يمه ما عرفتيني ده انا الصادق!

Quote: بسم الله الرحمن الرحيم خطبة عيد الأضحى المبارك 1426هـ يوم الثلاثاء الموافق 10 يناير 2006م خطبة العيد بنيالا الخطبة الأولى الله أكبر .. الله أكبر.. الله أكبر اللهم إني أحمدك واثني لك الحمد يا جليل الذات ويا عظيم الكرم وأشكرك شكر عبد معترف بتقصيره في طاعتك يا ذا الإحسان والنعم وأسألك اللهم بحمدك القديم أن تصلي وتسلم على نبيك الكريم وآله ذوي القلب السليم وأن تعلي لنا في رضائك الهمم وأن تغفر لنا جميع ما اقترفناه من الذنب واللمم. آمين أحبابي في الله واخواني في الوطن العزيز قال تعالى (وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا) .. التوحيد لله عقيدة فطرية في الإنسان والأنبياء والمرسلون إنما يجددونها ويحيونها قال تعالى: (قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) . إبراهيم عليه السلام هو عميد أنبياء الأسرة الإبراهيمية على درب نوح عليه السلام ومن سبقه من الأنبياء ومن لحقه. إبراهيم عليه السلام هو الذي كلفه الله بالحج (وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) . الحج رحلة عبادية لبيت الله الحرام في مكة وقد صار أحد أركان الإسلام الخمسة. هدف الحج هو جمع العقول والقلوب على عقيدة التوحيد، وحشد الموحدين حول بيت الله، والرمز للمساواة بينهم ولمساواتهم أمام الله، وإحياء قصة إبراهيم وزوجه هاجر، وابنه إسماعيل عليهم السلام وما في القصة من عبر وعظات محملة بالمعاناة والامتثال لأمر الله.. القصة التي تحكي: - إبعاد هاجر وابنها من العمران إلى واد غير ذي زرع فقير بالماديات غني بالروحانيات. - معاناة هاجر وابنها إسماعيل المادية والكرامة التي أنقذتهما. - امتثال إبراهيم وابنه إسماعيل للرؤيا الصادقة بذبح إسماعيل وجواب إسماعيل لأبيه: (يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّابِرِينَ) . - الكرامة الكبيرة (فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ* وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَاإِبْرَاهِيمُ* قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ* إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ*وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ) . ومنذ الرسالة الإسلامية صار يوم عرفة قمة شعائر الحج، وصار عيدا لكل المسلمين وسنت فيه الصلاة الجامعة وسنت فيه الأضحية قربانا (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ) . الأضحية ينبغي أن تكون سالمة من العيوب، وأن تذبح بعد صلاة العيد مباشرة ويمكن أن تذبح في سائر أيام التشريق ولا تجب إلا على من يملك ثمنها فمن عجز عن ذلك فقد ضحى عنه النبي r. فمن وجبت عليه الأضحية وذبحها يندب أن يأكل هو وأسرته ثلثها، ويهدي للجيران والأصدقاء ثلثها، ويتصدق بالثلث للمساكين. العيد مناسبة صلاة جامعة، وتجديد للعلاقات الاجتماعية بالتعافي والتزاور، وإدخال السرور على الكافة رجالا ونساء وأطفالا. أطفالنا رياحين الحياة وفي العيد ينبغي أن نوفر لهم كافة أسباب السرور والحبور من ملبس جديد ومأكل شهي إن استطعنا إلى ذلك سبيلا. أحبابي في الله وإخواني في الوطن العزيز لقد رأينا أن نشهد هذا العيد معكم في جنوب دارفور ونواصل الاطلاع على حالكم فإن في العين عبرة وفي الحلق