د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية " ودعاوى التجديد

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-04-2024, 10:09 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الأول للعام 2005م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-21-2005, 07:02 AM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-03-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية " ودعاوى التجديد (Re: Omer Abdalla)


    الصادق المهدي و"الانكفائية " ودعاوى التجديد
    تعقيب على ورشة عمل الانصار"نحو مرجعية اسلامية جديدة ..."


    الحلقة الثامنة


    (28)

    يقول الصادق المهدي (الوحدة المتجسدة في دولة واحدة لم تعد ممكنة في المستقبل المنظور، إنها اختفت من الواقع الإسلامي منذ نهاية العهد الأموي في عام 150هـ. إن مفهوم القيادة العليا الواحدة كما كان متاحا للخليفة لم يعد واردا لأن ضوابط العدالة صارت تقتضي أن يكون رئيس الدولة مختصا بالسلطة التنفيذية، ضمن إطار يحدد مؤسسات السلطة التشريعية والقضائية، وآليات تبسط الشورى والمشاركة على نطاق واسع عبر مؤسسات المجتمع المدني والصحافة وآليات البحث العلمي والاجتهاد الفكري والتطور الثقافي، وهي آليات لها دورها ووزنها ووظيفتها القانونية. حتى في إطار دولة قطرية واحدة لم تعد توجد مؤسسة قيادة شاملة مطلقة إلا في الدولة الاستبدادية)!!
    وانه لحق ، ان العدالة تقتضي في الوقت الحاضر ، قيام الديمقراطية ، والفصل بين السلطة التشريعية ، والسلطة القضائية ، والسلطة التنفيذية ، وتوسيع دائرة المشاركة ، وتداول الحكم ، ورقابة مؤسسات المجتمع المدني ، وحرية الاعلام .. الخ ، وكل هذا أمر جديد ، ولم يكن له وجود في نموذج الدولة الاسلامية الأولى ، على عهد النبي ، صلى الله عليه وسلم ، والصحابة ، رضوان الله عليهم ، فاذا دعا اليه السيد الصادق ، اليوم ، فما هو سنده من الدين ، ما دام يرى عدم امكانية الاجتهاد ، فيما ورد فيه نص صريح؟! ولعل السيد الصادق المهدي ، شعر بهذا الحرج ، ولهذا حشر كلمة " الشورى" ، دون موجب ، لانه لو تم الفصل بين السلطات ، وشارك الناس في حكم انفسهم ، فان الحاكم تساعده مؤسسات ، بعضها منتخب ، وبعضها فني ، يعين حسب مقتضيات الوظيفة ، بسبب كفاءته ، فلا يحتاج الى مجلس من أهل الحل والعقد .. على ان ايراد كلمة الشورى، يذكر الصادق ، بانه ما زال اماماً لجماعة دينية ، هي الانصار ، يسعى لكسب ودها بهذا التضليل!!
    وحين تعرض الصادق ، لظاهرة العولمة شرحها ، بقوله (ما هي العولمة؟ وما هو أثرها على عقائد الناس وعلى هوياتهم الثقافية؟:
    ‌أ. هنالك عولمة فرضها إدراك البشر لمصلحة مشتركة في كوكب الأرض ، المقام المشترك للإنسان: الأرض الكوكب الواحد ميراث الإنسانية، والأصول المملوكة للبشرية كأعماق البحار والفضاء، والغلاف الجوي، والقطبان- مملوكات للبشرية كلها توجب نظرة مشتركة في التعامل معها.
    ‌ب. هنالك عولمة فرضها الوعي الإنساني بالمصير المشترك للإنسانية وتوالت المؤتمرات العالمية لتدرس موضوعاتها المختلفة، ولتضع استراتيجية موحدة للتعامل مع مشكلاتها مثل: مؤتمر البيئة 1992، ومؤتمر السكان 1995م، والمؤتمر الاجتماعي 1996م، وهكذا.
    ‌ج. هنالك العولمة التي ارتبطت بها العبارة أكثر من غيرها .. إنها العولمة التي صنعتها ثورة المعلومات والاتصالات والمواصلات والتي حولت المعاملات التجارية والمالية والاستثمارية، إلى سوق عالمي واحد.. هذه العولمة التي مكنت أصحاب السندات والأسهم وطلاب الصفقات التجارية من الانتقال عبر الآليات الإلكترونية بسرعة مذهلة وعلى نطاق عالمي، كما مكنت الشركات المتعددة الجنسية من توزيع عملياتها على نطاق عالمي، ومن نقل خياراتها الاستثمارية حيث التكلفة الأقل والربح الأكبر)

