تقرير لجنة التحقيق الدولية بشأن دارفور المقدم إلى الأمين العام

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-04-2024, 09:31 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الأول للعام 2005م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-15-2005, 04:41 AM

peace builder
<apeace builder
تاريخ التسجيل: 10-17-2002
مجموع المشاركات: 791

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
تقرير لجنة التحقيق الدولية بشأن دارفور المقدم إلى الأمين العام

    البورداب الأعزاء
    مرفق ادناه التقرير الخاص باللجنة الدولية للتحقيق بشأن دارفور المقدم للأمين العام للامم المتحدة حتى تعم الفائدة.
    جمال
    ***********************************
    رسالة مؤرخة 31 كانون الثاني/يناير 2005 موجهة من الأمين العام إلى رئيس مجلس الأمن
    في رسالتي المؤرخة 8 تشرين الأول/أكتوبر 2004، أعلمتكم وأعضاء مجلس الأمن بقراري تعيين لجنة تحقيق مؤلفة من خمسة أعضاء للتحقيق في التقارير المتعلقة بانتهاكات القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان في دارفور، بالسودان. وطلبتُ إلى اللجنة أن تضطلع بمهمتها خلال ثلاثة أشهر وأن تقدم لي تقريرا عن ذلك.
    وأرفق لكم طيه التقرير الذي قدمته إليَّ اللجنة.
    (توقيع) كوفي عنان

    تقرير لجنة التحقيق الدولية بشأن دارفور المقدم إلى الأمين العام

    عملا بقرار مجلس الأمن 1564 (2004) المؤرخ 18 أيلول/ سبتمبر 2004

    موجز
    استنادا إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، اتخذ مجلس الأمن في 18 أيلول/ سبتمبر 2004 القرار 1564 (2004) وطلب فيه، ضمن أمور أخرى، أن يقوم الأمين العام على وجه السرعة بإنشاء لجنة تحقيق دولية تضطلع فورا بالتحقيق في التقارير المتعلقة بانتهاكات القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان التي ترتكبها جميع الأطراف في دارفور، ولتحدد أيضا ما إذا كانت وقعت أعمال إبادة جماعية، وتحديد هوية مرتكبي تلك الانتهاكات لكفالة محاسبة المسؤولين عنها.
    وفي تشرين الأول/أكتوبر 2004، عين الأمين العام أنطونيو كاسيسيه (رئيسا) وهينا جيلاني وتيريزا ستريغنر - سكوت ودوميسا نتسيبيزا ومحمد فايق أعضاء في اللجنة وطلب إليهم تقديم تقرير عن نتائج تحقيقاتهم خلال ثلاثة أشهر. وساندت اللجنة في عملها أمانة ترأستها مديرة تنفيذية، هي منى رشماوي، فضلا عن فريق للبحث القانوني وفريق للتحقيق مؤلف من محققين وخبراء في الطب الشرعي، ومحللين عسكريين، ومحققين متخصصين في مجال العنف ضد المرأة، عينتهم جميعا مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان. واجتمعت اللجنة في جنيف وبدأت عملها في 25 تشرين الأول/أكتوبر 2004.
    ولكي تضطلع اللجنة بولايتها، عملت على أداء أربع مهام رئيسية، هي: (1) التحقيق في التقارير المتعلقة بالانتهاكات الخطيرة للقانون الإنساني الدولي وللقانون الدولي لحقوق الإنسان التي ارتكبتها جميع الأطراف في دارفور؛ و (2) تحديد ما إذا كانت قد ارتكبت أعمال إبادة جماعية أم لا؛ و (3) تحديد مرتكبي انتهاكات القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان في دارفور؛ و (4) اقتراح الوسائل الكفيلة بمحاسبة المسؤولين عن تلك الانتهاكات. ولئن كانت اللجنة قد نظرت في جميع الأحداث ذات الصلة بالصراع الجاري في دارفور، فقد ركزت أعمالها بصفة خاصة على الأحداث التي وقعت في الفترة بين شباط/فبراير 2003 ومنتصف كانون الثاني/يناير 2005.
    ودخلت اللجنة في حوار منتظم مع حكومة السودان طوال فترة ولايتها، وخاصة من خلال الاجتماعات التي عقدت في جنيف والسودان، وكذا من خلال جهود فريق التحقيق التابع للجنة. وزارت اللجنة السودان في الفترة من 7 إلى 21 تشرين الثاني/نوفمبر 2004 ومن 9 إلى 16 كانون الثاني/يناير 2005، بما في ذلك السفر إلى ولايات دارفور الثلاث. وظل فريق التحقيق يعمل في دارفور طوال الفترة من تشرين الثاني/نوفمبر 2004 إلى كانون الثاني/يناير 2005. وعقدت اللجنة أثناء وجودها في السودان اجتماعات مطولة مع ممثلي الحكومة، وولاة ولايات دارفور، وغيرهم من كبار المسؤولين في العاصمة وعلى مستوى المحافظات والمستوى المحلي، ومع أفراد من القوات المسلحة والشرطة، وقادة قوات التمرد، وزعماء القبائل، والمشردين داخليا، وضحايا وشهود الانتهاكات، والمنظمات غير الحكومية، وممثلي الأمم المتحدة.
    وقدمت اللجنة تقريرا كاملا عن نتائج تحقيقاتها إلى الأمين العام في 25 كانون الثاني/يناير 2005. ويصف التقرير صلاحيات كل من اللجنة وفريق التحقيق التابع لها، وطرائق عملهما، ونهجهما، والأنشطة التي اضطلعا بها. ويتضمن التقرير أيضا لمحة عامة عن الخلفية التاريخية والاجتماعية للصراع في دارفور، ثم يعالج المهام الأربع المشار إليها أعلاه بشيء من التفصيل، فيورد الاستنتاجات التي توصلت إليها اللجنة فيما يتعلق بما يلي: (1) انتهاكات القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي التي ارتكبها جميع الأطراف؛ و (2) تحديد ما إذا كانت قد ارتكبت أعمال إبادة جماعية أم لا؛ و (3) تحديد هوية مرتكبي الانتهاكات؛ و (4) آليات المساءلة. ويرد فيما يلي سرد موجز لهذه التقسيمات الأربعة.

    أولا - انتهاكات القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي
    نظرت اللجنة بعناية، وفقا لولايتها في التحقيق في التقارير المتعلقة بانتهاكات القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، في تقارير واردة من مصادر مختلفة ومن بينها حكومات، ومنظمات حكومية دولية، وهيئات وآليات تابعة للأمم المتحدة، ومنظمات غير حكومية.
    واتخذت اللجنة منطلقا لأعمالها حقيقتين لا يمكن دحضهما بشأن الحالة في دارفور. أولا، فوفقا لتقديرات الأمم المتحدة، هناك أشخاص مشردون داخليا في دارفور يبلغ عددهم 1.65 مليون شخص، ويوجد أكثر من 000 200 لاجئ من دارفور في تشاد المجاورة. ثانيا، حدث دمار واسع النطاق للقرى في جميع أرجاء ولايات دارفور الثلاث. وأجرت اللجنة تحقيقات مستقلة للوقوف على المزيد من الوقائع وجمعت قدرا كبيرا من المعلومات عن حالات انتهاكات متعددة ارتكبت في قرى ومدن ومواقع أخرى عبر ولايات شمال دارفور وجنوب دارفور وغرب دارفور. وتستند نتائج تحقيقات اللجنة إلى تقييم الوقائع التي تجمعت لديها أو استوثقت منها أثناء التحقيق.
    واستنادا إلى تحليل دقيق للمعلومات التي جمعت خلال تحقيقات اللجنة، تبينت للجنة مسؤولية حكومة السودان ومليشيات الجنجويد عن انتهاكات خطيرة للقانون الدولي لحقوق الإنسان وللقانون الإنساني الدولي تشكل جرائم بموجب القانون الدولي. وعلى وجه الخصوص، فقد تبين للجنة أن قوات الحكومة والمليشيات شنت هجمات عشوائية، شملت قتل المدنيين، والتعذيب، والاختفاءات القسرية، وتدمير القرى، والاغتصاب وغيره من أشكال العنف الجنسي، والنهب، والتشريد القسري، في جميع أرجاء دارفور. وقد نُفذت هذه الأعمال على نطاق واسع وبصورة منهجية، وهي بالتالي قد تشكل جرائم ضد الإنسانية. وأدت أعمال التدمير والتشريد واسعة النطاق إلى فقدان عدد لا يحصى من النساء والرجال والأطفال لأسباب المعيشة ووسائل البقاء. وبالإضافة إلى الهجمات واسعة النطاق، جرى اعتقال واحتجاز الكثيرين، وعزل الكثيرون في أماكن مجهولة لفترات طويلة وعُذبوا. وكانت الأغلبية الساحقة من ضحايا هذه الانتهاكات من قبائل الفور والزغاوة والمساليت والجبل والأرنجا وغيرها من القبائل المسماة بالقبائل ”الأفريقية“.
    وذكر مسؤولو حكومة السودان، في مناقشاتهم مع اللجنة، أن أي هجمات شنتها القوات المسلحة الحكومية في دارفور كانت لأغراض التصدي للتمرد واقتضتها حتميات عسكرية. ومع ذلك، فقد اتضح من نتائج تحقيقات اللجنة أن أغلب الهجمات استهدفت المدنيين عمدا وبصورة عشوائية. وعلاوة على ذلك، فحتى لو كان المتمردون، أو من يدعمونهم، موجودين في بعض القرى، وهو الاحتمال الذي تعتبره اللجنة ممكنا في عدد ضئيل جدا من الحالات، فإن المهاجمين لم يتخذوا الاحتياطات اللازمة لتمكين المدنيين من مغادرة القرى أو لحمايتهم من الهجوم. وحتى في الحالات التي ربما كان المتمردون موجودين فيها في القرى، فإنه يتبين من أثر الهجمات التي شنت على المدنيين أن استخدام القوة العسكرية كان بلا شك غير متناسب مع أي خطر يمثله المتمردون.
    ومما يثير انزعاج اللجنة الشديد أن أعمال التهجم على القرى، وقتل المدنيين، والاغتصاب، والنهب، والتشريد القسري استمرت كلها خلال فترة ولاية اللجنة. وترى اللجنة أنه ينبغي اتخاذ إجراء عاجل لوقف هذه الانتهاكات.
    ولم يتبين للجنة وقوع هذه الانتهاكات وفق نمط منهجي أو منتشر ولكنها وجدت أدلة موثوقا بها على أن قوات التمرد، وجيش تحرير السودان وحركة العدل والمساواة مسؤولة هي أيضا عن وقوع انتهاكات خطيرة للقانون الدولي لحقوق الإنسان وللقانون الإنساني الدولي قد تشكل جرائم حرب. ومن بين هذه الانتهاكات، بوجه خاص، قتل المدنيين وأعمال النهب.
    ثانيا - هل حدثت أعمال إبادة جماعية؟
    خلصت اللجنة إلى أن حكومة السودان لم تتبع سياسة الإبادة الجماعية. ويمكن القول هنا بتوافر ركنين من أركان الإبادة الجماعية استنادا إلى وقوع انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ارتكبتها القوات الحكومية والمليشيات الواقعة تحت سيطرتها. والركنان هما: أولا، الفعل الإجرامي، فعل القتل، أو إلحاق أذى جسدي أو معنوي جسيم، أو تعمد إخضاع آخرين لظروف معيشية تؤدي على الأرجح إلى الهلاك البدني؛ وثانيا، وهذا معيار ذاتي، وجود جماعة محمية يستهدفها مقترفو السلوك الإجرامي. ومع ذلك، يبدو أن العنصر الجوهري، عنصر عقد النية للإبادة الجماعية، غير موجود، على الأقل فيما يتعلق بالسلطات الحكومية المركزية. وعموما، فإن سياسة التهجم على أفراد بعض القبائل وقتلهم وتشريدهم قسريا لا تدل على وجود نية محددة للإبادة الكلية أو الجزئية لجماعة تميزها مقومات عرقية أو إثنية أو قومية أو دينية معينة. والأحرى أن من خططوا للهجمات على القرى ونظموها فعلوا ذلك، على ما يبدو، بنية طرد الضحايا من مساكنهم، لأغراض تتعلق أساسا بالحرب ضد التمرد.
    وتقر اللجنة بأنه ربما يكون هناك أفراد، ومن ضمنهم مسؤولون حكوميون، ارتكبوا أعمالا بنية الإبادة الجماعية. إلا أن البت في صحة ذلك أو عدم صحته في دارفور أمر لا يتسنى إلا لمحكمة مختصة وعلى أساس كل حالة على حدة.
    والاستنتاج القائل بأن السلطات الحكومية لم تتبع ولم تنفذ سياسة الإبادة الجماعية في دارفور، مباشرة أو عن طريق المليشيات الخاضعة لسيطرتها، لا ينبغي أن يفسر بأية طريقة تقلل من خطورة الجرائم التي ارتُكبت في تلك المنطقة. فالجرائم الدولية من قبيل الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب التي ارتُكبت في دارفور قد لا تقل خطورة وفظاعة عن جريمة الإبادة الجماعية.

    ثالثا - تحديد هوية مرتكبي الانتهاكات
    جمعت اللجنة عناصر موثوقا بها ومتسقة تشير إلى مسؤولية بعض الأفراد عن ارتكاب انتهاكات خطيرة للقانون الدولي لحقوق الإنسان وللقانون الإنساني الدولي، بما فيها جرائم ضد الإنسانية أو جرائم حرب، في دارفور. وبغية تحديد هوية مرتكبي هذه الانتهاكات، قررت اللجنة أنه لا بد من توافر مجموعة مواد موثوق بها تكون متسقة مع ظروف أخرى جرى التحقق منها وتنحو إلى إظهار جواز ومعقولية اتهام شخص بالضلوع في ارتكاب جريمة. ومن ثم، تجري اللجنة تقييما لمن يحتمل الاشتباه فيهم، دون إصدار حكم نهائي بإسناد الذنب الجنائي.
    وأولئك الذين أشير إليهم بوصفهم أشخاصا يحتمل أن يكونوا مسؤولين عن الانتهاكات الآنفة الذكر يتألفون من فاعلين أفراد، ومن ضمنهم مسؤولون في حكومة السودان، وأعضاء في قوات المليشيا، وأعضاء في الجماعات المتمردة، وبعض ضباط جيوش أجانب عملوا بصفتهم الشخصية. وسمي أيضا بعض المسؤولين الحكوميين، فضلا عن بعض أعضاء قوات المليشيا، باعتبار احتمال مسؤوليتهم عن المشاركة في توجه إجرامي مشترك لارتكاب جرائم دولية. وحُدد آخرون لإمكانية ضلوعهم في التخطيط لارتكاب جرائم دولية و/أو الأمر بها، أو المساعدة على ارتكابها والتحريض عليها. وكذلك أشارت اللجنة إلى عدد من كبار المسؤولين الحكوميين والقادة العسكريين ربما يكونون مسؤولين، بموجب مفهوم مسؤولية الرئيس (أو القائد)، عن عدم منع أو قمع ارتكاب جرائم رغم علمهم بها. وسُمي أعضاء من المجموعات المتمردة كمشتبه فيهم للاشتراك في توجه جنائي مشترك لارتكاب جرائم دولية وبصفتهم أشخاصا يحتمل أن يكونوا مسؤولين عن عدم منع أو قمع ارتكاب جرائم اقترفها المتمردون، رغم علمهم بها.
    وقررت اللجنة عدم الإفصاح عن أسماء هؤلاء الأشخاص. ويستند هذا القرار إلى ثلاثة أسس رئيسية هي: (1) أهمية مبدأي أصول المحاكمات واحترام حقوق المشتبه فيهم؛ و (2) عدم منح اللجنة سلطة التحقيق أو الادعاء القانوني؛ و (3) شدة الحاجة إلى كفالة حماية الشهود من احتمال التعرض للمضايقة أو التخويف. وعوضا عن ذلك، تعد اللجنة قائمة بالأسماء تضعها في ملف مغلق مختوم يودع لدى الأمين العام للأمم المتحدة. وتوصي اللجنة بتسليم هذا الملف إلى مدع عام مختص (هو المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، وفقا لتوصيات اللجنة) كي يستخدم هذه المواد على النحو الذي يراه مناسبا لما يجريه من تحقيقات. وسيسلم ملف مغلق مختوم منفصل ضخم جدا يتضمن جميع المواد الاستدلالية التي جمعتها اللجنة إلى مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان. وينبغي تسليم هذا الملف إلى مدع عام مختص.

