التسامح الديني.. ضرورة لا بديل عنها

نعى اليم ...... سودانيز اون لاين دوت كم تحتسب الزميل فتحي البحيري فى رحمه الله
وداعاً فتحي البحيري
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-28-2024, 11:25 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الأول للعام 2005م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-18-2005, 07:51 PM

Yaho_Zato
<aYaho_Zato
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 1124

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
التسامح الديني.. ضرورة لا بديل عنها




    التسامح الديني.. ضرورة لا بديل عنها

    بمناسبة الذكرى العشرين لاستشهاد الأستاذ محمود محمد طه


    ضمن أسئلة وجهت له من مجلة الأضواء السودانية، سئل الأستاذ محمود محمد طه هذا السؤال: "يشهد الوقت الحاضر توفر الرغبة للتعايش سلميا بين الأديان.. الإسلام والمسيحية، من جانب، والمسيحية واليهودية، من الجانب الآخر.. فهل يمكن أن يتم هذا التعايش دون أن تكون هناك مساومة على حساب الأديان؟؟"..

    فكانت إجابة الأستاذ كالآتي: "التعايش السلمي أدنى ما يطلب من الأديان، فكيف تكون هناك مساومة على حسابها، عندما يتحقق التعايش السلمي؟؟ إن الأديان مرجوة لتوحيد الناس على المحبة، لأن الناس أخوة، من أم وأب.. وقد أغرى بينهم العداوة الجهل بحقائق أمرهم.. وستسوقهم الأديان إلى العلم بعد الجهل.. إن الأديان كلها وحدة.. وهي، في أي مستوى كانت، إنما هي مراحل من الفكرة الكبيرة التي هي الإسلام.. الأديان كلها هي الإسلام، تنزل على حكم الوقت.. تستوي في ذلك الوثنيات، والتعدديات، والتوحيديات.. والإسلام معناه الإستسلام الراضي، في غير نزاع، بين العبد والرب، ولا بين العبد وبقية العباد الآخرين.. قال النبي: ((المسلم من سلم الناس من لسانه ويده)).. هذا في معنى قول الرسول: ((المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)) أن الناس، بفضل الله، ثم بفضل الإسلام، سيعيشون في سلام ومحبة.."

    على ضوء هذه الكلمات التي سجلها التاريخ للأستاذ محمود محمد طه، سنحاول أن نتناول في هذه الورقة موضوع التعايش السلمي بين الأديان، أو التسامح الديني، من عدة جوانب، تاريخية وفكرية، سعيا وراء تحقيق شيء من الوعي أو الإدراك لصريح أمر الأديان، وهو الوحدة كما أخبرنا الأستاذ محمود في قوله "إن الأديان كلها وحدة"..

    إن التسامح الديني لا يقوم إلا على الفهم، في أدنى مستوياته المطلوبة، لجوهر الأديان، وللغاية التي تسعى إليها هذه المنظومات الفكرية والعملية التي أثرت تاريخ البشرية وأثرت عليه بشكل مباشر منذ بداياته وحتى يومنا هذا.. إذا فالتسامح الديني هو في الأصل "التفهم الديني"، فالتسامح لا بد أن يقوم على التفهم، وإلا لما كان في حقيقته تسامحا، ولأصبح هشا ينكسر وينفضح عند أخف الصدمات.. ونحن اليوم على هذه الأرض نعاني في جميع أرجاءها من جراء هذه الهشاشة.. وأصبحت ضرورة إيجاد فهم، في أدنى مستوياته المطلوبة، ضرورة بقاء للجنس البشري.. وإلا لانتزعته الحروب، وقتلته الأحقاد والخرافات..

    وسنحاول في هذه الورقة القيام بتحليلات تاريخية وفكرية لأصول بعض الأديان العالمية لتعيننا على ربط الأحداث والأطروحات وغزلها بمغزل "الوحدة" حتى يتمكن القارئ الكريم من رؤية شيء مما نرمي إليه على أقل تقدير..
                  

01-18-2005, 07:54 PM

Yaho_Zato
<aYaho_Zato
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 1124

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: التسامح الديني.. ضرورة لا بديل عنها (Re: Yaho_Zato)


    محاور القضايا عند الأديان

    المجتمع


    لعل التشابه في الهدف المجتمعي للأديان واضح، لا يحتاج إلى إشارة، ولكن فقط للتوكيد نورد بعض الأمثلة التي توكد هذا التشابه.. فعبر التاريخ البشري كانت دوما للأديان قضايا مجتمعية اتخذت منها مواقفا واضحة، بل لعل البدايات المعروفة لمعظم الاديان كانت هذه القضايا المجتمعية، إذ أن محاربة الفساد المجتمعي من ظلم إقتصادي وسياسي وطبقي كانت دوما إحدى العناصر الأساسية في التفاعلات التي تخرج بها الأديان الجديدة في أزمانها إلى أرض الواقع.. وغالبا كانت القضية المجتمعية هي القضية الأولى التي جلبت حمد المؤيدين ونقمة المعارضين في أوساط ظهور الأديان..

    عندما قرر سيدهارتا قوتاما – والمعروف اليوم ببوذا – أن يسلك مسلك التقشف والزهد تاركا خلفه حياة الدعة وبهرج السلطان، كان السبب الرئيسي وراء هذا القرار هو الصدمة التي أصابته بعد خروجه من القصر لأول مرة في حياته ورؤيته لأنواع الشقاء التي كان يعانيها الناس خارج الجنة الصغيرة التي بناها له والده وعاش فيها منذ ولادته، فكانت انطلاقة رحلته المعرفية التي بدأها لسبب واحد هو محاولة إيجاد حل ينهي به الشقاء الذي رآه.. بعد أن رأى الفقر لأول مرة، وراى المرض المميت لأول مرة، ورأى الفرق بين حياته التي كانت وحياة عامة الشعب، ارتطم بوذا بصخرة الواقع المجتمعي المخزي لأول مرة، فكانت تلك الإرتطامة هي البداية الرسمية للديانة البوذية المعروفة اليوم(Kessler 36)..

    وعندما كان كونفوشيوس، المعاصر لبوذا ولكن في الصين، يرى بحكم تجربته كرجل دولة انتشار الظلم المجتمعي والفساد الإقتصادي والسياسي في الدولة، هداه فكره إلى رؤية المشكلة الأخلاقية التي كانت هي تلك الآفة التي سببت ذلك الفشل المجتمعي، فمضى يؤسس لقانون أخلاقي صارم يحكم علاقة الفرد بهذا المجتمع على أساس الواجبات والحقوق.. وكانت تلك بداية الديانة الكونفوشيوسية المعروفة اليوم(Kessler 43)..

    وفي حين اختار بوذا طريق المعرفة الفردية للخلاص من هذا الواقع الإجتماعي، واختار كونفوشيوس طريق المساهمة المجتمعية للفرد للخلاص من نفس الواقع، جاءت التاوية في محاولة للتوفيق بين الخطين.. فالتاوية التي تنسب كثيرا لرجل معاصر لبوذا وكونفوشيوس من الصين يدعى لاوتزي، حاولت أن ترسم طريقا يوفق بين المعرفة الفردية والمساهمة المجتمعية(Kessler 430)..

    وقد ظهر النبي محمد في مجتمع كان فيه الظلم الإجتماعي كبير، والفساد فيه متفشي، حيث كن البنات الصغيرات يدفن حيات، خيفة العار والإملاق، وكان العبيد مقهورين ولا حقوق لهم بالمرة، وكانت سيوف الأقوى مسلطة على رقاب الأضعف، بحق وباطل، وربما كانت تلك الحالة مقاربة لمعظم حال المجتمعات في ذلك الزمان.. وقد ساءه ما رأى من حال شعبه وانحداره الأخلاقي، كما أثار ذلك في خاطره الأسئلة الكثيرة حول قيم العدل والحرية، فأصبح يكثر من الإختلاء بنفسه في مغارات الجبال، متأملا ومتعبدا على ما تواتر من نهج النبي إبراهيم، في سعي منه لإيجاد حل لذلك الوضع الذي لم يكن ليسره.. وعندما ظهر برسالة الإسلام بعد سنين من تلك الحال، كان في تشريع رسالته رفع يد القهر عن المسحوقين والمضطهدين في المجتمع، حتى كان أكثر أتباعه من تلك الفئة التي وجدت الخلاص المنهاجي في رسالته..

    كما قد كان جانب العدل الإجتماعي حائزا على النصيب العظيم أيضا في رسالتي موسى وعيسى، وقد كان دوما أوائل أنصار تلك الرسالات من المتضررين بشكل مباشر من تبعات الظلم الإجتماعي الذي كان يسود الأرض حينها، فقد وجدوا في تلك الرسالات ضالتهم المنهجية والصوت الذي يتحدث باسمهم بعدما كانت أصواتهم قد كتمت لأجيال..

    وقبل الديانات الكتابية الثلاثة كانت هناك الحنيفية، منذ ألفي عام قبل الميلاد في بعض التقديرات، ديانة النبي إبراهيم الخليل، والذي تنتسب له الأديان الكتابية (اليهودية والمسيحية والإسلام).. وفي جنوب وشرق آسيا كانت هناك أيضا الهندوسية منذ زمن يقارب زمان الحنيفية، غير أن الهندوسية لا يعرف لها نبيا أو مؤسسا واحدا كما هو الحال في الحنيفية.. وهاتين الديانتين كانتا مهتمتان بالجانب الإجتماعي بشكل واضح أيضا..

    وبقراءة بسيطة وربما عجولة، كما قد سبق، نستطيع أن نرى بوضوح أن هدف كل هذه الأديان من الناحية المجتمعية هو العدل الإجتماعي.. هو خلق مجتمع لا ظلم فيه ولا قهر فيه، ينعم فيه كل مواطنوه بحقوق واضحة ولهم فيه واجبات واضحة أيضا يؤدونها برضا واقتناع.. هذا هو الهدف الأوحد، أما الوسيلة لتحقيق هذا الهدف فهي تختلف تبعا لظروف الزمان والمكان التي نشأت فيها هذه الأديان.. جوهر الوحدة هنا يلقي الضوء أيضا على مظهر التشريع المقيد بقيود الزمان والمكان، وهذه هي النقطة التي أشار لها الأستاذ محمود محمد طه بوضوح في مقولته التي ابتدرنا بها هذه الورقة، حيث ذكر أن الأديان في جميع مستوياتها هي مراحل من الفكرة الكبيرة التي سماها "الإسلام".. وحيث ذكر مسألة التنزل إلى حكم الوقت.. ومسألة التنزل إلى حكم الوقت هذه هي الأداة الناجعة التي يستطيع بها القارئ لسيرورة الأديان عبر التاريخ رؤية "الوحدة" المتسقة والمتناغمة في جوهرها..