    وفي الحق ، ان العولمة ليست متعددة ، وانما هي شئ واحد ، هو الثقافة العالمية الموحدة ، التي نتجت بالضرورة ، من تقارب المكان والزمان ، على هذا الكوكب ، بفضل الله ، ثم بفضل تطور وسائل المواصلات ، ووسائل الاتصال، للحد الذي جعل هذا الكوكب ، المترامي الاطراف ، قرية صغيرة . وانما بسبب ذلك ، ادرك البشر لأول مرة ، في تاريخهم الطويل، انهم شركاء في هذا الكوكب ، ويجب ان يكون لهم نفس الحقوق والواجبات .. ومن هذا الوعي ، الذي هو ثمرة مباشرة ، لثورة المعلومات ، وثورة وسائل الاتصال ، وامكانية توفر هذه المعلومات لكل فرد ، جاءت مؤتمرات الامم المتحدة ، التي اشار اليها الصادق ، ظناً منه انها هي العولمة .. وكأي ظاهرة اجتماعية ، فان للعولمة ايجابيات ، ولها سلبيات ، وليس سلبيات العولمة في ذاتها ، وانما هي في ملابساتها ، ذلك انها حدثت في مرحلة سيطرة النظام الراسمالي ، الذي استغل العولمة ، ليشيع ظلمه خارج الدول التي يحكمها .. ويفرض شروط ارباحه ، على العالم ، مستفيداً من سرعة التكنولوجيا في الاتصال ، وقدرتها علىالمتابعة ، وتجاوز الحدود ، التي كانت تحد من التجارة التقليدية .
    فاذا وضح هذ ،ا فان حديث الصادق ، عن العولمة الخبيثة ، لا مكان له ، لانه لا يصف فيه خبث العولمة ، وانما يصف فيه خبث الرأسمالية ، وان لم يشعر بذلك!! اسمعه يقول:
    (هنالك عولمة خبيثة هي:
    ‌أ. صحبت العولمة ظاهرة "الرأسمالية النفاثة". وهي حماسة للتنافس والربحية تندفع غير مبالية بآثار سلبية إنسانية و اجتماعية لا سيما في مجالين:المجال الأول:- يتوقع أن تؤدي العولمة المرتبطة بالرأسمالية النفاثة إلى تراجع عن دولة الرعاية الاجتماعية في الرأسمالية المتقدمة- كذلك عدم الاهتمام بالآثار السلبية التي تحدثها وسائل الإنتاج الحديثة على توظيف الأيدي العاملة. لقد كانت الإصلاحات التي لجأ إليها النظام الرأسمالي فاهتم بمصالح القوة العاملة، واتبع برامج رعاية اجتماعية، من أهم أسباب صنع السلام الاجتماعي في البلدان الرأسمالية مما أبطل نبوءات كارل ماركس الصدامية. إن تيارات العولمة توشك أن تقوض البرامج الواعية التي أدت للسلام الاجتماعي والاستقرار السياسي. المقولة الصحيحة في هذا الصدد: المجتمع الحر الذي يعجز عن مساعدة الأكثرية الفقيرة من مواطنيه سوف يعجز عن حماية الأقلية الغنية. المجال الثاني: تراجع الشمال المتقدم من كل المفاهيم والسياسات التي اقترنت بحوار الشمال والجنوب التي أوجبت اهتمام الشمال بالتنمية في الجنوب كوسيلة من وسائل بناء الاستقرار العالمي. مثلما حققت الرأسمالية سلاما اجتماعيا في أوطانها بسياسات نقابية مستنيرة وببرامج رعاية اجتماعية متقدمة فإن الدول الغنية مطالبة بالاهتمام بتنمية الجنوب الفقير لبناء السلام والاستقرار في العالم. ولكن التيار الراجح في ظل تيارات العولمة هو ترك هذه الأمور كلها لعوامل السوق الحر.. السوق الحر في البلدان الفقيرة لا يمكن افتراض وجوده بل المطلوب القيام بأعمال كثيرة لتكوينه.
    ‌ب. توزيع الثروة والقوة الاقتصادية، والقوة الاستراتيجية في العالم توزيع غير متوازن. لقد أتاحت العولمة بإمكانات الاتصال والمعلومات والمواصلات للقوة الأعظم في العالم فرصة هيمنة إعلامية بحيث تستطيع غسل أدمغة الآخرين، وأتاحت لها فرصة هيمنة اقتصادية واستراتيجية لم يعهد التاريخ مثلها من قبل. إن العولمة في هذه المجالات صارت هيمنة القطبية الأحادية على السياسة الدولية)
    .
    ومهما يقال عن سوء الرأسمالية ، فان السؤال الأهم ، هو ، هل يملك السيد الصادق بديلاً عنها من فكره؟! بل هل يمكن لأي شخص ، يدعو لتطبيق الشريعة الاسلامية ، ان يتجاوز الراسمالية في نظامه الاقتصادي؟! الجواب: لا!! وذلك لأن الشريعة ، لم تفرض في المال ، إلا الزكاة ذات المقادير.. وهي بذلك لا يمكن ان تحقق الاشتراكية ، التي دعا لها الاسلام، في اصوله ، والتي لا يمكن الدعوة لها الا بتطوير التشريع ، بالانتقال من شريعة الأمة ، الى سنة النبي الكريم ، وهو ما لا يقوى السيد الصادق ، ولا علماء الدين الذين يهتدي بهم ، على تمييزه ..

    (29)