    رابعا - آليات المساءلة
    توصي اللجنة بشدة بأن يحيل مجلس الأمن الحالة في دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية فورا، عملا بالمادة 13 (ب) من النظام الأساسي للمحكمة. وكما أعلن مجلس الأمن مرارا، تشكل الحالة تهديدا للسلم والأمن الدوليين. وعلاوة على ذلك، فكما أكدت اللجنة، تواصل جميع الأطراف ارتكاب انتهاكات خطيرة للقانون الدولي لحقوق الإنسان وللقانون الإنساني الدولي. ومن شأن مقاضاة المحكمة الجنائية الدولية للأشخاص المدعى بمسؤوليتهم عن أخطر الجرائم في دارفور أن تسهم في استعادة السلام في المنطقة.
    والجرائم المدعى بارتكابها التي جرى توثيقها في دارفور تفي بمعايير نظام روما الأساسي حسبما تعرفها المواد 7 (1)، و 8 (1)، و 8 (و). فهناك صراع مسلح داخلي في دارفور بين السلطات الحكومية وجماعات مسلحة منظمة. وتشير مجموعة من المعلومات الموثوقة إلى احتمال وقوع جرائم حرب على نطاق واسع، بل وأحيانا كجزء من خطة أو سياسة. وهناك أيضا قدر كبير من المواد الموثوقة يشير إلى أن أعمالا إجرامية ارتكبت في إطار هجمات واسعة النطاق أو منهجية ضد السكان المدنيين، مع توافر العلم بهذه الهجمات. ومن ثم، فمن رأي اللجنة أن هذه الأعمال قد تشكل جرائم ضد الإنسانية.
    ونظام العدالة السوداني غير قادر على معالجة الحالة في دارفور وغير راغب في ذلك. وقد أُضعف هذا النظام كثيرا خلال العقد الماضي. وكان من شأن القوانين المقيدة التي تمنح السلطة التنفيذية صلاحيات واسعة أن قوضت فعالية الهيئة القضائية. وكثير من القوانين السارية في السودان اليوم تخالف المعايير الأساسية لحقوق الإنسان. والقوانين الجنائية السودانية لا تحرّم بالقدر الكافي جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، من قبيل الجرائم التي ترتكب في دارفور، وقانون الإجراءات الجنائية يتضمن أحكاما تحول دون المقاضاة الفعالة على هذه الأعمال. وبالإضافة إلى ذلك، فقد أبلغ ضحايا كثيرون اللجنة بأنهم لا يثقون كثيرا في حياد نظام العدالة السوداني وقدرته على محاكمة المسؤولين عن الجرائم الخطيرة المرتكبة في دارفور. وعلى أي حال، يخشى الكثيرون من التعرض لأعمال انتقامية في حالة لجوئهم إلى نظام العدالة الوطني.
    والتدابير التي اتخذتها الحكومة حتى الآن لمعالجة الأزمة يشوبها نقص كبير وغير فعالة إلى حد بعيد، الأمر الذي أسهم في إيجاد مناخ يسوده الإفلات التام من العقاب على انتهاكات حقوق الإنسان في دارفور. وقليلون جدا هم الضحايا الذين يتقدمون بشكاوى رسمية بخصوص جرائم ارتكبت ضدهم أو ضد أسرهم، نتيجة لعدم الثقة في نظام العدالة. وفي الحالات القليلة التي قدمت فيها شكاوى، لم تحدث متابعة لغالبية الشكاوى. وعلاوة على ذلك، هناك عقبات إجرائية تحد من لجوء الضحايا إلى القضاء. ورغم ضخامة الأزمة وأثرها الكبير على المدنيين في دارفور، لم تبلغ الحكومة اللجنة إلا بحالات قليلة جدا حوكم فيها أفراد، أو حتى تعرضوا لإجراءات تأديبية، في سياق الأزمة الحالية.
    وترى اللجنة أن على مجلس الأمن اتخاذ إجراءات ليس ضد مرتكبي الجرائم وحسب، وإنما أيضا نيابة عن الضحايا. ومن ثم، توصي اللجنة بإنشاء لجنة تعويضات لتقديم تعويضات لضحايا الجرائم، سواء جرى تحديد مرتكبي الجرائم أم لا.
    وتوصي اللجنة كذلك بأن تتخذ حكومة السودان عددا من التدابير الجادة، خاصة ما يلي: (1) وضع حد للإفلات من العقاب على جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية المرتكبة في دارفور؛ و (2) تعزيز استقلال الهيئة القضائية وحيادها، وتمكين المحاكم من معالجة انتهاكات حقوق الإنسان؛ و (3) إتاحة وصول لجنة الصليب الأحمر الدولية ومراقبي حقوق الإنسان التابعين للأمم المتحدة على نحو كامل وغير معاق إلى جميع المحتجزين فيما يتعلق بالحالة في دارفور؛ و (4) كفالة الحماية لجميع ضحايا وشهود انتهاكات حقوق الإنسان و (5) تعزيز قدرة الهيئة القضائية السودانية عن طريق تدريب القضاة، والمدعين العامين، والمحامين؛ و (6) احترام حقوق الأشخاص المشردين داخليا والتنفيذ الكامل للمبادئ التوجيهية المتعلقة بالتشرد الداخلي، خاصة فيما يتعلق بتيسير العودة الطوعية للمشردين داخليا في أمان وبكرامة؛ و (7) التعاون الكامل مع هيئات وآليات حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي ذات الصلة؛ و ( إنشاء لجنة للحقيقة والمصالحة، من خلال عملية تشاورية واسعة، فور استتباب السلام في دارفور.
    وتوصي اللجنة أيضا باتخاذ هيئات أخرى عددا من التدابير للمساعدة في كسر دائرة الإفلات من العقاب. ومن بين هذه التدابير ممارسة دول أخرى لمبدأ الولاية العالمية، وقيام لجنة حقوق الإنسان بإعادة إنشاء ولاية المقرر الخاص المعني بحقوق الإنسان في السودان، وتقديم مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان تقارير علنية ودورية عن حالة حقوق الإنسان في دارفور.


    المحتويات
    الفقرات الصفحة
    مقدمة 1-72 13
    ألف - دور لجنة التحقيق 1-39 13
    1 - إنشاء اللجنة 1 13
    2 - صلاحيات اللجنة 2-11 13
    3 - طرائق العمل 12-17 16
    4 - الضغوط الرئيسية التي عملت اللجنة في ظلها 18-19 18
    5 - عرض مختصر لزيارات اللجنة إلى السودان 20-25 19
    6 - تعاون السلطات السودانية والمتمردين 26-39 20
    بـــاء - معلومات أساسية تاريخية واجتماعية 40-42 24
    1 - السودان 40-50 24
    2 - دارفور 51-60 28
    3 - الصراع الحالي في دارفور 61-72 32
    الجزء الأول
    استنتاجات اللجنة عن انتهاكات الطرفين للقانون الدولي لحقوق الإنسان وللقانون الإنساني الدولي 73-488 37
    أولا - مقدمة 73 37
    ثانيا - طبيعة النزاع في دارفور 74-76 37
    ثالثا - فئات الأشخاص أو المجموعات المشاركة في النزاع المسلح 77-141 38
    ألف - القوات المسلحة الحكومية 78-97 39
    بـــاء - المليشيات المدعومة من الحكومة و/أو الخاضعة لسلطتها: الجنجويد 98-126 44
    جيم - جماعات حركات المتمردين 127-141 52
    رابعا - الالتزامات القانونية الدولية التي تقع على حكومة السودان وعلى المتمردين 142-174 57
    ألف - قواعد القانون الدولي ذات الصلة الملزمة لحكومة السودان 143-171 58
    بـــاء - القواعد الملزمة للمتمردين 172-174 74
    خامسا - فئات الجرائم الدولية 175-181 74
    سادسا - انتهاكات القانـــون الدولي لحقـــوق الإنســـان والقانـــون الإنساني الدولي – النتائج الوقائعية والقانونية التي خلصت إليها اللجنة 182-418 78
    ألف - لمحـــة عامـــة عن انتهاكات القانـــون الدولي لحقــوق الإنســـان والقانون الإنساني الدولي التي قدمت الهيئات الأخرى تقارير بشأنها 182-198 78
    بـــاء - المعلومات المقدمة من حكومة السودان 199-213 83
    جيم - المعلومات المقدمة من جماعتي التمرد 214-221 86
    دال - مهمة اللجنة 222-224 88
    هــاء - الحقيقتــان اللتــان لا يمكن دحضهما: التشريد الجماعي والتدمير الواسع النطاق للقرى 225-236 89
    واو - الانتهاكات التي ارتكبها الأطراف 237-418 92
    سابعا - الإجراءات التي اتخذتها الهيئات السودانية لوقف الانتهاكات ومعالجتها 419-487 157
    ألف - الإجراءات التي اتخذتها الشرطة 421-427 157
    بـــاء - الإجراءات التي اتخذتها الهيئة القضائية 428-449 160
    جيم - القوانين السودانية ذات الصلة بالتحقيق الحالي 450-455 165
    دال - الإجراءات التي اتخذتها هيئات أخرى 456-487 167
    ثامنا - الإجراءات التي اتخذها المتمردون لعلاج الانتهاكات المرتكبة 488 179
    الجزء الثاني
    هل وقعت أعمال إبادة جماعية؟ 489-522 180
    أولا - مفهوم الإبادة الجماعية 489-506 180
    ثانيا - هل تشكل الجرائم التي اقترفت في دارفور أعمالا للإبادة الجماعية؟ 507-522 188
    الجزء الثالث
    تحديد هوية الفاعلين المحتملين للجرائم الدولية 523-564 195
    أولا - لمحة عامة 523-532 195
    ثانيا - أنماط المسؤولية الجنائية عن الجنايات الدولية 533-557 198
    ألف - ارتكاب الجرائم الدولية أو الاشتراك في ارتكابها 533-537 198
    بــاء - العمل الإجرامي المشترك لارتكاب جرائم دولية 538-546 200
    جيم - المساعدة على ارتكاب جرائم دولية والتحريض عليه 547-550 203
    دال - التخطيط لارتكاب الجرائم الدولية 551-554 205
    هــاء - توجيه الأمر بارتكاب جرائم دولية 555-557 206
    واو - عدم منع أو قمع ارتكاب الجرائم الدولية (مسؤولية الرؤساء) 558-564 207
    الجزء الرابع
    الآليات الممكنة لضمان المساءلة على الجرائم المرتكبة في دارفور 565-625 211
    أولا - أوجه القصور في نظام العدالة الجنائية بالسودان وما يترتب عليها من ضرورة اقتراح آليات جنائية أخرى 565-570 211
    ثانيا - التدابير التي يتعين أن يتخذها مجلس الأمن 571-603 212
    ألف - الإحالة إلى المحكمة الجنائية الدولية 571-589 212
    بـــاء - إنشاء لجنة للتعويضات 590-603 219
    ثالثا - التدابير التي يمكن أن تتخذها الهيئات الأخرى 604-625 224
    ألف - الدور الذي يمكن أن تقوم به المحاكم الوطنية فيما عدا السودان من الدول 605-616 224
    بـــاء - لجنة تقصي الحقائق والمصالحة 617-621 227
    جيم - تعزيز نظام العدالة الجنائية في السودان 622-625 229
    الجزء الخامس
    الاستنتاجات والتوصيات 626-653 231
    أولا - النتائج فيما يتعلق بالوقائع والنتائج القانونية 630-639 231
    ثانيا - هل تشكل الجرائم المرتكبة في دار فور أعمال إبادة جماعية؟ 640-642 234
    ثالثا - من هم الجناة؟ 643-646 235
    رابعا - توصيات اللجنة فيما يتعلق بالتدابير التي تكفل محاسبة المسؤولين 647-653 237
    ألف - التدابير التي ينبغي أن يتخذها مجلس الأمن 647-649 237
    بـــاء - الإجراءات التي ينبغي أن تتخذها السلطات السودانية 650 238
    جيم - التدابير التي يمكن أن تتخذها هيئات أخرى 651-653 239
    المرفقات
    الأول - السير الشخصية لأعضاء اللجنة 240
    الثاني - الاجتماعات الرسمية المعقودة مع حكومة السودان وحركة تحرير السودان/جيش تحرير السودان وحركة العدل والمساواة 243
    الثالث - الأماكن التي تمت زيارتها 246
    الرابع - التقارير العامة التي أطلعت عليها اللجنة 248
    الخامس - لمحة عامة عن أنشطة أفرقة التحقيق التابعة للجنة 254