    البيئة الكونية


    كان الإنسان منذ بداية وجوده على سطح هذه الأرض يسعى لخلق نوع من التوائم بينه وبين بيئته التي يعيش فيها، وذلك حتى يستطيع التخلص من الخوف والقلق اللذان يحتوشانه تجاهها بسبب شعوره بتأثيرها القوي عليه في شتى الجوانب وضعفه الشديد أمام تأثيرها هذا، والإنسان بطبيعته يخاف ما يجهله ولا يعي كنهه، فكانت بداية علاقته مع البيئة بالتملق.. أصبح الإنسان يتملق تلك القوى البيئية العظيمة التي يرى تأثيرها عليه ويرى ضعفه أمامها، فأصبح مثلا يقدم القرابين ويؤدي الطقوس التي يظن أنه من خلالها يضمن رضا تلك القوى الهائلة عنه، وقد كانت هذه، في بساطتها، بداية الدين كما نعرفه ونمارسه اليوم.. وللأستاذ محمود حديث مفصل ومسهب في هذه النقطة لا يغني حديثنا هذا عن مراجعته (راجع "الفرد والكون في التفكير الفلسفي"- الباب الثاني – الرسالة الثانية من الإسلام)..

    مع هذه البداية البسيطة، تولدت لدى الإنسان معرفة كبيرة بالبيئة من حوله، وبهذه المعرفة دق أمر الدين وتسامت وظيفته، فاصبح الإنسان باحثا عن سر التناغم الغريب الذي ينتظم جميع عناصر هذا الكون، بما فيه هو نفسه، وأصبح باحثا عن سر الوجود وأصله وماهيته.. ونحن اليوم نرى الأديان تتنافس كثيرا في طرحها الذي يختص بهذا المجال..

    ولكن ما زال الإنسان إلى اليوم يحاول أن يجد شيئا من التواءم بينه وبين البيئة المحيطة به، فهو وكأنه يسعى بشكل غريزي إلى محاولة خلق وئام بينه وبين كائنات الأرض، بدل الخوف المتبادل أو الإستغلال المتبادل وسيطرة الأقوى.. والأمم تسعى لأن تكون هناك مواءمة بينها وبين الأمم الأخرى حتى ينجلي هاجس الخوف والحذر الذي يقلق المضاجع ويستهلك الطاقات، وإن اختلفت وسائل هذا السعي.. وكذلك يسعى الإنسان لفهم الظواهر الطبيعية التي يزخر بها الكون فهما يعينه على التخلص من هاجس القلق تجاه المجهول، وهاجس الخطر الذي يتهدده دوما بسبب تصرف تلك الظواهر الطبيعية بخلاف ما يتمناه ويريده في معظم الأحيان.. الإنسان، بطبيعته، يسعى لأن يعيش في بيئة مسالمة، يسودها السلام والحب وإحساس الأخوة وصلة الرحم، سواءا كانت هذه البيئة هي الأسرة الصغيرة، أو القرية، أو المدينة، أو الدولة، أو الكرة الأرضية، أو الكون.. الإنسان يسعى لأن يعيش في بيئة بهذا الشكل لمصلحته هو في المقام الأول، فمثل هذه البيئة هو الخيار الوحيد أمامه للتخلص من الخوف والإنزعاج الذي لا يكاد يتركه للحظة.. ويصعب علينا جدا أن نتخيل أن يكون هناك إنسان لا يريد مثل هذا النوع من البيئة الآمنة المطمئنة إذا استطاع إليها سبيلا، ويحبذ استبدالها بما هو دونها أو غيرها..

    والأديان جميعها، عبر التاريخ، قد كانت وسيلة للإنسان لتحقيق هذا السلام، وهذه الطمأنينة.. فقد تفتقت الأديان من حاجة البشر إليها في قديم الزمان، وهي ما زالت متقدة بسبب حاجتهم إليها التي ما زالت قائمة.. فإذا أدركنا نحن اليوم – وقد حان الوقت لأن ندرك – وحدة الهدف الذي من أجله نبتت هذه الأديان من الأرض، فما بقي لنا سوى أن ننسق جهودنا سويا، وننسق إنجازات جميع الأديان لخدمة ذلك الهدف الأوحد.. فنكون بذلك حققنا هدف كل هذه الأديان بما يرضيها جميعا، ونكون أيضا حققنا الغاية الأساسية من وراء ذلك وهي السلام والطمأنينة لنا جميعا.. نحن اليوم، بلا شك، بحاجة إلى النظر إلى هذا الخيار، الذي ذهلنا عنه في ماضي تاريخنا، وذقنا بسبب الذهول عنه، وما زلنا، مرارات لا تعد ولا تحصى..

    من هذا المنطلق جاءت كلمات الأستاذ محمود محمد طه، في مكتوبه الصغير الحجم، الكبير المعنى، "خلق الجمال"، كالآتي: "نحن نبشر بعالم جديد، وندعو إلى سبيل تحقيقه، ونزعم أنا نعرف ذلك السبيل معرفة عملية.. أما ذلك العالم الجديد، فهو عالم يسكنه رجال ونساء، أحرار، قد برئت صدورهم من الغل والحقد، وسلمت عقولهم من السخف والخرافات.. فهم في جميع أقطار هذا الكوكب متآخون، متسالمون، متحابون.. قد وظفوا أنفسهم لخلق الجمال في أنفسهم، وفيما حولهم من الأشياء.. فأصبحوا بذلك سادة هذا الكوكب.. تسمو بهم الحياة فيه سمتا فوق سمت، حتى تصبح وكأنها الروضة المونقة.. تتفتح كل يوم عن جديد من الزهر، وجديد من الثمر"..



    الفرد.. والسلام الداخلي


    لعله، مما تقدم، يتضح جليا أن عمل الإنسان الخارجي في محاولة خلق مجتمع عادل ومحاولة التواؤم مع البيئة المحيطة به هو في الأصل كله وسيلة أيضا للغاية العليا، وهي السعادة التي يحس بها.. وهو يريد سعادة تامة، لا تشوبها شائبة، ولا ينغصها منغص.. وهو يعلم، بحكم تجربته، أن هذه السعادة لا تؤتى إلا بالسلام والمحبة، لأنه وحده السلام يهزم الخوف، ووحدها المحبة تصنع السلام..

    لهذا، فإنه ليس من الغريب أن تكون صفة ملازمة لوجود الأديان، وجود صيغة من المنهاج العملي المتعلق بشؤون الحياة اليومية والأحداث الكبيرة في الحياة الخاصة والعامة.. يمكن تلخيص هذا المنهاج في عبارتين: العبادة والسلوك.. ويمكن تعريف العبادة بذلك النوع من العلاقة بين الفرد والقوى الهائلة المتجلية له في مظهر الكون من حوله.. ويمكن تعريف السلوك بذلك النوع من العلاقة بين الفرد والفرد، أو الفرد والجماعة، القائم على تشاريع وأعراف.. وهذا المنهاج له أيضا غاية واحدة في جميع الأديان، وهي خلق السلام الداخلي، أساس السعادة ونزع الخوف وإرساء المحبة.. وقد أشار الأستاذ محمود محمد طه لهذا السلام بـ "الإستسلام" في خطابه الذي استهللنا به هذه الورقة، حين قال " والإسلام معناه الإستسلام الراضي، في غير نزاع، بين العبد والرب، ولا بين العبد وبقية العباد الآخرين" وهذا الإستسلام لا يفهم بأنه الخضوع السلبي، كما قد يتبادر إلى الكثير من الأذهان، فالإستسلام هنا، كما وضحه الأستاذ، هو نقيض النزاع، حيث قال "الإستسلام (الراضي)، في غير نزاع".. فالإستسلام هنا يعني عدم المنازعة، يعني التناغم.. إذ طالما أن هناك منازعة بين طرفين لا يمكن ان يكون هناك سلام تام بينهما.. وفي طرح الأديان عموما نجد ان هذه المنازعة لا تكون من جانب الرب، أو القوى العظمى المسيطرة على هذا الوجود، وإنما تكون دوما من جانب العبد، أو الإنسان.. ولهذا فإن المنهاج الديني يسعى لجعل الإنسان يتخلى عن منازعة تلك القوى، ويستبدل النزاع بالتناغم.. والتناغم إنما يكون بالمعرفة التي يورثها المنهاج الديني، وفي منطقة المنهاج هذه بالذات، يظهر تفاوت الأديان، وتظهر قدرتها الحقيقية على تحقيق السعادة للكائن البشري.. هذه هي منطقة التنافس الشريف بين الأديان، إن صح التعبير، حيث يجلب هذا التنافس المزيد من الرقي والتفهم وحسن التعايش بينها..

    وقد هامت البشرية منذ بداياتها، وفي معظم الأديان، بالكمال الإنساني، أي تجسيد الإنسان الذي لا يخطئ، ولا يقول أو يفعل إلا الصواب.. الإنسان الذي يعلم أسرار كل شيء، ويعرف كيف يتصرف عند كل موقف.. باختصار يمكن أن نقول "الإنسان الكامل".. وقد قدمت طلائع البشرية من الرجال والنساء عبر التاريخ أمثلة قوية في هذا الإتجاه، وقد كان مؤسسي الديانات من أعظم تلك الطلائع.. منذ إبراهيم، وقبله، ومرورا بكرشنا، وبوذا، وموسى، وعيسى، إلى محمد، وبعده من الشخصيات الإسلامية وغير الإسلامية التي أثرت بشكل قوي فيمن كان حولها من الناس عن طريق تجسيد صفات الكمال تلك إلى حدود كبيرة أقنعت الكثير ممن كان حول تلك الشخصيات.. وكان الناس الذين أعجبوا بتلك النماذج يسعون أيضا لأن يكون لهم حظ في تلك الصفات، وهم ما زالوا، لأن هذه الصفات تعني أن من يملكها قد حقق قدرا عظيما من المعرفة بقضايا نفسه وقضايا البيئة من حوله بشكل حقق معه قدرا أكبر من السلام الداخلي، فانعكس ذلك السلام الداخلي على أقواله وأفعاله حتى أصبح يتصف بصفات الكمال تلك.. وقد تفتقت هذه المعرفة التي حققتها تلك الطلائع عن مناهج للناس يدعونهم إليها ليحققوا بها السلام الداخلي هم أيضا.. ونحن إذا دققنا النظر في هذه المناهج، سنجد تشابها كبيرا للغاية في سبل تلك المناهج..

