د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية " ودعاوى التجديد

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-05-2024, 08:44 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الأول للعام 2005م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-04-2005, 05:38 PM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-03-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية " ودعاوى التجديد


    الصادق المهدي و"الانكفائية " ودعاوى التجديد
    تعقيب على ورشة عمل الانصار" نحو مرجعية اسلامية جديدة ..."

    الحلقة السابعة

    (25)
    (الجهاد هو بذل الوسع كله لإعلاء كلمة الله في نفس الإنسان وفي كل دروب الحياة، فالإنسان يغالب الشر في نفسه مجاهداً، ويدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة مجاهداً، ويغالب الجهل والفقر والمرض مجاهدا، ويقاتل لكي لا يفتن في دينه ودفاعاً عن نفسه جهادا. الجهاد بهذا الفهم الواسع ليس حصة في الحياة، إنه كل حياة المسلم، إنه رهبانية الأمة) . هذه العبارة الانشائية ، هي تعريف السيد الصادق المهدي للجهاد ، وهو بها ، يخلط خلطاً مضللاً ، بين مستويين من الجهاد هما: جهاد النفس ، وهو أصل من اصول الدين ، وجهاد غير المسلمين ، وهو فرع قامت عليه الشريعة ، وانتشر به الاسلام . فقد ورد في الحديث ، ان النبي صلى الله عليه وسلم ، قال وهو راجعاً من احدى الغزوات (رجعنا من الجهاد الاصغر الى الجهاد الأكبر- جهاد النفس)!! فالجهاد الاكبر، هو الذي يحتمل صاحبه الأذى ، دون ان يدفع عن نفسه ، وهو يدعو الآخرين بالتي هي احسن ، ويرجع الى نفسه ، كي يقومها ، متى ما رفض الآخرون دعوته .. ولقد ظل النبي عليه السلام ، على هذا المستوى الرفيع ، طوال فترة الدعوة في مكة ، وعلى نهجه نزل معظم القرآن . ولكن هذا المستوى الذي يمثل أصل الاسلام ، ويتلخص في الدعوة بالتي هي احسن ، والتركيز على النفس ، قد تم نسخه حين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالهجرة الي المدنية ، وأحكم الجهاد الاصغر ، فاستبدل مستوى الحرية بمستوى الوصاية!!
    ولم يقف الصادق المهدي ، عند ظاهرة النسخ ، ولم يحاول تفسيرها ، ظناً منه انه يمكن ان يتجاوز الطرح العتيد ، الذي اسسه الاستاذ محمود محمد طه في هذا الصدد . وبدلاً من مواجهة الموضوع في مستوى ما طرح ، حاول ان يطفف رأي القائلين بالجهاد بالسيف ، فنسبه في المحدثين ، الى سيد قطب ، وفي القدامى الىابن القيم ، وكأنه ليس هناك أحد ، غير هذين الكاتبين ، تحدث عن الجهاد بنفس المعنى .. وبدلاً من النظر في الوقائع التاريخية ، التي تؤكد ما ذهب اليه الكاتبان، وغيرهم من عموم المفسرين ، وجمهور الفقهاء ، اعتبره مجرد تضييق لمفهوم الجهاد!! يقول الصادق (هنالك فهم آخر ضيق للجهاد، هذا الفهم الضيق يجعل الجهاد قتالاً هجومياً بموجب آيات السيف. قال الأستاذ سيد قطب: "إن في كتاب الله سورة هي سورة التوبة تضمنت أحكاماً نهائية بين الأمة الإسلامية وسائر الأمم في الأرض". وقبل ذلك اعتبر ابن القيم آية السيف الواردة في سـورة التوبة الآية المحكمة الناسخة لكل ماعداهـا) ..
    وبعد ان اورد آية السيف المشهورة ، من سورة براءة ، ذهب يؤكد ان حكمها خاص ، وان الجهاد لا يقع الا اذا تم الاعتداء على المسلمين ، وهو انما يعتمد في هذا الفهم على أحد المتأخرين ، هو الشيخ محمد رشيد رضا صاحب تفسير المنار ، وليس هنالك بأس في ان يعتمد السيد الصادق ، على رأي شاذ في هذه القضية ، ولكن الأمانة العلمية تقتضي ان يورد آراء كبار المفسرين ، من أمثال ابن عباس ، وابن كثير، ويوضح لماذا ترك اراءهم ، واخذ برأي صاحب تفسير المنار!!