    مقدمة

    ألف - دور لجنة التحقيق
    1 - إنشاء اللجنة
    1 - أنشئت لجنة التحقيق الدولية المعنية بدارفور عملا بقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة 1564 (2004)، الذي اعتمد في 18 أيلول/سبتمبر 2004. وفي هذا القرار، الذي اتُخذ في إطار الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، طلب المجلس إلى الأمين العام أن يقوم على وجه السرعة بإنشاء اللجنة. وفي تشرين الأول/أكتوبر 2004، عين الأمين العام هيئة من خمسة أعضاء تتكون من أنطونيو كاسيسيه (إيطاليا)؛ ومحمد فائق (مصر)؛ وهينا جيلاني (باكستان)؛ ودوميسا نتسيبيزا (جنوب أفريقيا)؛ وتيريزا سترنغر - سكوت (غانا) وعين السيد كاسيسيه رئيسا لها. وقرر الأمين العام أن تتولى توفير موظفي اللجنة مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان. وعينت منى رشماوي مديرة تنفيذية للجنة ورئيسة لموظفيها. واجتمعت اللجنة في جنيف وبدأت عملها في 25 تشرين الأول/أكتوبر 2004. وطلب الأمين العام إلى اللجنة أن ترفع إليه تقريرا في غضون ثلاثة أشهر، أي بحلول 25 كانون الثاني/يناير 2005.
    2 - صلاحيات اللجنة
    2 - يرد في الفقرة 12 من القرار 1564 (2004) بيان مهام اللجنة وهي كالتالي: التحقيق في التقارير المتعلقة بانتهاكات القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان التي ترتكبها جميع الأطراف في دارفور؛ وتحديد ما إذا كانت قد وقعت أعمال إبادة جماعية أم لا؛ وتحديد هوية مرتكبي الانتهاكات؛ من أجل كفالة محاسبة المسؤولين عنها. ويتعين بموجب القرار أن تنفذ تلك المهام فورا.
    3 - وتعني أولى المهام المشار إليها أعلاه ضمنيا أنه يجب على اللجنة، بدلا عن التحقيق في الانتهاكات المدعى بها، أن تحقق في ”التقارير“ المتعلقة بتلك الانتهاكات التي ترتكبها جميع الأطراف. ويعني ذلك أن اللجنة مفوضة بإثبات الوقائع المتصلة بما يمكن أن يكون قد ارتكب من انتهاكات للقانون الدولي لحقوق الإنسان وللقانون الإنساني الدولي في دارفور. ويجب على اللجنة في هذا الصدد أن تعمل باعتبارها هيئة لتقصي الحقائق، وأن تبدأ بتقييم المعلومات الواردة في التقارير المختلفة التي تعدها هيئات أخرى، بما في ذلك الحكومات، وهيئات الأمم المتحدة، وأجهزة المنظمات الحكومية الدولية الأخرى، والمنظمات غير الحكومية.
    4 - وتُعنى اللجنة أيضا بتصنيف انتهاكات القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي التي قد تثبتها، من وجهة نظر القانون الجنائي الدولي. وهذا التصنيف القانوني مطلوب ضمنيا من أجل المهام الأخرى التي حددها للجنة مجلس الأمن، وهي (أ) أن تقرر ما إذا كانت تلك الانتهاكات ترقى إلى مرتبة الإبادة الجماعية، و (ب) تحديد هوية مرتكبي تلك الانتهاكات. ومن الواضح أنه لن يتسنى للجنة أداء هذه المهام إن لم تكن قد حددت من قبل: (أ) ما إذا كانت الانتهاكات ترقى إلى مرتبة الجرائم الدولية، و، في حالة إثباتها ذلك، (ب) فئة الجرائم التي تندرج تحتها الانتهاكات (جرائم حرب، أو جرائم ضد الإنسانية، أو جرائم إبادة جماعية، أو جرائم أخرى). ولا يعتبر هذا التصنيف ضروريا من أجل تحديد ما إذا كانت تلك الجرائم ترقى إلى مرتبة الإبادة الجماعية فحسب، بل ومن أجل تحديد هوية مرتكبيها. إذ يجب كي يعلن اسم شخص ما باعتباره متهما بارتكاب جرائم أن تحدد الجرائم الدولية التي قد يكون مسؤولا عنها.
    5 - وتتمثل المهمة الثانية، التي كلف بها مجلس الأمن اللجنة، في التصنيف القانوني للانتهاكات المبلغ عنها بهدف التأكد مما إذا كانت ترقى إلى مرتبة الإبادة الجماعية.
    6 - والمهمة الثالثة هي تحديد هوية مرتكبي الانتهاكات من أجل كفالة محاسبة المسؤولين عنها. ولا يستدعي هذا أن تحدد اللجنة هوية المرتكبين فقط، بل وأن تقترح الآليات التي يمكن استخدامها لمساءلتهم. وعليه يجب على اللجنة أن تجمع قدرا من المواد يمكن الاعتماد عليه في تحديد أي من الأفراد قد يكون مسؤولا عن الانتهاكات المرتكبة في دارفور، ومن يجب بالتالي تقديمه إلى المحاكمة بغية تحديد مدى مسؤوليته. ولم تفوض للجنة صلاحيات مناسبة تمكنها من أداء دور المدعي العام؛ وبخاصة أنه لا يجوز لها استدعاء الشهود، أو الأمر بإجراء عمليات تفتيش وقبض، كما لا يجوز لها أن تطلب إلى القضاة إصدار أوامر قبض بحق المشتبه فيهم. وهي تستطيع الاعتماد فقط على التزام حكومة السودان والمتمردين بالتعاون معها. وعليه يصبح مدى صلاحياتها رهنا بطريقة تنفيذ الحكومة والمتمردين لالتزاماتهم هذه.
    7 - وعلى اللجنة، تنفيذا لمهام ولايتها وفقا للقانون الدولي المطلوب إليها الالتزام به، أن تفسر عبارة ”المرتكبين“ بحيث تشمل منفذي الجرائم الدولية أو الآمرين الفعليين بتنفيذها، فضلا عمن يكونوا قد شاركوا في ارتكاب تلك الجرائم باعتبارهم شركاء في توجه جنائي، أو أمروا بارتكاب تلك الجرائم أو ساعدوا أو حرضوا على ارتكابها، أو شاركوا بأية طريقة أخرى في ارتكابها. وشملت اللجنة بتحقيقها من يمكن اعتبارهم مسؤولين عن جرائم دولية، في إطار مفهوم مسؤولية الرئيس، نظرا لعدم منعهم أو قمعهم لارتكاب تلك الجرائم، بالرغم من (أ) أنه كان لهم (أو كان يجب أن يكون لهم) علم بارتكابها، و (ب) أنه كانت لهم سلطة السيطرة على الأشخاص الذين ارتكبوها. ويعتبر هذا التفسير مبررا بموجب المبادئ الأساسية للقانون الجنائي الدولي، التي تنص على قيام المسؤولية الجنائية الفردية حال ارتكاب شخص ما بنفسه جريمة ما، وكذلك حال مشاركة الشخص في أية صور أو أشكال أخرى من السلوك الإجرامي.
    8 - وعلاوة على ذلك، توضح صيغة قرار مجلس الأمن أن طلب تحديد هوية المرتكبين يأتي بهدف كفالة محاسبة المسؤولين. وفي الفقرة 7 من القرار، يعيد المجلس تأكيد دعوة حكومة السودان إلى وضع حد لمناخ الإفلات من العقاب في دارفور وإلى أن تقدم إلى العدالة جميع المسؤولين ... بما في ذلك أفراد قوات الدفاع الشعبي ومليشيات الجنجويد، عن ارتكاب انتهاكات القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي (التشديد بالحروف المائلة مضاف). وبالإضافة إلى ذلك، تشمل واجبات اللجنة مهمة كفالة محاسبة المسؤولين. ومن ثم، أعلن مجلس الأمن رغبته الواضحة في أن تحدد اللجنة هوية جميع المسؤولين عن الجرائم الدولية المدعى بارتكابها في دارفور. ويؤيد ذلك تحليلنا لهدف مجلس الأمن: فإذا كانت هذه الهيئة تهدف إلى وضع حد للفظائع، لا يكون على اللجنة أن تقتصر على تحديد هوية المرتكبين الفعليين، ذلك أن من يقع على عاتقهم الجانب الأكبر من المسؤولية عادة هم الأشخاص الذين يتبوأون موقع القيادة، والذين يخططون للجرائم أو يأمرون بارتكابها، أو يتغاضون عن ارتكابها أو يسكتون عليه عن علم.
    9 - ويتفق هذا التفسير أيضا مع صياغة الفقرة نفسها باللغات الرسمية الأخرى. وصحيح أيضا أن الرؤساء لا يعتبرون مسؤولين عن جرائم مرؤوسيهم في حالات كثيرة، وعندها لا يُعتبرون مرتكبين لتلك الجرائم أو مسؤولين عن ارتكابها. وفي الحالات التي يكون فيها الفعل الإجرامي للمرؤوس حادثة منفصلة، يُعتبر الرئيس مسؤولا فقط إذا لم يرفع المسألة إلى السلطات المختصة من أجل التحقيق فيها وتقديمها إلى العدالة( ). وفي هذه الحالات، لا يجوز اعتبار الرئيس مسؤولا عن الجريمة التي يرتكبها المرؤوس. غير أنه، في حالات الجرائم التي تُرتكب بانتظام أو على نطاق واسع، كنمط من أنماط السلوك الإجرامي، تصبح مسؤولية الرئيس أكثر جدية. إذ يُعتبر الرئيس مشاركا في ارتكاب الجرائم إن لم يوقفها أو يعاقب مرتكبيها.

    10 - ومن ثم تصبح المهمة الرابعة التي كُلفت بها اللجنة مرتبطة بالمهمة الثالثة وتهدف إلى كفالة محاسبة المسؤولين. ولتحقيق ذلك، تعتزم اللجنة اقتراح تدابير لكفالة تقديم المسؤولين عن الجرائم الدولية في دارفور إلى العدالة.
    11 - وكما يتضح من قرار مجلس الأمن ذي الصلة، فإن اللجنة مكلفة بالنظر فقط في الوضع القائم في إقليم دارفور بالسودان. وفي ما يتعلق بالإطار الزمني، فولاية اللجنة مستمدة من القرار. ولئن كانت اللجنة قد نظرت في جميع الأحداث ذات الصلة بالصراع الدائر حاليا في دارفور، فإنها ركزت بشكل خاص على الوقائع التي جرت ابتداء من شباط/فبراير 2003، حين تفاقمت الأحداث بشكل واضح من حيث حجمها وكثافتها وتساوقها، وحتى منتصف كانون الثاني/يناير 2005، قبيل الموعد الذي تعين على اللجنة تقديم تقريرها فيه.
    3 - طرائق العمل
    12 - كما ذُكر أعلاه، بدأت اللجنة عملها في جنيف، في 25 تشرين الأول/أكتوبر 2004، وناقشت على الفور صلاحياتها وطرائق عملها واتفقت عليها. وفي 28 تشرين الأول/أكتوبر وجهت اللجنة مذكرة شفوية إلى الدول الأعضاء والمنظمات الحكومية الدولية، وفي 2 تشرين الثاني/نوفمبر 2004، وجهت رسالة إلى المنظمات غير الحكومية، حيث قدمت معلومات عن ولايتها وسعت في طلب المعلومات ذات الصلة. ونشرت أيضا في موقع الإنترنت التابع لمفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان (www.ohchr.org) معلومات عن ولايتها وتشكيلها وطريقة الاتصال بها.
    13 - واتفقت اللجنة منذ البدء على التزام السرية الكاملة في تصريف مهامها وعلى أن تقوم على وجه الخصوص بقصر اتصالاتها مع وسائط الإعلام على توفير المعلومات عن الحقائق المتعلقة بزياراتها إلى السودان. ووافقت اللجنة أيضا على أن تخطط طرائق عملها وفقا لكل واحدة من مهامها المختلفة.
    14 - وعليه قررت اللجنة، في ما يتعلق بمهمتيها الأولى والثانية، أن تفحص ما يوجد من تقارير عن انتهاكات القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي في دارفور وأن تتحقق من صدق هذه التقارير من واقع استنتاجاتها هي، فضلا عن إثبات المزيد من الحقائق. وبالرغم مما يبدو بوضوح من أن اللجنة ليست هيئة قضائية، فقد اعتمدت، في تصنيف الحقائق وفقا للقانون الجنائي الدولي، نهجا يليق بهيئة قضائية. ومن ثم فقد جمعت كل المواد اللازمة لإجراء مثل هذا التحليل القانوني.
    15 - وشكلت المهمة الثالثة، المتعلقة بمسألة تحديد هوية المرتكبين، أكبر التحديات. فناقشت اللجنة قضية المستوى المعياري للأدلة، الذي ستطبقه في تحقيقاتها. ونظرا للقيود التي تلازم صلاحياتها، فقد قررت اللجنة أنها تستطيع الامتثال فقط إلى المعايير التي تعتمدها عادة المحاكم الجنائية (إثبات الحقائق بشكل لا يخامره شك معقول)( ) أو الامتثال إلى المعايير التي يستخدمها المدعون والقضاة الدوليون من أجل إثبات التهم (أي أن تكون الدعوى ظاهرة الوجاهة)( ). واستنتجت اللجنة أن المعيار الأنسب هو الذي يتطلب توافر مجموعة مواد تكون متسقة مع ظروف أخرى جرى التحقق منها وتنحو إلى إظهار جواز ومعقولية اتهام الشخص بالضلوع في ارتكاب جريمة( ). ومن البديهي أن اللجنة لن تصدر أحكاما نهائية فيما يتعلق بالذنب الجنائي؛ بل تقوم بإجراء تقييم للمشتبه فيهم المحتملين( ) يكون من شأنه تمهيد الطريق للمدعي العام لإجراء التحقيقات اللازمة مع احتمال توجيه اتهامات.
    16 - واتفقت اللجنة كذلك، لأغراض التحقق من هوية المرتكبين، على أن تجري مقابلات شخصية مع الشهود والمسؤولين والأشخاص الآخرين الذين يشغلون مناصب ذات نفوذ، فضلا عن الأشخاص المحتجزين لدى الشرطة أو المحبوسين في السجن؛ وأن تفحص الوثائق؛ وتزور الأماكن (وعلى وجه الخصوص القرى أو مخيمات الأشخاص المشردين داخليا، بالإضافة إلى المقابر الجماعية) حيث يدعى بوقوع جرائم.
    17 - ولأغراض تنفيذ المهمة الرابعة رأت اللجنة أنه من الضروري إجراء تقييم ابتدائي لتحديد إلى أي مدى كان نظام العدالة الجنائية السوداني قادرا على ومستعدا لملاحقة المسؤولين عن الجرائم الدولية المرتكبة في دارفور وتقديمهم إلى المحاكمة، ثم تنظر بعد ذلك فيما هو متاح من الآليات الدولية المختلفة. وفي ضوء هذه التقييمات أعدت اللجنة توصياتها بشأن التدابير الأكثر ملاءمة.

    4 - الضغوط الرئيسية التي عملت اللجنة في ظلها
    18 - لا مراء في أنه بينما تعتبر المهام المختلفة الموكولة إلى اللجنة معقدة وفريدة في طبيعتها، فإن اللجنة دُعيت إلى تنفيذها في ظل ظروف صعبة. فقد عملت قبل كل شيء في ظل قيود زمنية مشددة. وكما أشير إليه أعلاه، ونظرا إلى أن مجلس الأمن كان قد قرر أن تتعجل اللجنة عملها، فقد طلب الأمين العام إلى اللجنة أن تقدم إليه تقريرها في غضون ثلاثة أشهر من تاريخ إنشائها. ولكي تؤدي مهامها المعقدة، وعلى وجه الخصوص ما يتعلق منها بالوقوف على الانتهاكات الخطيرة وتحديد هوية مرتكبيها، اضطرت اللجنة إلى العمل بكثافة في ظل ضغوط زمنية حادة.
    19 - وعلاوة على ذلك، كان يمكن للجنة أن تستفيد في أداء مهمتها المتعلقة بتقصي الحقائق وواجبها في تحديد هوية المرتكبين، من المساعدة التي كان يمكن أن يقدمها لها عدد أكبر من المحققين ورجال القانون والمحللين العسكريين وخبراء الطب الشرعي. فمدى وحجم الأحداث المتصلة بالصراع في دارفور يجعل إثبات الحقائق وجمع العناصر الثبوتية الموثوقة، من أجل تحديد هوية المرتكبين المشتبهين، مهام صعبة، لا يمكن أخذها على غير محمل الجد. ولم تكن ميزانية اللجنة تسمح بأكثر من ثلاثة عشر من هؤلاء الخبراء. ومع ذلك فقد تمكنت اللجنة من جمع مجموعة موثوقة متسقة من المواد فيما يتصل بكل من الانتهاكات التي وقعت والأشخاص الذين قد يشتبه في تحملهم المسؤولية الجنائية عن ارتكابها. وعليه، تعتبر اللجنة أنها قد تمكنت من أن تتخذ الخطوة الأولى تجاه المساءلة.