    بالنسبة للأديان الكتابية، اليهودية والمسيحية والإسلام، نجد أن التشابه في المنهاج أوضح من أن نشير إليها في كثير من الأحيان، فالصفة العامة للمنهاج في هذه الأديان تحكيها الأية القرآنية الكريمة ((واتقوا الله، ويعلمكم الله، والله بكل شيء عليم)).. فالصفة العامة للمنهاج هي تقوية العلاقة مع الرب بترويض النفس على النزول عند حكمه، والرضا به، والثقة فيه، والتأدب معه، ومجاهدة الشهوات الحيوانية التي تقيد حرية العقل.. وبهذه المجاهدة في هذا المضمار يفيض الرب على العبد من خزائن علمه اللامحدود، فيصبح العبد بذلك الفيض صافي العقل، وسليم القلب، ويصبح بذلك الصفاء وتلك السلامة حيا، عالما، مريدا، وقادرا، في قرب للحياة الكاملة، التي لا تشوبها شائبة، ولا ينغصها منغص.. ومن ثم فإن العبد يكون مستمرا في الترقي في هذا المضمار إلى ما لا نهاية، حيث أن فيض العلم الإلهي لا ينتهي لأنه مطلق ولا نهاية له.. هذه الصورة للمنهاج المفضي إلى السلام الداخلي هي تقريبا نفس الصورة في الأديان الكتابية، وهي أكثر ما تكون ظاهرة في الفكر الصوفي لهذه الأديان..

    وإذا نظرنا مثلا إلى الأديان الشرقية، فنحن لن نجد اختلافا كبيرا في الصورة العامة للمنهاج، فها هو بوذا يتحدث عن أن سبب الشقاء هو الشهوة والرغبة الكامنة فينا، وأن طريق الخلاص هو معرفة هذه الحقيقة، ومن ثم سلوك المنهاج الذي يخلص عقولنا منها، فتصبح عقولنا بصفائها دليلنا على المعرفة السامية التي تسمو بقيمتنا الإنسانية حتى نصبح مستنيرين سعداء، وكلمة بوذا نفسها تعني "المستنير".. فبالرغم من أن بوذا لا يشير إلى الرب بالكثافة والتحديد اللذان تشير بها الأديان الكتابية إليه، إلى أن محتوى طرحه واضح فيه أمر التسليم للقوى العظمى التي تسير هذا الكون بكل تفاصيله(Kessler 37)..

    ونقرأ مثلا لشنكارا، المعلم الهندوسي المعروف تاريخيا، في رائعته (جوهرة التمييز)(The Crest-Jewel of Discrimination) – الترجمة من عندنا- حيث يقول تقريبا نفس الشيء من أن الشهوات هي التي تعطل حرية العقل وتمنعه من تحصيل المعرفة اللدنية من الأتمان(The Atman)، روح هذا الكون المطلق.. ويتحدث شنكارا في تشبيه بليغ عن أن العقل المصفى من الرغبة الدنية يستطيع التحصل على المعرفة بسهولة كما يلتقط الشخص الفاكهة من الشجرة الحانية الغصن، وكأن شنكارا في هذا التشبيه يتمثل قول الآية القرآنية الكريمة ((ودانية عليهم ظلالها، وذللت قطوفها تذليلا)) في الحديث عن أهل الجنة، وقد عاش شنكارا بعد ظهور الإسلام بمائة عام تقريبا(788-820)، ونحن ننوي التطرق مرة أخرى لشنكارا كمتحدث باسم الهندوسية في فقرات أخرى من هذه الورقة(Kessler 451)..

    ومن غير الغريب أن يكون عامل الإيمان مشتركا في كل هذه الأديان التي ذكرناها هنا، فالإيمان هو الخطوة الأولى في سلوك المنهاج.. وشنكارا مثلا يقول أن الإيمان بمعرفة المعلم الروحي وصدق منهاجه هو الخطوة الأولى لاتباع ذلك المنهاج، وأن هذا الإيمان كفيل بان يتحول إلى معرفة يقينية في المستقبل عن طريق الممارسة، وبالطبع الإيمان يجب أن لا يلغي العقل، بل إن الإيمان يبدأ أساسا باقتناع العقل بشخصية المعلم الروحي (أو النبي أو الشيخ إذا شئت) بما يشاهده فيه من صفات الكمال في الكلمة والسيرة..

    في هذا السرد المبسط، غاية التبسيط، لأصل المنهاج المعرفي العملي لبعض الأديان العالمية، احببنا أن نشير إلى "الوحدة" التي أشار لها الأستاذ محمود في استهلال هذه الورقة، وهي تتجلى في شتى المظاهر لتعلن عن نفسها للباحثين عنها..
                  

01-18-2005, 07:56 PM

Yaho_Zato
<aYaho_Zato
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 1124

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: التسامح الديني.. ضرورة لا بديل عنها (Re: Yaho_Zato)


    التوحيد أصل الأديان


    بالقليل من التدقيق نرى أن جوهر طرح معظم الأديان العالمية اليوم في الأصل واحد! وهذا هو أيضا الحال في المجال المتعلق بأصل الوجود.. فإذا استطعنا أن ننظر أبعد من المدى العقائدي للأديان – والذي هو عبارة عن الغلاف الخارجي المقيد دوما بقيد الزمان والمكان – لنرى المدى المعرفي التحقيقي – وهو اللباب أو الجوهر– لرأينا "الوحدة" جلية.. وهذه الوحدة ستجعلنا نرى كيف أننا كثيرا ما نتفق ولكن لا نعلم أننا نتفق!..

    في التراث الصوفي الإسلامي، نجد المفهوم العام الذي يقول أن أصل كل الوجود واحد، وأن كل الوجود هو مظهر الله، منه صدر وإليه يعود.. وأن الذات الإلهية المطلقة قد تنزلت على مراحل من الإطلاق إلى التقييد، فكان الخلق الذي نراه اليوم في تنوعه وتناغمه.. فمن الإطلاق تم التنزل إلى مرتبة الإسم، فكان الإسم "الله" إشارة إلى ذلك التنزل، ومن مرتبة الإسم تم التنزل إلى مرتبة الصفة، فمرتبة الفعل، وبهذه التنزلات تم الخلق.. فكأن الوجود أساسه هرمي، كما أشار إليه الأستاذ محمود في كثير من كتاباته وأقواله، قاعدته المادة المحسوسة التي نراها من حولنا وفي أجسادنا والكائنات من حولنا، وقمته في الإطلاق عند الذات الإلهية التي تسامت عن القيد والإشارة، أو كما يشير لها الأستاذ محمود: "حيث لا حيث، وعند لا عند"..

    تسمى هذه النظرة بـ"وحدة الفاعل".. وهي تعيد كل الكون، كما نرى، بكل دقائقه وتفاصيله، إلى أصل واحد.. والعبرة الكبيرة من هذا الفهم هو أن نعي أنا جميعا واحد، وأن نعامل بعضنا على هذا الأساس، فنحب لغيرنا مانحب لأنفسنا، ونحنو على بعضنا، ونؤازر بعضنا.. فالحب هو الدين الأصلي للإنسان.. يقول الشيخ محي الدين بن عربي، والذي يسمى بالشيخ الأكبر في التراث الصوفي الإسلامي:


    لقد كنت قبل اليوم أنكر صاحبي
    إذا لم يكن ديني إلى دينه داني
    لقد صار قلبي قابلا كل صورة
    فمرعى لغزلان وديرا لرهبان
    وبيتا لأوثان وكعبة طائف
    وألواح توراة ومصحف قرآن
    أدين بدين الحب أنى توجهت
    ركائبه فالحب ديني وإيماني


    نرى أن هذه الأبيات هي خير ما يمثل النظرة الصوفية الإسلامية في هذا الأمر، وهي خير ما يمثل القضية التي تهمنا في هذه الورقة، وهي قضية التسامح الديني.. إن أبيات الشيخ الأكبر هذه تؤكد فيما تؤكد أن الإسلام في أصله دين تسامح وتفهم.. وقد آن للمسلمين أن ينتبهوا لهذا الجانب في دينهم، من أجل خيرهم، وخير الإنسانية.. من أجل التعايش السلمي المعترف بالآخر والمقدر للآخر..

    وفي نفس القضية، نجد حديث التوحيد في الديانة المسيحية.. يقول السيد المسيح في الكتاب المقدس، عندما جاءه أحد اليهود يسأله عن أعظم الوصايا، ((إن أول كل الوصايا هي: إسمع يا إسرائيل. الرب إلهنا رب واحد، وتحب الرب إلهك من كل قلبك، ومن كل نفسك، ومن كل فكرك، ومن كل قدرتك، هذه هي الوصية الأولى)).. في كتيب له يسمى "الله واحد في الثالوث المقدس"، يشرح لنا القمص زكريا بطرس مفهوم الثالوث المقدس، فيقول: "إن عقيدة الثالوث لا تعني مطلقا وجود ثلاثة آلهة كما يتوهم البعض، ولكن مفهوم هذه العقيدة هو أن الله واحد: 1/ موجود بذاته فأعلن مسميا نفسه (الأب).. 2/ ناطقا بكلمته فأعلن مسميا نفسه (الإبن الكلمة).. 3/ حي بروحه فأعلن مسميا نفسه (الروح القدس).. ولا يفهم من هذه التسميات وجود علاقة جسدية كما في المفهوم البشري وإنما دلالاتها روحية".. لعل التشابه الموجود بين هذا الفهم المنتشر لدى الكثير من المسيحيين عن الثالوث، وبين مفهوم وحدة الفاعل الذي ذكرناه بعاليه، يكون واضحا عند المقارنة.. فمن الخطأ الشائع عند الكثير من المسلمين وغيرهم اليوم في هذه النقطة ظنهم أن كل المسيحيين يقصدون أن الآلهة ثلاثة عندما يتحدثون عن الثالوث المقدس.. الديانة المسيحية هي ديانة توحيدية بلا شك، والقرآن الكريم يقول بذلك دون لبس، كما في الآية الكريمة ((ليسوا سواءا، من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون * يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات، وأولئك من الصالحين))..