    يقول الصادق المهدي (الآية 5 من التوبة سبقتها آية 4 ونصها: إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شيئا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إلى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِين هذه الآية أعطت الأمان َ لأولئك الذين لم يكن اتصالهم بالمسلمين عدائيا. وأعقبتها آية 6 ونصها: وان أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ استجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ الله ثُمَّ أبلغه مأمنه ذلك بانهم قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ" . وَإِنْ هاتان الآيتان السابقة للآية 5 واللاحقة لها تؤكدان أن الآية الخامسة إنما تقرر حكما يسري في ظرف معين أي أن الآية الخامسة معنية بفئة معينة بدأت المسلمين بالعدوان وهمت بإخراجهم من ديارهم . الآية 29 المقصود بها ليس كل أهل الكتاب بل فريق منهم له شروط ذكرتها الآية.
    قال صاحب المنار الشيخ محمد رشيد رضا تفسيرا للآية: إنها تعني قاتلوا الفريق من أهل الكتاب- عند وجود ما يقتضي وجوب القتال كالاعتداء عليكم أو على بلادكم أو اضطهادكم وفتنتكم عن دينكم أو تهديد أمنكم وسلامتكم كما فعل الروم فكان سبباً لغزوة تبوك)
    .
    والحق ، الذي حاول الصادق ان يضلل عنه ، هو ان الآية 4 من سورة التوبة ، وهي قوله تعالى "إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئاً ولم يظاهروا عليكم أحداً فاتموا اليهم عهدهم الى مدتهم أن الله يحب المتقين" هي التي تحوي حكماً خاصاً ، يستثني المشركين المعاهدين ، من القتال المعلن على كافة المشركين .. وحتى هذا الاستثناء لم يكن مطلقاً ، وانما هو مقيد بانتهاء مدة العهد ، فاذا تم العهد الى مدته ، يقاتلوا كغيرهم من المشركين .. وكذلك الآية 6 وهي قوله تعالى "وان احد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم ابلغه مأمنه ذلك بانهم قوم لا يعلمون" فهي تحوي حكماً خاصاً ، بمن طلب الاجارة ، حتى يسمع القرآن، فيقرر بعد ذلك ان يسلم ، أو يظل كافراً فيتحمل تبعات ذلك .. ولما كان الحكم العام ، هو قتل المشركين ، احتاج هذا الشخص المجار، بعد ان يسمع القرآن ، لمن يبلغه مأمنه ، حتى لا يلقاه المسلمون فيقتلونه ، بسبب ان مشرك وهم لا يعلمون ، انه قد استثني بطلبه الامهال ليسمع القرآن ، ثم يقرر بعد ان يرجع آمناً الى أهله .
    وحتى يخلص الصادق الى الفهم الخاطئ ، لم يستعرض سورة التوبة من اولها ، وهي السورة الوحيدة في القرآن التي لا تبدأ بـ"بسم الله الرحمن الرحيم" ، وذلك لانها في رأي سائر المفسرين ، قد جاءت بانهاء العهود ، واحكام القتال في المشركين ، وفي أهل الكتاب . جاء في تفسير الآية (قال علي بن ابي طلحة عن ابن عباس في قوله "براءة من الله ورسوله الى الذين عاهدتم من المشركين * فسيحوا في الأرض اربعة اشهر" الآية قال: حد الله للذين عاهدوا ورسوله أربعة أشهر يسيحون في الأرض حيث شاءوا وأجل أجل من ليس له عهد انسلاخ الأشهر الحرم من يوم النحر الى سلخ المحرم فذلك خمسون ليلة فأمر الله نبيه اذا انسلخ الاشهر الحرم ان يضع السيف في من لم يكن بينه وبينه عهد يقتلهم حتى يدخلوا في الاسلام وأمر بمن كان له عهد اذا انسلخ اربعة أشهر من يوم النحر الى عشر خلون من ربيع الآخر ان يضع فيهم السيف أيضاً حتى يدخلوا في الاسلام . وقال ابومعشر المدني حدثنا محمد بن كعب القرظي وغيره قالوا بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبابكر أميراً على الموسم سنة تسع وبعث علي بن ابي طالب بثلاثين آية أو أربعين آية من براءة فقرأها على الناس يؤجل المشركين أربعة أشهر يسيحون في الأرض فقرأها عليهم يوم عرفة أجلهم عشرين من ذي الحجة والمحرم وصفر وشهر ربيع الأول وعشراً من ربيع الآخر وقرأها عليهم في منازلهم وقال "لا يحجن بعد عامنا هذا مشرك ولا يطوفن بالبيت عريان")[1]
