى عكس ذلك..

    وببساطة، فقضية الكتاب المقدس أساسا تختلف من الناحية التاريخية عن قضية القرآن، وذلك لأن القرآن كله مصدره شخص واحد، هو محمد بن عبدالله، أما الكتاب المقدس فهو كتاب قد كتب عبر ألاف السنين، تنقل فيها من عدة لغات وعدة مجتمعات وعدة أشخاص.. الكتاب المقدس ببساطة هو في معظمه كتاب تاريخ، ولهذا جرى عليه ما يجرى عادة لكتب التاريخ العتيقة لهذا الحد، فالكتاب المقدس يا عزيزي دنقس من أقدم كتب التاريخ المعاصرة.. ولكن، تمهل، فأنا لم أكمل حديثي بعد..

    رغم كل هذا، إلا أني لم أقدح في قدسية التعاليم الموجودة في الكتاب المقدس، وهذا ما سقته لك واضحا، ودللت عليه بالآيات القرآنية (القرآن نفسه لا يقدح في قدسية الكتاب المقدس).. الأمر ببساطة يعود لأن الكتاب المقدس ليس فقط مجرد تعاليم من قبل الأنبياء، بل إن الكثير مما هو مكتوب فيه لم يكتبه الأنبياء، ولم يقل به الأنبياء، ولم يكتب حتى في أزمنة الأنبياء.. فالتوراة مثلا، بالنسبة لي، ليست محرفة، لأنها تعاليم النبي موسى، والتي على أساسها تقوم كل الشريعة اليهودية، والإنجيل أيضا لست أراه محرفا، لان الإنجيل في الأساس ليس سوى تعاليم السيد المسيح، وكذلك يمكن أن نقول عن بعض المكتوبات الأخرى في الكتاب المقدس التي كتبت بواسطة أنبياء، ولكن الكتاب المقدس ليس هو التوارة والإنجيل فقط! فالكتاب المقدس (العهد القديم والعهد الجديد) فيه أكثر بكثير من التوراة والإنجيل فقط، وإذا أنت اطلعت عليه لعرفت ما أعني..

    إن تعاليم المسيح (الإنجيل) هي مما نفى عنه القرآن التحريف، وكذلك التوراة (قل يا اهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والانجيل وما انزل اليكم من ربكم).. أرجو أن أكون قد أفلحت في توضيح نظرتي لك هذه المرة..

    (3)
    مسألة اختلاف الأديان مع بعضها، وقدحها لمصداقية بعضها البعض لم يكن هو اتجاه ما أردت قوله، فهو أمر قديم جدا ولولاه لما كانت هناك أديان مختلفة أساسا.. ما أردت الإشارة إليه أنا هنا هو أن هذه الأديان بوسعها التعايش مع بعضها رغم اختلافها مع بعضها.. أنا لست أقلق كثيرا من قول المسيحيين واليهود أن القرآن ليس من عند الله، ولا أجد مشكلة في التعايش السلمي معهم في ظل هذا الإختلاف البين طالما نحن نقدر بعضنا البعض كبشر ونتحاور بشكل متمدن ونتعامل في ظل مجتمعنا كسواسية.. دعني أحيلك في هذه النقطة إلى الورقة التي كنت قد قدمتها في الذكرى العشرين لاستشهاد الأستاذ محمود، واسم الورقة هو (التسامح ديني.. ضرورة لا بديل عنها).. أضع لك وصلتها أدناه..

    التسامح الديني.. ضرورة لا بديل عنها

    هذا ولك كثير المودة والإحترام..

    (عدل بواسطة Yaho_Zato on 05-07-2005, 12:49 PM)

                  

05-07-2005, 04:24 PM

Yaho_Zato
<aYaho_Zato
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 1124

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السيرة النبوية والتاريخ.. توثيق أم تلفيق.. واقع أم ميثولوجيا (Re: Yaho_Zato)

    عزيزي عبدالقادر..

    أعود لك في نقطتين أخرتين، أتناولهما بشيء من الإختصار، وقد كدت أن أنسى تناولهما..

    (4)
    قلت لي (من يأتي للسلطة أستاذ قصي لا بد وأنه مر بعمق التفاعلات الأقتصادية، الروحية، الأجتماعية، السياسية والثقافية في المجتمع، لذا السلطة تعكس ما يدور بحواري وأزقة المجتمع).. هذا حديث في جملته صحيح، وفي تفصيله نظر..

    من المعروف تاريخيا يا عزيزي عبدالقادر أن الصفوة في المجتمع هي دائما من يعكس ثقافة ذلك المجتمع وعاداته للمجتمعات الأخرى، خصوصا في كتب التاريخ.. والواقع أن تفاعلات الصفوة (فكرية كانت أو طبقية أو دينية) لا تستمد كلها من "حواري وأزقة المجتمع"، فالحق أن هذه الحواري وتلك الأزقة إنما تتأثر بهذه الصفوة كما تؤثر فيها، وفي كثير من الأحيان فإنها قد تتأثر بها أكثر مما تؤثر فيها، وهذا أمر بديهي تاريخيا، وبديهي أيضا من واقع ما نراه في السودان اليوم..

    لقد ترعرع الأخوان المسلمون السودانيون في مجتمع يرتكز على الدين في جماع ثقافته، بحبه له وتعلقه الشديد به (وهذه خاصية الإنسان الأفريقي بشكل عام).. ولكنهم لم يأخذوا الفكر السلفي من هذا المجتمع الذي ترعرعوا فيه! فالمعروف أن هذا الفهم السلفي مستورد من مصر ومن أرض نجد، والأقرب للوجدان السوداني الديني هو الإسلام الصوفي، حيث أن الطرق الصوفية هي التي نشرت الإسلام في السودان أساسا..

    الصفوية في الأساس تقوم على احتقار ثقافة هذه "الحواري والأزقة" التي تحدثت عنها يا عزيزي دنقس، ولهذا هي تحاول الإتيان دوما بنمط عيش مخالف تماما لما هو موجود فيها.. ومن الجانب الآخر، فاهل الحواري والأزقة البسطاء دوما يتطلعون إلى أساليب حياة ومفاهيم الصفوة بتطلعات برجوازية تجعلهم يحاولون التشبه بهم ظنا منهم انهم أفضل منهم وأنهم خلاصتهم.. هذا تحليل مبسط لـ(كيف انتقلت ثقافة المتأسلمين إلى الحواري والأزقة في شمالنا اليوم).. علاوة على أن هذه الصفوة تكون هي المسيطرة على وسائل الإعلام عندما تصل للسلطة، فتجعل ثقافتها تبدو وكأنها الثقافة السائدة في الدولة عن طريق تضليل الشعب، وماهي كذلك، حتى يفلحون فعلا في خداع الشعب وتغيير ثقافته، إلى حين، كما نرى في السودان اليوم..

    ولكننا نرى أن الصفوة الفكرية الحقيقية تكون دوما غاية في التواضع مع أهل تلك الحواري والأزقة، فهي لا تتنكر لهم، ولا تترفع عنهم، بل تعايشهم تمام المعايشة، وتمتزج بهم تمام الإمتزاج، وتدعوهم إلى الصحوة الفكرية من واقع حياتهم، لا بمخاطبتهم من عل.. هذه هي الصفوة الفكرية الحقيقية، التي جسدها عبر التاريخ الأنبياء والاولياء ومن سار على دربهم في عصرنا الحاضر(غاندي، مانديلا، محمود محمد طه،..)

    (5)
    الدين يا عزيزي عبدالقادر ليس مجرد اعتقاد.. ولا هو بمنطقة اعتقادات بحتة، وإنما الإعتقاد فيه مجرد مرحلة بدائية، يستعين بها السالك في درب المعرفة الكونية.. إن فهمك هذا للدين هو الذي جعل هؤلاء المتأسلمين يفرضون الوصاية علينا، وهو الذي جعل المثقفين يستنكفون ويترفعون عن الخوض في أمور الدين..

    الدين في الأصل الأصيل هو منهاج فكري يصل بنا إلى الأصول القائمة وراء ظواهر الشكول.. يقول محمد في ذلك (تفكر ساعة خير من عبادة سبعين سنة) ويقول القرآن في ذلك (فاقصص القصص لعلهم يتفكرون) ويقول (وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون) وغيرها نم الآيات المستفيضة، وأكثر الآيات استفاضة في ذلك هي حياة محمد نفسها، حيث كانت كلها ذكرا وفكرا.. ولكن ما حجبنا عن الإقتداء به إلا دعاوي العقيدة الصماء الثابتة المتحجرة، والدين منها براء..

    ونحن إذا كنا منصفين في قراءتنا للتاريخ، فسنجد أن مفهوم التمدين (مفهوم الأخلاق المدنية) لم تزرعه في المجتمعات البشرية إلا الأديان! وسنجد أيضا أن الدين والفلسفة والعلم المادي كلها نبتت من أصل واحد، ولغاية واحدة.. فليس الدين يا عزيزي نافلة من حطام التاريخ نجترها ورائنا، بل هو أداة حصيفة لا زمت الجنس البشري منذ بداياته، وساقته في خط التطور الأخلاقي والمعرفي منذ عهد طفولته، وما زالت، ولن تنفك..

    هذه ردود مختصرة جدا، وأرجو أن تكون وافية، ولكن إذا لم تكن فسأحاول جهدي أن أفصل أكثر..

    ولك كثير المودة..
                  

05-07-2005, 04:29 PM

Mutwakil Mustafa

تاريخ التسجيل: 10-08-2003
مجموع المشاركات: 303

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Fictions and defictionize (Re: Yaho_Zato)

    Salam Ustadh Guesie and family.

    I will do my best to confort whith you.

    this is my break frogive me if you would.


    mutwaki
                  

05-07-2005, 11:20 PM

Abdulgadir Dongos
<aAbdulgadir Dongos
تاريخ التسجيل: 02-09-2005
مجموع المشاركات: 2609

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: Fictions and defictionize (Re: Mutwakil Mustafa)

    تحيات طيبة أستاذ قصي ،
    دون أدني شك أن الأختلاف محمدة ، وعندما عزمت مشاركت الحوار لم ينتابني ادني احساس أن الرؤية واحدة . فقط ايماني بتنوع الفكرة فرض علي المشاركة بوجهة نظري ، أيضا هناك هاجس آخر وهو أن بعض الأفكار في بلادنا تقف بصلابة ضد المشروع الحضاري وزمرته ، لكنها لا تزال تركن الي مشروع الدولة الدينية بفلسفة تختلف. ليس الأختلاف الفلسفي جوهريا أنما شكليا لواقع الدين في المخيلة . تراني أفصحت آنفا عما بجعبتي تجاه الأعتقاد، أما شكل الدولة فايماني به هو نتاج التثاقف والتحاور الذي نفعله الآن لنضع القوانين التي تسيير المجتمع رغم الخلاف الفكري والروحي .
    سأتناول ردي كما تفضلت في شكل نقاط ، وسأركز علي مواضع الأختلاف . قلت في ردك السابق :
    Quote: ومرة أخرى، فالعاطفة الدينية في الاساس عاطفة سامية، تربط الإنسان، هذا الجرم الصغير، بالبيئة المحيطة به، من مجتمع وطبيعة وأفكار ومشاعر متألقة ومتبلورة وسابحة في كل هذا الكون.. المشكلة دوما تكون في سوء توجيه هذه العاطفة.. المهاتما غاندي كان ذا عاطفة دينية شديدة، جعلته يحب كل الهند، بهندوسييها ومسلميها، وجعلته يبذل حياته من أجلهم.. الام تيريزا كانت ذات عاطفة دينية شديدة، جعلتها تعايش الفقراء والمنبوذين وتلاصقهم وتبذل حياتها في خدمتهم.. مارتن لوثر كنج كان ذا عاطفة دينية شديدة، جعلته يسعى لتحقيق دولة يعيش فيها أبنائه السود دون اعتبار للون جلدهم، ولكن محتوى شخصياتهم.. الاستاذ محمود كان ذا عاطفة دينية شديدة، جعلته يقضي كل حركاته وسكناته في بذل الخير للأحياء والأشياء، حتى توج تلك المسيرة بذلك الفداء العظيم..
    تري أنت تعمم فهم العاطفة الدينية ، ليس في الدين الأسلامي فهم يدعوا لتدر خدك الأيمن ان صفعت في الأيسر . الدين الأسلامي يحث للعين بالعين ، اذا نحن امام حالة نسبية تختلف وتتغير حسب الدين والثقافة والبيئة الجغرافية .
    ليس تجربة تسامح المهاتما غاندي كتجربة مارتن لوثر، وكليهما يختلفان عن تجربة تسامح الأستاذ محمود . وكما ذكرت التسامح لابد وأن تذكر النمازج السيئة، مقتل كل القادة العظماء الذين ذكرت نتاج للعاطفة الدينية والتي لاتختلف كثيرا عنها في الثقافة أو حتي الدين، لكنها عاطفة دينيه تري أنها أحق . الأستاذ محمود طه تآمر لقتلة مسلمون ، هللوا وكبروا وصافحوا بعضهم بعضا وهم في ذلك الأنتشاء العاطفي الذي تبشر أنت به . والقس مارتن لوثر والعظيم غاندي قتلا غدرا لطوائف ليس بعيدة روحيا عنهما ، لكن متعة العاطفة الدينية كانت هناك تنتشي كما أنتشي الترابيون في السودان .
    قلت:
    Quote: حديثك عن قدسية الكتب لم أفهمه تماما.. هل ترى أني لا أوافق على قدسية تلك الكتب؟ إن كنت ترى ذلك فما عليك إلا أن تراجع حديثي من جديد، لترى عكس ذلك..