غصة للحريق الذي شب في دارفور بلد الإسلام والسلام فأهلك كثيرا من الأرواح والأموال وبدل الحال تبديلا. رحم الله كافة موتانا وعجل بشفاء جرحانا. كانت دارفور حتى عام 1989م إقليما واحدا يشارك أبناؤه في كل مستويات الحكم بالبلاد ويديرون حكم إقليمهم بأنفسهم يقودهم حاكم منتخب بإرادتهم يحظون بالسلام والأمان والترابط الاجتماعي. وكان الإقليم يشكو من مشاكل معلومة هي: فجوة التنمية، وفجوة الخدمات التعليمية والصحية، والنزاع على الموارد من أرض وماء، والنزاعات بين القبائل، والنهب المسلح، ومشاكل الحدود مع الجيران. وقد دعونا لمؤتمر جامع لأهل دارفور في الفاشر في يونيو 1989م أفلح في تناول كافة المشاكل وقدم التوصيات لحلها، وعندما وقع انقلاب 30 يونيو 1989م وجد تلك التوصيات وتبناها ولكنه لم ينفذها بالجدية المطلوبة وهكذا صارت المؤتمرات تعقد وتصدر توصياتها ولكنها لا تنفذ. ونظام انقلاب يونيو 1989م عقد عشرة مؤتمرات لاحقة ظلت توصياتها حبرا على ورق. فالمشاكل بقيت بلا حلول بل اتبع النظام سياسات أهمها أربع سياسات دمرت النسيج الاجتماعي في دارفور وأفرزت تظلما حادا وأتت بمستجدات لم يعهد الإقليم لها مثيلا، تلك السياسات هي: أولا: استخدام وسائل الترغيب والترهيب لتبديل ولاءات المواطنين السياسية والدينية والقبلية وتطويعها للنظام. ثانيا: التخلي عن الاعتراف بنظام الحواكير القبلية المو########. ثالثا: صرف النظر عن كل المشروعات التنموية مثل مشروع جبل مرة- هبيلة- غزالة جاوزت- ساق النعام- هيئة تنمية السافانا- أم بياضة- أم حمرة، فضلا عن عدم إنشاء مشروعات تنموية اللهم إلا طريق الإنقاذ الغربي الذي أودى الفساد بأموال المواطنين المخصصة له. هذا العجز التنموي زاد من حجم العطالة خاصة نتيجة للفاقد التربوي وللخريجين العاطلين فأفرز هذا قطاعا عريضا مشردا داخل الإقليم وداخل مدن السودان الأخرى وفي المهجر. رابعا: استخدام سياسة فـرّق تسد فأدى هذا إلى إحساس أصحاب انتماء عرقي أفريقي باضطهاد، وأدى لتشجيع عشائر صغيرة لتتحدى عشائر كبيرة مجاورة، وأدى لتسابق زعامات عشائرية لكسب الحظوة عند النظام على حساب مصالح أهلها. هذه السياسات دمرت النسيج الاجتماعي وأدت في المناخ السياسي الاجتماعي المشحون بالتنافس والمناخ الإقليمي والدولي الملغوم إلى ظهور المستجدات الآتية في إقليم دارفور الكبرى: أولا: ظاهرة الانتماء العرقي المسيس. ثانيا: ظاهرة حمل السلاح ضد الحكومة. ثالثا: المأساة الإنسانية الكبرى المتمثلة في مليونين من النازحين واللاجئين المشردين نتيجة جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية. رابعا: تدويل قضية دارفور المتمثلة في انتداب القوات الإفريقية وفي قرارات تحت الفصل السابع لميثاق الأمم المتحدة أصدرها مجلس الأمن هي القرارات: 1556- 1564- 1591- 1593. قرارات تضمن حسم المأساة الإنسانية ومنع الانتهاكات لحقوق الإنسان ومحاكمة مجرمي الحرب من جميع الأطراف، وهي معان ضرورية دعونا لها وأكدنا على ضرورتها لتنفذ بعزيمة وطنية ولكن الإصرار والاستكبار هو الذي جعلها تمر تحت سنابك القوى الدولية. وزاد الأمر تعقيدا الآن تمدد الالتهاب الأمني إلى الجارة تشاد وتبادل اتهامات لا تخلو من الصحة أن بعض المسئولين في تشاد يدعمون مقاومة مسلحة داخل السودان، وأن بعض المسئولين في