بؤس الخطاب العلماني.. الدنمارك واخواتها انموذجا!!

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-24-2024, 11:11 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الأول للعام 2006م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-02-2006, 09:20 AM

محمود الدقم
<aمحمود الدقم
تاريخ التسجيل: 03-19-2004
مجموع المشاركات: 8848

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
بؤس الخطاب العلماني.. الدنمارك واخواتها انموذجا!!

    1-
    حتى الان لم يستقر الراي نهائيا عن تعريف محدد النسق للخطاب العلماني منذ انبساقته في القرن التاسع عشر بشكله الجشتالتي المعروف على انه (فصل الدين عن الدولة) ولكن هذا التعريف سلفا مضبوط بسياقه التاريخي وتطور نمطه الاجتماعي كونه يصلح لمجتمعات اوروبية تدين بالمسيحية.

    هذه المسيحية التي في الاصل حسمت خيارات تدخلها في الحقل السياسي من قريب او بعيد، ثم ان هناك تعريفات تزعم انها حداثوية حملت على عاتقها تطوير المفهوم العلماني في اتجاهاته المخلتفة اسست لضرورة فصل القيم الاخلاقية والانسانية عن الدين ومن هنا دخلت (العلمانية اللا-دينية) التي تلغي الدين من الوجدان والكيان الانساني وسلخه تماما عن الحياة العامة والدخول في معمعة الالحادية من بوابته الواسعة، وفي هذا الخصوص يقول الدكتور عبدالوهاب المسيري المسيري:

    (في ظل هذا الإطار فإن ما يتشكل في الواقع ليس فصل الدين عن الدولة، وإنما فصل القيم الإنسانية والأخلاقية والدينية عن مجمل حياة الإنسان في جانبيها العام والخاص، ونزع القداسة عن الإنسان والطبيعة، بحيث تتساوى كل الأشياء، وتصبح كل الأمور نسبية، بحيث يصبح العالم مادة استعمالية يمكن للقوي أن يوظفها لحسابه، وبالتالي أذهب إلى القول: إن فصل الدين عن الدولة هو العلمانية الجزئية أما فصل القيم الإنسانية والأخلاقية والدينية عن مجمل حياة الإنسان فهو العلمانية الشاملة).

    اي ان انسلاخ الدين من الوعي الانساني فرديا او في شكل مجموعات يعتبر امر مختزلا لمصلحة اللادينية وهو خطاب حمل باكرا فناءه ونعيه، بمعنى اخر في التطور المرحلي للفكر العلماني (المدارس الاوروبية) نجد التخبط ضرب اسسها سواء كان ذلك في جدليات فصلها للدين عن واقع الحياة اقتصاديا/ واجتماعيا/ و سياسيا/، او عبر اجهاضها لقيم الدين وتاسيس منفستو علمنة الحياة انسانيا والغاء المكون الديني عن الضمير الفردي.

    في راي ان الخطاب العلماني الحداثوي الان يتجه للنمط الثاني (تذويب الدين نهائيا في بوتقة المادية) و اخضاعه لاحقا لمعادلات رياضية فيزيائية تجريبية تبحث عن الله تجريبيا باعتباره (نظريا مادة او فكر فلسفي يقبل الطعن فيه وفي الكتب السماوية وعلى راسها القران الكريم) من هنا نشاء في الغرب (علم الاجتماع الديني) العلم الذي يبحث في نقد موضوعات الدين.. والله.. والثيوقراطية.. نقدا تحرريا لا يراعي خصوصية الاخر ولا يهتم به كثيرا وصولا لمقررات شطب الدين والتدين من الواقع الانساني ولعل الباحث الفرنسي جان كيبل له اسهاماته في هذا الخصوص وان كان كيبل قدم نفسه على انه ناقدا للردايكالية الاسلامية ثم تقدم خطوة اخرى واعطى لنفسه الحق في نقد الخطاب السياسي الاسلامي برمته، ومن جان كيبل وقبله جان لوك ورودني استارك نهل العلمانة العرب وطرحوا شعارات العلمانية (فصل الدين عن السياسة)، لكن خطابهم يعتبر خطاب اكثر من (عقيم) لان العلمانية -المدارس الغربية- قد تجاوزته الى (تخثير الدين) والغاءه عن الحياة العامة وانشئت بدلا عنه العلمانية اللا -دينية او اللا -تد ينية التي تمأسست على توظيف الاقتصاد والسياسة.. والاجتماع.. والفكر بضروبه المختلفة باعتباره الرافعة الوحيدة التي تجلب السعادة للانسانية لا الله والدين ولا النص الديني.


