د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية " ودعاوى التجديد

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-25-2024, 10:42 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الأول للعام 2005م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
01-04-2005, 05:38 PM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-03-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية " ودعاوى التجديد


    الصادق المهدي و"الانكفائية " ودعاوى التجديد
    تعقيب على ورشة عمل الانصار" نحو مرجعية اسلامية جديدة ..."

    الحلقة السابعة

    (25)
    (الجهاد هو بذل الوسع كله لإعلاء كلمة الله في نفس الإنسان وفي كل دروب الحياة، فالإنسان يغالب الشر في نفسه مجاهداً، ويدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة مجاهداً، ويغالب الجهل والفقر والمرض مجاهدا، ويقاتل لكي لا يفتن في دينه ودفاعاً عن نفسه جهادا. الجهاد بهذا الفهم الواسع ليس حصة في الحياة، إنه كل حياة المسلم، إنه رهبانية الأمة) . هذه العبارة الانشائية ، هي تعريف السيد الصادق المهدي للجهاد ، وهو بها ، يخلط خلطاً مضللاً ، بين مستويين من الجهاد هما: جهاد النفس ، وهو أصل من اصول الدين ، وجهاد غير المسلمين ، وهو فرع قامت عليه الشريعة ، وانتشر به الاسلام . فقد ورد في الحديث ، ان النبي صلى الله عليه وسلم ، قال وهو راجعاً من احدى الغزوات (رجعنا من الجهاد الاصغر الى الجهاد الأكبر- جهاد النفس)!! فالجهاد الاكبر، هو الذي يحتمل صاحبه الأذى ، دون ان يدفع عن نفسه ، وهو يدعو الآخرين بالتي هي احسن ، ويرجع الى نفسه ، كي يقومها ، متى ما رفض الآخرون دعوته .. ولقد ظل النبي عليه السلام ، على هذا المستوى الرفيع ، طوال فترة الدعوة في مكة ، وعلى نهجه نزل معظم القرآن . ولكن هذا المستوى الذي يمثل أصل الاسلام ، ويتلخص في الدعوة بالتي هي احسن ، والتركيز على النفس ، قد تم نسخه حين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالهجرة الي المدنية ، وأحكم الجهاد الاصغر ، فاستبدل مستوى الحرية بمستوى الوصاية!!
    ولم يقف الصادق المهدي ، عند ظاهرة النسخ ، ولم يحاول تفسيرها ، ظناً منه انه يمكن ان يتجاوز الطرح العتيد ، الذي اسسه الاستاذ محمود محمد طه في هذا الصدد . وبدلاً من مواجهة الموضوع في مستوى ما طرح ، حاول ان يطفف رأي القائلين بالجهاد بالسيف ، فنسبه في المحدثين ، الى سيد قطب ، وفي القدامى الىابن القيم ، وكأنه ليس هناك أحد ، غير هذين الكاتبين ، تحدث عن الجهاد بنفس المعنى .. وبدلاً من النظر في الوقائع التاريخية ، التي تؤكد ما ذهب اليه الكاتبان، وغيرهم من عموم المفسرين ، وجمهور الفقهاء ، اعتبره مجرد تضييق لمفهوم الجهاد!! يقول الصادق (هنالك فهم آخر ضيق للجهاد، هذا الفهم الضيق يجعل الجهاد قتالاً هجومياً بموجب آيات السيف. قال الأستاذ سيد قطب: "إن في كتاب الله سورة هي سورة التوبة تضمنت أحكاماً نهائية بين الأمة الإسلامية وسائر الأمم في الأرض". وقبل ذلك اعتبر ابن القيم آية السيف الواردة في سـورة التوبة الآية المحكمة الناسخة لكل ماعداهـا) ..
    وبعد ان اورد آية السيف المشهورة ، من سورة براءة ، ذهب يؤكد ان حكمها خاص ، وان الجهاد لا يقع الا اذا تم الاعتداء على المسلمين ، وهو انما يعتمد في هذا الفهم على أحد المتأخرين ، هو الشيخ محمد رشيد رضا صاحب تفسير المنار ، وليس هنالك بأس في ان يعتمد السيد الصادق ، على رأي شاذ في هذه القضية ، ولكن الأمانة العلمية تقتضي ان يورد آراء كبار المفسرين ، من أمثال ابن عباس ، وابن كثير، ويوضح لماذا ترك اراءهم ، واخذ برأي صاحب تفسير المنار!!
    يقول الصادق المهدي (الآية 5 من التوبة سبقتها آية 4 ونصها: إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنقُصُوكُمْ شيئا وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَدًا فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إلى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِين هذه الآية أعطت الأمان َ لأولئك الذين لم يكن اتصالهم بالمسلمين عدائيا. وأعقبتها آية 6 ونصها: وان أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ استجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ الله ثُمَّ أبلغه مأمنه ذلك بانهم قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ" . وَإِنْ هاتان الآيتان السابقة للآية 5 واللاحقة لها تؤكدان أن الآية الخامسة إنما تقرر حكما يسري في ظرف معين أي أن الآية الخامسة معنية بفئة معينة بدأت المسلمين بالعدوان وهمت بإخراجهم من ديارهم . الآية 29 المقصود بها ليس كل أهل الكتاب بل فريق منهم له شروط ذكرتها الآية.
    قال صاحب المنار الشيخ محمد رشيد رضا تفسيرا للآية: إنها تعني قاتلوا الفريق من أهل الكتاب- عند وجود ما يقتضي وجوب القتال كالاعتداء عليكم أو على بلادكم أو اضطهادكم وفتنتكم عن دينكم أو تهديد أمنكم وسلامتكم كما فعل الروم فكان سبباً لغزوة تبوك)
    .
    والحق ، الذي حاول الصادق ان يضلل عنه ، هو ان الآية 4 من سورة التوبة ، وهي قوله تعالى "إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئاً ولم يظاهروا عليكم أحداً فاتموا اليهم عهدهم الى مدتهم أن الله يحب المتقين" هي التي تحوي حكماً خاصاً ، يستثني المشركين المعاهدين ، من القتال المعلن على كافة المشركين .. وحتى هذا الاستثناء لم يكن مطلقاً ، وانما هو مقيد بانتهاء مدة العهد ، فاذا تم العهد الى مدته ، يقاتلوا كغيرهم من المشركين .. وكذلك الآية 6 وهي قوله تعالى "وان احد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم ابلغه مأمنه ذلك بانهم قوم لا يعلمون" فهي تحوي حكماً خاصاً ، بمن طلب الاجارة ، حتى يسمع القرآن، فيقرر بعد ذلك ان يسلم ، أو يظل كافراً فيتحمل تبعات ذلك .. ولما كان الحكم العام ، هو قتل المشركين ، احتاج هذا الشخص المجار، بعد ان يسمع القرآن ، لمن يبلغه مأمنه ، حتى لا يلقاه المسلمون فيقتلونه ، بسبب ان مشرك وهم لا يعلمون ، انه قد استثني بطلبه الامهال ليسمع القرآن ، ثم يقرر بعد ان يرجع آمناً الى أهله .
    وحتى يخلص الصادق الى الفهم الخاطئ ، لم يستعرض سورة التوبة من اولها ، وهي السورة الوحيدة في القرآن التي لا تبدأ بـ"بسم الله الرحمن الرحيم" ، وذلك لانها في رأي سائر المفسرين ، قد جاءت بانهاء العهود ، واحكام القتال في المشركين ، وفي أهل الكتاب . جاء في تفسير الآية (قال علي بن ابي طلحة عن ابن عباس في قوله "براءة من الله ورسوله الى الذين عاهدتم من المشركين * فسيحوا في الأرض اربعة اشهر" الآية قال: حد الله للذين عاهدوا ورسوله أربعة أشهر يسيحون في الأرض حيث شاءوا وأجل أجل من ليس له عهد انسلاخ الأشهر الحرم من يوم النحر الى سلخ المحرم فذلك خمسون ليلة فأمر الله نبيه اذا انسلخ الاشهر الحرم ان يضع السيف في من لم يكن بينه وبينه عهد يقتلهم حتى يدخلوا في الاسلام وأمر بمن كان له عهد اذا انسلخ اربعة أشهر من يوم النحر الى عشر خلون من ربيع الآخر ان يضع فيهم السيف أيضاً حتى يدخلوا في الاسلام . وقال ابومعشر المدني حدثنا محمد بن كعب القرظي وغيره قالوا بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبابكر أميراً على الموسم سنة تسع وبعث علي بن ابي طالب بثلاثين آية أو أربعين آية من براءة فقرأها على الناس يؤجل المشركين أربعة أشهر يسيحون في الأرض فقرأها عليهم يوم عرفة أجلهم عشرين من ذي الحجة والمحرم وصفر وشهر ربيع الأول وعشراً من ربيع الآخر وقرأها عليهم في منازلهم وقال "لا يحجن بعد عامنا هذا مشرك ولا يطوفن بالبيت عريان")[1]
    أما الآية 5 ، وهي آية السيف ، التي ادعى الصادق ان حكمها خاص ، وهي قوله تعالى "فاذا انسلخ الاشهر الحرم فأقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فان تابوا واقاموا الصلاة واتوا الزكاة فخلوا سبيلهم ان الله غفور رحيم" فقد جاء في تفسيرها ("فاذا انسلخ الاشهر الحرم" أي اذا انقضت الأشهر الاربعة التي حرمنا عليكم فيها قتالهم وأجلناهم فيها فحيثما وجدتموهم فاقتلوهم ... قوله "فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم" أي من الأرض وهذا عام والمشهور تخصيصه بتحريم القتال في الحرم .. قوله "وخذوهم" أي وأسروهم إن شئتم قتلاً وان شئتم أسراً قوله "واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد" أي لا تكتفوا بمجرد وجدانكم لهم . بل اقصدوهم بالحصار في معاقلهم وحصونهم والرصد في طرقهم ومسالكهم حتى تضيقوا عليهم الواسع وتضطروهم الى القتل او الاسلام ولهذا قال "فان تابوا واقاموا الصلاة واتوا الزكاة فخلوا سبيلهم ان الله غفور رحيم" ولهذا اعتمد الصديق رضي الله عنه في قتال مانعي الزكاة على هذه الآية الكريمة وامثالها حيث حرمت قتالهم بشرط هذه الافعال وهي الدخول في الاسلام والقيام باداء واجباته ... وقد جاء في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم انه قال "أمرت ان اقاتل الناس حتى يشهدوا ان لا اله الا الله وان محمداً رسول الله ، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة " الحديث ... وهذه الآية الكريمة هي آية السيف التي قال فيها الضحاك بن مزاحم انها نسخت كل عهد بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين أحد من المشركين وكل عقد وكل مدة وقال العوفي عن ابن عباس في هذه الآية لم يبق لأحد المشركين عهد ولا ذمة منذ نزلت براءة وانسلاخ الاشهر الحرم ...)[2]
    وعن الآية 29 يقول الصادق (الآية 29 المقصود بها ليس كل أهل الكتاب بل فريق منهم له شروط ذكرتها الآية.
    قال صاحب المنار الشيخ محمد رشيد رضا تفسيرا للآية: إنها تعني قاتلوا الفريق من أهل الكتاب- عند وجود ما يقتضي وجوب القتال كالاعتداء عليكم أو على بلادكم أو اضطهادكم وفتنتكم عن دينكم أو تهديد أمنكم وسلامتكم كما فعل الروم فكان سبباً لغزوة تبوك)
    . ولكن المفسرين يرون غير ذلك .. جاء في تفسير الآية (قوله تعالى "قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين اوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون" فهم في نفس الأمر لما كفروا بمحمد صلى الله عليه وسلم لم يبق لهم ايمان صحيح بأحد الرسل ولا بما جاءوا به وانما يتبعون آراءهم واهواءهم وآباءهم فيما هم فيه ، لا لانه شرع الله ودينه ، لانهم لو كانوا مؤمنين بما بايديهم إيماناُ صحيحاً لقادهم ذلك الى الايمان بمحمد صلى الله عليه وسلم لان جميع الانبياء بشروا به وامروا باتباعه ... وهذه الآية الكريمة أول الامر بقتال أهل الكتاب بعد ما تمهدت أمور المشركين ودخل الناس في دين الله افواجاً واستقامت جزيرة العرب امر الله رسوله بقتال اهل الكتابين اليهود والنصارى وكان ذلك في سنة تسع ... قوله "حتى يعطوا الجزية" أي ان لم يسلموا "عن يد" أي عن قهر وغلبة "وهم صاغرون" أي ذليلون حقيرون مهانون فلهذا لا يجوز اعزاز اهل الذمة ولا رفعهم على المسلمين بل هم اذلاء صغرة اشقياء كما جاء في صحيح مسلم عن ابي هريرة رضي الله عنه ان النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تبدأوا اليهود والنصارى بالسلام واذا لقيتم احدهم في طريق فاضطروهم الى أضيقه ...)[3]
    ولقد كانت رسائل النبي صلى الله عليه وسلم للملوك تجري هكذا (اسلموا تسلموا يكن لكم ما لنا وعليكم ما علينا فان ابيتم فادوا الجزية والا فاستعدوا للقتال) وهكذا خرجت جيوش المسلمين من المدينة ، تحارب اهل الكتاب من الروم حتى احتلت الاندلس ، واجزاء من جنوب اوربا ، وشمال افريقيا، وتحارب اهل الديانات الاخرى ، في الشرق ، حتى وصلت الى الصين .. فمن أين جاء صاحب المنار بقوله: (إنها تعني قاتلوا الفريق من أهل الكتاب- عند وجود ما يقتضي وجوب القتال كالاعتداء عليكم أو على بلادكم أو اضطهادكم وفتنتكم عن دينكم أو تهديد أمنكم وسلامتكم...)؟! لقد حددت آية السيف ، وآية الجزية ، سبب القتال بانه الشرك ، وعدم الايمان ، ولم تقل بانه الاعتداء على المسلمين ، او حاجة المسلمين للدفاع عن انفسهم .. وقررت ان الخلاص من القتل في حالة المشركين ، لا يكون الا بالاسلام ، وفي حالة اهل الكتاب ، يمكن ان يكون بالاسلام او بدفع الجزية .. فلماذا وافق الصادق على رأي صاحب المنار، وذهب يؤكد ان القتال ، انما كان دفاع عن النفس ، فقال (إن الجهاد يعني إلزام النفس بمقاصد الشريعة واستخدام كل الوسائل لنشر مقاصد الشريعة ولا يستخدم العنف إلا في حالة: الدفاع عن النفس- مقاومة الاضطهاد الديني)؟!
    ولاعبرة بحديث الصادق المهدي ، عن وجود آيات كثيرة تدعو الى السلم والحسنى ، أو بايراده قوله تعالى "أدع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي احسن" لأن هذه الآيات نسخت بآية السيف ، التي وردت في سورة التوبة ، وهي من أواخر السور نزولاً .. فآيات الاسماح منسوخة ، والا لما قام الجهاد، ولا سيرت الجيوش شرقاً وغرباً . والدعوة الى آيات الاسماح ، اليوم ، هي دعوة الى بعث القرآن المنسوخ ، واحكامه ، وهذا يعني تعطيل احكام القرآن الناسخ ، بما فيها امر الجهاد الاصغر . والانتقال من القرآن الناسخ ، الى القرآن المنسوخ ، هو السبيل الوحيد ، الى تقديم فهم ينسجم مع اصل الدين ، وحاجة العصر، وهو ما يدور حوله الصادق ، منذ زمن ، ولا يريد ان يقبله ، ولا يملك ان يرفضه!! وهو لا يريد ان يقبله ، حتى يقر وهو الامام ، الذي ينتظر منه اتباعه تجديد الدين ، بان هناك من فهم الدين ، على نحو اصح منه .. وهو لا يملك ان يرفضه حتى يظل في نفس السلة ، مع غيره من السلفيين ، وهو يدعي الصحوة والحداثة!! ولم يكن الصادق المهدي ليقع في هذا التناقض المزري ، لولا ان امر الدين ، في صدره ضعيف ، وأمرالزعامة عظيم ..

    (26)
    يقول الصادق المهدي (مصلحتنا في التعايش: بالإضافة لهذه الحقائق فإن مصلحة الإسلام في العصر الحديث تكمن في التسامح والتعايش مع حضارات الإنسان الأخرى للأسباب الآتية:
    أولا: مع أن المسلمين في أضعف حالاتهم من الناحية السياسية فإن الدين الإسلامي ينتشر بسرعة في كل قارات العالم بالقدوة وبالتي هي أحسن. الإسلام اليوم وفي مناخ التسامح الديني أوسع الأديان انتشارا في أغلب القارات.
    ثانيا: علماء الاستشراق ومن لف لفهم، وقد كانوا - في الغالـب - حربا على الإسلام، بدا منهم منذ حين اتجاه جديد أكثر موضوعية في تناول الإسلام.
    ثالثا: ثلث المسلمين اليوم يعيشون أقليات مع أغلبيات مغايرة، كذلك يعيش الباقون غالبا مع أقليات مغايرة. ولا سبيل للتعامل في كل هذه الظروف، لا سيما في المناخ الدولي المعاصر، إلا بالتسامح والتعايش)
    !!
    أنظر كيف يدافع الصادق ، عن تطبيق التسامح ، بسبب مصلحة المسلمين اليوم ، لأنهم "في اضعف حالاتهم من الناحية السياسية " ولان "ثلث المسلمين يعيشون أقليات مع اغلبيات مغايرة"!! فماذا يكون الوضع اذا لم يكن المسلمين في وضع الضعف والقلة؟! هل يمارسون الجهاد وينسون التسامح؟! ان التسامح يجب ان يطبق لأنه أصل الدين ، ولأنه احسن ما في القرآن قال تعالى "واتبعوا احسن ما انزل اليكم من ربكم" ولانه هو ، الذي يحقق كرامة الانسان ، من حيث هو انسان ، بغض النظر عن اعتقاده . هذا هو ما كان ينبغي للصادق ان يعيه ، لو كان حقاً يسعى لتحقيق التجديد الديني المرتقب .
    يقول الصادق المهدي (السياسة الدولية التي أوجبها جمهور الفقهاء يومئذ هي: علاقات دولية تقوم على الحرب. وواجب جهادي يفرض على المسلم نشر الإسلام بالقوة. ومعاملة للمغلوب تقوم على استرقاقه إن غلب في الحرب أو على الاتفاق معه في عهد غير متكافئ إن استسلم دون حرب. وإن عاش غير المسلم في ظل الدولة الإسلامية بصفة دائمة فهو في ذمتهم ينظم حقوقه وواجباته عهد الذمة.) هذا وصف صحيح ، لواقع الحال ، تحت ظل الشريعة الاسلامية ، فاذا كان الصادق المهدي، يعرف ذلك ، فلماذا ذكر ان آية السيف كانت حالة خاصة ، وان الجهاد بالسيف كان من اجل الدفاع عن النفس؟! هل يظن الصادق ان الفقهاء ، حين اتفقوا على سياسة الحرب ، وفصلوا في الاسترقاق ، وفي ما ملكت ايمانهم ، جاءوا بذلك من عند انفسهم ، أم انهم اعتمدوا على نصوص واضحة ، في القرآن وفي الحديث ، وفي ما تم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء من بعده؟!
    ولم يذكر لنا الصادق ، لماذا خرجت الجيوش من الجزيرة العربية ، تنشر الاسلام في مشارق الارض ومغاربها ، اذا كان الجهاد هو مجرد دفاع عن النفس؟! وبدلاً من ان يفكر في ذلك ، اكتفى بان يقول (فالقول بأن الجهاد لنشر الإسلام، وأن الإسلام انتشر بحد السيف أكذوبة)!! ان الاكذوبة الحقيقية ، ان يتنازل الصادق عن الجهاد بالسيف، ويصر على ان يكون إماماً للانصار، الذين لم يقم كيانهم الا على الجهاد ..
    هناك خلط شائع بين الجهاد والدفاع عن النفس ، فمع ان المدافع عن نفسه أو عرضه أو ارضه أو ماله في وجه المعتدي يعتبر مجاهداً الا ان الجهاد أبعد مدى من ذلك . إذ ان كل دفاع عن النفس جهاد ، وليس كل جهاد دفاع عن النفس . والدفاع عن النفس حق مشروع ولم يجئ به الاسلام ، وانما هو عرف سابق لكل الاديان ، وعليه نشأت المجتمعات البدائية القديمة . وهو لذلك أمر طبيعي ، ولا يحتاج الاسلام لفرضه على الناس ، وإن اعتبره من مكارم الأخلاق وبدأ به الجهاد كما ذكرنا. أما الجهاد المقصود والذي جاء به الاسلام ، ورفع الله اصحابه الدرجات العلى ، فهو القتال من اجل اعلاء كلمة الله في الارض ولذلك خرجت جيوش المسلمين من جزيرة العرب تغزوا بلاد الهند والصين والاندلس لنشر الاسلام مع ان أهل تلك البلاد لم يعتدوا على العرب في ارضهم . وحين انتصر المسلمون فرضوا نظامهم واقاموا سلطان الدولة الاسلامية ولم يرجعوا عن تلك البلاد ، مما يدل على انهم لم يجيئوا دفاعاً عن النفس أو درءاً لظلم وقع بهم . والحق ان الشعوب الأخرى التي وقع عليها الغزو هي التي كانت تدافع عن اوطانها ونظامها ومعتقداتها في وجه الغزو الاسلامي .
    لقد اخطا كثير من الدعاة الاسلاميين خطأ فادحاً حين ذكروا ان حروب الاسلام قد كانت حروباً دفاعية .. ولعل ما دفعهم لهذا الخطا هو محاولتهم للرد على بعض المستشرقين الذين كتبوا ان الاسلام انتشر بحد السيف .. والحق ان حروب الاسلام مبررة بما يكفي اذا اخذنا ملابسات الوقت في الاعتبار. فقد نزل الاسلام على مجتمع كان العرف السائد فيه ، هو الحرب والقتال لأتفه الاسباب . فلم يكن من الممكن تجاوز هذا العرف تماماً . لذلك اتجه الاسلام ليوجه غاية الحرب بدلاً من الحرب بلا هدف لتصبح حرباً من أجل اعلاء قيم الحق والعدل ، وهو مع ذلك لم يحارب ابتداء ، وانما حارب بعد ان اضطر الى ذلك ، حين عجزت الجماعة عن النهوض بمسؤولية الحرية ، فلم يكن هناك بد من مصادرة حريتها وفرض الوصاية عليها .. فالاسلام استعمل السيف ولكن (كما يستعمل الطبيب المبضع وليس كما يستعمل الجزار المدية) كما قال الاستاذ محمود محمد طه .
    (ولكن الأمر الذي لا بد من تقريره ، هو ان الحروب بغرض نشر الدين غير مبررة اليوم . لأن العرف المقبول اليوم اصبح السلم وليس الحرب .. ولأن البشرية قد تطورت للحد الذي جعلها تتعلق بمبادئ الحرية وتستنكر مصادرتها الا وفق القانون الذي ينظمها .. ولقد قامت مواثيق الأمم المتحدة ، ومبادئ حقوق الانسان على حق الانسان في الحياة وفي الحرية بغض النظر عن دينه أو جنسه أو لونه أو نوعه من ذكر وانثى .. لقد اصبح من الصعب على العقل المعاصر ان يقبل فكرة قتل انسان لمجرد انه مخالف لما تعتقد فيه أنت .. وهذا هو السبب الذي دفع بعض الدعاة الاسلاميين ، حين عجزوا عن الرد على المستشرقين ، ان ينكروا حقيقة ان الاسلام فرض نفوذه وسلطانه بقوة السلاح ، وغزو الآخرين في ديارهم لنشر عقيدته) .[4]

