د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية " ودعاوى التجديد

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-04-2024, 11:23 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الأول للعام 2005م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
03-03-2005, 10:22 AM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-03-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية " ودعاوى التجديد (Re: Omer Abdalla)


    الصادق المهدي و"الانكفائية " ودعاوى التجديد
    تعقيب على ورشة عمل الانصار" نحو مرجعية اسلامية جديدة ..."

    الحلقة العاشرة والأخيرة


    (37)

    في سلسلة المقالات السابقة ، حاولت التعرض بالنقد ، والتحليل ، لمجمل خطاب السيد الصادق المهدي ، الديني والسياسي . ورغم ان الصادق يتكلم كثيراً ، عن كل المواضيع ، وفي كل المناسبات ، الا انني فضلت مخاطبته لورشة عمل الانصار، لعدة اعتبارات .. منها ان الصادق قد اعد ورقة مدروسة ، انفق فيها وقتاً لهذه المناسبة ، مما قد يعني طرحاً متماسكاً ، يمكن رؤية جوانبه الايجابية والسلبية ، خلافاً لتصريحاته العديدة ، للصحف ، والتي يتناقض فيها ، الى حد يصعب حتى مجرد متابعته . أو يجنح فيها ، للانشغال بالكلمات المترادفة ، والعبارات المتعاقبة ، أستعاضة عن الفكر ، وجنوحاً نحو السخرية ، أو الطرافة ، في تناول مواضيع تقتضي غاية الجد والحزم . ومن ذلك مثلاً (من آخر ابداعات الامام الصادق المهدي في صك المصطلحات ما اسماه ب " المشاكسة " و "المنافشة" وقد صاغهما كجناس لغوي لمشاكوس ونيفاشا)!![1] وفي ندوة جامعة الخرطوم ، قال (ان الحكومة وحركة قرنق سيرتكبون التاءات الثلاثة التناقض والتباغض والتحالف مع الاضداد)[2]!! وفي لقاء بالجبلاب قال (ان اتفاقية السلام تحتاج الى التاءات الاربعة: التصديق التوضيح التعديل التوسيع)!![3]
    ومن المسائل التي جعلتني اركز على ورقته ، في ورشة عمل الانصار، ان الصادق، وقد حقق أخيراً ، حلمه القديم ، واصبح إماماً للانصار، فهو قد حاول في تلك الورشة ، ان يقنع جموعهم ، بانه يستحق هذه الإمامة ، كمفكر اسلامي ، ومجدد ديني، فأتى بكل ما يملك ليدعم هذا الادعاء ، ويمكن لإمامته ، وبذل الصادق جهده ، انما يعطيني فرصة منصفة ، لتقييمه ، وتقديم البديل لما طرح . ومن الاسباب التي دعت لمتابعة خطابه ، في ورشة عمل الانصار، ان توقيته مع اتفاقية السلام ، جعل السيد الصادق يحاول ما امكن ، ليظهر بمظهر السياسي البارع ، الواعي بما يجري في العالم من حوله ، متخذاً المنبر كمنطلق لحملته الانتخابية الجديدة ، التي يروج بها نفسه ، وسط شباب الانصار وحزب الأمة ، بعد الهزة الكبيرة ، التي احدثها خروج مبارك الفاضل عليه ، ونقده له ، خاصة وان الصادق قد عجز عن التعليق على ذلك النقد .
    وفي الحق ان السيد الصادق ، وقد شعر بانه من مختلف المنابر، قدم دعاية كبيرة ، تمكنه من الفوز في الانتخابات المقبلة ، بدأ يتململ من فكرة الصبر، حتى نهاية الفترة الانتقالية ، ويحاول ان يفتعل شتى المسائل ، ليسرع بانتخابات مضطربة ، وعجولة ، تصل به بسرعة لكرسي الحكومة ، لذلك (دعا المهدي للاطاحة بهذا الواقع بما اسماه بالانتفاضة الانتخابية مضيفاً ان هذا الوضع لا يتغير الا باجراء انتخابات حرة ونزيهة ودعا مؤسسات المجتمع المدني لمواصلة مبادرتها واعداد دراسات لسياسات بديلة للمؤسسة المدنية والقوات المسلحة دون اكتراث او ياس من مرامي طرفي الاتفاق والموالين لهم)!![4]
    ولقد كانت ورقة السيد الصادق ، بالغة الطول ، ومتشعبة التفاصيل ، وذلك لأنه اراد ان يحيط فيها ، بكل مشاكل العالم ، وفوق ذلك ، تحدث في بعض المواضيع ، ليظهر معرفته بها مع ان ورقته لا تحتاج اليها.. ولم استطع بطبيعة الحال ، ان اتابع كل تفاصيل الورقة ، وانما حاولت التركيز على الافكار الاساسية ، التي توضح الفكرة ، التي حاولت ابرازها . ولم اتوقع تعقيباً ، أو تعليقاً او رداً ، من السيد الصادق نفسه ، وذلك لانه يفضل ان يظل زعيماً في نظر اتباعه ، بدلاً من ان يدخل الى حلبة الصراع الفكري ، ليلحقه فيها، ما يمكن ان يلحقه من هزيمة ، ربما هددت هذه الزعامة المزعومة ، وقللت من نجوميتها!! الأمر الذي يترتب عليه فقدان لمنافع مادية ، كان الصادق المهدي حريصاً عليها ، فقد اشار اليها ، في لقاء صحفي ، وذلك حين قال (أيوه انا عندي وقت للسياسة ووقت للفكر ووقت للكتابة وهي مصادر دخل يعني انا لما يدعوني في أي مكان في العالم النفقات بتاعتي بتكون مدفوعة وكتبي بتباع وعندك خطبة العيد مثلاً طبعت بمبلغ ومبيعاتها حتى لحظة الحوار وصلت الى خمسة ملايين ...)!![5] ولقد كان من الممكن ، ان يتناول بعض اعضاء حزب الأمة التعقيب ، ولكن ذلك لم يحدث!! ولا يمكن الاعتذار عنه ، بان المقالات لم تكتمل ، لأنها كانت رغم اتصالها ببعضها ، تمثل كل حلقة منها ، موضوعاً منفصلاً ، يمكن تناوله على حدة . ولقد حاول بعض اعضاء حزب الأمة ، التعرض لمقالات اخرى ، كتبتها عن بعض افكار السيد الصادق من قبل ، فتراوحت محاولاتهم ، بين السب والتهديد من جهة ، وبين تناول الموضوع ، دون الوقوف عند ما قلت ، من جهة أخرى .. مما لم يغر الآخرين بمواصلات هذا المجهود ، الذي لم يكن له الا عائداً سلبياً عليهم ، ومن ثم ، على السيد الصادق نفسه ، ما داموا جميعاً يدافعون عنه ، ولا يرون في نقده ، نقد لمسيرة حزبهم ، الذي رهن تطوره بالصادق المهدي ، وتقيد لهذا باخطائه .
    ومهما يكن من امر، فاني اكتفي بما جرى من نقاش، لافكار السيد الصادق ، واحاول في هذا المقال التعرض لمواقفه ، والى اي مدى تختلف مع ما تحدث عنه ، من الديمقراطية ، والحرية ، والقيم الخلقية ، التي يتوقع ان يلتزم بها، ما دام يحدثنا عن الاسلام ، ذلك ان الاسلام ، ليس خطباً تذاع ، وانما هو قيم تعاش ، وتجسد في الدم واللحم .