    أما الآية 5 ، وهي آية السيف ، التي ادعى الصادق ان حكمها خاص ، وهي قوله تعالى "فاذا انسلخ الاشهر الحرم فأقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فان تابوا واقاموا الصلاة واتوا الزكاة فخلوا سبيلهم ان الله غفور رحيم" فقد جاء في تفسيرها ("فاذا انسلخ الاشهر الحرم" أي اذا انقضت الأشهر الاربعة التي حرمنا عليكم فيها قتالهم وأجلناهم فيها فحيثما وجدتموهم فاقتلوهم ... قوله "فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم" أي من الأرض وهذا عام والمشهور تخصيصه بتحريم القتال في الحرم .. قوله "وخذوهم" أي وأسروهم إن شئتم قتلاً وان شئتم أسراً قوله "واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد" أي لا تكتفوا بمجرد وجدانكم لهم . بل اقصدوهم بالحصار في معاقلهم وحصونهم والرصد في طرقهم ومسالكهم حتى تضيقوا عليهم الواسع وتضطروهم الى القتل او الاسلام ولهذا قال "فان تابوا واقاموا الصلاة واتوا الزكاة فخلوا سبيلهم ان الله غفور رحيم" ولهذا اعتمد الصديق رضي الله عنه في قتال مانعي الزكاة على هذه الآية الكريمة وامثالها حيث حرمت قتالهم بشرط هذه الافعال وهي الدخول في الاسلام والقيام باداء واجباته ... وقد جاء في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال "أمرت ان اقاتل الناس حتى يشهدوا ان لا اله الا الله وان محمداً رسول الله ، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة " الحديث ... وهذه الآية الكريمة هي آية السيف التي قال فيها الضحاك بن مزاحم انها نسخت كل عهد بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين أحد من المشركين وكل عقد وكل مدة وقال العوفي عن ابن عباس في هذه الآية لم يبق لأحد المشركين عهد ولا ذمة منذ نزلت براءة وانسلاخ الاشهر الحرم ...)[2]
    وعن الآية 29 يقول الصادق (الآية 29 المقصود بها ليس كل أهل الكتاب بل فريق منهم له شروط ذكرتها الآية.
    قال صاحب المنار الشيخ محمد رشيد رضا تفسيرا للآية: إنها تعني قاتلوا الفريق من أهل الكتاب- عند وجود ما يقتضي وجوب القتال كالاعتداء عليكم أو على بلادكم أو اضطهادكم وفتنتكم عن دينكم أو تهديد أمنكم وسلامتكم كما فعل الروم فكان سبباً لغزوة تبوك)
    . ولكن المفسرين يرون غير ذلك .. جاء في تفسير الآية (قوله تعالى "قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين اوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون" فهم في نفس الأمر لما كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم لم يبق لهم ايمان صحيح بأحد الرسل ولا بما جاءوا به وانما يتبعون آراءهم واهواءهم وآباءهم فيما هم فيه ، لا لانه شرع الله ودينه ، لانهم لو كانوا مؤمنين بما بايديهم إيماناُ صحيحاً لقادهم ذلك الى الايمان بمحمد صلى الله عليه وسلم لان جميع الانبياء بشروا به وامروا باتباعه ... وهذه الآية الكريمة أول الامر بقتال أهل الكتاب بعد ما تمهدت أمور المشركين ودخل الناس في دين الله افواجاً واستقامت جزيرة العرب امر الله رسوله بقتال اهل الكتابين اليهود والنصارى وكان ذلك في سنة تسع ... قوله "حتى يعطوا الجزية" أي ان لم يسلموا "عن يد" أي عن قهر وغلبة "وهم صاغرون" أي ذليلون حقيرون مهانون فلهذا لا يجوز اعزاز اهل الذمة ولا رفعهم على المسلمين بل هم اذلاء صغرة اشقياء كما جاء في صحيح مسلم عن ابي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تبدأوا اليهود والنصارى بالسلام واذا لقيتم احدهم في طريق فاضطروهم الى أضيقه ...)[3]
    ولقد كانت رسائل النبي صلى الله عليه وسلم للملوك تجري هكذا (اسلموا تسلموا يكن لكم ما لنا وعليكم ما علينا فان ابيتم فادوا الجزية والا فاستعدوا للقتال) وهكذا خرجت جيوش المسلمين من المدينة ، تحارب اهل الكتاب من الروم حتى احتلت الاندلس ، واجزاء من جنوب اوربا ، وشمال افريقيا، وتحارب اهل الديانات الاخرى ، في الشرق ، حتى وصلت الى الصين .. فمن أين جاء صاحب المنار بقوله: (إنها تعني قاتلوا الفريق من أهل الكتاب- عند وجود ما يقتضي وجوب القتال كالاعتداء عليكم أو على بلادكم أو اضطهادكم وفتنتكم عن دينكم أو تهديد أمنكم وسلامتكم...)؟! لقد حددت آية السيف ، وآية الجزية ، سبب القتال بانه الشرك ، وعدم الايمان ، ولم تقل بانه الاعتداء على المسلمين ، او حاجة المسلمين للدفاع عن انفسهم .. وقررت ان الخلاص من القتل في حالة المشركين ، لا يكون الا بالاسلام ، وفي حالة اهل الكتاب ، يمكن ان يكون بالاسلام او بدفع الجزية .. فلماذا وافق الصادق على رأي صاحب المنار، وذهب يؤكد ان القتال ، انما كان دفاع عن النفس ، فقال (إن الجهاد يعني إلزام النفس بمقاصد الشريعة واستخدام كل الوسائل لنشر مقاصد الشريعة ولا يستخدم العنف إلا في حالة: الدفاع عن النفس- مقاومة الاضطهاد الديني)؟!
