|
آخر لحظاته آخر لحظات سقراط
|
آخر لحظاته آخر لحظات سقراط
يسأل (إيخكريت) يتلهف الأخبار من الذين شهدوا آخر لحظات سقراط . يلاقي (فيدون) يسأله : " هل كنت مع سقراط يا فيدون في يومه الأخير حين شرب سم الشوكران أم سمعت ذلك من ناس آخرين ؟ " فيجيبه فيدون بكل ثقة يتخللها حزن " كنت هناك بنفسي يا رجل ، لقد شهدته " .
أما أنا فكنت مثل (إيخكريت) أسأل من أثق في روايته هل كنت مع الخاتم في أيامه الأخيرة ؟ . يقول (فيدون) : عندي الوقت لأقول لك كل ذلك يا إيخكريت . لقد أحاطوه الأصدقاء و عدد كثير من الأجانب لم يحضر افلاطون فقد كان مريضاً. كنا معه . تجمَّع الذين يودون معاودته خارج المنزل ـ يقول محدثي ـ إلى حين أن ينصرف من في المنزل . و حين أحس سقراط بهذا الاهتمام من الأصدقاء بدأ يقول لنا : أنَّ الحياة مبدؤها الألم و اللذة معاً . لقد شعرت الآن يتابع سقراط ـ و في هذه اللحظة بدأ يمسح قدميه من أثر القيد ـ شعوراً حقيقياً بهذا المبدأ ؛ و لو شعر به عيسوب لصنع منه أسطورة . لكنه يجعل من الحياة أضدادا إما السعادة أو الألم . بدأ صوت فيدون يقوى و يتخلص من عبراته فيقول: الأغرب من ذلك يا إيخكريت أن أبولودروس كان من تلاميذه المتحمسين رشا السجان الذي يحرس الباب ليهرب أستاذه سقراط . دخل التلميذ متحمسا ليخبر أستاذه فوجد سقراط يغط في نوم عميق. جلس على حافة الفراش ينتظره يصحو . و حين صحا سقراط سال الجالس مستغرباً : منذ متى و أنت تجلس هنا ؟ . أجابه : منذ زمن ليس بالقصير .. التفت إليه سقراط باسماً و لماذا لم تصحني ؟ أنا آسف لم أستقبلك .. طعنت عبرة حلق أبولودروس فهو في سباق مع الوقت حتى لا يتغير الحراس الذين رشاهم . قال هامساً في صوت أجش تتخلله مياه الدموع : شيخنا ، هذا الباب سيكون مفتوحاً لك لقد اتفقت مع الحارس و أعطيته مالاً مقابل ذلك . هنا هب سقراط واقفا و وضع يده على كتف تلميذه جاساً برفق ، فيمسح وجهَ سقراط طيفُ حزنٍ و شفقةٌ معاً . يا أبولودروس إن الباب الذي فتحته لي هو الموت بعينه .
يقول محدثي كنا قبل أن ندخل منزله تتفرقنا الهموم و نحن نتقدم نحو بابه .. و ما إن حللنا حوله حتى أبدهنا الخاتم نفسه يجمعنا في مرح أريحي . يتخلل تلك الجلسة كلام عن مستقبل البلاد . يقول محدثي حين سمعت نعيه لم يدر بخلدي في جلستي معه تلك أن عمره تبقى منه أسبوع واحد . و أنا أسمع نعي الناعي كنت أسمع في حقيقة الأمر رنة صوته في جلستنا الأخيرة . قال أبولودروس لفيدون حين وضع يده على كتفي و قال لي قولته تلك ورقد في فراشه ينظر للعرش سمعت بعدها صوته يمتد حين ألقى خطبته " الالتماسة " بعد أن صوتت الأغلبية في المحكمة ضده بالموت [281 مقابل 220 ] بعد أن اشتكاه ميليتوس و أنيتوس و لايكون ؛ أتذكر يا فيدون كيف كان أنيتوس يتحدث معه قبل عام بتلك البجاحة بحضور أفلاطون التي كتبها في كتابه مينو . لقد فهمت الآن مغزى تلك البجاحة التي انتهت بالشكوي : سقراط عاق يفسد النشأة . الصوت جاءني قوياً يا فيدون و كأني به أسمعه أول مرة . و لا أكذبك القول إذا قلت لك كنت أتسمَّع أصداءه في الأركان . جاءني قوياً الآن ( قد يقول أصدقائي كيف لك يا سقراط أن تقول قولاً يقودك نحو الموت ؛ و سوف أجيب عنه الآن : أنتم غلطانون يا أصدقائي فهذا السؤال موجَّه لإنسان يحسب الموت ضد الحياة ؛ فالذي حسبه اتقاء الموت قد يأتيه أيضاً من حيث يحسب . احسبوا الإنسان إما خيِّراً أو شرِّيراً أما الموت فلا يوقف إحداهما ) . نسينا موته ــ يقول محدثي ــ في تلك اللحظة لأنه قد نساه . يجبرنا أن تنتناول ضيافته .. كان مهموماً بشكل الوطن . يتكلم كلاماً عن المستقبل الذي ينتظره في صيغة سودانه الجديد . ابتدرتني لحظة شفقة ــ يقول محدثي ــ فسألته عن المرض كنت أريد أن أعرف هل انتشر أم كانت هناك سيطرة عليه ؛ طمأنني . في تلك اللحظة دخل من يهيء سقراط و ينوِّره كيف يشرب الشوكران ـ كان هذا الرجل من ضمن الذين صوتوا ببراءة سقراط ؛ لكن هذا