    نعم سيدي اذا كنت توافق قدسية الكتب السماوية ، ليس هناك خلاف . في ردك السابق أعلمتنا أنك توافق علي الزعم أن التوراة حرف ، لذا تطرقت لقدسية الكتب السماوية .
    Quote: الصفوية في الأساس تقوم على احتقار ثقافة هذه "الحواري والأزقة" التي تحدثت عنها يا عزيزي دنقس، ولهذا هي تحاول الإتيان دوما بنمط عيش مخالف تماما لما هو موجود فيها.. ومن الجانب الآخر، فاهل الحواري والأزقة البسطاء دوما يتطلعون إلى أساليب حياة ومفاهيم الصفوة بتطلعات برجوازية تجعلهم يحاولون التشبه بهم ظنا منهم انهم أفضل منهم وأنهم خلاصتهم.. هذا تحليل مبسط لـ(كيف انتقلت ثقافة المتأسلمين إلى الحواري والأزقة في شمالنا اليوم).. علاوة على أن هذه الصفوة تكون هي المسيطرة على وسائل الإعلام عندما تصل للسلطة، فتجعل ثقافتها تبدو وكأنها الثقافة السائدة في الدولة عن طريق تضليل الشعب، وماهي كذلك، حتى يفلحون فعلا في خداع الشعب وتغيير ثقافته، إلى حين، كما نرى في السودان اليوم..
    سيد قصي ، أتفق معك الي حد ما في أن تلك الصفوه في السودان لا تمثل كل المجتمع ، والسبب هو أنهم أستعملوا القوة ليجلسوا علي الرقاب . هذا لا يعني أنهم لا يمثلون شريحة من المجتمع ولها قواعدها و بالتسلط علي منافذ التعبير باتوا يستقطبون الغير منتميين ، بل يهندسوا الأوضاع لظهور المجتمع علي الهيئة التي تعكس معرفتهم بألأزقة والحواري . لا تنسي أنهم شاركوا في برنامج انتخابية عدة أهلت كادرهم أن يكتسح الأنتخابات في دوائر الخريجين ، وتلك هي أحدي معاضل أؤلائك المتأسلمين . أنتفخوا بصلف أن أغلب مستنيري المجتمع بصفهم لذا ركنوا للأنقلاب ، فهم يعلمون أنهم سيسيطروا علي المجتمع لأنه يعج بالذين يترعون عاطفة دينية .
    أستاذ قصي ، مازال العالم يدرس الحالة الهتلرية . كيف لفرد أو أفراد أن يسيطروا علي كامل مجتمع بل يفرضوا علي أفراده ارتكاب جرائم كالتي نالت من اليهود بألمانيا النازية . حواري وأزقة ألمانيا قبل النازية كانت تعج باليهود ومختلف نشاطاتهم ، هل كان النازيون لا يعلمون ما بتلك الحواري؟
    Quote: الدين يا عزيزي عبدالقادر ليس مجرد اعتقاد.. ولا هو بمنطقة اعتقادات بحتة، وإنما الإعتقاد فيه مجرد مرحلة بدائية، يستعين بها السالك في درب المعرفة الكونية.. إن فهمك هذا للدين هو الذي جعل هؤلاء المتأسلمين يفرضون الوصاية علينا، وهو الذي جعل المثقفين يستنكفون ويترفعون عن الخوض في أمور الدين..
    لا أتفق أن الدين يقود للمعرفة الكونية ، بل هناك قيم كونية فطر الأنسان عليها . في أعتقادي أن الدين جرء من هذه القيم الكونية ، وهنا لا خلاف أن كان دينا سماويا أو صنعته ظروف أقتصادية ـ ثقافية ـ روحية معينة . فهمي للدين لا بد لك ولهم أن يعوه اذا كنت أو كانوا يؤمنون بدولة المواطنة ومن حقي أن أبدل ديني أو لا أعتنق دينا . فهمي للدين لا يهب أي كائن في هذه البسيطة أن يلاحقني ، ومن يري أني نلت منه فليذهب للقضاء .
    مع أحترامي لوجهة نظرك تجاه الدين الا أني أختلف معك جوهريا في فهم الدين ، جل المآسي وجل ضحايا هذا الكون ماتوا أو شردوا نتيجة خلافات دينية . رغم أني أعيش بمفاهيم قيم الأسلام ، الا أن هذا هو واقع الأمر .
    قد تكون فلسفتك وراء تلك الآراء التي تريد أن ترسم عالما ورديا، يرعي فية الذئب جنبا للحمل ، لكن الواقع يقول غير ذلك .

    لك الود والأحترام قصي .













    دنـقس .
                  

05-08-2005, 06:52 AM

Yaho_Zato
<aYaho_Zato
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 1124

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: Fictions and defictionize (Re: Abdulgadir Dongos)

    عزيزي عبد القادر، لك التحية مرة أخرى، ونواصل الحوار..

    قلت لي (تري أنت تعمم فهم العاطفة الدينية ، ليس في الدين الأسلامي فهم يدعوا لتدر خدك الأيمن ان صفعت في الأيسر. الدين الأسلامي يحث للعين بالعين ، اذا نحن امام حالة نسبية تختلف وتتغير حسب الدين والثقافة والبيئة الجغرافية. ليس تجربة تسامح المهاتما غاندي كتجربة مارتن لوثر، وكليهما يختلفان عن تجربة تسامح الأستاذ محمود).. قولك هذا غير صحيح، فالدين الأسلامي قد شمل خصائصا أكثر من هذه التي ذكرتها وأعظم منها، وقد تنزل بكل خاصية شرعية لتكون مطبقة في زمانها.. ما رأيك في الآية (وجزاء سيئة سيئة مثلها، فمن عفا وأصلح فأجره على الله)؟ ألا ترى الدعوة الصريحة للتسامح والعفو ومن ثم البر بالعدو فيها؟ وكذلك قوله (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة، ادفع بالتي هي أحسن، فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم) وقوله (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن، إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو اعلم بالمهتدين).. هذا مع العلم أنها هذه الآيات ليست الوحيد في القرآن التي تحث على هذا الخلق، ولنا في حياة محمد نفسه عبرة معتبرة في المواقف التي كان فيها إيذاءا لشخصه دون المساس بحرمة الدين.. الإسلام عندما شرع بدأ بأدنى مستوى من العدل، وهو القصاص، حيث لا تخطئ في حق من لم يخطئ في حقك، ولكنه من ثم ندب الناس إلى القمة الشماء حيث العفو ومن ثم الإصلاح (تقديم الخير للمسيء).. وأنا لا أنكر أن وصايا السيد المسيح كانت هي الاقرب للجانب اللطيف الرحيم من التسامح، ولكن المسيحية لا تنكر كون الشريعة اليهودية مرسلة من السماء، والشريعة اليهودية فيها ما فيها من صور العنف، والسيد المسيح لم ينقض تلك الشريعة، ولم ينكر أنها مرسلة من الرب، وإنما دعا وندب الناس إلى تطويرها إلى ما هو أكمل منها.. ولكن واقع التاريخ يخبرنا أن المسيحيين لم يستطيعوا تطبيق وصايا السيد المسيح، حتى حوارييه، وذلك لان حكم وقتها لم يأت بعد، فهي تحتاج إلى تطوير شديد في الأخلاق الفردية والمجتمعية، والإسلام يوفر منهاج التطوير ذاك، وهو ذلك المنهاج الذي استمسك به عارفي الصوفية عبر التاريخ الإسلامي فكانوا نماذجا واضحة في تطبيق وصايا السيد المسيح (التي هي أيضا وصايا القرآن) أكثر من المسسيحيين أنفسهم..

    ولعل القراءة المتأنية للإنجيل ستفيدنا أن السيد المسيح نفسه كان يعلم أن أتباعه لن يقووا على وصاياه، فوصاهم في آخر أيامه بأن يشتروا سيوفا!.. يرد في إنجيل لوقا، الإصحاح 22 ٍٍ[ثم قال لهم (حين ارسلتكم بلا كيس ولا مزود ولا احذية هل اعوزكم شيء؟) فقالوا لا، فقال لهم (لكن الآن من له كيس فليأخذه ومزود كذلك، ومن ليس له فليبع ثوبه ويشتر سيفا، فاني اقول لكم انه ينبغي ان يتم فيّ ايضا هذا المكتوب وأحصي مع اثمة، لان ما هو من جهتي له انقضاء) فقالوا يا رب هوذا هنا سيفان، فقال لهم( يكفي)ٍ].. لقد كان السيد المسيح أوعى بسيرورة التاريخ من معظمنا اليوم.. والواقع كذلك يخبرنا أن الصليبيين والمستعمرين الأوروبيين، عندما هاجموا الأبرياء وأخذوا فيهم قتلا وسلبا وتعذيبا، كانوا يعتمدون على نصوص مقدسة عندهم من كتابهم المقدس، منها نصوص للسيد المسيح نفسه، كالذي أوردته لك أعلاه..

    ومن ثم أنت أوردت لي أمثلة كثيرة على أن العاطفة الدينية هي نفسها التي قتلت أولئك العظماء، وأن عواطفهم لم تكن كلها بنفس الإتجاه، وهذا في الواقع ما قلته أنا، حين قلت لك أن العاطفة الدينية ليست هي المشلكة، وإنما سوء توجيهها هو المشكلة.. أنت لم تفعل في هذه النقطة سوى أن كررت حديثي الذي قلته لك آنفا، ولكنك وضعته بصيغة سالبة تجاه جدوى العاطفة الدينية، هذا مع العلم بأن العاطفة الدينية هي في الأساس مجبولة عليها النفس البشرية بشكل طبيعي، لأنها هي هي العاطفة الروحية..

    وتجارب هؤلاء العظماء ذوي العاطفة الدينية الجياشة لا يقدح فيها اختلافها، لان منبعها واحد، وهو منبع أصيل، وهو ما أردت الإشارة إليه أنا منذ البداية..

    وأريد أن أقف هنيهة عند حديثك (أيضا هناك هاجس آخر وهو أن بعض الأفكار في بلادنا تقف بصلابة ضد المشروع الحضاري وزمرته، لكنها لا تزال تركن الي مشروع الدولة الدينية بفلسفة تختلف. ليس الأختلاف الفلسفي جوهريا أنما شكليا لواقع الدين في المخيلة).. ولماذا قررت بأن الإختلاف ليس إلا شكليا؟ وأنه ليس جوهري؟ وأنت لم تحدد أي الأفكار تقصد.. أما إذا كان حديثك يتصل بالفكرة الجمهورية بأي جانب، فدعني أطمئنك، فالإختلاف جوهري، وبشكل واضح.. وما عليك إلا بالإطلاع على الكتب الرئيسة للفكرة الجمهورية لترى ذلك..

    هل اطلعت على ورقة (التسامح الديني) التي أوردت لك وصلتها؟

    وقلت لي (مازال العالم يدرس الحالة الهتلرية. كيف لفرد أو أفراد أن يسيطروا علي كامل مجتمع بل يفرضوا علي أفراده ارتكاب جرائم كالتي نالت من اليهود بألمانيا النازية. حواري وأزقة ألمانيا قبل النازية كانت تعج باليهود ومختلف نشاطاتهم، هل كان النازيون لا يعلمون ما بتلك الحواري؟).. إجابتي على سؤالك هذا إنما ستكون تكرارا لما سبق أن قلته، ولكني في الواقع أرى يا عزيزي عبدالقادر أنك أنت المطالب بالإجابة على هذا السؤال على ضوء فهمك للقضية.. أنا قد أوردت مسبقا أن الصفوة تستغل عواطفا معينة لدى شعوبها لكي توجهها توجيها ضارا من أجل تعزيز سلطتها، فهل ترى أنت في المثال النازي اختلافا عن هذه النظرة؟ هذا مع العلم أني لم أزعم في حديثي أن كل ثقافات الحواري والأزقة مبرآة وطيبة وإنسانية، إذ لو كانت كلها كذلك لما كنا بحاجة إلى مصلحين اجتماعيين وثورات اجتماعية عبر التاريخ، ولكني خصصت العاطفة الدينية لدى السودانيين بأنها عاطفة سامية..