    لقد تحدث السيد الصادق المهدي ، عن الأمم المتحدة ، حديث في جملته مقبول ، وفي تفصيله نظر .. فاما المقبول منه ، فهو اشادته بدور الأمم المتحدة الرائد ، والضروري ، في العالم اليوم . وما تقوم به منظماتها ، من مساعدة للانسانية في كافة المجالات ، ونقده لبعض اوجه القصور، في المنظمة الدولية ، وعجزها عن رد بعض المظالم ، وتاثرها بالدول العظمى ، في قراراتها ، مما يفقدها الحياد ، أحياناً ، ويظهرها بمظهر العجز ..
    على ان النظر ، في حديث السيد الصادق ، والذي يقتضي المراجعة ، هو الحلول التي يقترحها ، لتعديل وتطوير المنظمة الدولية ، فقد جاءت سطحية ، ومعممة ، ومبهمة، فهو يقول (أولاً: ضرورة مراجعة المواثيق لإدخال القيم الروحية ، والخلقية ، والثقافية ، والبيئية فيها لأنها كتبت في ظروف أغفلت تلك الجوانب الهامة في حياة البشرية .
    ثانياً: ضرورة تكوين منظمات متخصصة للأمم المتحدة في مجالي حوار ووئام الحضارات ، وحوار ووفاق الأديان .
    ثالثا: تجاوز رواسب الحرب الأطلسية الثانية نهائيا وحسم كل المسائل المتعلقة بها فالذين كانوا يواجهون بعضا في خنادق الحرب اليوم أصدقاء في نطاق سلام واحد والمطلوب أن تقنن الحدود والحقوق نهائيا بحيث لا يسمح بالعودة لظروف ما قبل الحرب. القوى التي خسرت الحرب كألمانيا، واليابان، ينبغي ألا تعامل من الآن فصاعدا على أساس ماضيها ولكن على أساس وضعها الراهن فأجيالها الحالية لا تقبل أن تعاقب على جنايات أجيال سبقت وأية محاولة لفرض ذلك عليهم ستأتي برد فعل مضر للسلام العالمي)
    .
    ان الحديث عن ادخال قيم روحية ، في مواثيق الامم المتحدة ، يحتاج الى تحديد ، لا يملك الصادق الشجاعة ليقول به . ذلك ان المفاهيم الروحية ، ليست واحدة ، ولا الاديان واحدة .. بل ان الاديان بما تقدم من مجرد عقائد ، هي السبب في كثير من النزاعات ، التي يرجى للمؤسسة الدولية حلها .. فلو ارادت الامم المتحدة ، ان تتبنى القيم الروحية البوذية ، او الهندوسية ، او اليهودية ، هل يقبل الصادق بذلك؟! أم انه يعني بالقيم الروحية القيم الاسلامية؟! هل يظن الصادق ان العالم سيقبل ، لو تبنت الامم المتحدة ، القيم الروحية ، التي قامت عليها المهدية ، في السودان ، أو الخميني في ايران؟!
    وما يقال عن القيم الروحية ، ينطبق عن الاخلاق ، وعلى الثقافة .. فاذا كان السيد الصادق ، والانصار، الذين نظموا هذه الورشة ، يرون ان الجهاد من مكارم الاخلاق ، فان غيرهم ، من دعاة السلام ، يعتبرونه ضرب من التطرف!! ولما كانت الاديان ، لم تتجاوز العقائد ، فليس من مصلحة الامم المتحدة ، ان تتبنى حواراً بين الاديان .. لانه في مستوى العقيدة "كل حزب بما لديهم فرحون" .. اللهم الا اذا كان الصادق ، يطرح الاسلام ، من مستوى ارفع من الشريعة ، وهو ما جاء في الاصول ، التي قامت على القرآن المكي ، الذي يخاطب جميع البشر، من حيث هم ، بانهم اخوة في الانسانية ..
    وهذا هو السر، في ان القرآن المكي ، في جملته ، يفترع الخطاب ب " يا ايها الناس " أو "يا بني آدم " .. وان القرآن المدني ، هو الذي يبدأ دائماً ب "يا ايها الذين آمنوا" .. فيتقيد في احكامه ، بمجموعة محددة ، لم تخرج عن شروطها التاريخية الاجتماعية ، التي كان لا بد ان تقعد بها ، عن غايات الدين العليا . ويستثنى من هذا القاعدة ، سورة البقرة ، وسورة النساء . فقد ورد فيهما الخطاب ب "ياايها الناس" ، رغم انهما مدنيتين .. ولذلك لانهما من اوائل السور المدنية ، والتي تمثل التداخل بين القرآن المكي والمدني ، حيث لقرب الناس من عهدهم بمكة ، خوطبوا بمستوى القرآن المكي ، لفترة قصيرة ، ثم نسخ ذلك ، بالمستوى المدني ، حين عجزوا عن المستوى المكي .
    يقول الصادق المهدي (هنالك عبارات دخلت في لغة السياسة الدولية تفتقر إلى تعريف يضبطها ويحول دون سوء الفهم فيها أهمها مفهوم الإرهاب وعلاقته بمفهوم الجهاد والتداخل المؤسف الذي وقع بينهما. والرأي عندي، أن ترجمة TERRORISM بإرهاب خطأ والترجمة الصحيحة هي: الإرعاب أو الترويع وهو الاستخدام التعسفي للعنف لتحقيق أهداف سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية)
    ولم يوضح لنا السيد الصادق ، الفرق بين الإرهاب والارعاب ، ولماذا يمكن ان تكون كلمة إرعاب ، هي المقابل للكلمة الانجليزية ، وليس كلمة إرهاب؟! ولقد كان اجدر بالسيد الصادق ، قبل ان يسعى الى تغيير الترجمات ، للغات الأخرى ، ان يرجع الى معاجم اللغة العربية نفسها ، لأنه لو فعل ، لوجد ان كلمة إرعاب ليست هناك!! فان الفعل رَعَبَ مضارعه يُرعِب ومصدره رُعب وليس إرعاب . فقد ورد (ر ع ب الرُعب: الخوف . رَعَبه يُرعِبه كقطعه يقطعه: رُعباً ولا تقل أرعبه)[1]
    والتداخل بين الاسلام والارهاب ، سببه ان الاسلام في فروعه- مستوى الشريعة دعا للارهاب، في معنى ما دعا للجهاد ، لأن الغرض من الجهاد هو ارهاب غير للمسلمين ، كوسيلة من عدة وسائل ، تعينهم ، بما تضطرهم للدخول في الاسلام . وهذا المعنى على وضوحه ، في نصوص الشريعة ، يظن الصادق انه يمكن ان يتحاشاه ، بمثل هذا التلاعب اللفظي ..
    والمؤسف في أمر الصادق ، هو عدم حرصه على الحق ، وعدم اهتمامه لذلك ، بأي تصحيح يوجه اليه ، بل لعله لا يقرأ ما يقدم له من نقد .. فقد سبق ان قال نفس هذا الكلام ، واوضحت له ، وجه الخطأ فيه ، فاذا به يكرره الآن ، وكأن شيئاً لم يكن .. وقد جرى الحديث وقتها كالآتي:
    (يقول الصادق المهدي عن جماعة بن لادن (سمعت واحدا منهم وهو يتحدث وهو ابو الغيث الناطق باسم القاعدة يقول نحن ارهابيين لان الله سبحانه وتعالى قال كونوا إرهابيين ويقول سبحانه وتعالى "واعدوا لهم مااستطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم" وهذا فهم جاهل للعبارة نفسها والصحيح ان هناك ترجمة خطأ لعبارة الارهاب Terrorism إرهاب في حقيقة الامر ترجمتها الصحيحة "الترويع" أي الارعاب أما ترهبون التي وردت في الآية فتعني كونوا أقوياء حتى لا يطمع العدو في ان يعتدي عليكم...).[2] هل رايتم مثل هذا الالتواء؟ فالله يقول " ترهبون" والصادق يقول "كونوا اقوياء" ولو اراد الله ذلك فقط لذكره مباشرة ، ولكنه حواه في عبارة الارهاب ذلك انك لا تقطع طمع عدوك فيك الا اذا كنت قويا حتى خافك ، وصار يتوقع بطشك في كل لحظة ، فعاش في رعب دائم ، وهذا هو إرهاب العدو ، وهو مأمور به في الشريعة كما ذكر ممثل حركة بن لادن ، وانما يجئ جهل الرجل من ظنه بان شريعة الجهاد مقبولة اليوم ، وهو جهل هو والصادق فيه سيان..)[3]
    وبعد ان عرف لنا السيد الصادق الTerriorism بانه إرعاب ، وليس إرهاب ، أخذ يحدثنا ، عن كيفية محاربته فقال: (إن للقانون الدولي موقفا موثقا ضد الإرهاب هذا ينبغي تطويره على نحو ما تم لدى تطوير مبادئ حقوق الإنسان وإيجاب تطوير قوانين محاربة الإرهاب في الدول الأعضاء وتكوين آلية دولية لمتابعة الموضوع تشرف على: توحيد القوانين القطرية- تحقيق تعاون على أعلى المستويات الإقليمية ضد الإرهاب- تنظيم حملة توعية وإعلام واسعة ضد الإرهاب- توحيد الإجراءات القانونية لتسليم الإرهابيين وتبديد تنظيماتهم- وتوحيد الإجراءات العقابية ضد الإرهاب. إن الأنشطة الإرهابية تتغذى من وجود مظالم في مجالات كثيرة، ولمحاصرة هذه الأنشطة لا بد من: احتواء التفرقة العنصرية في العالم- القيام بإصلاحات سياسية تحترم الحريات العامة وحقوق الإنسان- بذل جهد عالمي تنموي للمساعدة على تنمية البلاد والفقيرة وإعفاء ديونها- توجيه برامج جادة ضد المظالم الاجتماعية- وأخيرا وليس آخرا تركيز جهد عالمي جاد لإطفاء بؤر الالتهاب العالمية وأهمها: قضية فلسطين، قضية كشمير، قضية جنوب السودان، وقضية أنغولا، وكافة رواسب تصفية النظام الاستعماري في أنحاء العالم المختلفة).
    أول ما يلاحظه القارئ ، هو ان السيد الصادق ، ترك امر التعريف الجديد ، وترك كلمة الارعاب نفسها ، واخذ يحدثنا عن الأرهاب ، كما حدده القانون الدولي ، ووقف ضده . فلماذا اذن ذلك الحديث ، عن خطأ الترجمة في البداية ، ان لم يكن مهماً لحديث الصادق؟! وكيف يريد الصادق ، ان يوحد القوانين القطرية ، وعلى اي اساس يوحدها؟ أليس من الضروري ، ان تتوحد افكار هذا الاقطار ، حول مفهوم الارهاب نفسه ، قبل صياغة قوانين موحدة لمحاربته؟! إن بن لادن ، الذي يعتبر بعد حادث سبتمبر 11 على قائمة الارهابيين ، كان ولا يزال ، يجد العون من جماعات ، ودول عربية واسلامية ، تعتبره مجاهداً ، ولا تعتبره ارهابياً!! فهل ستتفق هذه الدول ، وهذه الجماعات ، وتوحد قوانينها على محاربة الارهاب ، لأن الصادق اقترح عليها ذلك ، في هذه الورشة البائسة؟!