    (27)
    يقول الصادق المهدي (فإذا قام نظام إسلامي يلتزم بالأحكام التي رآها جمهور الفقهاء في العلاقات الدولية فإن هذا يقتضي الآتي:
    أ- إلغاء المواثيق والنظم الحالية لأنها قائمة على أساس مساواة الحقوق الإنسانية وعلى المعاملة بالمثل.
    ب- تنظيم العلاقات مع غير المسلمين على أساس الحرب المستمرة، اللهم إلا الذين قبلوا إقامة علاقات ثنائية مع المسلمين تقوم على عهد يقر للمسلمين باليد العليا.
    ج- استعداد المسلمين لخوض قتال ضد كل الذين لا يقبلون الإسلام دينا.
    د- فرض نظم الذمة والرق على الأقليات الدينية وعلى الذين غلبوا نتيجة القتال الشرعي الذي يخوضه المسلمون لنشر الإسلام.
    هـ- إلزام الأقليات المسلمة في البلاد غير الإسلامية بالهجرة إلى دار الإسلام-وهم كما رأينا مئات الملايين من البشر.
    بهذه النتيجة يفرح العلمانيون فرحا شديدا، ويستشهدون بها على عدم صلاحية الإسلام للعصر الحديث. ويقولون أن للإسلام أن يستمر كعقيدة وعبادة ما آمن به الناس ولكنه لا يصلح كأساس للقوانين ونظم الحكم وتنظيم العلاقات الدولية)
    .
    ان الاحكام التي اتفق عليها جمهور الفقهاء ، هي الشريعة الاسلامية ، كما وردت في نصوص قطعية الاحكام ، طبقها النبي صلى الله عليه وسلم ، واصحابه من بعده .. والشريعة ، فعلاً ، تقرر في شأن العلاقات الدولية ، ما ذكره الصادق هنا ، فماذا سيفعل الصادق؟! هل يترك الشريعة لانه (بهذه النتيجة يفرح العلمانيون فرحا شديدا، ويستشهدون بها على عدم صلاحية الإسلام للعصر الحديث.) أم يصر على تطبيق الشريعة ، ولو كره الكافرون؟! أم انه سيترك الشريعة جانباً ، ويترك ما اسماه اتفاق جمهور الفقهاء ، ويبحث عن نصوص يعتسفها اعتسافاً ، ويعتبرها هي الشريعة التي يجب ان تطبق ، ولو قامت على آيات منسوخة؟!
    هذا الفهم العجيب ، هو حقاً ، مخرج الصادق ، ولذلك قال (إن نصوص الشريعة الإسلامية التي ينبغي أن نراعيها في إقامة علاقاتنا الدولية هي:
    أولاً ان الانسان مكرم لمجرد انسانيته . قال تعالى (ولقد كرمنا بني آدم)
    ثانياً: العدل مأمور به ومطلوب دائماً وفي كل الحالات . قال تعالى "ولا يجرمنكم شنآن قوم على الا تعدلوا اعدلوا هو اقرب للتقوى"
    ثالثاً الوفاء بالعهد واجب دائماً وفي كل حال . قال تعالى "والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون" "ثلاثة الكفر والايمان فيهم سواء: العهد والامانة والرحم" فان عاهدت فاوف العهد وان ائتمنت فأد الامانة لأهلها وصل الرحم سواء كان المعاهد والمؤتمن وذو الرحم مؤمناً أو كافراً .
    رابعاً والتعاون مع الناس من غير ملتنا مطلوب ما لم يظلمونا. قال تعالى "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم ان تبروهم وتقسطوا اليهم ان الله يحب المقسطين"
    خامساً حرية العقيدة "لا اكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي")

    هذا ما قاله الصادق المهدي ، ولو كان الصادق صادقاً ، وجاداً ، ومهتماً فعلاً بأمر الاسلام ، لفكر لماذا لم يتفق جمهور الفقهاء ، على هذه النصوص التي اوردها- وهم بطبيعة الحال يعرفونها- ليخلصوا منها ، الى التعايش السلمي ، بدلاً من الحروب المستمرة ، وفرض نظم الذمة والرق؟! ان الجواب قريب!! ولكن الصادق لا يريد ان ان يسمعه ، وهو ان الفقهاء اقاموا أمرهم على الآيات الناسخة ، والتي تمثل الشريعة ، ولم يهتموا بالآيات المنسوخة ، لانهم فهموا ان النسخ الغاء نهائي للحكم ، وهو فهم يتفق فيه الصادق معهم .. وتناقض الصادق ، انما يجئ من رفع الآيات المنسوخة ، ليقيم عليها نظام العلاقات الدولية الجديد ، رغم رفضه لفكرة بعث القرآن المنسوخ!!
    قوله تعالى "ولقد كرمنا بني آدم" ، من الاصول التي لم تقم عليها الشريعة ، لان الشريعة كرمت المؤمن ، قال تعالى " ان العزة لله ولرسوله وللمؤمنين" فاذا كانت العزة نصيب المؤمنين ، فان الكفار نصيبهم الذلة ولذلك قال تعالى "حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون " والصغار ضد الكرامة . ومع ان العدل مطلوب في الشريعة ، وفي اصل الدين ، الا ان له معنى مختلفاً في كل منهما .. فالعدل في الشريعة ، قد يقوم على قتل المشركين ، بغرض ازالة الشرك باعتباره ظلم ، قال تعالى "يا بني لا تشرك بالله ان الشرك لظلم عظيم" ..
    وانه لحق ان الوفاء بالعهود واجب ، ولو كانت عهوداً مع الكفار، ولكن الشريعة قد الغت العهود مع المشركين وتبرأت منها، قال تعالى "براءة من الله ورسوله الى الذين عاهدتم من المشركين" فهل يريد الصادق ان يرجع الى ما قبل هذا الالغاء، فيبعث العهود مع الكافرين ، ويلغي ما احكم من امر قتالهم؟!
    ومعلوم ان الجهاد تدرج في النزول (ولعل اول ما ورد به الخطاب الالهي في امر الجهاد هو عدم موالاة الكافرين من قوله تعالى "ياأيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون اليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق" .. ولم يقصد المشرع بهذه المعاملة ، كل الذين كفروا ، وانما عنى بالتحديد ، الذين قاموا باخراج المؤمنين من ديارهم واضطروهم للهجرة .. ولذلك يقول من نفس السورة "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا اليهم ان الله يحب المقسطين * انما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين واخرجوكم من دياركم وظاهروا على اخراجكم ان تولوهم ومن يتولهم فاؤلئك هم الظالمون" .. ويجدر بالملاحظة ان هذه الآيات لم تأمر بقتال الكافرين رغم اخراجهم للمؤمنين وذلك لأن الإذن بالقتال لم يجئ الا بعد ذلك في قوله تعالى "أذن للذين يقاتلون بانهم ظلموا وان الله على نصرهم لقدير * الذين اخرجوا من ديارهم بغير حق الا ان يقولوا ربنا الله ولو لا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراً ولينصرن الله من ينصره ان الله لقوي عزيز" ..
    ولقد استمر التمهيد لقتال المشركين حتى نزلت الآية المشهورة عند المفسرين بآية السيف من سورة براءة وهي قوله تعالى " فاذا انسلخت الاشهر الحرم فأقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فان تابوا واقاموا الصلاة واتوا الزكاة فخلوا سبيلهم ان الله غفور رحيم" . لقد حددت هذه الآية الكريمة زمان قتال المشركين بمجرد انقضاء الاشهر الحرم ، وحددت مكان القتال بانه حيث وجد المشركون ، وحددت سبب القتال بانه كفرهم ، وعدم اقامتهم لشعائر الاسلام ، وحددت ايقاف القتال معهم ، بان يتوبوا ويقيموا هذه الشعائر!!)[5]
    أما آيات حرية العقيدة من امثال "وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر" او "لا اكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي" فانها كلها منسوخة بآية السيف ، ولو لم تكن منسوخة ، لما قام الجهاد بالسيف مطلقاً .. والصادق المهدي متمسك بهذه الآيات المنسوخة ، ويرددها كثيراً ، ويرى فيها مخرجه ، الى باحات الحداثة ، والتجديد .. ولقد سبق ان ذكرنا انه لا يرجع هذه الافكار لصاحبها ، وانما يحاول ان يوهم البسطاء ، ممن يستمعون له في مثل هذا المنتديات ، بانه صاحب هذه الافكار ، وكل ما يخشاه الصادق المهدي ، لو اعلن اعجابه صراحة بفكرة بعث القرآن المنسوخ ، ان يصبح من تلاميذ الاستاذ محمود محمد طه ، وليس في ذلك بأس ، لو لا ان مطلب الصادق هو الزعامة وليس الحق!!
    ولعل الصادق المهدي ، قد شعر بان حديثه عن الحرية، والتعايش السلمي ، وخلافه مع جمهور الفقهاء ، الذين يدعون الى الجهاد ، وان اكسبه جانب المثقفين في حزب الأمة ، الا انه سيفقده جماهير الأنصار، ممن لا يفهمون الدين بغير جهاد ، فحاول أيضاً ارضاء هؤلاء ، في محاولة يائسة من التلاعب بالالفاظ ، تحقق له في آن معاً ، الوقوف بجانب الجهاد ، والوقوف ضده!! ولما لم تكن للرجل التزام خلقي ، او منهج منطقي ، يمنعه من اللعب على الحبلين ، فانه لم يتردد في ايراد كل هذا التناقض ، في نفس الورقة ، ولذلك قال (على المسلمين إيجاب الجهاد، وهو يعني العمل بكل الوسائل لتكون كلمة الله هي العليا ولبث الدعوة الإسلامية حيث لم تصل، والدعوة لإقامة الشريعة حيث عطلت، وبذل الوسع كله في سبيل هذين الهدفين، والاستعداد الدائم تدريبا وعتادا ووعيا بأساليب القتال لبذل الروح والمال والولد قتالا فدائيا في سبيل الله إذا منعت حرية الدعوة للإسلام أو إذا وقع عدوان على بلاد الإسلام)!! أقرأ مرة أخرى قوله (العمل بكل الوسائل لتكون كلمة الله هي العليا) هل تشمل كل الوسائل ، قتال غير المسلمين ، الذين رفضوا الاسلام ورفضوا دفع الجزية؟!
    وعن الجزية يقول السيد الصادق (وأما الجزية التي فرضها المسلمون مقابل حماية هذه البلدان فقد كانت خفيفة جدا بالمقارنة بالأعباء الاقتصادية الفادحة التي كان يفرضها الفرس والروم. كانت الجزية مفروضة على القادرين على القتال من الرجال، فلا يدخل فيها الشيوخ ولا النساء ولا الأطفال، وكانت مقاديرها طفيفة. قال الإمام أبو حنيفة: "الجزية على الفقير 12 درهما (في السنة) وعلى المتوسط 24 درهما، وعلى الغني 48 درهما" وكان الدينار يساوي 12 درهما. والدينار بنقد السودان في الستينات يساوي ثلاثين قرشا. أي أن الجزية كانت تساوي ثلاثين قرشا سودانيا للفقير في السنة، وستين قرشا للمتوسط ومائة وعشرين قرشا للغني. وهي مبالغ زهيدة جدا).
    ان مشكلة الجزية ، ليس في انها عبء اقتصادي زائد على غير المسلمين ، وانما في انها وسيلة اذلال وضغط ، حتى يجبر بها الناس ، دون قتال ، للدخول في الاسلام . والفقهاء الذين صدقوا مع قوله تعالى "حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون" فصلوا في ان الجزية ، لا تقبل ممن لا يأتي بها صاغراً ، ومن ذلك منعوا قبول جزية الذمّي ، لو جاء راكباً فرساً!!
    وهي كعبء اقتصادي زائد ، تدل على عدم تحقق المساواة بين المسلمين وغير المسلمين . فحين يدفع المسلم الزكاة وهو مثاب على ذلك ، يدفع غير المسلم الجزية ، وهو مهان ، وليس له ثواب ، حسب الفهم العام للمسلمين ، وذلك لانه خارج الملة!!
    ثم ان الارقام التي اوردها الصادق ، وخرج منها بنتيجة ان الجزية لا تمثل الا (مبالغ زهيدة جداً) ، لا تفيد هذا المعنى ، الا اذا عرفنا ما هو دخل الفرد ، غير المسلم ، في تلك المجتمعات ، قبل الف واربعمائة عام ..
    عمر القراي

    - نواصل -


    [1] - تفسير ابن كثير – الجزء الثاني 317 -318 طبعة دار الحديث القاهرة .
    [2]- المصدر السابق ص 322
    [3]- المصدر السابق ص 332
    [4] - عمر القراي (1995) الجهاد أم حرية الاعتقاد؟! ص 26-28
    [5]- المصدر السابق ص 22-23


    يمكن مراجعة الحلقات السابقة من الأرشيف - على الوصلة التالية:
    د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية" ودعاوى التجديد
                  

01-05-2005, 08:13 AM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-03-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية " ودعاوى التجديد (Re: Omer Abdalla)

    فوق
    لمزيد من القراء
                  

01-21-2005, 07:02 AM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-03-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية " ودعاوى التجديد (Re: Omer Abdalla)


    الصادق المهدي و"الانكفائية " ودعاوى التجديد
    تعقيب على ورشة عمل الانصار"نحو مرجعية اسلامية جديدة ..."


    الحلقة الثامنة


    (28)

    يقول الصادق المهدي (الوحدة المتجسدة في دولة واحدة لم تعد ممكنة في المستقبل المنظور، إنها اختفت من الواقع الإسلامي منذ نهاية العهد الأموي في عام 150هـ. إن مفهوم القيادة العليا الواحدة كما كان متاحا للخليفة لم يعد واردا لأن ضوابط العدالة صارت تقتضي أن يكون رئيس الدولة مختصا بالسلطة التنفيذية، ضمن إطار يحدد مؤسسات السلطة التشريعية والقضائية، وآليات تبسط الشورى والمشاركة على نطاق واسع عبر مؤسسات المجتمع المدني والصحافة وآليات البحث العلمي والاجتهاد الفكري والتطور الثقافي، وهي آليات لها دورها ووزنها ووظيفتها القانونية. حتى في إطار دولة قطرية واحدة لم تعد توجد مؤسسة قيادة شاملة مطلقة إلا في الدولة الاستبدادية)!!
    وانه لحق ، ان العدالة تقتضي في الوقت الحاضر ، قيام الديمقراطية ، والفصل بين السلطة التشريعية ، والسلطة القضائية ، والسلطة التنفيذية ، وتوسيع دائرة المشاركة ، وتداول الحكم ، ورقابة مؤسسات المجتمع المدني ، وحرية الاعلام .. الخ ، وكل هذا أمر جديد ، ولم يكن له وجود في نموذج الدولة الاسلامية الأولى ، على عهد النبي ، صلى الله عليه وسلم ، والصحابة ، رضوان الله عليهم ، فاذا دعا اليه السيد الصادق ، اليوم ، فما هو سنده من الدين ، ما دام يرى عدم امكانية الاجتهاد ، فيما ورد فيه نص صريح؟! ولعل السيد الصادق المهدي ، شعر بهذا الحرج ، ولهذا حشر كلمة " الشورى" ، دون موجب ، لانه لو تم الفصل بين السلطات ، وشارك الناس في حكم انفسهم ، فان الحاكم تساعده مؤسسات ، بعضها منتخب ، وبعضها فني ، يعين حسب مقتضيات الوظيفة ، بسبب كفاءته ، فلا يحتاج الى مجلس من أهل الحل والعقد .. على ان ايراد كلمة الشورى، يذكر الصادق ، بانه ما زال اماماً لجماعة دينية ، هي الانصار ، يسعى لكسب ودها بهذا التضليل!!
    وحين تعرض الصادق ، لظاهرة العولمة شرحها ، بقوله (ما هي العولمة؟ وما هو أثرها على عقائد الناس وعلى هوياتهم الثقافية؟:
    ‌أ. هنالك عولمة فرضها إدراك البشر لمصلحة مشتركة في كوكب الأرض ، المقام المشترك للإنسان: الأرض الكوكب الواحد ميراث الإنسانية، والأصول المملوكة للبشرية كأعماق البحار والفضاء، والغلاف الجوي، والقطبان- مملوكات للبشرية كلها توجب نظرة مشتركة في التعامل معها.
    ‌ب. هنالك عولمة فرضها الوعي الإنساني بالمصير المشترك للإنسانية وتوالت المؤتمرات العالمية لتدرس موضوعاتها المختلفة، ولتضع استراتيجية موحدة للتعامل مع مشكلاتها مثل: مؤتمر البيئة 1992، ومؤتمر السكان 1995م، والمؤتمر الاجتماعي 1996م، وهكذا.
    ‌ج. هنالك العولمة التي ارتبطت بها العبارة أكثر من غيرها .. إنها العولمة التي صنعتها ثورة المعلومات والاتصالات والمواصلات والتي حولت المعاملات التجارية والمالية والاستثمارية، إلى سوق عالمي واحد.. هذه العولمة التي مكنت أصحاب السندات والأسهم وطلاب الصفقات التجارية من الانتقال عبر الآليات الإلكترونية بسرعة مذهلة وعلى نطاق عالمي، كما مكنت الشركات المتعددة الجنسية من توزيع عملياتها على نطاق عالمي، ومن نقل خياراتها الاستثمارية حيث التكلفة الأقل والربح الأكبر)

    وفي الحق ، ان العولمة ليست متعددة ، وانما هي شئ واحد ، هو الثقافة العالمية الموحدة ، التي نتجت بالضرورة ، من تقارب المكان والزمان ، على هذا الكوكب ، بفضل الله ، ثم بفضل تطور وسائل المواصلات ، ووسائل الاتصال، للحد الذي جعل هذا الكوكب ، المترامي الاطراف ، قرية صغيرة . وانما بسبب ذلك ، ادرك البشر لأول مرة ، في تاريخهم الطويل، انهم شركاء في هذا الكوكب ، ويجب ان يكون لهم نفس الحقوق والواجبات .. ومن هذا الوعي ، الذي هو ثمرة مباشرة ، لثورة المعلومات ، وثورة وسائل الاتصال ، وامكانية توفر هذه المعلومات لكل فرد ، جاءت مؤتمرات الامم المتحدة ، التي اشار اليها الصادق ، ظناً منه انها هي العولمة .. وكأي ظاهرة اجتماعية ، فان للعولمة ايجابيات ، ولها سلبيات ، وليس سلبيات العولمة في ذاتها ، وانما هي في ملابساتها ، ذلك انها حدثت في مرحلة سيطرة النظام الراسمالي ، الذي استغل العولمة ، ليشيع ظلمه خارج الدول التي يحكمها .. ويفرض شروط ارباحه ، على العالم ، مستفيداً من سرعة التكنولوجيا في الاتصال ، وقدرتها علىالمتابعة ، وتجاوز الحدود ، التي كانت تحد من التجارة التقليدية .
    فاذا وضح هذ ،ا فان حديث الصادق ، عن العولمة الخبيثة ، لا مكان له ، لانه لا يصف فيه خبث العولمة ، وانما يصف فيه خبث الرأسمالية ، وان لم يشعر بذلك!! اسمعه يقول:
    (هنالك عولمة خبيثة هي:
    ‌أ. صحبت العولمة ظاهرة "الرأسمالية النفاثة". وهي حماسة للتنافس والربحية تندفع غير مبالية بآثار سلبية إنسانية و اجتماعية لا سيما في مجالين:المجال الأول:- يتوقع أن تؤدي العولمة المرتبطة بالرأسمالية النفاثة إلى تراجع عن دولة الرعاية الاجتماعية في الرأسمالية المتقدمة- كذلك عدم الاهتمام بالآثار السلبية التي تحدثها وسائل الإنتاج الحديثة على توظيف الأيدي العاملة. لقد كانت الإصلاحات التي لجأ إليها النظام الرأسمالي فاهتم بمصالح القوة العاملة، واتبع برامج رعاية اجتماعية، من أهم أسباب صنع السلام الاجتماعي في البلدان الرأسمالية مما أبطل نبوءات كارل ماركس الصدامية. إن تيارات العولمة توشك أن تقوض البرامج الواعية التي أدت للسلام الاجتماعي والاستقرار السياسي. المقولة الصحيحة في هذا الصدد: المجتمع الحر الذي يعجز عن مساعدة الأكثرية الفقيرة من مواطنيه سوف يعجز عن حماية الأقلية الغنية. المجال الثاني: تراجع الشمال المتقدم من كل المفاهيم والسياسات التي اقترنت بحوار الشمال والجنوب التي أوجبت اهتمام الشمال بالتنمية في الجنوب كوسيلة من وسائل بناء الاستقرار العالمي. مثلما حققت الرأسمالية سلاما اجتماعيا في أوطانها بسياسات نقابية مستنيرة وببرامج رعاية اجتماعية متقدمة فإن الدول الغنية مطالبة بالاهتمام بتنمية الجنوب الفقير لبناء السلام والاستقرار في العالم. ولكن التيار الراجح في ظل تيارات العولمة هو ترك هذه الأمور كلها لعوامل السوق الحر.. السوق الحر في البلدان الفقيرة لا يمكن افتراض وجوده بل المطلوب القيام بأعمال كثيرة لتكوينه.
    ‌ب. توزيع الثروة والقوة الاقتصادية، والقوة الاستراتيجية في العالم توزيع غير متوازن. لقد أتاحت العولمة بإمكانات الاتصال والمعلومات والمواصلات للقوة الأعظم في العالم فرصة هيمنة إعلامية بحيث تستطيع غسل أدمغة الآخرين، وأتاحت لها فرصة هيمنة اقتصادية واستراتيجية لم يعهد التاريخ مثلها من قبل. إن العولمة في هذه المجالات صارت هيمنة القطبية الأحادية على السياسة الدولية)
    .
    ومهما يقال عن سوء الرأسمالية ، فان السؤال الأهم ، هو ، هل يملك السيد الصادق بديلاً عنها من فكره؟! بل هل يمكن لأي شخص ، يدعو لتطبيق الشريعة الاسلامية ، ان يتجاوز الراسمالية في نظامه الاقتصادي؟! الجواب: لا!! وذلك لأن الشريعة ، لم تفرض في المال ، إلا الزكاة ذات المقادير.. وهي بذلك لا يمكن ان تحقق الاشتراكية ، التي دعا لها الاسلام، في اصوله ، والتي لا يمكن الدعوة لها الا بتطوير التشريع ، بالانتقال من شريعة الأمة ، الى سنة النبي الكريم ، وهو ما لا يقوى السيد الصادق ، ولا علماء الدين الذين يهتدي بهم ، على تمييزه ..