    أما اختلافك معي يا عزيزي في فهمك لدور الدين وماهيته في سيرورة التطور البشري، فليست تلك بمشكلة، وأنا مستعد للمضي قدما في تفصيل هذه النقطة وتمحيصها إن أحببت، ولكني قبل ذلك أرى أن تعيد النظر في قولك (جل المآسي وجل ضحايا هذا الكون ماتوا أو شردوا نتيجة خلافات دينية)، والمشكلة ليست في قولك هذا، ولكن لانك كأنك تريد ان تقول به أن ما قدمه الدين في تاريخ البشرية لم يكن إلا الخراب والدمار، وهذا في نظري ليس كيلا تاريخيا منصفا، فواقع أن الكثير من مآسي وضحايا الكون كانت بسبب خلافات دينية (وليس جلها) لا يعني تلقائيا أن الأديان أضرت بالبشرية وآلحقت بها الآدى، فالحق غير ذلك.. ولكن المعلوم عن البشر عبر التاريخ أنهم دوما طوعوا ولووا أعناق النصوص والتعاليم المجتمعية لخدمة أغراض مادية دنية، ولولا أن البشر كانوا يفعلون ذلك دوما مع التعاليم الداعية لسمو الأخلاق لما احتاجت البشرية منذ بداياتها لتعاليم أخلاقية أساسا، لانهم كانوا سيكونون ملائكة منذ ولادتهم إلى موتهم، فما حاجة هؤلاء لتعاليم أخلاقية؟ التاريخ يخبرنا بصورة جلية أن التطور البشري كان، وما زال، أبطأ ما يكون في مجال الأخلاق.. ولذلك سنت القوانين وفرضت حمايتها بالقوة.. والتعريف الاساسي للقانون هو (الحد الادنى من الاخلاق)..

    والناظر لسيرورة التاريخ بدقة لا بد وأن يرى أن الخلافات الدينية الظاهرة التي قادت لما قادت من الحروب كانت في الأصل أستارا لمطامع مادية بحتة، وصراعات طبقية اقتصادية مجردة، إلا ما ندر.. وعلى العموم فإن مرور البشرية بكل هذه الصراعات ليس كله شرا، فهو في الواقع خير، إذ أن هذه المآسي قد كانت إحدى الأسباب المباشرة لترسيخ الفهم التليد المعاصر لمبادئ حقوق الإنسان.. فمن يزعم أن مبادئ حقوق الإنسان المعاصرة كانت معروفة وواضحة في الماضي كما هي عليه الآن، أو أنها نتاج الفكر العلماني فقط، إنما يحتاج إلى تدقيق في سيرورة التاريخ.. فالتاريخ يخبرنا أن هذه المبادئ في الحقيقة "صنعت صنعا" واستخلصت من التجارب التاريخية المريرة خوفا من تكرارها( فالتجربة التي لا تورث الحكمة تكرر نفسها).. وهذه هي في الاساس الغاية من تلك التجارب (لكي تورثنا الحكمة).. حتى الماديين اللادينيين من دارسي التاريخ أدركوا هذه الحقيقة التاريخية، فماركس، رغم تأكييده على سوء الرأسمالية ومجتمعات الإقطاع والعبودية عبر التاريخ، إلا أنه كان يؤكد بشكل واضح أن كل تلك المراحل التاريخية كانت ضرورية جدا في طريق السير قدما نحو المجتمع الإشتراكي..

    ولقد كان دور الدين الأصيل، في تلك السيرورة التاريخية، دوما تأسيس الأخلاق المدنية، وإخراج (الإنسان) فينا من (الحيوان) الذي يحتوشنا,, وقد أفلح الدين في مهمته تلك كثيرا في الحقيقة، وهو مازال مستمرا في تحقيق هدفه..


    هذا ولك عزيزي كثير المحبة والإحترام..
                  

05-08-2005, 07:24 AM

Yaho_Zato
<aYaho_Zato
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 1124

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
السيرة النبوية والتاريخ.. توثيق أم تلفيق.. واقع أم ميثولوجيا (Re: Yaho_Zato)

    فاتني أن أشكر الاستاذ متوكل مصطفى على مداخلته اللطيفة..

    لك الشكر يا أستاذ متوكل على تشريفك لهذا الخيط..
                  

05-08-2005, 10:48 AM

بشري الطيب
<aبشري الطيب
تاريخ التسجيل: 11-29-2004
مجموع المشاركات: 1157

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السيرة النبوية والتاريخ.. توثيق أم تلفيق.. واقع أم ميثولوجيا (Re: Yaho_Zato)



    الاخ قصي سلام لك وللمتداخلين ...

    وشكرا علي هذا الخيط الذي يضئ كثيراً حول التاريخ الاسلامي وطرق تناوله من قبل البعض, وأعتقد أن كتابة التاريخ الاسلامي إرتبطت بشكل وثيق مع الأرثوذكسيات الدينية والسياسية المصلحية بل حتي إن السنة لم تسلم من تلفيقهم وتوظيفها لمشاريع محددة .. نتج عن ذلك لاحقاً تقديسنا لما ليس مقدس في التاريخ والذي تقوم عليه الكثير من المواقف الغير موضوعية الآن, ولك في دعاوي السلفيين حول مجمل آراء الفقهاء والمتقدمين مثال علي ذلك.. ونتج عن ذلك أيضاً إعتمادنا بشكل كبير علي العاطفة وإبتعادنا عن إعمال العقل داخل الحقل الديني مما خلق حالة من الجمود جعلت الكثير يعتقد إن الدين هو أحد معوقات التقدم ...

    عموماً هذا الخيط يحتاج الي الكثير من الهدوء الذي إفتقدته الآن بسبب من مشاغل جمة آمل أن أعود للمشاركة ...

    شكري وتقديري .....
                  

05-08-2005, 05:19 PM

Yaho_Zato
<aYaho_Zato
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 1124

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السيرة النبوية والتاريخ.. توثيق أم تلفيق.. واقع أم ميثولوجيا (Re: بشري الطيب)

    شكرا لك عزيزي بشرى الطيب على التعليق..





    لكي نعتبر من عبرة أن النبي قد كان لا يريد أن يكتب عنه غير القرآن، علينا أن نعود إلى جوهر المنهاج الديني نفسه.. فالنبي عندما لم يرد أن نكتب عنه غير القرآن كان يعلم أنه ترك لنا كل ما نحتاجه لإقامة أمر الدين والإستفادة الصحيحة من رسالته.. لقد ترك النبي فينا القرآن والسنة، والقرآن هو الكلام الموجود اليوم بين دفتي المصحف، أما السنة فهي مفتاح معرفة هذا القرآن، وهذه السنة هي منهاج عملي مباشر في صقل الشخصية وتوسيع وتعميق التجربة الإنسانية الفردية..

    كان النبي قواما بالليل، صواما بالنهار، دائم التفكر والتأمل، مراقبا لكل حركاته وسكناته، وهو قد عرف بحبه للعزلة والإختلاء بالنفس لتصفية الفكر منذ حداثة سنه، وكان يوصي بها أصحابه، ويخبرهم أنها (درب الصالحين قبلكم).. كان النبي قائما على منهاج صارم في تقويم النفس، وإبراز الإنسان فيه وإخراج الحيوان منه.. بدأ في ذلك المنهاج قبل بعثته بما يزيد عن الخمسة عشر عاما، واستمر عليه، مع التطوير والتركيز، بعد بعثته، في مكة والمدينة.. حتى قال عنه الأعرابي (كان محمد وكانما نصب له علم فشمر يطلبه)..

    لقد جسد النبي لامته صورة الإنسان، من حيث المعنى الأصيل للإنسان، وقد لمس الناس فيه تلك القيمة، وكان أكبر من لمسها وأحسها صحابته المقربين، فصار أحدهم لا يتردد في فداء تلك القيمة المجسدة بنفسه وماله، إذ أنهم شعروا في تلك القيمة ما يستحق الفداء.. وكان هو، في بساطته وفقره وطيب معشره ودقة فكره وكبير محبته للناس، مرتفقا بهم كالوالد الحنون، لا يدعوهم إلا لما لهم به طاقة، ولا يأمرهم بمستوى أخلاقي دون أن يطبقه هو في شخصه ويطبق ما هو أكبر منه، متحريا الآية الكريمة (يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون.. كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون)..

    وما قيل أعلاه إنما هو مدخل للقضية الأساسية هنا، وهي أن الصحابة لم يدونوا أحاديث النبي أو سيرته إلا لأنهم لم يكونوا في حاجة لتدوينها.. فقد تركهم النبي على ما يكفيهم ويزيد، كتاب الله وسنته.. فاستعصم الصحابة بقدر طاقتهم من تلك السنة، وسعوا إلى تجسيدها ليعلموا الأجيال اللاحقة التي لم ترى النبي بنفس الأسلوب الذي كان يعلمهم به، بأسلوب "القدوة".. وقد تنزل لهم النبي بقدر حاجتهم وطاقتهم من التفسير والتشريع من القرآن، فكانوا بذلك في غنى عن سوى ما تركهم عليه..

    إن القيمة العليا للدين هي الجوهر الإنساني.. هي أن يصبح الإنسان "إنسانا" بمعنى الكلمة.. أن يكون صادقا مع نفسه ومع الناس، وأن يكون مواطنا صالحا في مجتمعه، ينفع ولا يضر، وأن يكون حصيفا في ارتفاقه بما توفره له البيئة المحيطة به في تخصيب حياته والأشياء والاحياء من حوله، وفي إعمار الأرض بالتناغم معها وإزالة مسببات العداوة بينه وبينها.. كان هذا، في خلاصته، هو ما تعلمه الصحابة من مربيهم، فعاشوا حياة زهد وذكر وفكر وتحري للعدل والإحسان بين الناس..

    ومن أعجب وقائع التاريخ الشاهدة على تلك القيمة العليا التي استهدى بها الصحابة هي واقعة الهجرة، واقتسام الأنصار مع المهاجرين أموالهم وخواصهم عن طيب خاطر ورغبة.. لقد كانت تلك الواقعة هي أول واقعة اشتراكية حقيقية في التاريخ، وقد كانت سابقة لزمانها بشكل كبير، بشكل يحير أي دارس تاريخي (حتى أننا إلى اليوم قاصرين عن مستواها)، وما كان سبقها لزمانها إلا لأنها كانت من إلهام قيمة عليا تجسدت بين الناس، تمشي على قدمين، كانت هي أيضا سابقة لزمانها..

    ولا يقدح في تلك القيمة العليا كونها عاشرت الناس، في كثير من الأمور، بما ألفوه.. فالنبي كان واعيا بظروف زمانه ومكانه، وظروف مستوى الفهم عند من عاش بينهم، وكان واعيا بأن تطور المجتمع نحو الإنسانية العظمى لا يأت بقفزات غير موزونة وغير محكمة.. ولذلك أتى بتشاريع ثورية على مجتمعه في نواحي، ولم يشأ أن يثور بشكل غير موزون على تشاريع مجتمعية في نواحي أخرى، توخيا للحكمة.. فقام بتطبيق تشريع الزكاة، على سبيل المثال، وهو خطوة جبارة نحو الإشتراكية، وحدد أخلاقيات معينة وصارمة يلتزم بها المسلمون في حروبهم، على سبيل المثال أيضا، حين أثبتت تجربة مكة أن الناس في ذلك الزمان لا بد وأن يحملوا السيف ويقاتلوا إذا أرادوا تحريك ثورة وتغيير المجتمع..

    ولا يقدح في تلك القيمة العليا أيضا كون النبي تزوج بنساء كثيرات (بالنسبة لحساب اليوم) فهو لم يفعل بذلك ما يشين في عرف زمانه، وقد كان هو من أحكم من عمل بعرف زمانه، وكانت هناك ظروف اقتصادية وسياسية ومجتمعية كثيرة تجعل زواج الرجل بأكثر من امرأة، أصلح وأوفق للمجتمع وللأسرة.. ولم يكن هذا الأمر مقتصرا على جزيرة العرب فقط، بل كان سمة واضحة في أغلب مجتمعات الكرة الأرضية في ذلك الزمان.. ولم يكن أمر فارق السن بين الرجل وأزواجه أيضا بالأمر المستنكر أو الغير حميد، بل كانت له مزايا اقتصادية واجتماعية وأسرية كبيرة وافت حاجة ذلك الزمان ومستواه، وهو أيضا لم يكن بالأمر المقتصر على جزيرة العرب، بل كان منتشرا في أنحاء الارض، وما زالت ظلاله إلى الآن موجودة في كثير من المجتمعات البشرية.. الحق أن كل هذه التفاصيل المجتمعية والأسرية البسيطة في حياة النبي التي ما فتئ البعض يستخدمها اليوم بسوء نية لم تكن سوى أمور عادية جدا في مجتمع القرن السابع الميلادي، ولم تؤثر في مصداقية العاملين بها وكرامتهم عند الناس اطلاقا، بل إنها كانت من المحامد لهم لكونهم رعوا أعراف مجتمعهم مما لم يكن ضارا بحكم وقته.. ونحن اليوم، كمثال، ما زال لدينا أعرافا مجتمعية معينة نحرص عليها ونحمد الحريصين عليها، خصوصا عندما لا تكون ذات أثر سلبي على معايير المجتمع السليم اليوم.. وكل شعوب الأرض اليوم ما زال عندها جانب من تلك الأعراف..