    والأديان الكتابية الثلاثة معروفة بأنها أديان توحيدية، أي أنها تتحدث جميعها عن رب واحد موجد لهذا الكون ومصرف لشؤونه.. ومن هذه النظرة التوحيدية في بساطتها تستنبط المعارف الإلهية عند هذه الأديان، والمدارس الصوفية فيها بشكل خاص.. وفي التسامح الديني نجد الكثير من النصوص المقدسة في الإنجيل ((أحبوا أعدائكم، باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى مبغضيكم)).. والقرآن الكريم يوصي المسلمين كثيرا بحسن معاشرة أهل الكتاب، نقرأ في هذا الآية الكريمة ((ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن، إلا الذين ظلموا منهم.. وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون)).. ومن وحي مثل هذه الآية قال الصوفية المسلمون "أخذت منا العهود بألا نعترض على النصارى واليهود".. والقرآن فيه من الآيات ما لو اعتبر بها المسلمون لعرفوا أصل التسامح في دينهم.. من هذه الآيات ((إن الذين آمنوا، والذين هادوا، والنصارى، والصابئين، من آمن بالله، واليوم الآخر، وعمل صالحا، فلهم أجرهم عند ربهم، ولا خوف عليهم، ولا هم يحزنون)).. ومنها ((ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة، وجادلهم بالتي هي أحسن، إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله، وهو أعلم بالمهتدين)).. مثل هذه الآيات، كما ذكرنا، تبشر بقيمة عالية من التسامح الذي نرجوه ونحتاجه..

    والتوحيد، في جوهره، ليس حكرا على الأديان الكتابية فقط بلا شك.. بل الحق "إن الأديان كلها وحدة".. ومن أجل توضيح هذا الفهم، سنأخذ مثالين، من الهندوسية والتاوية..

    يتحدث شنكارا، في محاولة لتبسيط حقائق الوجود، عن مصطلحين: الأول "الأتمان"(The Atman) والثاني "براهمان"(Brahman).. يتحدث شنكارا، في مكتوبه الذي ذكرناه سابقا، عن الأتمان فيقول:


    "This is the Atman, the Supreme Being, the ancient. It never ceases to experience infinite joy. It is always the same. It is consciousness itself. The organs and vital energies function under its command."


    من حديث شنكارا هذا، يمكن أن نفهم أن الأتمان مصطلح لما نسميه "الروح" بالعربية.. وهذه الروح هي الحقيقة الكامنة في الإنسان، وما الأعضاء الحسية إلا أدوات تعبير لها.. وهذه الروح قديمة - أقدم من الجسد وأشكال المادة - وهي خالدة وباقية وغير متغيرة.. ويقول شنكارا عن براهمان:


    "Brahman is supreme. He is the reality – the one without a second. He is pure consciousness, free from any taint. He is tranquility itself. He has neither beginning nor end. He does not change. He is joy forever."


    ومن هذا الحديث أيضا، نستطيع أن نربط هذا التعريف ببساطة بتعريف الإله الواحد.. "الله".. الواحد الأحد، لا أول له ولا آخر.. هو "السلام" أو "الأمان" بذاته، هو السعادة الأبدية.. والعبارة(Tranquility) لها ترجمات أخرى غير "السلام والأمان".، ومنها "الجمعية" أو "التوحد".. ولعل هذه الترجمة هي الأقرب للمعنى في الفقرة أعلاه..

    ببساطة، إن لم تكن هذه إشارة كافية إلى الأصل التوحيدي للوجود، فماذا تكون؟ إن العبرة دوما في معرفة أصل الأديان لا تستقى من ممارسة الشعوب أو من الفهم العام عند الشعوب، فهذه الممارسة وهذا الفهم العام هما اللذان نحاول أن نتجاوزهما للوصول إلى جوهر الدين حتى نستطيع خلق نوع من التفهم والتسامح الديني، فالتجارب قد أثبتت بما لا يدع مجالا للشك أن الممارسة العامة للشعوب والفهم العام لها لأديانها هو سبب ما نحن فيه من عداء ديني لبعضنا البعض.. وهذا الحديث يعمم على أهل جميع الأديان، سواءا كانت كتابية أو غيرها..

    ومن الهندوسية، ننتقل إلى التاوية، ونقتبس هذه المرة من كتابات لاوتزي، المنسوبة إليه بداية التاوية، كفلسفة أو كدين.. ونأخذ مقتطفات من كتابه (Dao De Jing) والذي يفسر عنوانه بـ "كتاب طريق الكمال"(The Book of the way and it’s virtue) - الترجمة من عندنا- إذ يقول لاوتزي في بعض ما يقول من كتابه هذا الذي هو عبارة عن قصائد كثيرة الرمز والإبداع اللغوي.. يقول:


    “The spirit of the valley never dies
    It is called the subtle and profound female.
    The gate of the subtle and profound female
    Is the root of heaven and earth.
    It is continuous, and seems to be always existing.
    Use it and you will never wear it out.”


    يرمز لاوتزي كثيرا إلى التاو بـ "الأنثى".. ويرمز أيضا للفضاء المطلق، أو الإطلاق، بالوادي(Kessler 433).. وكأنه هنا يتحدث عن روح هذا الوجود المطلق.. كأنه يتحدث عن "الذات الإلهية".. ولعل من المثير للإهتمام أن تكون إشارته للذات الإلهية بالأنثى تماما كما يفعل أهل الفكر الصوفي الإسلامي في أشعارهم.. وللأستاذ محمود محمد طه حديث مسهب في كتيبه "الله نور السماوات والأرض" عن سبب استخدام الصوفية لأسامي الإناث في الإشارة إلى الذات الإلهية.. يقول الأستاذ في جانب من ذلك الكتيب "فالوجود المحسوس صورة خارجية، لصورة داخلية، في النفس البشرية.. وهذه الصورة الداخلية هي، في المرأة، كما هي، في الرجل.. ولكنها، في المرأة، موجودة على صورة أكثر سذاجة منها، في الرجل، وبذلك فهي أقرب إلى (الصرافة) التي تنزلت منها (الذات) إلى مرتبة (الإسم) – مرتبة الإنسان الكامل – ومن ههنا جاء تغني الصوفية بسلمى، وليلى، ولبنى، وهم بذلك إنما يريدون إلى الكناية عن الذات الإلهية .." ولعل الإشارة من كتابات لاوتزي إلى الأصل التوحيدي لـ" التاو" كثيرة.. ونحن هنا إنما نحاول سرد بعض الأمثلة فقط..

    ويقول لاوتزي أيضا في جانب آخر من كتابه المذكور:


    “Attain complete vacuity.
    Maintain steadfast quietude.
    All things come into being,
    And I see thereby their return.
    All things flourish,
    But each one returns to its root.
    This return to its root means tranquility.
    It is called returning to its destiny.
    To return to destiny is called the eternal (Tao).
    To know the eternal is called enlightenment.
    Not to know the eternal is to act blindly to result in disaster.
    He who knows the eternal is all-embracing.
    Being all-embracing, he is impartial.
    Being impartial, he is kingly (universal).
    Being kingly, he is one with nature.
    Being one with nature, he is in accord with Tao.
    Being in accord with Tao, he is everlasting.
    And is free from danger throughout the lifetime.”


    من هذا النص الشعري، الطويل بعض الشيء، نحاول أن نلفت انتباه القارئ إلى أن لاوتزي قد تحدث عن من يشير له في كتاباته بـ(He) في بعض نصوصه الأخرى بأنه(The Best Man).. أو "الرجل الكامل" في بعض الترجمات، أو "الخير المطلق" في بعض الترجمات التي تحاول النظر في دلالات الإيحاء في شعر لاوتزي.. وهذا "الرجل الكامل" أو "الإنسان الكامل" إذا شئت- في أقرب وصف صوفي له – متوحد مع التاو، والذي ذكرنا سابقا أن لاوتزي يشير به إلى ما يشبه الذات الإلهية في اللغة الصوفية الإسلامية.. وكأن لاوتزي هنا يشير إلى التفرقة بين الإنسان الكامل والذات الإلهية، رغم التوحد بينهما.. والإشارات إلى تميز هذين المصطلحين عن بعضهما مبذولة في نصوص لاوتزي، كما هي موجودة في كتابات دينية قديمة أخرى.. فكأن هذا الأمر هو هو نفسه في هذه الأديان، ولكن اختلاف اللغة واختلاف الإشارة، التي تعتمد على دلالات اللغة في التشبيه والرمز، حالت دون أن يكون المسمى واحدا.. وهذا الأمر يذكرنا ببيتين للشاعر عوض الكريم موسى، أحد تلاميذ الأستاذ محمود، يقول فيهما:


    قيل من هذا الذي في ذكره
    رحت ترتاد الأماسي والبكور
    قلت من في ذكره قد جاءكم
    أصدق الأنباء مذ يوم الصدور


    وبعد.. كانت هذه مجرد محاولات بسيطة للفت النظر إلى اتجاه واسع ومبشر.. يمكن من خلاله أن تغدو الأديان في وحدة، بعد طول افتراق وتناحر.. فإذا كان التشابه بيننا يصل إلى هذا الحد، فهذا يعني حتما أن ما يجمعنا أكبر بكثير مما يفرقنا..