    (30)

    وفي اتجاه اصلاح الأمم المتحدة ، يقترح السيد الصادق ، ان تحل المشاكل الحاضرة ، ويذكر بعضها عرضاً ، ثم يركز على قضية فلسطين ، فيقول (واكتفي هنا بالتركيز على قضية فلسطين. وأهم معالم مشروع حل هذه القضية هي:
    ‌أ- الحل العادل للقضية والسلام المؤسس عليه هدف وطني، وقومي، وإسلامي، وإنساني، ودولي.
    ‌ب- الحد الأدنى لهذا السلام العادل هو:
    - انسحاب إسرائيل دون قيد أو شرط من كافة الأراضي المحتلة عام 1967م.
    - حق الشعب الفلسطيني المشرد منذ تأسيس إسرائيل في العودة أو التعويض.
    - تصفية المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة.
    - حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم .
    - تطبيع الدولة بحيث يلغى قانون العودة الذي منح يهود العالم حقا استثنائيا في المواطنة وبحيث يصبح المواطن العربي فيها مساويا للآخرين في حقوق المواطنة.
    ‌ج- لأسباب محددة لا يرجى أن يقبل الناخب الإسرائيلي في الظروف العادية هذا الحد الأدنى. العوامل التي تحول دون ذلك القبول هي: وعود توراتية جعلت الأرض جزءا من العقيدة الدينية- مخاوف رسبتها تجارب اليهود في أوربا- ومخاوف جديدة خلقتها ردود الفعل العربية لسياسات إسرائيل القمعية.
    ‌د- المسألة اليهودية وما صحبها من شحناء أنبتت الحركة الصهيونية وهي ظاهرة أوروبية دخيلة على المنطقة العربية فالعرب أبناء عمومة لليهود والإسلام يعترف باليهودية دينا إلهيا.
    القرارات التي أدت لتكوين إسرائيل ابتداء من وعد بلفور إلى قرار الأمم المتحدة عام 1948م بقيام إسرائيل، قرارات دولية أمليت على المنطقة دون أخذ رأي سكانها. وحتى عمليات السلام ابتداءا من القرار 242 و338 وكامب ديفيد وأخواتها: مدريد، وأوسلو وغيرها من المحطات هندسات للأسرة الدولية اليد العليا فيها.
    ‌ه- لا توجد إمكانية لسلام عادل عن طريق التفاوض بين طرفي النزاع فالحد الأدني الذي يقبله المعتدى عليهم لا يقبله المعتدون.
    لذلك سوف تستمر القضية تمزق الاستقرار في إسرائيل، وفي الدول المجاورة، وفي الإقليم، وفي العالم ولا سبيل للخروج من هذا الحريق الذي أشعلته الأسرة الدولية إلا بإقدامها بقيادة الولايات المتحدة على فرض السلام العادل. وإلى حين ذلك ينبغي أن تستمر المقاومة ويستمر دعمها)
    .
    لقد ذكرت مراراً ، ان السيد الصادق ، مغرم بتعداد النقاط ، ورص الكلمات الانشائية ، دون ان يدرك حقيقة ما يقول، واني اذ اصر على كشف تلك الحقيقة ، المؤسفة ، لا ابتغي من ذلك الاساءة اليه ، وانما ارجو ان يدارك امره ، لمصلحته هو ، ولمصلحة اتباعه ، الذين يتلقفون ما يقول به ، دون فحص او تثبت .. ولعل عبارته السابقة ، خير مثال على ما ذكرنا . فهو يريد لقضية فلسطين ، الحل العادل ، والذي يقوم على السلام (المؤسس على هدف وطني، وقومي، وإسلامي، وإنساني، ودولي) فاذا نظرنا بدقة ، لهذه العبارة الانشائية ، فما معنى ان يؤسس السلام على هدف (وطني وقومي) هل تعني كلمة (وطني) وطن للفلسطينين ، وكلمة (قومي) اشارة للعرب؟! فماذا عن كلمة (إسلامي) التي اردفها بعد هاتين الكلمتين؟! ما هو الهدف الاسلامي ، الذي يجب ان يؤسس عليه السلام العادل؟! ثم هل عبارة (وطني) تعني أيضاً وطن لليهود ، في دولة اسرائيل؟! ولماذا ذكر كلمة (اسلامي) ، ولم يذكر كلمة (يهودي)؟! اذا لم يكن يقصد ابعاد اليهود ، كما درج الروساء العرب ، منذ ايام عبد الناصر، وتصريحاته بان يرمي باسرائيل في البحر..
    والصادق يطرح الحد الادنى ، للسلام العادل ، وكأن العرب ، هم الذين في موقف القوة ، وما على اسرائيل الا ان ترضخ لرغبتهم!! فيقول (انسحاب اسرائيل دون قيد او شرط من كافة الاراضي المحتلة عام 1967) وحين ذكر حق الشعب الفلسطيني ، في العودة الى وطنه ، اضاف من عنده ، خياراً آخراً، فقال (العودة او التعويض) فمن الذي اخبر السيد الصادق ، ان الفلسطينين ، يقبلون تعويضاً عن وطنهم؟!
    والغريب في امر الصادق ، انه يعلم ان مقترحاته غير مقبولة للاسرائيليين ، وان العرب ، لا يملكون القوة لفرضها عليهم ، ومع ذلك يصر عليها!! فهو يقول (لاسباب محددة لا يرجى ان يقبل الناخب الاسرائيلي في الظروف العادية هذا الحد الادنى) .. وكما هو حال الزعماء العرب ، يجنح السيد الصادق للتضليل ، فيقول (فالعرب أبناء عمومة لليهود والإسلام يعترف باليهودية دينا إلهيا) وهو يعلم ان الاسلام في شريعته – وهو المستوى الذي لا يعرف الصادق غيره – لا يعترف باليهود ، ولا يقبل منهم دينهم ، وانما يأمر بقتالهم ، حتى يسلموا ، أو يعطوا الجزية ، عن يد وهم صاغرون!! وفي مزيد من التضليل يقول (القرارات التي ادت لتكوين اسرائيل ابتداء من وعد بلفور الى قرار الامم المتحدة 1948 بقيام اسرائيل قرارات دولية أمليت على المنطقة دون اخذ راي سكانها) .. والحق ان القرارات ، التي صدرت عن الامم المتحدة ، تمت بعد مفاوضات مع اسرائيل ، ومع منظمة التحرير الفلسطينية ، الممثل الشرعي للفلسطينيين ، وبتشاور مع الملوك والرؤساء العرب ، خاصة المتاثرين بالمشكلة .
    ومهما يكن من امر القرارات الدولية، والمفاوضات ، وفشل الدبلوماسية العربية ، فيها ، فان الصادق في آخر مقترحاته ، التي يتوقع ان تحقق السلام العادل ، يقول (لا توجد امكانية لسلام عادل عن طريق التفاوض بين طرفي النزاع فالحد الادنى الذي يقبله المعتدي عليهم لا يقبله المعتدون)!! فما هو اذن ، حل السيد الصادق ، لمشكلة الشرق الاوسط؟! حله هو ان تفرض امريكا ، على اسرائيل ، السلام العادل ، الذي حدثنا عنه!! فان لم تصدق ذلك فأقرأ قوله (ولذلك سوف تستمر القضية تمزق الاستقرار في اسرائيل وفي الدول المجاورة وفي الاقليم وفي العالم ولا سبيل للخروج من هذا الحريق الذي اشعلته الاسرة الدولية الا باقدامها بقيادة الولايات المتحدة على فرض السلام العادل ...) ما الذي يجعل امريكا ، تفرض على اسرائيل ، شروطاً ، يرى السيد الصادق الذي اقترحها ، انها لا يمكن ان تقبل من الناخب الاسرائيلي؟! فاذا كان واضحاً ، ان امريكا لا يمكن ان تفعل ذلك ، فان هذا يعني انه ليس في افق السيد الصادق المهدي المعرفي ، أي حل لمشكلة الشرق الاوسط!! وليس عيباً ان يعجز الصادق ، من تقديم حل ، وانما العيب ، ان يتطرق للمشكلة التي لا يستطيع حلها ، موهماً مستمعيه ، ان له فيها القول الفصل .