    ولاعبرة بحديث الصادق المهدي ، عن وجود آيات كثيرة تدعو الى السلم والحسنى ، أو بايراده قوله تعالى "أدع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن" لأن هذه الآيات نسخت بآية السيف ، التي وردت في سورة التوبة ، وهي من أواخر السور نزولاً .. فآيات الاسماح منسوخة ، والا لما قام الجهاد، ولا سيرت الجيوش شرقاً وغرباً . والدعوة الى آيات الاسماح ، اليوم ، هي دعوة الى بعث القرآن المنسوخ ، واحكامه ، وهذا يعني تعطيل احكام القرآن الناسخ ، بما فيها امر الجهاد الاصغر . والانتقال من القرآن الناسخ ، الى القرآن المنسوخ ، هو السبيل الوحيد ، الى تقديم فهم ينسجم مع اصل الدين ، وحاجة العصر، وهو ما يدور حوله الصادق ، منذ زمن ، ولا يريد ان يقبله ، ولا يملك ان يرفضه!! وهو لا يريد ان يقبله ، حتى يقر وهو الامام ، الذي ينتظر منه اتباعه تجديد الدين ، بان هناك من فهم الدين ، على نحو اصح منه .. وهو لا يملك ان يرفضه حتى يظل في نفس السلة ، مع غيره من السلفيين ، وهو يدعي الصحوة والحداثة!! ولم يكن الصادق المهدي ليقع في هذا التناقض المزري ، لولا ان امر الدين ، في صدره ضعيف ، وأمرالزعامة عظيم ..

    (26)
    يقول الصادق المهدي (مصلحتنا في التعايش: بالإضافة لهذه الحقائق فإن مصلحة الإسلام في العصر الحديث تكمن في التسامح والتعايش مع حضارات الإنسان الأخرى للأسباب الآتية:
    أولا: مع أن المسلمين في أضعف حالاتهم من الناحية السياسية فإن الدين الإسلامي ينتشر بسرعة في كل قارات العالم بالقدوة وبالتي هي أحسن. الإسلام اليوم وفي مناخ التسامح الديني أوسع الأديان انتشارا في أغلب القارات.
    ثانيا: علماء الاستشراق ومن لف لفهم، وقد كانوا - في الغالـب - حربا على الإسلام، بدا منهم منذ حين اتجاه جديد أكثر موضوعية في تناول الإسلام.
    ثالثا: ثلث المسلمين اليوم يعيشون أقليات مع أغلبيات مغايرة، كذلك يعيش الباقون غالبا مع أقليات مغايرة. ولا سبيل للتعامل في كل هذه الظروف، لا سيما في المناخ الدولي المعاصر، إلا بالتسامح والتعايش)
    !!
    أنظر كيف يدافع الصادق ، عن تطبيق التسامح ، بسبب مصلحة المسلمين اليوم ، لأنهم "في اضعف حالاتهم من الناحية السياسية " ولان "ثلث المسلمين يعيشون أقليات مع اغلبيات مغايرة"!! فماذا يكون الوضع اذا لم يكن المسلمين في وضع الضعف والقلة؟! هل يمارسون الجهاد وينسون التسامح؟! ان التسامح يجب ان يطبق لأنه أصل الدين ، ولأنه احسن ما في القرآن قال تعالى "واتبعوا احسن ما انزل اليكم من ربكم" ولانه هو ، الذي يحقق كرامة الانسان ، من حيث هو انسان ، بغض النظر عن اعتقاده . هذا هو ما كان ينبغي للصادق ان يعيه ، لو كان حقاً يسعى لتحقيق التجديد الديني المرتقب .
    يقول الصادق المهدي (السياسة الدولية التي أوجبها جمهور الفقهاء يومئذ هي: علاقات دولية تقوم على الحرب. وواجب جهادي يفرض على المسلم نشر الإسلام بالقوة. ومعاملة للمغلوب تقوم على استرقاقه إن غلب في الحرب أو على الاتفاق معه في عهد غير متكافئ إن استسلم دون حرب. وإن عاش غير المسلم في ظل الدولة الإسلامية بصفة دائمة فهو في ذمتهم ينظم حقوقه وواجباته عهد الذمة.) هذا وصف صحيح ، لواقع الحال ، تحت ظل الشريعة الاسلامية ، فاذا كان الصادق المهدي، يعرف ذلك ، فلماذا ذكر ان آية السيف كانت حالة خاصة ، وان الجهاد بالسيف كان من اجل الدفاع عن النفس؟! هل يظن الصادق ان الفقهاء ، حين اتفقوا على سياسة الحرب ، وفصلوا في الاسترقاق ، وفي ما ملكت ايمانهم ، جاءوا بذلك من عند انفسهم ، أم انهم اعتمدوا على نصوص واضحة ، في القرآن وفي الحديث ، وفي ما تم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء من بعده؟!