عمله في نهاية الأمر ــ و كيف يغمس أصبعه في الشوكران ليصب قطرة في رمل الأرض قبل أن يشرب حتى لا تغضب الآلهة عليه .. جلس سقراط باهتمام بالغ يسمع تعاليم الرجل الذي يحكي و هو يدمع . في تلك الأثناء ناحت خانثيب زوجة سقراط و هي تحمل ابنها الصغير . استأذن سقراط الرجل الذي ينوَّره كيف يتعامل مع الشوكران . نهض سقراط و رفع أُصبعه بأدب لتلميذه كريتون الذي يبكي مع الباكين الآن يأمره أن ينتحي به جانباً. هب التلميذ واقفاً فهمس سقراط له يستحثه : ( أرجوك لو سمحت أن تعود بهما إلى المنزل ، أنت أو أي شخص من الحضور يستطيع ذلك . دبِّر الأمر ) .. ثم جلس سقراط يصغي للرجل .. يقول لي محدثي رغم أن تيسير كانت تعرف سر المرض ، تخدمنا بتفانٍ لا يعرف شفقة سرعة الموت . عجبت من الذي يحيط بنا الآن من حفاوة و كأننا ضيوف كالعادة ؛ في يومٍ لا يعرف تاليه هو يوم موت . جئنا و الموت في توقعنا ندرءه فكان الموت في هذا المنزل يغادر لمكان آخر حسب أرواح هذه الأجساد . كنت أخاف من الانتشار ؛ انتشار المرض ــ يقول محدثي ــ . سمع سقراط حديث الرجل جيداً . كان يقول له سيبدأ انتشار الشوكران من الساقين ثم يعلو شيئاً فشيئا نحو البطن ثم سريعاً نحو الصدر و القلب .. فخرج سريعاً . حين أسقط سقراط نقطةً على الرمل و حمل الوعاء الكبير يرشف منه بدأت صيحات تلاميذه و أصدقائه تتعالى . في اللحظة التي وضع فيها سقراط الإناء على الأرض التفت نحوهم و قال : لقد أبعدنا خانثيب من هذا المكان حتى يسمع بعضنا بعضاً ماذا يقول . بدأت بعض الأصوات تهدأ و آخرون لزموا أركان الغرفة لا ينقطع بكاؤهم . التفت سقراط يقول : قبل تعاليم الرجل و نواح خانثيب كنا نتحدث عن هذه الثنائيات النوم و الصحو و قلت لكم أن النوم ينبثق من الصحو و الصحو ينبثق من النوم أليس كذلك؟ ــــ قال أحد تلاميذه و هو سيبيس : نعم صدقت . قال سقراط : الآن تأمل معي الموت و الحياة أيهما مشتق من الآخر ؟ ... قال سيبيس : الحياة مشتقة من الموت. قال سقراط : إذاً أرواحنا مشتقة من هذا الانحراف انحراف الاشتقاق و هو اشتقاق في قرارة الجحيم . في هذا الأثناء دخل رجل (و هو من الذين صوتوا لموت سقراط) يحمل مطرقة من خشب ليختبر انتشار الشوكران . دخل دون أن يهتم ببكائهم و كلامه لسيبيس فبدأ يضرب بالمطرقة الخشبية ساقي سقراط و سقراط لا يتألم بل يلتفت هنا و هناك مواصلاً سلسلة كلامه عن هذه الثنائيات . كان الأصدقاء يحيطون به و انصرفوا في مناقشاتهم ــ يقول محدثي ــ فغفا الخاتم غفوةً . كان يتحدث سقراط و حين انتشر الشوكران في صدره غفا غفوة . من مناقشات الأصدقاء بدرت كلمة : فصحا الخاتم و استدرك عليهم فلان يقول كلاماً دعونا نسمعه . كان سيبيس يتصور أن سقراط سامعاً فواصل كلامه له .. انتبه بعض الحاضرين فأعلوا الصياح يبكون .. فقال سقراط بصوت مسموع سيبيس يقول كلاما دعونا نسمعه ... عبداللطيف علي الفكي
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
آخر لحظاته آخر لحظات سقراط | elfaki | 04-29-05, 01:54 AM |
Re: آخر لحظاته آخر لحظات سقراط | ديامي | 04-29-05, 05:13 AM |
Re: آخر لحظاته آخر لحظات سقراط | Samau'al Abusin | 04-29-05, 07:26 AM |
Re: آخر لحظاته آخر لحظات سقراط | Tumadir | 04-29-05, 07:40 AM |
Re: آخر لحظاته آخر لحظات سقراط | صلاح شعيب | 04-29-05, 08:17 AM |
Re: آخر لحظاته آخر لحظات سقراط | Bushra Elfadil | 04-29-05, 08:45 AM |
Re: آخر لحظاته آخر لحظات سقراط | esam gabralla | 04-29-05, 10:03 AM |
Re: آخر لحظاته آخر لحظات سقراط | عبد الحميد البرنس | 04-29-05, 05:57 PM |
Re: آخر لحظاته آخر لحظات سقراط | elfaki | 04-30-05, 02:13 AM |
Re: آخر لحظاته آخر لحظات سقراط | ست البنات | 04-30-05, 03:13 AM |
Re: آخر لحظاته آخر لحظات سقراط | elfaki | 04-30-05, 03:58 PM |
Re: آخر لحظاته آخر لحظات سقراط | عبد الحميد البرنس | 05-01-05, 07:57 PM |
|
|
|