    (38)

    أول ما ظهر السيد الصادق ، في الساحة السياسية ، ظهر بمجهود غيره!! فقد تنازل له أحد الاتباع ، ليدخل الجمعية رغم انه لم يمكن من ضمن المرشحين!! ولقد اصبح هذا الاستغلال الطائفي ، مثار نقد ، حتى في داخل حزب الأمة ، فقد كتب احد اعضاء الحزب (ماذا نسمي ، موقف السيد الصادق المهدي ، من ممثل دائرة كوستي الذي طلب منه ان يتنازل للسيد الصادق ، فاصبح بموجبه عضواً في الجمعية وأدى اليمين في 23 يونيو 1966)!![6] ونحن نجيب على تساؤل هذا العضو الكريم ، باننا نسمي سلوك السيد الصادق ، في هذا الواقعة ، طائفية ، واستغلال للنفوذ ، وتلاعب بالديمقراطية ، وعدم اعتبار لقيمة ، وكرامة اتباعه ..
    ولم يكن للسيد الصادق أي موقف ، بارز في الحكومة ، التي ادخل اليها ، على أكتاف اتباعه ، ولا في الحزب نفسه ، وانما حدث ما حدث ، لان ابوه كان يعده لرئاسة الحزب ، كما يعد هو الآن ابناءه ، بادخالهم في اللجان التنفيذية ، للحزب ، بتقديمهم على الاعضاء القدامى ، رغم عدم اسهامهم ، بأي شئ يذكر، وعدم تمتعهم باي كفاءة خاصة ، سوى انهم ابناء وبنات السيد الصادق المهدي!!
    ولم يكن لحزب الأمة ، أي دور في مقاومة الحكم العسكري ، وبعد ان سقطت حكومة عبود ، بثورة اكتوبر الشعبية الرائدة ، وجاءت حكومة جبهة الهيئات ، استعجل السيد الصادق كرسي الحكم ، وحشد جموع الانصار، لمحاصرة الجمعية ، حتى اضطرت حكومة السيد سر الختم الخليفة للاستقالة ، وجرت انتخابات عجولة ، كالتي ينادي بها السيد الصادق الآن ، اصبح بموجبها رئيس الوزراء ..
    وبالرغم من ان السيد الصادق ، كان يمثل النظام الديمقراطي ، الا ان حزبه قد ضاق بالنقد ، الذي كان يقوده الشيوعيون داخل الجمعية ، فتآمر ضد الديمقراطية ، وعدل الدستور ليغير المادة 5/2 ، والتي تعطي الحق في حرية التعبير، والتنظيم ، وهي روح الدستور، ليتمكن من حل الحزب الشيوعي السوداني ، ومنع نشاطه ، وطرد نوابه من داخل الجمعية التاسيسية!! ولقد حكمت المحكمة العليا ، بعدم دستورية هذا التعديل ، ومن ثم ، عدم شرعية حل الحزب الشيوعي السوداني[7]، ولكن الصادق المهدي رئيس الوزراء حينذاك قال (ان الحكومة غير ملزمة بان تأخذ بالحكم القضائي الخاص بالقضية الدستورية)!! [8] فتعرض القضاء السوداني ، بذلك ، الى ابلغ اهانة ، تلحق به في تاريخه ، حتى ذلك الوقت .. وقدم السيد بابكر عوض الله ، رئيس القضاء ، آنذاك، استقالته التي جاء فيها (انني لم اشهد في كل حياتي القضائية اتجاهاً نحو التحقير من شأن القضاء والنيل من استقلاله كما أرى اليوم .. انني أعلم بكل أسف تلك الاتجاهات الخطيرة عند قادة الحكم اليوم لا للحد من سلطات القضاء في الدستور فحسب ، بل لوضعه تحت اشراف الهيئة التنفيذية)[9] .. هذا ما فعله السيد الصادق المهدي ، فاذا جاء اليوم ، في ورشة عمل الانصار ، ليحدثنا عن استقلال القضاء ، وكيف انه شرط اساسي للديمقراطية ، فحري به ، لو كان رجلاً مسؤولاً وجاداً ، ان يعترف بهذا الخطأ ، ويعتذر عنه رسمياً للشعب السوداني ، وللقضاء السوداني ، وللحزب الشيوعي ، قبل ان يهيئ نفسه ، ليحكم مرة أخرى!!
    وفي تلك الفترة نفسها ، كان السيد الصادق ، يتحدث كثيراً ، عن تجديد حزب الأمة ، وضرورة الفصل ، بين "القداسة" و"السياسة" ، مشيراً بالطعن ، في امامة عمه الهادي المهدي رحمه الله ، ثم انشق عليه ، وكون حزب الأمة جناح الصادق ، ودخل الانتخابات ، فسقط سقوطاً مريعاً ، جعله يهرع بالعودة الى عمه مذعناً!! وقد عبر عن ذلك ، الفنان الموهوب عز الدين ، بكاركاتير شهير، يظهر فيه الصادق في صورة غنماية ، راجعة الى حظيرة ، وقد كتب تحته " العرجه لي مراحا " .. ولم تكن شعارات "الراديكالية"، و "السندكالية" ، واصلاح الحزب ، التي كان يرفعها ، هي السبب الحقيقي في خروجه عن الحزب ، والا لما عاد ولم يتغير أي شئ في الحزب .. ولكن السبب هو طمعه في السلطة ، التي كان يتمتع بها عمه كإمام للانصار، وزعيم للحزب!! وهذا الموقف يشبه الى حد كبير، خروج السيد مبارك الفاضل ، والتحاقه بالجبهة ، ونقده للحزب ، ثم ما يتردد الآن ، من إحتمال عودته ، رغم ان المؤسسات التي طالب بها ، والتغيير الذي كان ينشده لم يتم . ولقد اشترط الامام الهادي رحمه الله ، في ذلك الوقت ، على الصادق ، شروطاً ليقبل عودته ، خلاصتها الا ينازع سلطة عمه .. والصادق الآن، انما يفعل نفس الشئ ، مع مبارك ، ففي لقاء صحفي تم مؤخراً جاء:
    (سيد الصادق .. هنالك حديث يدور حول أن عودة فصيل حزب الامة المنشق «الإصلاح والتجديد» بقيادة مبارك الفاضل قد باتت قريبة.. كيف ترى هذا الحديث ..؟
    { إذا أعترفوا بأنهم اخطأوا في حق الشرعية الحزبية.. وأعترفوا بالشرعية القائمة حالياً.. واحبوا الإنضمام سينظر في هذا الأمر علي اساس اجهزة الحزب وماتراه ..!!
    { ليس هنالك جديد ..!!
    - انت قلت في حديث سابق أننا لانضع شروطاً لعودة مبارك الفاضل ومجموعته بقدر ما أننا نضع لهم أسسا لعودتهم و ..!!
    وقبل ان أكمل طرح السؤال.. قاطعني رئيس حزب الامة القومي بقوله ..
    - انا ما مقتنع بأن هنالك شيئاً جديداً .. انا بفتكر أنهم ناس مشوا في مشروع علاقات مع المؤتمر الوطني واكتشف الطرفان انهما مخطئان.. ولذلك إذا قدروا ان ذلك خطأ ويريدون تصحيح موقفهم من الشرعية يمكن أن ينظر في هذا الموضوع على أسس معينة!!
    { مبارك و«الإستتابة السياسية ..!!
    ولكن ماسبق وأن طالبتم به من أسس لقبول عودتهم هي أشبه «بالإستتابة السياسية» إن جاز لنا التعبير وذلك عبر إعلانهم للملأ عن فداحة الخطأ الذي ارتكبوه وغيرها مما طالبتهم به ، ثم بعد ذلك ينظر في أمرهم داخل مؤسسات الحزب ..؟
    - نعترف نحن لانعتبر انهم أثّروا علي حزب الأمة في شئ.. بالعكس أثّروا إيجابياً.. ولذلك نحن غير مشغولين بعودتهم ولكن اذا ارادوا أن يعودوا فسوف يكون ذلك على أسس واضحة لأننا لا نريد لمثل هذه الاشياء ان تتكرر في المستقبل..)
    [10]
    ولم يكتف السيد الصادق ، بما ارتكب في مسألة حل الحزب الشيوعي ، بل سار خلف جبهة الميثاق الاسلامي الى آخر المدى ، فساند طرحها للدستور الاسلامي المزيف ، رغم اعتراض الاخوة الجنوبيين عليه ، واصبح النظام الديمقراطي ، يضيق بحرية الاديان ، كما يضيق بحرية الرأي ، وتحول الى دكتاتورية مدنية ، حتى جاء انقلاب مايو بمثابة انقاذ للبلاد ، من تآمر الطائفيين ، وجبهة الميثاق الاسلامي .