    ولم يذكر لنا الصادق ، لماذا خرجت الجيوش من الجزيرة العربية ، تنشر الاسلام في مشارق الارض ومغاربها ، اذا كان الجهاد هو مجرد دفاع عن النفس؟! وبدلاً من ان يفكر في ذلك ، اكتفى بان يقول (فالقول بأن الجهاد لنشر الإسلام، وأن الإسلام انتشر بحد السيف أكذوبة)!! ان الاكذوبة الحقيقية ، ان يتنازل الصادق عن الجهاد بالسيف، ويصر على ان يكون إماماً للانصار، الذين لم يقم كيانهم الا على الجهاد ..
    هناك خلط شائع بين الجهاد والدفاع عن النفس ، فمع ان المدافع عن نفسه أو عرضه أو ارضه أو ماله في وجه المعتدي يعتبر مجاهداً الا ان الجهاد أبعد مدى من ذلك . إذ ان كل دفاع عن النفس جهاد ، وليس كل جهاد دفاع عن النفس . والدفاع عن النفس حق مشروع ولم يجئ به الاسلام ، وانما هو عرف سابق لكل الاديان ، وعليه نشأت المجتمعات البدائية القديمة . وهو لذلك أمر طبيعي ، ولا يحتاج الاسلام لفرضه على الناس ، وإن اعتبره من مكارم الأخلاق وبدأ به الجهاد كما ذكرنا. أما الجهاد المقصود والذي جاء به الاسلام ، ورفع الله اصحابه الدرجات العلى ، فهو القتال من اجل اعلاء كلمة الله في الارض ولذلك خرجت جيوش المسلمين من جزيرة العرب تغزوا بلاد الهند والصين والاندلس لنشر الاسلام مع ان أهل تلك البلاد لم يعتدوا على العرب في ارضهم . وحين انتصر المسلمون فرضوا نظامهم واقاموا سلطان الدولة الاسلامية ولم يرجعوا عن تلك البلاد ، مما يدل على انهم لم يجيئوا دفاعاً عن النفس أو درءاً لظلم وقع بهم . والحق ان الشعوب الأخرى التي وقع عليها الغزو هي التي كانت تدافع عن اوطانها ونظامها ومعتقداتها في وجه الغزو الاسلامي .
    لقد اخطا كثير من الدعاة الاسلاميين خطأ فادحاً حين ذكروا ان حروب الاسلام قد كانت حروباً دفاعية .. ولعل ما دفعهم لهذا الخطا هو محاولتهم للرد على بعض المستشرقين الذين كتبوا ان الاسلام انتشر بحد السيف .. والحق ان حروب الاسلام مبررة بما يكفي اذا اخذنا ملابسات الوقت في الاعتبار. فقد نزل الاسلام على مجتمع كان العرف السائد فيه ، هو الحرب والقتال لأتفه الاسباب . فلم يكن من الممكن تجاوز هذا العرف تماماً . لذلك اتجه الاسلام ليوجه غاية الحرب بدلاً من الحرب بلا هدف لتصبح حرباً من أجل اعلاء قيم الحق والعدل ، وهو مع ذلك لم يحارب ابتداء ، وانما حارب بعد ان اضطر الى ذلك ، حين عجزت الجماعة عن النهوض بمسؤولية الحرية ، فلم يكن هناك بد من مصادرة حريتها وفرض الوصاية عليها .. فالاسلام استعمل السيف ولكن (كما يستعمل الطبيب المبضع وليس كما يستعمل الجزار المدية) كما قال الاستاذ محمود محمد طه .
    (ولكن الأمر الذي لا بد من تقريره ، هو ان الحروب بغرض نشر الدين غير مبررة اليوم . لأن العرف المقبول اليوم اصبح السلم وليس الحرب .. ولأن البشرية قد تطورت للحد الذي جعلها تتعلق بمبادئ الحرية وتستنكر مصادرتها الا وفق القانون الذي ينظمها .. ولقد قامت مواثيق الأمم المتحدة ، ومبادئ حقوق الانسان على حق الانسان في الحياة وفي الحرية بغض النظر عن دينه أو جنسه أو لونه أو نوعه من ذكر وانثى .. لقد اصبح من الصعب على العقل المعاصر ان يقبل فكرة قتل انسان لمجرد انه مخالف لما تعتقد فيه أنت .. وهذا هو السبب الذي دفع بعض الدعاة الاسلاميين ، حين عجزوا عن الرد على المستشرقين ، ان ينكروا حقيقة ان الاسلام فرض نفوذه وسلطانه بقوة السلاح ، وغزو الآخرين في ديارهم لنشر عقيدته) .[4]

    (27)
    يقول الصادق المهدي (فإذا قام نظام إسلامي يلتزم بالأحكام التي رآها جمهور الفقهاء في العلاقات الدولية فإن هذا يقتضي الآتي:
    أ- إلغاء المواثيق والنظم الحالية لأنها قائمة على أساس مساواة الحقوق الإنسانية وعلى المعاملة بالمثل.