    (31)

    ان تقديم السيد الصادق ، لمقترحات لحل مشكلة الشرق الاوسط ، يعرف انها لا تقبل، سببه عدم امكانية تجاوز المشكلة ، دون الحديث عنها ، وهو ينظّر لحل مشاكل العالم ، على ضوء اجتهاده الاسلامي الجديد ، ثم الخوف من الاتهام بالخيانة والعمالة ، لو اقترح أي مقترحات ، من شأنها اعطاء حقوق لاسرائيل في هذا النزاع .. فهو يريد ان يظهر لجموع الانصار، في هذه الورشة كبطل قومي ، ولا يهتم حقاً بان تحل المشكلة او لا تحل!! فلقد كان في السلطة ، حين تمت حرب حزيران 1967 وتبنى مع غيره من الرؤساء العرب ، مؤتمر اللاءات الثلاثة "لا تفاوض ولا صلح ولا سلام مع اسرائيل" الذي استضافته الخرطوم ، ولم يمنعه ذلك ، من ان يتحدث الآن عن السلام العادل ولا احتاج ان يعتذر عن موقفه السابق ، الرافض للسلام!!
    على ان النقد ، لموقف الرؤساء العرب ، قد طرح في ذلك الوقت ، حين كان الشارع العربي ، معبأ بالعاطفة ، ضد أي نقد ، وضد أي حلول تدعو للتفاوض مع اسرائيل . فقد جرى قلم الأستاذ محمود بالآتي (وقلة حنكة الزعماء العرب لا يعييك التماسها أنى اتجهت .. فهي في أقوالهم وفي افعالهم ، وخطاب السيد جمال عبد الناصر الأخير الذي ألقاه بعد الهزيمة ، بمناسبة العيد الخامس عشر لثورة الجيش المصري وحده يطفح بالأخطاء التي تدل على قلة حنكة السيد جمال عبد الناصر وهو يعتبر زعيم زعماء العرب .. قال السيد جمال عبد الناصر في معرض الرد على تساؤل من تساءل: لماذا انصاع لنصيحة الرئيس الامريكي فلم يبادر باطلاق النار؟ قال: "المسألة الثالثة اننا بتحركنا وأخذنا المبادأة لدفع الخطر عن سوريا كنا ندرك أننا ، خصوصا من وجهة النظر الدولية ، لن نبدأ بالضربة الأولى في معركتنا المسلحة . ولو كنا فعلنا ذلك لكنا قد عرضنا أنفسنا لعواقب وخيمة تزيد عما كان في مقدورنا احتماله . ولقد كان أول ما سوف نواجهه هو عمل عسكري أمريكي مباشر ضدنا يجد الحجة والعذر من اننا اطلقنا الرصاصة الاولى في المعركة . واريد في هذا الصدد ان ألفت نظركم الى نقاط هامة . أول نقطة التحذيرات الامريكية ويمكن قرأتم عن هذه التحذيرات الامريكية في الصحف ولكن مستشار الرئيس الأمريكي جونسون طلب سفيرنا في وقت متأخر من الليل في واشنطن وقاله انه فيه معلومات عند اسرائيل انكم حتهجموا . وقال ان ده يعرضنا لوضع خطير وناشدنا ضبط النفس ...." ونحن نرجو ان يتعمق القراء هذه الاقوال وبخاصة قوله " كنا ندرك اننا ، خصوصاً من وجهه النظر الدولية ، ان نبدأ بالضربة الأولى في معركتنا المسلحة . ولو كنا فعلنا ذلك لكنا عرضنا أنفسنا لعواقب وخيمة تزيد عما كان في مقدورنا احتماله . ولقد كان أول ما سوف نواجهه هو عمل عسكري أمريكي مباشر ضدنا يجد الحجة والعذر من اننا اطلقنا الرصاصة الاولى في المعركة" لماذا؟ يحدثنا السيد جمال فيقول "نظراً للتصريحات اللي اعلنتها أمريكا وقالت فيها انها تضمن حدود الدول في هذه المنطقة وكان باين لينا ان امريكا لما تقول انها تضمن حدود الدول في هذه المنطقة ولا تسمح بأي تغييرات في هذه المنطقة مكنش امريكا تقصد بهذا ابداً الدول العربية ولكن امريكا كانت تقصد بهذا اسرائيل كانت تقصد انه اذا حصل عدوان على اسرائيل ان امريكا حاتنفذ التصريح"
    والسؤال الآن هو ، أليس غرض العرب المعلن على العالم دائماً ، والقائم خلف عدم الاعتراف باسرائيل ، وعدم الصلح معها ، وعدم التفاوض معها ، هو ان يمحو العرب دولة اسرائيل من الوجود في أرض فلسطين؟ فاذا كنا نحترم ضمان امريكا لحدود اسرائيل او كنا نخاف امريكا الى حد نشعر معه اننا اذا خالفناها نكون " قد عرضنا انفسنا لعواقب وخيمة تزيد عما كان في مقدورنا احتماله" فهل ننتظر يوماً تتخلى فيه امريكا عن هذا الضمان لحدود اسرائيل؟ أم هل ننتظر يوماً يكون لنا فيه القوة العسكرية والسياسية والدبلوماسية ما يمكننا من مناهضة امريكا ومن تحدي ضماناتها لحدود اسرائيل؟ أم ان ضمان امريكا لحدود اسرائيل لا يكون ملزماً لامريكا الا اذا كنا نحن البادئين بالهجوم على اسرائيل ، فنحن ننتظر ان تبدأنا اسرائيل بالهجوم لنقوم بمباشرة محوها من الوجود في فلسطين ، ونحن في عذر مديد امام امريكا؟ فاذا كان التصريح الذي اشار اليه السيد جمال عبد الناصر ، والذي ظهر انه يخشاه كل هذه الخشية ، لم يكن جديداً من جانب امريكا ، وانما يرجع الى عام 1950 ، أفليس من الحق ان نتساءل هل كان السيد جمال عبد الناصر فعلاً يعني التهديد الذي يذيعه على العرب كل عام مرة أو مرتين ضد دولة اسرائيل؟ ام هل كان يريد به الى بسط زعامته على العرب ، وذلك باشاعة جو الخوف حولهم ، واستغلال روح القطيع فيهم؟)
    [4]