    ولكن الاهم من ذلك أن ذلك التشريع المجتمعي لم يكن كلمة الإسلام الأخيرة، والسارية المفعول لكل زمان ومكان.. هذا إنما هو ادعاء أناس زعموا، منذ بداية عهد الملوك في الإسلام، أنهم يتحدثون باسم الإسلام، وهم ابعد الناس عنه، بواقع حالهم وواقع مقالهم.. وقد بذر النبي منذ ذلك الزمن بذرة التطور المستمر في التشريع والقيم الإنسانية للمجتمعات والأفراد.. فإذا أتى اليوم من يريد أن يبقى بنا في العصور الغابرة باسم الدين، فإنما هو يتكلم بفهمه هو للدين لا أكثر، والدين براء من ذلك الفهم الذي يكذبه الواقع الظاهر والفطرة السليمة..

    لقد تجنى المسلمون أشد التجني على دينهم عندما ركنوا إلى قرطسته في نصوص جامدة، وأفهام متحجرة، وكتب صفراء مليئة بالتناقضات والدعاوي الملفقة لأغراض مريضة، وتوكيل أمره لأناس لا يرجون له وقارا، فاستغلوه واستغلوهم شر استغلال باسمه، من أجل غاياتهم الدنية.. ولقد آن للمسلمين أن يسمعوا نبض الحياة القوي في دينهم، والذي ما خفت يوما، وهو يرفض الركون ويدعو إلى التطور المستمر بإلحاح متصل.. فكمال الإسلام، كتشريع وكمنهاج فردي، يكمن في تطوره، إذ أن الكامل هو الذي يتطور باستمرار، وليس العكس، فكمال الإسلام في تطوره المستمر، لا في جمود المتحدثين باسمه زورا وبهتانا..

    وأختم هذه العبارات المقتضبة بما ختم به الأستاذ النور حمد مشاركته، حيث قال (فنحن الآن بين سندان فقهاء السلاطين الذين لا يعرفون جوهر الإسلام، ولا مقامات نبيه، وبين مطرقة القادحين في الإسلام، وفي نبيه بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير. وكل ذلك يفتح بابا كبيرا لمقاربة أمور كثيرة لم تتم مقاربتها بعلم كاف، وظلت معلقة ومعماة في فضاء الإبتسار، والتبسيط الساذج، والكلفتة)..
                  

05-08-2005, 05:30 PM

jini
<ajini
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 30716

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السيرة النبوية والتاريخ.. توثيق أم تلفيق.. واقع أم ميثولوجيا (Re: Yaho_Zato)

    ما يجرى الآن في السودان خير. ونسأل الله ألا يطال الصحفي محمد طه محمد أحمد، منه أي أذى. ونرجو أن يتعلم محمد طه من هذه التجربة بعد أن يخرج منها معافى بإذن الله. فهذا هو الغول الذي استنسخوه مما بقي من أجنة التاريخ ثم علفوه وكلفوه فنهض على أربعته وشرع في افتراسهم، واحدا واحدا.
                  

05-09-2005, 06:06 AM

محمد أبوجودة
<aمحمد أبوجودة
تاريخ التسجيل: 08-10-2004
مجموع المشاركات: 5265

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السيرة النبوية والتاريخ.. توثيق أم تلفيق.. واقع أم ميثولوجيا (Re: Yaho_Zato)

    التحايا للجميع

    الاخ الكريم / قصي همرور

    بدايةً ، لك التهنئة على هذا الطرح بتساؤلاته المعمَّقة حول " السِّيرة النبوية " ، ومدى وثوقية أو تلفيقية المصادر ، أو مايُشار إليه بالكُتب الصّفراء! التى تناولت أحداث السِّيرة باتِّساع قصصي وإخباري تتناقض محكيّاته بين طيّات المؤلَّف الواحد ! باختلاف المرويَّات وتنوُّع الرواة ، ناهيك بين المؤلَّف والآخر .. كذلك ، فإنّ التفاسير العديدة للقرآن ، لم تخلو ، للأسف ، من هذا التناقض ! ممّا يزيد الناس هلعاً لدى أصغر مُنحنىً فِكري! - إنْ صحّت العبارة - ، ويدفعهم دفعاً إمّا للركون لما يرتأيه فقهاء السلطان ، الذين ركبوا الدِّين مَطيّةً لبلوغ غاياتهم الصغيرة ، أو ركوب الموجة " الجديدة/القديمة " مع القادحين في الإسلام بغير عِلمٍ ولا هُدىً ولا كتاب منير !؟؟.

    أتوقّف حول تساؤلك : لماذا لم يقم الصحابة بتدوين شيء من سيرة النبي، وهم الأعرف به وبسيرته؟ ؟ .. وعلى الرغم من أنّنى لا أقطع بعدم قيام الصحابة بتدوين السِّيرة ! إن كان من معانى التدوين ، ذلك النّشر السِّيـَري الذي قام فيه بعض الصحابة بإلقاء الضوء وذِكر الأحداث والوقائع والأيّام التى عاشها النبي ، عليه السلام ، للمسلمين في الأمصار الجديدة التى أعقبت حركة الفتح في الكوفة والبصرة وغيرها ، في ثنايا وعظهم وإرشادهم الناس بشرائع النبي وأقضيته ؛؛ فإنّنى أرى ، أنّ التدوين ، لم يكن حينها من ميسورات المِهَن ؛ فضلاً عن أنّ كاتبي السيرة ، من أمثال إبن إسحق ، قد أسندوا كثير مرويّاتهم في السيرة ، لأؤلئك الصحابة الذين إسْتـُشْهِدوا عن بعض الأخبار النبوية ، فَشَهِدوا بما رأوا..



    من خلال الإقتباس الآتي:

    Quote: وأختم هذه العبارات المقتضبة بما ختم به الأستاذ النور حمد مشاركته، حيث قال (فنحن الآن بين سندان فقهاء السلاطين الذين لا يعرفون جوهر الإسلام، ولا مقامات نبيه، وبين مطرقة القادحين في الإسلام، وفي نبيه بغير علم ولا هدى ولا كتاب منير. وكل ذلك يفتح بابا كبيرا لمقاربة أمور كثيرة لم تتم مقاربتها بعلم كاف، وظلت معلقة ومعماة في فضاء الإبتسار، والتبسيط الساذج، والكلفتة)


    هل نفهم انّ الناس ، في السودان ، مقبلون على مستوىً ابعد من الحرب الدينية ، والتى يوشك ان يكون لها ضِرام !! وهل هاتين الفرقتين من " فقهاء السلطان" و" القادحين في الإسلام " لن تنسرب بينهما "فِرقةٌ"، " معتدلة ، ولا أقول " الناجية!! ، ترجـِّح ميزان الإعتدال الحياتي للناس وتؤدي لسلامة روحانيّاتهم ومادِّياتهم ؟!!
                  

05-09-2005, 10:04 AM

Yaho_Zato
<aYaho_Zato
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 1124

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السيرة النبوية والتاريخ.. توثيق أم تلفيق.. واقع أم ميثولوجيا (Re: محمد أبوجودة)

    عزيزي محمد أبو جودة.. لك التحايا

    لعل أهم المهم في موضوع عدم تدوين الصحابة للسيرة والاحاديث النبوية، أي كتابتها وتوثيقها في كتب ومجلدات، هو أن النبي نفسه لم يكن من الراغبين في ذلك، وقد كان من الواضح أنه كان يرى أن الكتاب وسنته (عمله) هما أس الموضوع.. والسنة لا تحتاج لتدوين أكثر من أنها تحتاج لتطبيق وتجسيد، فصور العبادات، كمثال، لا تحتاج للتدوين أكثر من الممارسة العملية لكي تظل حية ومتوارثة بين الأجيال، ولعل التدوين أساسا لا قيمة له في تحديد صور العبادات إلا إذا كان لها تجسيد، وهو أمر واضح حتى في صور الممارسات العملية الأخرى عبر التاريخ وإلى اليوم..

    أما القرآن، فقد دون، وكتب، وحفظ في الصدور بلغته وعباراته.. ولا يقدح في ذلك كون بعض كتب التاريخ تقول اليوم أن هناك آيات حذفت من الكتاب وأن هناك آيات زيدت فيه بعد وفاة النبي، فكل تلك الروايات ما هي إلا التباسات تاريخية أكثر من كونها وقائع حتمية الصدق، والقرآن يكفي من يقرأه ويتدبر فيه ليعرف إذا كان يجوز أنه قد وقع عليه ما قيل أنه وقع، رغم أنه أيضا من المعروف أن هناك آيات نزلت وكتبت ومن ثم نسخت نسخا تاما، أي بلا عودة مع الحذف، في عهد النبي نفسه.. وقضية الناسخ والمنسوخ في أساسها أعمق بكثير من مجرد ما نقرأه اليوم في كتب الفقه، ولكني لا أجد الوقت والطاقة لتناولها هنا الآن، فأرجو المعذرة.. ويمكنني على كل حال أن أحيلك لكتابات الأستاذ محمود محمد طه المستفيضة في هذه القضية..

    ومن المؤكد أن النبي قد شرع للناس في مستواهم، وألقى عليهم مستويات من التفسير للقرآن أيضا في مستوى ما أطاقوه في ذلك الزمان، ومن المؤكد أيضا أن الصحابة أصغوا لتلك الأقوال من النبي، وذكروها حين احتاجوا لذكرها بعده.. ولكن هذا لا ينفي ثبات القاعدة الأساسية، وهي أن كل تلك الامور لم تدون.. وليس ذلك لصعوبة التدوين كما ذكرت، في رأيي، فلقد كانت تكتب الكتب والمراسلات منذ عهد الخلفاء الراشدين، ولقد كان الإزدهار الحضاري في عهد الدولة الاموية واضحا وشاسعا، ولم يكن من الصعب التدوين.. وأنا هنا لا أريد أن أقول أن الأمويين كانوا يستطيعون أن يدونوا السيرة، فمن الجيد أنهم لم يفعلوا( في بدايات عهدهم)، ولو كانوا فعلوا لكانت تلك المدونات من أبعدها عن المصداقية اليوم، ففي تلك الأيام كان الإمام علي يسب ويشتم على رؤوس المنابر، ويسب من معه من الصحابة الأجلاء ويشتمون على رؤوس المنابر في أقدس الاماكن.. لكن الجدير بالذكر أنه على عهد معاوية كان هناك ما يزال الكثير من الصحابة ممن عاصر وشاهد الحقبة النبوية، وكان بإمكانهم أن يدونوا، غير أنهم لم يفعلوا لأنهم راوه مخالفة لما تركهم عليه النبي، وقد كان هؤلاء حريصين على أن لا يخالفوا ما تركهم عليه النبي..

    غير أن كل هذا لا ينفي أن العهد الأموي كان هو العهد الذي بدأ فيه تشويه السيرة، وتلفيق الأحاديث، وهو أمر موجود ووارد حتى في هذه الكتب الصفراء الموجودة اليوم.. ومن الصحيح أن ابن اسحاق مثلا نسب الكثير مما رواه لابن عباس وغيره من الصحابة، ولكن هل هذا يعني أن ابن عباس (وغيره من الصحابة) فعلا قاله؟ فإذا كنا نحن اليوم مثلا نجد في تلك الكتب أن هناك أكثر من رواية عن ابن عباس لنفس الموقف، وتجد تلك الروايات متضاربة بشكل واضح، ألا يعطينا ذلك صورة واضحة لان ابن عباس في الأصل بريء من هذه التناقضات الممهورة باسمه في تلك الكتب؟ وكما ذكرت لك، فابن اسحاق، من الناحية التاريخية البحتة، كان محل عدم مصداقية حتى من معاصريه، فهو أساسا كان يعد في زمرة القصاصين الذين اشتهروا في تلك الحقبة بتلفيق الحكاوي "الدرامية" التي تجتذب عامة الشعب، ولعل من أوضح ما يمكن أن يظهر من عدم مصداقيته هو تلك الأشعار المدونة عنه والمنسوبة للصحابة ولغيرهم ممن عاشوا قبلهم بمئات السنين، أو حتى "الأحناف" الذين كتبوا القرآن في أشعارهم قبل أن ينزل به محمد!(حسب ما تعطينا روايات الكتب الصفراء)، حتى أن طه حسين يذكر جانبا من تلك المهزلة التي حدثت في تدوين السيرة (في كتابه "في الشعر الجاهلي") حين يذكر أن بعض المصادر التاريخية هذه قد ذكرت أشعارا عربية مقفاة على لسان آدم أبي البشر!