    ب- تنظيم العلاقات مع غير المسلمين على أساس الحرب المستمرة، اللهم إلا الذين قبلوا إقامة علاقات ثنائية مع المسلمين تقوم على عهد يقر للمسلمين باليد العليا.
    ج- استعداد المسلمين لخوض قتال ضد كل الذين لا يقبلون الإسلام دينا.
    د- فرض نظم الذمة والرق على الأقليات الدينية وعلى الذين غلبوا نتيجة القتال الشرعي الذي يخوضه المسلمون لنشر الإسلام.
    هـ- إلزام الأقليات المسلمة في البلاد غير الإسلامية بالهجرة إلى دار الإسلام-وهم كما رأينا مئات الملايين من البشر.
    بهذه النتيجة يفرح العلمانيون فرحا شديدا، ويستشهدون بها على عدم صلاحية الإسلام للعصر الحديث. ويقولون أن للإسلام أن يستمر كعقيدة وعبادة ما آمن به الناس ولكنه لا يصلح كأساس للقوانين ونظم الحكم وتنظيم العلاقات الدولية)
    .
    ان الاحكام التي اتفق عليها جمهور الفقهاء ، هي الشريعة الاسلامية ، كما وردت في نصوص قطعية الاحكام ، طبقها النبي صلى الله عليه وسلم ، واصحابه من بعده .. والشريعة ، فعلاً ، تقرر في شأن العلاقات الدولية ، ما ذكره الصادق هنا ، فماذا سيفعل الصادق؟! هل يترك الشريعة لانه (بهذه النتيجة يفرح العلمانيون فرحا شديدا، ويستشهدون بها على عدم صلاحية الإسلام للعصر الحديث.) أم يصر على تطبيق الشريعة ، ولو كره الكافرون؟! أم انه سيترك الشريعة جانباً ، ويترك ما اسماه اتفاق جمهور الفقهاء ، ويبحث عن نصوص يعتسفها اعتسافاً ، ويعتبرها هي الشريعة التي يجب ان تطبق ، ولو قامت على آيات منسوخة؟!
    هذا الفهم العجيب ، هو حقاً ، مخرج الصادق ، ولذلك قال (إن نصوص الشريعة الإسلامية التي ينبغي أن نراعيها في إقامة علاقاتنا الدولية هي:
    أولاً ان الانسان مكرم لمجرد انسانيته . قال تعالى (ولقد كرمنا بني آدم)
    ثانياً: العدل مأمور به ومطلوب دائماً وفي كل الحالات . قال تعالى "ولا يجرمنكم شنآن قوم على الا تعدلوا اعدلوا هو اقرب للتقوى"
    ثالثاً الوفاء بالعهد واجب دائماً وفي كل حال . قال تعالى "والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون" "ثلاثة الكفر والايمان فيهم سواء: العهد والامانة والرحم" فان عاهدت فاوف العهد وان ائتمنت فأد الامانة لأهلها وصل الرحم سواء كان المعاهد والمؤتمن وذو الرحم مؤمناً أو كافراً .
    رابعاً والتعاون مع الناس من غير ملتنا مطلوب ما لم يظلمونا. قال تعالى "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم ان تبروهم وتقسطوا اليهم ان الله يحب المقسطين"
    خامساً حرية العقيدة "لا اكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي")

    هذا ما قاله الصادق المهدي ، ولو كان الصادق صادقاً ، وجاداً ، ومهتماً فعلاً بأمر الاسلام ، لفكر لماذا لم يتفق جمهور الفقهاء ، على هذه النصوص التي اوردها- وهم بطبيعة الحال يعرفونها- ليخلصوا منها ، الى التعايش السلمي ، بدلاً من الحروب المستمرة ، وفرض نظم الذمة والرق؟! ان الجواب قريب!! ولكن الصادق لا يريد ان ان يسمعه ، وهو ان الفقهاء اقاموا أمرهم على الآيات الناسخة ، والتي تمثل الشريعة ، ولم يهتموا بالآيات المنسوخة ، لانهم فهموا ان النسخ الغاء نهائي للحكم ، وهو فهم يتفق فيه الصادق معهم .. وتناقض الصادق ، انما يجئ من رفع الآيات المنسوخة ، ليقيم عليها نظام العلاقات الدولية الجديد ، رغم رفضه لفكرة بعث القرآن المنسوخ!!