    (39)

    ولم يقاوم الصادق المهدي مايو بصورة سافرة ، كما فعل الإمام الهادي رحمه الله ، وحين خرج بعد ذلك ، ليلحق بالمعارضة بالخارج ، كان مشغولاً بان يتزعم المعارضة ، باكثر من انشغاله بالقضية ، التي اخرجته من الوطن .. ولكن حلفاؤه في المعارضة ، من الاتحاديين ، لم يقبلوا قيادته ، وتمسكوا بقيادة الشريف حسين الهندي، رحمه الله ، فانشق الصادق بصفوف المعارضة . وفي عام 1976 قادت المعارضة ، التي يتزعمها السيد الصادق ، غزواً مسلحاً ، استهدف القضاء على حكومة نميري ، ولكنه لم يبال في سبيل ذلك ، من التضحية بالمواطنين السودانيين ، من الجانبين!! ولكن جيش الصادق المهدي هزم على مشارف الخرطوم ، وقتل اتباعه ، فهل كان للصادق هدف من ذلك الغزو غير كرسي الحكم؟! قد يقول قائل ، انه كان يهدف الى ازالة الدكتاتورية ، لياتي بالنظام الديمقراطي .. وقد يقول قائل ، انه كان يهدف للانتقام من نميري ، لأنه قتل عمه الإمام الهادي، وربما كان الانصار الذين شاركوا في تلك الحرب ، يظنون ذلك أيضاً .. ولكن الصادق المهدي ، فاجأ اتباعه المهزومين ، والذين كان بعضهم لا يزالون في مواقع التدريبات ، استعداداً لجولة قادمة ، وفاجأ اسر القتلى ، ممن اسماهم الشهداء ، بان التقى مع النميري في بورتسودان وتصالح معه!!
    وفي الحق أن مصالحةالصادق لنظام نميري ، كانت كافية لتنبيه اتباعه إلى عدم مصداقيتة ، وتجرده من الإيمان بأي مبدأ .. فقد قبل بمبدأ الحزب الواحد ، رغم دعاويه العريضة عن الديمقراطية ، وقبل بدستور 1973 العلماني ، رغم رفعه لشعارات الدستور الإسلامي ، وقبل أن يعينه نميري (الدكتاتور الطاغية) فتم ذلك (بقرارات صدرت في 18/3/1978 بتعيين السيد الصادق المهدي والسيد أحمد الميرغني في المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي والسيد بكري عديل حاكماً لكردفان والسيد شريف التهامي وزيراً للطاقة)!! [11] .. ونكاية في الصادق ، فقد شملت مراسيم انضمامه ، ان يؤدي قسم الولاء لثورة مايو الظافرة ، ولحزبها الاوحد الاتحاد الاشتراكي!!
    ولم يسأل الأتباع عن دماء زملائهم ، من المقاتلين ، الذين قتلوا في "الغزو"، الذي قادته الأحزاب ضد نظام نميري عام 1976 .. فقد ظلوا لسنوات يعبئونهم ضد النظام ، علي أساس أنه نظام ظالم وفاسد ، وأن حربهم له ، تعتبر جهاداً في سبيل الله والوطن .. فدخل البسطاء المضللون ، الحرب بحماسة ودحروا بسهولة ، بسبب ضعف الأداء ، وقلة خبرة القيادة. وإذا بهم يفاجئون بأن قادتهم يصالحون النظام ، الذي وصفوه بالكفر والفساد ، ويتقلدون أرفع المناصب في حزبه الواحد!!
    ألم يكرر السيد الصادق ذات الموقف حين خرج والتحق بالتجمع؟! ألم يكن مع التجمع ، واتباعه في جبهة القتال ، وهو يساوم الجبهة؟! ألم يشد بالجبهة ليبرر مصالحته معها، فيقول (هذه أول مرة يقبل فيها نظام شمولي الآخر ، ويقبل الحوار الجاد والتعددية السياسية ويقبل ان المصير السوداني ليس حكرا على حزب السلطة، وانما للسودانيين كلهم، صحيح هناك نكسات وهناك معايير مختلفة ، وخطاب مضطرب ، ولكن في جوهر الامر اعتقد ان الموقف الآن هو ان الحكومة والمعارضة يقبلان مبدأ ان يكون المصير السوداني متفاوضا عليه بين القوى السودانية الحاكمة وغير الحاكمة بصورة سلمية ، وانا أعتقد ان هذه اول مرة في التاريخ يحدث فيها هذا النوع من التحول ، صحيح حدثت في عهد نميري المصالحة الوطنية ، ولكن كان واضحا منذ البداية ان نميري كان الحاكم بأمره، وكان يريد ان يجعل المصالحة وسيلة لدفع المعارضة للانخراط في النظام ، وعندما تبينا ذلك تركناه وأستأنفنا المعارضة ضده ، اعتقد ان نظام الانقاذ الحالي ليس فيه هذا النوع من الانفراد بالسلطة أو لدى أي واحد من قادته ..)؟! [12].
    ألم يكن مع التجمع في العلن ، ثم هو يقابل الترابي في لندن ثم البشير في جيبوتي في الخفاء!! وحين كشف أمره ، بادر بالهجوم على د. قرنق ، وحاول ان يستعدي عليه حلفاءه من الشماليين ، فلما فشل في ذلك ، خرج من التجمع، وهاجمه، ثم عاد الى الخرطوم ، يتقرب للجبهة التي قدم حديثه عنها، وهجومه على قرنق، عربون لصداقتها، وحين لم يجد من حكومة الجبهة المنصب الذي كان يحلم به، ولم يستطع اقناع اعضاء حزبه بالمصالحة غفل راجعا، في وفد من اتباعه، ليفاوض التجمع للرجوع اليه ، من خلال قبول الجميع للمفاوضة والمصالحة مع النظام؟! وهو في محاولة رجوعه للتجمع ، كان يضع الشروط التي لا تقبل، والتي لا يقصد منها، الا ان يتبع التجمع رأيه ، فتتحقق له الزعامة التي هي عقدته الاساسية.. فاذا لم يوافق التجمع على شروطه، يبرر خروجه بان التجمع هو الذي طرده!! أسمعه يقول (الأخوة في التجمع إختلفوا معنا ورفضوا طرحنا هذا . وليس ذلك فقط بل قاموا بطردنا من التجمع ولم نخرج بارادتنا كما قيل)[13] .
    ولو كان السيد الصادق ليس طائفياً ، ولو كان حزبه يتحمل المحاسبة ، والمناقشة ، لسأله احد اعضاء الحزب ، لماذا قال عن نظام الجبهة انه يقبل التعددية ، ثم جاء الآن ليقول (المؤتمر الوطني وحكومته ظلا أسيران لشعارات فارغة ربطت الاسلام بالدكتاتورية والقهر والنهب) [14] .. بل لماذا عقد مفاوضة مع النظام ، وصفى بسببها ، وجوده العسكري ليعود بعد ذلك ، ويتحدث عن ان النظام خدعه ، ويقول (لقد عقدنا مع الانقاذ "نداء الوطن" عام 1999 ... وحقاً وصدقاً صفينا وجودنا الخارجي ، ووضعنا السلاح ، ونبذنا العنف ، ودخلنا مع النظام في تفاوض جاد لتحقيق المطالب الوطنية المشروعة . لم يبادلنا النظام حقاً بحق ، ولا صدقاً بصدق ، بل عاملنا بالمناورة ، والمراوغة ..)[15]!! فاذا صدقنا ما قاله السيد الصادق ، من ان النظام خدعه ، الا يدل ذلك على "دروشة" سياسية كالتي يصف بها النظام الآن؟!

    (40)

