عائد من الموت !!!!!!

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 03-28-2024, 06:24 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الأول للعام 2005م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
04-11-2005, 06:20 AM

ناذر محمد الخليفة
<aناذر محمد الخليفة
تاريخ التسجيل: 01-28-2005
مجموع المشاركات: 29251

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
عائد من الموت !!!!!!

    نقلا عن صحيفة الصحافة

    http://www.alsahafa.info/news/index.php?type=3&id=2147493124

    فجأة وجدت نفسي أطير واخترق
    الكابينة الزجاجية قبل أن أرتطم بالأرض
    نعود مرة أخرى الى عائد من الموت وهي فكرة طرحناها من خلال ملف مع الناس وقصدنا من خلالها أن يروي كل منا مواقف واجه من خلالها الموت ومر أمامه شريط الحياة كلها.. بدموعها وافراحها.. بجوانبها الايجابية وخطاياها.. وصلتنا حكايات عديدة نشرناها في حينها ونعود اليوم مع الاستاذ ناذر محمد الخليفة اثناء دراسته بالهند.. وعذراً لـ «ناذر» الذي حوله المصحح الى (نادر) ربما لأن الاسم غريب..
    * يقول ناذر كنت في مدينة اورنقياد التي وصلتها لقضاء بعض اموري وحضور بعض الفعاليات.. لكنني قررت العودة الى مدينة بنقلور.. حاول الاصدقاء استبقائي لكنني رفضت متعللاً بظروفي الصحية..
    * ركبت البص وهيأت نفسي لرحلة طويلة تستغرق عشرون ساعة.. في ذلك اليوم عرفت معاني الآية القرآنية الكريمة (عسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم) وعرفت دلالاتها.. بعد ان تعرض البص الذي نستقله الى حادث مروري.
    * شعرت دون أي مقدمات بعد ان جلست على المقعد المخصص لي بالبص بحمى فظيعة وبرد شديد.. انقلب الوضع فجأة.. وعندما تحرك البص شعرت بدرجة حرارتي ترتفع اكثر فاكثر والبرودة التي اشعر بها تشق عظامي فما كان مني إلا ان اتناول بطانيتي التي كانت معي لحسن الحظ، لففتها على جسمي بالكامل وتقوقعت في مقعدي وأنا ارتجف وأكاد أهذي.
    * البصات السفرية في الهند تتكون من جزأين.. الجزء الذي يوجد به الركاب وهو الجزء الخلفي والجزء الامامي يوجد به السائق ومساعدوه ويفصل بين القسمين كابينة زجاجية مزودة بباب موقعه مباشر امام المقعد رقم واحد الذي اشغله مواجهاً للكابينة واشاهد السائق ومساعديه.
    * عندما وقع الحادث كنت تقريباً فاقداً للوعي.. أو اكاد بفعل الحمى الشديدة والبرد والبطانية تلف جسدي كلهي فجأة شعرت برجة قوية ووجدتني اطير من مقعدي واخترق بجسدي الكابينة الزجاجية وارتطم بشدة بالارض أسفل البص.
    ولحسن الحظ ان البص طاح ناحية الجانب مع الصدمة، وليس للامام وإلا لكان دهسني تحت عجلاته إذا ما واصل تحركه لمترين او ثلاثة اضافيات..
    وقد كنت في حالة ذهول شديد بحيث لم استوعب للوهلة الاولى ما حدث! وظننته كابوس او هذيان من اثر الحمى.. وعندما اصطدمت بالارض بذلك العنف، حاولت اخراج رأسي من البطانية التي كنت اتدثر بها بالكامل، والتي حالت بيني وبين الاصابة بجروح أو كسور تبعاً لتهشم الزجاج والارتطام بالارض، وقد امنت لي حماية كافية من كل ذلك.. وقد فشلت في التحرر منها في المحاولة الاولى بسبب سرعتي وفزعي.. وعندما فعلت، نظرت حولي لاعرف ما جرى، وقد كان المنظر فظيعاً بحق!!
    رأيت وأنا لا ازال ممدداً في مكاني امام البص، واجهته الامامية مهشمة تماماً، كما انها ممتلئة بالدماء.. وهنالك اصوات صراخ وآلام منبعثة من البص باكمله.. وقد حاولت النهوض من مكاني إلا انني فشلت في ذلك لآلام رهيبة اعترت جسدي، مع صداع يكاد ينتزع رأسي من مكانه انتزاعاً.. ولما لم استطع حراكاً انتظرت في مكاني وأنا ارقب الموقف.. وكان ظني ان ما آراه ما هو إلا حلم مزعج سأفيق منه بعد قليل.. وقد كان الوقت فجراً ساعة وقوع الحادث، والمكان هو على ما يبدو قرية صغيرة على الطريق الزراعي.. وعندما تلفت لأرى ما صدمه البص، وجدت على مسافة بعيدة وسط المزارع بقايا مقطورة كبيرة، يبدو انها كانت واقفة على جانب الشارع ولم يرها سائق البص مع وقت الفجر المظلم نسبياً، فصدمها مباشرة وهو في سرعته القصوى..