    5 - عرض مختصر لزيارات اللجنة إلى السودان
    20 - زارت اللجنة السودان أول مرة خلال الفترة من 8 إلى 20 تشرين الثاني/نوفمبر 2004. واجتمعت مع عدد من المسؤولين رفيعي المستوى، بما في ذلك النائب الأول لرئيس الجمهورية، ووزير العدل، ووزير الخارجية، ووزير الداخلية، ووزير الدفاع، ووزير الشؤون الاتحادية، ونائب رئيس القضاء، ورئيس المجلس الوطني، ونائب مدير عام جهاز الأمن الوطني والمخابرات، وأعضاء اللجان المعنية بالاغتصاب. وأجرت مقابلات مع ممثلي المنظمات غير الحكومية، والأحزاب السياسية، وممثلي الحكومات الأجنبية المهتمة في السودان. وبالإضافة إلى ذلك، عقدت اللجنة اجتماعات مع بعثة الأمم المتحدة المتقدمة في السودان وممثلي الأمم المتحدة الآخرين في البلد. وزارت اللجنة أيضا سجن كوبر (للاطلاع على قائمة كاملة بالاجتماعات انظر المرفق الثاني).
    21 - وخلال الفترة من 11 إلى 17 تشرين الثاني/نوفمبر 2004، زارت اللجنة دارفور. وقسمت اللجنة نفسها إلى ثلاثة أفرقة ركز كل فريق منها على واحدة من ولايات دارفور. والتقى كل واحد من الأفرقة بالوالي وكبار المسؤولين، كما قام بزيارات لمعسكرات الأشخاص المشردين داخليا، وتحدث إلى الشهود وزعماء القبائل. وعلاوة على ذلك، زار الفريق المعني بغرب دارفور مخيمات اللاجئين الموجودة في تشاد، كما زار الفريق المعني بجنوب دارفور المعتقل التابع للأمن الوطني في نيالا.
    22 - ورأس فريق التحقيق التابع للجنة كبير محققين، وضم الفريق في عضويته أربعة محققين، ومحققتين مختصتين بالعنف ضد المرأة، وأربعة خبراء في الطب الشرعي، واثنين من المحللين العسكريين. وأجرى أعضاء فريق التحقيق مقابلات شخصية مع الشهود والمسؤولين في الخرطوم، ورافقوا أعضاء اللجنة في مهامهم الميدانية في ولايات دارفور الثلاث. ثم قُسم فريق التحقيق إلى ثلاثة أفرقة فرعية أرسلت إلى شمال وجنوب وغرب دارفور( ).
    23 - وزار أحد أعضاء اللجنة واثنان من موظفيها إريتريا، يومي 25 و 26 تشرين الثاني/نوفمبر 2004، حيث اجتمعوا، باسم اللجنة مع ممثلين لمجموعتين من مجموعات التمرد: حركة/جيش تحرير السودان وحركة العدل والمساواة. والتقوا أيضا بمسؤولين سودانيين سابقين يقيمون حاليا في إريتريا. وسافر اثنان من أعضاء اللجنة بصحبة اثنين من الموظفين إلى أديس أبابا، خلال الفترة من 30 تشرين الثاني/نوفمبر إلى 3 كانون الأول/ديسمبر 2004. وكان الهدف من ذلك هو الحصول على تقييم شامل من الاتحاد الأفريقي بشأن الوضع في دارفور والبعثة الأفريقية في السودان والمحادثات بين الأطراف السودانية في أبوجا؛ ومناقشة السبل والطرائق التي تعزز بها اللجنة التعاون في العمل مع قادة الاتحاد الأفريقي. والتقى الوفد بمسؤولين رفيعي المستوى من الاتحاد الأفريقي، ومن ضمنهم الممثل الخاص الذي عين حديثا للسودان. وأتيحت للوفد أيضا فرصة إجراء لقاءات مكثفة مع رئيس فرقة العمل المتكاملة المعنية بدارفور التابعة للاتحاد الأفريقي وبعض أعضائها البارزين.
    24 - وقامت اللجنة بزيارة ثانية إلى السودان خلال الفترة من 9 إلى 16 كانون الثاني/يناير 2004. وركزت اللجنة أثناء هذه الزيارة على إجراء مقابلات شخصية مع الشهود، وبخاصة في المعتقلات، والتقت أيضا ببعض المسؤولين، وأفراد المجتمع المدني، وموظفي الأمم المتحدة في الخرطوم.
    25 - وبمساعدة فريق مكون من خمسة باحثين قانونيين وموظف شؤون سياسية، ترأسهم المديرة التنفيذية، أجرت اللجنة تحليلا للمعلومات المقدمة إليها. واستعرضت وحللت التقارير العامة المنشورة عن دارفور، والتقارير الأخرى التي قدمت إليها استجابة لطلبها الحصول على معلومات، وأنواع أخرى من المواد. ولكي تعالج ما يزيد على 000 20 صفحة من المواد التي تلقتها، أعدت اللجنة قاعدة بيانات سجلت فيها تفاصيل سير ذاتية ومواد استدلالية. وسُجلت تحليلات الأحداث التي أجراها فريق الباحثين في قاعدة البيانات أيضا، كوسيلة لتسريع وصول أعضاء اللجنة والموظفين إلى المواد المرجعية ومصادر المعلومات.

    6 - تعاون السلطات السودانية والمتمردين
    26 - اعتُمد قرار مجلس الأمن 1564 (2004) في إطار الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة. وكان مجلس الأمن قد قرر من قبل في الفقرة 21 من ديباجة القرار 1556 (2004) أن الوضع في السودان يمثل تهديدا للسلام والأمن الدوليين ولاستقرار المنطقة، بموجب المادة 39 من الميثاق.
    27 - وفي الفقرة 12 من القرار، التي يطلب فيها المجلس إلى الأمين العام إنشاء لجنة تحقيق دولية، يدعو المجلس أيضا جميع الأطراف إلى التعاون التام مع تلك اللجنة. وترى اللجنة أن طبيعتها وولايتها في حد ذاتهما تلزمان كلا من حكومة السودان والمتمردين على التعاون معها بحسن نية في إنجاز مهامها المختلفة. وعلى كل فقد قبلت كل من حكومة السودان ومجموعات التمرد التعاون مع اللجنة بمحض إرادتهم.

    معايير تقييم التعاون
    28 - حددت اللجنة المعايير التالية لتقييم درجة تعاون كل من حكومة السودان والمتمردين: (أ) حرية الحركة في جميع أرجاء السودان؛ و (ب) الوصول بدون معوقات إلى جميع الأماكن والمؤسسات، وحرية الالتقاء بممثلي السلطات الحكومية والمحلية، والسلطات العسكرية، وقادة المجتمعات المحلية، وممثلي المنظمات غير الحكومية وغيرها من المؤسسات الأخرى، وأي شخص تُعتبر إفادته ضرورية لإنجاز مهام ولاية اللجنة، وإجراء مقابلات شخصية معهم؛ و (ج) حرية الوصول إلى جميع مصادر المعلومات، بما في ذلك المواد الوثائقية والأدلة المادية؛ و (د) وضع التدابير الأمنية المناسبة لموظفي اللجنة ووثائقها؛ و (هـ) توفير الحماية للضحايا والشهود وجميع الأشخاص الذين يمثلون أمام اللجنة في ما يتصل بالتحقيق، وعلى وجه الخصوص كفالة عدم تعرض هؤلاء الأشخاص للمضايقة أو التهديد أو التخويف أو سوء المعاملة أو الانتقام، نتيجة مثولهم أمام اللجنة؛ و (و) توفير الامتيازات والحصانات والتسهيلات الضرورية لإجراء تحقيق مستقل. وقد وُجهت إلى حكومة السودان رسالة تتضمن الخطوط العريضة لهذه المعايير.

    تعاون الحكومة
    29 - دخلت اللجنة، كما ذكر أعلاه، في حوار متصل مع حكومة السودان من خلال اجتماعات عقدت في جنيف والسودان، ومن خلال عمل فريق التحقيق التابع لها.
    30 - وقد اتسم موقف السلطات الحكومية تجاه اللجنة بروح التعاون، بصفة عامة. وعينت السلطات مسؤول اتصال يتميز بالكفاءة في الخرطوم، هو عبد المنعم عثمان طه، الذي تولى تنظيم جميع الاجتماعات التي طلبت اللجنة عقدها مع كبار المسؤولين في الحكومة. وبالإضافة إلى ذلك، عين وزير الداخلية، بوصفه ممثل رئيس الجمهورية المعني بدارفور، لجنة يتولى رئاستها اللواء مجذوب، تتكون من ستة من كبار المسؤولين من وزارتي الدفاع والداخلية، فضلا عن جهاز الأمن الوطني والمخابرات. والتقت لجنة التحقيق مع هذه اللجنة وتسلمت وثائق ذات صلة بآراء الحكومة عن الصراع الدائر في دارفور.
    31 - وعلاوة على ذلك، أشار الأمين العام، في تقريره المؤرخ 3 كانون الأول/ديسمبر 2004 (S/2004/947)، إلى اجتماع آلية التنفيذ المشتركة، المعقود في 12 تشرين الثاني/نوفمبر 2004، الذي قدم فيه وزير العدل التأكيدات التالية بشأن عمل اللجنة: (أ) ستقبل الحكومة تقرير اللجنة مهما كانت النتائج التي ستتوصل إليها؛ و (ب) لن يتعرض الشهود على الوقائع لإساءة المعاملة؛ و (ج) بناء على تعليمات مشددة من الرئيس، لن يعرقل أي من المسؤولين السودانيين تحقيقات اللجنة.
    32 - وبالإضافة إلى ذلك، لم تعرقل الحكومة تصريف اللجنة لأعمالها في السودان. وفي تشرين الثاني/نوفمبر 2004، رفض ضابط برتبة متوسطة من ضباط جهاز الأمن الوطني والمخابرات السماح للجنة بالوصول إلى عدد من الأشخاص المعتقلين في نيالا (جنوب دارفور). وطلب رئيس اللجنة مساعدة ضابط الاتصال بالخرطوم، ومن ثم تمكنت اللجنة من إجراء مقابلات شخصية مع المعتقلين بدون معوقات. ومرت اللجنة بتجربة مماثلة في الخرطوم، في كانون الثاني/يناير 2005، أثناء زيارتها الثانية للسودان، حينما رفض بعض ذوي الرتب المتوسطة في السلطة السماح للجنة بالوصول إلى معتقل جهاز الأمن الوطني في الخرطوم، وطلب رئيس اللجنة التدخل الفوري من سلطات أعلى، فسمح للجنة في النهاية بالوصول إلى المعتقل.
    33 - إلا أنه يتعين أن تثار مسألة واحدة فيما يتعلق بمحاضر اجتماعات لجان الأمن على المستوى المحلي وعلى صعيد الولايات. فقد طلبت اللجنة، في اجتماع عقدته مع النائب الأول لرئيس الجمهورية، علي عثمان محمد طه، في الخرطوم، في 10 تشرين الثاني/نوفمبر 2004، أن تستعرض سجلات الوكالات الحكومية في دارفور، فيما يتعلق بالقرارات ذات الصلة باستخدام القوات المسلحة ضد المتمردين، وبالتدابير المتعلقة بالسكان المدنيين. ووعدت اللجنة بأن تُبقي مسألة فحص هذه السجلات طي الكتمان الكامل. وفي الاجتماع نفسه، أكد النائب الأول للرئيس للجنة أنها ستتمكن من الحصول على محاضر اجتماعات اللجان الأمنية وفحصها في ولايات دارفور الثلاث ومناطقها المحلية المختلفة. لكن عند طلب إبراز تلك المحاضر، أكد كل واحد من ولاة الولايات الثلاث عدم وجود محاضر كهذه، وقدموا بدلا عن ذلك قائمة انتقائية بقرارات نهائية متعلقة بمسائل عامة. وأفادت مصادر موثوقة أن اللجان الأمنية هي التي تعد، في واقع الأمر، محاضر وتقارير مثل هذه الاجتماعات، التي يتصل بعضها بالعمليات التي نفذت في دارفور من أجل مقاومة المتمردين ومعالجة مسألة المشردين. ولم تر اللجنة، رغم طلباتها، أي نسخ من هذه الوثائق.
    34 - وهناك حادثة تتعلق بمسألة التعاون، وهي ذات صلة بطلب آخر للجنة. ففي اجتماع عقد، في 9 تشرين الثاني/نوفمبر 2004، مع بكري حسن صالح، وزير الدفاع، وبعض كبار المسؤولين الآخرين في وزارة الدفاع، طلبت اللجنة الاطلاع على سجلات تتعلق بنشر طائرات ومروحيات عسكرية قاصفة في دارفور، منذ شباط/فبراير 2003. ومرة ثانية، تعهدت اللجنة بأن تعامل هذه السجلات بالسرية المطلوبة. ووافقت وزارة الدفاع على الطلب، ووعدت بأن تحصل اللجنة على السجلات من السلطات ذات الصلة في دارفور. وحينما لم تحصل اللجنة على نسخ من هذه السجلات في دارفور أعادت عرض طلبها في اجتماع مع اللجنة المعنية بدارفور، في 20 تشرين الثاني/نوفمبر 2004. ووعد رئيس اللجنة المعنية بدارفور بتقديم تلك السجلات، ثم قدم إلى لجنة التحقيق ملفاً غير مكتمل، ووعد بمدها بمعلومات إضافية أخرى. وبعد أن تقدمت اللجنة بالمزيد من الطلبات، قُدِّم لها عدد من السجلات ذات الصلة باستخدام الطائرات في دارفور، خلال الفترة من شباط/فبراير 2003 إلى كانون الثاني/يناير 2005. بيد أنها لم تتلق مطلقا المجموعة الكاملة من السجلات المطلوبة.
    35 - وترغب اللجنة أيضا في أن تؤكد حدوث وقائع تدل على أن بعض السلطات الإقليمية والمحلية مارست ضغوطا على بعض الشهود المحتملين، أو الشهود الذين أجرت معهم اللجنة مقابلات شخصية بالفعل. فعلى سبيل المثال، وفي الأسبوع الأول من تشرين الثاني/نوفمبر 2004، في مدينة الفاشر (شمالي دارفور)، قدم مسؤول حكومي، يقال إنه رئيس المكتب المحلي لجهاز الأمن الوطني والمخابرات نقودا لبعض الأشخاص المشردين داخليا وحثهم على عدم التحدث إلى اللجنة. وبلغ اللجنة أيضا أن السلطات السودانية سربت أفرادا متخفين في هيئة أشخاص مشردين إلى بعض المخيمات، كمخيم أبو شوك مثلا. وأبلغ شهود عيان مختلفون في المخيم نفسه بوقوع حادثة يمكن اعتبارها بمثابة تحرش بالشهود. ففي 19 كانون الثاني/يناير 2004، حوالي الساعة 12:30 بعد الظهر، مر زهاء ثلاث وعشرين مركبة من خلال المخيم؛ وتوقف سائقون في وسطه وهم يصيحون ”لقد قتلنا ’الترابورا‘ [وهي لفظة شائعة تطلق على المتمردين]. لقد قتلنا آباءكم وإخوانكم. وعليكم أن تناموا إلى الأبد“. فهربت النساء والأطفال المتواجدون في المكان، ولم يعودوا إلا بعد أن بارح الجنود المنطقة. وأصاب الناس في المخيم قلق شديد بشأن سلامة المخيم بأكمله.
    36 - وفي حالات أخرى رفضت السلطات المحلية السماح لفريق التحقيق التابع للجنة بدخول أحد المخيمات لإجراء مقابلات شخصية مع بعض الشهود. غير أن هذه الحالات جرت تسويتها في حينها، بعد التفاوض مع السلطات.

    تعاون المتمردين
    37 - أجرت اللجنة اتصالات مع حركتي التمرد الرئيسيتين، حركة العدل والمساواة وحركة تحرير السودان/جيش تحرير السودان، وهي ترى بشكل عام أن المجموعتين قد تعاونتا معها. والتقت اللجنة بممثلي وأعضاء المجموعتين في عدد من المناسبات في السودان وخارج السودان. كما التقت بقادة حركة جيش تحرير السودان وحركة العدل والمساواة في أسمرة، بمن فيهم الأمين العام والقادة العسكريون لحركة جيش تحرير السودان ميني أركاوي ميانوي وكبير المفاوضين لحركة جيش تحرير السودان في المحادثات التي يرعاها الاتحاد الأفريقي، شريف حرير، ورئيس حركة العدل والمساواة، خليل إبراهيم، إضافة إلى مسؤولين آخرين كبار في المجموعتين. وكانت المناقشات مفتوحة وصريحة وقدمت المنظمتان إجابات على الاستفسارات التي طرحتها اللجنة. وفي دارفور التقت اللجنة في عدة مناسبات مع مختلف ممثلي حركتي التمرد.
    38 - وتلقت اللجنة عددا من الوثائق من المجموعتين اشتملت على معلومات ذات طابع عام عن دارفور والسودان وكذلك على وثائق مفصلة تتعلق بوقائع محددة اشتملت على أسماء الضحايا الذين يُدعى بأنهم قُتلوا أثناء الهجمات. إلا أن اللجنة ترى أن المعلومات التوثيقية التي قدمها المتمردون كان يجب أن تتميز بالمزيد من التوسع والتفصيل عما تم الحصول عليه.
    39 - ولم يُرفض أي طلب للجنة بالوصول إلى المناطق التي يسيطر عليها المتمردون كما استطاعت التحرك بحرية في جميع المناطق. ولم تتدخل مجموعتا المتمردين في التحقيقات التي أجرتها اللجنة في الوقائع التي ذُكر أن المتمردين قد شاركوا فيها.