    ولقد اتجه تحليل الاستاذ محمود ، الى ان الشيوعية الدولية ، وبسبب الحرب الباردة ، استغلت الشعوب العربية ، وورطت جمال عبد الناصر، في عداوة الغرب ، ثم لم تقف بجانبه ، تماماً ، حين احتاج لمساعدتها .. وقد كان هذا الحديث يساق في الكتب ، وفي المحاضرات العامة ، في الستينات ، حين كان المد الشيوعي ، والمد القومي العربي على اشده .. فمثلا جاء عن ذلك (يحدثنا السيد جمال عبد الناصر في خطابه الذي ألقاه بمناسبة العيد الخامس عشر لثورة الجيش المصري بالملك فاروق فيقول "من المؤكد لنا جميعاً ان اسرائيل في هذه المحاولة مكنش بتعمل لحسابها وانما كانت تعمل ايضاً لحساب القوى التي ضاقت ذرعاً بحركة الثورة العربية" ويحدثنا المستشار الصحفي للسيد جمال عبد الناصر السيد محمد حسنين هيكل في مقالة له بعنوان "ماذا تريد أمريكا منا؟" نشرت بالاهرام في 4/8/1967 فيقول "الهدف الاول: تريد به الولايات المتحدة ان تحطم النظم الثورية في العالم العربي اليوم وفي مقدمتها النظام الثوري المصري – باعتبار ان هذه الانظمة هي الخطر على مصالح الاستعمار الجديد الذي تمثله هي اليوم".
    وتحدثنا الهيئة البرلمانية للحزب الشيوعي السوداني في كتيب لها اصدرته في يونيو 1967 باسم "العدوان الانجلو أمريكي الاسرائيلي" فتقول "ان تواطؤ امريكا وبريطانيا في العدوان الاخير يجب النظر اليه من زاويتين لتظهرابعاده الحقيقية:
    أولاً – هدف التواطؤ وهو كما اسلفنا القضاء على النظم التقدمية في العالم العربي وبصفة خاصة في مصر"
    هذه النظرة الخاطئة مصدرها الشيوعيون في روسيا وخارجها ، وقد تورط في الاخذ بها السيد جمال عبد الناصر فانطلق في الطريق الخطأ ، واصبح يصدر في تصرفه مع الدول الغربية عن عقدة من يشعر انه مضطهد ، وانه مقصود بالعداوة ، ولقد ظهرت هذه العقدة في خطاب الاستقالة المشهور ، الذي القاه السيد جمال عبد الناصر في مساء يوم 8/6/1967 وذلك حيث يقول "لقد قررت ان اتنحى تماماً ونهائياً عن أي منصب رسمي ، او اي دور سياسي ، وان أعود الى صفوف الجماهير أودي واجبي معها كاي مواطن آخر" لماذا؟ اسمعوا "ان قوى الاستعمار تتصور ان جمال عبد الناصر هو عدوها واريد ان يكون واضحاً أمامهم انها الأمة العربية كلها وليس جمال عبد الناصر . والقوى المعادية لحركة القومية العربية تصورها دائماً بانها امبراطورية لعبد الناصر وليس ذلك صحيحاً لأن امل الوحدة العربية بدأ قبل جمال عبد الناصر وسوف يبقى بعد جمال عبد الناصر"
    هذا هو السبب الذي من اجله استقال السيد جمال عبد الناصر من منصبه في زعامة الأمة العربية!! فهل سمع الناس بزعيم يستقيل من اجل اعتبار اعدائه ، واعداء أمته ،أياه؟؟ اللهم لا!! الا ان يكون زعيماً يعيش في عقول أعدائه ، قبل ان يعيش في عقله هو، أو ، بالاقل في عقل أمته .. وذلك شأن الزعماء الذين يتصرفون من عقد نفسية لا عن فكر سليم .. هذا اذا لم نقل شيئاً عن توقيت الاستقالة نفسها .. وذلك بأنها قد اذيعت ، وشغلت بها الأمة العربية ، ولا تزال النيران تطلق ، والعدو يتقدم في جبهة سوريا ..)
    [5]