    معظم استطلاعات مراكز الابحاث الاحصائية في اوروبا واميركيا (راند) وغيرها واستطلاعات الاذاعة البابوية اكدت على انتشار ظاهرة اللادينية في اوروبا وان نصف سكان بعض البلدان الدنمارك النرويج المملكة المتحدة وغيرها لا يؤمنون بوجود رب لهذا الكون بينما الخطاب العربي حتى الان فشل فشلا زريعا في يعمق الفهم البدائي للعلمانية فصل الدين عن السياسة للمجتمعات العربية.
                  

02-02-2006, 09:45 AM

محمود الدقم
<aمحمود الدقم
تاريخ التسجيل: 03-19-2004
مجموع المشاركات: 8848

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بؤس الخطاب العلماني.. الدنمارك واخواتها انموذجا!! (Re: محمود الدقم)

    2-
    بخصوص تطور ما يسمى بالخطاب العلماني من البدائية (فصل الدين عن السياسة والاقتصاد) وهو ما يسميها الكاتب عبدالوهاب المسيري (العلمانية الجزئية) وبين فصل الدين عن الحياة والتفكير الانساني وسلخ الروحانية عن المادية لمصلحة الثانية وهو مايسميها المسيري ايضا ب(العلمانية الشاملة)، ثمة من يتداخل علينا قائلا حسنا بغض النظر عن التعريفين الجزئي او الشاملة بنظرة عامة لا يمكن مقارنة المؤسسية بالغرب في شتى النواحي باي دولة عربية او اسلامية سواء في فصل السلطات الثلاث او في الشفافيات او الوعي الديمقراطي لدى مجتمعات اوروبا والغرب عموما باي مجتمع عربي وهذا ان دل عى شيء فانما يدل على نجاح العلمانية غربا في اوروبا ومن هنا فانه من الجدير بنا ان نحذو حذو اوروبا ونتجه الى الخطاب العلماني لان بيده الحل.

    وردا على هكذا كلام نقول التالي:
    نعم نجحت العلمانية اوروبيا واميركيا ولكن فشلت عربيا ونجاحها غربيا يكمن في ان الخطاب العلماني الغربي اصلا اختزل الدين نهائيا ليس عن الحياة السياسية الاقتصادية فحسب بل ايضا من الواقع الوجودي لان ممارسات الكنيسة باكرا وموقفها المضاد من (العلم) كان الهدية المجانية التي قدمتها المسيحية الى دعاة الفكر العلماني فبالتالي نجاح الخطاب العلماني هناك يتسم ربما مع مجتمعات اوروبا لان الدين اصلا هناك ليس بذي اهمية تذكر/ او بمعنى اخر لان الدين اصلا مختزل في دور الكهانة والكنائس حيث النزور والبخور والتراتيل فقط اي الدين المسيحي دين طقوسي وليس تعبدي بالرغم من ان دعاة الخطاب العلماني فشلوا في تغير جلدهم وسلخ واقعهم الديني عن السياسي والاقتصادي والخ.. فمثلا (راس المال) لماركس/ هناك من يرى انه يحاكي الانجيل في تقسيماته المخلتفة (النظرية الماركسية)
    1- الفردوس قبل السقوط.
    2- الاقطاعية والراسمالية
    3- البعث والتكوين الجديد.
    4- المجتمع الكامل.