    ولكن، يجب أن نكون حريصين هنا أيضا في أن نوضح أن التسامح الديني يجب أن لا يعتمد على علاقة الطرح الديني بالقضية التوحيدية، فما زال اليوم في أرضنا أديانا غير توحيدية، بمعنى أنها لا تتحدث عن خالق واحد للكون، أو عن مصرف واحد لشؤونه، وهذه الأديان لها الحق في التعبير عن نظرتها أيضا في مناخ من التسامح.. ولعل هناك آليات تساعدنا في تفهم هذه النقطة أيضا، منها مفهوم التطور البشري في فهم ومعرفة حقائق الوجود.. الأديان مثلا قد كانت بداياتها على هذه الأرض أقرب للتعددية – في مقابلة التوحيدية – وذلك يرجع لأسباب عدة، منها أن العقل البشري كان قاصرا في بداياته عن رؤية ترابط الظواهر في الكون ببعضها البعض، فقد كان مثلا يرى قوى الطبيعة مختلفة عن بعضها في أدائها وفي تأثيرها، مثل الماء والنار على سبيل المثال، فكانت النظرة التعددية منطقية جدا في تفسير تلك الظاهرة، حسب المعطيات.. هذا سبب واحد من عدة أسباب، وللأستاذ محمود، في إصداراته الفكرية المتعددة، أحاديث وافية عن قضية تطور الأديان وسيرورتها التي بدأت من التعددية، وكيف بدأت وتطورت، ولماذا.. وفي تلك الأحاديث تحليلات حصيفة قد تساعد القارئ – المرجو للإطلاع عليها- في تكوين فهم دقيق لسيرورة الأديان من بداياتها إلى نهاياتها.. ونحن في هذه الورقة لم نحاول الولوج في هذه القضية كثيرا بسبب عمقها وتشعبها اللذان يحتاجان لمجال أكبر مما تتيحه لنا مناسبة هذه الورقة..

    (عدل بواسطة Yaho_Zato on 01-29-2005, 07:31 AM)

                  

01-18-2005, 07:58 PM

Yaho_Zato
<aYaho_Zato
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 1124

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: التسامح الديني.. ضرورة لا بديل عنها (Re: Yaho_Zato)


    الدين وسيلة.. وليس غاية


    ومن الملحوظ أن أغلبية الأديان الشرقية (البوذية والكونفوشيوسية والتاوية.. الخ) قد بدأت كمدارس فلسفية وليس كأديان.. ولكن حوادث الزمان فرضت عليها تبني الكتير من الخط الديني.. والفرق بين الخط الديني والمدرسة الفلسفية ليس فرق نوع، وإنما فرق مقدار، إذا صح التعبير، فالدين يتميز بأنه يملك قاعدة من الخطوط العقائدية المبسطة والمتنزلة إلى واقع الناس.. مثل التصوير المعين لقصة الخلق وبداية الكون، والتصوير المعين أيضا لنهاية الكون، وقانون الترهيب والترغيب والجنة والنار، حسابا على فعل الخير والشر، أو اتباع التشريع ومخالفته، والصورة المحسوسة والمباشرة لطقوس العبادة.. إن هذا النوع من التصوير يكون سهل الإستيعاب على القاعدة العامة من البشر، خصوصا في المجتمعات السابقة في التاريخ، لأنه يقرب المعاني العميقة والسامية إلى فهم الناس بوضعها في قالب الصورة المحسوسة.. وعلى هذا فهو يخلق قاعدة بداية يتساوى في الفهم فيها معظم الناس، إذ ليس فيها عنتا فكريا أو عمقا صعب الولوج على غير الصفوة الفكرية في المجتمع.. وهذه القاعدة المبسطة والبدائية هي دليل على الحكمة في التعامل مع العقل البشري وسوقه بأناة ورفق في دروب معرفية وعرة جدا تحتاج إلى الكثير من التركيز والتعمق والصفاء الذهني.. ذلك بأن، بتلك البداية، يضع السالك في هذا الدرب المعرفي قدمه على أرض يطمئن لها، لأنها محسوسة ومألوفة لعقله المتأثر بالمادة الصرفة.. ومن هذه الأرض يستطيع أن يبدأ رحلته وينطلق ليسمو بفكره وشعوره لكي يلحق بالمعاني السامية لأصول الدين المعرفية.. وهو يتخذ في هذه الرحلة الطويلة والعميقة دابة وفرها له الدين أيضا، وهذه الدابة هي "العبادة".. فالعبادة هي وسيلة لتصفية الذهن وتخليص العقل من قيود الشهوات حتى يصبح حرا، ويستطيع بذلك أن يترقى في الفهم والمعرفة الجوهرية والسامية لأصول الدين..

    وفي المدرسة الفلسفية، يختلف الوضع قليلا، إذ أنها لا تقدم في البداية تلك القاعدة المبسطة من الخطوط العقائدية المتنزلة إلى واقع الناس.. أو على الأقل هي لا تقدمه بالكمية الكافية المطمئنة للقاعدة العامة من الشعوب.. ولهذا السبب تفشل المدارس الفلسفية غالبا في أن تصبح مدارسا جاذبة للأعداد الكبيرة من الشعوب التي انشغل معظمها بتحصيل الرزق وصراع البقاء المادي.. فتصبح المدارس الفلسفية مدارسا صفوية في كثير من الأحيان، يأتي إليها القليل من الذين مكنتهم ظروف الحياة من التفرغ لتلك الأسئلة الصعبة عن الوجود وماهيته.. لهذا، على سبيل المثال، كانت المدارس الفلسفية، خصوصا في الماضي، تحوز على اهتمام قلة قليلة من الرجال، ونادرا ما كان النساء صاحبات اهتمام في تلك المجالات بسبب من واقع الحياة الذي فرض عليهن الواجب المباشر من متطلبات الأمومة والزوجية وغيرها، فالمرأة كانت في ماضيها مشغولة عن التأمل أكثر من الرجل بكثير، فقد حكمت عليها ظروف قانون الغاب "القرار للأقوى" بأن تكون مضطهدة من قبل الرجل، وتحت إمرته، وبان تكون غير مالكة لوقتها في معظم الاحيان.. وأيضا لم يكن معظم الرجال يجدون الوقت للتأمل بحكم قسوة متطلبات المعيشة كما ذكرنا آنفا..

    لهذا مثلا، نبعت الرؤية الدينية في البوذية، على سبيل المثال، والتي كانت مدرسة فلسفية قلت فيها حتى الإشارة إلى وجود الخالق بشكل كافي.. حيث أدرك مؤسسي طائفة "الماهايانا" البوذية أن النصوصية التي عاشت عليها الطائفة الأصلية "الثيرافادان" من نهج أسلوب تفرغ تام للتأمل الذي يحتاج للرهبنة ومقاطعة المجتمع لا يمكن أن يجذب سوى القلة القليلة من الناس.. وإذا كان البوذي مقتنع برؤيته فهو سيكون ساعيا بطبيعة الحال إلى إرشاد باقي الناس إليها للخير الذي يرجوه لهم فيها، ولهذا فلابد من تبسيط هذه الفلسفة وتبسيط متطلباتها حتى تصبح مستساغة للقاعدة العامة من الشعوب، وقد كان.. فظهرت طائفة الماهايانا التي جعلت تعاليم بوذا أكثر استساغة وأكثر قدرة على التطبيق من داخل المجتمع دون الحاجة إلى تقديم الكثير من التنازلات تجاه الواجبات المعيشية.. وأصبحت الماهايانا في طرحها أقرب لطرح الأديان الكتابية في رسمها لقاعدة عقائدية تساعد العامة من الشعوب على الإطمئنان لها بسهولة.. حتى أن تسمية "الماهايانا" نفسها تعني "العربة الأكبر" أي أنها قادرة على حمل عدد أكبر من الركاب، في حين أصبح أهل الماهايانا ينادون الطائفة الأصلية "الثيرافادان" بـ"الهينيانا" أي "العربة الأصغر".. وفعلا هذا هو الواقع اليوم، فانتشار البوذية اليوم بشكل عالمي يعود إلى الماهايانا دون شك(“The Mahayana Tradition..”)..

    في هذه النقطة نقرأ حديثا للأستاذ محمود عن الدين، في خطاب له للأستاذ كمال شانتير، في كتابه "رسائل ومقالات – الكتاب الثاني" يقول فيه: "ثم إني لا أكاد أجد، (على طول ما بحثت في نتاج الفكر البشري)، غير الدين، منهاجا فكريا يصل بك إلى الأصول القائمة وراء ظواهر الشكول".. ولعل هذه النقطة استبانت لبعض اصحاب المدارس الفلسفية القديمة، ففضلوا تقديم فلسفتهم في القالب الديني بعد زمن من التجربة.. هذا ونحب ان ننبه مرة أخرى، إلى أن الفرق بين الدين والفلسفة ليس فرق نوع، وإنما هو فرق مقدار، فالدين يبدأ من خلف "ظواهر الشكول" ليصل بنا إلى "الأصول القائمة ورائها".. أما الفلسفة فهي في منهاجها كثيرا ما لا تبدأ من خلف تلك الظواهر، وإنما تنطلق من بدايات أبعد، وهذا هو أساس الفرق في رأينا..

    والأديان الكتابية كانت منذ بداياتها مدركة لذلك الأمر، فظهرت منذ بداياتها في دعوة عقائدية صريحة، سهلة الإستيعاب والفهم، بل هي كانت من السلاسة بحيث كان أكثر أتباعها من المسحوقين الذين كانوا في معظمهم أميين، سلمت فطرتهم من "زغل التحصيل، وتعقيد التفلسف، والتنطع الذي يصاحب التعليم عادة" كما قال الأستاذ محمود في تعريف له للأمية.. بل إن من أعظم الشخصيات الدينية تاثيرا على مجرى التاريخ من كان أميا، وأولها النبي الكريم محمد بن عبدالله.. فالدين إذا وسيلة ناجعة، بهذا الفهم.. ولكنه ليس غاية في حد ذاته..

    إلا أن التحدي الذي واجه الأديان، وما زال يواجهها، هو كيفية الصعود بأتباعها من القاعدة العقائدية الغليظة، إلى القمة المعرفية اللطيفة.. فمعظم أتباع الأديان اليوم قد فضلوا الكسل الذهني والركون إلى العقيدة البحتة دون محاولة سبر أغوار الأسئلة الملحاحة، واكتفوا بالعقيدة، رغم أن الإنسان في داخله دوما لا يطمئن تمام الإطمئنان إلا باليقين، بالعلم وحده.. في هذه النقطة يقول الاستاذ محمود في كتابه "الرسالة الثانية من الإسلام" الآتي:"وجلية الأمر أن الإسلام، كما هو وارد في القرآن، قد جاء على مرحلتين: مرحلة العقيدة، ومرحلة الحقيقة أو سمها مرحلة العلم ".. الاستاذ محمود هنا تحدث عن مرحلة العلم من الدين، وهي المرحلة التي ليست مرحلة العقيدة إلا تأهيلا لها، وقد تحدث في كتابه المذكور هذا عن هذا الموضوع بتفصيل لا تغني هذه الورقة عنه بأي حال من الأحوال.. وهو في هذا الكتاب أيضا يتناول مشكلة هذا التحدي الذي يواجه الأديان في سوق أهله من مرحلة العقيدة إلى مرحلة العلم.. ونحن في هذه الورقة فقط أردنا الإشارة إلى هذه النقطة المهمة لأن في حلها يكمن الأمل في توحيد الأديان، فالعقائد لا يمكن أن تتوحد، (رغم أنها قادرة على التعايش مع بعضها رغم الإختلاف)، لأنها متفرقة ومختلفة، أما العلم فهو دوما واحد، لا فرقة فيه ولا اختلاف..