    وبسرعة شديدة تجمع القرويون، وتوقفت كل العربات المارة بالطريق للمساعدة.. وكان كلما اخرجوا شخصاً من داخل البص، تكون حالته إما مغمى عليه او في حالة من الهستيريا والصراخ.. وفي الحالتين كانت الدماء تغمر الجميع.. وقد اخرجوا من كابينة البص جثتين مشوهتين تماماً، بالاضافة لبعض الركاب من الجانب الخلفي الذين تغمر الدماء اجسادهم، وهم ما بين صرعى أو في حالة من الالم الشديد وفقدان الوعي.
    ثم هرع نحوي بعض من القرويين وحاولوا التحدث معي، إلا انني لم افهم من لغتهم المحلية شيئاً.. ثم بصعوبة بالغة تحدثت وطلبت منهم نقلي خارج الاسفلت، ولكنهم لم يفهموا من لغتي الانجليزية شيئاً.. وبالرغم من ذلك حملوني ووضعوني وسط الحشائش على جانب الطريق، ثم ذهبوا وانشغلوا مع الباقين في ايقاف السيارات العابرة لحمل المصابين للمستشفى..
    ولما كنت في حالة تمدد على الارض ومتدثراً بالبطانية، جائني احد الموجودين وكان يتحدث الانجليزية لحسن الحظ، وسألني ان كانت حالتي تستدعى نقلي مع الحالات الحرجة الاخرى للمستشفى؟.. فأجبته أنني حالياً مريض واشعر بحمى وصداع شديدين ولست متأكداً من حالتي، لكني على كل حال افضل نقلي الى سيارة تذهب بي الى (Bangalore) مباشرة.. وفعلاً حملوني الى حافلة ميني بص ووضعوني داخلها، ثم طلبت من أحدهم احضار حقيبتي من داخل البص، وبعد ذلك انطلقت الحافلة صوب بنقلور، وكنت حقيقة لا ادري إن كنت على ما يرام أم لا؟ إذ كنت فاقداً للشعور والاحساس في تلك اللحظات، ولكني عندما وصلت الى بنقلور بعد بضع ساعات، استطعت الوقوف على قدمي بحذر، وعندما حررت جسدي من البطانية، تحسست نفسي فلم اجد اصابة او جروح أو كسور، إلا من آلام شديدة اشعر بها في ظهري جراء عملية السقوط على الاسفلت، والفضل في ذلك يعود بعد الله سبحانه وتعالى للبطانية التي كنت مغطى بها كاملاً، إذ لولاها ولولا الحمى التي انتابتني فجأة، لتغير الامر تماماً ولكنت أصبت اصابات بالغة، ولكن حكمته وحده هي التي لطفت بالامور..
    والواقع ان حادث البص ذاك ليس اول حادث يقع لي واقذف فيه خارجاً عن العربة، إذ انه وقبل عدة سنوات من ذلك التاريخ، كان مقرراً قبل سفري للهند ان اسافر لباكستان.. وفي منتصف النهار جاءني دون سابق ميعاد عدد من اصدقائي وزملائي بمدرسة الخرطوم الثانوية الجديدة لوداعي.. وفجأة طرأت للجميع فكرة الذهاب الى شاطيء الجريف لقضاء اليوم هناك وكان معهم عربة بوكس، ودون اضاعة للوقت ركبنا جميعاً ومن ثم انطلقنا ناحية الجريف.. ومعلوم عن تلك المنطقة انها تعج بكمائن الطوب، مما جعلها قبالة الشاطيء مليئة بالتعرجات والحفر الكبيرة.
    وبعد ان نزلنا بحذر وقضينا وقتاً رائعاً على الشاطيء واردنا الرجوع، طلب منا سائق البوكس التمسك جيداً لأنه سينطلق بسرعة كبيرة نسبة لارتفاع المخرج الرملي امامه، مما يتحتم عليه الانطلاق بأقصى سرعة كي يتمكن من الخروج.. وفعلاً بعد ان تمسكنا جيداً انطلقت السيارة كالبرق، وبعضنا يصفق ويغني (قلبا بيا.. قلبا بيا)!!.. وقد كنت أنا اجلس في ركن العربة وتحديداً الكورنر الخلفي يمين السائق، وكان احد اصدقائنا يركب فوق كابينة البوكس.. ولكن يبدو ان السائق لم ير المخرج جيداً، أو ربما لم يقدر سرعة السيارة، وفجأة ظهرت أمامنا حفرة كبيرة جداً من كمائن الطوب عمقها اكثر من ثلاثة امتار وطولها حوالي سبعة او ثمانية امتار وعرضها حوالي خمسة او ستة منه.. فانقلبت العربة داخلها على جانبها الايسر عكس الجانب الذي كنت اجلس عليه، مما تسبب في قذفي بعيداً عن السيارة، أنا وذاك الذي فوق الكابينة، أما الباقون فقد انقلبت العربة فوقهم وحبستهم داخلها..
    وقد كانت تلك لحظات رهيبة بالنسبة لي، إذ كان جميع اصدقائي قد حشروا داخل العربة وهم يصرخون بألم وأنا خارجها مصاب بالذهول وقد شل تفكيري تماماً.. ولحسن الحظ كان قريباً من المكان بعضاً من عمال الكمائن، فهرعوا إلينا واستطاعوا بعد جهد جهيد رفع صندوق البوكس وتحرير من علقوا بداخله، أما من كانوا بداخل اكابينة السائق لم يستطعوا التحرر إلا بعد ان حطمنا الزجاج الامامي، حيث خرجوا من خلاله بعد ذلك.. وقد اصيب الجميع بجروح ورضوض متفاوتة، عدا شخصي والشخص الذي كان راكباً فوق الكابينة.. وقد كانت تلك اول تجربة أخوضها في مواجهة الموت ..