    وكل ذلك تماهي مع النص الديني، بينما خطابنا الديني خطاب وسطيا زاوج بين المادية والروحانية ونهى عن الرهبنة التي تبنتها الكنيسة باكرا.
                  

02-02-2006, 10:00 AM

Abureesh
<aAbureesh
تاريخ التسجيل: 09-22-2003
مجموع المشاركات: 30182

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بؤس الخطاب العلماني.. الدنمارك واخواتها انموذجا!! (Re: محمود الدقم)

    Quote: وردا على هكذا كلام نقول التالي:
    نعم نجحت العلمانية اوروبيا واميركيا ولكن فشلت عربيا


    هـذا يعتمـد على مفهومك للدين وللعلمـانيـة.

    فإذا كان الدين المعاملـة والأخلاق والصـدق مع النفس.. فأعتقـد أن العرب فشلـوا فشلا ذريعـا فى تحقيقـه.. فحكامهـم يسـومون شعوبهـم العذاب، "وهـم على ما يفعلون بالمؤمنين شهــود" وتجارهـم تكالبـوا على السحت والحرام من المال، وأتخذا من الكذب والنفاق اسلوبـا لممارســة التجارة.. عندمـا يهب الغرب لمسـاعدتهـم فى الكوارث الإنسـانيـة، ينهب حكامه مسـاعـدات الغرب ولا يؤدون الأمـانـة إلى أهلهـا.

    أما إذا كنت تقصـد بالدين معانى الغش والنفاق وتقطيـع أيادى وأرجل المسـاكين الفقـراء، وملئ حسـابات البنوك فى دول العلمانيين بأموال الحـرام.. فقـد نجحـوا فعلا فى إقامـة هـذا (الدين) بكل جـدارة.
                  

02-02-2006, 10:33 AM

محمود الدقم
<aمحمود الدقم
تاريخ التسجيل: 03-19-2004
مجموع المشاركات: 8848

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بؤس الخطاب العلماني.. الدنمارك واخواتها انموذجا!! (Re: محمود الدقم)

    3-
    السؤال الذي يطرح نفسه هنا هل نجحت العلمانية بفصلها الدين والتدين عن الحياة العامة في برامجها المخلتفة؟؟
    ثمة العديد من المفكرين ينعون فشل العلمانية مسعاها (اجهاض الدين) وازاحته عن الحياة العامة، وقبل ذلك ينعون الخطاب العلماني من اصله في طرحه لقضاياه المختلفة الوجوه فمثلا برفسور جين كين اقام صلاة الجناز على علمانيي العالم الثالث وعلى العلمانية لانها فشلت في ان تفيء بوعودها تجاه مجتمعاتها وفي هذا السياق ذكر التالي:

    (أن العلمانية لم تف بوعودها بشأن الحرية و المساواة (حيث تنتشر العنصرية والجريمة والنسبية الفلسفية) وأخفقت في العالم الثالث (حيث تحالفت الأنظمة العلمانية مع الإستبداد والقوى العسكرية) ولم تؤد إلى الجنة العلمانية الموعودة ، ذلك في حين ظلت المؤسسات الدينية والقيم المطلقة فاعلة على مستوى المجتمع وحياة الناس اليومية، في معظم بلدان العالم الثالث).

    على صعيد اخر قدم كل من بيتر بيرجر وهارفي كوكس اللذان يعتبران الابوان الروحانيان لنظرية السيادة العلمانية شهادة وفاة لنظريتهما وللخطاب العلماني العلمانيين تماما عندما ادركا بعد مئات الالاف من الندوات والكتب والمنشورات ان جدلية فصل الدين عن السياسة امرا غير ممكن اذ اتفقا في الملتقي الثاني للمثقفين الامركيين والعرب والذي انعقد العام الفين ان الخطاب العلماني العربي وتخبطه وشذوذه المريع فشل في ايجاد حلول بيد ان الكاتب الفرنسي (جيل كيبل) وليس جان كيبل كما اوردنا سالفا نجده ايضا شكك في مقولة العلمانية فصل الدين عن الدولة وذلك في كتابه (يوم الله) الذي طبع للمرة الثانية العام 1992م.