    باء - معلومات أساسية تاريخية واجتماعية
    1 - السودان
    40 - من المهم لفهم الأزمة الحالية في دارفور وضع الحالة في دارفور في نطاق أوسع وبإيجاز. فالسودان هو أكبر بلد في أفريقيا تبلغ مساحته نحو 2.5 مليون كيلومتر مربع تجاوره مصر من الشمال والبحر الأحمر وإريتريا وإثيوبيا من الشرق وأوغندا وكينيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية من الجنوب وجمهورية أفريقيا الوسطى وتشاد والجماهيرية العربية الليبية من الغرب. ويُقدر عدد سكان السودان بنحو 39 مليون نسمة. وتبلغ نسبة السكان الحضريين 32 في المائة ويمثل سكان الريف نسبة 68 في المائة وتبلغ نسبة البدو 7 في المائة. والإسلام هو الدين السائد لا سيما في الشمال وتسود المسيحية والأديان التقليدية الروحانية في الجنوب. والسودان جمهورية تتبع نظاما اتحاديا في الحكم. ويوجد عدد من المستويات الإدارية، فهناك 26 ولاية تنقسم بدورها إلى 120 محلية.
    41 - والعناصر التي تكون الهوية الوطنية للسودان عناصر معقدة. فيتكون سكان السودان من عدد من القبائل ويتحدث المواطنون أكثر من 130 لغة ولهجة. وبرزت ثقافة إسلامية عربية أفريقية على مدى السنين وأصبحت الثقافة السائدة في شمال البلد. واللغة العربية الآن هي لغة التخاطب في معظم أنحاء السودان وتعد ”اللغة المشتركة“ لمعظم السودانيين.
    42 - ويُعتبر السودان أحد البلدان الأقل نموا ويحتل المرتبة 139 على دليل التنمية البشرية( ) لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي. ولا توجد هناك شبكة وطنية ملائمة للطرق تربط البلد بعضه ببعض، وتعتمد أجزاء كبيرة من السودان على الاقتصاد الزراعي والاقتصاد الرعوي المعيشي. ومع ذلك فقد تطورت الزراعة التجارية والتنمية الصناعية كما جرى استغلال محدود للموارد الطبيعية في السنوات الأخيرة، لا سيما بعد اكتشاف النفط في الجزء الأوسط والجنوبي من البلد. ومنذ عهد الاستعمار البريطاني وحتى اليوم تركز الاهتمام في الإقليم الأوسط حيث يلتقي النيلان الأزرق والأبيض نظرا لتركز التنمية والبناء في الخرطوم على منطقة الجزيرة الخصبة حيث يُزرع القطن طويل التيلة بوصفه محصول البلد الرئيسي. وما عدا هاتين المنطقتين فقد ظلت بقية أقاليم السودان الواسعة بما فيها دارفور والمناطق الأخرى مثل كردفان وجبال النوبة وشرق السودان وجنوب السودان مهمشة ومهملة إلى حد بعيد وحتى الإقليم الشمالي الممتد بين الحدود مع مصر والخرطوم لا يزال منطقة صحراوية مقفرة.
    43 - وحصل السودان على استقلاله من الحكم البريطاني المصري في 1 كانون الثاني/يناير 1956. ومنذ حصول السودان على الاستقلال، ظل يتقلب بين النظم العسكرية والحكم الديمقراطي. وعلى مدى 49 عاما من الحكم الوطني شهد السودان عشر سنوات من الديمقراطية في الفترات من 1956 إلى 1958 ومن 1965 إلى 1969 ومن 1985 إلى 1989. وفي الفترة الزمنية المتبقية حكمت السودان نظم عسكرية أتت إلى الحكم عن طريق الانقلابات العسكرية.
    44 - وبعد سنتين من الحكم الديمقراطي الذي تلا الاستقلال عام 1956 اعتلى الجنرال عبود السلطة عن طريق انقلاب عسكري وقع في تشرين الثاني/نوفمبر 1958. وأيد عبود نشر اللغة العربية والإسلام وهو ما لقي مقاومة في الجنوب. وازدادت القلاقل في الجنوب عام 1962؛ وفي عام 1963 حدث تمرد عسكري. وازداد حجم القمع الحكومي على نطاق البلد. وفي عام 1964 أدت مظاهرات الطلاب في الخرطوم إلى حدوث عصيان مدني عام انتشر بعد ذلك بسرعة. واستقال عبود كرئيس للدولة وعُينت حكومة انتقالية للعمل بموجب الدستور المؤقت لعام 1956.
    45 - وأجرت الحكومة الانتقالية انتخابات في نيسان/أبريل وأيار/مايو 1965. وتشكلت حكومة ائتلافية في حزيران/يونيه 1965 برئاسة أحد السياسيين القياديين في حزب الأمة، محمد أحمد محجوب. إلا أن حكومة محجوب فشلت في الاتفاق على تنفيذ سياسات إصلاحية فعالة. وفي أيار/مايو 1969 استولت مجموعة من الضباط بقيادة العقيد جعفر محمد نميري على السلطة. واعتمد العسكريون إيديولوجية اشتراكية من حزب واحد تحولت في وقت لاحق إلى الإسلام السياسي. وفي شباط/فبراير 1972 وقّع نميري ما سُمي باتفاق أديس أبابا مع متمردين من الجنوب وفَّر نوعا من الحكم الذاتي للجنوب. وأتاح هذا الاتفاق تحقيق سلام على مدى الأحد عشر عاما التالية. إلا أن الجنرال نميري اتخذ في السنوات الأخيرة من حكمه عددا من الإجراءات لتشديد قبضته على السلطة. وبعد اكتشاف البترول في الجنوب نفذ نميري إجراءات لإدماج المناطق الجنوبية الغنية بالبترول في الشمال وألغى منحة الحكم الذاتي للجنوب. وفضلا عن ذلك وفي أيلول/سبتمبر 1983 وتحت تأثير حسن الترابي زعيم الجبهة الإسلامية القومية ومنظمة الإخوان المسلمين أدخل نميري حكم الشريعة. وأدت جميع هذه الخطوات إلى رد فعل قوي في الجنوب وفي النهاية إلى نشوب الحرب الثانية مع الجنوب في عام 1983. وكان ثمة تدابير رئيسية أخرى تتصل بالقوانين التي تحكم ملكية الأرض ونظم الإدارة المحلية والقبلية مثلما هو مذكور أدناه.
    46 - وأخيرا، ففي نيسان/أبريل 1985 وبعد 16 سنة من الحكم تم إسقاط حكومة نميري العسكرية عن طريق انقلاب عسكري نظمه ضباط الجيش وتشكل مجلس عسكري انتقالي بقيادة الفريق عبد الرحمن سوار الدهب. ونُظمت انتخابات في عام 1986 أدت إلى فوز الصادق المهدي رئيس حزب الأمة الذي أصبح رئيسا للوزراء. واستمرت حكومة المهدي أقل من أربع سنوات. وشرعت أثناء تلك الفترة في اتخاذ بعض التدابير المهمة ولكنها واجهت تحديات خطيرة شملت استمرار الحرب في الجنوب إضافة إلى أزمتي الجفاف والتصحر.
    47 - ووصل الرئيس الحالي للسودان الفريق عمر حسن البشير إلى السلطة في حزيران/يونيه 1989 بعد انقلاب عسكري نظمه هو بالتعاون مع الإخوان المسلمين. وتعرض كثير من السودانيين للسجن أو اضطروا إلى العيش في المنفى بعد الانقلاب. وتعرضت الممتلكات للمصادرة وحُظرت الأحزاب السياسية. وخضع البشير مثل نميري لتأثير قوي من زعيم الجبهة الإسلامية القومية حسن الترابي. وابتداء من عام 1989 تم تغيير النظم القانونية والقضائية بدرجة كبيرة لكي تناسب مفهوم الحزب للإسلام السياسي.
    48 - وأُدخل تعديل على القاعدة الإيديولوجية للحزب الحاكم في عام 1998 بصياغة دستور جديد وبدء سريانه في 1 تموز/يوليه 1998 وإجراء انتخابات في كانون الأول/ديسمبر من تلك السنة. ولا يزال دستور عام 1998 يمثل إيديولوجية صارمة، وينص على نظام اتحادي للحكم ويكفل بعض الحقوق الأساسية المهمة. وأدت الانتخابات التي جرت عام 1998 والتي قاطعتها جميع أحزاب المعارضة الرئيسية إلى انتخاب الرئيس البشير لفترة خمس سنوات أخرى وحصول حزب المؤتمر الوطني على 340 مقعدا برلمانيا من جملة 360 مقعدا. وأصبح الترابي رئيسا للمجلس الوطني (البرلمان). وواصل أعضاء الحزب تولي المناصب الرئيسية وممارسة نفوذهم القوي على الحكومة وعلى قوات الجيش والأمن والهيئة القضائية والمؤسسات الأكاديمية ووسائط الإعلام.
    49 - وفي عام 1999 حدث صراع على السلطة داخل المؤتمر الوطني أدى بالرئيس البشير إلى إعلان حالة الطوارئ وحل المجلس الوطني (البرلمان) وتعليق أحكام مهمة من الدستور، بما فيها تلك المتعلقة بهيكل الحكم المحلي في الولايات. وفي أيار/مايو 2000، قاد الترابي إنشقاقا من ”المؤتمر الوطني“ نتج عنه إنشاء حزب جديد سمي ”المؤتمر الشعبي“. وفُصل العديد من المسؤولين المرتبطين بالترابي من الحكومة. وفي أيار/مايو 2001، جرى التحفظ على الترابي نفسه في مقر إقامته، واتهم في وقت لاحق بتنظيم انقلاب عسكري. ثم احتجز ولا يزال قيد الاحتجاز حتى اليوم. وهناك 70 عضوا رئيسيا من أعضاء ”المؤتمر الشعبي“ لا يزالون محتجزين دون أن توجه إليهم تهم ودون تقديمهم للمحاكمة، وهرب عدد منهم للعيش في المنفى خارج السودان.
    50 - وكان لنشوب الصراع الداخلي بين الشمال والجنوب عام 1983، أثر كبير على السودان من عدة أوجه. فهو أطول صراع في أفريقيا تخللته انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، وتسبب في كوارث بشرية كبيرة. وقتل أثناء الصراع أكثر من مليوني شخص، وأجبر أكثر من 4.5 ملايين شخص على ترك منازلهم. إلا أنه وبعد عدد من سنوات الحرب ونتيجة لضغط دولي قوي، دخلت الحكومة وحركة التمرد الرئيسية في الجنوب، وهي الحركة الشعبية لتحرير السودان/الجيش الشعبي لتحرير السودان، في محادثات للسلام في عام 2002. وأحرزت عملية السلام في السودان برعاية الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيجاد)، والدعم الذي قدمته المجموعة الثلاثية (الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وأيرلندا الشمالية والنرويج) تقدما مهما. وفي تموز/يوليه 2002، وقع الطرفان بروتوكول ميشاكوس، الذي توصلا فيه إلى اتفاق محدد بشأن إطار عام يضع مبادئ للحكم مع تحديد المقومات لعملية انتقالية وهياكل للحكم، إضافة إلى حق سكان الجنوب في تقرير المصير. كما اتفقا على مواصلة المحادثات بشأن القضايا العالقة فيما يتعلق بتقاسم السلطة والثروة ووقف إطلاق النار. وأحرزت عملية السلام التي رعتها الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيجاد) تقدما كبيرا بتوقيع مجموعة من البروتوكولات الإطارية في نيفاشا بكينيا، في 2003 و 2004. وفي 31 كانون الأول/ديسمبر 2004، وقع الطرفان بروتوكولين يتعلقان بطرق تنفيذ الوقف الدائم لإطلاق النار، مما أنهى المحادثات والمفاوضات في نيفاشا. وبلغت العملية أوجها في 9 كانون الثاني/يناير 2005، عندما وقَّع طه النائب الأول للرئيس وجون قرنغ رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان/الجيش الشعبي لتحرير السودان، في احتفال رسمي، اتفاق السلام الشامل الذي ضم جميع الوثائق الموقعة في السابق بما فيها البروتوكولان الموقعان في 31 كانون الأول/ديسمبر 2004. ويشكل اتفاق السلام الشامل نهاية لعقدين من الحرب الأهلية، وينص على فترة انتقالية مدتها 6 أشهر، تليها فترة انتقالية مدتها 6 سنوات، تنتهي بإجراء استفتاء على حق تقرير المصير لجنوب السودان. وينص اتفاق السلام الشامل على الشروع في عملية فورية تفضي إلى صياغة دستور وطني مؤقت. وتؤلف لجنة من 7 أعضاء لكل طرف، مهمتها صياغة الدستور، ثم يطرح الدستور لمراجعة دستورية وطنية.