    (عدل بواسطة ناذر محمد الخليفة on 04-11-2005, 06:22 AM)
    (عدل بواسطة ناذر محمد الخليفة on 04-11-2005, 11:23 AM)

                  

04-11-2005, 12:21 PM

ناذر محمد الخليفة
<aناذر محمد الخليفة
تاريخ التسجيل: 01-28-2005
مجموع المشاركات: 29251

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: عائد من الموت !!!!!! (Re: ناذر محمد الخليفة)

    عندما جئت للهند في الربع الأخير من عام ستة وتسعون وتسعمائة وألف ، سكنت مع مجموعة من أبناء دفعتنا في منزل واسع في منطقة شبه زراعية وتعج بمختلف الأشجار ، وكان المنزل يتكون من ثلاثة غرف وسطح وجراج ، بالإضافة لفناء ضيق قليلاً ينام به ليلاً خفير المنزل .. وقد جاء لزيارتنا في الأسبوع الاول لمجيئنا بعضاً من الجيران الهنود ، وبعد التعارف أخبرونا بضرورة إغلاق النوافذ جيداً قبل خروجنا إلى الجامعة صباحاً ، لأن المنطقة تعج بثعابين الكوبرا الهندية ، وربما يتسلل أحدهم داخل المنزل في غيابنا ! ...