    ليس هذا فحسب بل هناك من غلاة العلمانية درسوا الدين الاسلامي جيدا دارسة تاريخية مجردة وتباؤ بعودة مجد الاسلام مرة اخرى وبزوغ شمسه في الفضاء الكوني ونذكر للمثال فقط و ليس للحصر جون فول استاذ الدراسات الاسلامية بجامعة جورج تاون مقالا واسماه (الاسلام ونهاية العلمنة) وايضا من الذين صلوا صلاة الجنازة على الفكر العلماني (اوليفه ورا) كتابه (اعادة الاسلمة) وغيرها من الشهادات الموضوعية التي اسست لنظرية استحالة فصل الدين عن الساسية او الاقتصاد.
                  

02-03-2006, 08:46 AM

محمود الدقم
<aمحمود الدقم
تاريخ التسجيل: 03-19-2004
مجموع المشاركات: 8848

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بؤس الخطاب العلماني.. الدنمارك واخواتها انموذجا!! (Re: محمود الدقم)

    4-
    بخصوص العلمانية اللا دينية او علمانية فصل الدين عن السياسة في المجتمعات الغربية ترى ان لا حدود لحرية التعبير اطلاقا وتاتي حرية التعبير اولا واخيرا بغض النظر عن الموقف الديني وهو امر بطبيعة الحال لا توافقه عليه الخطاب العلماني هكذا باجماعه بالرغم من تخبط الخطاب العلماني العربي في تعريف نفسه واتخاذ موقفا له امام قضايا الحريات العامة ومدى تعارضها بالديني.

    / اما بخصوص العلمانية الالحادية التي صورت نبينا الكريم بصور مشينة فهي لم تكن وليدة اليوم او امس بل هي مدرسة ضاربة في جذورها في القدم ولعل الدكتور سفر الحوالي قدم لنا مقال طيب في هذا الخصوص ننقله هنا:-
                  

02-03-2006, 08:47 AM

محمود الدقم
<aمحمود الدقم
تاريخ التسجيل: 03-19-2004
مجموع المشاركات: 8848

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بؤس الخطاب العلماني.. الدنمارك واخواتها انموذجا!! (Re: محمود الدقم)

    5-

    **موقع الشيخ الدكتور سفر الحوالي كتب ومؤلفات العلمانية نشأتها وتطورها وآثارها في الحياة الإسلامية المعاصرة الفصل الرابع النظريات والمدارس المجتمعة اللادينية


    نسخة للطباعة
    اكتب رأيك
    اخبر صديقك
    اتصل بنا
    أضف إلى السلّة
    عدد القراء: 204 قاريء


    عناصر الموضوع
    الفصل الرابع: علمانية الاجتماع والأخلاق
    مجتمع القرون الوسطى وأخلاقها
    النظريات والمدارس المجتمعة اللادينية
    واقع المجتمع اللاديني المعاصر
    النظريات والمدارس المجتمعة اللادينية
    الشيخ الدكتور سفر بن عبدالرحمن الحوالي
    من كتاب: الفصل الرابع: علمانية الاجتماع والأخلاق

    مقدمة:

    الفكر الاجتماعي اللاديني قديم الأصول، فقد تحدث أرسطو عن الحياة الاجتماعية للإنسان، وقال عبارته المشهورة: 'الإنسان حيوان اجتماعي' كما أن أفلاطون كانت له نظراته الاجتماعية التي دونها في جمهوريته وإن كانت من صنع الخيال.