    ولم يستفد السيد الصادق المهدي ، من دخوله في الاتحاد الاشتراكي ، ولم يستطع بعد ذلك ، معارضة نميري الذي صالحه رغم ما ألحق به من ضرر، ورغم انه كان يسميه "الكاذب" "الضليل"، بدلاً من الصادق المهدي!! وحين انحرفت مايو، خلف جماعة الترابي، وشرعت قوانين سبتمبر، وادعت انها دولة اسلامية ، وبدأت تصعد الحرب في الجنوب ، لم يستطع الصادق ان يعترض .. بل ان من اتباعه ، من سار في المسيرة المليونية ، التي اخرجتها جماعة الترابي ، ترحيباً بالقوانين الاسلامية المزعومة!! ولم يسمع صوت للصادق ، الا بعد ان خرج الشعب ، في المظاهرات ، واجتمع اساتذة جامعة الخرطوم ، في نادي الاساتذة ، وانشأوا التجمع ، الذي قام في محاولة مقاومة تنفيذ حكم الاعدام على الاستاذ محمود محمد طه . وخلال فترة الحكومة الانتقالية ، نشط السيد الصادق المهدي ، في الحديث عن نقد حقبة نميري ، كدعاية انتخابية ، يهيئ بها نفسه ، للسلطة من جديد . وفي تلك الفترة ، نقد قوانين سبتمبر، وقال انها لا تساوي المداد الذي كتبت به ، وظن كثير من المواطنين ، انه سيقوم بالغائها بمجرد ان يستلم السلطة .. ولكنه لم يفعل، ولم يوقف الحرب في الجنوب!! ولم تكن حكومته المنتخبة ، تختلف كثيراً ، عن نظام نميري ، اذ ان الحرب كانت قائمة مع الجنوب ، والقوانين المذلة للشعب ، كانت قائمة، وان لم تنفذ احكامها .. مما جعل المتهمون يقضون أكثر من سنتين في الانتظار، داخل الحراسات ، ينتظرون العقوبات الاسلامية المزعومة ، التي لم يستطع الصادق الغائها أو تنفيذها!!
    ورغم قصر فترة حكومته ، فقد قام الصادق المهدي ، بحلها وتكوينها ثلاث مرات!! وكان في كل مرة ، يغير التحالفات ، ويغير الوزراء ، ويتهمهم بالقصور، دون اشارة الى نفسه ، ولو من باب النقد الذاتي ، خلي عنك ان يفكر في الاستقالة لفشل حكومته .. ولقد بلغ الفشل ذروته ، حين تفاقم الانهيار الاقتصادي ، فاضربت النقابات ، واندلعت المظاهرات في الشوارع .. وحين طالت الاضرابات حتى المزارعين ، ناشد حزب الامة والاتحادي جماهيرهم ، بعدم المشاركة في الاضراب ، ومع ذلك نجح الاضراب ، رغم ان المزارعين في جملتهم ،لا يخرجون من هذين الحزبين!! وبدلاً من ان يفهم الصادق هذا الدرس ، وهو ان الولاء الحزبي ، لا يصرف الناس ، عن المطالب الضرورية ، ذهب يتهم نقابة المزارعين بانها مايوية!! فقال (كثير من النقابات تصرفت في اثناء الديمقراطية بما لا يميز بين المطلبية المشروعة وما بين استغلال سياسي للحركة النقابية أدى الى عدم استقرار والاخوة لو يذكروا كيف آخر اضراب كان اضراب اتحاد المزارعين مع انو اتحاد المزارعين دا نحنا كنا بنعاملو معاملة مفضلة جداً .. للأسف في آخر ايام الديمقراطية كان عندهم قيادات عندها مؤثرات مايوية وكانت بتمهد لاضطرابات في البلاد عشان يحصل انقلاب يتصوروا انو مايوي ولذلك عملوا اضراب حقيقة هو سياسي) ..[16]
    ولعل أسوأ ما في اتفاق الصادق ، مع الجبهة الإسلامية ، في تلك الفترة ، أنه عطل اتفاقية السلام ، بين الشمال والجنوب!! فحين وقع السيد محمد عثمان الميرغني ، ودكتور جون قرنق اتفاقية السلام في 18/11/1988 ، استقبل الشعب السوداني ، السيد محمد عثمان ، استقبالاً حافلاً، تأييداً لمسيرة السلام ، فتردد الصادق المهدي في قبول الاتفاقية ، استرضاء للجبهة الإسلامية ، التي كانت حليفته في الحكومة ، وقال عن الاتفاقية (أيدها حزب الأمة من حيث المبدأ وأصدر بياناً بذلك ولكن مع تأييدنا لها سعينا لسد الفجوة مع حليفنا)[17].
    فإذا علمنا ، أن حليفه ، وهو الجبهة الإسلامية ، قد كان رافضاً للاتفاقية ، جملة وتفصيلاً، أدركنا أن محاولة (سد الفجوة) ، مهمة عسيرة ، لا تعني في النهاية غير التذبذب ، وعدم الوضوح ، والمحاولة اليائسة ، للوقوف في منطقة وهمية ، بين التأييد وعدمه.. ولم يسعف التوفيق ، السيد الصادق بمبرر موضوعي لرفض الاتفاقية ، وجنح إلى التسويف ، وزعم بأنه يقبل الاتفاقية ، إذا وضحت له بعض البنود ، وركز كثيراً علي (توضيحاتها) ، ليخرج بها من مغبة رفض السلام ، ومن إحراج حلفائه ..