    ولعل أعمق موقف وأدق موقف من موضوع السيرة والحديث هو موقف المتصوفة، الذين كانوا لا يحفلون بالعنعنة (أي صيغة "عن فلان عن فلان") ولم يكونوا يروا فيها مصداقية.. وهذا أمر تستدعيه البديهة، فالحديث النبوي أساسا يعرض أول ما يعرض على القرآن، فإن وافقت معانيه معانيه فذاك حديث، وإن لم توافق فخيارنا الوحيد الثاني، بجانب أن هذا ليس بحديث، هو أن النبي كان يناقض القرآن! فهل يقول بذلك مسلم؟

    والسيرة النبوية والحديث الشريف كان من الأفضل لهما في جميع الأحوال أن لا يدونا بتلك الصيغة المحتكرة اليوم في تلك الكتب الصفراء، ذلك أن هذا التدوين لم يكن من الأساس بقادر على أن يحميها من التحريف والإمتزاج مع الخيال الشعبي.. وهذا فعلا ما حصل، والمشكلة أنه حصل بشكل "توثيقي" اتخذ مع مرور الزمان مصداقية غير صحيحة، أوردت الكثير من المسلمين اليوم موارد التزمت والتحجر والتقوقع الذي يخالف جوهر الإسلام الديناميكي الحي.. كتابة التاريخ القديم يا عزيزي لم يكن لها مفر من أن تمتزج بالخيال الشعبي، وتتشرب منه، إذ لم يكن هناك مناهج وأدوات توثيقية دقيقة وجديرة.. وهذا ما فطن إليه الأوروبيون، فأطلقوا على (هيرودوتوس) لقبان، الاول (أبو التاريخ) والثاني (أبو الأكاذيب)..

    ولم يكن من الضار للسيرة والحديث والنبوي أن يمتزجا مع خيال وتراث الشعوب الإسلامية، ولكن دون توثيق، فذاك كان سيكون من مواطن الجمال في الخيال الشعبي، ومن محفزات التراث الروحية التي تحتوي على عبر وتعاليم سامية متنزلة إلى أرض واقع تلك الشعوب الإسلامية عبر العصور.. والأهم من ذلك، أنها لم تكن لتكون مما يحتج به اليوم في أمور الدين الدقيقة، إذ أنه كان سيكون واضحا أنها تراث شعبي أكثر من كونها حقائق مثبتة، وهي فعلا الآن كذلك.. فأمور الدين الدقيقة لها مضمار غير الحكاوي والروايات المتضاربة، ومضمارها في القرآن والسنة، حيث القرآن يحتوي على ما يحتاجه البشر من إرشادات في طريق بناء الأفراد والمجتمعات، والسنة هي المنهاج الذي يهيء العقول للإستنباط الذكي المتمكن والمتعمق من القرآن..

    أما عن الفقرة الأخيرة من رسالتك، عن "الفرقة المعتدلة" في موقفها، والتي سوف (ترجـِّح ميزان الإعتدال الحياتي للناس وتؤدي لسلامة روحانيّاتهم ومادِّياتهم)، ففي حديثك هذا خلاصة ما نرجوه، ولكني أزعم، فيما أرى، أن هذه المقاربة الجديدة، التي تهيأنا لها في هذه الظروف، لن تكون مقاربة جديدة كليا، غير أنها ستكون ملفتة ومشجعة لمقاربات قد بدأت سابقا في تاريخنا، وما زالت مستمرة، اتسمت بعمق ودقة أكثر في التناول لمواضيع السيرة والسنة والشريعة والمنهاج الديني وكل تلك الأمور المتعلقة بالدين الإسلامي.. ولكن تلك المقاربات لم تجد ما تستحقها في الماضي من إنصات وتأمل، بسبب محاولات القهر والتشويه التي تعرضت لها من جانب الذين كانت السلطة في أيديهم، وكانت حالة الجمود والخمول تلك من مصلحتهم..

    هذا، عزيز محمد، مختصر شديد لما أريد قوله، وعذري في هذا الإختصار هو ضيق الوقت.. غير أني أشكرك على منحي هذه الفرصة للمزيد من التفصيل، وأرجو أن أتمكن من العودة لمزيد منه إذا استدعته الحاجة..

    مع المودة والإحترام..

    (عدل بواسطة Yaho_Zato on 05-09-2005, 02:51 PM)

                  

05-10-2005, 01:38 AM

محمد أبوجودة
<aمحمد أبوجودة
تاريخ التسجيل: 08-10-2004
مجموع المشاركات: 5265

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السيرة النبوية والتاريخ.. توثيق أم تلفيق.. واقع أم ميثولوجيا (Re: Yaho_Zato)

    شكراً جزيلاً ، عزيزي قُصـي ،،

    على هذا التفصيل الذي أوردته، والذي فيه شفاءٌ لشيئٍ من الغليل ، وإضاءة لكثيره ..

    لا أُنازعك كثيرا في إسنادك موضوع : عدم تدوين الصحابة للسيرة والاحاديث النبوية، أي كتابتها وتوثيقها في كتب ومجلدات، هو أن النبي نفسه لم يكن من الراغبين في ذلك،وقد كان من الواضح أنه كان يرى أن الكتاب وسنته (عمله) هما أس الموضوع ..

    فَليكن ، غير انّ التدوين الموثوق للسيرة النبوية ، من شأنه ان يمثِّل حِرزاً أمينا ومنبعا أصيلا يستقي منه المسلمون " سُنّة المصطفي ، عليه السلام " فِعليّا وتقريريّا وقَوليّا في شكلٍ من الوثوقية التى تدعم مرتكزات السُّنة بشواهد الحال والوقائع المسجّلة بـ"السِّيرة" . والناس دوماً مولعين بتصديق كلام الرّائي أكثر منهم تصديق اجتهاد المستمع !فليس مَن رأى كَمَن سمِع ؛ ومرتكزات السُّنة هذي ، ما هيَ إلآ ، بيانٌ لمعاني القرآن ، وتفصيلٌ لمُجمله وتخًصيصٌ لِعمومِه . وعليه ، فإنّ كثرة الخلط والتخليط في إخباريات ومدوّنات السُّنة ، يتناسب طرديّا مع البلبلة الحاصلة للمسلمين في فهم القرآن ، ممّا يؤسِّس لبعض التحريفات والرؤى المنقطعة عند رائيها فقط ! .. أقول: أفلا تتَّفق معي أنّ سُنـَّته(عمله) ، عليه السلام ، تقوم معرفتها ،في كثيرٍ من الاحيان ، مستندة الى سـِيرته الشريفة الموثوقة ؟ ألم يكن جانبا عظيما من السُّنَّة ، ينبنى أساساً على إقراره "ص" لسلوكيات أو فهومٍ مجتمعية سابقة على بعثته ؟ .. كذلك ،ألم يكن فِعله "ص" للكثير من الأمور والتطبيقات يجد إشهاداً في ثنايا أخبار السِّيرة ؟ ..


    قد أفهم من قولك : في عدم رغبةالنبي في كتابة وتوثيق سُـيرته ، والتى تعزوها كسببٍ اصيل، أهم المهم ، في موضوع عدم قيام صحابته بالتدوين للسِّيرة ، انّ " عدم الرغبة " هذي ، لم تكن نَهياً قاطعاً ! وإلآ لما تجرأ بعض الصحابة بالسماح للكثير من التّابعين بتدوين تلك الإخبار تحت أبصارهم ، وكذلك ، لم يكن لِـيتجرّا متأخِّري التّابعين وتابعيهم بتدوين السيرة من أمثال ابن اسحق ، ابن جرير ، ابن الأثير ،ابن هشام وحتّى معاصرنا " الشيخ محمد الغزالي " في كتابه " فقه السِّـيرة " الذي حاول فيه عَقلنة بعض الأخبار الواردة بالسِّيرة .

    الموضوع متشابك ، فالخبر أو الحادثة التى يستشهد أو يحتجُّ بها المفسِّر ، هيَ نفسَها " محل " استشهاد ، المُحدِّث بالسُّنَّة ، سيّان كان خبره متواترا أو مرفوعا أو مقطوعا ! وهيَ نفسَها "الحادثة" التى توردها كُتُب السِّيرة كواقع ملموس ومُشاهد ومشاركٌ فيه من قِبَل الصّحابة ، لحياة محمد النبي .. إذن ، فلا مناص من الغربلة ! وهذه تستدعي منهجاً علمياً يطَّـرِحْ بُنَيَّات الطريقَ! ويلتزم جادّة المعقول إن استطاع الناس الى ذلك سبيلا ؛ وذلك حتى يسلم قياد التطبيق النّصِّي للإسلام باقترابه الحثيث من " النظرية " ، وبالطبع ، فإنّ هذا لا يخدش في اجتهاد المجتهدين ، بله قد يؤيِّد رؤية مَن يرى انّ النبي محمد عليه السلام ، قد شرع للناس في مستواهم، وألقى عليهم مستويات من التفسير للقرآن أيضا في مستوى ما أطاقوه في ذلك الزمان، .. ففي اعتقادي ، أنّ السِّيرة ، من الأهمية بمكان ، في تنوير المسلمين بحياة النبي محمد عليه السلام ، وبالتالي زيادة قريحتهم وتوسيع مداركهم وشحذ اذهانهم للفهم المُرتجي للسنّة النبوية والعمل على هديها في فهم القرآن الكريم مدعومين بالسِّيرة حتى وإن كان جانب " التراث الشعبي " فيها أكبر من التوثيق التدوينى للوقائع التى يؤيِّدها القرآن . وهاهنا ، يدهمني سؤال استفساري : من أين لك بالسند الموثوق ، عزيزي قُصَــي ، في انّ النبي ، عليه السلام ، لم يكن راغباً في تدوين سِيرته الكريمة بأيدي صحابته ؟ ..

    لاشكّ ، ان الدكتور طه حسين ، قد أبلى كثيرا في تخليق " منهجٍ مـا " يفيد المسلمين في إطِّراح " الشعبويات " والفهوم المبسِّّطة لرويِّ الأخبار دون تدبُّر في حقائق القرآن ، ولعلّ ولع الدكتور بمنهج " الشك " الديكارتي ، وإيمانه الشديد به ، قد جنى عليه الكثير من دعاوى السلفيين في عصره ، حتى اضطـُّرَّ لتغيير الفصل الأوّل من كتابه " في الشعر الجاهلي " وتغيير العنوان ، لــ" في الادب الجاهلي " .. وحسبما أذكر ، فقد ابتدر د. طه حسين ذاك الفصل المحذوف بــ: للتوارة ان تُحدِّثنا عن ابراهيم الخليل ، وللقرآن ان يُحدِّثنا عنه ، ولكنّنا لا نمنع أنفسنا من الشكِّ في الوجود التاريخي لإبراهيم الخليل ، مالم تؤيِّد العلوم الأخري من حفريات وأثريات ، ذاك الوجود التاريخي !



    لكَ كثير الودِّ ، أخي قُـصـَي ،،
                  

05-10-2005, 04:04 AM

Abdulgadir Dongos
<aAbdulgadir Dongos
تاريخ التسجيل: 02-09-2005
مجموع المشاركات: 2609

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السيرة النبوية والتاريخ.. توثيق أم تلفيق.. واقع أم ميثولوجيا (Re: محمد أبوجودة)