    ولما كان عصر النهضة الأوروبية وبعثت الآداب والفلسفات الإغريقية انبعث التفكير الاجتماعي اللاديني باتجاهيه: الخيالي الممثل في الطوبيات أو المدن الفاضلة، والواقعي الذي يحاول أن يستمد من الفلسفة والعقل ما يناهض به الكنيسة وتعاليمها.

    وكانت ريادة هذا المجال من نصيب مكيافيللي وهوبز اللذين ألمحنا إليهما في الفصل الأول من هذا الباب ويتلخص رأي هوبز ومكيافيللي في أنه عندما تنحرف المعتقدات عن المبادئ الأخلاقية والشرعية يستتبع ذلك في مجال الأفكار فترة فراغ نرى فيها أن فكرة العنف هي التي تسود لعدم وجود ضابط للشرعية، وفي رأي هذين الكاتبين أن الحياة في المجتمعات تقوم على استخدام القوة، وتتلخص السيكولوجية المجتمعة عندهما في العبارة الشهيرة: أن الإنسان ذئب بالنسبة للإنسان، وفي قول مكيافيللي : إن ميل الإنسان للشر يفوق ميله إلى الخير.

    ويعلق بوتول على ذلك قائلاً عن مكيافيللي : إن أهمية هذا المؤرخ الفلورنسي أنه جعل لفلسفة التاريخ: ولعلم الاجتماع السياسي وجوداً مستقلاً. [417]

    وكان من رواد الأفكار الجديدة أيضاً الفيلسوف اليهودي سبينوزا الذي اشتهر بعداوته للأديان وأخلاقياتها، وكان معاصراً لـهوبز ، وفي رأيه أن الناس يعيشون في الأصل خاضعين لسيطرة شهواتهم، وأن حقوق الناس في نزاع دائم مع قوتهم التي تتعادل فقط مع هذه الحقوق، ويهاجم سبينوزا علم الأخلاق الذي كان يسود في العصور الوسطى، والذي يمجد النسك ويدعو للندم والذي يغلب فيه الميل للشقاء فيقول: 'إن اللذة خير في ذاتها والألم قبيح في ذاته... وأن الحكمة هي التأمل في الحياة لا في الموت'

    على أن كاتباً آخر تطرف في عداوته للكنيسة وأخلاقها بدرجة عجيبة وهو مانديفيل في كتابه أقصوصة النحل الذي أثار فضيحة، وكان له دوي عظيم، فقد ذهب إلى أن النقائص هي بالتحديد التي يدمغها الأخلاقيون كالشراهة والتعجرف والفسق... إلخ، وهي التي أتاحت انتشار الحضارة والفنون والتكتيك فهذه الاتجاهات التي اعتبرت مذمومة هي في الواقع أعظم العناصر الديناميكية التي لولاها لاضمحل الإنسان إلى حالة قريبة من الحيوانية. [418]

    وهذه البدايات والأفكار ظلت مبعثرة لم تنسق في علم واحد حتى ولد علم الاجتماع باعتباره علماً خاصاً يدرس العلاقات والظواهر المجتمعة دراسة مفصلة ضمن قواعد ومعايير خاصة.
                  

02-03-2006, 08:47 AM

محمود الدقم
<aمحمود الدقم
تاريخ التسجيل: 03-19-2004
مجموع المشاركات: 8848

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بؤس الخطاب العلماني.. الدنمارك واخواتها انموذجا!! (Re: محمود الدقم)

    ***ولادة علم الاجتماع:

    يبدأ نسب العلم وأصله في فرنسا من مونتسكيو (1689 - 1755) فكتابه روح القوانين بحث في الفلسفة السياسية، وكان يعني بكلمة (قوانين) العلاقات الضرورية المستمدة من طبائع الأشياء، وقد ميز بين طبيعة المجتمع ومبدأ المجتمع بقوله طبيعة المجتمع هي بناؤه الخاص المميز ومبدأ المجتمع هو الرغبات والأهواء الإنسانية التي تدفعه للعمل.