    وحقيقة اندهشنا وأصابنا الرعب لقولهم ذاك ، إذ أن جميعنا جاء من مدينة الخرطوم ، ولم نر ثعباناً طليقاً في حياتنا ، ناهيك عن ثعبان الكوبرا المخيف!، والغريبة أن جيراننا هؤلاء كانوا يخبروننا القصص تلك في برود واعتيادية ! ، إذ رووا لنا انه من الطبيعي لديهم رؤية ثعباناً أو إثنين يمرحان في حدائق منازلهم ، دون أن يلقيا له بالاً !! ، وكأن تلك الثعابين حيوانات منزلية أليفة كالقطط أو الأرانب !! ...

    فسألناهم ماذا نفعل إذا رأينا أو قابلنا ثعباناً ؟ ، فأجابوا بكل بساطة :لا تفعلوا شيئاً فقط أجمدوا في أماكنكم ولا تتحركوا حتى وإن تسلق أرجلكم ، فإنه لا يؤذي أحداً إلا إذا ما شعر بالخطر !!! ...

    إذاً فالمطلوب منا ألا نجعل ذلك المخلوق المخيف سيء السمعة يستشعر الخطر ، حتى وإن تسلق مضاجعنا وبدأ بالعبث في أجسادنا ! .. ولكن من منا يستطيع التجمد في مكانه حتى إنصراف الكوبرا ؟ ، ثم من يضمن لنا عدم استشعار ذلك الثعبان للخطر ! ، حتى وإن جمدنا ولم نولي الأدبار ؟! ...

    إن تعامل الهنود الهندوس مع هذه المخلوقات السامة ، نابع من ديانتهم التي تقدس الثعابين ، كما أن لديهم خبرة أيضاً في التعامل معها ، بحيث باتوا لا يخشونها ولا تخشاهم ، وليس بعيداً عن الأذهان قصة رووها لنا من سبقونا ــ لا أدري مدى صدقيتها ــ عن الطالب العربي الذي كان يدرس في إحدى الجامعات الهندية في مجال له علاقة بالحيوانات (Zoology) .. وفي إحدى الأيام أقترب من قفص به نوع من الثعابين النافخة للسم ، ولعله كان ينوي الإمساك به لغرض ما ، إلا أن الثعبان عاجله بنفث السم في وجهه ، فخرج من المعمل فزعاً يبحث عن طبيب لعلاجه ، فرفضت جميع المستشفيات استقباله عندما علموا أنه أصيب بسم ثعبان ، لاعتقادهم أن ذاك غضب إلهي ‍! ، وإن اللعنة ستحل بهم إذا ما حاولوا علاجه ، وبدأ المسكين يلفظ أنفاسه الأخيرة قبل أن يصل إلى طبيب مسلم أو مسيحي ، فمات من أثر السم !! ...

    وفي إحدى الأيام جئنا ليلاً إلى المنزل ، فوجدنا الخفير يبحث عن شيء بين الأشجار بيديه العاريتين في الفناء ، ولما سألناه ماذا يفعل ؟ ، أجابنا بهدوء شديد أن ثعباناً من نوع الكوبرا موجود هنا ، وأنه يبحث عنه لطرده ، فكدنا أن نموت رعباً وأسرعنا إلى داخل المنزل ، وأغلقنا جميع النوافذ والأبواب !! ...

    وبعد هذه الحادثة بيومين أو ثلاثة ، خرجنا صباحاً إلى الكلية ، وتركنا صديقنا منتصر عبد الله بالمنزل ، وعندما عدنا عصراً لمحناه في السطح ، فأشار إلينا بالصعود بسرعة .. فأسرعنا الخطو بقلق معتقدين أن لصوصاً اقتحموا المنزل .. وعندما وصلناه كان يرتجف والدماء غائرة من وجهه ، والعرق يتصبب منه غزيراً ، رغم أننا في عز الشتاء !! ، ورويداً رويداً إستطاع التحدث ، فذكر لنا أنه أراد الخروج ظهراً وذهب إلى الجراج لإخراج موتره ، وعندما فتح الباب وهم بالدخول ، فوجئ بثعبان ضخم أمامه مباشرة ، يقف منتصباً يحدق في اتجاهه بحدة وتركيز ، بينما ذيله يلتف حول نفسه وحول البالوعة التي في منتصف الجراج ...