    وحين أصر الحزب الاتحادي ، علي الاتفاقية كما هي ، سقطت داخل الجمعية ، حين اتحد حزب الأمة والجبهة الإسلامية ضد السلام في 26/12/1988.. ورغم هذا الولاء للجبهة الإسلامية، الذي أضاع من الصادق فرصة السلام ، وتحمل به وزر الحرب ، وما نتج عنها من دماء ، ودموع ، وتشرد ، فان الجبهة لم تقدر له ذلك ، وانقضت علي السلطة بعد أشهر، وأساءت معاملته هو شخصياً كما تحدث بذلك لاحقاً..
    ولعل السبب الواضح ، لرفض الصادق لاتفاقية السلام ، هو عدم ايمانه بالسلام كمبدأ، وعدم قبوله ان يأتي كانجاز سياسي كبير، لأحد غيره!! ولهذا فقد كرر رفضه للسلام ، برفضه لاتفاقية السلام الاخيرة ، وبنفس الاسلوب الذي رفض به اتفاقية السلام عام 1988!! فحين قال في المرة السابقة ، انه يحتاج الى توضيحات ، قال هذه المرة ان الاتفاقية جاءت رمادية وغير واضحة (وحول البنود الرمادية والمسائل المسكوت عنها حدد المهدي 20 نقطة رمادية ذكر منها وضع العاصمة القومية وتطبيق أحكام الشريعة في الشمال واقامة نظام علماني في الجنوب والانتخابات والمفوضيات المستقلة.
    أما المسائل التي يعتقد أنها مسكوت عنها، فقد حددها المهدي في مياه النيل والمرأة والمسألة التي دعا إلى الاتفاق على ميثاق بشأنها يحسم النزاع الثقافي ويهزم التهميش ويؤسس لثقافة يجتمع أهل السودان حولها)
    .[18]
    وبعد فترة قصيرة ، اتجه بصراحة اكثر، الى نقد الاتفاقية فقال (الاتفاقيات التي تمت هي ليست بمعزل عن حزب الامة وحده بل بمعزل عن كل الشعب السوداني ، وواضع ان هذه الاتفاقيات « فوقيه» وفيها تأثير دولي كبير وفيها ملامح التأثير الدولي .. ولا احد يستطيع ان ينكر الحجم الكبير للنفوذ الخارجي للصياغة .. وفي الضغط لبلوغ هذه الاتفاقيات ، ونحن الان معنيون بضرورة نجاحها .. ولكي تنجح لابد ان يمتلكها كل الشعب السوداني ، وانا اعرف كثيرين في داخل الحركة الشعبية عندهم اراء فيما اتفق عليه .. وانا اعرف كثيرين داخل الحكومة والمؤتمر الوطنى متحفظون تحفظات كبيرة علي اشياء كثيرة باعتبار انها تمت دون مشاورتهم .. ولذلك من ناحية عامة نحن نريد «سودنة» برتكولات السلام - اى ان يمتلكها السودانيون لانه الان لاشك ان فيها طابع دولي كبير جدا وهذه السودنة ضرورية لاستدامتها ثم نريد «مقرطتها» - بمعني ان يشعر السودانيون أنها أتت باختيارهم وبتفضيلهم - فهناك عوامل لاتخص حزب الامة كحزب انما تخص الشعب السودانى واستدامة الاتفاقية وجدواها .. الاتفاقية محتاجة الي مراجعة ومتابعة .. ولايمكن ان تسمي اتفاقيات سلام شامل وهناك حرب مشتعلة الان في دارفور لأن الاتفاق لم يكن محيطاً بالمسائل كلها .. وهناك توتر في شرق السودان .. وهناك مطالب مترتبة علي الشعور بالتظلم .. فاتفاقية السلام قسمت السلطة والثروة علي (اثنين) بافتراض ان هناك مشكلة فقط شمالية جنوبية لكن هذا غير صحيح .. هناك مشاكل شمالية شمالية ومشاكل جنوبية جنوبية) [19]!!
    ولو كان الصادق المهدي منصفاً ، لاعتبر ايجابية ، وقف الحرب ، التي اعترف بها ، اكبر من كل نواقص الاتفاقية .. ولو كان منصفاً ، لذكر انها انجاز عظيم للحركة الشعبية ، التي كانت على الدوام ترغب في السلام ، وان الجبهة هي التي خضعت للضغوط الاجنبية ، لأن السلام لم يكن يوماً ، من اجندتها .. ولو كان منصفاً، لاثبت ان الاطراف حققت ما عجز هو عن تحقيقه ، يوم ان لاحت له الفرصة لذلك في عام 1988، ولو كان منصفاً ، لاثبت للحركة الشعبية ، انها هي التي سعت لتوسيع دائرة الاتفاق ، واعطاء التجمع موقع في الوضع الجديد .. ولو كان منصفاً ، لما طلب من هذه الاتفاقية ، ان تحل كل مشاكل السودان ، الاثنية والدينية والجهوية ، وكأنها ضربة عصا سحرية!!