    بين الإيمان.. والعقيدة


    ربما يكون من المستحسن، هنا، أن نتحدث قليلا عن الإيمان والعقيدة.. ولعل هذين المصطلحين ينظر لهما كثيرا على أنهما يعنيان نفس الشيء.. ونحن اليوم نريد أن نشير إلى مقدار الإختلاف بينهما، في إطار دعوتنا للتسامي على الإختلافات العقائدية بين الأديان..

    في مرحلة العقيدة، كما ذكرنا، يكون هناك تصور معين لصور كثيرة من الغيبيات، أي أنه يكون هناك تصور محسوس ومقيد لما هو غير محسوس ومطلق، ونعني بالمحسوس هنا، بشكل عام، ما تستوعبه حواسنا الخمس.. أما الإيمان فهو يختلف عن تلك المرحلة، فالإيمان يكون مفتوحا على الإطلاق، ويكون متناميا، في معنى أنه لا يقيد نفسه بصورة واحدة معينة لما يترقبه وما يحلم به.. فالإيمان، مثلا، لا يقف عند التصورات المحددة باللغة لليوم الآخر، أو يوم القيامة، كما تحدثنا عنه الأديان الكتابية بصور مختلفة، على سبيل المثال، ولا يحجر تصوره في أن تكون صورة اليوم الآخر، مثلا، كما أتتنا به اللغة في نصوص الكتب المقدسة بحذافير شكلياته، وعلى هذا يرفض أي تصور آخر، حتى ولو كان مصاقبا لتصوره نفسه في المعنى العام.. ببساطة، الإيمان يتعلق بالمعنى، لا بالشكل، في حين تتعلق العقيدة بالشكل والمعنى سويا بدون تمييز بينهما..

    الإيمان معنى.. والعقيدة صورة، أو تجلي واحد لهذا المعنى.. كما يستطيع المرء أن يقول نفس الكلام بأكثر من لغة، فكلامه، من ناحية الصوت المسموع، والكلمة المكتوبة، مختلف جدا، ولكنه من ناحية الإستيعاب أو القصد، هو هو دون تغيير.. إن العقيدة، بهذا الفهم، هي ترجمة للمعنى، متقيدة بقيود اللغة والدلالة المجتمعية للشعوب التي تنزل فيها تلك العقيدة.. أي أن العقيدة مقيدة بقيود زمانية ومكانية، لا تملك الإنحلال منها، في حين تسامى الإيمان عن تلك القيود، لكونه متعلقا بالمعنى الذي لا تحجره الظروف الزمانية والمكانية، ولكونه متناميا، في اضطراد، يطلب العلم المحقق الذي لا شك فيه.. نأخذ مثالا على هذا من قوله تعالى ((إن الذين آمنوا، والذين هادوا، والنصارى، والصابئين، من آمن بالله، واليوم الآخر، وعمل صالحا، فلهم أجرهم عند ربهم، ولا خوف عليهم، ولا هم يحزنون)).. فالإيمان بالله هنا، هو أمر مشترك بين جميع تلك الأديان التي ذكرتها الآية، ولكن العقيدة ليست مشتركة، فعقيدة المسلم غير عقيدة المسيحي، وعقيدة المسيحي غير عقيدة اليهودي، وهكذا..

    في مستوى العقائد، لا بد وأن يكون هناك اختلاف، ولكن في مستوى الإيمان، فإن الإختلاف يقل كثيرا، وهو من ثم يدق ويدق، مع التطور في فهم المعنى، حتى يختفي، وفي هذه النقطة تتجلى وحدة الجوهر عند الاديان.. إن الدعوة للتسامي على الضيق العقائدي، وتطوير العقيدة باستمرار، هي دعوة للسير الحثيث نحو الجوهر.. فالإيمان، مثلا، بالقوى الهائلة، والحكيمة، المسيطرة على معالم هذا الوجود، يتجلى في صور كثيرة لآلهة بأسماء مختلفة، وصفات مختلفة، عبر تاريخ الشعوب، وكل صورة من تلك الصور، تسمى عقيدة، وذلك الإيمان هو نقطة التقائها جميعها.. لعل هذا المثال هو أقرب ما نستطيع أن نضعه هنا لتوضيح الإختلاف بين الإيمان والعقيدة، ولعله أيضا أقرب ما يمكن أن نترك القارئ معه، للتأمل في مغزى الدعوة للتسامي على الإختلاف العقائدي بين الأديان، والطوائف داخل الأديان..

    ولعل قلق أصحاب الدين الواحد تجاه بعضهم البعض، وعداوتهم تجاه أصحاب الأديان الأخرى نابعان في معظم الأمر من التزمت العقائدي الذي يتمسك بقشور المفاهيم والطقوس دون المحاولة الكافية للإقتراب من الجوهر.. إذ أن تكيف العقول على عقيدة معينة يصبح مرات كثيرة إدمانا يجعل صاحب العقيدة يخاف ويتوجس من العقائد الأخرى، أيا كان حجم اختلافها مع عقيدته، فيهاجمها هجوم المدافع عن بقاءه، لان بقاءه أصبح مرهونا عنده ببقاء عقيدته التي تمكنت منه كما تتمكن المادة المخدرة من المدمن الذي يرى استحالة حياته بدون حصول جسده على الجرعة المطلوبة من المخدر.. هذه الظاهرة تسمى اليوم عالميا بظاهرة الهوس الديني.. وهي ظاهرة نحن في غنى عن الحديث عن خطرها الذي نراه ماثلا أمامنا اليوم أكثر من أي يوم مضى في تاريخنا..
                  

01-18-2005, 08:01 PM

Yaho_Zato
<aYaho_Zato
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 1124

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: التسامح الديني.. ضرورة لا بديل عنها (Re: Yaho_Zato)


    التسامح الديني.. ضرورة لا بديل عنها


    إن الدعوة للتسامح الديني التي تعتمد على التفهم لأصل الأديان وجوهرها، هي عنصر مهم جدا في تركيبة السلام البشري الذي تسعى اليوم الجهات المستنيرة من الشعوب والمنظمات لإرساء دعاماته.. ونحن اليوم في حاجة حقيقية لأن نقيم أنفسنا بأنفسنا، أفرادا وجماعات، وننظر فيم إذا كنا حقا ندرك الغاية التي يريدها لنا ديننا، أيا كان، وإذا كنا حقا نسعى لها بالوسائل الصحاح.. فيجب علينا أن ندرك أن الدين وسيلة وليس غاية، وأن الغاية هي السعادة، سعادة كل فرد منا.. وهذه السعادة لا تتأتى إلا بهزيمة الخوف، خوف الإنسان من أخيه الإنسان، وخوف الإنسان من البيئة التي يعيش فيها، واستبدال هذا الخوف بالحب، إذ لا يهزم الخوف إلا الحب.. ولابد لنا أن نوظف وسيلة الدين لخدمة هذه الغاية، بالتسامي على الضيق العقائدي بالآخر، ومحاولة رؤية الوفاق الجوهري الذي يتفوق على مرحلة العقيدة..

    وهناك أمر لا بد من التنبه له، وهو أن التسامح الديني يشمل كل الأديان، ويجب أن يكون كذلك وإلا لفقد قيمته، فعندما يتسامح المسلم مثلا مع اليهودي والمسيحي بحكم أنهما كتابيان مثله، هذا لا يغنيه عن أن يكون على نفس القدر من التسامح مع أصحاب ديانات أخرى قد يعتقد هو أنها وثنية مثلا (كحال نظرة الكثير من المسلمين للهندوس والبوذيين، وكحال نظرة الكتابيين الأفارقة إلى أهلهم من أصحاب المعتقدات المحلية) أو أنها باطلة بحكم عقيدته لأنها ظهرت بعدها (مثل نظرة الكتابيين إلى البهائية والسيخية).. فالتسامح الديني إن لم يكن شاملا فهو لن يعدو كونه تحزب مجموعة من الأديان في نظرتها للأديان الأخرى، ومثل هذا التحزب لا يحل المشكلة بأي حال من الأحوال ولا يحقق التعايش السلمي الذي نرجوه ونحتاجه على هذه الأرض.. ومن باب اولى، فإن التسامح بين أهل الدين الواحد هو أمر لا محيص عنه..