    فتسمر في مكانه ولم يستطع حراكاً ، ليس عملاً بوصية جيراننا الهنود ، وإنما تجمد رعباً وفزعاً وهو يحدق في الثعبان ، والثعبان يحدق فيه أيضاً .. وظلا على هذا الوضع زمناً ليس بالقصير ، وفي النهاية مل الثعبان الوقوف ، ولملم أطرافه واختفى داخل البالوعة ، فنفض منتصر ذهوله وأسرع ناحية السطح في فزع ، وظل به حتى مجيئنا ...

    ولما كانت تلك الرواية مخيفة ومفزعة ، فقد تناقشنا جدياً في الرحيل عن المنزل رغم أتساعه ورخص إيجاره .. وفعلاً اتصلنا ببعض أصدقائنا السودانيين ، نطلب منهم مساعدتنا في البحث عن منزل ...

    ولكن حدثت لي مواجهة مباشرة مع أحد ثعابين الكوبرا عجلت برحيلي وحدي عن المنزل ، وتركت رفقائي وحدهم ليتدبروا أمورهم .. وفعلاً بعد أقل من أسبوع على انتقالي منهم ، رحلوا جميعاً عن المنزل وتفرقوا وتوزعوا على منازل السودانيين ريثما يجدوا منزلاً آخر ، وقد كلفنا هذا الهروب الجماعي أكثر من خمسمائة دولار عبارة عن مقدم المنزل ، تركناه لصاحبه دون أن نتأسف له ، أو نزرف دمعة على المبلغ ...

    والذي حدث أنني عدت في أحد الأيام غافلاً إلى المنزل وأنا أقود دراجتي النارية ، وكانت الساعة حوالي العاشرة مساء والجو ممطراً قليلاً .. فدلفت إلى طريق ضيق عرضه حوالي المترين وعلى جانبيه الحشائش وأشجار جوز الهند ، وفجأة لمحت أمامي مع الإضاءة الخافتة التي تأتي من بعيد ، ما بدأ لي أنه خرطوش لري الحشائش ممتداً بعرض الممر الضيق ولونه كاحل السواد ، ومع تركيز أضواء الموتر عليه وارتفاع صوت المحرك ، انتفض ذلك الشيء والتف حول نفسه بسرعة مذهلة ! ، وانتصب نصفه العلوي واقفاً وهو يحدق تجاهي مع حركات متوترة ولسانه يبرز خارج فمه ، مصحوباً بفحيح رتيب مخيف ، كفيل بقذف الرعب في قلوب أشجع الشجعان !! ...

    أصبت بهلع حقيقي مع سرعة وتحفز ثعبان الكوبرا ، وتجمدت الدماء في عروقي وأنا لازلت أقود دراجتي النارية ومتجهاً نحوه مباشرةً ، لدرجة أنني لم أدر كيف أوقف الموتر مع حالة الشلل المفاجئة التي غطت أطرافي .. إذ ضغطت على الفرامل بقوة ، ولكني في نفس الوقت كنت أجذب كابح البنزين لحده الأقصى ، مما نتج عنه إصدار المحرك صوتاً مزعجاً ومرتفعاً ، زاد من توتر الكوبرا وحدة فحيحها وحركتها المتحفزة ، وزاد أيضاً من ارتياعي وهلعي في تلك اللحظات ! ...

    كم هو شعور مخيف حين يرى الإنسان دنو أجله أمامه !! ...

    حين تتجمد الدقائق وينعدم الإحساس بالزمان والمكان والأبعاد !! ...

    إذ دار في رأسي شريط قصير وفي أقل من الثانية الواحدة ، لكنه محتشد بتفاصيل كثيفة ، ربما قد تكلف زمناً مقداره ساعتان في الظروف العادية ، ولكن طبعاً لا يمكن أن نسمي مواجهة الموت على بعد اقل من ستة أمتار ظروفاً عادية !! ...

    تذكرت أبي وأمي وأصدقائي فرداً فرداً .. أخوالي وأخواني وأقربائي ، ومشاهد سريعة عن حياتي قديماً ، وصور لجميع ذنوبي وخطاياي التي ارتكبتها ، ثم جاءت مشاهد قاتمة رأيت فيها نفسي ميتاً أمام حشد هائل ، ولكن لم يواروا جثماني الثرى .. بل رأيتهم يستعدون لإشعالي في محرقة عتيقة كعادة الهنود في وداع موتاهم !! ...