السودان يدعمون مقاومة مسلحة في تشاد. وزاد التعقيد تعقيدا إطلال حرب باردة جديدة في غرب ووسط إفريقيا أطرافها أمريكا، وفرنسا والصين. أحبابي في الله وإخواني في الوطن العزيز إن مأساة دارفور خطيرة للغاية. لقد دمرت الحياة في دارفور ويمكن أن تتمدد داخل السودان لأن دارفور موجودة في كافة أقاليم السودان الأخرى كما يدفع بها تداخل القبائل الحدودية إلى أقاليم غرب ووسط إفريقيا ما لم تجد حلا عادلا وحاسما. لقد هب كياننا ممثلا في هيئة شئون الأنصار وفي حزب الأمة لتلافي هذه المأساة قبل تفجرها في شكل حرب شاملة في 2003، فعلى صعيد الهيئة تم إرسال وفدين الأول جاب ولايات دارفور الثلاث، والثاني طاف بمحليات جنوب دارفور لتفقد الأحوال والدعوة والإرشاد والحيلولة دون الفتن القبلية. أما الحزب فقد عقد مبادرات متلاحقة بالتضامن مع القوى السياسية داخل دارفور وخارجها. وبعد تفجر الحرب كان الحزب هو رأس الرمح لبلورة الحل القومي، وما فتئت الهيئة ترسل وفودا وتعمل على درء الفتنة فأقامت ورشة تدريبية لقياداتها في جنوب دارفور لمحاربة العنصرية وفض النزاعات، كما أرسل حزب الأمة وفده الرئاسي الذي جاب الولايات الثلاث في العام الماضي. وفي سياق تفقد الأحوال والدعوة للحل الناجع ودرء الفتنة تأتي هذه الزيارة لجنوب دارفور وسنسعى مستقبلا لتنظيم زيارات في مناسبات مختلفة لكل من شمال وغرب دارفور بإذن الله. هنالك ثلاثة مسارات الآن تسعى للحل: أولا: مسار أبوجا تحت رعاية الاتحاد الإفريقي. هذا المسار حقق نجاحا في مجالات إجرائية مثل وقف إطلاق النار وإعلان المبادئ ولكنه لن يحقق تحولا حاسما لأن الوسيط والمفاوض الحكومي مقيدان بسقوف نيفاشا الضيقة. ولأن الوسيط لا يستطيع أن يكون كامل الحياد لأنه يمثل اتحادا الحكومة السودانية عضو فيه. ولأن المقاومة المسلحة تعتقد أن التدخل الدولي سوف يكون أكثر عدالة. ثانيا: مسار الفاشر تحت رعاية الحكومة السودانية. هذا المسار عقد مؤتمرا عاما في 19-21 ديسمبر الماضي وأصدر توصياته. هذا المؤتمر سمى نفسه جامعا وهو ليس جامعا وانتخب رئيسا هو في نظرالطرف الآخر متهما بجرائم حرب، ومع أن توصياته وجهت نقدا للحكومة فيما يتعلق برفض بروتوكول نيفاشا الأمني بشدة فإنه لم يحدد كيف يصلح فساد هذا البروتوكول؟. التوصيات في جملتها تطالب بأشياء لا خلاف عليها ولكنها لا تستجيب لمطالب الإقليم المشروعة ولا تزيد عن كونها زخرفة لسياسات الحكومة. ثالثا: المسار القومي الذي وقعته القوى السياسية السودانية في أول يونيو 2005م وأهم ما فيه: (1) ضرورة اتخاذ إجراءات لبناء الثقة متمثلة في تحقيق وضع إداري بديل ينال ثقة المواطنين. (2) التسليم لأهل دارفور بعشرة مكاسب كان كثير منها متوفرا لهم قبل انقلاب 30 يونيو وصارت أكثر وجوبا الآن وهي مشاركة الإقليم الموحد في حدود عام 1956م وبحجم سكانه في السودان في الحقوق الآتية: الرئاسة- الوزارة- التشريع المركزي- الخدمات المدنية- الخدمات النظامية- الخدمات الاجتماعية- الثروة- اللامركزية- المفوضيات- التعداد السكاني. (3) لا مانع أن تجرى مفاوضات تمهيدية حول هذه القضايا ولكن ينبغي أن يدرسها ويجيزها منبر دارفوري جامع وأن تعرض لمنبر قومي سوداني جامع لدراستها وإقرارها لتدخل جزءا من تعاقد اجتماعي قومي سوداني وتدخل كجزء لا يتجزأ من الدستور. هذا