    2 - دارفور
    51 - يقع إقليم دارفور في الجزء الغربي من السودان، وهو منطقة شاسعة جغرافيا تبلغ مساحتها نحو 000 250 كيلومتر مربع. ويقدر عدد سكان الإقليم بنحو 6 ملايين نسمة. ولدارفور حدود مع الجماهيرية العربية الليبية وتشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى. ومنذ عام 1994، قسّم الإقليم إداريا إلى ثلاث ولايات هي ولايات شمال دارفور وجنوب دارفور وغرب دارفور. ومثل جميع الولايات الأخرى في السودان، تعين الحكومة المركزية في الخرطوم واليا لكل واحدة من الولايات الثلاث بدارفور تدعمه إدارة محلية. تشمل المراكز الحضرية الرئيسية عواصم الولايات الثلاث في دارفور وهي، نيالا في جنوب دارفور، والجنينة في غرب دارفور، والفاشر عاصمة شمالي دارفور، وهي أيضا العاصمة التاريخية للإقليم. وبالإضافة إلى ذلك تنتشر عدة مدن رئيسية في أرجاء الإقليم، تعد مراكز تجارية وإدارية محلية. وتسكن غالبية الســـكان في قرى ونواح صغـــيرة تتألف في الغالب من مئات قليلة من الأسر. ويقوم اقتصاد ولايات دارفور الثلاث أساســا على الزراعة المعيشــية والزراعة الصــناعية المحدودة إضــــافة إلى رعي المواشي.
    52 - ودارفور سلطنة برزت إلى الوجود عام 1650 في منطقة هضبة جبل مرة. وتجاوزت فترات اضطراب قليلة حتى سقطت في أيدي البريطانيين عام 1917 وضمت إلى السودان الحقيقي( ). ويسكن الإقليم مجموعات قبلية يمكن تصنيفها بطرق متعددة. بيد أن الفوارق بين هذه المجموعات ليست قاطعة، وتظهر علاماتها بصورة بارزة عند نشوب نزاعات. وبالرغم من ذلك، فإن الإنتماءات الفردية لا تزال تعتمد بشدة على التبعيات القبلية. ولا يزال الهيكل القبلي التاريخي الذي يعود إلى عدة قرون ساريا في دارفور، بالرغم من الضعف الذي تعرض له بعد إدخال نظام الحكم المحلي في عهد نميري. وبعض القبائل هي قبائل زراعية مقيمة تعيش أساسا على إنتاج المحاصيل أثناء وبعد موسم الأمطار الذي يمتد من تموز/يوليه إلى أيلول/سبتمبر. كما تمثل بعض القبائل المقيمة رعاة الأبقار. ومن بين القبائل الزراعية نجد الفور والبارني والتاما والجبل والأرانجا والمساليت. ومن بين القبائل المقيمة الرئيسية تشكل الرزيقات المجموعات الرئيسية في الجنوب إضافة إلى الزغاوة. وبالإضافة إلى ذلك، فإن عددا من القبائل البدوية أو شبه البدوية توجد تقليديا في دارفور، وهي ترعى المواشي والإبل، ومن بينها التعايشة والحبانية والبني حلبه والمحاميد وغيرهم. وينبغي الإشارة إلى أن جميع القبائل في دارفور يؤمنون بنفس الدين (دين الإسلام). وفي حين تحتفظ بعض القبائل بلغاتها الأصلية، فإن العربية هي لغة التخاطب المعتادة.
    53 - وظلت قضية الأرض لزمن طويل تحتل مركز الصدارة على الساحة السياسية في دارفور. وكانت ملكية الأرض في دارفور في العادة ملكية مشاعة. فالتقسيم التقليدي للأرض إلى ديار، وهي أساسا مناطق يمكن أن يقال إن لفرادى القبائل حقوقا تاريخية فيها، يعتبر عنصرا حيويا من التصور الذاتي المحلي للسكان. وترجع نسبة الأرض إلى فرادى القبائل الموجودة حاليا إلى بداية القرن العشرين، عندما أصدر آخر سلاطين دارفور، وهو السلطان علي دينار، مرسوما بهذا التقسيم الذي قبلته جميع القبائل تقريبا. وبالرغم من أن هذا التقسيم التقليدي لم يحدد الديار جغرافيا بطريقة دقيقة، يمكن تقديم بعض الملاحظات العامة. فعلى سبيل المثال، تسود قبيلة الزغاوة الأجزاء الشمالية من ولاية غرب دارفور وبعض الأجزاء الغربية من ولاية شمال دارفور، ويشار إلى المنطقة ذاتها بأنها دار زغاوة. وفي المنطقة المحيطة بالجنينة وإلى الجنوب منها، وهي لا تزال في غرب دارفور، توجد دار قبيلة المساليت. وفي الوقت الذي يمكن أن يعني فيه اسم دارفور أن الأرض هي دار الفور، فإن المنطقة الفعلية التي توجد فيها دار هذه القبيلة تنتشر في وسط إقليم دارفور أي المنطقة المحيطة بجبل مرة. وتشمل المنطقة التي تتلاقى فيها حدود ولايات دارفور الثلاث، وتمتد أيضا إلى داخل الولايات الثلاث. وتوجد الرزيقات أساسا في الأجزاء الجنوبية من جنوب دارفور. ومثلمـــا لوحظ، فإن بعض القبائل ولا سيما معظم القبائل البدوية لا تملك أرضا، ولكنها تنتقل في العادة عبر الأراضي المملوكة للقبائل الأخرى(. وبالرغم من أن هذا التوزيع التقليدي للأراضي إلى ديار لمختلف القبائل ظل موجودا لعدة سنوات، فقد كان من شأن التزاوج على نطاق واسع والتواصل الاجتماعي والاقتصادي بين القبائل أن جعل التمييز الواضح بين القبائل والديار أقل دقة. وبالرغم من ذلك فإن التصور الذاتي للسكان كأفراد من القبائل وأعضاء في شبكات اجتماعية تتصل بهياكل قبلية، يظل سمة أساسية من الوجهة الديموغرافية في دارفور.
    54 - ومن الناحية التاريخية، كانت الأرض ملكا مشاعا لأعضاء القبيلة، يحدد أوجه استخدامها زعيم القبيلة. وكان لزعماء القبائل سلطات واسعة في تخصيص أجزاء من الأرض لأفراد القبائل بغرض السكن والرعي والزراعة وأشكال الاستخدام الأخرى. وفي فترة السبعينات، تغيرت قوانين الأرض وأصبحت الملكية الفردية ممكنة. وبالرغم من نسبة ملكية الأرض حاليا إلى الدولة، فإن من يملك الأرض لمدة سنة على الأقل يمكنه ادعاء الحق القانوني بها. أما من لا يملكون أرضا، فقد أصبح لديهم حافز إضافي بإظهار ولائهم للحكومة من أجل الحصول على الأرض.
    55 - وكان للتحولات الإيكولوجية والديموغرافية في السنوات الأخيرة أثر على العلاقات فيما بين القبائل. فدارفور جزء من منطقة الصحراء الكبرى. وبالرغم من وجود مناطق زراعية في دارفور، لا سيما في هضبة جبل مرة، فإن معظم هذا الإقليم لا يزال أرضا صحراوية جرداء. وكان للجفاف والتصحر أثر كبير عليه في فترة السبعينات والثمانينات، وازدادت حدة القتال بسبب ندرة الموارد. وظهرت النزاعات بصفة خاصة بين المزارعين ورعاة الأبقار. وكثيرا ما كان رعاة الأبقار في بحثهم عن المرعى والماء يقومون بغزو حقول المزارعين، وأدى ذلك إلى صدامات دموية على النحو المبين أدناه. ولم تحترم المسارات التي تم الاتفاق عليها بين القبائل لتسهيل حركة المواشي لعدة سنوات. وأصبحت الأراضي الخصبة نادرة، وقل بالتالي تسامح السكان المقيمين تجاه الزوار الموسميين( ).
    56 - وكان للجفاف والتصحر آثارهما ليس فقط على دارفور وإنما أيضا على منطقة الصحراء بأكملها مما أدى إلى زيادة هجرة المجموعات البدوية من تشاد والجماهيرية العربية الليبية ودول أخرى إلى المناطق الأكثر خصوبة في دارفور. ولا خلاف بوجه عام على أنه في الوقت الذي يتم فيه استيعاب هذه الهجرة أساسا من قبل الجماعات الأصلية في دارفور فإن زيادة التدفق وما صحبه من قسوة الأوضاع المعيشية أثناء الجفاف أديا إلى حدوث مناوشات وظهور توترات بين القادمين الجدد والسكان المحليين( )ٍ.
    57 - وكان من المتعارف عليه أن تقوم القبائل في دارفور بحل نزاعاتها بالطرق القانونية العرفية، خاصة وأن كثيرا من النزاعات التي تحدث بين القبائل البدوية والقبائل المقيمة في حالات القتل وحوادث سرقة المواشي يمكن أن تتطور إلى نزاعات بين القبائل. وكانت المنازعات بين أفراد القبائل تسوى سلميا على يد زعماء القبائل المعنيين الذين يجتمعون من أجل التوصل إلى حل يكون مقبولا من الجهتين. وكان ينظر إلى الدولة حينذاك بأنها وسيط محايد. ولكن الرئيس نميري أدخل هياكل جديدة للإدارة المحلية وألغى رسميا النظام القبلي. ومنح مديري التشكيلات الجديدة الذين تعينهم الحكومة المركزية سلطات تنفيذية وقضائية. وبالرغم من استمرار القبائل في الاحتكام إلى النظام القبلي بطرق غير رسمية فقد تعرض هذا النظام لإضعاف شديد. وكان الزعماء المحليون يختارون على أساس ولائهم السياسي للنظام لا على أساس مركزهم في المجتمع المحلي. وفي بعض الأحيان كانت تقدم لهم الأموال وتعزز مراكزهم لا سيما عن طريق جهاز الأمن في الدولة. وكان معنى ذلك أنه عندما تتدخل الدولة لحل صراع تقليدي ما، لم يكن ينظر إليها بوصفها حكما محايدا.
    58 - وضاعف من حدة الصراع بين القبائل تزايد فرص الحصول على الأسلحة عن طريق تشاد والجماهيرية العربية الليبية بصفة خاصة. وكانت الجماهيرية تتطلع إلى إقامة نظام صديق في تشاد. وأدت محاولات احتواء الطموحات الليبية في المنطقة بالعديد من الحكومات الأجنبية إلى إغراق المنطقة بالأسلحة. وبالإضافة إلى ذلك، انطلق العديد من عمليات التمرد المسلحة التشادية من دارفور. وكان للصراع في جنوب السودان أثره أيضا على المنطقة نتيجة تسهيل الحصول على الأسلحة. ومن ثم، بدأت كل قبيلة كبيرة وكذلك بعض القرى في تنظيم مليشيات ومجموعات للدفاع عن القرى، وهذه في جوهرها مجموعات من الرجال المسلحين المتأهبين للدفاع عن وتعزيز مصالح القبيلة أو القرية.
    59 - ووقعت مناوشات قبلية في الجزء الأخير من فترة الثمانينات بين القبائل المقيمة والقبائل البدوية أساسا، ولا سيما بين الفور وعدد من القبائل البدوية العربية التي نظمت نفسها في شكل تحالف اسمه ”تجمع العرب“، في حين أنشأ بعض من أفراد قبيلة الفور مجموعة أطلقوا عليها ”الحزام الأفريقي“. وتوسطت الحكومة والزعماء القبليون المحليون لحل النزاع في عام 1990 ولكن التوترات استمرت على مدى السنوات اللاحقة. كما استمرت المناوشات بين هذه القبائل. وأدى ذلك أيضا إلى انتشار التذمر في أوساط سكان دارفور ضد حكومة البشير التي لم تكن فيما يبدو قادرة أو راغبة في التصدي الفعال للحالة المتدهورة في دارفور.
    60 - وفي سياق الصراع الحالي في دارفور وفي السنوات السابقة له برز موضوع التفريق بين القبائل الأفريقية والعربية وازدادت أهمية الهوية القبلية للأفراد. وجاء التفريق إلى حد كبير بفعل الآثار التراكمية للتهميش وتزاحم المصالح الاقتصادية، وجاء مؤخرا نتيجة الاستقطاب السياسي الذي عم المنطقة. وأصبح التفريق بين ”العربي“ و ”الأفريقي“ الذي كان عديم الأثر في السابق سببا في الوقوف على جانبين مختلفين من الصراع السياسي. وتلعب نظرة الإنسان إلى نفسه وإلى الآخرين دورا رئيسيا في هذا السياق.

    3 - الصراع الحالي في دارفور
    61 - تتسم جذور الصراع الحالي في دارفور بالتعقيد. فبالإضافة إلى النزاعات القبلية الناجمة عن التصحر فإن توفر الأسلحة الحديثة والعوامل الأخرى المبينة أعلاه والشعور العميق فيما يتصل بالهوية والحكم وظهور حركات تمرد مسلحة تتمتع بتأييد شعبي في أوساط بعض القبائل، كل ذلك يلعب دورا رئيسيا في تشكيل الأزمة الحالية.
    62 - ويبدو من الواضح أن مجموعتي المتمردين في دارفور، حركة تحرير السودان/جيش تحرير السودان وحركة العدل والمساواة، بدأتا تنظمان صفوفهما في الفترة 2001 و 2002 لمناوأة حكومة الخرطوم التي اعتبرت السبب الرئيسي في مشاكل دارفور. وفي الوقت الذي لا توجد فيه صلة وثيقة بين مجموعتي التمرد فقد ذكرتا أسبابا متماثلة بشأن التمرد، ومنها التهميش الاجتماعي والاقتصادي والسياسي لدارفور ولشعبها. وبالإضافة إلى ذلك، فإن أفراد حركتي التمرد أتوا أساسا من مجموعات محلية للدفاع عن القرى ومن قبائل معينة، وشُكلت ردا على تزايد الهجمات من القبائل الأخرى. ولكل من حركتي التمرد برنامج سياسي واضح يشمل السودان بأسره ويطالب بمشاركة أكثر عدلا في الحكومة من قبل كافة المجموعات والمناطق في السودان. وكانت حركة تحرير السودان/جيش تحرير السودان في أثناء المرحلة التي كانت تلك الحركة تسمي نفسها جبهة تحرير دارفور قد ظهرت إلى الوجود ببرنامج يركز على حالة سكان دارفور وقامت في وقت لاحق فقط بتوسيع برنامجها ليشمل جميع السودان. وأقامت حركة العدل والمساواة برنامجها على نوع من المانيفيستو (الكتاب الأسود) الذي نشر في عام 2001 والذي يسعى أساسا إلى توضيح الفوارق في توزيع السلطة والثروة فيقول إن دارفور وسكانها وكذلك بعض سكان المناطق الأخرى ظلوا مهمشين باستمرار ولم يشركوا في الوظائف المؤثرة في الحكومة المركزية في الخرطوم. وجدير بالذكر أن الحركتين لا تعرضان هذه القضية من وجهة نظر قبلية ولكنهما تتكلمان باسم الدارفوريين كافة وتوجهان هجماتهما مباشرة إلى المنشآت الحكومية. ويبدو أيضا فيما يتعلق برسم السياسة أن سياسة ”السودان الجديد“ التي تتبعها الحركة الشعبية لتحرير السودان/الجيش الشعبي لتحرير السودان في الجنوب كان لها أثر على حركة جيش تحرير السودان في الوقت الذي يبدو فيه أن حركة العدل والمساواة قد تأثرت بشكل أكبر باتجاهات الإسلام السياسي. وفضلا عن ذلك، يجوز أن يكون التقدم السريع الذي أحرزته مفاوضات السلام بين الحكومة والحركة الشعبية لتحرير السودان/الجيش الشعبي لتحرير السودان قد قدمت نموذجا يمكن أن تتبعه المجموعات الأخرى مادام الكفاح المسلح يؤدي إلى تفاوض مثمر مع الحكومة. كما تنبغي الإشارة إلى أنه بالرغم من هذه القاعدة السياسية الواسعة فإن غالبية أفراد الحركتين يأتون أساسا من ثلاث قبائل هي الفور والمساليت والزغاوة.
    63 - ومن المتفق عليه عموما أن حركتي التمرد بدأتا أنشطتهما العسكرية الأولى في أواخر عام 2002 وأوائل عام 2003 بشنهما هجمات أساسا ضد ضباط الشرطة المحليين، حيث قام المتمردون بنهب ممتلكات وأسلحة حكومية. ويبدو أن الحكومة قد أُخذت على حين غرة في البداية بهذه الهجمات ولكنها لم تكن في وضع يتيح لها الانتقام كما يبدو أنها لم تر في التمرد مسألة عسكرية خطيرة في البداية. وفضلا عن ذلك، فقد جاء التمرد ضد الحكومة في وقت غير مناسب بصفة خاصة نظرا لأنها كانت بسبيل إجراء مفاوضات مكثفة للسلام مع الحركة الشعبية لتحرير السودان/الجيش الشعبي لتحرير السودان وكانت المفاوضات تتقدم بسرعة ملحوظة.
    64 - وهناك دلائل على أن الحكومة كانت قلقة في البداية من أن تكون تشاد مشتركة في الأزمة. وسافر الرئيس البشير إلى الفاشر عاصمة شمال دارفور في نيسان/أبريل 2003 للالتقاء برئيس تشاد إدريس دبي مع عدد من زعماء القبائل والقادة السياسيين المحليين في دارفور في سعيه لإيجاد حل للأزمة. وأكد الرئيس دبي للرئيس البشير أن حكومة تشاد لا علاقة لها بالصراع.
    65 - وفي آذار/مارس ونيسان/أبريل 2003، هاجم المتمردون المنشآت الحكومية في كُتم والطينة والفاشر، بما في ذلك القسم العسكري بمطار الفاشر حيث دمر المتمردون العديد من الطائرات العسكرية وهي جاثمة على الأرض وقتلوا كثيرا من الجنود. وفي وقت لاحق ألقى المتمردون القبض على أحد قادة سلاح الطيران واحتجزوه لمدة ثلاثة أشهر. وبالرغم من جهود الحكومة لم يُفرج عنه إلا بوساطة قبلية.
    66 - وتشير معظم التقارير إلى أن الحكومة أصابتها الدهشة بسبب كثافة الهجمات نظرا لأنها لم تكن على استعداد لمواجهة هذا الهجوم العسكري السريع. وفضلا عن ذلك، فإن نهب المتمردين لأسلحة الحكومة عزز من مركزهم. وكان ثمة مشكلة إضافية هي أن الحكومة لم يكن متوفرا لديها فيما يبدو موارد عسكرية كافية نظرا لأن كثيرا من قواتها كان لا يزال موجودا في الجنوب ومن وجد منهم في دارفور كان موزعا بالأساس على المراكز الحضرية الرئيسية. وبعد الهجمات الأولى هذه التي شنها المتمردون على مراكز الشرطة الريفية قررت الحكومة سحب معظم قواتها من الشرطة إلى المراكز الحضرية. وكان معنى ذلك أن الحكومة لا تملك سيطرة فعلية على المناطق الريفية، وهي المناطق التي يتمركز فيها المتمردون. وواجهت الحكومة تحديا إضافيا نظرا لأن جنود وضباط صف القوات المسلحة السودانية هم أساسا من أبناء دارفور، وهؤلاء على الأرجح لم يكونوا راضين عن قتال ”مواطنيهم من سكان دارفور“.
    67 - ويتضح من الأدلة المتاحة وعدد من المصادر بما فيها الحكومة ذاتها أن الحكومة وقد واجهها الخطر العسكري الذي كانت تمثله حركتا التمرد إضافة إلى العجز الخطير في قدراتها العسكرية على الأرض في دارفور دعت القبائل المحلية إلى مساعدتها في قتال المتمردين. وبهذه الطريقة استغلت الحكومة التوترات القائمة بين القبائل المختلفة.
    68 - واستجابت لنداء الحكومة قبائل البدو العربية التي لم تكن تملك ديارا تقليدية للإقامة بسبب تغول التصحر. وربما تكون هذه القبائل قد وجت في ذلك فرصة لمنحها بعض الأراضي. وأفضى أحد كبار المسؤولين الحكوميين الذين شاركوا في عملية التجنيد إلى اللجنة بأن زعماء القبائل كانوا يتلقون هبات وهدايا نظير جهودهم في التجنيد وبحسب عدد الأشخاص الذين يتمكنون من تجنيدهم. وبالإضافة إلى ذلك، دفعت الحكومة لبعض أفراد قوات الدفاع الشعبي مرتبات عن طريق زعماء القبائل واستخدمت ميزانيات الولاية لهذه الأغراض. ولم تقبل الحكومة مجندين من جميع القبائل. وأبلغ أحد زعماء المساليت اللجنة أن قبيلته كانت ترغب في تقديم نحو 000 1 شخص لقوات الدفاع الشعبي ولكن الحكومة، طبقا لهذا المصدر، لم تقبل ذلك، ربما افتراضا منها بأن المجندين سوف ينتهزونها فرصة لاقتناء الأسلحة والانقلاب على الحكومة فيما بعد. وتشير بعض التقارير أيضا إلى أن بعض الأجانب من تشاد والجماهيرية العربية الليبية ودول أخرى استجابوا للنداء وأن الحكومة كانت أكثر من راغبة في تجنيدهم.
    69 - وأصبح هؤلاء ”المجندون“ الجدد ممن يشير إليهم السكان المدنيون وغيرهم بـ ”الجنجويد“ وهو مصطلح دارفوري تقليدي يعني قاطع طريق مسلحا وخارجا على القانون يمتطي حصانا أو جملا. ويرد أدناه وصف أكثر دقة لهذه العناصر.
    70 - وبدأت الجهود الرامية إلى إيجاد حل سياسي في وقت مبكر يعود إلى آب/أغسطس 2003 عندما عقد الرئيس دبي رئيس تشاد اجتماعا بين ممثلي الحكومة ومجموعتي المتمردين في أبشي. وأدت المحادثات التي رفضت حركة العدل والمساواة حضورها لما رأته من تحيز الوسيط التشادي، إلى توقيع اتفاق في 3 أيلول/سبتمبر 2003 نص على وقف الأعمال العدائية لمدة 45 يوما. وتبع ذلك إجراء جولات عديدة من المحادثات بوساطة تشادية. وفي 8 نيسان/أبريل 2004، وقعت الحكومة وحركة جيش تحرير السودان وحركة العدالة والمساواة اتفاقا إنسانيا لوقف إطلاق النار. وفي 28 أيار/مايو وقعت الحكومة والحركتان اتفاقا في نجامينا لتحديد طريق تطبيق وقف إطلاق النار. وجرت محادثات لاحقة في كل من أديس أبابا وأبوجا بوساطة من الاتحاد الأفريقي. وفي 9 تشرين الثاني/نوفمبر وقعت الحكومة وحركة جيش تحرير السودان وحركة العدل والمساواة في أبوجا بروتوكولين يتعلق أحدهما بتحسين الحالة الإنسانية ويتعلق الثاني بتعزيز الحالة الأمنية في دارفور. وفي سياق مفاوضات أخرى، لم تستطع الأطراف التغلب على خلافاتها وإيجاد حل شامل للصراع.
    71 - وبجانب المفاوضات السياسية ظل الاتحاد الأفريقي هو الآخر يقوم بدور رائد من خلال البعثة الأفريقية في السودان لإيجاد حل للصراع ولرصد وقف إطلاق النار بإنشاء لجنة الاتحاد الأفريقي لوقف إطلاق النار في دارفور وشمل ذلك نشر مراقبين. وبالرغم من جميع هذه الجهود وتوقيع العديد من البروتوكولات لا تزال ترد تقارير في كانون الثاني/يناير 2005 عن استمرار القتال وعن انتهاكات وقف إطلاق النار بين المتمردين والحكومة والميليشيات التابعة لها.
    72 - وبصرف النظر عن القتال بين المتمردين من جهة والحكومة والجنجويد من جهة أخرى فإن أهم عنصر في الصراع هو الهجمات التي تعرض لها المدنيون وأدت إلى تدمير وحرق قرى بأكملها وتشريد مجموعات كبيرة من السكان المدنيين.