    (29)

    لقد تحدث السيد الصادق المهدي ، عن الأمم المتحدة ، حديث في جملته مقبول ، وفي تفصيله نظر .. فاما المقبول منه ، فهو اشادته بدور الأمم المتحدة الرائد ، والضروري ، في العالم اليوم . وما تقوم به منظماتها ، من مساعدة للانسانية في كافة المجالات ، ونقده لبعض اوجه القصور، في المنظمة الدولية ، وعجزها عن رد بعض المظالم ، وتاثرها بالدول العظمى ، في قراراتها ، مما يفقدها الحياد ، أحياناً ، ويظهرها بمظهر العجز ..
    على ان النظر ، في حديث السيد الصادق ، والذي يقتضي المراجعة ، هو الحلول التي يقترحها ، لتعديل وتطوير المنظمة الدولية ، فقد جاءت سطحية ، ومعممة ، ومبهمة، فهو يقول (أولاً: ضرورة مراجعة المواثيق لإدخال القيم الروحية ، والخلقية ، والثقافية ، والبيئية فيها لأنها كتبت في ظروف أغفلت تلك الجوانب الهامة في حياة البشرية .
    ثانياً: ضرورة تكوين منظمات متخصصة للأمم المتحدة في مجالي حوار ووئام الحضارات ، وحوار ووفاق الأديان .
    ثالثا: تجاوز رواسب الحرب الأطلسية الثانية نهائيا وحسم كل المسائل المتعلقة بها فالذين كانوا يواجهون بعضا في خنادق الحرب اليوم أصدقاء في نطاق سلام واحد والمطلوب أن تقنن الحدود والحقوق نهائيا بحيث لا يسمح بالعودة لظروف ما قبل الحرب. القوى التي خسرت الحرب كألمانيا، واليابان، ينبغي ألا تعامل من الآن فصاعدا على أساس ماضيها ولكن على أساس وضعها الراهن فأجيالها الحالية لا تقبل أن تعاقب على جنايات أجيال سبقت وأية محاولة لفرض ذلك عليهم ستأتي برد فعل مضر للسلام العالمي)
    .
    ان الحديث عن ادخال قيم روحية ، في مواثيق الامم المتحدة ، يحتاج الى تحديد ، لا يملك الصادق الشجاعة ليقول به . ذلك ان المفاهيم الروحية ، ليست واحدة ، ولا الاديان واحدة .. بل ان الاديان بما تقدم من مجرد عقائد ، هي السبب في كثير من النزاعات ، التي يرجى للمؤسسة الدولية حلها .. فلو ارادت الامم المتحدة ، ان تتبنى القيم الروحية البوذية ، او الهندوسية ، او اليهودية ، هل يقبل الصادق بذلك؟! أم انه يعني بالقيم الروحية القيم الاسلامية؟! هل يظن الصادق ان العالم سيقبل ، لو تبنت الامم المتحدة ، القيم الروحية ، التي قامت عليها المهدية ، في السودان ، أو الخميني في ايران؟!
    وما يقال عن القيم الروحية ، ينطبق عن الاخلاق ، وعلى الثقافة .. فاذا كان السيد الصادق ، والانصار، الذين نظموا هذه الورشة ، يرون ان الجهاد من مكارم الاخلاق ، فان غيرهم ، من دعاة السلام ، يعتبرونه ضرب من التطرف!! ولما كانت الاديان ، لم تتجاوز العقائد ، فليس من مصلحة الامم المتحدة ، ان تتبنى حواراً بين الاديان .. لانه في مستوى العقيدة "كل حزب بما لديهم فرحون" .. اللهم الا اذا كان الصادق ، يطرح الاسلام ، من مستوى ارفع من الشريعة ، وهو ما جاء في الاصول ، التي قامت على القرآن المكي ، الذي يخاطب جميع البشر، من حيث هم ، بانهم اخوة في الانسانية ..
    وهذا هو السر، في ان القرآن المكي ، في جملته ، يفترع الخطاب ب " يا ايها الناس " أو "يا بني آدم " .. وان القرآن المدني ، هو الذي يبدأ دائماً ب "يا ايها الذين آمنوا" .. فيتقيد في احكامه ، بمجموعة محددة ، لم تخرج عن شروطها التاريخية الاجتماعية ، التي كان لا بد ان تقعد بها ، عن غايات الدين العليا . ويستثنى من هذا القاعدة ، سورة البقرة ، وسورة النساء . فقد ورد فيهما الخطاب ب "ياايها الناس" ، رغم انهما مدنيتين .. ولذلك لانهما من اوائل السور المدنية ، والتي تمثل التداخل بين القرآن المكي والمدني ، حيث لقرب الناس من عهدهم بمكة ، خوطبوا بمستوى القرآن المكي ، لفترة قصيرة ، ثم نسخ ذلك ، بالمستوى المدني ، حين عجزوا عن المستوى المكي .
    يقول الصادق المهدي (هنالك عبارات دخلت في لغة السياسة الدولية تفتقر إلى تعريف يضبطها ويحول دون سوء الفهم فيها أهمها مفهوم الإرهاب وعلاقته بمفهوم الجهاد والتداخل المؤسف الذي وقع بينهما. والرأي عندي، أن ترجمة TERRORISM بإرهاب خطأ والترجمة الصحيحة هي: الإرعاب أو الترويع وهو الاستخدام التعسفي للعنف لتحقيق أهداف سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية)
    ولم يوضح لنا السيد الصادق ، الفرق بين الإرهاب والارعاب ، ولماذا يمكن ان تكون كلمة إرعاب ، هي المقابل للكلمة الانجليزية ، وليس كلمة إرهاب؟! ولقد كان اجدر بالسيد الصادق ، قبل ان يسعى الى تغيير الترجمات ، للغات الأخرى ، ان يرجع الى معاجم اللغة العربية نفسها ، لأنه لو فعل ، لوجد ان كلمة إرعاب ليست هناك!! فان الفعل رَعَبَ مضارعه يُرعِب ومصدره رُعب وليس إرعاب . فقد ورد (ر ع ب الرُعب: الخوف . رَعَبه يُرعِبه كقطعه يقطعه: رُعباً ولا تقل أرعبه)[1]
    والتداخل بين الاسلام والارهاب ، سببه ان الاسلام في فروعه- مستوى الشريعة دعا للارهاب، في معنى ما دعا للجهاد ، لأن الغرض من الجهاد هو ارهاب غير للمسلمين ، كوسيلة من عدة وسائل ، تعينهم ، بما تضطرهم للدخول في الاسلام . وهذا المعنى على وضوحه ، في نصوص الشريعة ، يظن الصادق انه يمكن ان يتحاشاه ، بمثل هذا التلاعب اللفظي ..
    والمؤسف في أمر الصادق ، هو عدم حرصه على الحق ، وعدم اهتمامه لذلك ، بأي تصحيح يوجه اليه ، بل لعله لا يقرأ ما يقدم له من نقد .. فقد سبق ان قال نفس هذا الكلام ، واوضحت له ، وجه الخطأ فيه ، فاذا به يكرره الآن ، وكأن شيئاً لم يكن .. وقد جرى الحديث وقتها كالآتي:
    (يقول الصادق المهدي عن جماعة بن لادن (سمعت واحدا منهم وهو يتحدث وهو ابو الغيث الناطق باسم القاعدة يقول نحن ارهابيين لان الله سبحانه وتعالى قال كونوا إرهابيين ويقول سبحانه وتعالى "واعدوا لهم مااستطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم" وهذا فهم جاهل للعبارة نفسها والصحيح ان هناك ترجمة خطأ لعبارة الارهاب Terrorism إرهاب في حقيقة الامر ترجمتها الصحيحة "الترويع" أي الارعاب أما ترهبون التي وردت في الآية فتعني كونوا أقوياء حتى لا يطمع العدو في ان يعتدي عليكم...).[2] هل رايتم مثل هذا الالتواء؟ فالله يقول " ترهبون" والصادق يقول "كونوا اقوياء" ولو اراد الله ذلك فقط لذكره مباشرة ، ولكنه حواه في عبارة الارهاب ذلك انك لا تقطع طمع عدوك فيك الا اذا كنت قويا حتى خافك ، وصار يتوقع بطشك في كل لحظة ، فعاش في رعب دائم ، وهذا هو إرهاب العدو ، وهو مأمور به في الشريعة كما ذكر ممثل حركة بن لادن ، وانما يجئ جهل الرجل من ظنه بان شريعة الجهاد مقبولة اليوم ، وهو جهل هو والصادق فيه سيان..)[3]
    وبعد ان عرف لنا السيد الصادق الTerriorism بانه إرعاب ، وليس إرهاب ، أخذ يحدثنا ، عن كيفية محاربته فقال: (إن للقانون الدولي موقفا موثقا ضد الإرهاب هذا ينبغي تطويره على نحو ما تم لدى تطوير مبادئ حقوق الإنسان وإيجاب تطوير قوانين محاربة الإرهاب في الدول الأعضاء وتكوين آلية دولية لمتابعة الموضوع تشرف على: توحيد القوانين القطرية- تحقيق تعاون على أعلى المستويات الإقليمية ضد الإرهاب- تنظيم حملة توعية وإعلام واسعة ضد الإرهاب- توحيد الإجراءات القانونية لتسليم الإرهابيين وتبديد تنظيماتهم- وتوحيد الإجراءات العقابية ضد الإرهاب. إن الأنشطة الإرهابية تتغذى من وجود مظالم في مجالات كثيرة، ولمحاصرة هذه الأنشطة لا بد من: احتواء التفرقة العنصرية في العالم- القيام بإصلاحات سياسية تحترم الحريات العامة وحقوق الإنسان- بذل جهد عالمي تنموي للمساعدة على تنمية البلاد والفقيرة وإعفاء ديونها- توجيه برامج جادة ضد المظالم الاجتماعية- وأخيرا وليس آخرا تركيز جهد عالمي جاد لإطفاء بؤر الالتهاب العالمية وأهمها: قضية فلسطين، قضية كشمير، قضية جنوب السودان، وقضية أنغولا، وكافة رواسب تصفية النظام الاستعماري في أنحاء العالم المختلفة).
    أول ما يلاحظه القارئ ، هو ان السيد الصادق ، ترك امر التعريف الجديد ، وترك كلمة الارعاب نفسها ، واخذ يحدثنا عن الأرهاب ، كما حدده القانون الدولي ، ووقف ضده . فلماذا اذن ذلك الحديث ، عن خطأ الترجمة في البداية ، ان لم يكن مهماً لحديث الصادق؟! وكيف يريد الصادق ، ان يوحد القوانين القطرية ، وعلى اي اساس يوحدها؟ أليس من الضروري ، ان تتوحد افكار هذا الاقطار ، حول مفهوم الارهاب نفسه ، قبل صياغة قوانين موحدة لمحاربته؟! إن بن لادن ، الذي يعتبر بعد حادث سبتمبر 11 على قائمة الارهابيين ، كان ولا يزال ، يجد العون من جماعات ، ودول عربية واسلامية ، تعتبره مجاهداً ، ولا تعتبره ارهابياً!! فهل ستتفق هذه الدول ، وهذه الجماعات ، وتوحد قوانينها على محاربة الارهاب ، لأن الصادق اقترح عليها ذلك ، في هذه الورشة البائسة؟!

    (30)

    وفي اتجاه اصلاح الأمم المتحدة ، يقترح السيد الصادق ، ان تحل المشاكل الحاضرة ، ويذكر بعضها عرضاً ، ثم يركز على قضية فلسطين ، فيقول (واكتفي هنا بالتركيز على قضية فلسطين. وأهم معالم مشروع حل هذه القضية هي:
    ‌أ- الحل العادل للقضية والسلام المؤسس عليه هدف وطني، وقومي، وإسلامي، وإنساني، ودولي.
    ‌ب- الحد الأدنى لهذا السلام العادل هو:
    - انسحاب إسرائيل دون قيد أو شرط من كافة الأراضي المحتلة عام 1967م.
    - حق الشعب الفلسطيني المشرد منذ تأسيس إسرائيل في العودة أو التعويض.
    - تصفية المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي المحتلة.
    - حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم .
    - تطبيع الدولة بحيث يلغى قانون العودة الذي منح يهود العالم حقا استثنائيا في المواطنة وبحيث يصبح المواطن العربي فيها مساويا للآخرين في حقوق المواطنة.
    ‌ج- لأسباب محددة لا يرجى أن يقبل الناخب الإسرائيلي في الظروف العادية هذا الحد الأدنى. العوامل التي تحول دون ذلك القبول هي: وعود توراتية جعلت الأرض جزءا من العقيدة الدينية- مخاوف رسبتها تجارب اليهود في أوربا- ومخاوف جديدة خلقتها ردود الفعل العربية لسياسات إسرائيل القمعية.
    ‌د- المسألة اليهودية وما صحبها من شحناء أنبتت الحركة الصهيونية وهي ظاهرة أوروبية دخيلة على المنطقة العربية فالعرب أبناء عمومة لليهود والإسلام يعترف باليهودية دينا إلهيا.
    القرارات التي أدت لتكوين إسرائيل ابتداء من وعد بلفور إلى قرار الأمم المتحدة عام 1948م بقيام إسرائيل، قرارات دولية أمليت على المنطقة دون أخذ رأي سكانها. وحتى عمليات السلام ابتداءا من القرار 242 و338 وكامب ديفيد وأخواتها: مدريد، وأوسلو وغيرها من المحطات هندسات للأسرة الدولية اليد العليا فيها.
    ‌ه- لا توجد إمكانية لسلام عادل عن طريق التفاوض بين طرفي النزاع فالحد الأدني الذي يقبله المعتدى عليهم لا يقبله المعتدون.
    لذلك سوف تستمر القضية تمزق الاستقرار في إسرائيل، وفي الدول المجاورة، وفي الإقليم، وفي العالم ولا سبيل للخروج من هذا الحريق الذي أشعلته الأسرة الدولية إلا بإقدامها بقيادة الولايات المتحدة على فرض السلام العادل. وإلى حين ذلك ينبغي أن تستمر المقاومة ويستمر دعمها)
    .
    لقد ذكرت مراراً ، ان السيد الصادق ، مغرم بتعداد النقاط ، ورص الكلمات الانشائية ، دون ان يدرك حقيقة ما يقول، واني اذ اصر على كشف تلك الحقيقة ، المؤسفة ، لا ابتغي من ذلك الاساءة اليه ، وانما ارجو ان يدارك امره ، لمصلحته هو ، ولمصلحة اتباعه ، الذين يتلقفون ما يقول به ، دون فحص او تثبت .. ولعل عبارته السابقة ، خير مثال على ما ذكرنا . فهو يريد لقضية فلسطين ، الحل العادل ، والذي يقوم على السلام (المؤسس على هدف وطني، وقومي، وإسلامي، وإنساني، ودولي) فاذا نظرنا بدقة ، لهذه العبارة الانشائية ، فما معنى ان يؤسس السلام على هدف (وطني وقومي) هل تعني كلمة (وطني) وطن للفلسطينين ، وكلمة (قومي) اشارة للعرب؟! فماذا عن كلمة (إسلامي) التي اردفها بعد هاتين الكلمتين؟! ما هو الهدف الاسلامي ، الذي يجب ان يؤسس عليه السلام العادل؟! ثم هل عبارة (وطني) تعني أيضاً وطن لليهود ، في دولة اسرائيل؟! ولماذا ذكر كلمة (اسلامي) ، ولم يذكر كلمة (يهودي)؟! اذا لم يكن يقصد ابعاد اليهود ، كما درج الروساء العرب ، منذ ايام عبد الناصر، وتصريحاته بان يرمي باسرائيل في البحر..
    والصادق يطرح الحد الادنى ، للسلام العادل ، وكأن العرب ، هم الذين في موقف القوة ، وما على اسرائيل الا ان ترضخ لرغبتهم!! فيقول (انسحاب اسرائيل دون قيد او شرط من كافة الاراضي المحتلة عام 1967) وحين ذكر حق الشعب الفلسطيني ، في العودة الى وطنه ، اضاف من عنده ، خياراً آخراً، فقال (العودة او التعويض) فمن الذي اخبر السيد الصادق ، ان الفلسطينين ، يقبلون تعويضاً عن وطنهم؟!
    والغريب في امر الصادق ، انه يعلم ان مقترحاته غير مقبولة للاسرائيليين ، وان العرب ، لا يملكون القوة لفرضها عليهم ، ومع ذلك يصر عليها!! فهو يقول (لاسباب محددة لا يرجى ان يقبل الناخب الاسرائيلي في الظروف العادية هذا الحد الادنى) .. وكما هو حال الزعماء العرب ، يجنح السيد الصادق للتضليل ، فيقول (فالعرب أبناء عمومة لليهود والإسلام يعترف باليهودية دينا إلهيا) وهو يعلم ان الاسلام في شريعته – وهو المستوى الذي لا يعرف الصادق غيره – لا يعترف باليهود ، ولا يقبل منهم دينهم ، وانما يأمر بقتالهم ، حتى يسلموا ، أو يعطوا الجزية ، عن يد وهم صاغرون!! وفي مزيد من التضليل يقول (القرارات التي ادت لتكوين اسرائيل ابتداء من وعد بلفور الى قرار الامم المتحدة 1948 بقيام اسرائيل قرارات دولية أمليت على المنطقة دون اخذ راي سكانها) .. والحق ان القرارات ، التي صدرت عن الامم المتحدة ، تمت بعد مفاوضات مع اسرائيل ، ومع منظمة التحرير الفلسطينية ، الممثل الشرعي للفلسطينيين ، وبتشاور مع الملوك والرؤساء العرب ، خاصة المتاثرين بالمشكلة .
    ومهما يكن من امر القرارات الدولية، والمفاوضات ، وفشل الدبلوماسية العربية ، فيها ، فان الصادق في آخر مقترحاته ، التي يتوقع ان تحقق السلام العادل ، يقول (لا توجد امكانية لسلام عادل عن طريق التفاوض بين طرفي النزاع فالحد الادنى الذي يقبله المعتدي عليهم لا يقبله المعتدون)!! فما هو اذن ، حل السيد الصادق ، لمشكلة الشرق الاوسط؟! حله هو ان تفرض امريكا ، على اسرائيل ، السلام العادل ، الذي حدثنا عنه!! فان لم تصدق ذلك فأقرأ قوله (ولذلك سوف تستمر القضية تمزق الاستقرار في اسرائيل وفي الدول المجاورة وفي الاقليم وفي العالم ولا سبيل للخروج من هذا الحريق الذي اشعلته الاسرة الدولية الا باقدامها بقيادة الولايات المتحدة على فرض السلام العادل ...) ما الذي يجعل امريكا ، تفرض على اسرائيل ، شروطاً ، يرى السيد الصادق الذي اقترحها ، انها لا يمكن ان تقبل من الناخب الاسرائيلي؟! فاذا كان واضحاً ، ان امريكا لا يمكن ان تفعل ذلك ، فان هذا يعني انه ليس في افق السيد الصادق المهدي المعرفي ، أي حل لمشكلة الشرق الاوسط!! وليس عيباً ان يعجز الصادق ، من تقديم حل ، وانما العيب ، ان يتطرق للمشكلة التي لا يستطيع حلها ، موهماً مستمعيه ، ان له فيها القول الفصل .

    (31)

    ان تقديم السيد الصادق ، لمقترحات لحل مشكلة الشرق الاوسط ، يعرف انها لا تقبل، سببه عدم امكانية تجاوز المشكلة ، دون الحديث عنها ، وهو ينظّر لحل مشاكل العالم ، على ضوء اجتهاده الاسلامي الجديد ، ثم الخوف من الاتهام بالخيانة والعمالة ، لو اقترح أي مقترحات ، من شأنها اعطاء حقوق لاسرائيل في هذا النزاع .. فهو يريد ان يظهر لجموع الانصار، في هذه الورشة كبطل قومي ، ولا يهتم حقاً بان تحل المشكلة او لا تحل!! فلقد كان في السلطة ، حين تمت حرب حزيران 1967 وتبنى مع غيره من الرؤساء العرب ، مؤتمر اللاءات الثلاثة "لا تفاوض ولا صلح ولا سلام مع اسرائيل" الذي استضافته الخرطوم ، ولم يمنعه ذلك ، من ان يتحدث الآن عن السلام العادل ولا احتاج ان يعتذر عن موقفه السابق ، الرافض للسلام!!
    على ان النقد ، لموقف الرؤساء العرب ، قد طرح في ذلك الوقت ، حين كان الشارع العربي ، معبأ بالعاطفة ، ضد أي نقد ، وضد أي حلول تدعو للتفاوض مع اسرائيل . فقد جرى قلم الأستاذ محمود بالآتي (وقلة حنكة الزعماء العرب لا يعييك التماسها أنى اتجهت .. فهي في أقوالهم وفي افعالهم ، وخطاب السيد جمال عبد الناصر الأخير الذي ألقاه بعد الهزيمة ، بمناسبة العيد الخامس عشر لثورة الجيش المصري وحده يطفح بالأخطاء التي تدل على قلة حنكة السيد جمال عبد الناصر وهو يعتبر زعيم زعماء العرب .. قال السيد جمال عبد الناصر في معرض الرد على تساؤل من تساءل: لماذا انصاع لنصيحة الرئيس الامريكي فلم يبادر باطلاق النار؟ قال: "المسألة الثالثة اننا بتحركنا وأخذنا المبادأة لدفع الخطر عن سوريا كنا ندرك أننا ، خصوصا من وجهة النظر الدولية ، لن نبدأ بالضربة الأولى في معركتنا المسلحة . ولو كنا فعلنا ذلك لكنا قد عرضنا أنفسنا لعواقب وخيمة تزيد عما كان في مقدورنا احتماله . ولقد كان أول ما سوف نواجهه هو عمل عسكري أمريكي مباشر ضدنا يجد الحجة والعذر من اننا اطلقنا الرصاصة الاولى في المعركة . واريد في هذا الصدد ان ألفت نظركم الى نقاط هامة . أول نقطة التحذيرات الامريكية ويمكن قرأتم عن هذه التحذيرات الامريكية في الصحف ولكن مستشار الرئيس الأمريكي جونسون طلب سفيرنا في وقت متأخر من الليل في واشنطن وقاله انه فيه معلومات عند اسرائيل انكم حتهجموا . وقال ان ده يعرضنا لوضع خطير وناشدنا ضبط النفس ...." ونحن نرجو ان يتعمق القراء هذه الاقوال وبخاصة قوله " كنا ندرك اننا ، خصوصاً من وجهه النظر الدولية ، ان نبدأ بالضربة الأولى في معركتنا المسلحة . ولو كنا فعلنا ذلك لكنا عرضنا أنفسنا لعواقب وخيمة تزيد عما كان في مقدورنا احتماله . ولقد كان أول ما سوف نواجهه هو عمل عسكري أمريكي مباشر ضدنا يجد الحجة والعذر من اننا اطلقنا الرصاصة الاولى في المعركة" لماذا؟ يحدثنا السيد جمال فيقول "نظراً للتصريحات اللي اعلنتها أمريكا وقالت فيها انها تضمن حدود الدول في هذه المنطقة وكان باين لينا ان امريكا لما تقول انها تضمن حدود الدول في هذه المنطقة ولا تسمح بأي تغييرات في هذه المنطقة مكنش امريكا تقصد بهذا ابداً الدول العربية ولكن امريكا كانت تقصد بهذا اسرائيل كانت تقصد انه اذا حصل عدوان على اسرائيل ان امريكا حاتنفذ التصريح"
    والسؤال الآن هو ، أليس غرض العرب المعلن على العالم دائماً ، والقائم خلف عدم الاعتراف باسرائيل ، وعدم الصلح معها ، وعدم التفاوض معها ، هو ان يمحو العرب دولة اسرائيل من الوجود في أرض فلسطين؟ فاذا كنا نحترم ضمان امريكا لحدود اسرائيل او كنا نخاف امريكا الى حد نشعر معه اننا اذا خالفناها نكون " قد عرضنا انفسنا لعواقب وخيمة تزيد عما كان في مقدورنا احتماله" فهل ننتظر يوماً تتخلى فيه امريكا عن هذا الضمان لحدود اسرائيل؟ أم هل ننتظر يوماً يكون لنا فيه القوة العسكرية والسياسية والدبلوماسية ما يمكننا من مناهضة امريكا ومن تحدي ضماناتها لحدود اسرائيل؟ أم ان ضمان امريكا لحدود اسرائيل لا يكون ملزماً لامريكا الا اذا كنا نحن البادئين بالهجوم على اسرائيل ، فنحن ننتظر ان تبدأنا اسرائيل بالهجوم لنقوم بمباشرة محوها من الوجود في فلسطين ، ونحن في عذر مديد امام امريكا؟ فاذا كان التصريح الذي اشار اليه السيد جمال عبد الناصر ، والذي ظهر انه يخشاه كل هذه الخشية ، لم يكن جديداً من جانب امريكا ، وانما يرجع الى عام 1950 ، أفليس من الحق ان نتساءل هل كان السيد جمال عبد الناصر فعلاً يعني التهديد الذي يذيعه على العرب كل عام مرة أو مرتين ضد دولة اسرائيل؟ ام هل كان يريد به الى بسط زعامته على العرب ، وذلك باشاعة جو الخوف حولهم ، واستغلال روح القطيع فيهم؟)
    [4]