    (41)

    إن كثير من الذين يتبعون السيد الصادق الآن ، ويؤيدونه ، إنما يفعلون ذلك ، لأنه حفيد الإمام المهدي .. والصادق يلعب على هذا الوتر، ويستغل هذا الوضع ، وهذا ما جعله ، خاصة في الآونة الاخيرة ، يتشبث بلقب "الامام" ، ويحب ان يسمعه من اتباعه ، ومن غيرهم من مرتزقة الصحفيين ، الذين يمدحونه في كل مناسبة .. ولكن الحقيقة ، التي لا مفر منها ، هي ان السيد الصادق لا يستحق لقب "الامام"!! لأن القيادة الدينية ، تقتضي الشجاعة ، والصدق والمواجهة ، وتحمل المسؤولية . فالإمام المهدي – رغم الاختلاف معه – كان يقود حروبه بنفسه ، ولم يكن يدفع لها الانصار، وهو في مأمن .. ولم يكن يتخلى عن اصحابه ، فيقاتلون معه ، ثم يصالح عدوهم من خلفهم!! ولم يكن ليتنازل عن مواقفه ، أويدين اصحابه ، اذا كان في ذلك خلاصه من السجن او القتل . فما موقف السيد الصادق في مثل هذه الاحداث؟!
    في يونيو 1994 تم اعتقال ثلاث من قادة حزب الأمة هم السادة: حماد بقادي ، وعبد الرحمن فرح وسيف الدين سعيد ، ووجهت لهم تهمة السعي إلي إحداث تفجيرات ، في إطار عمل منظم لإسقاط النظام .. وفي 20 يونيو من نفس العام، تم اعتقال السيد الصادق المهدي ، باعتباره مشاركاً في هذا العمل ، حسب الاعترافات ، التي أدلي بها المتهمون الثلاث . وبعد حوالي أسبوعين من الاعتقال ، فوجئ المواطنون ، بالسيد الصادق المهدي يلقي بياناً من أجهزة الإعلام الرسمية ، يدين فيها مخطط زملائه المزعوم ، وينفي علاقته به ، ويشجب أسلوب التفجيرات والاغتيالات ، ويصف ما جاء بأنه (منكر ومؤسف) ، ويؤكد أنهم أدلوا باعترافاتهم دون أن يخضعوا لأي تعذيب!!
    ومما جاء في ذلك البيان الخائرقوله (كنت أحسب أن السادة المعنيين خضعوا للتعذيب فقالوا ما قالوا نتيجة لذلك ولكن حسب ما اتيح لي من معلومات لم يحدث هذا وتقديراً لحالتهم الصحية نقلوا فوراً في نهاية التحقيق إلى المستشفي مما يدل علي تقدير أرجو أن يتبع في كل الحالات)[20] . ولم يكتف الصادق المهدي بهذا ، بل طلب من الحكومة العفو عن زملائه وكأنهم فعلاً قد ارتكبوا ما اتهموا به ، فقال: (ومراعاة لحالتهم الصحية أرجو أن يكتفي من مساءلة ولا شك أنهما سيبديان أسفهما لما حدث)[21] ..
    والصادق المهدي ، يريد للشعب السوداني ، أن يصدق أن رجلاً مثل بروفسير حماد بقادي ، والسيد عبد الرحمن فرح ، أفنوا أعمارهم في خدمة حزب الأمة ، حتى تصدروا قيادته ، قد اعترفوا علي أنفسهم بضلوعهم في مؤامرة لإسقاط النظام، يعلمون سلفاً أن عقوبتها الموت ، وادعوا زوراً أن زعيمهم معهم في هذه المؤامرة ، دون أن يخضعوا لأي تعذيب!! فهل يمكن لعاقل أن يصدق هذا؟ ألا يكفي أن الناطق الرسمي باسم حزب الأمة ، آنذاك ، السيد مبارك المهدي لم يصدقه ، وأصدر بياناً جاء فيه (أن الاتهامات الموجهة إلى السيدين بقادي وفرح ما تزال اتهامات باطلة لأن الحكومة هي التي نسجت خيوط المؤامرة وحاولت من خلالها التخلص من السيد الصادق المهدي).[22]
    ثم ما هو مصدر المعلومات ، الذي إتيح للصادق المهدي وعلم منه أنه لم يتم تعذيب؟! إن مصدره هو رجال الأمن أنفسهم!! فان لم تصدقوا هذا فأقرءوا قوله (مستنداً إلى ما قاله لي مسئولو الأمن وأنا لست في موقف أستطيع معه الجزم بعدم حدوث التعذيب أو إثبات حدوثه فهذا أمر يقرره أصحاب الشأن ويثبته الطبيب)[23] . إن هذا الحديث علي ضعفه ، وإضطرابه ، يعتبر أفضل بكثير، مما قيل في البيان الذي أذيع من وسائل الإعلام الحكومية ، وذلك لأنه هنا ينفي ما قاله هناك ، من عدم وجود تعذيب. من الذي دفع الصادق المهدي أصلاً إلى الإدلاء بذلك البيان المتهافت ، حتى يحتاج إلى التنازل عن بعض ما ورد فيه؟! دفعه إليه الصفقة التي عقدها مع حكومة الجبهة ، لأنها في مقابل هذا البيان التزمت بالعفو عن زملائه ، رغم اعترافهم ، والعفو عنه هو، رغم شهادة زملائه ضده!!
    فحين سأله محرر الشرق الأوسط (تتحدث بعض الأطراف من أن الصادق المهدي باع أعوانه من أجل إطلاق سراحه ما ردكم؟) قال: (إطلاق سراحي لم يكن جزأ من الصفقة لأني اعتقلت للتحري ولم يعد للمتحريين ضدي حجه بعد أن أوردت قرائن تثبت عدم معرفتي بالموضوع وأبديت استعدادي لمقابلة من زج اسمي في مواجهة. إذا كان هناك بيع فالصحيح أن يقال لقد حاول بعض زملائي بيعي بذكر اسمي في هذه القضية)[24] .. وماذا يخشى الصادق ، من الزج باسمه ، اكثر من الاعتقال والتهديد؟! ألم يكن سياسيون آخرون مثل السيد احمد الحسين يهاجمون حكومة الجبهة ويعتقلون كل مرة ويطلق سراحهم ثم يهاجموها مرة اخرى؟!
    والصادق المهدي يعلم ، كما يعلم كل السودانيين، أن المتحريين من جماعة الجبهة لا يحتاجون إلى حجه ، حتى يلفقوا ضده ما شاءوا من الاتهامات ، ويمكنهم أن يرفضوا القرائن التي أشار اليها ، دون تردد ، إذا أرادوا بالفعل إدانته.. ولكنهم لم يفعلوا ذلك، لأن هناك صفقة بينهم وبين السيد الصادق المهدي ، تقضي بأن يدين زملاءه علناً ، وينفي عن النظام تهمة التعذيب ، ويثبت له حسن معاملة الخصوم السياسيين ..
    لقد كسبت الجبهة الإسلامية ، من هذه الصفقة ، بإظهارها حزب الأمة، وكأنه يسعى إلى التفجيرات والتخريب ، حسب اعتراف قادته ، الذين حين انكشفت مؤامراتهم ، تبرأ منهم زعيم الحزب ، ثم طلب لهم السماح!! ثم يقوم نظام الجبهة المتسامح ، الذي لم يعذب هؤلاء الساعيين للخراب، حسب بيان زعيمهم، بالعفو عنهم، رغم جرمهم الشنيع هذا هو مكسب الجبهة من الصفقة فماذا كسب السيد الصادق غير سلامته الشخصية؟
    فاذا تخيلنا ان الاتراك قبضوا على مجموعة من الانصار، متهمة بتفجير أمدرمان ، ثم اعتقلوا الامام المهدي ، فهل كان سيلقي مثل بيان الصادق ، ويدين اصحابه ،ويطلب لهم السماح من اعدائهم؟! فإن كان ذلك لا يحدث فليقصر المنتفعون والمتملقون من القاب الامامة التي يطلقونها على الصادق لانه لا يستحقها!!