    قوله تعالى "ولقد كرمنا بني آدم" ، من الاصول التي لم تقم عليها الشريعة ، لان الشريعة كرمت المؤمن ، قال تعالى " ان العزة لله ولرسوله وللمؤمنين" فاذا كانت العزة نصيب المؤمنين ، فان الكفار نصيبهم الذلة ولذلك قال تعالى "حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون " والصغار ضد الكرامة . ومع ان العدل مطلوب في الشريعة ، وفي اصل الدين ، الا ان له معنى مختلفاً في كل منهما .. فالعدل في الشريعة ، قد يقوم على قتل المشركين ، بغرض ازالة الشرك باعتباره ظلم ، قال تعالى "يا بني لا تشرك بالله ان الشرك لظلم عظيم" ..
    وانه لحق ان الوفاء بالعهود واجب ، ولو كانت عهوداً مع الكفار، ولكن الشريعة قد الغت العهود مع المشركين وتبرأت منها، قال تعالى "براءة من الله ورسوله الى الذين عاهدتم من المشركين" فهل يريد الصادق ان يرجع الى ما قبل هذا الالغاء، فيبعث العهود مع الكافرين ، ويلغي ما احكم من امر قتالهم؟!
    ومعلوم ان الجهاد تدرج في النزول (ولعل اول ما ورد به الخطاب الالهي في امر الجهاد هو عدم موالاة الكافرين من قوله تعالى "ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون اليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق" .. ولم يقصد المشرع بهذه المعاملة ، كل الذين كفروا ، وانما عنى بالتحديد ، الذين قاموا باخراج المؤمنين من ديارهم واضطروهم للهجرة .. ولذلك يقول من نفس السورة "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا اليهم ان الله يحب المقسطين * انما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين واخرجوكم من دياركم وظاهروا على اخراجكم ان تولوهم ومن يتولهم فاؤلئك هم الظالمون" .. ويجدر بالملاحظة ان هذه الآيات لم تأمر بقتال الكافرين رغم اخراجهم للمؤمنين وذلك لأن الإذن بالقتال لم يجئ الا بعد ذلك في قوله تعالى "أذن للذين يقاتلون بانهم ظلموا وان الله على نصرهم لقدير * الذين اخرجوا من ديارهم بغير حق الا ان يقولوا ربنا الله ولو لا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً ولينصرن الله من ينصره ان الله لقوي عزيز" ..
    ولقد استمر التمهيد لقتال المشركين حتى نزلت الآية المشهورة عند المفسرين بآية السيف من سورة براءة وهي قوله تعالى " فاذا انسلخت الاشهر الحرم فأقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فان تابوا واقاموا الصلاة واتوا الزكاة فخلوا سبيلهم ان الله غفور رحيم" . لقد حددت هذه الآية الكريمة زمان قتال المشركين بمجرد انقضاء الاشهر الحرم ، وحددت مكان القتال بانه حيث وجد المشركون ، وحددت سبب القتال بانه كفرهم ، وعدم اقامتهم لشعائر الاسلام ، وحددت ايقاف القتال معهم ، بان يتوبوا ويقيموا هذه الشعائر!!)[5]
    أما آيات حرية العقيدة من امثال "وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" او "لا اكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي" فانها كلها منسوخة بآية السيف ، ولو لم تكن منسوخة ، لما قام الجهاد بالسيف مطلقاً .. والصادق المهدي متمسك بهذه الآيات المنسوخة ، ويرددها كثيراً ، ويرى فيها مخرجه ، الى باحات الحداثة ، والتجديد .. ولقد سبق ان ذكرنا انه لا يرجع هذه الافكار لصاحبها ، وانما يحاول ان يوهم البسطاء ، ممن يستمعون له في مثل هذا المنتديات ، بانه صاحب هذه الافكار ، وكل ما يخشاه الصادق المهدي ، لو اعلن اعجابه صراحة بفكرة بعث القرآن المنسوخ ، ان يصبح من تلاميذ الاستاذ محمود محمد طه ، وليس في ذلك بأس ، لو لا ان مطلب الصادق هو الزعامة وليس الحق!!