    ولقد اتجه تحليل الاستاذ محمود ، الى ان الشيوعية الدولية ، وبسبب الحرب الباردة ، استغلت الشعوب العربية ، وورطت جمال عبد الناصر، في عداوة الغرب ، ثم لم تقف بجانبه ، تماماً ، حين احتاج لمساعدتها .. وقد كان هذا الحديث يساق في الكتب ، وفي المحاضرات العامة ، في الستينات ، حين كان المد الشيوعي ، والمد القومي العربي على اشده .. فمثلا جاء عن ذلك (يحدثنا السيد جمال عبد الناصر في خطابه الذي ألقاه بمناسبة العيد الخامس عشر لثورة الجيش المصري بالملك فاروق فيقول "من المؤكد لنا جميعاً ان اسرائيل في هذه المحاولة مكنش بتعمل لحسابها وانما كانت تعمل ايضاً لحساب القوى التي ضاقت ذرعاً بحركة الثورة العربية" ويحدثنا المستشار الصحفي للسيد جمال عبد الناصر السيد محمد حسنين هيكل في مقالة له بعنوان "ماذا تريد أمريكا منا؟" نشرت بالاهرام في 4/8/1967 فيقول "الهدف الاول: تريد به الولايات المتحدة ان تحطم النظم الثورية في العالم العربي اليوم وفي مقدمتها النظام الثوري المصري – باعتبار ان هذه الانظمة هي الخطر على مصالح الاستعمار الجديد الذي تمثله هي اليوم".
    وتحدثنا الهيئة البرلمانية للحزب الشيوعي السوداني في كتيب لها اصدرته في يونيو 1967 باسم "العدوان الانجلو أمريكي الاسرائيلي" فتقول "ان تواطؤ امريكا وبريطانيا في العدوان الاخير يجب النظر اليه من زاويتين لتظهرابعاده الحقيقية:
    أولاً – هدف التواطؤ وهو كما اسلفنا القضاء على النظم التقدمية في العالم العربي وبصفة خاصة في مصر"
    هذه النظرة الخاطئة مصدرها الشيوعيون في روسيا وخارجها ، وقد تورط في الاخذ بها السيد جمال عبد الناصر فانطلق في الطريق الخطأ ، واصبح يصدر في تصرفه مع الدول الغربية عن عقدة من يشعر انه مضطهد ، وانه مقصود بالعداوة ، ولقد ظهرت هذه العقدة في خطاب الاستقالة المشهور ، الذي القاه السيد جمال عبد الناصر في مساء يوم 8/6/1967 وذلك حيث يقول "لقد قررت ان اتنحى تماماً ونهائياً عن أي منصب رسمي ، او اي دور سياسي ، وان أعود الى صفوف الجماهير أودي واجبي معها كاي مواطن آخر" لماذا؟ اسمعوا "ان قوى الاستعمار تتصور ان جمال عبد الناصر هو عدوها واريد ان يكون واضحاً أمامهم انها الأمة العربية كلها وليس جمال عبد الناصر . والقوى المعادية لحركة القومية العربية تصورها دائماً بانها امبراطورية لعبد الناصر وليس ذلك صحيحاً لأن امل الوحدة العربية بدأ قبل جمال عبد الناصر وسوف يبقى بعد جمال عبد الناصر"
    هذا هو السبب الذي من اجله استقال السيد جمال عبد الناصر من منصبه في زعامة الأمة العربية!! فهل سمع الناس بزعيم يستقيل من اجل اعتبار اعدائه ، واعداء أمته ،أياه؟؟ اللهم لا!! الا ان يكون زعيماً يعيش في عقول أعدائه ، قبل ان يعيش في عقله هو، أو ، بالاقل في عقل أمته .. وذلك شأن الزعماء الذين يتصرفون من عقد نفسية لا عن فكر سليم .. هذا اذا لم نقل شيئاً عن توقيت الاستقالة نفسها .. وذلك بأنها قد اذيعت ، وشغلت بها الأمة العربية ، ولا تزال النيران تطلق ، والعدو يتقدم في جبهة سوريا ..)
    [5]

    ولقد طلب الاستاذ محمود ، من الزعماء العرب ، ان يرتفعوا الى مستوى المسؤولية ، وان يواجهوا المشكلة (ومن مواجهتهم لقضيتهم ان يعترفوا باسرائيل وان يأخذوا الرأي العام العالمي الى جانبهم بالدخول في مفاوضات مباشرة مع اسرائيل لتحقيق القرارين اللذين اتخذتهما الامم المتحدة احدهما في 29 نوفمبر عام 1947 وهو قرار التقسيم والثاني في الحادي عشر من ديسمبر عام 1948 وهو قرار اعادة اللاجئين .
    كما قلنا ، فان اعتراف العرب باسرائيل واقعياً ، وعملياً حاصل ، وكل المشاريع التي تقدم في المنظمة العالمية الآن ترمي الى تسجيل هذا الاعتراف . لا يختلف في ذلك اصدقاء العرب ، او اصدقاء اسرائيل . ولعل كل ما هناك من اختلاف بين الفريقين هو هل يكون الجلاء قبل تسجيل هذا الاعتراف ام بعده؟؟ وهناك اصرار اسرائيل على التفاوض المباشر . واما هذا الاصرار فان اسرائيل ستكون مستعدة لتنازل كبير ، قد لا يكون ممكناً بقوة المساومة التي يحملها هذا الاعتراف من جانب العرب ، ومن مصلحة القضية العربية الا تضيع قوة المساومة هذه بتمسك العرب بعدم الاعتراف اللفظي ، مع ان الاعتراف عملياً واقع ، ومع الزمن ، فان اسرائيل ستحصل على هذا الاعتراف ، بدون ان تدفع عليه ثمناً كافياً للعرب .
    ثم يجب ان يكون واضحاً ان اي حل سياسي لا يمكن ان يفرض على العرب ، كما هو لا يمكن ان يفرض على اسرائيل ، بقوة السلاح ، وذلك لاسباب عديدة ، منها ان السلاح لم يعد يحل المشاكل بين الأمم ، ومنها ان المنظمة الدولية ، الى الآن ، لا تملك سلطة تنفذ بها قراراتها . فلم يبق الا ان تكون الحلول السياسية قائمة على الموافقة المتبادلة ، والتراضي بين الفريقين المتنازعين ، ومن اجل ذلك ، فان التفاوض المباشر هو اسلم السبل ، واقربها الى التراضي .
    ونحن نعلم صعوبة الاعتراف على الزعماء العرب ، ولكننا لا نحترمها ، ذلك بانها صعوبة تقوم على الكبرياء الزائف ، وعلى المظهر الفارغ ، وهي تستهدف خداع الشعوب العربية ، ذلك بان الزعماء قد ظلوا يحدثونها ، على طول المدى ، عن رمي دولة اسرائيل في البحر .. وحتى في مؤتمر الخرطوم الذي التقى فيه هؤلاء الزعماء مؤخراً لم ينسوا تمشياً مع الاوهام القديمة ، المزمنة ، والمعلنة على الشعوب ، ان يعلنوا ، من جديد ، انهم سيعملون على تحقيق انسحاب القوات الاسرائيلية من الاراضي العربية التي احتلتها في الحرب الاخيرة "وذلك في نطاق المبادئ الاساسية التي تلتزم بها الدول العربية وهي: عدم الصلح مع اسرائيل ، أو الاعتراف بها . وعدم التفاوض معها")
    [6].

    وعن حل المشكلة جاء (الحل العاجل: ان على العرب ان يعلنوا للعالم على الفور انهم ، ايثاراً منهم لعافية الدول ، وتضحية منهم في سبيل السلام العالمي ، وابقاء منهم على المنظمة العالمية العظيمة ، ورعاية منهم لمصالحهم هم انفسهم ، يقبلون التفاوض مع دولة اسرائيل ، تحت اشراف الأمم المتحدة "مجلس الأمن بشكل خاص" وعلى ان يكون التفاوض على اساس قراري الامم المتحدة ، المتخذين في التاسع والعشرين من نوفمبر عام 1947 "قرار التقسيم" ، وفي الحادي عشر من ديسمبر 1948 "قرار اعادة اللاجئين" . وهما القراران اللذان التزمت بهما دولة اسرائيل لدى دخولها هيئة الأمم ، وقد وردت الى ذلك الالتزام الاشارة في القرار الذي اتخذته الجمعية العامة في الحادي عشر من شهر مايو1949 ، وهو القرار الذي يقضي بقبولها في الهيئة ، وينص في ديباجته على ان اسرائيل قد تعهدت باحترام التزاماتها تجاه ميثاق الامم المتحدة منذ قيامها ، اي في الرابع عشر من آيار (مايو) عام 1948 كما ينص على التذكير بقراري 29 تشرين الثاني (نوفمبر) 1947 "قرار التقسيم" والحادي عشر من كانون الأول (ديسمبر) 1948 (قرار اعادة اللاجئين) "عن كتاب قضايانا في الامم المتحدة" ..
    وسيكون هدف المفاوضة مع اسرائيل تحت اشراف مجلس الأمن الآتي:-
    1- انهاء حالة الحرب التي ظلت قائمة بين العرب واسرائيل ، والاعتراف لاسرائيل بحق البقاء في سلام وأمن . واحترام لسيادتها على أراضيها .
    2- احترام حق اسرائيل في المرور البرئ بالممرات المائية خليج العقبة وقناة السويس .
    3- انسحاب القوات الاسرائيلية ، والسلطات الاسرائيلية من الاراضي العربية التي احتلتها اسرائيل على التوالي: في الحروب 15 مايو 1948 ، و29 اكتوبر 1956 ، و5 يونيو 1967 .
    4- إرجاع اللاجئين العرب الذين اخرجوا من ديارهم ، اثناء هذه الحروب ، أو بعدها ، وتعويضهم عن جميع ما تعرضوا له من خسائر . وتوطين من لا يرغبون منهم في العودة الى داخل الحدود الاسرائيلية ، في الأرض الفلسطينية ، التي خصصها مشروع التقسيم الاصلي للعرب .. وهذا يعني تنفيذ مشروع التقسيم الاصلي .
    5- ضمان مجلس الامن (الامم المتحدة) لحدود الدولة العربية الجديدة ، التي تنشأ نتيجة لتنفيذ مشروع التقسيم الاصلي ، ولتأكيد هذا الضمان توقف ، على الفور ، الهجرة اليهودية الى دولة اسرائيل ، ذلك لأن زيادة السكان الناتجة عن استمرار الهجرة ستجعل اسرائيل مضطرة الى التوسع ، وقد تصبح بذلك مهددة لامن جيرانها وسلامة اراضيهم .
    6- تأخذ هيئة الامم على اسرائيل تعهداً بالا تحاول اي توسع في ارض أي من الدول العربية المجاورة لها . فاذا جرت منها أية محاولة فان مسؤولية ايقافها عند حدها تقع على عاتق المنظمة الدولية ، مجلس الامن والجمعية العامة .
    فاذا ملك الزعماء العرب هذه الشجاعة ، وهي شجاعة سيحتاجونها لمواجهة شعوبهم (وذلك ، على كل حال ، افضل من التضليل الذي يمارسونه الآن) فان موقف اسرائيل سيصبح ضعيفاً .. ولكنها أمام اغراء اعتراف العرب بها ، وامام الرأي العام العالمي ، في المنظمة وخارجها ، لن تجد بداً من الموافقة . فاذا ما ابرم الحل العاجل بصورة مرضية فقد اصبح على العرب ان يباشروا الحل الآجل .
    الحل الآجل: اول ما تجب الاشارة اليه هو ان العرب اليوم يواجهون تحدياً حاسماً ... وفحوى هذا التحدي الحاسم هو ان العرب اليوم لا يعيشون حاضرهم ، ولا يعيشون ماضيهم . فاما حاضرهم فهو عصر الحضارة الغربية ، العلمية الآلية ، الذي ، وان تاخرت فيه الاخلاق ، وانحطت القيم ، فقد بلغ فيه التقدم التكنولوجي مبلغاً فاق احلام اصحاب الاحلام ،وبلغ فيه تطوير الآلة وتطويعها لخدمة الانسان مبلغاً غير وجه الحياة .. ولكن العرب لا يعيشون الا على هامشه .. فهم لا يصممون الآلة .. ولا يصنعونها ، ولا يحسنون حتى صيانتها ، ولا استعمالها .
    واما ماضيهم فقد كان عهد التقوى ، والايمان ، والقيم الرفيعة ، والسيرة المستقيمة ، والخلق العبق ، السجيح ، والنجدة ، والرجولة ، والتضحية ، والايثار ، والصدق! الصدق! الصدق! .
    ولكن العرب اليوم لا يعيشون الا على هامشه ، ايضاً ، فهم قد تشربوا اخلاق المدنية الغربية ، وجاروا اهلها في مباذلهم ، فافقدتهم أصالة دينهم ، ولم يبلغوا من اصالتها هي طائلاً . فأصبحوا يعيشون على قشور من الاسلام ، وعلى قشور من المدنية الغربية .. أو قل ان اردت الدقة ، انهم لا يعيشون ، وانما تقوقعوا ، وتحجروا ، واصبحت حركتهم لا تنبعث منهم ، وانما تنبعث عن عوامل خارجة عن محيطهم ، وعن اراداتهم .. ان العرب اليوم لا يوجهون التاريخ ، ولا يسهمون في توجيهه وانما ينساقون خلفه ، ويعيشون على هامشه ....
    ان الزمان قد استدار استدارة كاملة ، واصبحنا نعيش اليوم في فترة تؤرخ نهاية عهد وبداية عهد .. واصبحت منطقة العرب مسرحاً لصراع حضاري جديد ، هو الصراع بين الحضارة الغربية الآلية كما يمثلها اليهود ، فيحسنون تمثيلها ، كل الاحسان ، وبين المدنية الاسلامية (الروحية – المادية) كما يمثلها العرب ، فيسيئون تمثيلها ، كل الاساءة .. وستكون نتيجة هذا الصراع الحضاري مولد المدنية الجديدة المرتقبة ، ان شاء الله ، ولكن على العرب ان يهبوا ، وان ينهضوا ، وان يحسنوا تمثيل المدنية الاسلامية في كفاءة ، وكفاية حتى يتم التزاوج والتلاقح . ..
    خلاصة الحل الآجل في كلمة واحدة؟ الاسلام!! ولكن ما هو الاسلام؟)
    [7]

    هذا طرف مما طرحه الاستاذ محمود ، في حل مشكلة الشرق الاوسط ، في منتصف الستينات ، فليراجع .. ولقد سقته هنا ، لاعطاء نموذج ، لجدية الطرح ، في مقارنة مع ما قدمه الصادق المهدي ، عن نفس الموضوع ، في ورشة عمل الانصار . ولقد كان رأي الاستاذ محمود، مستنكراً اشد النكر ، ومرفوضاً اشد الرفض ، ولم يكن احداً يصدق ان اسرائيل ، يمكن ان تنسحب من الارض التي احتلتها ، بسبب عقد سلام معها ، حتى تم ذلك بالفعل ، على يد السادات في عام 1973 فوقع السلام ، وانسحبت اسرائيل من سيناء .. ولم يتبع العرب ، السادات ، في السلام ، ولو فعلوا لكانت مكاسبهم اكبر .. والعرب اليوم ،اضعف من ذي قبل ، لفقدانهم كل هذه الفرص ، وهم مع ذلك ، لا زالوا يتخبطون بين المقاومة ومطلب السلام ، ولا يحسنون ادارة أي معركة في كافة الاصعدة.
    بهذا نختم مناقشة ، ورقة السيد الصادق في الجانب السياسي ، ونفرغ الى رايه في الاجتهاد في الحلقة القادمة .

    عمر القراي
    -نواصل-


    [1] - محمد بن ابي بكر الرازي: مختار الصحاح . القاهرة: دار الحديث ص 144
    [2] - حديث الصادق للبيان.
    [3] - عمر القراي: اجسام البغال واحلام العصافير . سودانايل 10 ديسمبر 2001
    [4]- محمود محمد طه (1967) مشكلة الشرق الاوسط . أمدرمان سودان ص 40-43
    [5]- لمصدر السابق ص 62-64
    [6]- المصدر السابق ص 168-172
    [7]- المصدر السابق ص 180- 187
                  

01-21-2005, 07:23 AM

أبوالريش

تاريخ التسجيل: 03-23-2004
مجموع المشاركات: 0

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية " ودعاوى التجديد (Re: Omer Abdalla)

    الأخ عمـر هـوارى،
    شكــرا على إيـراد حديث الأخ القــراى..

    فى الحقيقــة هـذه هى الحقيقـة التى تبطل السحــر.. فليس هناك فرق فكـرى ومبدئى بين السيــد الصـادق و الترابى وبن لادن.. وفى الحق أن بن لادن أصـدقهـم جميعـا، وأجـدرهـم بالإحتـرام، إن كان إرهاب وهـوس يـدعـو إلى إحتـرام!!
    والسيــد الصـادق وقـع بين بين.. فهـو لا يملك صـدق وشجـاعـة بن لادن، ولا يملك خبث ودهاء ومراوغــة الترابى!
    ولكن دعهـم جميعـا إلى حين.. فإن عبارة "هـذا أو الطـوفـان" ما زالت تصـل صليلا فى أذانهــم، وقـد بـدأوا الأن فى مراجعـة المقـررات الدينيـة حسب إتفاقيـة الســلام، وذلك لـ "نســخ" النصـوص التى لا تتفق مـع الإتفاقيـة (وليس مع الشريعـة).. والأكثـر من الذل والهـوان فى طريقـه إليهــم، بما صـدوا عن سبيل الله فى سبيل حفنـة دراهـم أو موقـع سلطـوى زائل مـع صـاحبـه (إن لم يكن بعـده!)
                  

02-19-2005, 03:07 PM

Basheer abusalif

تاريخ التسجيل: 01-31-2005
مجموع المشاركات: 1500

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية " ودعاوى التجديد (Re: أبوالريش)

    الاخ عمر عبدالله ..إطلعت على البوست الذى فتحته بنقل مقالات للدكتورعمر القراى ومحاولاته المستميتة للنيل من إفكار السيد الصادق المهدى لا سيما فى مايتعلق بالجهاد فى الاسلام وتفسيره له واطرحاته فى هذا الصدد.. وانا لست هنا الان لارد على الدكتور القراى فإذا كان هناك من فتح معه فقطعاسيكمله..والامر الاخر لانى سبق وكتبت ردا مطولا عما ظل يردده القراى بهذا الصدد فى Sudanile.com حيث نشر مقالا له سابقا ..فالامر مفهوم لى إصراره على إلباس الرجل (المهدى) ثوب التضيق الفكرى ولى عنق الحقيقة فهمه وتناوله لاجتهاداته.. ولكنى اريد ان أعلق على تعليق الاخ أبوالريش ..والذى كان قمة الانكار لواقع يعلمه الجميع عن السيد الامام وحتى اعدائه وذلك بوضعه فى خانة بن لادن والترابى.. بل وتفضيلهم عليه ذلك بتطرفه وعنفه وذاك بخبثه..بئس الفضل والله..وما ساقه الاخ ابوالريش إنما ينم عن جهل حتى بما هىاطروحات الرجل وجهده وإجتهاده فى بناء خط الإعتدال ونهج الصحوة الرافض بشدة للتطرف ايا كان مصدره .. وإن كنت لم تقراءله من او تكلق نفسك عناء فاليك بعض الامثلة الخفيفة من خطب او خطابات تجدها هنا:

    http://www.umma.org/04/4,4,03a.htm


    http://www.umma.org/04/4,4,02a.htm


    http://www.umma.org/04/4,4,05a.htm

    هذه بعض الخطب القصيرة التى قد تعين فى فهم هذا الطرح..اما إذا كنت تدرى بهذاالفهم ومع ذلك اردت وضعه فى خانةبن لادن والترابى فهنا يكون تساؤل أخينا الحبيب محمدعبدالرحمن مشروعا .. ولاإثارة للعواطف فيها..ولنا ان نرد لك التساؤل الذىاوردته انت فى تعليقك هنا:
    Re: لماذا كل هذا العداء للسيد الصادق المهدي ؟هل يكسب...أقصاء الرجل وحزبه ؟!


    هل قتل لك الصادق المهدى اباك كما فعل الترابى وبن لادن مع الكثيرين فى حملة صيف العبور او بطائرة انتحارية.

    ولكم جميعا الود المقيم وكل الاحترام ..مع تمنياتى بنقاش يسمو لمستوى العقل.
                  

01-21-2005, 04:56 PM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-03-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية " ودعاوى التجديد (Re: Omer Abdalla)

    عزيزي محمد عثمان
    كل عام وأنت والجميع بخير
    عندما افتتح الأخ اسماعيل وراق خيطه ورشة هيئة شئون الأنصار.. نحو مرجعية إسلامية متجددة.. دعوة للحوار والنقاش قابل الكثيرون الموضوع بحماس خاصة بعض اخواننا في حزب الأمة وبعض السلفيين الذين توسموا فيها مخرجا وفهما اسلاميا متقدما وقد وعد بعضهم بنقاش الورقة فور اكتمالها .. وعندما أنزل الأخ عبد الله عثمان الحلقة الأولى من رد الأخ عمر القراي هناك أثير بعض الغبار حوله ولكن لم نرى حوارا من اولئك المتحمسين يواجه النقاط الكثيرة التي أثارها الفراي .. وبالرغم من دعوة الاخ اسماعيل وراق لسماع رأي القراي حول الثلاثين نقطة التي تناولها السيد الصادق المهدي في ورقته وذلك حينما كتب في رده على د. ياسر قائلا:
    Quote: ولكن دعنا نتجاوز ذلك كله، ما هو رأي القراي أو رأيكم أخي ياسر حول ما طرح، هناك ثلاثون نقطة نرى أنها محل خلاف بين كثير من الطوائف والجماعات الإسلامية وبما أنكم أصحاب فكرة إسلامية فهنا أتمنى مساهماتكم بعيداً عن صفة الصادق الرئاسية أو الإمامية.

    الا أنه ، لا هو ولا بقية المتحمسين، علقوا على النقاط التي تتبعا القراي في ثمان حلقات ولا يزال يواصل فيها .. بل توقف الأخ اسماعيل عن النقل في النقطة رقم 23 من الثلاثين نقطة التي وعد بنشرها .. وأنا من هنا أناشده بنشر ما تبقى من أجزاء حتى يكتمل الرد عليها ..
    وكلي رجاء أن يقرأ معجبوا الصادق المهدي كتاباته بعقول مفتوحة وغير متأثرة بالعاطفة ويتقبلوا نقدها بصدور رحبة حتى تتبين لهم حقيقة عمق الأفكار التي يحملها ..
    عمر
                  

01-21-2005, 10:01 PM

lana mahdi
<alana mahdi
تاريخ التسجيل: 05-07-2003
مجموع المشاركات: 16049

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية " ودعاوى التجديد (Re: Omer Abdalla)

    Quote: وكلي رجاء أن يقرأ معجبوا الصادق المهدي كتاباته بعقول مفتوحة وغير متأثرة بالعاطفة ويتقبلوا نقدها بصدور رحبة حتى تتبين لهم حقيقة عمق الأفكار التي يحملها ..

    اخي الحبيب عمر
    تحية طيبة و كل سنة و انت طيب
    العبارة التى تحتها خط هل مفادها ان معجبي الصادق المهدي عندما يتقبلون نقد افكاره بصدور رحبة وعقول مفتوحة بعد ان ينفضوا عنهم عاطفتهم تجاهه او تجاه ما يمثله ،ستعن لهم حقائق جديدة حول عمق أفكاره التى يحملها؟؟هل سيجدونها أقل عمقاًمثلاً؟؟
    شكرا لك
                  

01-22-2005, 08:14 AM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-03-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية " ودعاوى التجديد (Re: Omer Abdalla)

    أختي العزيزة لنا مهدي
    تحية طيبة وكل عام وأنت وجميع من حولك بخير
    نعم في تقديري أن أفكار السيد الصادق المهدي عن "الصحوة" ليست بالعمق الذي يتوسمها فيه معجبوه وأتباعه بدافع الانتماء او العاطفة الدينية فإذا استطاعوا تحييد عقولهم لاشك أن الأمر سيبين لهم على حقيقته خاصة اذا ربطوا هذه الأفكار بالممارسة العملية في الحكم والتي لم تؤد الا الى الفشل تلو الفشل ..
    فمثلا دعوة السيد الصادق الى تحكيم الشريعة في الشمال (كما أكدها في خطبته الأخيرة في الجزيرة أبا) لا تختلف عن دعوة نظام الجبهة الاسلامية (والتي اتلف معها لنفس الغرض في الماضي) .. وهي تصادم كل المواثيق الدولية ومقررات أسمرا التي وافق عليها والتي تجعل "المواطنة" هي أساس الحقوق .. وبتمعن بسيط يمكننا رؤية خطل الرأي الذي يقول بالجمع بين الشريعة وبين الحقوق المتساوية للمواطنين في الدولة الواحدة ذلك أن الشريعة تميز بين المسلمين وغير المسلمين تمييزا واضحا يمكن أن نتوسع في تبيينه اذا اقتضى الأمر ..
    على أي حال فإن الأخ عمر القراي تتبع الكثير من النقاط والتعميمات التي ساقها السيد الصادق ، بالتحليل الموضوعي والنقد القوي المؤسس فلم نر حتى الآن ردا يبين خطل هذا التحليل واجحاف هذا النقد كما توقعنا من المدافعين عن فكر السيد الصادق ونهجه ..
    عمر

    (عدل بواسطة Omer Abdalla on 01-22-2005, 08:18 AM)

                  

02-18-2005, 01:58 PM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-03-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية " ودعاوى التجديد (Re: Omer Abdalla)

    الصادق المهدي و"الانكفائية " ودعاوى التجديد
    تعقيب على ورشة عمل الانصار" نحو مرجعية اسلامية جديدة ..."