    الجزء الأول
    استنتاجات اللجنة عن انتهاكات الطرفين للقانون الدولي لحقوق الإنسان وللقانون الإنساني الدولي

    أولا - مقدمة
    73 - كان على اللجنة، في سعيها لإنجاز ولايتها، أن تتحقق من صحة وقوع ما تردد من انتهاكات للقانون الدولي لحقوق الإنسان وللقانون الإنساني الدولي في دارفور. وبالإضافة إلى ذلك، كان على اللجنة أن تحدد ما إذا كانت قد وقعت انتهاكات أخرى مؤخرا. وقبل أن تضع اللجنة استنتاجات تقصيها للحقائق، لا بد لها من أن تتناول بعض القضايا العامة والأولية.

    ثانيا - طبيعة النزاع في دارفور
    74 - تتعلق القضية الأولى بطبيعة النزاع المسلح المحتدم الآن في دارفور. وهذا التحديد مهم بصفة خاصة فيما يتعلق بمدى انطباق الأحكام ذات الصلة من القانون الإنساني الدولي. ويفرق هنا بين النزاع المسلح الدولي، والنزاع المسلح غير الدولي أو الداخلي، وأوضاع التوتر أو الاضطراب المحلية. وقد وضعت اتفاقيات جنيف إطارا محكما من القواعد التي تنطبق على النزاع المسلح الدولي أو على ”جميع حالات الحرب المعلنة أو أي نزاع مسلح آخر ينشب بين طرفين أو أكثر من الأطراف السامية المتعاقدة“( ). وتحدد المادة العامة 3 من اتفاقيات جنيف والبرتوكول الإضافي الثاني شروط أساسية للنزاع المسلح غير الدولي. ويستنتج من تعريف النزاع الدولي الوارد أعلاه أن النزاع غير الدولي نزاع لا يشمل دولتين. ولا يعرض القانون الإنساني الدولي الحديث لمفهوم النزاع المسلح من الناحية القانونية. ولا يعطي البرتوكول الإضافي الثاني سوى تعريف سلبي يبدو، إضافة إلى ذلك، أنه يضيق نطاق المادة العامة 3 من اتفاقيات جنيف( ). وقد أضاف فقه المحاكم الجنائية الدولية تفاصيل واضحة للمفهوم، حيث ”يوجد نزاع مسلح حيثما يوجد لجوء إلى القوة المسلحة بين دول أو أعمال عنف مسلحة طويلة الأمد بين سلطات حكومية ومجموعات مسلحة منظمة أو فيما بين هذه المجموعات داخل الدولة الواحدة“( ). أما الاضطرابات والتوترات الداخلية ”مثل أعمال الشغب وأعمال العنف المنفردة المتفرقة وغيرها من الأعمال ذات الطبيعة المماثلة“ فلا تدخل عادة ضمن مفهوم النزاع المسلح( )
    75 - وفي النزاع القائم في دارفور، تواجه الحكومة مقاومة من مجموعتي تمرد منظمتين مسلحتين على الأقل، هما حركة/جيش تحرير السودان وحركة العدالة والمساواة( ). وكما سلفت الإشارة، فقد حملت أول مجموعتي تمرد السلاح ضد السلطات المركزية في عام 2002 أو نحوه. بيد أن وتيرة هجمات المتمردين تصاعدت بشكل ملحوظ في شباط/فبراير 2003. ويسيطر المتمردون بالفعل على بعض مناطق دارفور. وبالتالي فإن النزاع لا يقتصر على مجرد وجود حالة اضطرابات وتوترات داخلية وأعمال شغب أو أعمال عنف منفردة ومتفرقة. والأحرى أن الشروط (أ) وجود مجموعات مسلحة منظمة تحارب السلطات المركزية، و (ب) سيطرة المتمردين على جزء من الإقليم، و (ج) والقتال الطويل الأمد، قد استوفيت لإمكان اعتبار هذا النزاع نزاعا مسلحا داخليا بموجب المادة العامة 3 من اتفاقيات جنيف.
    76 - وقد اعترفت جميع أطراف النزاع (الحكومة السودانية، وجيش تحرير السودان، وحركة العدالة والمساواة) بأن هذا النزاع نزاع مسلح داخلي. فحدث عام 2004، ضمن أمور أخرى، أن دخلت المجموعتان المتمردتان وحكومة السودان، فيما بينهم، في عدد من الاتفاقات الدولية، استشهدوا فيها باتفاقيات جنيف أو استندوا إليها.

    ثالثا - فئات الأشخاص أو المجموعات المشاركة في النزاع المسلح
    77 - يتعرض هذا الجزء باختصار لمختلف المجموعات التي لها دور نشط في النزاع المسلح الدائر في دارفور. ففي جانب الحكومة، تقوم عناصر مختلفة من ”قوات الشعب المسلحة السودانية“ بدور رئيسي في النزاع المسلح، ولذا يرد وصفها أدناه. وبالإضافة إلى ذلك، فوفقا لاستنتاجات اللجنة، يقوم جهاز الأمن الوطني والمخابرات بدور رئيسي في وضع السياسات المرتبطة بالنزاع وتخطيطها وتنفيذها، وعليه، تقع هذه المسؤولية. وكثيرا ما يشار إلى هذا الجهاز بوصفه سلطة الدولة الفعلية ويمتد نفوذه فيما يبدو إلى أعلى المستويات. ويرد أدناه وصف لولايته وهيكله. كما يرد أدناه وصف لدور المليشيا المدعومة من الحكومة التي يشار إليها بالجنجويد. وأخيرا، يرد أدناه بمزيد من التفصيل وصف هيكل ودور مجموعات التمرد الرئيسية المشار اإليها أعلاه.

    ألف - القوات المسلحة الحكومية
    1 - الملامح العامة
    78 - القوات المسلحة السودانية قوات مسلحة تقليدية مهمتها حماية الأمن الداخلي والحفاظ عليه( ). وتؤدي ولايتها عن طريق الجيش، بما في ذلك مليشيات قوات الدفاع الشعبي، ومخابرات الحدود، إلى جانب القوات الجوية والبحرية. ووفقا لمعلومات تلقتها اللجنة، يبلغ قوام الجيش الآن نحو 000 200 فرد، على الرغم من أن قدرته اللوجستية موضوعة لجيش قوامه 000 60 فرد. ولذا فإن الدعم، وبخاصة الدعم الجوي، يذهب في المقام الأول إلى المناطق ذات الأولوية ولا يعاد توزيعه إلا بعد أن تستتب الأوضاع في تلك المناطق. ومن ثم، فلا بديل عن مركزية القيادة والسيطرة على عمليات القوات المسلحة.

    2 - الهيكل
    79 - يتولى رئيس الجمهورية منصب القائد الأعلى للقوات المسلحة، مع أنه لأغراض العمليات، يمارس سلطاته عن طريق وزير الدفاع. ويعين الوزير قائد القوات المسلحة ورئيس هيئة الأركان، الذي يشكل مع نواب رئيس الأركان الخمسة (بما في ذلك العمليات، والإمدادات، والإدارة، والتدريب، والتوجيه المعنوي) لجنة رؤساء هيئة الأركان المشتركة أو فريق القيادة.

    3 - المخابرات العسكرية
    80 - كانت المخابرات العسكرية في السابق جزءا من فرع العمليات في إطار القوات المسلحة، ولكنها أصبحت اليوم فرعا مستقلا له إدارته وقيادته الخاصتان به. وللمخابرات العسكرية سلطة التوقيف والاحتجاز والاستجواب. وفيما يتعلق بالاتصالات والإبلاغ، ترسل المخابرات العسكرية المعلومات عن طريق تسلسل العمليات، وكذلك مباشرة إلى رئاسة الجمهورية، عن طريق رئيس فرع المخابرات العسكرية.
    4 - قوات الدفاع الشعبي
    81 - ولأغراض العمليات، يمكن تدعيم القوات المسلحة السودانية بتعبئة المدنيين أو أفراد الاحتياط للخدمة في قوات الدفاع الشعبي. وتُستمد ولاية قوات الدفاع الشعبي من قانون قوات الدفاع الشعبي لسنة 1989، الذي يُعرّف قوات الدفاع الشعبي باعتبارها ”قوات شبه عسكرية“ تتألف من مواطنين سودانيين تتوافر فيهم معايير معينة. وتنص المادة 6 من القانون على أن مهام قوات الدفاع الشعبي هي ”مساعدة قوات الشعب المسلحة والقوات النظامية الأخرى متى دعت الضرورة“ و ”المساهمة في الدفاع عن الأمة والمساعدة في معالجة الأزمات والكوارث العامة“ والقيام ”بأي مهام أخرى توكل إليها من القائد الأعلى نفسه أو بناء على توصية من المجلس“. ووفقا للقانون، تتولى هيئة تُعرف باسم ”مجلس قوات الدفاع الشعبي“ تقديم المشورة إلى القائد الأعلى في المسائل التي تؤثر على قوات الدفاع الشعبي، بما في ذلك المناطق التي يجب أن تشكل فيها قوات الدفاع الشعبي، وتدريب هذه القوات عسكريا وتعليم أفرادها، وفي المسائل الأخرى المتعلقة بواجبات وأنشطة قوات الدفاع الشعبي.
    82 - ووفقا للمعلومات التي جمعتها اللجنة، تطلب القيادة العامة للجيش إلى مسؤولي الحكومات المحلية تعبئة وتجنيد قوات للدفاع الشعبي عن طريق زعماء القبائل وشيوخها. ووالي الولاية هو المسؤول عن التعبئة في ولايته إذ يتوقع منه أن يكون على معرفة لصيقة بزعماء القبائل المحليين. وكما شرح أحد زعماء القبائل للجنة، ”فقد ناشدت الدولة في تموز/يوليه 2003 زعماء القبائل لمساعدتها. ودعونا أهلنا للانضمام إلى قوات الدفاع الشعبي. واستجابوا بالانضمام وبدأوا يتلقون تعليماتهم من الحكومة كجزء من جهاز الدولة العسكري“.
    83 - وتقوم قوات الدفاع الشعبي بتوفير السلاح والزي الرسمي والتدريب للذين تجري تعبئتهم، ومن ثم يتم دمجهم في الجيش النظامي لأغراض العمليات. وعندئذ، يدرج المجندون تحت قيادة الجيش النظامي، وعادة ما يرتدون نفس الزي الرسمي للوحدة التي يقاتلون معها. وقد وصف أحد كبار القادة تجنيد أفراد قوات الدفاع الشعبي وتدريبهم على النحو التالي:
    يجري التدريب عن طريق الثكنات المركزية والثكنات المحلية في كل ولاية. يتقدم إلينا الشخص متطوعا، فنحدد أولا ما إذا كان يحتاج إلى تدريب أم لا. ثم نجري عليه فحصا أمنيا وفحصا طبيا. ونعد قائمة ونقدمها إلى الجيش. وهذا يجري على كلا المستويين، مستوى الخرطوم والولاية ومستوى المحليات. ونقوم بتوفير التدريب الأساسي (التدريب مثلا على استخدام السلاح، والانضباط،....) وهو ما قد يستغرق أسبوعين أو نحو ذلك، تبعا لاستعداد الفرد.
    قد يأتي الشخص ومعه حصان أو جمل، وقد نرسله إلى العمليات العسكرية على حصانه أو جمله.
      ويزود المجندون بالسلاح ويجمع منهم السلاح بعد انتهاء التدريب.
      84 - وتبعا لما أورده قائد آخر من كبار القادة، يأتي معظم المجندين في قوات الدفاع الشعبي ”وهم على معرفة جيدة بالأسلحة النارية ويتمتعون بالقوة واللياقة البدنية“ ولكنهم ”بحاجة إلى التدريب والانضباط“. وأشار إلى أن المجندين لا يعيدون في كل الأحوال الزي الرسمي والأسلحة والذخائر عقب التسريح، وأن الأسلحة والذخائر توزع أحيانا عن طريق زعماء القبائل لضمان إرجاعها بعد التسريح مباشرة.