هو العلاج الحاسم وإلا صار حالنا: وذي علة يأتـي عليــلا ليشتفـى به وهو جار للمسيح بن مريم! ومهما كان، فإن على الأحباب والأهل بدارفور التمسك بعصمة الدين وعروته الوثقى، فالمؤمنون أخوة كما قال r وقال (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل البنيان يشد بعضه بعضا) و"كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه" و"لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأبيض على أسود، ولا لأسود على أبيض إلا بالتقوى، الناس من آدم وآدم من تراب". إن في تمسكنا بهذه القيم ترياقا واقيا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، خاصة وقد حاولت "الإنقاذ" توطيد سلطانها في دارفور بالعمل على نقض العرى الأنصارية، وإحياء النعرات القبلية، مخلخلة النسيج الاجتماعي في الإقليم. لقد لبت دارفور نداء المهدية ووجدت فيه التحاقا بالرابطة الوطنية الأسمى، وكانت رأس رمح للوحدة الوطنية في نشر الدعوة المهدية في القبائل الجنوبية المجاورة فشاركت تلك القبائل في فترة الثورة والدولة.. والآن فإن التمسك بالخطاب الديني الذي يكرم الإنسان من حيث هو إنسان قال تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ) ، والتمسك بالجذور الأنصارية والعقيدة السليمة من شوائب الجاهليات، وتراث المهدية النافي لعزة الأعراق حيث صارت القرابة الروحية أوجب وأقرب، ونهج الإمام المهدي الذي كان يقول عن خليفته السيد عبد الله "خليفة الصديق مني وأنا منه" بينما أولهما من شمال السودان وثانيهما من دارفور، والراتب الذي يربي النفوس على الفضائل والزهد والاتضاع ويبعدها عن خيلاء وكبر وعصبية النعرات القبلية الذميمة، كل ذلك يرفد التسامح والتعايش ويحارب التفاخر والعصبية البغيضتين، فعليكم بإحياء حلقات الراتب والمذاكرة ونبذ التناحر لكيلا يحشر الإنسان في جحر الأعراق والألوان الخرب. وفي هذا الصدد فإننا سنصدر منشور "ذي الحجة" الذي يركز على درء الفتنة في دارفور بإذن الله. إنني أناشد أهلنا بدارفور جميعا وخاصة الحركات التي تحمل السلاح الالتزام بوقف إطلاق النار وعدم التصدي للمدنيين ومواصلة الاستعداد الجاد للحوار للوصول لحل شامل يلبي تطلعات أهل الإقليم ويحقق العدالة ويعيد المودة والإخاء لهذا الإقليم الحبيب. أناشد الجميع نبذ الخصومات والمرارات العرقية فالناس كلهم لآدم ولا فضل لأحد على غيره إلا بالتقوى والعمل الصالح للدين والوطن. وأهل دارفور كسائر أهل السودان أرحامهم متداخلة فالقبائل العربية متداخلة مع أرحام حامية وزنجية والقبائل الأخرى متداخلة معها أرحام عربية مثل كيرة لدى الفور، وخزام لدى المساليت، وزغاوة عرب لدى الزغاوة، وهلم جرا.. كلنا نتيجة تنوع عرقي لعنة الله على من يسعى للتفرقة بيننا. اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا وجنبنا اتباعه، واجعلنا من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه. قيل: الحق أبلج والباطل لجلج، وقال النبي r: (الدِّينُ النَّصِيحَةُ قُلْنَا لِمَنْ قَالَ لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ) ، وقال (التَّائِبُ مِنَ الذَّنْبِ كَمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ ، والمستغفر من الذنب وهو مقيم عليه كالمستهزئ بربه ). استغفروا الله فإنه تعالى (يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا) . الخطبة الثانية الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه. أحبابي في الله وأخواني في الوطن العزيز قال نبي الرحمة r (اتَّقُوا فِرَاسَةَ الْمُؤْمِنِ فَإِنَّهُ يَنْظُرُ بِنُورِ اللَّهِ ثُمَّ قَرَأَ ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ) َ) . والإنسان قد يدرك إلهاما الحقيقة وقد يدركها أحيانا بعقله. التقى ابن سينا بأحد كبار الصوفية واتفقا على أمر فسئل كيف تفاهمتما قال: ما أدركه يراه وما يراه أدركه. وفي نهاية الثمانينات من القرن الماضي أصدرنا كتابا عن السودان في بداية عهد انقلاب يونيو عنوانه "الديمقراطية في السودان عائدة وراجحة". وها هي تدق الأبواب لتعود. وكتابا آخر بعنوان "تحديات التسعينيات" قلنا فيه أنه بعد نهاية الحرب الباردة بين الغرب والشرق وإذا لم يحقق جنوب العالم إصلاحا تنمويا وديمقراطيا ويحالفه ويساعده في عالم الشمال الغني تيار مستنير فإن العالم سوف يشهد مواجهة ظلامية بين تيار الهيمنة الدولية في الشمال وتيار المقاومة المسلح بوسائل الإرهاب ووسائل أخرى سميناها أسلحة الضرار السبعة. وها هو العالم اليوم يواجه حربا أممية ما بين هذين التيارين. وما دمنا لا نؤيدهما فإن علينا معشر المسلمين أن نحدد موقفا آخر أو تيارا ثالثا يميز موقف المسلمين من موقف الغلاة الذين يتخذون الإرهاب وسيلة للاحتجاج ويعادون كل منجزات الحضارة الحديثة باسم التأصيل، والغزاة الذين يريدون تطويع الأمة ونهب خيراتها للغرب، ويدعو لموقف الحماة الذين يدافعون عن الأمة وهويتها الحضارية بدون انكفاء ويسعون للتحديث بدون تبعية. لذلك تسعى هيئة شئون الأنصار للدعوة لمؤتمر إسلامي شعبي لدراسة أطروحة المرجعية الإسلامية المتجددة والاتفاق الجماعي على رؤية إسلامية ندافع بها عن ديباجة الإسلام الوضاءة ونواجه بها انكفاء الغلاة وتسلط الغزاة. أحبابي في الله وأخواني في الوطن العزيز وقع المؤتمر الوطني والحركة الشعبية قبل عام اتفاق سلام سموه شاملا ورغم ذلك وبعد عام منه فإن حال السودان اليوم: • يواجه استقطابا سياسيا داخل الحكومة المسماة حكومة وحدة وطنية وفيما بينها وبين التحالف الوطني المعارض لها. • يواجه استقطابا جهويا بين مناطق محظية ومناطق مهمشة. • يواجه استقطابا اجتماعيا بين قلة متخمة حتى الثمالة وأغلبية ساحقة فقيرة حتى الإثمال. • يشهد مواجهات مسلحة معلقة في غرب البلاد وشرقها وجنوبها. • يشهد مناوشات حربية حدودية قابلة للزيادة في حدوده الشرقية، والغربية، والجنوبية، مما أدى لتوغل خمس جيوش من دول مجاورة داخل الأراضي السودانية. • يشهد قوات الاتحاد الأفريقي AMIS التي يزداد عددها ويزداد عتادها على دعم الاتحاد الأوربي وحلف الناتو ويزداد تمددها في ممارسة صلاحيات الحكومة السودانية. • ويشهد وجودا دوليا UNMIS هو أشبه بدولة داخل الدولة. • ويشهد مخططا أمريكيا يدعمه تحالف من ست لوبيات. اللوبي البروتستانتي، اللوبي الإنساني، اللوبي الأفريقي الأمريكي، اللوبي الصهيوني، لوبي محاربة الرق، ولوبي الكوكس السوداني. ومع أن سياسة الحكومة الأمريكية في الظاهر تدعم اتفاق سلام نيفاشا دون تحفظ فإن المخطط الأمريكي الذي تدعمه اللوبيات يصعد تجريم عناصر المؤتمر الوطني في الحكومة ويستثني الطرف الآخر