    ثم جاء سان سيمون الذي كان ابناً حقيقياً لعصر التنوير ولذا كان يؤمن إيماناً شديداً بالعلم والتقدم كما كان يرغب فوق كل شيء في إنشاء علم وضعي للعلاقات الاجتماعية.

    وأِشهر تلاميذه هو أوجست كونت ، ثم جاء دور كايم وتلاميذه وليفي بريل وقد كانوا جميعاً يتابعون نفس التقليد الذي وضعه سان سيمون ..

    أما في بريطانيا فكان ديفيد هيوم وآدم سميث وهوبز ، وكان هؤلاء الفلاسفة ينظرون إلى المجتمع على أنه نسق طبيعي، أي أنه ينشأ من الطبيعة البشرية ذاتها، وليس من العقد المجتمع، وبهذا المعنى كانوا يتكلمون عن الأخلاق الطبيعية والدين الطبيعي والفقه الطبيعي وغير ذلك. [419]

    هذا الإجمال الذي ذكره مؤلف الانتروبولوجيا الإنتاجية يحتاج إلى تفصيل بذكر كل اتجاه وإعطاء فكرة عن منهجه وآرائه:

    أولاً - نظرية العقد الاجتماعي:

    كانت النظرية السائدة قبل كونت هي نظرية العقد الاجتماعي وصاحبها هو جان جاك روسو وقد سبق شيء من الحديث عنها في الفصل الأول من هذا الباب، والذي يهمنا منها الآن هو نظرتها إلى الأخلاق، أي إلى أسلوب التعامل بين أفراد المجتمع.

    والواقع أن روسو كان جريئاً في تحديه للدين وخروجه على أخلاق وتقاليد عصره، فقد نفى العنصر الإيماني من الأخلاق، وجعل مدارها الرئيسي المصلحة الدنيوية المجردة، أي: تحقيق أفضل وسيلة للتعاون مع المجتمع في حدود الدنيا فقط، ولغرض المنفعة الخاصة أو العامة إن أمكن، وبذلك نشأ للمرة الأولى في تاريخ المسيحية -أن نظر الباحثون للأخلاق على أنها مظاهر صورية للتعامل الخارجي، لا حقائق وقيم تنبع من ضمير الإنسان ويوحي بها وجدانه الإيماني.

    ولم يصرح روسو بمعتقده بطريق مباشر بل استخدم خياله لتصوير دعائم فلسفية وهمية يقيم نظريته عليها، وسنتابعه افتراضاته حتى نصل معه إلى النتيجة المبتغاة: الأصل في الإنسان الفردية، وكان سعيداً أيام حياته تلك ومتبعاً للقانون الطبيعي ولكن الكوارث ودواعي الاجتماع جعلته يتعلم اللغة ويألف الاجتماع حتى أصبح الإنسان الطيب شريراً بالاجتماع.

    على أن الاجتماع قد أضحى ضرورة، ومن العبث محاولة فضه والعودة إلى حال الطبيعة، وكل ما نستطيع صنعه هو أن نصلح مفاسده، بأن نقيم الحكومة الصالحة، ونهيئ لها بالتربية المواطنين الصالحين. [420]

    أما كيفية تحقيق ذلك فيرى روسو : 'أن هذا الغرض ممكن التحقيق بأن تجمع الكثرة المفككة على أن تؤلف شيئاً واحداً وأن تحل القانون محل الإدارة الفردية وما تولده من أهواء وتجرده من خصومات، أي أن يعدل كل فرد عن أنانيته وينزل عن نفسه وعن حقوقه للمجتمع بأكمله، وهذا هو البند الوحيد للعقد الاجتماعي، ولا إجحاف فيه، إذ بمقتضاه يصبح الكل متساوين في ظل القانون، والقانون إرادة الكل تقر الكلي، أي المنفعة العامة'