    ولعل الصادق المهدي ، قد شعر بان حديثه عن الحرية، والتعايش السلمي ، وخلافه مع جمهور الفقهاء ، الذين يدعون الى الجهاد ، وان اكسبه جانب المثقفين في حزب الأمة ، الا انه سيفقده جماهير الأنصار، ممن لا يفهمون الدين بغير جهاد ، فحاول أيضاً ارضاء هؤلاء ، في محاولة يائسة من التلاعب بالالفاظ ، تحقق له في آن معاً ، الوقوف بجانب الجهاد ، والوقوف ضده!! ولما لم تكن للرجل التزام خلقي ، او منهج منطقي ، يمنعه من اللعب على الحبلين ، فانه لم يتردد في ايراد كل هذا التناقض ، في نفس الورقة ، ولذلك قال (على المسلمين إيجاب الجهاد، وهو يعني العمل بكل الوسائل لتكون كلمة الله هي العليا ولبث الدعوة الإسلامية حيث لم تصل، والدعوة لإقامة الشريعة حيث عطلت، وبذل الوسع كله في سبيل هذين الهدفين، والاستعداد الدائم تدريبا وعتادا ووعيا بأساليب القتال لبذل الروح والمال والولد قتالا فدائيا في سبيل الله إذا منعت حرية الدعوة للإسلام أو إذا وقع عدوان على بلاد الإسلام)!! أقرأ مرة أخرى قوله (العمل بكل الوسائل لتكون كلمة الله هي العليا) هل تشمل كل الوسائل ، قتال غير المسلمين ، الذين رفضوا الاسلام ورفضوا دفع الجزية؟!
    وعن الجزية يقول السيد الصادق (وأما الجزية التي فرضها المسلمون مقابل حماية هذه البلدان فقد كانت خفيفة جدا بالمقارنة بالأعباء الاقتصادية الفادحة التي كان يفرضها الفرس والروم. كانت الجزية مفروضة على القادرين على القتال من الرجال، فلا يدخل فيها الشيوخ ولا النساء ولا الأطفال، وكانت مقاديرها طفيفة. قال الإمام أبو حنيفة: "الجزية على الفقير 12 درهما (في السنة) وعلى المتوسط 24 درهما، وعلى الغني 48 درهما" وكان الدينار يساوي 12 درهما. والدينار بنقد السودان في الستينات يساوي ثلاثين قرشا. أي أن الجزية كانت تساوي ثلاثين قرشا سودانيا للفقير في السنة، وستين قرشا للمتوسط ومائة وعشرين قرشا للغني. وهي مبالغ زهيدة جدا).
    ان مشكلة الجزية ، ليس في انها عبء اقتصادي زائد على غير المسلمين ، وانما في انها وسيلة اذلال وضغط ، حتى يجبر بها الناس ، دون قتال ، للدخول في الاسلام . والفقهاء الذين صدقوا مع قوله تعالى "حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون" فصلوا في ان الجزية ، لا تقبل ممن لا يأتي بها صاغراً ، ومن ذلك منعوا قبول جزية الذمّي ، لو جاء راكباً فرساً!!
    وهي كعبء اقتصادي زائد ، تدل على عدم تحقق المساواة بين المسلمين وغير المسلمين . فحين يدفع المسلم الزكاة وهو مثاب على ذلك ، يدفع غير المسلم الجزية ، وهو مهان ، وليس له ثواب ، حسب الفهم العام للمسلمين ، وذلك لانه خارج الملة!!
    ثم ان الارقام التي اوردها الصادق ، وخرج منها بنتيجة ان الجزية لا تمثل الا (مبالغ زهيدة جداً) ، لا تفيد هذا المعنى ، الا اذا عرفنا ما هو دخل الفرد ، غير المسلم ، في تلك المجتمعات ، قبل الف واربعمائة عام ..
    عمر القراي

    - نواصل -


    [1] - تفسير ابن كثير – الجزء الثاني 317 -318 طبعة دار الحديث القاهرة .
    [2]- المصدر السابق ص 322
    [3]- المصدر السابق ص 332
    [4] - عمر القراي (1995) الجهاد أم حرية الاعتقاد؟! ص 26-28
    [5]- المصدر السابق ص 22-23


    يمكن مراجعة الحلقات السابقة من الأرشيف - على الوصلة التالية:
    د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية" ودعاوى التجديد
                  

العنوان الكاتب Date
د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية " ودعاوى التجديد Omer Abdalla01-04-05, 05:38 PM
  Re: د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية " ودعاوى التجديد Omer Abdalla01-05-05, 08:13 AM
  Re: د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية " ودعاوى التجديد Omer Abdalla01-21-05, 07:02 AM
    Re: د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية " ودعاوى التجديد أبوالريش01-21-05, 07:23 AM
      Re: د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية " ودعاوى التجديد Basheer abusalif02-19-05, 03:07 PM
  Re: د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية " ودعاوى التجديد Omer Abdalla01-21-05, 04:56 PM
  Re: د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية " ودعاوى التجديد lana mahdi01-21-05, 10:01 PM
  Re: د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية " ودعاوى التجديد Omer Abdalla01-22-05, 08:14 AM
  Re: د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية " ودعاوى التجديد Omer Abdalla02-18-05, 01:58 PM
  = Basheer abusalif02-19-05, 03:12 PM
  Re: د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية " ودعاوى التجديد محمد عبد القادر سليمان02-19-05, 05:16 PM
  Re: د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية " ودعاوى التجديد Omer Abdalla03-03-05, 10:22 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de