    (42)

    ولو كان السيد الصادق المهدي ، مثل السياسيين ، الذين يخطئوا ويصيبوا ، وينقدوا انفسهم ، ويتقبلوا نقد الغير، ويطوروا من مسار حركتهم ، لما احتجنا الى كل هذا التذكير ، بالتناقض بين اقواله ومواقفه .. ولكن يبدو ان الصادق يستمع كثيراً ، لثناء اتباعه عليه ، فقد كتبت رباح المهدي (ليست السياسة مناصب أو ألقابا، إنها مواقف وأفكار وحراك وقدرة على مخاطبة الجماهير وبلورة آرائها والتعبير عن أمانيها وتجسيد تطلعاتها.. وليجر من أراد استطلاعا ليدرك هل إذا حشد أي حشد جماهيري عفوي يتحلق الناس حول رموز النظام الذين تغطي صورهم الأخبار ويلهج باسمائهم المرئي والمذياع، أم «الصادق المهدي» الذي تجافيه تلك الوسائل وبعضها يرسل عليه اللعنات! حدثت هذه المواقف كثيرا على أرض الواقع. والإجابة لم تكن محتاجة لطرح السؤال.. فرصيف القلوب هو لأهل الإنقاذ مهما اجتهدت أبواق النظام.. بل وحدث موقف مماثل في الحرم المكي الشريف - أي حتى خارج الحدود السودانية - حيث حج رئيس جمهورية السودان ووفده في نفس العام الذي حج فيه إمام الأنصار ووفده، فلم يكن يعبأ بالوفد الرسمي أحد سوى المطوفون الرسميون، واحتشد حول الإمام الصادق الناس من كل حدب وصوب ومن جنسيات لبنانية ومصرية وأردنية وغيرها يتقاطرون للتحية وإظهار المحبة.. مما يذكر بالمشهد الذي حدث لهشام بن عبد الملك، الملك الأموي حينما لم يأبه به الناس وهو يقصد الحجر الأسود حتى جاء علي بن الحسين السجاد عليهما رضوان الله، فانفرج له الناس وأتاحوا له أن يلمس الحجر الأسود ويقبله، فاستنكر ملك بني أمية ذلك وقال من هذا؟، فرد عليه الفرزدق: هذا الذي تعرف البطحاء وطأته والبيت يعرفه والحل والحرم هذا ابن خير عباد الله كلهم هــذا التقي النقي الطاهر العلم..)[25]!!
    إن تشبيه الإمام على زين العابدين السجاد ، الذي عرف بانه يقضي كل ليلة يصلي ، ويبكي حتى الفجر، ويعطي حتى لا يبقى في بيته غير الثرى ليفترشه ، بالصادق المهدي ، لهو من سوء الأدب الديني!! غير انه ربما شفع للاستاذة رباح ، كون الصادق أبوها ، وكل فتاة بابيها معجبة ، وانها لا تملك من الخبرة والتجربة ، ما يمكنها من المعرفة باقدار الرجال!!
    على ان السيد الصادق ، هو الذي أوحى لابنائه ، واتباعه ، بانه شخص خارق ، وذو قامة روحية عالية!! فقد قال (لكن غريبة تعتبروني عاطلاً عن العمل... بالعكس أي انسان عندو أدنى قدر من المعرفة بالواقع بيلقاني مشغول اكثر من اللازم.
    * مشغول بي شنو..؟!
    - بالتخطيط والكتابة والعمل الكسبي.. ده كله غير السياسة... بعدين إنتو بتعتبروا الافندي البجي الشغل الساعة ثمانية كل يوم ده هو الوحيد الشغال..
    * لم يجد عندنا ردَّاً على السؤال..
    - (واصل حديثه).. ده يمكن يكون شغل بعض الناس لكن ده ما بيعني إنو ده شكل الشغل الموجود... أنا بشتغل طول ما أنا صاحي، ومرات بشتغل حتى وأنا نايم...
    * ده كيف...؟!
    - الرؤى جزء من النشاط البيساعد كتير جداً على تجلية كثير من الافكار..)
    !![26]
    إن هذا الداء قديم عند الصادق المهدي ، فهو لم يكتف بهذه القدرة الفائقة ، على العمل وهو نائم ، وانما سبق ان تحدث عن الاشياء غير العادية ، التي حدثت حتى قبل ولادته ، فقال (فتحت عيني علي الحياة علي صدى بعض الأحاديث العارضة وكانت تصدر من ثلاثة أشخاص أولهما حديث قاله عمي: يحي عبد الرحمن وكان يكبرني بأربع سنوات وهو كطفل في الرابع من عمره كان يردد "مهاجر سيأتي من كبكابية" والمعني الذي يقصده أن شخصاً ما ذا دور ما سيأتي من كبكابية وهي مدينة معروفه في دار فور في -غرب السودان-، وكان بعض النساء في الأسرة من اللواتي كن علي وشك وضع حملهن يسألن يحي المهدي: هل هذا مهاجر؟ فيجيب بالنفي وذات يوم حكت لي والدتي أن يحي قال لها (مهاجر جايي الخميس) وبالفعل ولدت يوم الخميس وكانت هذه إشارة غيبية أولي غامضة وثانيهم آن جدي الإمام عبد الرحمن روي إنه عندما جاءه نبأ ولادتي كان يقرأ سورة إبراهيم وكان والدي يريد أن يسميني إبراهيم ولكن كان لدي جدي الأمام ضيف وبينما هما جالسان جاء طائر القمرية واستقر فوق عمامة جدي الذي أقر بأن هذا نبأ وخلال حديثه مع الضيف أخبر بمولدي ورد عليه الضيف لماذا لا تسميه بأحد اسميك؟ وكان اسم جدي الإمام عبد الرحمن الصادق… الحديث الثالث أن جدتي السيدة سلمي بنت المهدي رأت رؤية وحكت لبنتها بحضوري وقالت لها: إنها رأت في رؤياها إنني أقف علي مئذنة وأقول "وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلي كل ضامر يأتين من كل فج عميق" . وقالت لوالدتي ابنك هذا سيكون له شأن)!![27]
    هذا المولود الذي بشر به الاطفال ، وحلمت به النساء ، وتمنته الحوامل ، ونبأ به الطير ، والذي يعمل وهو نائم ، انما هو السيد الصادق المهدي ، الذي يهيئ نفسه ، بمثل هذه الخطرفات ، ليحكم السودان ، بعد ان فشل في ذلك ، مرتين ، فهل رأى الناس مثل هذا الهوان؟!

    عمر القراي


    [1]- الحاج وراق: الصحافة17/1/2005
    [2]- الوفاق: يناير 2005
    [3]- يوسف سراج الدين الجبلاب: الصحافة يناير 2005
    [4]- سودانايل 22/2/2005
    [5]- الصحافة نوفمبر 2004 حوار اجرته صباح أحمد
    [6]- صديق مساعد: سودانايل نوفمبر 2004
    [7]- مجلة الاحكام القضائية 1968
    [8]- الرأي العام 13/7/1966
    [9]- د. ابراهيم على الحاج: التجربة الديمقراطية وتطور الحكم في السودان .
    [10]- اخبار اليوم فبراير 2005 حاوره هيثم كابو
    [11]- منصور خالد: النخبة السودانية ص 553
    [12] - حديث الصادق لجريدة للبيان بتاريخ 31/10/2001.
    [13]- الصحافة: سبتمبر2004 حوار اجراه الفاضل هواري .
    [14] - بيان الصادق للشعب السوداني: سودانايل 7/6/2004
    [15]- المصدر السابق
    [16]- ندوة الصادق المهدي بواشنطن 25 مايو 1997
    [17] - الصادق المهدي: الديمقراطية عائدة وراجحة صفحة 27
    [18]- الصحافة يناير 2005 ندوة الصادق بدبي .
    [19]-اخبار اليوم فبراير 2005 حاوره هيثم كابو
    [20]- جريدة الحياة 5/7/1994
    [21] - المصدر السابق
    [22] - الشرق الاوسط 5/7/1994
    [23]- الشرق الاوسط 10/7/1994
    [24]- الشرق الاوسط 11/7/1994
    [25]- الصحافة 5/12/2004
    [26]- الصحافة: نوفمبر 2004 حاورته صباح أحمد
    [27]- مجلة الوسط العدد 126 بتاريخ 26/6/1994
                  

العنوان الكاتب Date
د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية " ودعاوى التجديد Omer Abdalla01-04-05, 05:38 PM
  Re: د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية " ودعاوى التجديد Omer Abdalla01-05-05, 08:13 AM
  Re: د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية " ودعاوى التجديد Omer Abdalla01-21-05, 07:02 AM
    Re: د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية " ودعاوى التجديد أبوالريش01-21-05, 07:23 AM
      Re: د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية " ودعاوى التجديد Basheer abusalif02-19-05, 03:07 PM
  Re: د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية " ودعاوى التجديد Omer Abdalla01-21-05, 04:56 PM
  Re: د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية " ودعاوى التجديد lana mahdi01-21-05, 10:01 PM
  Re: د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية " ودعاوى التجديد Omer Abdalla01-22-05, 08:14 AM
  Re: د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية " ودعاوى التجديد Omer Abdalla02-18-05, 01:58 PM
  = Basheer abusalif02-19-05, 03:12 PM
  Re: د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية " ودعاوى التجديد محمد عبد القادر سليمان02-19-05, 05:16 PM
  Re: د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية " ودعاوى التجديد Omer Abdalla03-03-05, 10:22 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de