    ولقد طلب الاستاذ محمود ، من الزعماء العرب ، ان يرتفعوا الى مستوى المسؤولية ، وان يواجهوا المشكلة (ومن مواجهتهم لقضيتهم ان يعترفوا باسرائيل وان يأخذوا الرأي العام العالمي الى جانبهم بالدخول في مفاوضات مباشرة مع اسرائيل لتحقيق القرارين اللذين اتخذتهما الامم المتحدة احدهما في 29 نوفمبر عام 1947 وهو قرار التقسيم والثاني في الحادي عشر من ديسمبر عام 1948 وهو قرار اعادة اللاجئين .
    كما قلنا ، فان اعتراف العرب باسرائيل واقعياً ، وعملياً حاصل ، وكل المشاريع التي تقدم في المنظمة العالمية الآن ترمي الى تسجيل هذا الاعتراف . لا يختلف في ذلك اصدقاء العرب ، او اصدقاء اسرائيل . ولعل كل ما هناك من اختلاف بين الفريقين هو هل يكون الجلاء قبل تسجيل هذا الاعتراف ام بعده؟؟ وهناك اصرار اسرائيل على التفاوض المباشر . واما هذا الاصرار فان اسرائيل ستكون مستعدة لتنازل كبير ، قد لا يكون ممكناً بقوة المساومة التي يحملها هذا الاعتراف من جانب العرب ، ومن مصلحة القضية العربية الا تضيع قوة المساومة هذه بتمسك العرب بعدم الاعتراف اللفظي ، مع ان الاعتراف عملياً واقع ، ومع الزمن ، فان اسرائيل ستحصل على هذا الاعتراف ، بدون ان تدفع عليه ثمناً كافياً للعرب .
    ثم يجب ان يكون واضحاً ان اي حل سياسي لا يمكن ان يفرض على العرب ، كما هو لا يمكن ان يفرض على اسرائيل ، بقوة السلاح ، وذلك لاسباب عديدة ، منها ان السلاح لم يعد يحل المشاكل بين الأمم ، ومنها ان المنظمة الدولية ، الى الآن ، لا تملك سلطة تنفذ بها قراراتها . فلم يبق الا ان تكون الحلول السياسية قائمة على الموافقة المتبادلة ، والتراضي بين الفريقين المتنازعين ، ومن اجل ذلك ، فان التفاوض المباشر هو اسلم السبل ، واقربها الى التراضي .
    ونحن نعلم صعوبة الاعتراف على الزعماء العرب ، ولكننا لا نحترمها ، ذلك بانها صعوبة تقوم على الكبرياء الزائف ، وعلى المظهر الفارغ ، وهي تستهدف خداع الشعوب العربية ، ذلك بان الزعماء قد ظلوا يحدثونها ، على طول المدى ، عن رمي دولة اسرائيل في البحر .. وحتى في مؤتمر الخرطوم الذي التقى فيه هؤلاء الزعماء مؤخراً لم ينسوا تمشياً مع الاوهام القديمة ، المزمنة ، والمعلنة على الشعوب ، ان يعلنوا ، من جديد ، انهم سيعملون على تحقيق انسحاب القوات الاسرائيلية من الاراضي العربية التي احتلتها في الحرب الاخيرة "وذلك في نطاق المبادئ الاساسية التي تلتزم بها الدول العربية وهي: عدم الصلح مع اسرائيل ، أو الاعتراف بها . وعدم التفاوض معها")
    [6].

    وعن حل المشكلة جاء (الحل العاجل: ان على العرب ان يعلنوا للعالم على الفور انهم ، ايثاراً منهم لعافية الدول ، وتضحية منهم في سبيل السلام العالمي ، وابقاء منهم على المنظمة العالمية العظيمة ، ورعاية منهم لمصالحهم هم انفسهم ، يقبلون التفاوض مع دولة اسرائيل ، تحت اشراف الأمم المتحدة "مجلس الأمن بشكل خاص" وعلى ان يكون التفاوض على اساس قراري الامم المتحدة ، المتخذين في التاسع والعشرين من نوفمبر عام 1947 "قرار التقسيم" ، وفي الحادي عشر من ديسمبر 1948 "قرار اعادة اللاجئين" . وهما القراران اللذان التزمت بهما دولة اسرائيل لدى دخولها هيئة الأمم ، وقد وردت الى ذلك الالتزام الاشارة في القرار الذي اتخذته الجمعية العامة في الحادي عشر من شهر مايو1949 ، وهو القرار الذي يقضي بقبولها في الهيئة ، وينص في ديباجته على ان اسرائيل قد تعهدت باحترام التزاماتها تجاه ميثاق الامم المتحدة منذ قيامها ، اي في الرابع عشر من آيار (مايو) عام 1948 كما ينص على التذكير بقراري 29 تشرين الثاني (نوفمبر) 1947 "قرار التقسيم" والحادي عشر من كانون الأول (ديسمبر) 1948 (قرار اعادة اللاجئين) "عن كتاب قضايانا في الامم المتحدة" ..
    وسيكون هدف المفاوضة مع اسرائيل تحت اشراف مجلس الأمن الآتي:-
    1- انهاء حالة الحرب التي ظلت قائمة بين العرب واسرائيل ، والاعتراف لاسرائيل بحق البقاء في سلام وأمن . واحترام لسيادتها على أراضيها .
    2- احترام حق اسرائيل في المرور البرئ بالممرات المائية خليج العقبة وقناة السويس .
    3- انسحاب القوات الاسرائيلية ، والسلطات الاسرائيلية من الاراضي العربية التي احتلتها اسرائيل على التوالي: في الحروب 15 مايو 1948 ، و29 اكتوبر 1956 ، و5 يونيو 1967 .
    4- إرجاع اللاجئين العرب الذين اخرجوا من ديارهم ، اثناء هذه الحروب ، أو بعدها ، وتعويضهم عن جميع ما تعرضوا له من خسائر . وتوطين من لا يرغبون منهم في العودة الى داخل الحدود الاسرائيلية ، في الأرض الفلسطينية ، التي خصصها مشروع التقسيم الاصلي للعرب .. وهذا يعني تنفيذ مشروع التقسيم الاصلي .
    5- ضمان مجلس الامن (الامم المتحدة) لحدود الدولة العربية الجديدة ، التي تنشأ نتيجة لتنفيذ مشروع التقسيم الاصلي ، ولتأكيد هذا الضمان توقف ، على الفور ، الهجرة اليهودية الى دولة اسرائيل ، ذلك لأن زيادة السكان الناتجة عن استمرار الهجرة ستجعل اسرائيل مضطرة الى التوسع ، وقد تصبح بذلك مهددة لامن جيرانها وسلامة اراضيهم .
    6- تأخذ هيئة الامم على اسرائيل تعهداً بالا تحاول اي توسع في ارض أي من الدول العربية المجاورة لها . فاذا جرت منها أية محاولة فان مسؤولية ايقافها عند حدها تقع على عاتق المنظمة الدولية ، مجلس الامن والجمعية العامة .
    فاذا ملك الزعماء العرب هذه الشجاعة ، وهي شجاعة سيحتاجونها لمواجهة شعوبهم (وذلك ، على كل حال ، افضل من التضليل الذي يمارسونه الآن) فان موقف اسرائيل سيصبح ضعيفاً .. ولكنها أمام اغراء اعتراف العرب بها ، وامام الرأي العام العالمي ، في المنظمة وخارجها ، لن تجد بداً من الموافقة . فاذا ما ابرم الحل العاجل بصورة مرضية فقد اصبح على العرب ان يباشروا الحل الآجل .
    الحل الآجل: اول ما تجب الاشارة اليه هو ان العرب اليوم يواجهون تحدياً حاسماً ... وفحوى هذا التحدي الحاسم هو ان العرب اليوم لا يعيشون حاضرهم ، ولا يعيشون ماضيهم . فاما حاضرهم فهو عصر الحضارة الغربية ، العلمية الآلية ، الذي ، وان تاخرت فيه الاخلاق ، وانحطت القيم ، فقد بلغ فيه التقدم التكنولوجي مبلغاً فاق احلام اصحاب الاحلام ،وبلغ فيه تطوير الآلة وتطويعها لخدمة الانسان مبلغاً غير وجه الحياة .. ولكن العرب لا يعيشون الا على هامشه .. فهم لا يصممون الآلة .. ولا يصنعونها ، ولا يحسنون حتى صيانتها ، ولا استعمالها .
    واما ماضيهم فقد كان عهد التقوى ، والايمان ، والقيم الرفيعة ، والسيرة المستقيمة ، والخلق العبق ، السجيح ، والنجدة ، والرجولة ، والتضحية ، والايثار ، والصدق! الصدق! الصدق! .
    ولكن العرب اليوم لا يعيشون الا على هامشه ، ايضاً ، فهم قد تشربوا اخلاق المدنية الغربية ، وجاروا اهلها في مباذلهم ، فافقدتهم أصالة دينهم ، ولم يبلغوا من اصالتها هي طائلاً . فأصبحوا يعيشون على قشور من الاسلام ، وعلى قشور من المدنية الغربية .. أو قل ان اردت الدقة ، انهم لا يعيشون ، وانما تقوقعوا ، وتحجروا ، واصبحت حركتهم لا تنبعث منهم ، وانما تنبعث عن عوامل خارجة عن محيطهم ، وعن اراداتهم .. ان العرب اليوم لا يوجهون التاريخ ، ولا يسهمون في توجيهه وانما ينساقون خلفه ، ويعيشون على هامشه ....
    ان الزمان قد استدار استدارة كاملة ، واصبحنا نعيش اليوم في فترة تؤرخ نهاية عهد وبداية عهد .. واصبحت منطقة العرب مسرحاً لصراع حضاري جديد ، هو الصراع بين الحضارة الغربية الآلية كما يمثلها اليهود ، فيحسنون تمثيلها ، كل الاحسان ، وبين المدنية الاسلامية (الروحية – المادية) كما يمثلها العرب ، فيسيئون تمثيلها ، كل الاساءة .. وستكون نتيجة هذا الصراع الحضاري مولد المدنية الجديدة المرتقبة ، ان شاء الله ، ولكن على العرب ان يهبوا ، وان ينهضوا ، وان يحسنوا تمثيل المدنية الاسلامية في كفاءة ، وكفاية حتى يتم التزاوج والتلاقح . ..
    خلاصة الحل الآجل في كلمة واحدة؟ الاسلام!! ولكن ما هو الاسلام؟)
    [7]