    الحلقة التاسعة


    (32)

    يتحدث السيد الصادق عن ضرورة الاجتهاد ، ولكنه بعد ان ساق اسباباً موضوعية ، تدعو للاجتهاد كقوله (إن الأحكام التي اتفق عليها جمهور الفقهاء في كثير من القضايا لا تلائم عصرنا مما يوجب اجتهادا جديدا، كما أن نصوص ومقاصد الشريعة أوسع من الأحكام التي استنبطها الجمهور مما يتيح المجال للاجتهاد الجديد ) ، ذكر ان من اهم اسباب الاجتهاد، ان القرآن نفسه ، ظني الدلالة ، ويعطي احكاماً متناقضة ، وان السنة قابلة للتحريف والنسيان!! أسمعه يقول عن القرآن : (من أهم أسباب الحاجة للاجتهاد هو أن النصوص الإسلامية نفسها يوجد حولها اختلاف، بيانه:
    أ- القرآن: القرآن قطعي الورود ولكن نصوصه ليست قطعية الدلالة. قال تعالي ( هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات) وقال (ما ننسخ من آية أو ننسئها بخير منها أو مثلها ) ووصف الامام علي آيات القرآن بانها حمالة أوجه . وبياناً لذلك استعرض المسائل الآتية:
    • هل يقول الإسلام بالجبر أم بالاختيار:
    الإنسان أهو مسير أم مخير؟ القائلون بالجبر استشهدوا بآيات مثل قوله تعالى:( وما تشاءون الا ان يشاء الله) والقائلون بالاختيار استشهدوا بآيات مثل (انا هديناه السبيل اما شاكراً واما كفوراً)
    • وما هي درجة التقوى المطلوبة؟ قال تعالى ( واتقوا الله حق تقاته ) وقال ( فاتقوا الله ما استطعتم)
    • وهل تقبل التعددية الدينية؟ قال تعالى (ليسوا سواء من أهل الكتاب ، أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون * يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات واؤلئك من الصالحين ) وقال (لكم دينكم ولي دين ) وقال ( ومن يبتغ غير الاسلام ديناً فلن يقبل منه )
    * وقال تعالى ( كفوا أيديكم واقيموا الصلاة ) وقال ( وجاهدوا في الله حق جهاده )
    * وقال تعالى ( وان تبدوا ما في انفسكم او تخفوه يحاسبكم به الله ) وقال ( لا يكلف الله نفساً الا وسعها)
    * وقال (وجزاء سيئة سيئة مثلها ) وقال ( فمن عفا واصلح فأجره على الله )
    * ووصفت الذات الآلهية بصفات مماثلة للبشر . وقال تعالى ( ليس كمثله شئ )
    * ووصفت الجنة بأوصاف مشابهة للمعهود في الدنيا . وقال تعالى ( فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون )
    فهم هذه الثنائيات – هي كثيرة يوجب تفقهاً وتدبراً على نحو ما حث عليه القرآن نفسه . قال تعالى ( أفلا يتدبرون القرآن ام على قلوب اقفالها ) وقال ( والذين اذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صماً وعمياناً ))

    وقبل ان نبدأ في شرح هذه المعاني ، التي اشكلت على السيد الصادق ، رغم انها من اسس التوحيد ، وانه يزعم انه المفكر الأسلامي ، الذي سيقدم الاجتهاد الأمثل ، نود ان نشير الى مبلغ ما اثاره من بلبلة ، وتشكيك ، دون شرح او اجلاء لما ظن انه من الاشياء الغامضة ، والتي يحتاج فهمها ، على حد زعمه ، للتدبر، والتفقه ، وهو أمر لا يتوفر لمعظم مستمعيه من الانصار . ما هي الرسالة التي يريد الصادق ان يوصلها للمستمعين ، حين يذكر ان القرآن يقرر تارة ان الانسان مسير، وتارة انه مخير؟! او انه يجب ان يرد السيئة ولا يردها؟! الى اخر ما اثاره من ما يبدو وكأنه تناقض في نصوص القرآن ؟! وهل ما يدعو للاجتهاد ، هو اختلاف المجتمع ، عن مجتمع القرن السابع الميلادي ، أم هذه المعاني العرفانية الدقيقة ، والتي لم يعالجها الصادق رغم انه اوردها؟!
    ومهما يكن من أمر المعاني المتشابهة الدقيقة ، فان الصادق قد أخطأ وسيلة معرفتها ، وذلك حين قال (فهم هذه الثنائيات – هي كثيرة يوجب تفقهاً وتدبراً على نحو ما حث عليه القرآن نفسه . قال تعالى "أفلا يتدبرون القرآن ام على قلوب اقفالها" وقال "والذين اذا ذكروا بآيات ربهم لم يخروا عليها صماً وعمياناً") .. والسبب في خطأ الصادق ، هو ظنه بان التفقه ، والذي يقوم على التحصيل النظري ، والذي درج عليه الفقهاء ، يمكن ان يحصل به اسرار القرآن!! وهو ظن فاسد ، وايسر ما يقال في فساده ، انه يخالف حتى الآيات التي اوردها الصادق نفسه!! فقوله تعالى "أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب اقفالها" ، دل على ان التدبر ، الذي يحدث الفائدة ، انما يتم بالقلوب ، التي لم تغلقها الذنوب ، عن الاتصال بالله .. وعن القلوب المغلقة ، بالاقفال ، قال عز من قائل "كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون * كلا انهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون" .. والقلوب انما تجلى بالتقوي ، والعلم الذي هو ثمرة هذه التقوى ، هو الذي به تتدبر القلوب ، المعاني الدقاق ، وتميز بينها .. والآية الاخرى ، التي اوردها الصادق ، تسير في نفس المعنى "والذين اذا ذكروا بآيات الله لم يخروا عليها صماً وعمياناً" فالعمى المقصود هنا ، ليس عمى البصر، وانما عمى القلوب .. قال تعالى "انها لا تعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور"!!


    (33)

    أول ما يجب الاشارة اليه ، في أمر المتشابه من القرآن ، هو ان للقرآن تفسير وله تاويل .. والتفسير هو شرح معاني القرآن ، اعتماداً على ما تعطيه اللغة العربية ، والمفسر الى جانب المعرفة بلغة العرب واساليبها ، يحتاج ايضاً الى الالمام بتاريخهم ، وحروبهم ، واشعارهم ، وثقافة مجتمعهم ، الذي نزل عليه القرآن .. ولما كان علم التفسير، علم نظري ، فان التفاوت بين المفسرين ، لا يتم الا من حيث التحصيل ، الذي يمكن ان تسدد ثغراته ، بالدرس والاطلاع .. والتفسير لا يعطي الا معاني ظاهر القرآن ، ولا يستطيع ان يخوض في اسراره ، وانما يكتفي بشرح الاحكام الشرعية العامة، وهو ان حاول الدخول في الاعماق ، لا يأتي بما يحسن السكوت عليه .. ومن ذلك ، مثلاً ، محاولة بعض المفسرين ، لشرح الآية "الم" في بداية سورة البقرة ، فقد قالوا (الالف من الله واللام من جبريل والميم من محمد) يريدون ان معناها ، ان الله انزل القرآن ، بواسطة جبريل الى محمد ، وهي ، كما يرى القارئ ، محاولة فاترة لا تضيف معنى .
    أما التأويل ، فانه قمة هرم المعنى ، حين يكون التفسير قاعدته . وهو انتقال من كثيف المعنى الى لطيفه ، بابراز المقصود من وراء النص ، فيما بعد المعنى القريب له .. ولا يعتمد التأويل على اللغة العربية ، الا كمدخل ، ولكنه يعتمد على العلم ، الذي تحققه التقوى ، فان ثمرة التقوى المباشرة ، هي العلم عن الله .. قال تعالى في ذلك "واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شئ عليم" .. وانما ينعكس العلم من القلب التقي ، على العقل ، فيعينه على دقة التمييز، وهذا ما يعرف بالفرقان ، قال تعالى "يا ايها الذين آمنوا ان تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم" .. وحين يجعل المفسر، اللغة ، وسيلته الاساسية للفهم ، يعتمد العارف في تأويله، على التوحيد. وانما يوضح التوحيد المعنى ، الذي قد تضلل عنه اللغة ، لو أخذت بمفردها .. ومن أمثلة ذلك ، قوله تعالى "اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام ديناً" ، فان اللغة تعطي المعنى بان أمر الدين قد اكتمل ، ولا يرجى فيه أمر مستانف . وبناء على هذا الفهم ، رفض الفقهاء ، أي دعوة جديدة في اطار الاسلام .. ولكن التوحيد يقول ، ان القرآن كمل انزاله ، ولم يكمل تبيينه، ولن يكمل، وانما ينفتح باب الفهم في معانيه الى الاطلاق .. وذلك لانه كلام الله ، وكلامه تبارك وتعالى ، صفة قديمة ، قائمة بذاته ، وهي لدى التناهي ذاته المطلقة .. قال تعالى "حم * والكتاب المبين * انا جعلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون * وانه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم"!! وفي معنى ان بيان القرآن لا ينتهي ، يجئ قوله "لا تحرك به لسانك لتعجل به * إن علينا جمعه وقرءآنه * فاذا قرأناه فاتبع قرءآنه * ثم ان علينا بيانه" وما يكون بيانه على الله لا يستنفد ..
    وفي الاشارة الى ان المعاني ، انما تتحقق بمجئ التأويل ، يقول تعالى "ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون * هل ينظرون الا تأويله؟! يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل قد خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون" .. وحين ينكر الناس ، المعاني التي يرد بها التأويل، يسوقهم ذلك ، الى انكار حقائق الدين الكبرى ، التي اشتمل عليها القرآن ، ولم يحيطوا هم باسرارها.. قال تعالى في ذلك "وما كان هذا القرآن ان يفترى من دون الله ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين * أم يقولون افتراه قل فاتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله ان كنتم صادقين * بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما ياتهم تأويله كذلك كذب الذين من قبلهم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين" .. وفي قصة موسى والخضر، حين لم يستطع موسى عليه السلام ، معرفة الحكمة ، مما فعل الخضر عليه السلام ، قال تعالى على لسان الخضر " سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبراً" .. وحين يقوم التفسير، على علم الشريعة "الظاهر" ، يقوم التأويل على علم الحقيقة "الباطن" ، على ان التأويل ، ينبغي الا يخالف المعنى الظاهر، الذي قام عليه التفسير، وذلك حتى لا يقطع المبتدئين ، لانه ليس للباطن من سبيل الا الظاهر ..
    والسبب في ان للقرآن تأويل وله تفسير، هو انه حديث من الرب في عليائه ، الى العبد في أرضه . ولقد تنزل المعنى ، عما هو عليه عند الرب ، تنزيلاً من بعد تنزيل ، حتى يصل الى ما يستطيع العبد ادراكه.. قال تعالى "وقرآناً فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلاً" .. ولما كان الانسان يدرك باللغة ، فقد صب الله تعالى ، كلامه القديم ، في قوالب اللغة العربية ، فحملت منه ما تطيق وظل جل معناه ، خارج اللغة، يبدأ من حيث انتهت اللغة ، ويسير الى الذات العليّة ، في اطلاقها!! قال تعالى " حم * والكتاب المبين * إنا جعلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون * وانه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم"!! على ان القرآن ، حين تنزل ، كان يتنزل على مستويين مستويين .. ومعنى ذلك ، ان كل معنى ندركه ، لانه قريب منا ، خلفه معنى آخر، بعيد عنا .. فاذا ترقينا ، وادركنا ذلك المعنى البعيد ، أصبح قريباً ، ولاح لنا خلفه ، معنى آخر بعيد.. غايتنا في ذلك ، ان ندرك المعنى ، الذي في أم الكتاب ، وهيهات!! ذلك انه كما يقول السادة الصوفية "لا يعرف الله الا الله ولا يدخل في ملكه الا ما يريد"!! والى هذه الظاهرة ، التي سماها الصادق المهدي "الثنائية" ، وسماها الله المثاني ، الاشارة بقوله تعالى "الله نزل احسن الحديث كتاباً متشابهاً مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم الى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد" .. وانما بالجلود والقلوب ، اشار الى الظاهر والباطن ، وهو أهم وجوه المثاني ..
    وادنى منازل التأويل من التفسير، معرفة الحكمة وراء النص ، ولكنها مع ذلك ، لا تتاتى بمجرد التفسير ، ولهذا فان التفسير، لا يمكن ان يوفق بين النصوص ، التي تبدو وكأنها متعارضة، وهو ما تورط فيه السيد الصادق ، فلم يظفر الا بالتناقض الذي يشكك الاذكياء في القرآن .. وعجز الصادق عن التأويل ، يحرمه الحق في الاجتهاد العصري ، الذي يحتاج لمعرفة الحكمة ، وراء النصوص وامكانية تجاوزها ، لما هو اولى منها ، هذا لو كان الصادق ورعاً ، وحريصاً على الحق ..


    (34)

    فاذا نظرنا الى قضية الجبر والاختيار، من هذا المنطلق ، راينا ان المعنى الظاهر، الذي تعطيه الشريعة ، هو ان الانسان مخير.. وهو يشعر ان له ارادة مستقلة ، وحرة ، وعلى هذا الشعور، وما ترتب عليه ، من عمل ، قام الحساب والعقاب .. ولكن في الحقيقة ، فان الانسان مسير، كغيره من عناصر الوجود ، ومخلوقاته ، وما شعوره بانه مخير، الا وهم جاء الدين بمنهاج شريعته ، وحقيقته ليخلصه منه ..
    فالحواس ، وهي وسائل ادخال المعرفة ، على العقل ، لها وهم ، والعقول هي التي تصحح وهم الحواس .. فالعين المجردة ، ترى الخطين المتوازيين ، يلتقيان عند الافق .. ولكن العقل ، يرفض ذلك فلو ان خطي السكة حديد التقيا ، لسقط القطار .. ونحن نرى النجوم ، في الليلة الصافية ، مثل حبات العنب ، ولكن هذه النجوم التي رأيناها صغيرة ، لبعد المسافة ، هي شموس أكبر من شمسنا ، وشمسنا اكبر من ارضنا!! وهكذا بمثل هذه المعرفة تتحرر العقول من اوهام الحواس ..
    وكما ان للحواس وهم ، تصححه العقول ، فان للعقول وهم ، يصححه التوحيد .. ووهم العقول ، هو الارادة ، وانما يقرر التوحيد ، ان المريد في الحقيقة واحد!! وهذا مستوى وحدة الفاعل ، قال تعالى "ام جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شئ وهو الواحد القهار" .. ولما كان القرآن كتاب تربية ، وتسليك ، فقد اتبع اسلوب التدريج ، ومن هنا جارى وهم الحواس ، ووهم العقول ، حتى يخلص الانسان ، ويسوقه على مكث ، وتلبث ، في مراقي التوحيد ..
    وفي باب مجاراة القرآن ، لوهم الحواس ، يجئ قوله تعالى "والسماء بنيناها بأيد وانا لموسعون * والارض فرشناها فنعم الماهدون" ، وقوله "والله جعل لكم الارض بساطاً * لتسلكوا منها سبلاً فجاجاً" ، وقوله "والارض بعد ذلك دحاها" ، وقوله "والى الارض كيف سطحت" .. والسبب في ذلك، هو ان الناس ، حين نزل عليهم القرآن ، كانوا يرون الارض بأعينهم ، مسطحة ، ويسافرون فيها ، أياماً و ليال، ولا يرون غير سطحها الممتد ، فلم يرد المشرع ، ان يضيف الى عبء الدعوة الجديدة عبئاً آخراً ، ليحدثهم مباشرة ، عن ان الأرض كروية ، وان ما تعطيه أعينهم ليس الا وهم ، سببه كبر الارض، ومحدودية البصر .. فاذا ما تطور الانسان ، وشاهد صور الأرض ، من الفضاء الخارجي ، وعلم انها كروية ، سيجد ذلك أيضاً ، مما يمكن ان يستشف من القرآن ، في قوله تعالى "خلق السموات والارض بالحق يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل" ..
    وكما جارى القرآن ، أوهام الحواس ، جارى وهم العقول ، ايضاً ، الى ان يخلصها منه بالتدريج .. ولما كان السيد الصادق ، لا يعلم هذا ، فانه ظن ان هنالك تناقض ، واورد على ذلك مثلاً ، بقوله تعالى "انا هديناه السبيل إما شاكراً واما كفوراً" كدليل على التخيير، وقوله تعالى "وما تشاءون الا ان يشاء الله " كدليل على التسيير .. وعن مثل هذا اللبس ، وكيفية الفهم الصحيح له ، يقول الاستاذ محمود محمد طه (ووهم العقول يتمركز في الارادة ، ذلك بان العقول تسيطر على حركاتنا الارادية ، فمدت لها هذه السيطرة الى ان توهمنا اننا نملك ارادة مستقلة ، بها نفعل ، أو نترك الفعل ، ويجئ القرآن في هذا الباب متمشياً مع هذا الوهم ، ريثما ينقلنا منه ، نقلاً وئيداً ، من خلال ممارسة العبادة .. فهو يقول ، مثلاً، في ذلك "لمن شاء منكم ان يستقيم" .. وعلى هذه الآية وما تقرر ، قام التكليف ، وشرعت الشريعة ، واصبحنا مأمورين ومنهيين .. فاذا نهضنا بعبء تكليفنا بتشمير ، وجد ، ادّانا ذلك التشمير ، والجد في العبادة ، الى ان نستيقن، بفضل تجويد التوحيد ، ان الارادة لمريد واحد ، وان المشيئة لمشئ واحد .. وحينئذ يخاطبنا ، القرآن ، في مستوى جديد ، فيقول "وما تشاءون الا ان يشاء الله رب العالمين" .. قوله "لمن شاء منكم ان يستقيم" ، آية شريعة، وقوله "وما تشاءون الا ان يشاء الله رب العالمين" آية حقيقة .. والشريعة ظاهر ، والحقيقة باطن الشريعة .. والحكمة في نهج القرآن ، هذا النهج ، هي ان القرآن كتاب عقيدة في التوحيد .. والعقيدة في التوحيد ، في حد ذاتها ، عقبة على المدعوين اليها ، فلم يرد الحكيم ان يضيف الى عقبة الدعوة الى التوحيد عقبة أخرى بمعارضة أوهام الحواس واوهام العقول من البرهة الاولى .. وأهم من هذه ، ان بواطن الامور ليس اليها من سبيل ، الا سبيل اعتبار ظواهرها .. والله تعالى يقول في ذلك "سنريهم اياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم انه الحق .. أولم يكف بربك انه على كل شئ شهيد" .. فآيات الآفاق ظواهر ، وادراكها عن طريق الحواس الظاهرة ، وعن طريق العقول التي تستمد مدركاتها من معطيات الحواس .. وآيات النفوس بواطن وهي انما تدرك بالعقول المروضة بأدب الشريعة وبأدب الحقيقة بأدب القرآن)[1]
    وحين اورد الصادق، قوله تعالى "انا هديناه السبيل اما شاكراً واما كفوراً" دليلاً على التخيير، فانه قد فهم ان هنالك طريقين ، طريق "الشكر" وطريق "الكفر" ، وان الانسان قد أوقف في مفترقهما وقيل له اختار .. فاذا اطاع الله ، فقد اختار طريق الشكر، وسيسير فيه الى ان يوصله الى الجنة ، اما اذا عصى الله ، فقد اختار طريق "الكفر" ، وسيسير فيه حتى يلج به في النار..، وهذا فهم ، يتفق فيه كثير من المسلمين ، مع الصادق ، ولكنه مع ذلك خطأ!! وسبب خطأه ، هو انه يجعل الشر، الذي يمثله " الكفر" ، اصل في الوجود ، مثل الخير، الذي يمثله "الشكر" ، وهو ما لا يقبله التوحيد .. والفهم الصحيح ، هو ان الطريق واحد!! وان الانسان يكون احياناً شاكراً ، واحياناً كفوراً ، فمن غلبت حالات شكره ، حالات كفره ، فهو الناجي .. ومن غلبت حالات كفره ، حالات شكره ، فهو الهالك .. ولا يطعن فيما ذكرنا، ان بعض الناس ، لا يعرف الشكر بلسان المقال ابداً ، فانه دون شك قد فعل خيراً ، في لحظة من لحظات الزمن ، وهو بذلك قد كان في موقف الشاكر .. ويصح أيضاً التقرير، بانه ليس هناك شخص ، شاكر في كل لحظة من لحظات حياته .. والانسان ، حينما يكون في حالة الشكر، يكون الله هو الذي هداه اليها ، وحين يكون في حالة الكفر، يكون الله هو الذي ساقه اليها، فكل ذلك بالهام من الله .. قال تعالى في ذلك "ونفس وما سواها * فالهمها فجورها وتقواها" ، وقال "وما كان لنفس أن تؤمن الا باذن الله ويجعل الرجس على الذين لا يعقلون" .. وحتى حين يرد ان الانسان أعطي طريقين ، فان ذلك مقتضى الشريعة ، والطريق في الحقيقة واحد ، ومن ذلك ، مثلاً قوله تعالى "وهديناه النجدين" ، فقد ألهم الحالتين في الطريق الواحد، حالة الخير وحالة الشر، أقرأ ان شئت "ألم نجعل له عينين * ولساناً وشفتين * وهديناه النجدين"!! فهو لم يملك ان تكون له عينان ، ولم يستشار ان تكون له شفتان ، وكذلك لا يملك الا يكون له نجدان لان الامر ليس في يده ، وهو انما يسير تارة في الخير، وتارة في الشر، في طريق واحد ، غايته الله ، قال تعالى "وان الى ربك المنتهى"!! وهذا يعني ، ان نهايتنا ، جميعاً ، الى الخير المطلق ، الذي ليس للشر اليه من سبيل ..
    ومما يدل على ان شعورنا ، بارادتنا ، مجرد وهم، ان هذا الشعور، يزيد عندنا، في حالة القوة والصحة ، وامتلاك القدرة والسلطة ، فاذا اصاب احدنا المرض ، او العجز، او شعر بقلة الحيلة، عرف انه لا يقدر على شئ ، ولجأ الى الله ليخلصه مما هو فيه.. يستوي في ذلك ، من يدعي الايمان ومن يدعي الكفر .. ومن اجل تربيتنا ، واعانتنا على الخلاص ، من هذا الوهم ، يقول تعالى "هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى اذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا انهم احيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن انجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين * فلما انجاهم اذا هم يبغون في الارض بغير الحق يا ايها الناس انما بغيكم على انفسكم متاع الحياة الدنيا ثم الينا مرجعكم فننبئكم بما كنتم تعملون" .. فقد قرر انه هو الذي يسيرنا في البر، وفي البحر ،ولكننا في البر نشعر بقدرتنا ، وارادتنا ، باكثر مما نشعر بها في البحر، حين تثورالعواصف الهوجاء ، ويعلو الموج ، وتصبح السفينة في مهب الرياح ، فلا نملك من امرنا الا الدعاء لصاحب القدرة الحقيقة ، التي ما اذهلنا عنها ، الا الوهم .. ونحن في حالة الخوف ، والعجز ، نعد باننا اذا نجونا من الموت هذه المرة ، سنكون مطيعين ، وشاكرين لله ، ورغم هذه التجربة ، فاننا حين ننجى ، ونخرج الى البر ، نستشعر القدرة مرة أخرى ، وننسى وعدنا ، ونتطاول على خلق الله ، بغير حق .. وحتى ينبهنا الى هذه الغفلة ، يذكرنا اننا لن نعيش الا عمر محدود ، ثم نرجع اليه ، بعد الموت ، ونكون اضعف حيلة مما كنا في البحر .. وفي نفس المعنى ، يرد قوله تعالى "واذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون الا إياه ، فلما انجاكم الى البر أعرضتم وكان الإنسان كفوراً * أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البر أو يرسل عليكم حاصباً ثم لا تجدون لكم وكيلاً * أم امنتم أن يعيدكم فيه تارة أخرى فيرسل عليكم قاصفاً من الريح فيغرقكم بما كفرتم ثم لا تجدوا لكم علينا تبيعاً" .. فنحن حين نستشعر القدرة ، في البر، انما يحدث ذلك لقلة علمنا ، وضعف خيالنا، والا فانه يمكن ان يسلط علينا في البر، ما يعجز حيلتنا أيضاً .. كما انه يمكن يهيئ الاسباب ، التي تعيدنا مرة اخرى الى البحر، فيرسل علينا الرياح العواصف ، مرة اخرى ، حتى يغرقنا ، ولا نستطيع ان نجد عذر، لاننا اعطينا الفرصة ، التي تعيينا على الشكر ولكننا كفرنا.. وكل الغرض من المواجهة بالصعاب ، ان يقدح في اذهاننا ، مبلغ حاجتنا الى الله ، في كل كبيرة ، وصغيره .. وهذا الشعور بالحاجة الى الله ، هو الايمان ، وبقدر ما زاد عند الشخص ، زاد ايمانه ، وبقدر ما نقص نقص ايمانه.. وفي هذا المعنى ، يقول السادة الصوفية ، ان كبار العارفين يسألون الله ملح الطعام!! وهم انما يفعلون ذلك ، ليأكدوا لانفسهم مبلغ حاجتهم له ، حتى يطردوا الغفلة ، التي تسوق الى الاستغناء الذي يسول للنفس الطغيان والتجبر، قال تعالى "ان الانسان ليطغى * ان رآه استغنى" ..