    كل هذه المشاهد مرت ببرهة وميضة ، وأنا مندفع نحو ذلك المخلوق ، وعاجز تماماً عن التصرف وإيقاف الدراجة النارية !! ...

    لا ادري كيف حدث ذلك ! .. المهم انه دون أي مقدمات توقف المحرك فجأة وهمدت حركته تماماً ، وكأنه كان يتفاعل أو يعبر بالضبط عما حاق بأعضائي الحيوية الداخلية ، ولكن ظل فانوسه الأمامي مسلطاً على الكوبرا القاتلة التي كانت على بعد حوالي ثلاثة أمتار فقط بعد توقف محرك الموتر !! ...

    لا ادري كم مر من الزمن وأنا في حالة من التجمد وعيناي خارج محجريهما ، وعدت لا اسمع شيئاً سوي دقات قلبي وكأنها طبول بدائية قديمة من عصور سحيقة ، أضفى عليها فحيح الثعبان مزيجاً طقوسياً لا يوحي إلا بشيء واحد ...

    الموت فقط ولا شيء سواه ، وبعده أصار إلى المحرقة كالجيفة !! ...

    وبعد فترة طويلة مرت عجزت عن حسابها بدقة أو بتقريب ، بدأ ثعبان الكوبرا يتحرك بهدوء في مكانه ، ويبدو إن توتره واستشعاره للخطر قد زال مع جمودي الاضطراري ، وبدأ في الزحف بهدوء إلى داخل الحشائش حتى أختفى بينها ، وإني أكاد أجزم أنه لو كان تحرك ناحيتي بوصة واحدة لكنت سقطت على الأرض ميتاً دون شك ، بسبب سكتة قلبية أو ذبحة صدرية ، وذلك على أي حال أفضل لي من الموت بلدغة كوبرا ، لا أدري إن كانت مقدسة أو ذات قدرات إلهية كما يعتقد الهنود !! ...

    وحتى بعد اختفائها بين الحشائش ، لم أستطع الحراك من مكاني على ظهر الموتر وأنا أبحلق في المكان الذي كانت فيه الكوبرا .. وبعد عدة دقائق انتفضت وكأنما أصحو من حلم مثير ، ثم حاولت إشعال المحرك فلم أنجح للتصلب الذي أعترى قدمي اليمنى ، فنزلت ببطء من على متنه ، وأدرت اتجاه الموتر للجهة المعاكسة ، ثم سرت به على هذه الحالة ببطء شديد دون أن أجرؤ على الإلتفات خلفي ، حتى وصلت أول الطريق حيث أشعلت المحرك بسرعة وانطلقت بالموتر بسرعة خيالية .. وبعد أن ذهبت من طريق آخر ، وصلت إلى المنزل وأنا أكاد أموت رعباً .. وفي اليوم التالي مباشرةً ذهبت إلى وكالة خدمات عقارية ، فوجدوا لي غرفة في الطابق الثاني من إحدى البنايات .. وافقت على إيجارها فوراً .. ولم ينقضي عصر ذلك اليوم ، إلا وكنت قد رحلت إليها مع متاعي وحاجياتي .. ولكن رحل معي خوفي وهواجسي من الثعابين ، وأستوطن معي ذات الغرفة ...

    ولكن ذلك الرحيل لم يفلح أيضاً في إزالة الثعابين عن طريقي ، إذ عدت في إحدى الليالي إلى المنزل حوالي التاسعة مساء .. وفي الطريق بينما أنا أقود دراجتي النارية بسرعة شديدة على الشارع الرئيسي ، ظهر أمامي فجأة ثعباناً طوله حوالي المتر ، جاء منطلقاً بسرعة ، ويبدو انه كان يريد عبور الطريق إلى الجانب الآخر ، ولما كنت في حالة سرعة شديدة مع مباغتتي بسرعة وانطلاقة الثعبان ، لم أستطع التصرف سوى أن رفعت أرجلي بسرعة إلى أعلى ، فكان أن دهسته تحت الإطارات ، بحيث بدأ لي واضحاً الصوت الذي صدر جراء عملية الدهس ، مع إرتجافة بسيطة بجسم الموتر ...