    هذا طرف مما طرحه الاستاذ محمود ، في حل مشكلة الشرق الاوسط ، في منتصف الستينات ، فليراجع .. ولقد سقته هنا ، لاعطاء نموذج ، لجدية الطرح ، في مقارنة مع ما قدمه الصادق المهدي ، عن نفس الموضوع ، في ورشة عمل الانصار . ولقد كان رأي الاستاذ محمود، مستنكراً اشد النكر ، ومرفوضاً اشد الرفض ، ولم يكن احداً يصدق ان اسرائيل ، يمكن ان تنسحب من الارض التي احتلتها ، بسبب عقد سلام معها ، حتى تم ذلك بالفعل ، على يد السادات في عام 1973 فوقع السلام ، وانسحبت اسرائيل من سيناء .. ولم يتبع العرب ، السادات ، في السلام ، ولو فعلوا لكانت مكاسبهم اكبر .. والعرب اليوم ،اضعف من ذي قبل ، لفقدانهم كل هذه الفرص ، وهم مع ذلك ، لا زالوا يتخبطون بين المقاومة ومطلب السلام ، ولا يحسنون ادارة أي معركة في كافة الاصعدة.
    بهذا نختم مناقشة ، ورقة السيد الصادق في الجانب السياسي ، ونفرغ الى رايه في الاجتهاد في الحلقة القادمة .

    عمر القراي
    -نواصل-


    [1] - محمد بن ابي بكر الرازي: مختار الصحاح . القاهرة: دار الحديث ص 144
    [2] - حديث الصادق للبيان.
    [3] - عمر القراي: اجسام البغال واحلام العصافير . سودانايل 10 ديسمبر 2001
    [4]- محمود محمد طه (1967) مشكلة الشرق الاوسط . أمدرمان سودان ص 40-43
    [5]- لمصدر السابق ص 62-64
    [6]- المصدر السابق ص 168-172
    [7]- المصدر السابق ص 180- 187
                  

العنوان الكاتب Date
د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية " ودعاوى التجديد Omer Abdalla01-04-05, 05:38 PM
  Re: د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية " ودعاوى التجديد Omer Abdalla01-05-05, 08:13 AM
  Re: د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية " ودعاوى التجديد Omer Abdalla01-21-05, 07:02 AM
    Re: د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية " ودعاوى التجديد أبوالريش01-21-05, 07:23 AM
      Re: د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية " ودعاوى التجديد Basheer abusalif02-19-05, 03:07 PM
  Re: د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية " ودعاوى التجديد Omer Abdalla01-21-05, 04:56 PM
  Re: د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية " ودعاوى التجديد lana mahdi01-21-05, 10:01 PM
  Re: د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية " ودعاوى التجديد Omer Abdalla01-22-05, 08:14 AM
  Re: د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية " ودعاوى التجديد Omer Abdalla02-18-05, 01:58 PM
  = Basheer abusalif02-19-05, 03:12 PM
  Re: د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية " ودعاوى التجديد محمد عبد القادر سليمان02-19-05, 05:16 PM
  Re: د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية " ودعاوى التجديد Omer Abdalla03-03-05, 10:22 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de