    (35)

    حين اثيرت قضية الجبر والاختيار، بين السلف ، تبنى المعتزلة ، وعلماء الكلام ، وسائر الفقهاء ، القول بان الانسان مخير، وكانت الحجة التي اعتمدوا عليها ، هي: اذا كان الله يسيرنا في كل ما نأتي وما ندع ، ثم بعد ذلك يحاسبنا على أخطائنا ، فان ذلك يعتبر ظلم .. ولما كان الظلم لا يجوز في حق الله ، والعقاب ثابت بصريح النصوص ، في الكتاب والسنة ، اصبح من الضروري ، القول بان الانسان مخير، ولهذا هو محاسب ، ومجازى بالاحسان ومعاقب بالاساءة .. ولعل المعتزلة هم الذين سخروا ممن يقول بالتسيير، وهو يؤمن بالعقاب ، ووصفوه بانه يصح في حقه، قول القائل:
    ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له إياك إياك ان تبتل بالماء
    وعلى النقيض من هؤلاء ، وقف السادة الصوفية باصرار، على الراي القائل ، بان الانسان مسير تسييراً تاماً ، في كل كبيرة وصغيرة ، وان العقاب ثابت بلا شك، في نصوص القرآن ، والسنة ، ومع ذلك ، فان الله تعالى عن الظلم علواً كبيراً!! وهم اذا سئلوا عما يثيره المعتزلة ، أو غيرهم من مخالفيهم ، لا يجيب بعضهم ، وان اجابوا قالوا ان الظالم من يتصرف في ملك غيره ، وان الله تبارك وتعالى، لا يتصرف في ملك غيره ، فلا يوصف ما يفعله بالناس مهما كان بالظلم!!
    والحق ان التوفيق بين التسيير والعقاب ، لا يكفي فيه ما قاله بعض السادة الصوفية ، وانما يحتاج الى معرفة سبب العقاب ، ومرحليته .. فالعذاب في النار ليس سرمدياً بلا نهاية ، وانما هو مرحلي ، وذلك لان الشر نفسه مرحلياً ، لان الاصل في الوجود الخير .. وهذا يعني ان من يدخل النار، لم يدخلها شهوة في تعذيبه ، وانما دخلها لحكمة ، والحكمة تتجه الى ان تجعل العذاب ، وسيلة للتعلم ، فاذا ادّى العذاب غرضه ، ساق الانسان من حالة ادعاء القدرة ، التي أغرته بارتكاب المعاصي ، الى قلة الحيلة ، والشعور بالضعف ، والهوان ، والعجز، حتى يدرك انه لا ملجأ من الله ، الا اليه ، ويشهد ذوقاً ، انه لا حول ولا قوة الا بالله .. فان استقر هذا الايمان في قلبه ، وهو في النار، فان ذلك يخرجه منها ، ويدخله الجنة .. قال تعالى في ذلك "وان منكم الا واردها كان على ربك حتماً مقضياً * ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثياً"!! فكل من آمن ينجى من النار، ويظل فيها ، من لم يبلغ به العذاب ، الحد الذي يسوقه الى الهداية ، الى ان يؤمن ويخرج من النار .. وما من نفس ، الا وهي مستوفية عذابها في يوم ما ، وخارجة من النار!! فان قلت بغير ذلك ، فهو يعني ان العذاب لم يؤد الغرض منه ، فاصبح بلا حكمة .. ويعني ايضاً ، ان هناك شخصاً قد اذنب ذنباً لا نهائياً ، فاستحق عذاباً لا نهائياً!! وهذا وذاك لا يقبله الدين ، ولا العقل ، فلم يبق الا ما قلنا من مرحلية العذاب .. ولقد ضلل التفسير، معظم المفسرين ، عن هذا المعنى الواضح ، حين إعتمد على اللغة العربية ، وفسر الأبد ، بانه الزمن الذي لا نهاية له ، كما هو في لغة العرب .. وذلك ، في قوله تعالى "خالدين فيها أبداً" .. والحق ان الابد ، زمن له بداية وله نهاية . فانه حين قال عن الكفار، انهم خالدين في النار أبداً ، قال في آية أخرى "خالدين فيها ما دامت السموات والارض"!! فدل بان الأبد ، هو مدة دوام السموات والارض .. ولقد حكى لنا الله تبارك وتعالى ، عن بداية السموات والأرض ، قبل ان ينمازا عن بعضهما ، في قوله "أولم ير الذين كفروا ان السموات والارض كانت رتقاً ففتقناهما؟!"!! وقال عن نهايتهما ، وعودتهما الى ما كانا عليه "ذلك يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده وعداً علينا انا كنا فاعلين" .. فالزمن بين الفتق ، والعودة الى الرتق مرة أخرى ، هو مدة دوام السموات والارض ، وهو الأبد . وعن كون الكفار، يمكثون في النار، لحقب زمنية محددة قال تعالى "إن جهنم كانت مرصاداً * للطاغين مآباً * لابثين فيها أحقاباً * لا يذوقون فيها برداً ولا شراباً * الا حميماً وغساقاً * جزاء وفاقاً * إنهم كانوا لا يرجون حساباً * وكذبوا بآياتنا كذاباً" ..
    والوجود ، وفي طليعته الانسان ، مسير الى الله ، في اطلاقه ، قال تعالى "ان كل من في السموات والارض الا اتي الرحمن عبداً * لقد احصاهم وعدهم عداً * وكلهم آتيه يوم القيامة فرداً" ، وقال "وان الى ربك الرجعى" .. وهذا يعني اننا مسيرون ، الى الخير المطلق ، في المآل .. وهو سبحانه عندما يسيرنا في الحال، بالعذاب في النار، او بالمصائب في الدنيا ، انما يفعل ذلك من باب اعدادنا في رحلتنا اللانهائية ، ولهذا فان هذا التسيير، على ما به من مشقة ، طرف من الخير، وان لم نر هذا الوجه فيه ، لقصور علمنا .. والسبب في التسيير هو جهلنا ، فلو ترك لنا امر انفسنا ، لما احسنا تدبيرها ، كما يدبرنا هو!! قال تعالى "كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى ان تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى ان تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وانتم لا تعلمون" .. قوله "والله يعلم وانتم لا تعلمون" هو السبب في التسيير، فانه لعلمه بمصلحتنا ، لا بد ان يسوقنا اليها، ولو كان في ذلك إيلامنا .. وهذا هو حالي، وحالك، حين نجبر طفلنا على الدواء المر، او الحقنة المؤلمة ، وهو يصرخ ويبكي ، ونحن رغم محبتنا له ، نصر على ايلامه ، لاننا نعرف ما لا يعرفه هو، من ان الدواء رغم ما يسببه له من ألم ، خير له ، لأن به يحقق الشفاء ..
    ولقد اخفى الله عنا ، ما قدر لأحدنا من عذاب مرحلي ، في النار، وكشف لنا ما يريد منا ، بالشريعة فلا يحق لنا ان نحتج على اننا مسيرون ، ونقعد بذلك عن العمل ، لانه خلق فينا الشعور بالارادة ، واقام عليه التكليف الشرعي ، ومن هنا تجئ الحكمة التي تنفي عنه تعالى الظلم .. فكأنه يقول لنا ، ما دمتم تشعرون بانكم مخيرون ، فلماذا لا تختاروا الصواب ، وتتركوا الخطأ؟! فهو يطالبنا بممارسة الحرية ، المتوهمة ، وتحمل مسؤوليتها ، لانه ليس هناك سبيل آخر، لنتخلص من وهمها ، بغير الممارسة!!
    فاذا مارسنا العبادة باتقان ، وتجويد ، حتى دخلنا بها ، مداخل العبودية ، استيقنا ان الله خير محض، فرضينا به رباً ، وسلمنا امرنا كله اليه ، وهذا هو المعنى النهائي للاسلام .. وهو ما حكاه الله تبارك وتعالى ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، في قوله "قل ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين * لا شريك له وبذلك امرت وانا أول المسلمين" .. فاذا تحقق الفرد بالاسلام ، في هذا المستوى ، خرج من ضيق التسيير، الى سعة التخيير، وذلك لان ارادته الحادثة ، طابقت الارادة القديمة النافذة ، في الوجود، فاصبحت هي ايضاً نافذة!! وهذا هو التخيير، ونحن جميعاً ، على تفاوت بيننا ، بمحض الفضل الالهي ، اليه مسيرون ..


    (36)

    يقول الصادق المهدي: (• وما هي درجة التقوى المطلوبة؟ قال تعالى ( واتقوا الله حق تقاته ) وقال (فاتقوا الله ما استطعتم)
    • وهل تقبل التعددية الدينية؟ قال تعالى (ليسوا سواء من أهل الكتاب ، أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون * يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات واؤلئك من الصالحين ) وقال (لكم دينكم ولي دين ) وقال ( ومن يبتغ غير الاسلام ديناً فلن يقبل منه )
    * وقال تعالى ( كفوا أيديكم واقيموا الصلاة ) وقال ( وجاهدوا في الله حق جهاده )
    * وقال تعالى ( وان تبدوا ما في انفسكم او تخفوه يحاسبكم به الله ) وقال ( لا يكلف الله نفساً الا وسعها)
    * وقال (وجزاء سيئة سيئة مثلها ) وقال ( فمن عفا واصلح فأجره على الله ))

    ان الآية الصحيحة هي "يا ايها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا وانتم مسلمون" ، وهي تشير الى القمة ، أما الآية الاخرى "فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا واطيعوا وانفقوا خيراً لانفسكم ومن يوق شح نفسه فأؤلئك هم المفلحون" ، فانها توضح القاعدة ، التي منها ينطلق السير، نحو القمم .. وواضح ان الدرجة المطلوبة ، هي "حق تقاته"، ولكن حين لم يستطع الاصحاب ، ان يمارسوها نزل لهم الى "فاتقوا الله ما استطعتم" .. وحين كانت التقوى ، على قدر الاستطاعة ، هي مستوى الشريعة ، كانت التقوي في القمة هي مستوى السنة – هي عمل النبي صلى الله عليه وسلم في خاصة نفسه .. فحين نسخت الآية الاولى ، في حق الاصحاب ، رضوان الله عليهم ، ظلت قائمة ، في حقه هو .. السنة شريعة وزيادة ، ونحن لا نستطيع ان نحقق القمة ، الا اذا بدانا بالقاعدة ، ومن اجل ذلك انفتحت شريعة العبادات ، والمعاملات على السنة .. فالصلاة المطلوبة ، من المسلم ، في اليوم والليلة ، خمسة أوقات .. فان أدّاها أدّى الشريعة ، ولكن الصلاة المطلوبة ، في السنة ، هي الخمسة أوقات ، بالاضافة الى قيام الليل .. والزكاة في الشريعة ، هي الزكاة ذات المقادير المعروفة ، ولكن الزكاة في السنة ، هي انفاق اكبر، يصل الى حد انفاق العفو، وهو كل ما زاد عن الحاجة الحاضرة .. عمدة الشريعة آيات الفروع –الآيات المدنية عموماً ، وعمدة السنة آيات الاصول – الآيات المكية عموماً .. وحين بشر النبي صلى الله عليه وسلم ، بعودة الاسلام ، بشر به ، في مستوى السنة ، وليس الشريعة فقال (بدأ الاسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ!! فطوبى للغرباء . قالوا: من الغرباء يا رسول الله؟ قال: الذين يحيون سنتي بعد اندثارها!!) .. فمن أجل بعث الاسلام ، لابد من السنة ، ومن أجل تطبيق السنة، لا بد من بعث القرآن المنسوخ ، وتحكيمه في حياتنا ، وهذا هو تطوير التشريع الذي تقوم عليه الفكرة الجمهورية .
    ولم يقف السيد الصادق ، يتأمل الآية ، التي اوردها ، ليرى انها دعت المؤمنين الى الاسلام!! والمفهوم العام لدى المسلمين ، والصادق مثلهم في ذلك ، هو ان الأيمان اكبر من الاسلام ، بناء على قوله تعالى " قالت الاعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الايمان في قلوبكم " فكيف يدعى المؤمن للاسلام؟! ان الفهم الذي تطرقنا اليه ، من امر المثاني ، يؤكد ان كلمة الاسلام ايضاً ، لها معنى قريب، ومعنى بعيد .. فالاسلام البدائي يعني مجرد القول باللسان ، والعمل بالجوارح ، لاركان الاسلام ، من غير ان يستقر أي معنى في القلب .. وبهذا المستوى، اعتبر المنافقون مسلمين ، وعلى هذا المستوى كان الاعراب ، حين ادعوا الايمان ، فردهم الله ، الى الاسلام .. وهذا الاسلام دون الايمان ، وهو لا عبرة به ، ما لم يسق صاحبه الى الايمان .. اما الاسلام النهائي ، فهو يعني التسليم التام لله ، دون اعتراض عليه ، في كبيرة أو صغيرة ، وهذا الاسلام ، هو دين الانبياء قال تعالى "انا انزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا" .. وقد كان عليه ابراهيم ابو الانبياء ، عليه السلام ، قال تعالى "ومن يرغب عن ملة ابراهيم الا من سفه نفسه ولقد اصطفيناه في الدنيا وانه في الآخرة لمن الصالحين * اذ قال له ربه اسلم قال اسلمت لرب العالمين" .. وقد كان نبينا عليه الصلاة والسلام ، طليعة طلائع البشرية، في الاسلام ، قال تعالى له "قل ان صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وانا اول المسلمين " ..
    وبين الاسلام البدائي- اسلام الاعراب ، والاسلام النهائي- اسلام الانبياء ، مرحلتين من الدين مرحلة العقيدة، ومرحلة العلم .. وفي كل مرحلة ثلاث درجات، فالسالك يبدأ بالاسلام البدائي ، ثم يترقى للايمان ، فالاحسان .. وهذا آخر درجات مرحلة العقيدة ، ثم يرتقي الى مرحلة العلم ، فيبدأ بعلم اليقين فعلم عين اليقين ، فعلم حق اليقين ، ثم الاسلام .
    يقول الصادق المهدي (• وهل تقبل التعددية الدينية؟ قال تعالى (ليسوا سواء من أهل الكتاب ، أمة قائمة يتلون آيات الله آناء الليل وهم يسجدون * يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات واؤلئك من الصالحين ) وقال (لكم دينكم ولي دين ) وقال ( ومن يبتغ غير الاسلام ديناً فلن يقبل منه )) .. ان التعددية الدينية غير مقبولة في مرحلة الايمان- في الشريعة ولكنها هي ما سيسود في مرحلة العلم من الدين – في مستوى السنة .. فاذا كان السيد الصادق لا يعترف بهذين المستويين ، فكيف سيوفق بين الآيات التي اوردها؟! أما قوله تعالى "ومن يبتغ غير الاسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين" فانها لا تعني الاسلام البدائي ، وانما هي تعني التسليم لله ، في معنى الاسلام النهائي ، والاسلام النهائي ، قمة المرحلة العلمية مما يقابل الفطرة ولهذا فهو مصير جميع الخلائق ..
    والشريعة قد قامت على الوصاية ، ولهذا شرعت الجهاد ، أما السنة ، فانها قامت على الدعوة ، بالتي هي احسن ، كما فصلنا مراراً .. وليس هناك تناقض بين قوله تعالى "وجزاء سيئة سيئة مثلها" وقوله "فمن عفا وأصلح فأجره على الله" كما ظن الصادق المهدي .. فان الاسلام قد جمع بين اليهودية والمسيحية ، وذلك من رفعة تربيته ، وتدريجه للناس .. فقوله "وجزاء سيئة سيئة مثلها" يقابل "العين بالعين" التي وردت في التوراة ، ولكنه حتى ينفر من أخذ الحق ، سماه سيئة، فقال "وجزاء سيئة سيئة مثلها" فاذا استطاع الانسان ، ان يدرك ذلك ، وترفع حتى عن رد الأذى ، جاءه الخطاب "فمن عفا واصلح فاجره على الله" .. وهذا يقابل قول المسيح "من ضربك على خدك الايمن فادر له الايسر" ، ويزيد عليه ، اذ يكلفك باصلاح من أذاك ، بعد ان تعفو عنه .. وهذا وذاك مما يدل على قوله تعالى، عن القرآن "مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه" ..
    ولقد تحدث السيد الصادق ، عن السنة النبوية ، وتعارض بعض الاحاديث ، مع العلم ، أو مع بعضها ، وعن منهج السلف ، في جمع الحديث .. ولكني لا اراى داعياً ، لمتابعة آرائه ، في هذا المنحى ، ذلك ان فهم الحديث ، انما يعتمد على فهم القرآن ، ولقد رأينا مدى اضطراب آراء الصادق ، في امر القرآن ، مما يغني عن توقع أي قيمة لحديثه ، عن الحديث النبوي!!

    عمر القراي

    -نواصل-

    [1] - محمود محمد طه (1970) القرآن ومصطفى محمود والفهم العصري . ص 83-84
                  

02-19-2005, 03:12 PM

Basheer abusalif

تاريخ التسجيل: 01-31-2005
مجموع المشاركات: 1500

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
= (Re: Omer Abdalla)

    الاخ عمر عبدالله ..إطلعت على البوست الذى فتحته بنقل مقالات للدكتورعمر القراى ومحاولاته المستميتة للنيل من إفكار السيد الصادق المهدى لا سيما فى مايتعلق بالجهاد فى الاسلام وتفسيره له واطرحاته فى هذا الصدد.. وانا لست هنا الان لارد على الدكتور القراى فإذا كان هناك من فتح معه فقطعاسيكمله..والامر الاخر لانى سبق وكتبت ردا مطولا عما ظل يردده القراى بهذا الصدد فى Sudanile.com حيث نشر مقالا له سابقا ..فالامر مفهوم لى إصراره على إلباس الرجل (المهدى) ثوب التضيق الفكرى ولى عنق الحقيقة فهمه وتناوله لاجتهاداته.. ولكنى اريد ان أعلق على تعليق الاخ أبوالريش ..والذى كان قمة الانكار لواقع يعلمه الجميع عن السيد الامام وحتى اعدائه وذلك بوضعه فى خانة بن لادن والترابى.. بل وتفضيلهم عليه ذلك بتطرفه وعنفه وذاك بخبثه..بئس الفضل والله..وما ساقه الاخ ابوالريش إنما ينم عن جهل حتى بما هىاطروحات الرجل وجهده وإجتهاده فى بناء خط الإعتدال ونهج الصحوة الرافض بشدة للتطرف ايا كان مصدره .. وإن كنت لم تقراءله من او تكلق نفسك عناء فاليك بعض الامثلة الخفيفة من خطب او خطابات تجدها هنا:

    http://www.umma.org/04/4,4,03a.htm


    http://www.umma.org/04/4,4,02a.htm


    http://www.umma.org/04/4,4,05a.htm

    هذه بعض الخطب القصيرة التى قد تعين فى فهم هذا الطرح..اما إذا كنت تدرى بهذاالفهم ومع ذلك اردت وضعه فى خانةبن لادن والترابى فهنا يكون تساؤل أخينا الحبيب محمدعبدالرحمن مشروعا .. ولاإثارة للعواطف فيها..ولنا ان نرد لك التساؤل الذىاوردته انت فى تعليقك هنا:
    Re: لماذا كل هذا العداء للسيد الصادق المهدي ؟هل يكسب...أقصاء الرجل وحزبه ؟!


    هل قتل لك الصادق المهدى اباك كما فعل الترابى وبن لادن مع الكثيرين فى حملة صيف العبور او بطائرة انتحارية.

    ولكم جميعا الود المقيم وكل الاحترام ..مع تمنياتى بنقاش يسمو لمستوى العقل.
                  

02-19-2005, 05:16 PM

محمد عبد القادر سليمان

تاريخ التسجيل: 02-04-2004
مجموع المشاركات: 149

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية " ودعاوى التجديد (Re: Omer Abdalla)

    الاخ عمر ,,, التحايا الطيبات
    لا شك ان الاستاذ القراي تناول اجتهادات السيد الصادق المهدي بقراءة متانية
    ونقد لا باس به لو لا انه جنح ومنذ البدء لاسلوب الاثارة وهذا ما يظهر جليا في
    عنوان مقاله على الرغم من تاكيده لصحة ما اورده السيد الصادق المهدي من
    اجتهادات عدة مرات ما يضعه هو في تناقض مع ما يقول اضافة الى محاولته وضع
    فكرالاستاذ محمود محمد طه كبديل ولا ضير في ذلك فكاتب المقال جمهوري ومن حقه
    ان يبشر بقناعاته لكنه اضعف نقده باعتماده على البديل الجاهز اونظرية
    (( فكرنا احسن من فكركم)) ابتعد الاستاذ القراي عن روح الناقد مسافات طويلة
    لم ينعتق هو من مسلمات فكره عند ممارسة النقد فكيف يدعو الغير الى
    ممارسة تلك الفضيلة, ثم ان فكر الاستاذ محمود محمد طه ليس اقل جدلا مما يثيره
    السيد الصادق المهدي في اجتهاداته واظنك تعلم ذلك بل انه ما زالت هنالك
    اسئلة معلقة كانت قد وجهت الى الاخوة الجمهوريين اذكر منها اسئلة الحبيب اسماعيل وراق الى الاستاذة اسماء في بوستها عن الاخوات الجمهوريات لكننا لم نرى اي رد من قبلها اضافة الى عشرات الاسئلة المتعلقة بالصلاة والحج وغيرها لم يكلف الاخوة الجمهوريين انفسهم مشقة الرد من خلال ما نهلوه من فكر الاستاذ بل كانت السمة المميزة عندهم الوصلات
    التي تقودك تدريجيا الى موقع الفكرة لتضيع الاجوبة في تلك الزحمة.
    كان حري بالاستاذ القراي ان يتواضع كثيرا في نقده طالما انه قادر على ذلك فالنقد اساسه البناء لا الاقصاء .
    الاخ ابو الريش
    اراك تمتاز بمهارة تحسد عليها بالقفز الى النهايات العجيبة والمتناقضة هل انت اكثر
    صدق من اسامة بن لادن الذي وصفته انت بالصدق بالطبع ((لا)) الا اذا اختمر في ذهنك ان ((فاقد الشي يعطيه)) وهذا وضع لا احد يتمنى ان يراك فيه .
                  

03-03-2005, 10:22 AM

Omer Abdalla
<aOmer Abdalla
تاريخ التسجيل: 01-03-2003
مجموع المشاركات: 3083

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: د. عمر القراي: الصادق المهدي و"الانكفائية " ودعاوى التجديد (Re: Omer Abdalla)


    الصادق المهدي و"الانكفائية " ودعاوى التجديد
    تعقيب على ورشة عمل الانصار" نحو مرجعية اسلامية جديدة ..."