      5 - مخابرات الحدود
      85 - يوجد بالقوات المسلحة أيضا وحدة عمليات تسمى مخابرات الحدود، يتمثل دورها الأساسي في جمع المعلومات. ويجند أفراد هذه الوحدة من السكان المحليين. ويجري نشرهم للعمل في مناطقهم الأصلية، تبعا لخبرتهم بالمنطقة، ومعرفتهم بالقبائل، وقدرتهم على التمييز بين الناس من ذوي الأصول القبلية والوطنية المختلفة بحكم معرفتهم بالظروف المحلية. ويقع حرس مخابرات الحدود تحت القيادة المباشرة لضباط المخابرات العسكرية في الفرقة التي يُطلب إليهم العمل فيها، وإلا فإنهم يخضعون للتسلسل العادي للقيادة في القوات المسلحة.
      86 - ومع أن ضباط مخابرات الحدود كانوا يجندون في البداية لمواجهة النزاع في جنوب السودان، فقد شرعت الحكومة أيضا في تجنيدهم خلال المراحل المبكرة من النزاع المسلح في دارفور في أواخر عام 2002 وأوائل عام 2003. ويعتبر البعض أن ذلك كان بمثابة غطاء لتجنيد الجنجويد. وحسب ما أورده أحد كبار قادة القوات المسلحة، يجند جنود مخابرات الحدود في الجيش مباشرة بنفس طريقة تجنيد الجنود النظاميين. إذ يصدر إعلان عبر قنوات وسائط الإعلام لطلب متطوعين تتوافر فيهم معايير معينة، وخاصة معايير السن والمواطنة واللياقة البدنية. وقد تم تجنيد زهاء 000 3 جندي لمخابرات الحدود بهذه الطريقة، تم نشرهم في دارفور.

      6 - تقديم التقارير وهيكل القيادة
      87 - تقوم لجنة القيادة المشتركة لرؤساء الأركان في الخرطوم بالتخطيط لجميع العمليات العسكرية. وتصدر الأوامر بالنسبة لأية عملية معينة من اللجنة إلى مدير العمليات، الذي يحيلها إلى قائد المنطقة. ثم يوجه قائد المنطقة الأوامر إلى قائد الفرقة، الذي ينقلها إلى قائد اللواء للتنفيذ.
      88 - وفيما يتعلق بالتقارير، تتدفق المعلومات من مستوى الكتيبة، إلى قائد اللواء، ثم إلى قائد الفرقة، ثم إلى قائد المنطقة، ثم إلى مدير العمليات، وأخيرا إلى نائب رئيس هيئة الأركان وفريق القيادة. ويقدم فريق القيادة تقاريره إلى رئيس هيئة الأركان، الذي يقدم تقاريره، إذا اقتضى الأمر، إلى وزير الدفاع، وأخيرا إلى رئاسة الجمهورية. وتتم عملية التبليغ وجميع الاتصالات الأخرى، داخل الجيش، صعودا ونزولا، حسب التسلسل القيادي كما هو الحال في معظم القوات المسلحة التقليدية.

      7 - جهاز الأمن الوطني والمخابرات
      89 - قوات الأمن قوات نظامية قومية، مهمتها رعاية أمن السودان الداخلي والخارجي ورصد الوقائع المتعلقة بذلك، وتحليل مغازيها وخطرها، والتوصية بتدابير الوقاية منها( ). ووفقا للمعلومات التي تلقتها اللجنة، يعد جهاز الأمن الوطني والمخابرات أحد أقوى الأجهزة في السودان. وتستمد ولايته من قانون قوات الأمن الوطني لسنة 1999، على النحو المعدل في سنة 2001، الذي ينص على أن يشكل جهاز أمن داخلي مسؤول عن الأمن الداخلي، وجهاز أمن السودان ليكون مسؤولا عن الأمن الخارجي( ).
      90 - وتعمل قوات الأمن القومي تحت الإشراف العام لرئيس الجمهورية( ). ويتولى مدير عام( )، يعينه رئيس الجمهورية( )، المسؤولية المباشرة عن الجهاز. ويكون المدير العام مسؤولا أمام رئيس الجمهورية عن تنفيذ مهامه وعن الأداء الشامل للجهاز( ).
      91 - ووفقا للقانون، تنشأ هيئة تعرف باسم ”مجلس الأمن الوطني“ للإشراف على تنفيذ الخطة الأمنية للبلد؛ والإشراف على التقدم في العمل الأمني؛ والتنسيق بين الأجهزة الأمنية؛ ومتابعة تنفيذ السياسات والبرامج الأمنية؛ والموافقة على اللوائح المتصلة بتنظيم العمل؛ وتشكيل لجنة فنية من الأجهزة التي يتكون منها المجلس من أجل المساعدة في تقدم العمل( ). ويتألف مجلس الأمن الوطني من رئيس الجمهورية، ومستشار الرئيس للشؤون الأمنية، ووزير الدفاع، ووزير الخارجية، ووزير الداخلية، ووزير العدل، ومدير جهاز الأمن الداخلي، ومدير جهاز مخابرات السودان( ).
      92 - وينص القانون أيضا على إنشاء ”اللجنة الفنية العليا للأمن“ التي تعهد إليها ولاية دراسة الخطط الأمنية المقدمة من الولايات والأجهزة المختصة، وتقديم تلك الخطط إلى المجلس للموافقة عليها، ومتابعة التنفيذ، وتلقي التقارير عن ذلك. وتقوم اللجنة بتنسيق أعمال اللجان الأمنية في مختلف الولايات، فيما يتعلق بالخطط الأمنية التي يضعها المجلس( ).
      93 - وأبلغ اللواء صلاح عبدا لله (المعروف أيضا بصلاح قوش) المدير العام لجهاز الأمن الوطني والمخابرات، اللجنة بأنه تم اتخاذ قرار بإنشاء إدارة واحدة موحدة، تضم المخابرات الداخلية والخارجية معا. وقد تم تشكيل هذا الجهاز في شباط/فبراير 2004 ويعرف باسم ”جهاز الأمن الوطني والمخابرات“. وأفاد المدير العام اللجنة بأنه يقدم تقاريره إلى رئيس الجمهورية و/أو النائب الأول لرئيس الجمهورية مرة كل يومين على الأقل. ويتعاون المدير العام مع الأجهزة الأخرى في الحكومة، ولكنه مسؤول أمام رئيس الجمهورية مباشرة.
      94 - وفيما يتعلق بأزمة دارفور، ذكر المدير العام أن جهاز الأمن الوطني والمخابرات يجمع المعلومات ويرفع تقريره إلى رئيس الجمهورية بشأن الحالة. ويقوم كذلك، تبعا لطبيعة المسألة، بتقديم تقارير إلى وزارة الدفاع، أو وزارة الداخلية، أو وزارة الخارجية، أو وزارة الشؤون الإنسانية. ويتولى رئيس الجمهورية، بناء على المعلومات الواردة إليه، توجيه مجلس الوزراء. وأضاف كذلك أن الرئيس، استجابة لهذه الأزمة، شكَّل لجنة تنسيق برئاسة وزير الشؤون الاتحادية، ضمت في عضويتها وزير الدفاع، ووزير الداخلية، ومدير المخابرات، ووزير الخارجية، ووزير الشؤون الإنسانية. بيد أنه، وحسب ما أورده المدير العام، لم تجتمع تلك اللجنة خلال الإثنى عشر شهرا الماضية. وبدلا عن ذلك، تناولت الوزارات أو الأجهزة المعنية المسألة بشكل منفرد أو ثنائي، كل في حدود اختصاصه.
      95 - وفيما يتعلق بالهيكل الهرمي لجهاز الأمن الوطني والمخابرات، أبلغ المدير العام اللجنة أن له نائبا يعمل معه لتسيير الأنشطة والمهام، فضلا عن أربعة مديرين. وللجهاز مكتب خاص لمتابعة الحالة في دارفور، يتلقى جميع المعلومات المتعلقة بالمنطقة، بما في ذلك المعلومات الخارجية العامة. وتتولى هذه الوحدة مسؤولية إعداد المعلومات الاستخباراتية وتحليلها. وتقدم كل وحدة تقاريرها بحسب التسلسل القيادي، ويوافى المدير العام في النهاية بتقارير عن كل عمل.
      96 - ولاحظت اللجنة أن قانون قوات الأمن الوطني، بصيغته المعدلة سنة 2001، يعطي قوات الأمن سلطات واسعة النطاق، بما في ذلك سلطة الاعتقال دون توجيه تهم أو دون الوصول إلى القضاء لمدة تصل إلى تسعة أشهر. وقد أجرت اللجنة، في الخرطوم، مقابلات مع محتجزين اعتقلتهم قوات الأمن في سجون انفرادية في ”بيوت الأشباح“ في ظل ظروف مقيتة. وفي بعض الحالات، كانت تستخدم أساليب التعذيب، والضرب، والتهديد أثناء الاستجوابات ومن أجل انتزاع اعترافات. وتعرَّض بعض المحتجزين للحبس لمدة 11 شهرا دون توجيه تهم إليهم ودون الاستعانة بمحام أو الاتصال بأسرهم.
      97 - وتجمع قوات الأمن معلومات عن جميع جوانب الحياة في ولايات دارفور الثلاث. وتنشر هذه المعلومات على الوزارات المعنية لاتخاذ الإجراءات المناسبة. وأكد المدير العام أن هذه المعلومات أو المعلومات الاستخباراتية قد تتصل بمسائل مثل وجود المتمردين في مكان ما، وما إذا كانوا مسلحين أم لا. ويمكن أن يستخدم الجيش هذه المعلومات في اتخاذ قرارات تتعلق بالعمليات. ومع أن جهاز الأمن الوطني والمخابرات لا يصدر أوامر للعسكريين، فإنه يزودهم بالمعلومات التي يستخدمونها كأساس لتخطيط عملياتهم.

      باء - المليشيات المدعومة من الحكومة و/أو الخاضعة لسلطتها: الجنجويد
      98 - ثمة مسألة رئيسية تتعلق بمليشيات في دارفور، كثيرا ما يشار إليها بالجنجويد، أو الفرسان، أو المجاهدين. وقد استخدم مصطلح ”جنجويد“، بالذات، على نطاق واسع، من قبل ضحايا الهجمات لوصف مهاجميهم. وبالتالي فقد استخدمت المصطلح أيضا منظمات دولية كثيرة ووسائط إعلام في تقاريرها عن الحالة في دارفور، واستخدمه مجلس الأمن في القرار 1564 (2004). وقد أوضح ضحايا الهجمات أن الجنجويد يعملون مع القوات الحكومية وبالنيابة عنها. وفي المقابل، فإن كبار مسؤولي السلطات الحكومية السودانية، في الخرطوم وفي ولايات دارفور الثلاث، أوضحوا للجنة أن أي انتهاكات يرتكبها الجنجويد لا صلة لها بالجهات الحكومية. ونظرا للدور الرئيسي المزعوم للجنجويد في الأعمال التي تحقق فيها اللجنة، ونظرا للاختلافات في فهم هوية الجنجويد وصلتهم المزعومة بالدولة، كان من الضروري للجنة أن توضح طبيعة ودور تلك العناصر التي يستعمل هذا المصطلح في وصفها.
      99 - ويوضح هذا الفرع مفهوم الجنجويد وآثار ذلك على تحديد المسؤولية الجنائية الدولية. وكما سيرد شرحه أدناه، فقد جمعت اللجنة مواد أساسية جدا ترى أنها توفر سندا لاستعمال مصطلح ”الجنجويد“ في الإطار المحدود لولاية اللجنة، بوصفه مصطلحا عاما لوصف المليشيات العربية العاملة تحت إمرة السلطات السودانية الحكومية، أو بدعم منها، أو التواطؤ معها أو التغاضي عنها، والتي تنتفع من الإفلات من العقاب عن أعمالها. ولهذا السبب اختارت اللجنة أن تستخدم مصطلح ”الجنجويد“ في التقرير بأكمله، واختارته لكونه أيضا المصطلح الذي استخدمه مجلس الأمن في مختلف القرارات المتعلقة بدارفور، والأهم من ذلك كله أنه المصطلح الذي يستخدمه الضحايا دائما.




                  

العنوان الكاتب Date
تقرير لجنة التحقيق الدولية بشأن دارفور المقدم إلى الأمين العام peace builder02-15-05, 04:41 AM
  Re: تقرير لجنة التحقيق الدولية بشأن دارفور المقدم إلى الأمين العام peace builder02-15-05, 05:03 AM
    Re: تقرير لجنة التحقيق الدولية بشأن دارفور المقدم إلى الأمين العام peace builder02-15-05, 05:09 AM
      Re: تقرير لجنة التحقيق الدولية بشأن دارفور المقدم إلى الأمين العام peace builder02-15-05, 05:22 AM
        Re: تقرير لجنة التحقيق الدولية بشأن دارفور المقدم إلى الأمين العام peace builder02-15-05, 05:43 AM
          Re: تقرير لجنة التحقيق الدولية بشأن دارفور المقدم إلى الأمين العام peace builder02-15-05, 05:46 AM
            Re: تقرير لجنة التحقيق الدولية بشأن دارفور المقدم إلى الأمين العام peace builder02-15-05, 05:48 AM
              Re: تقرير لجنة التحقيق الدولية بشأن دارفور المقدم إلى الأمين العام peace builder02-15-05, 05:50 AM
                Re: تقرير لجنة التحقيق الدولية بشأن دارفور المقدم إلى الأمين العام peace builder02-15-05, 05:55 AM
                  Re: تقرير لجنة التحقيق الدولية بشأن دارفور المقدم إلى الأمين العام peace builder02-15-05, 05:57 AM
                    Re: تقرير لجنة التحقيق الدولية بشأن دارفور المقدم إلى الأمين العام peace builder02-15-05, 07:26 AM
  Re: تقرير لجنة التحقيق الدولية بشأن دارفور المقدم إلى الأمين العام مصدق مصطفى حسين02-16-05, 06:21 AM
    Re: تقرير لجنة التحقيق الدولية بشأن دارفور المقدم إلى الأمين العام peace builder02-16-05, 06:43 AM
      Re: تقرير لجنة التحقيق الدولية بشأن دارفور المقدم إلى الأمين العام peace builder02-19-05, 07:58 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de