    ولعل تاريخ الأديان يظهر لنا نوعا من سياسات العنف والإقصاء والضيق بالآخر حتى بين أصحاب الدين الواحد، بل من الممكن أن نقول أن تاريخ علاقة بعض الطوائف الدينية التي تتفرع من دين واحد مع بعضها البعض لا تختلف كثيرا عن علاقتها مع أهل الأديان الأخرى من ناحية العداء والحذر المتواصل.. مثل هذه الحقائق التاريخية طرحت سؤالا قديما، ما زال قائما حتى اليوم، وهو "هل العنف وإقصاء الآخر هما أمران من طبيعة الفكر الديني بشكل عام؟".. وهو سؤال على أهل الأديان النظر فيه، وتحليل عوامله، للخروج منه بالدروس والعبر المفيدة للمستقبل.. في تاريخ البشرية، كان العنف أداة فعالة في التغيير، سواءا كان سياسيا، أو اقتصاديا، أو دينيا، كما كان استعماله ضرورة بقاء في كثير من الأحيان، وقد استخدمته الأديان في تاريخها بلا شك.. واليوم، ونحن ننظر لتاريخنا، لا بد أولا أن لا نحاكم ماضينا بقيم العصر الحاضر، فتلك ستكون محاكمة غير منصفة، لأن قيم العصر الحاضر لم تكن ماثلة ولم تكن حتى قادرة على المثول في العصور الماضية، لأنها عبارة عن تراكم تجارب البشرية عبر السنين، فتلك القيم لم تولد بين يوم وليلة على هذه الأرض، وإنما نبتت ونمت عبر القرون.. لقد كان العنف فارضا نفسه كضرورة بقاء، كما ذكرنا، فإذا أردنا أن ننسب تاريخ العنف إلى الأديان وحدها في ماضينا، فميزاننا سيكون مختلا بلا شك، والأديان لم تكن لتغير سمات المجتمعات بين يوم وليلة، كما ان ممارسة الشعوب لأديانها، كما ذكرنا، في كثير من الأحيان لا تكون حجة على تلك الأديان، لأن ممارسة الشعوب، ببساطة، لا تتحلى دوما بوصايا أديانها.. ولكن من الجانب الآخر، فإن شرائع الكثير من الأديان تحمل بين طياتها نصوصا أو تعاليما تبيح استخدام العنف، في ظروف معينة.. المطلوب من أهل الأديان اليوم أن يعيدوا دراسة تلك التشاريع، ويعيدوا النظر في الظروف الزمانية والمكانية التي حكمت بوجودها، ليعيدوا قراءة تلك التشاريع بعيون حاضرهم، لا عيون ماضيهم.. وهذا ليس مطلب فيه اعتداء على قدسية التشاريع أو طلب من الأديان للتنازل عن رؤياتها، لا، وإنما هو طلب لاستنباط التشاريع وفهم النصوص بصورة تناسب العصر، وتصاقب الغاية الأساسية التي من أجلها قامت الأديان، فالأديان لم تقم لتحبس الفكر الإنساني في حقبة زمانية معينة، هي حقبة ظهور تلك الأديان، وإنما قامت لتمده بالآلية التي بها يستطيع أن يسير على هدى في طريق تطوره نحو الأفضل والأسمى.. هذا ما فعله الأستاذ محمود في قضية التشريع الإسلامي، إذ أنه أبان الجانب المشرق من ذلك التشريع الذي يصاقب حاجة العصر وقامته.. إن حل مشاكل مجتمعات اليوم بنفس تشاريع مجتمعات الأمس هو أمر لا يقبله العقل في أدنى تصوراته، فما بالك بالأديان؟ وهي الساعية للسمو بالعقل إلى القمم الشواهق!.. إن إحالة قصورنا في حل مشاكلنا المعاصرة إلى تشاريعنا الدينية هو آخر ما يرجوه منا الفكر الديني السليم.. المطلب بتطوير تشاريع الأديان هو مطلب للإرتقاء بتلك التشاريع إلى مستوى جوهر تلك الأديان.. المطلب بتطوير تشاريع الأديان هو مطلب تلك الأديان نفسها.. أهل الأديان، أيا كانت، مدعوون للنظر في هذه النقطة، ضمن إطار النظر في قضية تنزيل واقع جديد من التسامح الديني على هذه الأرض..

    دائما ما تلاقي الأديان الجديدة الرفض والمكيدة من جانب أهل الأديان السابقة لها.. ودائما ما تبني هذه الأديان الجديدة، رغم ذلك، رصيدها من الأتباع على حساب تلك الأديان القديمة.. والأمثلة على هذا الأمر أكثر من أن تذكر كلها، وعلى سبيل المثال نذكر العلاقة التاريخية بين اليهودية والمسيحية في القرون الأولى لظهور الرسالة المسيحية، ونذكر أيضا علاقة مشركي بلاد العرب بالإسلام عند بدايات ظهوره، وكذلك علاقة الديانتين اليهودية والمسيحية بالإسلام، وعلاقة الهندوسية بالبوذية.. ولا يفوتنا أن نذكر هنا مثالين مهمين جدا، والمثال الأول يخص علاقة المسلمين بأهل الديانة البهائية، فقد لقي البهائيون، والذين خرجوا من بيئة مسلمة، صنوفا غريبة من العنف والإقصاء على يد المسلمين، وهذا العنف وهذا الإقصاء لم يفلحا رغم ذلك في رد البهائيين عن دينهم الذي اعتنقوه برضاهم وتركوا من أجله عقيدة الإسلام("العالم البهائي").. والمثال الثاني عن علاقة المسلمين والهندوس، على حد سواء، بأهل الديانة السيخية، فقد قامت الديانة السيخية على أنقاض عدم الرضا عن الهندوسية والإسلام في منطقة الهند والسند، ورغم أن الديانة الجديدة قد استمدت أصولها بشكل واضح من الديانتين إلا أن ذلك لم يكن شفيعا لها عند أي من الديانتين، فلاقى أصحابها من الجانبين ما لقيوا أيضا من الرفض والمكيدة(“Sikhism..”)..

    إن ظهور وانتشار الأديان الجديدة يأتي في الغالب من شعور الناس بعدم الرضا عن الأوضاع الفردية والمجتمعية القديمة، والذي يتولد منه عدم الرضا عن الأديان القديمة، كلازمة من لوازم القديم، وعنصر من عناصره، وهذا الشعور بعدم الرضا يأتي من عدم رؤية النتائج المتوقعة جراء اتباع تلك الأديان القديمة، فصاحب الديانة يعتنقها ويتوقع أن تصلح له أمور نفسه وأمور معاشه في مجتمعه، فإذا بقيت نفسه مضطربة وخائفة كما هي، وبقي المجتمع فاسدا وظالما كما هو، فإن الشعور بعدم الرضا عن الدين المعتنق يظهر تلقائيا، ولعل مشكلة البشر أنهم دوما ينسبون الفشل إلى سبب خارجي قبل أن ينسبوه إلى أنفسهم، فعندما يرى المسلم، مثلا، أن اعتناقه للإسلام لم يصلح له أمره فهو قليلا ما يفكر بأن الخطأ ربما يكون كامنا في سوء تحليه بوصايا دينه، وفهمه له، وهذا ينطبق على بقية الأديان أيضا..

    يروى عن مؤسس الديانة السيخية، شري قورو ناناك (1469-1538)، أنه كان يقول (ليس هناك هندوسي.. ليس هناك مسلم)، بمعنى أن أهل هذه الأديان لا يطبقون حقيقة وصايا أديانهم حتى ينسبوا لها(“Sikhism..”)، ولبهاء الله، مؤسس الديانة البهائية، رأي مشابه لهذا الرأي بخصوص أهل الأديان أيضا، ففي دعوته يرى أن حال الناس سيكون أفضل كثيرا لو اتبعوا وصايا أديانهم، على تنوعها، بصدق("العالم البهائي").. والأستاذ محمود قد تحدث كثيرا أيضا عن أن المسلمين اليوم "ليسوا على شيء" بسبب تعلقهم بقشور دينهم وتركهم لجوهره، أي بسبب تعلقهم بالطقوس دون الإهتمام بانعكاسات تلك الطقوس على أخلاقهم وسلوكهم، كما كان قد تحدث أيضا في بعض كتاباته عن أن أهل الأديان الأخرى بحاجة إلى الإلتفات إلى تقصيرهم في التحلي بوصايا أديانهم.. هذه النقطة تحتاج إلى الكثير من التأمل في اعتقادنا..



    كلمة أخيرة


    إن الدعوة للتسامح الديني اليوم هي دعوة تستدعيها الضرورة، فنحن اليوم نرى أن وسائل الدمار أصبحت أكثر شراسة وضراوة، فقد تطورت أسلحة الدمار الشامل حتى وصلت إلى مستويات القنابل التي تستطيع مسح الحياة تماما في مناطق شاسعة بإشارة يد.. وقد وضعتنا تطورات واقع الأحداث هذه أمام خيارين لا ثالث لهما لمستقبلنا، إما السلام الشامل، وإما الحرب السعور التي لن تتوقف نارها إلا بهلاك الحياة على هذا الكوكب.. فالحياة إذا على هذا الكوكب أصبحت مستحيلة بدون السلام، والسلام مستحيل بدون تسامح متبادل تجاه معتقدات وثقافات بعضنا البعض..

    ورغم ذلك أيضا فإن الدعوة للتسامح الديني هي أيضا دعوة تبشر الأحداث بقرب انتصارها، لأن البشرية الآن ترى بشكل أوضح كل يوم أهمية هذه الدعوة وضرورة الإنضواء تحت لوائها لما تقدم من الأسباب..

    إذا عملنا جميعا، كل من موقعه، على التحلي بوصايا أصول أدياننا، في سلوكنا الخاص والعام، وإذا عملنا جميعا، كل من موقعه، على إبانة الجانب المشرق والمبشر من تشاريعنا الدينية، والذي يتفق مع العرف الإنساني المعاصر وينفتح على روح التسامح والتعايش السلمي بين أهل الدين الواحد، وبينهم وبين أهل الأديان الأخرى.. إذا استطعنا أن نخطو خطوات جادة في هذا الإتجاه، فإن السلام لا بد آت، وحينها ستذهب الأحقاد من النفوس، وتنجلي الحروب والمجاعات، وتتضافر جهود البشرية في السعي وراء خيرها ورخاءها جمعاء.. وحينها تشرق الأرض بنور ربها، ويتحقق موعود جميع الأديان بالخير والرخاء لشعوب الأرض..

    ولقد عاش الأستاذ محمود محمد طه تفاصيل حياته، بحركاتها وسكناتها، داعيا لتلك القيمة، التي توجد عند قمة التسامح الديني، والتي توجد عند نقطة التقاء الأديان جميعها، وتلك هي النقطة التي يدخل منها الإنسان عهد إنسانيته.. فحق على البشرية أن تذكر، في كل مرة تذكر فيها هذا الأمر، سيرته الناصعة، وكدحه الجليل في هذا المضمار.. إن أمثال الأستاذ محمود في تاريخ البشرية هم من سيكونون محل احتفالها في المستقبل.. ففي كل مرة ستنظر فيها الإنسانية لتاريخها ذاكرة ما لاقته في طريقها الطويل نحو الحرية، ستكون ذكرى أمثال الأستاذ محمود، من الذين مهدوا لها الطريق، وأضاؤوه، دوما حاضرة.. وستكون نتيجة كدحهم ماثلة، عيانا بيانا أمام الناس، حتى ولكأنهم هم بذواتهم حاضرين في كل لحظة، وكل زمن..