أي الحركة الشعبية من عقوباته. إن قانون سلام السودان الشامل الأمريكي لعام 2004م وقانون سلام دارفور والمساءلة الذي أجازته الولايات المتحدة في يوليو 2005م معناه الحقيقي هو سحب اعترافها بأي حكم يكون للمؤتمر الوطني نصيب فيه باعتبار أنه وحلفاءه حتى قيام الحكومة الجديدة في سبتمبر 2005م قد ارتكبوا جرائم إبادة جماعية في دارفور. والسؤال المشروع هو هل اتفاقية نيفاشا الموقعة في يناير 2005م والدستور الانتقالي المجاز في يوليو 2005م وحكومة الوحدة الوطنية المكونة في سبتمبر 2005م.. هل هذه التدابير قادرة على تحقيق السلام والاستقرار في السودان والتصدي بنجاح للتحديات الثمانية المذكورة هنا؟ الجواب الذي لا يجوز الاختلاف حوله هو اللهم لا. بل إن الاتفاق، والدستور، والحكومة صاروا جزءا من الاستقطاب وساهموا في تعميقه. الحقيقة التي لا مراء فيها هي أن خطة التمكين الحزبي الثنائي التي قامت عليها الاتفاقية، والدستور، والحكومة لن تنجح بل سوف تقفل الطريق أمام الإجماع الوطني، وأمام السلام الشامل، وسوف يتعثر تطبيقها بصورة متصاعدة وبقدر تعثرها سوف يتمدد النفوذ الدولي إلى أقصى درجة. وإلى جانب تمدد النفوذ الدولي الحتمي سوف تزداد التوترات العسكرية في عدد من الأقاليم وتزداد التوترات العسكرية الحدودية مع بعض دول الجوار. وسوف تكون نتيجة هذه المواجهات العسكرية مزيد من التشظي لأراضي الوطن. إذا أدركنا هذه الحقائق بوضوح فالسبيل الوحيد لإيجاد مخرج وطني يواجه التحديات الثمانية ويحتوي عثرات اتفاقية السلام، ويحتوي التشظي الوطني، والتمدد الدولي هو الاعتراف بأن إخفاقات نظام الإنقاذ الأحادي هي التي أدت للتدابير الثنائية المعيبة. وأن التدابير الثنائية لن تفلح في تحقيق السلام العادل الشامل والتحول الديمقراطي الحقيقي. وأن المطلوب هو عقد لقاء وطني جامع يحضره كافة جيران السودان كمراقبين وتحضره الأسرة الدولية والاتحاد الأفريقي والجامعة العربية كمراقبين وشهود. هذا اللقاء الجامع يؤسس على إنجازات اتفاقية السلام وسائر الاتفاقيات الثنائية ويتجاوزها لتحقيق التطلعات الوطنية المشروعة. أمامك فاختر أيَّ نهجيك تنهجُ طـريقان شتـى مستقيمٌ وأعوجُ أحبابي في اللهِ وأخواني في الوطنِ العزيزِ إن لقاءنا هذا من نعم المؤسسية والشورى فهو ثمرة توصية من مجلس الحل والعقد أيدتها بقوة وقام جهاز الهيئة التنفيذي بكافة الإجراءات والتدابير والتمويل الذاتي للمهمة فجزى الله خيرا اللجنة العليا المنظمة لها وجزى الله خيرا أهلنا في جنوب دارفور رسميين وشعبيين على حسن الاستقبال والمشاركة الأخوية. العيد مبارك عليكم جميعا أعاده الله عليكم وعلى وطننا الجريح وإقليمنا المجروح باليمن والبركة. اللهم يا جليلا ليس في الكون قهر لغيره، ويا كريما ليس في الكون يد لسواه، ولا إله إلا إياه ألطف بعنايتك بدارفور وأهلها وهيئ لها من أمرها رشدا ووفقنا جميعا لمسح دمعتها وحقن دمائها وتحقيق السلام والعدالة والتنمية والديمقراطية فيها إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ولكنه أمر باتخاذ الأسباب .. (إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ) .. فلنشمر عن ساعد الجد والاجتهاد، وكل من سار على الدرب وصل والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته. 14سورة الرعد الآية 11