    فدخلت غرفتي خائفاً فزعاً ، وأنا أستحضر ذلك الفلم الهندي القديم ، الذي يحكي أن زوج الثعبان إذا ما قتل يأتي زوجه الأخر ، وينظر في عينيه فيجدهما سجلتا صورة قاتله ، ثم لا يهدأ لذلك الزوج بال حتى ينتقم من قاتل زوجه ، وكنت في حالة خوف وترقب بعد أن أغلقت جميع النوافذ في الغرفة .. وكلما أسمع صوتاً أو حركة مريبة بالخارج ، تزداد دقات قلبي ظاناً أن ذلك الصوت ما هو إلا زوج من دهسته ، أتى يبحث عن قاتل رفيقه للانتقام !! ...

    وفي نهار إحدى الأيام كنا نتنزه أنا واحد أصدقائي في شوارع المدينة ، عندما شاهدنا ازدحاماً شديداً في حركة المرور وصخباً وضجيجاً ملفتاً للنظر .. ولما كنا نقود دراجة نارية ، فقد وصلنا إلى أول الإزدحام حيث شاهدنا منظراً أسطورياً بحق !! ...

    إذ كان في منتصف شارع الإسفلت ثعباناً ضخماً من نوع (King Cobra) ، لونه رمادياً مائل للسواد ، كان يتلوى أمام الخلق بزهو وخيلاء !! ، والعجيب ما فعله الهنود في تلك اللحظة ، إذ كان بعضهم يبكون ويتضرعون أمامه ! ، والبعض يلقي بحبات الورد والحلوى تجاهه ! ، والبعض الآخر بدأ في الهمهمة وتلاوة الصلوات ! .. كل هذا ورجل المرور أوقف جل حركة الشارع من اجل ذلك الثعبان !! .. وفي النهاية جاء أحد الكهنة وأمسك به بحذر ، وأعاده إلى المكان الذي خرج منه !! ...

    والمصيبة أن المكان الذي تركوا فيه ذلك الثعبان وانصرفوا ، هو عبارة عن حديقة جميلة على جانب الطريق !! ، كنا نأتي إليها في الأمسيات أحياناً للعشاء والسمر ، فجعلوا ذلك الثعبان حراً طريقاً يمرح داخلها ! ، فلم ألج تلك الحديقة بعد ذلك أبداً حتى مغادرتي الهند ...

    وعندما ذهبت إلى أورنقباد لحضور المؤتمر العام ، ونزلت عند صديقي خضر عبد الوهاب ، وأراني دماء وبقايا الثعبان الضخم الذي قتلوه نهار ذلك اليوم ، تذكرت على الفور تلك الكوبرا التي واجهتها ، وكدت القي مصرعي خلالها لولا عناية الله ولطفه ، وهجعت للنوم وصورة دماء الثعبان مطبوعة في عقلي الباطني ، مما جعلني أنهض فزعاً وأنا أصيح وأصرخ بهستيريا شديدة ، ولم أنم بعدها حتى الصباح ...

    والغريبة أنه حتى الآن رغم مغادرتي للهند واستقراري بالسودان ، لا زالت تنتابني المخاوف والهواجس من الثعابين ، رغم ندرتها بالخرطوم .. والمشكلة إنني بت مقتنعاً تماماً بصورة لا تقبل الشك ــ وربما أحتاج إلى زيارة طبيب نفساني للشفاء من ذلك الهاجس ــ أنني إذا جاء أجلي وتمت المشيئة ، لن أموت على فراشي كما يموت البعير ، بل نهايتي حتماً بأنياب ثعبان سام وقاتل ، فلا نامت أعين الجبناء !! ...

    بقى أن أذكر أن هنالك إحصائية من جهاز رسمي بالهند ، تبين أن خمسة وخمسون ألفاً من الهنود يموتون (سنوياً) بسبب الثعابين !! ، وطبعاً هذه إحصائية رسمية ولكن مع معدل الجهل المرتفع ، وكثرة القرى ، وأتساع مساحة الهند ، وكثافة وتكتل سكانها في المناطق الزراعية ، تكون هذه فقط هي قمة جبل الجليد ...
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de