هل ينام البشير مرتاح الضمير؟؟

أهل الدالي الطيبون يستحقون حياة أفضل و أموال اليخت و الفلل الرئاسية أولى بها التنمية يا عمر!!


لنا مهدي
في إجازتي بالسودان و التي لفظت أنفاسها الأخيرة منذ بضعة أيام قضيت وزوجي في منطقة الدالي/النيل الأزرق مسقط رأسه ثمانية أيام بلياليها كانت فاصلة بالنسبة لي على الأقل حيث هزتني بعنف مفارقة وجود بقعة على خارطة السودان وأخر غيرها لم تصلها مياه الشرب و لا الكهرباء و لا أبسط الخدمات بينما يصرف النظام ملايين الدولارات على اليخت الرئاسي والفلل الرئاسية و"عمر""يعثر" شعبه كله وليست بغاله و حسب ،بينما حكومته غارقة حتى أذنيها في السفه الرسمي المتمثل في صرف بذخي لا يتناسب البتة و طموح رئيس الجمهورية في أن يكون "نيو فيرشن" من الخليفة الثاني و ليس سميَه و حسب!!!.

شاهدت الفلل الرئاسية "الديلوكس جداً"والتي كلفت 35 مليوناً من الدولارات، ولولا وقوع النيل على مرمى حجر منها لحسبت أنني في سويسرا أو إنجلترا ،مرت بي ساعتئذ خاطرة مجنونة: ماذا لو حاول جياع السودان و مشردوه وفقراؤه احتلال تلك الفلل المستفزة و سكناها عنوة؟

الغرض المعلن من تشييد تلك الفلل كان هوالإعداد لمؤتمر القمة الأفريقية الذي رجع بعده النظام بخفي حنين بعد فشله في الفوز برئاسة الاتحاد الافريقي والذي كان متوقعاً "أي الفشل" وخاصة وأن مؤتمر القمة شهد أكبر نكبة دبلوماسية و سياسية لحكومة الإنقاذ تزامنت مع ضجة اليخت الرئاسي المهيب ذي ال32 ألف طن وزناً و الذي أغرق بعض أجزاء البلاد في ظلام دامس (و إن لم يكن أحلك من ظلام الإنقاذ) و"وحل" في النيل لدرجة لم تمكن البشير و صحبه من استضافة الزعماء الإفريقيين استضافة خرافية ،و لم تتمكن من انتشالهما"أي اليخت و الإنقاذ معاً" ألف فتوى فقه مصلحة و تشريعات ضرورة.

أعلنت الصحافة الرسمية للنظام أن منصرفات القمة الأفريقية بلغت 50 مليوناً من الدولارات، ولكن تكلفة اليخت الرئاسي وحده كانت 6.4 مليون دولار،بينما الفلل الرئاسية كلفت 35 مليوناً فيكون المجموع 41.4 مليوناً،فهل كانت مصاريف خدمات الضيوف،نقلهم،أثمان ال75 عربة جياد ليموزين التي كانت رهن إشارتهم،النثريات،الطعام، الجولات السياحية،.. إلخ فقط 8.6 مليون دولار؟؟؟؟

كانت "واسطة عقد" النكبات و الفضائح الدبلوماسية و السياسية إبان مؤتمر القمة اعتقال ممثل منظمة العفو الدولية وناشطي حقوق إنسان كانوا يشاركون في ملتقى للمنظمات غير الحكومية عقد في الخرطوم متزامناً مع القمة الأفريقية.

ويشرح تقرير منظمة العفو الدولية ما حدث يوم 22 / 1 /2006:" ففي الساعة 5:55 من مساء أمس، دخلت قوة أمنية بملابس مدنية المبنى الذي ينعقد فيه ملتقى المنظمات غير الحكومية. وأمرت قوات الأمن – التي تراوح عدد أفرادها ما بين ستة أفراد و15 فرداً أثناء الحادثة – جميع المندوبين بإغلاق هواتفهم النقالة. وقال هؤلاء إن الاجتماع "غير مرخص به" وطلبوا أسماء جميع المشاركين، وأُمر المشاركون، الذين بلغ عددهم نحو أربعين شخصاً، بتسليم ما لديهم من وثائق وأجهزة حاسوب محمولة. ورفض البعض ذلك؛ ففتحت قوات الأمن حقائبهم بالقوة وثارت بعض المشاجرات البسيطة. وفي هذه اللحظة، دخل مزيد من قوات الأمن وقاموا بتطويق الغرفة. وتم الاستيلاء على الصور الرقمية وأشرطة الفيديو المصورة من جميع المشاركين. وتعرض بعض المشاركين للدفع والتهديد، وأُبلغوا بأنه "من الأفضل لكم أن تفعلوا ما نقول وإلا فإنكم ستواجهون المتاعب فيما بعد". وكانت هناك طلبات متكررة من المشاركين بأن يسلِّموا جميع حاجياتهم."
ولمزيد من التفاصيل يوجد التقرير كاملاً هنا:
http://www.hrinfo.org/mena/amnesty/2006/pr0123.shtml