    الحلقة العاشرة والأخيرة


    (37)

    في سلسلة المقالات السابقة ، حاولت التعرض بالنقد ، والتحليل ، لمجمل خطاب السيد الصادق المهدي ، الديني والسياسي . ورغم ان الصادق يتكلم كثيراً ، عن كل المواضيع ، وفي كل المناسبات ، الا انني فضلت مخاطبته لورشة عمل الانصار، لعدة اعتبارات .. منها ان الصادق قد اعد ورقة مدروسة ، انفق فيها وقتاً لهذه المناسبة ، مما قد يعني طرحاً متماسكاً ، يمكن رؤية جوانبه الايجابية والسلبية ، خلافاً لتصريحاته العديدة ، للصحف ، والتي يتناقض فيها ، الى حد يصعب حتى مجرد متابعته . أو يجنح فيها ، للانشغال بالكلمات المترادفة ، والعبارات المتعاقبة ، أستعاضة عن الفكر ، وجنوحاً نحو السخرية ، أو الطرافة ، في تناول مواضيع تقتضي غاية الجد والحزم . ومن ذلك مثلاً (من آخر ابداعات الامام الصادق المهدي في صك المصطلحات ما اسماه ب " المشاكسة " و "المنافشة" وقد صاغهما كجناس لغوي لمشاكوس ونيفاشا)!![1] وفي ندوة جامعة الخرطوم ، قال (ان الحكومة وحركة قرنق سيرتكبون التاءات الثلاثة التناقض والتباغض والتحالف مع الاضداد)[2]!! وفي لقاء بالجبلاب قال (ان اتفاقية السلام تحتاج الى التاءات الاربعة: التصديق التوضيح التعديل التوسيع)!![3]
    ومن المسائل التي جعلتني اركز على ورقته ، في ورشة عمل الانصار، ان الصادق، وقد حقق أخيراً ، حلمه القديم ، واصبح إماماً للانصار، فهو قد حاول في تلك الورشة ، ان يقنع جموعهم ، بانه يستحق هذه الإمامة ، كمفكر اسلامي ، ومجدد ديني، فأتى بكل ما يملك ليدعم هذا الادعاء ، ويمكن لإمامته ، وبذل الصادق جهده ، انما يعطيني فرصة منصفة ، لتقييمه ، وتقديم البديل لما طرح . ومن الاسباب التي دعت لمتابعة خطابه ، في ورشة عمل الانصار، ان توقيته مع اتفاقية السلام ، جعل السيد الصادق يحاول ما امكن ، ليظهر بمظهر السياسي البارع ، الواعي بما يجري في العالم من حوله ، متخذاً المنبر كمنطلق لحملته الانتخابية الجديدة ، التي يروج بها نفسه ، وسط شباب الانصار وحزب الأمة ، بعد الهزة الكبيرة ، التي احدثها خروج مبارك الفاضل عليه ، ونقده له ، خاصة وان الصادق قد عجز عن التعليق على ذلك النقد .
    وفي الحق ان السيد الصادق ، وقد شعر بانه من مختلف المنابر، قدم دعاية كبيرة ، تمكنه من الفوز في الانتخابات المقبلة ، بدأ يتململ من فكرة الصبر، حتى نهاية الفترة الانتقالية ، ويحاول ان يفتعل شتى المسائل ، ليسرع بانتخابات مضطربة ، وعجولة ، تصل به بسرعة لكرسي الحكومة ، لذلك (دعا المهدي للاطاحة بهذا الواقع بما اسماه بالانتفاضة الانتخابية مضيفاً ان هذا الوضع لا يتغير الا باجراء انتخابات حرة ونزيهة ودعا مؤسسات المجتمع المدني لمواصلة مبادرتها واعداد دراسات لسياسات بديلة للمؤسسة المدنية والقوات المسلحة دون اكتراث او ياس من مرامي طرفي الاتفاق والموالين لهم)!![4]
    ولقد كانت ورقة السيد الصادق ، بالغة الطول ، ومتشعبة التفاصيل ، وذلك لأنه اراد ان يحيط فيها ، بكل مشاكل العالم ، وفوق ذلك ، تحدث في بعض المواضيع ، ليظهر معرفته بها مع ان ورقته لا تحتاج اليها.. ولم استطع بطبيعة الحال ، ان اتابع كل تفاصيل الورقة ، وانما حاولت التركيز على الافكار الاساسية ، التي توضح الفكرة ، التي حاولت ابرازها . ولم اتوقع تعقيباً ، أو تعليقاً او رداً ، من السيد الصادق نفسه ، وذلك لانه يفضل ان يظل زعيماً في نظر اتباعه ، بدلاً من ان يدخل الى حلبة الصراع الفكري ، ليلحقه فيها، ما يمكن ان يلحقه من هزيمة ، ربما هددت هذه الزعامة المزعومة ، وقللت من نجوميتها!! الأمر الذي يترتب عليه فقدان لمنافع مادية ، كان الصادق المهدي حريصاً عليها ، فقد اشار اليها ، في لقاء صحفي ، وذلك حين قال (أيوه انا عندي وقت للسياسة ووقت للفكر ووقت للكتابة وهي مصادر دخل يعني انا لما يدعوني في أي مكان في العالم النفقات بتاعتي بتكون مدفوعة وكتبي بتباع وعندك خطبة العيد مثلاً طبعت بمبلغ ومبيعاتها حتى لحظة الحوار وصلت الى خمسة ملايين ...)!![5] ولقد كان من الممكن ، ان يتناول بعض اعضاء حزب الأمة التعقيب ، ولكن ذلك لم يحدث!! ولا يمكن الاعتذار عنه ، بان المقالات لم تكتمل ، لأنها كانت رغم اتصالها ببعضها ، تمثل كل حلقة منها ، موضوعاً منفصلاً ، يمكن تناوله على حدة . ولقد حاول بعض اعضاء حزب الأمة ، التعرض لمقالات اخرى ، كتبتها عن بعض افكار السيد الصادق من قبل ، فتراوحت محاولاتهم ، بين السب والتهديد من جهة ، وبين تناول الموضوع ، دون الوقوف عند ما قلت ، من جهة أخرى .. مما لم يغر الآخرين بمواصلات هذا المجهود ، الذي لم يكن له الا عائداً سلبياً عليهم ، ومن ثم ، على السيد الصادق نفسه ، ما داموا جميعاً يدافعون عنه ، ولا يرون في نقده ، نقد لمسيرة حزبهم ، الذي رهن تطوره بالصادق المهدي ، وتقيد لهذا باخطائه .
    ومهما يكن من امر، فاني اكتفي بما جرى من نقاش، لافكار السيد الصادق ، واحاول في هذا المقال التعرض لمواقفه ، والى اي مدى تختلف مع ما تحدث عنه ، من الديمقراطية ، والحرية ، والقيم الخلقية ، التي يتوقع ان يلتزم بها، ما دام يحدثنا عن الاسلام ، ذلك ان الاسلام ، ليس خطباً تذاع ، وانما هو قيم تعاش ، وتجسد في الدم واللحم .

    (38)

    أول ما ظهر السيد الصادق ، في الساحة السياسية ، ظهر بمجهود غيره!! فقد تنازل له أحد الاتباع ، ليدخل الجمعية رغم انه لم يمكن من ضمن المرشحين!! ولقد اصبح هذا الاستغلال الطائفي ، مثار نقد ، حتى في داخل حزب الأمة ، فقد كتب احد اعضاء الحزب (ماذا نسمي ، موقف السيد الصادق المهدي ، من ممثل دائرة كوستي الذي طلب منه ان يتنازل للسيد الصادق ، فاصبح بموجبه عضواً في الجمعية وأدى اليمين في 23 يونيو 1966)!![6] ونحن نجيب على تساؤل هذا العضو الكريم ، باننا نسمي سلوك السيد الصادق ، في هذا الواقعة ، طائفية ، واستغلال للنفوذ ، وتلاعب بالديمقراطية ، وعدم اعتبار لقيمة ، وكرامة اتباعه ..
    ولم يكن للسيد الصادق أي موقف ، بارز في الحكومة ، التي ادخل اليها ، على أكتاف اتباعه ، ولا في الحزب نفسه ، وانما حدث ما حدث ، لان ابوه كان يعده لرئاسة الحزب ، كما يعد هو الآن ابناءه ، بادخالهم في اللجان التنفيذية ، للحزب ، بتقديمهم على الاعضاء القدامى ، رغم عدم اسهامهم ، بأي شئ يذكر، وعدم تمتعهم باي كفاءة خاصة ، سوى انهم ابناء وبنات السيد الصادق المهدي!!
    ولم يكن لحزب الأمة ، أي دور في مقاومة الحكم العسكري ، وبعد ان سقطت حكومة عبود ، بثورة اكتوبر الشعبية الرائدة ، وجاءت حكومة جبهة الهيئات ، استعجل السيد الصادق كرسي الحكم ، وحشد جموع الانصار، لمحاصرة الجمعية ، حتى اضطرت حكومة السيد سر الختم الخليفة للاستقالة ، وجرت انتخابات عجولة ، كالتي ينادي بها السيد الصادق الآن ، اصبح بموجبها رئيس الوزراء ..
    وبالرغم من ان السيد الصادق ، كان يمثل النظام الديمقراطي ، الا ان حزبه قد ضاق بالنقد ، الذي كان يقوده الشيوعيون داخل الجمعية ، فتآمر ضد الديمقراطية ، وعدل الدستور ليغير المادة 5/2 ، والتي تعطي الحق في حرية التعبير، والتنظيم ، وهي روح الدستور، ليتمكن من حل الحزب الشيوعي السوداني ، ومنع نشاطه ، وطرد نوابه من داخل الجمعية التاسيسية!! ولقد حكمت المحكمة العليا ، بعدم دستورية هذا التعديل ، ومن ثم ، عدم شرعية حل الحزب الشيوعي السوداني[7]، ولكن الصادق المهدي رئيس الوزراء حينذاك قال (ان الحكومة غير ملزمة بان تأخذ بالحكم القضائي الخاص بالقضية الدستورية)!! [8] فتعرض القضاء السوداني ، بذلك ، الى ابلغ اهانة ، تلحق به في تاريخه ، حتى ذلك الوقت .. وقدم السيد بابكر عوض الله ، رئيس القضاء ، آنذاك، استقالته التي جاء فيها (انني لم اشهد في كل حياتي القضائية اتجاهاً نحو التحقير من شأن القضاء والنيل من استقلاله كما أرى اليوم .. انني أعلم بكل أسف تلك الاتجاهات الخطيرة عند قادة الحكم اليوم لا للحد من سلطات القضاء في الدستور فحسب ، بل لوضعه تحت اشراف الهيئة التنفيذية)[9] .. هذا ما فعله السيد الصادق المهدي ، فاذا جاء اليوم ، في ورشة عمل الانصار ، ليحدثنا عن استقلال القضاء ، وكيف انه شرط اساسي للديمقراطية ، فحري به ، لو كان رجلاً مسؤولاً وجاداً ، ان يعترف بهذا الخطأ ، ويعتذر عنه رسمياً للشعب السوداني ، وللقضاء السوداني ، وللحزب الشيوعي ، قبل ان يهيئ نفسه ، ليحكم مرة أخرى!!
    وفي تلك الفترة نفسها ، كان السيد الصادق ، يتحدث كثيراً ، عن تجديد حزب الأمة ، وضرورة الفصل ، بين "القداسة" و"السياسة" ، مشيراً بالطعن ، في امامة عمه الهادي المهدي رحمه الله ، ثم انشق عليه ، وكون حزب الأمة جناح الصادق ، ودخل الانتخابات ، فسقط سقوطاً مريعاً ، جعله يهرع بالعودة الى عمه مذعناً!! وقد عبر عن ذلك ، الفنان الموهوب عز الدين ، بكاركاتير شهير، يظهر فيه الصادق في صورة غنماية ، راجعة الى حظيرة ، وقد كتب تحته " العرجه لي مراحا " .. ولم تكن شعارات "الراديكالية"، و "السندكالية" ، واصلاح الحزب ، التي كان يرفعها ، هي السبب الحقيقي في خروجه عن الحزب ، والا لما عاد ولم يتغير أي شئ في الحزب .. ولكن السبب هو طمعه في السلطة ، التي كان يتمتع بها عمه كإمام للانصار، وزعيم للحزب!! وهذا الموقف يشبه الى حد كبير، خروج السيد مبارك الفاضل ، والتحاقه بالجبهة ، ونقده للحزب ، ثم ما يتردد الآن ، من إحتمال عودته ، رغم ان المؤسسات التي طالب بها ، والتغيير الذي كان ينشده لم يتم . ولقد اشترط الامام الهادي رحمه الله ، في ذلك الوقت ، على الصادق ، شروطاً ليقبل عودته ، خلاصتها الا ينازع سلطة عمه .. والصادق الآن، انما يفعل نفس الشئ ، مع مبارك ، ففي لقاء صحفي تم مؤخراً جاء:
    (سيد الصادق .. هنالك حديث يدور حول أن عودة فصيل حزب الامة المنشق «الإصلاح والتجديد» بقيادة مبارك الفاضل قد باتت قريبة.. كيف ترى هذا الحديث ..؟
    { إذا أعترفوا بأنهم اخطأوا في حق الشرعية الحزبية.. وأعترفوا بالشرعية القائمة حالياً.. واحبوا الإنضمام سينظر في هذا الأمر علي اساس اجهزة الحزب وماتراه ..!!
    { ليس هنالك جديد ..!!
    - انت قلت في حديث سابق أننا لانضع شروطاً لعودة مبارك الفاضل ومجموعته بقدر ما أننا نضع لهم أسسا لعودتهم و ..!!
    وقبل ان أكمل طرح السؤال.. قاطعني رئيس حزب الامة القومي بقوله ..
    - انا ما مقتنع بأن هنالك شيئاً جديداً .. انا بفتكر أنهم ناس مشوا في مشروع علاقات مع المؤتمر الوطني واكتشف الطرفان انهما مخطئان.. ولذلك إذا قدروا ان ذلك خطأ ويريدون تصحيح موقفهم من الشرعية يمكن أن ينظر في هذا الموضوع على أسس معينة!!
    { مبارك و«الإستتابة السياسية ..!!
    ولكن ماسبق وأن طالبتم به من أسس لقبول عودتهم هي أشبه «بالإستتابة السياسية» إن جاز لنا التعبير وذلك عبر إعلانهم للملأ عن فداحة الخطأ الذي ارتكبوه وغيرها مما طالبتهم به ، ثم بعد ذلك ينظر في أمرهم داخل مؤسسات الحزب ..؟
    - نعترف نحن لانعتبر انهم أثّروا علي حزب الأمة في شئ.. بالعكس أثّروا إيجابياً.. ولذلك نحن غير مشغولين بعودتهم ولكن اذا ارادوا أن يعودوا فسوف يكون ذلك على أسس واضحة لأننا لا نريد لمثل هذه الاشياء ان تتكرر في المستقبل..)
    [10]
    ولم يكتف السيد الصادق ، بما ارتكب في مسألة حل الحزب الشيوعي ، بل سار خلف جبهة الميثاق الاسلامي الى آخر المدى ، فساند طرحها للدستور الاسلامي المزيف ، رغم اعتراض الاخوة الجنوبيين عليه ، واصبح النظام الديمقراطي ، يضيق بحرية الاديان ، كما يضيق بحرية الرأي ، وتحول الى دكتاتورية مدنية ، حتى جاء انقلاب مايو بمثابة انقاذ للبلاد ، من تآمر الطائفيين ، وجبهة الميثاق الاسلامي .

    (39)

    ولم يقاوم الصادق المهدي مايو بصورة سافرة ، كما فعل الإمام الهادي رحمه الله ، وحين خرج بعد ذلك ، ليلحق بالمعارضة بالخارج ، كان مشغولاً بان يتزعم المعارضة ، باكثر من انشغاله بالقضية ، التي اخرجته من الوطن .. ولكن حلفاؤه في المعارضة ، من الاتحاديين ، لم يقبلوا قيادته ، وتمسكوا بقيادة الشريف حسين الهندي، رحمه الله ، فانشق الصادق بصفوف المعارضة . وفي عام 1976 قادت المعارضة ، التي يتزعمها السيد الصادق ، غزواً مسلحاً ، استهدف القضاء على حكومة نميري ، ولكنه لم يبال في سبيل ذلك ، من التضحية بالمواطنين السودانيين ، من الجانبين!! ولكن جيش الصادق المهدي هزم على مشارف الخرطوم ، وقتل اتباعه ، فهل كان للصادق هدف من ذلك الغزو غير كرسي الحكم؟! قد يقول قائل ، انه كان يهدف الى ازالة الدكتاتورية ، لياتي بالنظام الديمقراطي .. وقد يقول قائل ، انه كان يهدف للانتقام من نميري ، لأنه قتل عمه الإمام الهادي، وربما كان الانصار الذين شاركوا في تلك الحرب ، يظنون ذلك أيضاً .. ولكن الصادق المهدي ، فاجأ اتباعه المهزومين ، والذين كان بعضهم لا يزالون في مواقع التدريبات ، استعداداً لجولة قادمة ، وفاجأ اسر القتلى ، ممن اسماهم الشهداء ، بان التقى مع النميري في بورتسودان وتصالح معه!!
    وفي الحق أن مصالحةالصادق لنظام نميري ، كانت كافية لتنبيه اتباعه إلى عدم مصداقيتة ، وتجرده من الإيمان بأي مبدأ .. فقد قبل بمبدأ الحزب الواحد ، رغم دعاويه العريضة عن الديمقراطية ، وقبل بدستور 1973 العلماني ، رغم رفعه لشعارات الدستور الإسلامي ، وقبل أن يعينه نميري (الدكتاتور الطاغية) فتم ذلك (بقرارات صدرت في 18/3/1978 بتعيين السيد الصادق المهدي والسيد أحمد الميرغني في المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي والسيد بكري عديل حاكماً لكردفان والسيد شريف التهامي وزيراً للطاقة)!! [11] .. ونكاية في الصادق ، فقد شملت مراسيم انضمامه ، ان يؤدي قسم الولاء لثورة مايو الظافرة ، ولحزبها الاوحد الاتحاد الاشتراكي!!
    ولم يسأل الأتباع عن دماء زملائهم ، من المقاتلين ، الذين قتلوا في "الغزو"، الذي قادته الأحزاب ضد نظام نميري عام 1976 .. فقد ظلوا لسنوات يعبئونهم ضد النظام ، علي أساس أنه نظام ظالم وفاسد ، وأن حربهم له ، تعتبر جهاداً في سبيل الله والوطن .. فدخل البسطاء المضللون ، الحرب بحماسة ودحروا بسهولة ، بسبب ضعف الأداء ، وقلة خبرة القيادة. وإذا بهم يفاجئون بأن قادتهم يصالحون النظام ، الذي وصفوه بالكفر والفساد ، ويتقلدون أرفع المناصب في حزبه الواحد!!
    ألم يكرر السيد الصادق ذات الموقف حين خرج والتحق بالتجمع؟! ألم يكن مع التجمع ، واتباعه في جبهة القتال ، وهو يساوم الجبهة؟! ألم يشد بالجبهة ليبرر مصالحته معها، فيقول (هذه أول مرة يقبل فيها نظام شمولي الآخر ، ويقبل الحوار الجاد والتعددية السياسية ويقبل ان المصير السوداني ليس حكرا على حزب السلطة، وانما للسودانيين كلهم، صحيح هناك نكسات وهناك معايير مختلفة ، وخطاب مضطرب ، ولكن في جوهر الامر اعتقد ان الموقف الآن هو ان الحكومة والمعارضة يقبلان مبدأ ان يكون المصير السوداني متفاوضا عليه بين القوى السودانية الحاكمة وغير الحاكمة بصورة سلمية ، وانا أعتقد ان هذه اول مرة في التاريخ يحدث فيها هذا النوع من التحول ، صحيح حدثت في عهد نميري المصالحة الوطنية ، ولكن كان واضحا منذ البداية ان نميري كان الحاكم بأمره، وكان يريد ان يجعل المصالحة وسيلة لدفع المعارضة للانخراط في النظام ، وعندما تبينا ذلك تركناه وأستأنفنا المعارضة ضده ، اعتقد ان نظام الانقاذ الحالي ليس فيه هذا النوع من الانفراد بالسلطة أو لدى أي واحد من قادته ..)؟! [12].
    ألم يكن مع التجمع في العلن ، ثم هو يقابل الترابي في لندن ثم البشير في جيبوتي في الخفاء!! وحين كشف أمره ، بادر بالهجوم على د. قرنق ، وحاول ان يستعدي عليه حلفاءه من الشماليين ، فلما فشل في ذلك ، خرج من التجمع، وهاجمه، ثم عاد الى الخرطوم ، يتقرب للجبهة التي قدم حديثه عنها، وهجومه على قرنق، عربون لصداقتها، وحين لم يجد من حكومة الجبهة المنصب الذي كان يحلم به، ولم يستطع اقناع اعضاء حزبه بالمصالحة غفل راجعا، في وفد من اتباعه، ليفاوض التجمع للرجوع اليه ، من خلال قبول الجميع للمفاوضة والمصالحة مع النظام؟! وهو في محاولة رجوعه للتجمع ، كان يضع الشروط التي لا تقبل، والتي لا يقصد منها، الا ان يتبع التجمع رأيه ، فتتحقق له الزعامة التي هي عقدته الاساسية.. فاذا لم يوافق التجمع على شروطه، يبرر خروجه بان التجمع هو الذي طرده!! أسمعه يقول (الأخوة في التجمع إختلفوا معنا ورفضوا طرحنا هذا . وليس ذلك فقط بل قاموا بطردنا من التجمع ولم نخرج بارادتنا كما قيل)[13] .
    ولو كان السيد الصادق ليس طائفياً ، ولو كان حزبه يتحمل المحاسبة ، والمناقشة ، لسأله احد اعضاء الحزب ، لماذا قال عن نظام الجبهة انه يقبل التعددية ، ثم جاء الآن ليقول (المؤتمر الوطني وحكومته ظلا أسيران لشعارات فارغة ربطت الاسلام بالدكتاتورية والقهر والنهب) [14] .. بل لماذا عقد مفاوضة مع النظام ، وصفى بسببها ، وجوده العسكري ليعود بعد ذلك ، ويتحدث عن ان النظام خدعه ، ويقول (لقد عقدنا مع الانقاذ "نداء الوطن" عام 1999 ... وحقاً وصدقاً صفينا وجودنا الخارجي ، ووضعنا السلاح ، ونبذنا العنف ، ودخلنا مع النظام في تفاوض جاد لتحقيق المطالب الوطنية المشروعة . لم يبادلنا النظام حقاً بحق ، ولا صدقاً بصدق ، بل عاملنا بالمناورة ، والمراوغة ..)[15]!! فاذا صدقنا ما قاله السيد الصادق ، من ان النظام خدعه ، الا يدل ذلك على "دروشة" سياسية كالتي يصف بها النظام الآن؟!