    تحيات طيبه أستاذ قصي ،

    Quote: قولك هذا غير صحيح، فالدين الأسلامي قد شمل خصائصا أكثر من هذه التي ذكرتها وأعظم منها، وقد تنزل بكل خاصية شرعية لتكون مطبقة في زمانها.. ما رأيك في الآية (وجزاء سيئة سيئة مثلها، فمن عفا وأصلح فأجره على الله)؟ ألا ترى الدعوة الصريحة للتسامح والعفو ومن ثم البر بالعدو فيها؟ وكذلك قوله (ولا تستوي الحسنة ولا السيئة، ادفع بالتي هي أحسن، فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم) وقوله (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن، إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو اعلم بالمهتدين)..
    يجب أن تعلم أساذ قصي أن ما أصوغه لك من حديث في حوارنا هذا نابع من التجربة الحياتية وليس ما يكمن من معني داخل الكتب المقدسة (بأعتبار أنا متفقون أنها كتب من عند الرب الاله.) أنا لا أنكر تلك النصوص التي تحث علي الفضيلة والخلق الحسن ، لكن هل المجتمع الأسلامي كذلك ؟ لا أخال أن القيم القرآنية هي سيدة الموقف في الغالب الأعم من العالم الأسلامي ، وأرجو أن لا تخذ حديثي هذا مأخذ أني أنكر بعض القيم النبيلة في المجتمعات الأسلامية . ما أرمي اليه سيدى أن الغالبية في العالم الأسلامي تعيش بموروثات الأسلاف والكثير من هذه الموروثات مزج بالدين وأخرج قيما متفاوته بين مجتمع وآخر . البعض منها خير والكثير منها شر ، وهنا أقول الكثير لأنها ليست قيم متأصلة بالدرجة الكافية لبناء ثقافة مؤثرة .
    العالم الأسلامي اليوم ركن للمادية الغربية كمذهب بعد التأرجح بين الملاحدة و فلسفة آدم سميث . رغم الميول للحضارة الغربية آنفا الا أنهم كانوا لا المحاولة جاهدين أن لا يغضبوا أؤلائك الملاحدة ، يفعلون ذلك لأبتزاز الغرب عند الحوجة . أيقن بأنك توافق الرأي أن من يحمل قيما تأرجحه تلك الأرجوحة يعاني الفقر الفكري والخواء الروحي ومشتت بين عالمين لا يعلم احداهما . سقت اليك ذلك الخيط لأوجز أن المذهب أن كان متكاملا نسبيا ينعكس علي معتنقية ، ويتقارب البون بين الأعتقاد المذهبي والعمل . فان كان الأسلام يفرخ أمثال بن لادن والزرقاوي والترابي والملالي بأيران فارس ، لا يمكن أن تقيم حجة قوية بأن ما يعتقده هؤلاء من دين هو نفسه الذي يعتقده الأستاذ محمود محمد طه ، وهنا تكمن المعضلة .
    Quote: وأنا لا أنكر أن وصايا السيد المسيح كانت هي الاقرب للجانب اللطيف الرحيم من التسامح، ولكن المسيحية لا تنكر كون الشريعة اليهودية مرسلة من السماء، والشريعة اليهودية فيها ما فيها من صور العنف، والسيد المسيح لم ينقض تلك الشريعة، ولم ينكر أنها مرسلة من الرب، وإنما دعا وندب الناس إلى تطويرها إلى ما هو أكمل منها.. ولكن واقع التاريخ يخبرنا أن المسيحيين لم يستطيعوا تطبيق وصايا السيد المسيح، حتى حوارييه، وذلك لان حكم وقتها لم يأت بعد، فهي تحتاج إلى تطوير شديد في الأخلاق الفردية والمجتمعية، والإسلام يوفر منهاج التطوير ذاك، وهو ذلك المنهاج الذي استمسك به عارفي الصوفية عبر التاريخ الإسلامي فكانوا نماذجا واضحة في تطبيق وصايا السيد المسيح (التي هي أيضا وصايا القرآن) أكثر من المسسيحيين أنفسهم..
    عدم نكرانك هو بيت القصيد سيدي ، وهكذا يبشر الرهبان . ولا أخطئ قولك عن الصوفية وتبشيرهم بتعاليم السيد المسيح ، لكن الي ماذا ترجع التخلف خاصة وسط السواد الأعظم في العالم الأسلامي وخاصة حواريي الصوفية ؟
    أستاذ قصي أتمني أن لا يجرفنا الحوار لنجعله مقارنة أديان ، بما أنك صاحب الفكرة أتمني أن تضع لنا أطرا نرجع اليها لنضبط الحوار ونصل الي توصية تدفع بنا أن نتبناها فكرا . وأنا أقترح الآتي :
    1ـ ما الذي أوصل مثل الدكتور الترابي وفكره الي دسة الحكم ؟ أهو الفراغ الروحي للمجتمع أم الجهل ؟ أم لضعف التيارات الأخري التي تمثل المجتمع ومن ضمنها الصوفية؟ أم هنالك ظروف أخري أقليمية أو صراعات كونية أثرت في مجتمعنا الهش البنية وزجت بالدكتور الترابي وحزبه لتسلم مقاليد الأمور؟
    2ـ ما دور الصوفية وحوارييها لتستعيد بناء المجتمع بقيم روحية تعكس تلك الآيات التي أستشهدت بها داعما لحجتك؟ وهل في مخيلتك أن الأمور ستأؤول للسلم ، حيث لا ارهاب والمقارعة بالحجة كما أورت؟
    3 ـ ما هي الحلول الموضوعية التي تتبناها لتشارك من يختلفون عنك نهجا ومضمونا ليعم السلام ربوع بلادنا ؟
    أتمني أن تجد تلك النقاط الأستحسان لديك ويمكنك أن تعدل منها حيث شئت ، لنبني محاورا تجعلنا نفهم وجهات بعضنا وتهبنا الطريق لكيف نجعل للأفكار أن تتعايش دون تجني أو أقصاء .
    Quote: الإتجاه، وهذا في الواقع ما قلته أنا، حين قلت لك أن العاطفة الدينية ليست هي المشلكة، وإنما سوء توجيهها هو المشكلة.. أنت لم تفعل في هذه النقطة سوى أن كررت حديثي الذي قلته لك آنفا، ولكنك وضعته بصيغة سالبة تجاه جدوى العاطفة الدينية، هذا مع العلم بأن العاطفة الدينية هي في الأساس مجبولة عليها النفس البشرية بشكل طبيعي، لأنها هي هي العاطفة الروحية..
    نعم سيد قصي ، هكذا قصدت فدينك ليس كله أيجابيات . نعم أنت أيجابي وتسعي للحجة وتستعمل المنطق والعقل ، لكن هناك من يقرأ نفس تلك الآيات ويذبح بها البشر بعد التكبير بالواحد الأحد . كمية الفيدو التي أخرجت للعالم حديثا أشهرت الأسلام وأظهرت حقيقتة ، ولا أخال أنك ناكر أنهم مسلمون .
    فما وجده الزرقاوي أو دكتور الترابي من سوانح استغلت خير أستقلال لتعكس حقيقة الأسلام ، بل هناك من في هذا المنبر ينشر أفلام زبح البشر ومرجعه الأسلام . قد تقول لي أنك ضده ، وأيقن ذلك لكن للأسف ما يظهر كحقيقة لواجهة الأسلام هم هؤلاء الذين يذبحون البشر ولا يرمش لهم جفن .
    Quote: ولكني خصصت العاطفة الدينية لدى السودانيين بأنها عاطفة سامية..
    هنا أريد أن تبين لي أختلاف السودانيون عن شعوب الأرض ؟
    أتفق معك سيدي في أن الدين ساعد الأنسان لينظم المجتمع ويصل لما وصل اليه من حضارة ، لكن الأنفجار السكاني ومحدودية الثروة والغذاء جعلت من الدين عملا من عوامل دمار الأنسان . وفكرتي هذه أتت من متابعة التاريخ الأنساني ، واذا نظرت لسمو المذهب المادي عن كثب ستجد أنه يستعمل الدين ليتبوأ شأنا . وها هم الترابيون أمامنا مثالا حي ، جوهر مذهبهم المادة وكل شئ آخر يتبع .
    لا بد لي الوقوف هنا ، لكن حتما سأرجع .
    لك الود والاحترام أستاذ قصي .













    دنـقس .
                  

05-10-2005, 10:38 AM

Yaho_Zato
<aYaho_Zato
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 1124

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السيرة النبوية والتاريخ.. توثيق أم تلفيق.. واقع أم ميثولوجيا (Re: Abdulgadir Dongos)

    العزيز محمد أبو جودة..

    لك الشكر على مواصلة الحوار بهذا النسق الفكري الجميل..

    قولك (غير انّ التدوين الموثوق للسيرة النبوية ، من شأنه ان يمثِّل حِرزاً أمينا ومنبعا أصيلا يستقي منه المسلمون " سُنّة المصطفي ، عليه السلام " فِعليّا وتقريريّا وقَوليّا في شكلٍ من الوثوقية التى تدعم مرتكزات السُّنة بشواهد الحال والوقائع المسجّلة بـ"السِّيرة").. أنا لا أنكر جانب الصحة في هذا القول، ولكن هناك قضيتان أخريتان هما الأهم، في نظري، عند تقييم جدوى تدوين السيرة النبوية..

    القضية الأولى يا عزيزي هي أن تدوين السيرة والحديث بشكل "موثوق" كما ذكرت كان في الأصل مستحيلا في الماضي.. فنحن كي نتحدث عن التوثيق لا بد وأن نعرف إمكانيات الشعوب التاريخية القديمة في هذا المجال.. لقد ذكرت لك في رسالتي السابقة أن تدوين السيرة والحديث لم يكن له مناص من أن يختلط بالتراث الشعبي، وأن يتجاوز منطقة التوثيق المؤكد، فهذه لازمة من لازمات ظروف الزمان والمكان التاريخي.. وهذا ما حدث بالفعل، رغم محاولة البعض (منهم من فعلها بحسن نية) توثيق السيرة والحديث، كالبخاري ومسلم، وربما الطبري وابن هشام وصاحب السيرة الحلبية.. لقد حاول هؤلاء توثيق السيرة والحديث، ولكنهم وجدوا أنفسهم أمام تضارب عظيم من الروايات، فما كان من بعضهم إلا أن نقل كل ما سمع كالآلة الناسخة، كالطبري مثلا..

    ولعلي قد ذكرت بشيء من محاولة التوضيح أن التعامل مع هذه الكتب بالجفاء التام ليس هو ما أطالب به، فأنا لا أقول بطبيعة الحال أنها كلها من نسج الخيال، فحتى القصص الخيالية البحتة في الواقع لا بد وأن ترتكز على تفاصيل من الحقيقة المعاشة للناس.. وأنا في الواقع دعوت لما دعوت له أنت في مداخلتك الأخيرة بالتعامل مع هذه الكتب بمنهج علمي نقدي صارم وحصيف.. فالسنة الشريفة مثلا (عمل النبي) فعلا مدونة في معظم جوانبها في كتب السيرة، ولكن الأهم من ذلك أن تدوينها لم يكن مجرد تدوين، فسنته تناقلت عبر الأجيال بالصورة العملية المجسدة أيضا، مما حماها من ما قد يجري على التدوين الغير مصاحب بصورة عملية.. هذه نقطة أساسية في فهم سبب نجاة السنة الأصيلة من التشويه الذي جرى على غيرها من أحاديث السيرة المجتمعية للنبي وأحاديث الوقائع المجتمعية وأحاديث تشاريعه المجتمعية..

    وحديثي عن عدم رغبة النبي في تدوين سيرته هو أمر استقته أنا من شواهد كثيرة، أولها أن النبي لم يدون في عصره غير القرآن، كقرينة واضحة، وثانيها أن الصحابة لم يدونوا تلك السيرة بعد وفاته، كقرينة واضحة أيضا، وثالثها أن هناك الكثير من الروايات المروية التي تخبرنا بذلك أيضا.. هنا يا عزيزي نجد أن الروايات المروية قد وافقت إلى حد كبير دلائلا تاريخية ماثلة أمامنا اليوم، وعليه فقد رأيت أنا صحة تلك الروايات.. أما قولك عن عدم نهي النبي للناس عن تدوين سيرته نهيا صارما، فهو أيضا أمر قريب في الفهم، فالنبي لم يكن يرفض تدوين سيرته وإنما كان يرى ضرر وعدم جدوى جعلها موثقة تمام التوثيق، فمن الناحية العملية لم يكن ذلك ممكنا (حمايتها من الإختلاط بالتراث الشعبي) ومن الناحية التشريعية لم يكن ضروريا، بل وربما كان مشتتا للتشريع في غير ما يجب.. فالصحابة إذا يا عزيزي لم ينهوا التابعين وتابعي التابعين من التدوين (مع أن هؤلاء أيضا لم يقم معظمهم بالتدوين) إلا لأنهم قد كانوا يثقون بتدوينهم لانهم إنما ينقلون لهم ما رأوه هم بأنفسهم، ولكن ما لم يفطن له الكثير من الصحابة، كابن هريرة، هو أن هذه الأحاديث التي ينقلها للناس لا مناص لها في المستقبل من أن تتنوع وتتشكل رغم ظنه أنه ذكرها بشكل واضح لا لبس فيه، وهذا ما حدث فعلا بعد ذلك، والروايات المتضاربة عن ابن عباس في كتب التفسير والسيرة والحديث تقف شاهدا على ذلك.. كما ان اختلاق الاحاديث لم يكن في الحقيقة أمرا صعبا، طالما أن ذوي السلطان يؤيدوه، إذ لا يوجد رقيب حقيقي في تلك المجتمعات السابقة على التوثيق غير ذوي السلطان، وهذا ما حدث فعلا أيضا، فكتب الحديث اليوم مليئة بالاحاديث الملفقة والمختلقة لأغراض بعيدة كل البعد عن الدين..

    والقضية الثانية يا عزيزي تكمن في استقراء واقعنا اليوم، فواقعنا اليوم يخبرنا أن اختلاط وتضارب هذه الروايات اليوم هو من ما أسس للفرقة والتناحر بين المسلمين، بدل أن يكون رابطا قويا لهم من التشقق والتفكك (كما كان الكثير من مدونيها يأملون).. وهذا الإختلاط وهذا التضارب هما أيضا مما أسس لاتجاهات القدح في تاريخ النبي وسيرته كما نرى اليوم عند أمثال المقريزي والنجار.. فالواقع يخبرنا اليوم أن تدوين السيرة بتلك الصورة قد جلب الضرر أكثر من النفع على الشعوب الإسلامية.. ولا يقدح في ذلك أن الصوفية مثلا، كالغزالي، حاولوا استدراك ما يمكن استدراكه من توضيح مسائل كثيرة في السيرة والسنة بشكل يقبله الناس، فهل تعلم أنت مثلا أن الغزالي يعتبر مجرد "حاطب ليل" عند أهل الحديث؟ وأنهم لا يثقون في ما يورده من الاحاديث والسيرة مما لا يوافق ما يرد عندهم في كتبهم المعنعنة؟ وكذا الحال مع كثير من الاحاديث التي يعتمدها الصوفية، فأهل الحديث يعتبرونها أحاديث ضعيفة ويقدحون في صحتها، لا لشيء سوى لانها لم ترد في كتبهم المعنعنة.. مع أن المنطق البسيط يخربنا أن الأحاديث المتواترة لا يمكن أن تكون هي الاحاديث الوحيدة التي تحدث بها النبي، فمن الطبيعي أنه كان يجالس أحيانا الكثير من أصحابه المقربين بشكل فردي وبتوجيه فردي، مما لم يذكره أولئك الصحابة لعامة الناس فيما بعد، فلم يصبح متواترا..