نعود إلى مفارقة وجود بقعة بل بقع لم تعرف التنمية إليها طريقاً و منها" الدالي" التي تنام بوداعة طفل على وسادة جبل الدالي و تلتحف مشاريع الزراعة المطرية التي تصيب حيناً و تخيب أحياناً في زمن المحل الجغرافي و السياسي وزمن سيطرة البنك الزراعي على "تقاوي" و مصائر مزارعي السودان عن طريق إغراقهم بالديون ،فتجويع الشعب هدف استراتيجي بل و ضرورة قصوى "للتمكين" .والشعب لم ينتخب البتة"القوي الأمين"بل فُُرض عليه "عمر" الذي وجد نفسه " بُعْد المشرقين" من عدل و حكمة وتسامي عمر بن الخطاب.

"الدالي" و مجموعة القرى المتناثرة في الطريق ،من نهاية الشارع الإسفلتي الموصل من "سنار" و حتى الوصول إلى "الدالي" ك"محبوبة" و "القويزات"و"اللنج فاو" ،ومجموعة القري في نفس المنطقة ك"بوزي"و"الجفرة" و "المليسة" تفتقر لأبسط الخدمات ،فالمواطنون في بعضها يعتمدون كلياً على مياه الحفائر في الشرب حيث لا توجد إمدادات مياه للمنازل، وفيها كلها يعتمدون على فوانيس الكيروسين في الإنارة بعد أن حرموا من الكهرباء، قلت لإحدى الحبيبات هناك :"البشير وعد أنه في عام 2006 ستصل الدالي الكهرباء و المياه."، فردت لي:"تماماً ككلامه حول مجانية التعليم، يصرح السيد الرئيس في كل مكان أن مجانية التعليم طبقت، ويسمح للوزارة بإرسال التعميم تلو الآخر لمدارسنا كي يجبوا المزيد من الرسوم من الطلاب تحت مسميات مختلفة،المدرسون يتقاضون رواتبهم من التلاميذ، لا مصداقية اليوم لأي كلام نظري دون تنفيذ".

والحقيقة إن إثارة الرئيس للبشير للدهشة لم تبدأ منذ وعوده "المخلوفة" بمجانية التعليم و غيرها من وعود كثيراً ما تذهب أدراج الرياح، بل بدأت مذ إستيلائه و نظام الإنقاذ على الحكم بليل، ولم تنتهي بتصريحاته التي جعلت آلاف المشاهدين يتسمرون أمام التلفاز فاغرين أفواههم دهشة وعجباً عند عرض برنامج "في الواجهة" في 2002 والذي استضاف البشير في إحتفالات الذكرى الثالثة عشرة لثورة ال"إنتكاس" الوطني، يومها كان البشير يصرح بالجملة"كل عشرين تصريحاً بقرش" ،ومن ضمن تصريحاته و حكاياته،حكى عن تنظيم أنفسهم كمنسوبين للإتجاه الإسلامي واستقطابهم ل"عناصر" إبان عمله في الجيش، و بذلك أدان نفسه و زملاءه بإعتراف صريح بخيانة شرف الجندية الذي ينهي عن تسييس الجيش.

دارفور تحترق،الشرق يحترق،الخرطوم تئن، الجنوب يتمزق، السودان كله أضحى منطقة مهمشة، شبح الإنفصال وشيك بفضل سياسات الإنقاذ، الشعب جائع و عاري وغير آمن، التدويل صار واقعاً جاثماً كالغول، ولي سؤال واحد:هل تنام ملء جفنيك مرتاح الضمير يا سيادة الرئيس؟؟؟؟