    (40)

    ولم يستفد السيد الصادق المهدي ، من دخوله في الاتحاد الاشتراكي ، ولم يستطع بعد ذلك ، معارضة نميري الذي صالحه رغم ما ألحق به من ضرر، ورغم انه كان يسميه "الكاذب" "الضليل"، بدلاً من الصادق المهدي!! وحين انحرفت مايو، خلف جماعة الترابي، وشرعت قوانين سبتمبر، وادعت انها دولة اسلامية ، وبدأت تصعد الحرب في الجنوب ، لم يستطع الصادق ان يعترض .. بل ان من اتباعه ، من سار في المسيرة المليونية ، التي اخرجتها جماعة الترابي ، ترحيباً بالقوانين الاسلامية المزعومة!! ولم يسمع صوت للصادق ، الا بعد ان خرج الشعب ، في المظاهرات ، واجتمع اساتذة جامعة الخرطوم ، في نادي الاساتذة ، وانشأوا التجمع ، الذي قام في محاولة مقاومة تنفيذ حكم الاعدام على الاستاذ محمود محمد طه . وخلال فترة الحكومة الانتقالية ، نشط السيد الصادق المهدي ، في الحديث عن نقد حقبة نميري ، كدعاية انتخابية ، يهيئ بها نفسه ، للسلطة من جديد . وفي تلك الفترة ، نقد قوانين سبتمبر، وقال انها لا تساوي المداد الذي كتبت به ، وظن كثير من المواطنين ، انه سيقوم بالغائها بمجرد ان يستلم السلطة .. ولكنه لم يفعل، ولم يوقف الحرب في الجنوب!! ولم تكن حكومته المنتخبة ، تختلف كثيراً ، عن نظام نميري ، اذ ان الحرب كانت قائمة مع الجنوب ، والقوانين المذلة للشعب ، كانت قائمة، وان لم تنفذ احكامها .. مما جعل المتهمون يقضون أكثر من سنتين في الانتظار، داخل الحراسات ، ينتظرون العقوبات الاسلامية المزعومة ، التي لم يستطع الصادق الغائها أو تنفيذها!!
    ورغم قصر فترة حكومته ، فقد قام الصادق المهدي ، بحلها وتكوينها ثلاث مرات!! وكان في كل مرة ، يغير التحالفات ، ويغير الوزراء ، ويتهمهم بالقصور، دون اشارة الى نفسه ، ولو من باب النقد الذاتي ، خلي عنك ان يفكر في الاستقالة لفشل حكومته .. ولقد بلغ الفشل ذروته ، حين تفاقم الانهيار الاقتصادي ، فاضربت النقابات ، واندلعت المظاهرات في الشوارع .. وحين طالت الاضرابات حتى المزارعين ، ناشد حزب الامة والاتحادي جماهيرهم ، بعدم المشاركة في الاضراب ، ومع ذلك نجح الاضراب ، رغم ان المزارعين في جملتهم ،لا يخرجون من هذين الحزبين!! وبدلاً من ان يفهم الصادق هذا الدرس ، وهو ان الولاء الحزبي ، لا يصرف الناس ، عن المطالب الضرورية ، ذهب يتهم نقابة المزارعين بانها مايوية!! فقال (كثير من النقابات تصرفت في اثناء الديمقراطية بما لا يميز بين المطلبية المشروعة وما بين استغلال سياسي للحركة النقابية أدى الى عدم استقرار والاخوة لو يذكروا كيف آخر اضراب كان اضراب اتحاد المزارعين مع انو اتحاد المزارعين دا نحنا كنا بنعاملو معاملة مفضلة جداً .. للأسف في آخر ايام الديمقراطية كان عندهم قيادات عندها مؤثرات مايوية وكانت بتمهد لاضطرابات في البلاد عشان يحصل انقلاب يتصوروا انو مايوي ولذلك عملوا اضراب حقيقة هو سياسي) ..[16]
    ولعل أسوأ ما في اتفاق الصادق ، مع الجبهة الإسلامية ، في تلك الفترة ، أنه عطل اتفاقية السلام ، بين الشمال والجنوب!! فحين وقع السيد محمد عثمان الميرغني ، ودكتور جون قرنق اتفاقية السلام في 18/11/1988 ، استقبل الشعب السوداني ، السيد محمد عثمان ، استقبالاً حافلاً، تأييداً لمسيرة السلام ، فتردد الصادق المهدي في قبول الاتفاقية ، استرضاء للجبهة الإسلامية ، التي كانت حليفته في الحكومة ، وقال عن الاتفاقية (أيدها حزب الأمة من حيث المبدأ وأصدر بياناً بذلك ولكن مع تأييدنا لها سعينا لسد الفجوة مع حليفنا)[17].
    فإذا علمنا ، أن حليفه ، وهو الجبهة الإسلامية ، قد كان رافضاً للاتفاقية ، جملة وتفصيلاً، أدركنا أن محاولة (سد الفجوة) ، مهمة عسيرة ، لا تعني في النهاية غير التذبذب ، وعدم الوضوح ، والمحاولة اليائسة ، للوقوف في منطقة وهمية ، بين التأييد وعدمه.. ولم يسعف التوفيق ، السيد الصادق بمبرر موضوعي لرفض الاتفاقية ، وجنح إلى التسويف ، وزعم بأنه يقبل الاتفاقية ، إذا وضحت له بعض البنود ، وركز كثيراً علي (توضيحاتها) ، ليخرج بها من مغبة رفض السلام ، ومن إحراج حلفائه ..
    وحين أصر الحزب الاتحادي ، علي الاتفاقية كما هي ، سقطت داخل الجمعية ، حين اتحد حزب الأمة والجبهة الإسلامية ضد السلام في 26/12/1988.. ورغم هذا الولاء للجبهة الإسلامية، الذي أضاع من الصادق فرصة السلام ، وتحمل به وزر الحرب ، وما نتج عنها من دماء ، ودموع ، وتشرد ، فان الجبهة لم تقدر له ذلك ، وانقضت علي السلطة بعد أشهر، وأساءت معاملته هو شخصياً كما تحدث بذلك لاحقاً..
    ولعل السبب الواضح ، لرفض الصادق لاتفاقية السلام ، هو عدم ايمانه بالسلام كمبدأ، وعدم قبوله ان يأتي كانجاز سياسي كبير، لأحد غيره!! ولهذا فقد كرر رفضه للسلام ، برفضه لاتفاقية السلام الاخيرة ، وبنفس الاسلوب الذي رفض به اتفاقية السلام عام 1988!! فحين قال في المرة السابقة ، انه يحتاج الى توضيحات ، قال هذه المرة ان الاتفاقية جاءت رمادية وغير واضحة (وحول البنود الرمادية والمسائل المسكوت عنها حدد المهدي 20 نقطة رمادية ذكر منها وضع العاصمة القومية وتطبيق أحكام الشريعة في الشمال واقامة نظام علماني في الجنوب والانتخابات والمفوضيات المستقلة.
    أما المسائل التي يعتقد أنها مسكوت عنها، فقد حددها المهدي في مياه النيل والمرأة والمسألة التي دعا إلى الاتفاق على ميثاق بشأنها يحسم النزاع الثقافي ويهزم التهميش ويؤسس لثقافة يجتمع أهل السودان حولها)
    .[18]
    وبعد فترة قصيرة ، اتجه بصراحة اكثر، الى نقد الاتفاقية فقال (الاتفاقيات التي تمت هي ليست بمعزل عن حزب الامة وحده بل بمعزل عن كل الشعب السوداني ، وواضع ان هذه الاتفاقيات « فوقيه» وفيها تأثير دولي كبير وفيها ملامح التأثير الدولي .. ولا احد يستطيع ان ينكر الحجم الكبير للنفوذ الخارجي للصياغة .. وفي الضغط لبلوغ هذه الاتفاقيات ، ونحن الان معنيون بضرورة نجاحها .. ولكي تنجح لابد ان يمتلكها كل الشعب السوداني ، وانا اعرف كثيرين في داخل الحركة الشعبية عندهم اراء فيما اتفق عليه .. وانا اعرف كثيرين داخل الحكومة والمؤتمر الوطنى متحفظون تحفظات كبيرة علي اشياء كثيرة باعتبار انها تمت دون مشاورتهم .. ولذلك من ناحية عامة نحن نريد «سودنة» برتكولات السلام - اى ان يمتلكها السودانيون لانه الان لاشك ان فيها طابع دولي كبير جدا وهذه السودنة ضرورية لاستدامتها ثم نريد «مقرطتها» - بمعني ان يشعر السودانيون أنها أتت باختيارهم وبتفضيلهم - فهناك عوامل لاتخص حزب الامة كحزب انما تخص الشعب السودانى واستدامة الاتفاقية وجدواها .. الاتفاقية محتاجة الي مراجعة ومتابعة .. ولايمكن ان تسمي اتفاقيات سلام شامل وهناك حرب مشتعلة الان في دارفور لأن الاتفاق لم يكن محيطاً بالمسائل كلها .. وهناك توتر في شرق السودان .. وهناك مطالب مترتبة علي الشعور بالتظلم .. فاتفاقية السلام قسمت السلطة والثروة علي (اثنين) بافتراض ان هناك مشكلة فقط شمالية جنوبية لكن هذا غير صحيح .. هناك مشاكل شمالية شمالية ومشاكل جنوبية جنوبية) [19]!!
    ولو كان الصادق المهدي منصفاً ، لاعتبر ايجابية ، وقف الحرب ، التي اعترف بها ، اكبر من كل نواقص الاتفاقية .. ولو كان منصفاً ، لذكر انها انجاز عظيم للحركة الشعبية ، التي كانت على الدوام ترغب في السلام ، وان الجبهة هي التي خضعت للضغوط الاجنبية ، لأن السلام لم يكن يوماً ، من اجندتها .. ولو كان منصفاً، لاثبت ان الاطراف حققت ما عجز هو عن تحقيقه ، يوم ان لاحت له الفرصة لذلك في عام 1988، ولو كان منصفاً ، لاثبت للحركة الشعبية ، انها هي التي سعت لتوسيع دائرة الاتفاق ، واعطاء التجمع موقع في الوضع الجديد .. ولو كان منصفاً ، لما طلب من هذه الاتفاقية ، ان تحل كل مشاكل السودان ، الاثنية والدينية والجهوية ، وكأنها ضربة عصا سحرية!!

    (41)

    إن كثير من الذين يتبعون السيد الصادق الآن ، ويؤيدونه ، إنما يفعلون ذلك ، لأنه حفيد الإمام المهدي .. والصادق يلعب على هذا الوتر، ويستغل هذا الوضع ، وهذا ما جعله ، خاصة في الآونة الاخيرة ، يتشبث بلقب "الامام" ، ويحب ان يسمعه من اتباعه ، ومن غيرهم من مرتزقة الصحفيين ، الذين يمدحونه في كل مناسبة .. ولكن الحقيقة ، التي لا مفر منها ، هي ان السيد الصادق لا يستحق لقب "الامام"!! لأن القيادة الدينية ، تقتضي الشجاعة ، والصدق والمواجهة ، وتحمل المسؤولية . فالإمام المهدي – رغم الاختلاف معه – كان يقود حروبه بنفسه ، ولم يكن يدفع لها الانصار، وهو في مأمن .. ولم يكن يتخلى عن اصحابه ، فيقاتلون معه ، ثم يصالح عدوهم من خلفهم!! ولم يكن ليتنازل عن مواقفه ، أويدين اصحابه ، اذا كان في ذلك خلاصه من السجن او القتل . فما موقف السيد الصادق في مثل هذه الاحداث؟!
    في يونيو 1994 تم اعتقال ثلاث من قادة حزب الأمة هم السادة: حماد بقادي ، وعبد الرحمن فرح وسيف الدين سعيد ، ووجهت لهم تهمة السعي إلي إحداث تفجيرات ، في إطار عمل منظم لإسقاط النظام .. وفي 20 يونيو من نفس العام، تم اعتقال السيد الصادق المهدي ، باعتباره مشاركاً في هذا العمل ، حسب الاعترافات ، التي أدلي بها المتهمون الثلاث . وبعد حوالي أسبوعين من الاعتقال ، فوجئ المواطنون ، بالسيد الصادق المهدي يلقي بياناً من أجهزة الإعلام الرسمية ، يدين فيها مخطط زملائه المزعوم ، وينفي علاقته به ، ويشجب أسلوب التفجيرات والاغتيالات ، ويصف ما جاء بأنه (منكر ومؤسف) ، ويؤكد أنهم أدلوا باعترافاتهم دون أن يخضعوا لأي تعذيب!!
    ومما جاء في ذلك البيان الخائرقوله (كنت أحسب أن السادة المعنيين خضعوا للتعذيب فقالوا ما قالوا نتيجة لذلك ولكن حسب ما اتيح لي من معلومات لم يحدث هذا وتقديراً لحالتهم الصحية نقلوا فوراً في نهاية التحقيق إلى المستشفي مما يدل علي تقدير أرجو أن يتبع في كل الحالات)[20] . ولم يكتف الصادق المهدي بهذا ، بل طلب من الحكومة العفو عن زملائه وكأنهم فعلاً قد ارتكبوا ما اتهموا به ، فقال: (ومراعاة لحالتهم الصحية أرجو أن يكتفي من مساءلة ولا شك أنهما سيبديان أسفهما لما حدث)[21] ..
    والصادق المهدي ، يريد للشعب السوداني ، أن يصدق أن رجلاً مثل بروفسير حماد بقادي ، والسيد عبد الرحمن فرح ، أفنوا أعمارهم في خدمة حزب الأمة ، حتى تصدروا قيادته ، قد اعترفوا علي أنفسهم بضلوعهم في مؤامرة لإسقاط النظام، يعلمون سلفاً أن عقوبتها الموت ، وادعوا زوراً أن زعيمهم معهم في هذه المؤامرة ، دون أن يخضعوا لأي تعذيب!! فهل يمكن لعاقل أن يصدق هذا؟ ألا يكفي أن الناطق الرسمي باسم حزب الأمة ، آنذاك ، السيد مبارك المهدي لم يصدقه ، وأصدر بياناً جاء فيه (أن الاتهامات الموجهة إلى السيدين بقادي وفرح ما تزال اتهامات باطلة لأن الحكومة هي التي نسجت خيوط المؤامرة وحاولت من خلالها التخلص من السيد الصادق المهدي).[22]
    ثم ما هو مصدر المعلومات ، الذي إتيح للصادق المهدي وعلم منه أنه لم يتم تعذيب؟! إن مصدره هو رجال الأمن أنفسهم!! فان لم تصدقوا هذا فأقرءوا قوله (مستنداً إلى ما قاله لي مسئولو الأمن وأنا لست في موقف أستطيع معه الجزم بعدم حدوث التعذيب أو إثبات حدوثه فهذا أمر يقرره أصحاب الشأن ويثبته الطبيب)[23] . إن هذا الحديث علي ضعفه ، وإضطرابه ، يعتبر أفضل بكثير، مما قيل في البيان الذي أذيع من وسائل الإعلام الحكومية ، وذلك لأنه هنا ينفي ما قاله هناك ، من عدم وجود تعذيب. من الذي دفع الصادق المهدي أصلاً إلى الإدلاء بذلك البيان المتهافت ، حتى يحتاج إلى التنازل عن بعض ما ورد فيه؟! دفعه إليه الصفقة التي عقدها مع حكومة الجبهة ، لأنها في مقابل هذا البيان التزمت بالعفو عن زملائه ، رغم اعترافهم ، والعفو عنه هو، رغم شهادة زملائه ضده!!
    فحين سأله محرر الشرق الأوسط (تتحدث بعض الأطراف من أن الصادق المهدي باع أعوانه من أجل إطلاق سراحه ما ردكم؟) قال: (إطلاق سراحي لم يكن جزأ من الصفقة لأني اعتقلت للتحري ولم يعد للمتحريين ضدي حجه بعد أن أوردت قرائن تثبت عدم معرفتي بالموضوع وأبديت استعدادي لمقابلة من زج اسمي في مواجهة. إذا كان هناك بيع فالصحيح أن يقال لقد حاول بعض زملائي بيعي بذكر اسمي في هذه القضية)[24] .. وماذا يخشى الصادق ، من الزج باسمه ، اكثر من الاعتقال والتهديد؟! ألم يكن سياسيون آخرون مثل السيد احمد الحسين يهاجمون حكومة الجبهة ويعتقلون كل مرة ويطلق سراحهم ثم يهاجموها مرة اخرى؟!
    والصادق المهدي يعلم ، كما يعلم كل السودانيين، أن المتحريين من جماعة الجبهة لا يحتاجون إلى حجه ، حتى يلفقوا ضده ما شاءوا من الاتهامات ، ويمكنهم أن يرفضوا القرائن التي أشار اليها ، دون تردد ، إذا أرادوا بالفعل إدانته.. ولكنهم لم يفعلوا ذلك، لأن هناك صفقة بينهم وبين السيد الصادق المهدي ، تقضي بأن يدين زملاءه علناً ، وينفي عن النظام تهمة التعذيب ، ويثبت له حسن معاملة الخصوم السياسيين ..
    لقد كسبت الجبهة الإسلامية ، من هذه الصفقة ، بإظهارها حزب الأمة، وكأنه يسعى إلى التفجيرات والتخريب ، حسب اعتراف قادته ، الذين حين انكشفت مؤامراتهم ، تبرأ منهم زعيم الحزب ، ثم طلب لهم السماح!! ثم يقوم نظام الجبهة المتسامح ، الذي لم يعذب هؤلاء الساعيين للخراب، حسب بيان زعيمهم، بالعفو عنهم، رغم جرمهم الشنيع هذا هو مكسب الجبهة من الصفقة فماذا كسب السيد الصادق غير سلامته الشخصية؟
    فاذا تخيلنا ان الاتراك قبضوا على مجموعة من الانصار، متهمة بتفجير أمدرمان ، ثم اعتقلوا الامام المهدي ، فهل كان سيلقي مثل بيان الصادق ، ويدين اصحابه ،ويطلب لهم السماح من اعدائهم؟! فإن كان ذلك لا يحدث فليقصر المنتفعون والمتملقون من القاب الامامة التي يطلقونها على الصادق لانه لا يستحقها!!

    (42)

    ولو كان السيد الصادق المهدي ، مثل السياسيين ، الذين يخطئوا ويصيبوا ، وينقدوا انفسهم ، ويتقبلوا نقد الغير، ويطوروا من مسار حركتهم ، لما احتجنا الى كل هذا التذكير ، بالتناقض بين اقواله ومواقفه .. ولكن يبدو ان الصادق يستمع كثيراً ، لثناء اتباعه عليه ، فقد كتبت رباح المهدي (ليست السياسة مناصب أو ألقابا، إنها مواقف وأفكار وحراك وقدرة على مخاطبة الجماهير وبلورة آرائها والتعبير عن أمانيها وتجسيد تطلعاتها.. وليجر من أراد استطلاعا ليدرك هل إذا حشد أي حشد جماهيري عفوي يتحلق الناس حول رموز النظام الذين تغطي صورهم الأخبار ويلهج باسمائهم المرئي والمذياع، أم «الصادق المهدي» الذي تجافيه تلك الوسائل وبعضها يرسل عليه اللعنات! حدثت هذه المواقف كثيرا على أرض الواقع. والإجابة لم تكن محتاجة لطرح السؤال.. فرصيف القلوب هو لأهل الإنقاذ مهما اجتهدت أبواق النظام.. بل وحدث موقف مماثل في الحرم المكي الشريف - أي حتى خارج الحدود السودانية - حيث حج رئيس جمهورية السودان ووفده في نفس العام الذي حج فيه إمام الأنصار ووفده، فلم يكن يعبأ بالوفد الرسمي أحد سوى المطوفون الرسميون، واحتشد حول الإمام الصادق الناس من كل حدب وصوب ومن جنسيات لبنانية ومصرية وأردنية وغيرها يتقاطرون للتحية وإظهار المحبة.. مما يذكر بالمشهد الذي حدث لهشام بن عبد الملك، الملك الأموي حينما لم يأبه به الناس وهو يقصد الحجر الأسود حتى جاء علي بن الحسين السجاد عليهما رضوان الله، فانفرج له الناس وأتاحوا له أن يلمس الحجر الأسود ويقبله، فاستنكر ملك بني أمية ذلك وقال من هذا؟، فرد عليه الفرزدق: هذا الذي تعرف البطحاء وطأته والبيت يعرفه والحل والحرم هذا ابن خير عباد الله كلهم هــذا التقي النقي الطاهر العلم..)[25]!!
    إن تشبيه الإمام على زين العابدين السجاد ، الذي عرف بانه يقضي كل ليلة يصلي ، ويبكي حتى الفجر، ويعطي حتى لا يبقى في بيته غير الثرى ليفترشه ، بالصادق المهدي ، لهو من سوء الأدب الديني!! غير انه ربما شفع للاستاذة رباح ، كون الصادق أبوها ، وكل فتاة بابيها معجبة ، وانها لا تملك من الخبرة والتجربة ، ما يمكنها من المعرفة باقدار الرجال!!
    على ان السيد الصادق ، هو الذي أوحى لابنائه ، واتباعه ، بانه شخص خارق ، وذو قامة روحية عالية!! فقد قال (لكن غريبة تعتبروني عاطلاً عن العمل... بالعكس أي انسان عندو أدنى قدر من المعرفة بالواقع بيلقاني مشغول اكثر من اللازم.
    * مشغول بي شنو..؟!
    - بالتخطيط والكتابة والعمل الكسبي.. ده كله غير السياسة... بعدين إنتو بتعتبروا الافندي البجي الشغل الساعة ثمانية كل يوم ده هو الوحيد الشغال..
    * لم يجد عندنا ردَّاً على السؤال..
    - (واصل حديثه).. ده يمكن يكون شغل بعض الناس لكن ده ما بيعني إنو ده شكل الشغل الموجود... أنا بشتغل طول ما أنا صاحي، ومرات بشتغل حتى وأنا نايم...
    * ده كيف...؟!
    - الرؤى جزء من النشاط البيساعد كتير جداً على تجلية كثير من الافكار..)
    !![26]
    إن هذا الداء قديم عند الصادق المهدي ، فهو لم يكتف بهذه القدرة الفائقة ، على العمل وهو نائم ، وانما سبق ان تحدث عن الاشياء غير العادية ، التي حدثت حتى قبل ولادته ، فقال (فتحت عيني علي الحياة علي صدى بعض الأحاديث العارضة وكانت تصدر من ثلاثة أشخاص أولهما حديث قاله عمي: يحي عبد الرحمن وكان يكبرني بأربع سنوات وهو كطفل في الرابع من عمره كان يردد "مهاجر سيأتي من كبكابية" والمعني الذي يقصده أن شخصاً ما ذا دور ما سيأتي من كبكابية وهي مدينة معروفه في دار فور في -غرب السودان-، وكان بعض النساء في الأسرة من اللواتي كن علي وشك وضع حملهن يسألن يحي المهدي: هل هذا مهاجر؟ فيجيب بالنفي وذات يوم حكت لي والدتي أن يحي قال لها (مهاجر جايي الخميس) وبالفعل ولدت يوم الخميس وكانت هذه إشارة غيبية أولي غامضة وثانيهم آن جدي الإمام عبد الرحمن روي إنه عندما جاءه نبأ ولادتي كان يقرأ سورة إبراهيم وكان والدي يريد أن يسميني إبراهيم ولكن كان لدي جدي الأمام ضيف وبينما هما جالسان جاء طائر القمرية واستقر فوق عمامة جدي الذي أقر بأن هذا نبأ وخلال حديثه مع الضيف أخبر بمولدي ورد عليه الضيف لماذا لا تسميه بأحد اسميك؟ وكان اسم جدي الإمام عبد الرحمن الصادق… الحديث الثالث أن جدتي السيدة سلمي بنت المهدي رأت رؤية وحكت لبنتها بحضوري وقالت لها: إنها رأت في رؤياها إنني أقف علي مئذنة وأقول "وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلي كل ضامر يأتين من كل فج عميق" . وقالت لوالدتي ابنك هذا سيكون له شأن)!![27]
    هذا المولود الذي بشر به الاطفال ، وحلمت به النساء ، وتمنته الحوامل ، ونبأ به الطير ، والذي يعمل وهو نائم ، انما هو السيد الصادق المهدي ، الذي يهيئ نفسه ، بمثل هذه الخطرفات ، ليحكم السودان ، بعد ان فشل في ذلك ، مرتين ، فهل رأى الناس مثل هذا الهوان؟!

    عمر القراي


    [1]- الحاج وراق: الصحافة17/1/2005
    [2]- الوفاق: يناير 2005
    [3]- يوسف سراج الدين الجبلاب: الصحافة يناير 2005
    [4]- سودانايل 22/2/2005
    [5]- الصحافة نوفمبر 2004 حوار اجرته صباح أحمد
    [6]- صديق مساعد: سودانايل نوفمبر 2004
    [7]- مجلة الاحكام القضائية 1968
    [8]- الرأي العام 13/7/1966
    [9]- د. ابراهيم على الحاج: التجربة الديمقراطية وتطور الحكم في السودان .
    [10]- اخبار اليوم فبراير 2005 حاوره هيثم كابو
    [11]- منصور خالد: النخبة السودانية ص 553
    [12] - حديث الصادق لجريدة للبيان بتاريخ 31/10/2001.
    [13]- الصحافة: سبتمبر2004 حوار اجراه الفاضل هواري .
    [14] - بيان الصادق للشعب السوداني: سودانايل 7/6/2004
    [15]- المصدر السابق
    [16]- ندوة الصادق المهدي بواشنطن 25 مايو 1997
    [17] - الصادق المهدي: الديمقراطية عائدة وراجحة صفحة 27
    [18]- الصحافة يناير 2005 ندوة الصادق بدبي .
    [19]-اخبار اليوم فبراير 2005 حاوره هيثم كابو
    [20]- جريدة الحياة 5/7/1994
    [21] - المصدر السابق
    [22] - الشرق الاوسط 5/7/1994
    [23]- الشرق الاوسط 10/7/1994
    [24]- الشرق الاوسط 11/7/1994
    [25]- الصحافة 5/12/2004
    [26]- الصحافة: نوفمبر 2004 حاورته صباح أحمد
    [27]- مجلة الوسط العدد 126 بتاريخ 26/6/1994
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de