    وكما ذكرت يا عزيزي، فالموضوع "متشابك".. ونحن عندما نتناوله لا نريد أن نصدر احكاما مطلقة، وإنما نريد أن ندرك معطيات الزمان والمكان الذي كتبت فيه تلك الكتب لكي نستطيع التعامل معها بماتستحقه فقط، لا أكثر من ذلك..

    ولعلها فرصة طيبة لكي أوضح موقفي من كتاب طه حسين "في الشعر الجاهلي"، فانا لم أورده ككتاب أؤيد طرحه، وإنما ذكرت معلومة قرأتها فيه وأثق بها كونها جاءت من دارس تاريخي محقق، ولكن، دون ذلك، فانا لا أجد لكتاب طه حسين هذا كبير قيمة، فهو في مناطق كثيرة منه لم يتخذ منهج التشكيك إلا اتخاذا هلاميا لا يشبه ما عناه ديكارت أساسا، هذا بالرغم من أن ديكارت أساسا لم يكن صاحب منهاج في الدراسة التاريخية، ومجاله كان يختلف تماما عما حاول طه حسين أن يصوره للقراء.. ولعلها فرصة يا عزيزي لكي أذكر لك ردا حصيفا على هذا الكتاب، كتبه ضابط المباحث الذي كان مسؤولا عن التحقيق مع طه حسين بخصوص كتابه، فرغم أن ضابط المباحث هذا دخل في القضية من باب السلطات، إلا أنه لم يتعامل مع طه حسين إلا كمفكر، وحاوره باحترام جم، ونقد حججه واحدة واحدة بعلمية واضحة، ومن ثم استعمل خبرته القانونية ليبرئ طه حسين من جميع التهم التي أصدرها ضده جماعة الأزهر، وأخلى سبيله دون أي شروط.. لا أذكر جيدا، ولكن أعتقد ان اسم الضابط كان "محمد نور" أو شيء من هذا القبيل.. ولعله من المؤسف والدال على حب الناس للإثارة والأسماء اللامعة أكثر من الطرح أن رد هذا الضابط على طه حسين لم يجد من الرواج ما لقيه كتاب طه حسين، رغم أني شخصيا أرى أن ذلك الضابط قد هزم طه حسين هزيمة فكرية مدوية، وبنفس أدواته ومصادره..

    هذا ولك عزيزي كثير المودة..
                  

05-10-2005, 11:38 AM

Yaho_Zato
<aYaho_Zato
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 1124

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السيرة النبوية والتاريخ.. توثيق أم تلفيق.. واقع أم ميثولوجيا (Re: Yaho_Zato)

    عزيزي عبد القادر..

    مرة أخرى لك التحية والشكر على هذا الحوار اللطيف..

    قولك (يجب أن تعلم أساذ قصي أن ما أصوغه لك من حديث في حوارنا هذا نابع من التجربة الحياتية وليس ما يكمن من معني داخل الكتب المقدسة (بأعتبار أنا متفقون أنها كتب من عند الرب الاله.) أنا لا أنكر تلك النصوص التي تحث علي الفضيلة والخلق الحسن ، لكن هل المجتمع الأسلامي كذلك ؟ لا أخال أن القيم القرآنية هي سيدة الموقف في الغالب الأعم من العالم الأسلامي ، وأرجو أن لا تخذ حديثي هذا مأخذ أني أنكر بعض القيم النبيلة في المجتمعات الأسلامية . ما أرمي اليه سيدى أن الغالبية في العالم الأسلامي تعيش بموروثات الأسلاف والكثير من هذه الموروثات مزج بالدين وأخرج قيما متفاوته بين مجتمع وآخر . البعض منها خير والكثير منها شر ، وهنا أقول الكثير لأنها ليست قيم متأصلة بالدرجة الكافية لبناء ثقافة مؤثرة. العالم الأسلامي اليوم ركن للمادية الغربية كمذهب بعد التأرجح بين الملاحدة و فلسفة آدم سميث . رغم الميول للحضارة الغربية آنفا الا أنهم كانوا لا المحاولة جاهدين أن لا يغضبوا أؤلائك الملاحدة ، يفعلون ذلك لأبتزاز الغرب عند الحوجة . أيقن بأنك توافق الرأي أن من يحمل قيما تأرجحه تلك الأرجوحة يعاني الفقر الفكري والخواء الروحي ومشتت بين عالمين لا يعلم احداهما . سقت اليك ذلك الخيط لأوجز أن المذهب أن كان متكاملا نسبيا ينعكس علي معتنقية ، ويتقارب البون بين الأعتقاد المذهبي والعمل . فان كان الأسلام يفرخ أمثال بن لادن والزرقاوي والترابي والملالي بأيران فارس ، لا يمكن أن تقيم حجة قوية بأن ما يعتقده هؤلاء من دين هو نفسه الذي يعتقده الأستاذ محمود محمد طه ، وهنا تكمن المعضلة).. هذا قول أنا شخصيا لا أرى عليه غبارا.. ولعل اتجاهي منذ البداية كان يشير إلى ذلك، فنحن فعلا اليوم في ظل أزمة أخلاقية وثقافية يا عزيزي، وإنما نحن نسعى جاهدين للخروج منها.. غير أني يجب أن أكون واعيا لان محاولة هؤلاء للعودة بالتاريخ للوراء لا تعني بالضرورة أن ذلك المجتمع التاريخي الذي يحاولون تقليده كان غير مناسب لزمانه، كما أن المذهب الإسلامي الأصيل نفسه لا يدعو لهذا النوع من التحجر، وقد أوردت لك سابقا أن مشكلة البشر أنهم دوما يقومون بتحوير التعاليم السامعية لأغراض غير سامية.. فالقرآن أساسا يحثنا على التجديد وعلى عدم الركون إلى الماضي.. يقول تعالى، على سبيل المثال، (تلك امة قد خلت، لها ما كسبت ولكم ما كسبتم، ولا تسالون عما كانوا يعملون)..

    أما قولك (عدم نكرانك هو بيت القصيد سيدي ، وهكذا يبشر الرهبان . ولا أخطئ قولك عن الصوفية وتبشيرهم بتعاليم السيد المسيح ، لكن الي ماذا ترجع التخلف خاصة وسط السواد الأعظم في العالم الأسلامي وخاصة حواريي الصوفية ؟).. هذا لا أتفق معه، فعدم نكراني لوصايا التسامح عند السيد المسيح لا تعني عدم معرفتي بأن السيد المسيح لم ينقض الشريعة التوراتية، بكل ما فيها من صور العف والغلظة، ولا تعني أيضا عدم معرفتي، من الشواهد التاريخية، أن المسيحيين لم يطيقوا تطبيق وصايا السيد المسيح هذه وإنما فعلوا عكسها تماما، فقتلوا، على سبيل المثال، كل المسلمين الذي وجدوهم في القدس عندما احتلوها، ولم يفعل معهم صلاح الدين نفس الشيء عندما أعادها هو لحكم المسلمين، وإنما عفا عنهم وتركهم يرحلون بسلام آمنين على أنفسهم.. ولا تعني أيضا أني لا أعرف أن السيد المسيح نفسه قد أورد نصوصا تتحدث عن مشروعية القتال للمسيحيين، كالذي أوردته لك من الإنجيل عن أمره لحوارييه أن يشتروا سيوفا.. أنا يا عزيزي إنما أحاول النظر للصورة كاملة من التاريخ والواقع، ولا أنكر محاسنها كما لا أغفل عن سوءاتها، لذا أرجو منك أن تتناول طرحي كاملا من جميع جوانبه، دون التركيز على جانب آخر دون الباقي، فالرهبان المسيحيون عندما يتحدثون عن وصايا السيد المسيح إنما يتحدثون بغير ماء وجه، فتاريخ كنائسهم مليء بالقهر والظلم باسم الدين وباسم السيد المسيح، وهم لا ينكرونه كما أنهم لا يدينونه، فعن أي وصايا سامية للسيد المسيح يحدثونا عنها وهم بعيدين هذا البعد عنها، والسيد المسيح منهم براء؟

    وإذا أنت أردت أن تقارن وصايا السيد المسيح وما طبقه الحواريون بغيرهم، فما عليك إلا أن تنظر إلى الحقبة المكية من حياة النبي، حيث كان المسلمون يعذبون ويهانون و يستضعفون، والنبي معهم، حتى وصل العذاب مع بعضهم إلى الموت، ولكنهم كانوا قائمين على أمر دينهم بصبر وعزيمة فاقت بشكل واضح ما كان عليه الحواريون.. فالحواريون فروا بأنفسهم عند اعتقال المسيح لصلبه، وأنكره بطرس، أكبر تلاميذه، في حين أن أصحاب محمد لم ينكروه وهم تحت وطأة العذاب، إلا في مواقف معدودة ومحدودة، ومات بعضهم مفضلا الموت على ذلك، ودافعوا عنه وهم مستضعفون بين الناس، وهو لم يستسلم لإهانات قريش المادية والمعنوية، المتلاحقة على مدى ثلاثة عشر عاما، وإهانات غيرهم من العرب، كأهل الطائف الذين قذفوه بالأقذار والحجارة حتى تخضبت نعلاه الشريفتان بالدم.. ولم ينتقل المسلمون بعد ذلك إلى مشروعية الجهاد وحمل السيف إلا بعد أن تيقنوا أن أمر هذه الدعوة لن يستقيم إلا بالسيف، وإلا لتخلص منهم المشركون عن بكرة أبيهم، سواءا بالقتل أو المقاطعة الإقتصادية والإجتماعية، ولما قام صوت للإسلام بعدها في الأرض..

    والآن دعني أجاوب على أسئلتك الثلاثة، واحدا واحدا..

    (1)
    الذي أوصل أمثال الترابي للسلطة هو في محصلته مجموع ما ذكرت أنت، وأسباب أخرى.. وانا ظننت أن رسالاتي السابقة كانت واضحة في تلك النقطة..

    (2)
    أتخيل أن الأمور ستؤول للسلم، وآمل أن يكون ذلك عاجلا.. اما الصوفية، فإن رأيي في أهل الطرق الصوفية المعاصرين هو نفس رأي الفكرة الجمهورية، حيث ترى، باختصار، أن الطرق الصوفية قد حادت في كثير من الجوانب عن الإتجاه الأصيل للتصوف، مما جعلها تصبح طائفية غليظة اليوم، وعليه فإن الطرق الصوفية في السودان نفسها تحتاج إلى إعادة تأهيل، أو لنقل إلى إرجاع لأسس التصوف الحق، في سنة النبي الكريم، بثورة فكرية وثقافية جديرة.. وانتقادي هذا للصوفية المعاصرين في السودان (بل وفي العالم أجمع) لا يعني أني أنكر فضل الصوفية السابقين، الذين كانوا مختلفين جدا عن الصوفية اليوم، ولكن دارت دوائر الزمن بالصوفية المعاصرين فأبعدتهم عن ذلك الطريق الأصيل..

    (3)
    أنا أؤيد الدستور القائم على حقوق الإنسان في المواثيق الدولية اليوم، والتي تقوم على حقوق المواطنة المتساوية تمام المساواة بين المواطنين، بغض النظر عن الدين أو العرق أو الجنس، وأرى أنه الدستور الوحيد القادر على إخراجنا من مأزقنا المعاصر، كما أرى أن الإسلام، في مستواه المعاصر، يؤيد ويدعو إلى هذا الدستور دعوة حثيثة.. وبطبيعة الحال لا أدعو بأي حال من الأحوال إلى تطبيق الشريعة الإسلامية، لاني أرى أنها ليست لزماننا هذا، باختصار، وهذا الموقف واضح جدا في الفكرة الجمهورية، فالفكرة الجمهورية ترى أن محاولة تطبيق الشريعة الإسلامية لعصرنا هذا هي أمر ضد الدين في الواقع، والدين منها براء.. وقد ذهب الاستاذ إلى حبل المشنقة من أجل هذا الموقف، كما كان الجمهوريون من أقوى وأصلب من وقف ضد محاولة تطبيق الدستور الإسلامي التي قام بها الطائفيون والإسلاميون قبيل انقلاب مايو 1969..

    أرجو أن تكون في إجاباتي هذه وضوحا شافيا يا عزيزي..

    أما قولك عن أن "ديني ليس كله إيجابيات" فانا لا أتفق معه.. ومحاولتي للتوضيح منذ البداية كانت أن لا نعزي عدم فهمنا الصحيح للدين إلى سوء في الدين نفسه، فالحق أن الدين بري من ذلك..

    أما حديثي عن العاطفة الدينية السامية في السودان، فانا أساسا لم أخصص بها السودان وحده، وإنما اقتضى حديثي أن أتحدث عن السودان دون الحديث عن بقية الدول.. كما أني ذكرت أن العاطفة الدينية السامية هي من خصائص الإنسان الأفريقي بشكل عام.. وهذا أيضا لا يعني أن كل أفريقي هو صاحب عاطفة دينية سامية، وأن كل سودني هو صاحب عاطفة دينية سامية، وإنما تحدثت بشكل عام.. كما أنه لا يعني أن غير الأفارقة ليست لديهم حظوظ من هذه العواطف السامية.. أنا يا عزيزي لم أطلق أحكاما مطلقة على أي مجموعة من الناس، وحديثي يفهم في سياقه فقط..