    قصي همرور
    يناير 2005



    *ملحوظة: الترجمات التي قمنا بها في هذه الورقة هي ترجمات شخص غير ضليع في الترجمة، لذا نرجو المعذرة، وننصح بعدم تبني المصطلحات أو العناوين المترجمة هنا من دون مراجعة مصادر متخصصة..
                  

01-18-2005, 08:02 PM

Yaho_Zato
<aYaho_Zato
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 1124

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: التسامح الديني.. ضرورة لا بديل عنها (Re: Yaho_Zato)
                  

01-18-2005, 10:55 PM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-03-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: التسامح الديني.. ضرورة لا بديل عنها (Re: Yaho_Zato)

    شكرا قصي
    على المساهمة الثرة والعميقة
    عمر
                  

01-19-2005, 05:16 AM

عبدالله عثمان
<aعبدالله عثمان
تاريخ التسجيل: 03-14-2004
مجموع المشاركات: 19192

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: التسامح الديني.. ضرورة لا بديل عنها (Re: Yaho_Zato)


    شكرا قصى على هذه المساهمة الوضيئة ومن فضل الله على الناس أن الثورة الثقافية وهى إلتقاء الفكر بأرض الواقع، كما يعرفّها الأستاذ محمود محمد طه تكتسب كل يوم أرضا جديدة، فتجبر الخوالف على خلع ملافعهم القديمة واللحاق بركب المدنية شاءووا أم أبوا، تلك هى سنة التغيير وسيكتسح التيار كل من يسبح عكسه، فها هى الصين قد تنازلت مؤخرا عن القوانين التى تميز الناس على أساس دينى ويجتمع حاخامات اليهود مع علماء المسلمين فى إسبانيا، وقد جاوروهم قبل ذلك فى مؤتمر الأسرة بالدوحة ويدعو أبو مازن للجهاد الأكبر- وهو التفاوض مع إسرائيل، وفى السعودية مثلا أصبحوا يتحدثون عن الإنتخابات ومشاركة أكبر للنساء وخروج الشيعة للعلن وتسخر كاراكتيراتهم من جماعات الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر التى تطارد الفتيات فى نزهاتهن الخلوية الخ الخ الخ.
    وكتب أحدهم فى جريدة الوطن فى مطلع يناير الحالى عن ضرورة تغيير نظرة السعوديين الدونية لغيرهم من "البشر"!! وقد حاولت قوى الظلام، فى الدول العربية والإسلامية، أن تصور للناس أن أحداث التسونامى ما هى الاّ غضب إلهى، ولكن ضغط وسائل الإعلام العالمية وتسفيهها لمثل تلك الأخابيل وإعلائها من شأن الدول التى سارعت للنجدة، حدا بالدول المتقاعسة لللتخلى عن تلك "الخرافات" وفتحت قنواتها الفضائية للتسارع بالمساهة فى نجدة المنكوبين!!
    وفى الكويت، رغم أن قوى الظلام قد أجبرت وزير الإعلام على الإستقالة، رغم خضوعه لهم ومطاردته لحفلات رأس السنة، الاّ أن ذلك الحدث أثار لغطا كثيرا فى الكويت ودول الخليج، الأمر الذى ما كان له أن يتم لولا أن رياح التغيير قد بدأت تهب، وبقوة. وفى إيران يشكو الملالى من أن أبناءهم أصبحوا يتعشقون مادونا ويلبسون الجنز ويأكلون الهمبرغر الأمريكى!! وهم الآن يبحثون لهم عن حل وسط كأن تغنى مادونا من خلف حجاب أو يسمون على الهمبرغر، بشرط أن يكون ذبحا حلالا!!
    وتجد، الآن أحداث مثل التهجم على مسرحية العار فى بريطانيا، شجبا حتى من بعض قطاعات السيخ أنفسهم، ويضطر الأزهر مرارا للسماح بنشر الكتب والمسلسلات التى قد يرى فيها ما يريبه، وتشجب محاولات منع بث مسلسل "الطريق الى كابول" أو منع المخرجة هناء الدغيدى من دخول بعض الدول العربية الخ الخ مثل كل ذلك بدأ يجد الشجب الآن ويتقبل الناس ذلك على أنه صوت العقل والواقع
    أما الأمر فى السودان، فيذكرنى دائما بما سمعت مرة من الأستاذ محمود محمد طه يحكى عن فرح الناس بزوال المهدية، بعدما سامتهم التنكيل والتضييق حتى سار مثلهم "الشى الدنيا مهدية"!! قال الأستاذ أنه من شدة الكبت فإن الناس بعد زوال المهدية خرجوا للطرقات البلقى ليهو حديدة ولا خشبة ولا غيرو يشيلها ويدق فيها بالفرح والإبتهاج!! فقد بدأت، منذ حين، محاولات قاصرة مثل دعوة السيد الصادق المهدى لرد المظالم والإعتذار للجنوبيين وتبعه عبدالمحمود أبو – هيئة شئون الأنصار- بالإعتراف بأن حل الحزب الشيوعى 1965 قد كان خطأ وأعتذروا عنه وها هو أبوبكر الأمين ينقل لنا إطراءا – يشبه تولهات المتنبى فى سيف الدولة – من نافع على نافع عن د. الشفيع خضر – عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعى السودانى. وقد ضاق الناس ذرعا، بشريعة يراد أن تطبق فى غير زمانها، حتى تطرّف الناس فى ذلك، مثلما حدث فى حفلات ايهاب توفيق، وقد لاحظ الباحث د. عبدالله على إبراهيم أن للفتيات فى السودان تسريحة لـ "إغاظة الترابى"، سبقتها بالطبع عند الصاغة "دقة كندا" والآن، وكراهية فى الشريعة الجزافية التى كان يراد لها أن تطبق فى غيرما موجب، تنتشر فى الخرطوم موضات ملابس غريبة مثل الـ "توب هوترز" الأمريكى ويسمونه فى السودان "فصل الدين عن الدولة" وهى لباس يكشف طرفا من البطن وعلى موضة التلفون الجوال هناك لبسة أخرى يسمونها "إظهار رقم" الخ الخ الخ ... كل تلك المظاهر وغيرها، تعلن بلسان بليغ أن الناس قد كرهت التضييق بإسم الدين ولم يعد غير طريق واحد، هو الطريق الصاعد للسلام والتسامح والاّ فإن "نيرون" يسلّك مزماره!!

    (عدل بواسطة عبدالله عثمان on 01-19-2005, 05:43 AM)

                  

01-19-2005, 06:54 AM

Tumadir
<aTumadir
تاريخ التسجيل: 05-23-2002
مجموع المشاركات: 14699

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: التسامح الديني.. ضرورة لا بديل عنها (Re: عبدالله عثمان)

    قصى..

    حبيبا لى....
                  

01-19-2005, 09:33 AM

Yaho_Zato
<aYaho_Zato
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 1124

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: التسامح الديني.. ضرورة لا بديل عنها (Re: Tumadir)

    أستاذي عمر.. جزيل شكري

    عزيزي الأستاذ عبدالله عثمان.. جزيل الشكر على التعليق الطيب والتعقيب المسهب والمبشر

    تماضر..

    تماضر جات.. أملو الباغات.. حسي بتمرق.. تتذكريها

    ولكم جميعا محبتي
                  

01-20-2005, 02:42 PM

Yaho_Zato
<aYaho_Zato
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 1124

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: التسامح الديني.. ضرورة لا بديل عنها (Re: Yaho_Zato)

    عزيزي الأستاذ عبدالله عثمان..

    لعل من الأمثلة الشديدة الطرافة على حتمية التطور نحو التسامح الديني هو تزايد رفض الناس للشكل الديني بصورة عامة!.. وهو أمر جد طريف، فالنظرة الدينية العامة تقوم في بداياتها على الصور العقائدية الغليظة، وعند هذه المرحلة يعكف الكثير من الناس في رفض للتنامي نحو الصورة الإيمانية ومن ثم العلمية اللطيفة لدى الأديان.. لقد بدأ الناس ينفرون من الصور العقائدية الغليظة زمرا وأحادا، وهم يزدادون في البيئات المتزمتة عقائديا أكثر من ازديادهم في البيئات المتسامحة دينيا، بل إن التنامي نحو الإهتمام الروحي (أو الجانب الإيماني اللطيف من الأديان) هو في ازدياد في تلك البيئات المتسامحة دينيا!.. ففي العالم الغربي اليوم نجد الكثير ممن يصفون أنفسهم بأنهم "روحانيين" ولكنهم ليسوا "دينيين".. ونجد اهتماما أكثر بالجوانب الروحية اللطيفة في الاديان في الدول المتسامحة دينيا، مقارنة بالإهتمام التشريعي والمادي الغليظ، دون الروحي، في الدول المتزمتة عقائديا..

    أجد في هذا الأمر إشارة لطيفة إلى حديث الأستاذ الذي طال عن أن الدين سيعود ولكن ليس بالصورة المالوفة للناس، وأن الإسلام سيعود ولكنه لن يعود كدين بالمعنى المألوف للأديان.. فاحتياج الإنسان للغذاء الروحي والنمو الروحي يؤكد نفسه أكثر وأكثر يوما بعد يوم، كما أن عدم احتياجه اليوم للصور العقائدية في الأديان أصبح يؤكد نفسه أكثر وأكثر كل يوم كما أوردت لنا من الأمثلة الطريفة في مكتوبك اعلاه..

    هذا ولك كثير الشكر مرة أخرى على إثراء مادة الخيط..

    (عدل بواسطة Yaho_Zato on 01-29-2005, 07:32 AM)

                  

01-29-2005, 07:42 AM

Yaho_Zato
<aYaho_Zato
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 1124

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: التسامح الديني.. ضرورة لا بديل عنها (Re: Yaho_Zato)

    أود أن اعتذر للقراء الكرام لحدوث أخطاء في كتابة بعض الآيات، فقد وردت بعض الآيات في فصل (التوحيد أصل الأديان) ناقصة بشكل قد يخل بالمعنى المطلوب.. وعليه أورد هذه الآيات بعد تعديلها في المشاركة الأصلية..

    الآيات هي :

    ((ليسوا سواءا، من أهل الكتاب أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون * يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات، وأولئك من الصالحين))..

    ((ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن، إلا الذين ظلموا منهم.. وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون))..


    أكرر اعتذاري
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de