    هذا ولك مجددا المودة والإحترام والتقدير..
                  

05-10-2005, 03:31 PM

Yaho_Zato
<aYaho_Zato
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 1124

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السيرة النبوية والتاريخ.. توثيق أم تلفيق.. واقع أم ميثولوجيا (Re: Yaho_Zato)

    قرأت هذه المقالة للأستاذ محمود من إحدى مشاركات الاستاذ ياسر الشريف، ولم أكن قد اطلعت عليها قبل ذلك.. أرى أن فيها تلخيصا قيما لراي الأستاذ في القضية التي تناولناها في هذا الخيط.. فإلى المقالة..



    دقائق التمييز
    كلمة نشرها الأستاذ محمود في الصحف في عام 1954


    أمران مقترنان، ليس وراءهما مبتغى لمبتغٍ، و ليس دونهما بلاغ لطالب: القرآن، وحياة محمد..

    أما القرآن فهو مفتاح الخلود.. وأما حياة محمد فهي مفتاح القرآن.. فمن قلد محمداً، تقليداً واعياً، فهم مغاليق القرآن.. ومن فهم مغاليق القرآن حررعقله، وقلبه، من أسر الأوهام.. ومن كان حر العقل، والقلب، دخل الخلود من أبوابه السبعة ..

    ويجب التمييز بين حياة محمد، وحديث محمد.. فأما حياته فهي السمت الذي لزمه في عاداته، وفي عباداته، من لدن بعثه، وإلى أن لحق بربه.. وأما حديثه فضربان، فما كان منه متعلقاً بسمت حياته في عاداته، وفي عباداته، فهو منها، ولاحق بها.. وما كان منه مراداً به إلى تنظيم حياة الجماعة التي بعث فيها، فهو لم يصدر عنه إلا بإعتباره إمام المسلمين، يشرع لهم من الدين ما يلائم حاجتهم الحاضرة، وما يستقيم مع مستواهم العقلي، والمادي والإجتماعي.. ولو قد فعل غير ذلك لشق عليهم، ولأعنتهم، ولأرهقهم إرهاقاً.. وما قام من تشريع حول حياة محمد فهو ليس بالشريعة الإسلامية، وإنما هو سنة النبي، وهو لا يزال صالحاً، في جملته وفي تفصيله، لأن النفس البشرية لا تزال، في وقتنا الحاضر بحاجة إليه، ولم تشب عن طوقه..

    وما قام من تشريع حول حديث محمد (الذي أراد به إلى تنظيم حياة الجماعة) فهو الشريعة الإسلامية، وهو خاضع لسنة التطور ـ سنة الدثور، والتجديد ـ لأن المجموعة البشرية قد ترقت أكثر مما ترقت النفس البشرية، وقد إستجدت لها أمور تحتاج إلى تشريع جديد، يستوعبها، ويحيط بها جميعاً.. هذا التشريع موجود في القرآن، و لكنه مكنون، مصون، مضنون به على غير أهله.. فمن سره أن يكون من أهله فليقلد محمداً في منهاج حياته، تقليداً واعياً، مع الثقة التامة بأنه قد أسلم نفسه إلى إرادة هادية، تجعل حياته مطابقة لروح القرآن، وشخصيته متأثرة بشخصية أعظم رجل، وتعيد وحدة الفكر، والعمل، في وجوده ووعيه كليهما، وتخلق من ذاته المادية، وذاته الروحية كلاً واحداً، متسقاً، قادراً على التوحيد بين المظاهر المختلفة في الحياة ..

    أمران مقترنان: القرآن، وحياة محمد، هما السر في أمرين مقترنين: "لا إله إلا الله، محمد رسول الله" لا يستقيم الأخيران إلا بالأولين..


    محمود محمد طه

                  

05-10-2005, 07:29 PM

Abdulgadir Dongos
<aAbdulgadir Dongos
تاريخ التسجيل: 02-09-2005
مجموع المشاركات: 2609

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السيرة النبوية والتاريخ.. توثيق أم تلفيق.. واقع أم ميثولوجيا (Re: Yaho_Zato)

    لك التحية والأحترام أستاذ قصي ،
    سعيد أنا كذلك بسعة صدرك وكتابك الذي يعكس ثرد قصصي شيق ،
    هكذا دأبنا بكم دائما أصحاب الفكرة الجمهورية .
    لأجل فكرتكم قدمتم من خيرة أبناء السودان فداء لأجل الحرية الفكرية ،
    لأجل ذلك نكن لكم جام الأحترام وألأستاذ محمود محمد طه رغم اختلاف الرؤي .
    بيني وقناعاتي الشخصية ،
    لا أركن الي موته ،
    لأن في مخيلتي من مات هو من لم يخلف سيرة طيبة تزوده ووحدة القبر .
    ولعمري أن محمودا يؤآنسه الأعداء قبل الأخلاء بذكره بكرة وأصيلا ،
    لا يدري أعداءه الذين يصوبون لأنتياشه أنهم يمجدونه دون وعي .
    تظهر كلماتهم جافة جارحة كالسم الزعاف ،
    لاكنها تلهب الفكرة وتسن المعرفة الحقة وهذا ما عاش ويعيش له محمودا .
    وتالله يا صديقي لم أدبر أن يكون حديثي عن الأستاذ بهذا البعد ،
    لكنها الكلمات اختلجت بصدق المشاعر لذلك المفكر العظيم ،
    فخرجت تباعا وأنا في قمة الحبور لك وله التحية ،
    واجلالا له سأراودك ببوست آخر فيه النقاش المستفيض .





    ودي .












    دنـقس .

    (عدل بواسطة Abdulgadir Dongos on 05-10-2005, 11:07 PM)

                  

05-10-2005, 11:08 PM

Mohamed Adam
<aMohamed Adam
تاريخ التسجيل: 01-21-2004
مجموع المشاركات: 5149

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السيرة النبوية والتاريخ.. توثيق أم تلفيق.. واقع أم ميثولوجيا (Re: Yaho_Zato)

    الأخ قصيي
    سلامات يامان
    أنت الجليس الصالح..المسك منك يفوح.
    Quote: وقد يقول قائل بأن هناك مناهج أخرى، فلماذا هذا المنهاج بالتحديد؟ وأقول هنا باني ليس لي أن أحدد، فأنا، كغيري من بني البشر منذ ظهور البشرية، إنما ابني على تجربتي الشخصية وفهمي الشخصي ولا أملك الخروح عنهما وإن ادعيت ذلك،
    هذه الفقره تؤرقني جداَ فأنا لنا فك طلاسمها؟
    الكل يدعي بأنه وارد للمعين الصافي ( البوذي،المسلم،اليهوي،المسيجي،حتي الذي يمارس الشعوذه "إذا ما إلتزم بقانون جهاد النفس" يالها من طلاسم حيري!!).
    أخي قصيي أنا لا أسئلك الإجابه وأحملك ما لا طاقه لك به بقدر ما أنا لست أدري وأعرف أني لست أدري وياريت اني أدري لما لا أدري!!!
                  

05-11-2005, 01:42 PM

Yaho_Zato
<aYaho_Zato
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 1124

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السيرة النبوية والتاريخ.. توثيق أم تلفيق.. واقع أم ميثولوجيا (Re: Mohamed Adam)

    صديقي.. عزيزي.. عبد القادر..

    مرة أخرى لك جزيل الشكر على الكلمات الصافية الطيبة..

    وأنا واحد من الناس الذين غير الأستاذ مجرى حياتهم تغييرا جذريا، فلم تعد، ولن تعود، بعد دخوله فيها كما كانت، يد الدهر.. وعليه فأنا مثلك لا أركن إلى موته، إطلاقا، فاستمرار حياتي شخصيا مرتبط بكونه لم يمت.. وكيف يموت الفكر وهو إكسير حيواتنا؟

    أنا لا أدعو نفسي جمهوريا، وذلك لأسباب كثيرة، من أهمها أني لم أعاصر حركة الأخوان الجمهوريين التي كانت تحت الإشراف المباشر للأستاذ، وقد كنت صغير السن عند تنفيذ حكم الإعدام فيه.. ومنها أيضا أني أرى أن الفكرة الجمهورية أوسع بكثير من اختزالها في تصنيفات.. فالفكرة، بالنسبة لي، هي الإسلام الأصيل.. والإسلام الأصيل هو الدين، في معناه الشامل لكل عاطفة نبيلة وفكر سليم، بغض النظر عن المسميات التي تزخر بها أرضنا اليوم، من مسيحية ويهودية وبوذية وهندوسية وتاوية وبهائية وغيرها.. كل هذه (واحد) عند المعنى الأصيل للدين.. وعلى ذلك فأنا "مسلم" في طور التكوين، دون الحاجة لأن أصنف نفسي أكثر من ذلك، إلا لاعتبارات بسيطة في بعض الأحيان..

    ولك عزيزي، مرة أخرى، كثير المودة والتقدير..
                  

05-11-2005, 02:07 PM

Yaho_Zato
<aYaho_Zato
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 1124

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: السيرة النبوية والتاريخ.. توثيق أم تلفيق.. واقع أم ميثولوجيا (Re: Yaho_Zato)

    عزيزي محمد آدم.. جزيل شكري وتحياتي..

    سؤالك بلا شك كبير جدا.. ولكنه مهم بقدر ما هو كبير..

    دعني أتركك مع "أطراف خيوط" أرجو أن تكون معينة لك في التفكر في هذه القضية العظيمة.. وإذا أحببت أن نسهب في النقاش بعدها، فلك ذلك..

    * يقول تعالى (إن الذين آمنوا، والذين هادوا، والنصارى، والصابئين، من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا، فلهم أجرهم عند ربهم، ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون)..

    * يقول النبي الكريم (الحكمة ضالة المؤمن.. أنى وجدها، فهو أولى بها)..

    * قال الأستاذ محمود مرة، في إجابة على سؤال وجه له بخصوص أمر يتعلق بهذا الموضوع، الآتي (التعايش السلمي أدنى ما يطلب من الأديان، فكيف تكون هناك مساومة على حسابها، عندما يتحقق التعايش السلمي؟؟ إن الأديان مرجوة لتوحيد الناس على المحبة، لأن الناس أخوة، من أم وأب.. وقد أغرى بينهم العداوة الجهل بحقائق أمرهم.. وستسوقهم الأديان إلى العلم بعد الجهل.. إن الأديان كلها وحدة.. وهي، في أي مستوى كانت، إنما هي مراحل من الفكرة الكبيرة التي هي الإسلام.. الأديان كلها هي الإسلام، تنزل على حكم الوقت.. تستوي في ذلك الوثنيات، والتعدديات، والتوحيديات.. والإسلام معناه الإستسلام الراضي، في غير نزاع، بين العبد والرب، ولا بين العبد وبقية العباد الآخرين.. قال النبي: ((المسلم من سلم الناس من لسانه ويده)).. هذا في معنى قول الرسول: ((المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)) أن الناس، بفضل الله، ثم بفضل الإسلام، سيعيشون في سلام ومحبة)..

    في ظل هذه الحيرة، يا عزيزي، بين أهل العقائد، حيث (كل حزب بما لديهم فرحون) - طبعا لا أستثني المسلمين - يمكن أن نرى بصيص أمل.. نجده في أصول هذه الأديان، حيث البداية واحدة، والغاية واحدة، والمناهج متقاربة.. أنا ممن يزعمون أن التنافس بين الأديات سينتقل عما قريب إلى مرحلة التنافس الشريف، بعض انقضاء هذه الغيمة من سخائم النفوس.. حينها ستصبح الأديان كلها داعية للناس بسبل النور، لا بسبل النار.. بسبل السلام، لا بسبل السيف.. رغم أن السيف نفسه، إذا وضع في إطاره التاريخي، لرأيناه أدى مهمة نبيلة.. ولكن آن له أن يترجل..

    التاريخ يخبرنا أن جميع الأديان القديمة المنتشرة اليوم، في واقع الأمر، قد انتشرت بالسيف.. حتى الأديان التي نحمل لها اليوم صورا رومانسية، كالمسيحية والبوذية.. ولكن ذلك، في واقع الأمر أيضا، لا يقدح في نبل مقاصد جميع هذه الأديان، ونبل جوهرها..

    الإسلام، في مستواه المعاصر، هو داعي للحوار الوحدوي بين الأديان، لتتفق في الوسائل كما هي متفقة في الغايات.. وهذا الحوار له وسيلتان.. أولاهما وسيلة الدعوة بلسان الحال (بتجسيد القيم والمعارف)، والثانية بلسان المقال..

    واسمح لي هذه المرة أيضا أن أضع لك وصلة لورقة قديمة، كان سؤالك هذا هو هاجسي الذي جعلني أكتبها..

    التسامح الديني.. ضرورة لا بديل عنها

    مع كثير المحبة..
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de