    وبعد هذه الافتراضات يبدأ روسو في إملاء مقترحاته حول المجتمع المتعاقد:

    لهذا المجتمع دين مدني لا يدع للفرد ناحية من نواحي الحياة مستقلة عن الحياة المدنية، ويتعين على الدولة أن تنكر ديناً كـالمسيحية يفصل بين الروحي والسياسي، وألا تطيق إلى جانبها سلطة كنسية، إذ لا قيمة لما يفصم الوحدة الاجتماعية وإنما لزم الدين؛ لأنه ما من دولة قامت إلا وكان الدين أساسها، على أن يكون هذا الدين قاصراً على العقائد الضرورية للحياة، تفرض كقوانين حتى لينفى أو يعدم كل من لا يؤمن بها، لا باعتباره كافراً، بل باعتباره غير صالح للحياة المجتمعة!
                  

02-03-2006, 08:48 AM

محمود الدقم
<aمحمود الدقم
تاريخ التسجيل: 03-19-2004
مجموع المشاركات: 8848

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بؤس الخطاب العلماني.. الدنمارك واخواتها انموذجا!! (Re: محمود الدقم)

    ***هذه العقائد هي عقائد القانون الطبيعي: وجود الله والعناية الإلهية والثواب والعقاب في حياة آجلة وقداسة العقد المجتمع والقوانين، ولكن أن يضيف إليها ما يشاء من الآراء في ضميره، أما بالنسبة للأخلاق فعند روسو أن كل ما يسمى الآن حقوقاً وأخلاقاً، ويستمد له سنداً من العقل هو صناعي ناشئ عن الحياة الاجتماعية التي هي صناعية كذلك، وليس في حال الطبيعة أخلاق وحقوق، ما دام الإنسان في تلك الحال مستغنياً عن الإنسان مقطوع الصلة به. [421]

    من ذلك يتضح أن موقف روسو يقوم على أمرين:

    1-فراره الأعمى من الكنيسة المسيحية وعقائدها وأخلاقها، لا سيما وأنه تعرض هو وأمثاله لاضطهادها.

    2- الرومانسية التي يعد أعظم روادها، والتي كانت رد فعل لتقديس العقل الذي كان طابع ما يسمى عصر التنوير، والتي ظهر أثرها أكثر ما ظهر في مجال الفن والأدب.

    هذا وقد سبقت الإشارة إلى قيام الثورة الفرنسية على أفكار روسو الاجتماعية حتى لقد وصف كتابه العقد الاجتماعي بأنه إنجيل الثورة الفرنسية.

    ثانياً: المدرسة الطبيعية:

    إذا تابعنا الفكرة القائلة أن في تاريخ العلم الحديث ثلاث ثورات، لكل منها أثره البالغ في عصره في أكثر من ميدان، فإن الثورة النيوتونية -أي: نظرية الجاذبية- هي الثورة الثانية من جهة الوجود التاريخي ومن جهة شمول تأثيرها. [422]

    لقد برهن نيوتن على أن الكون أو الطبيعة ليست منفلتة ولا مفككة كما كان يتوهم الأقدمون، ولكنها متسقة بدقة عجيبة يربط بين أجزائها قانون رياضي مطرد، ولا شيء من مظاهرها يشذ عليه، هذه الفكرة أوحت إلى العلماء والباحثين الذين كانت الكنيسة تحصي عليهم أنفاسهم وتضيق الخناق على معطياتهم، بأن ينعتقوا من ربقتها ويكفروا بإلهها مؤمنين بإله جديد أسموه بالطبيعة، لكنهم إذ تخلصوا من العقيدة المسيحية المزعجة للعقل، رأوا أن أصعب من ذلك التخلص من الأخلاق المسيحية ، التي يراها كل إنسان عاقل ضرورية لبقاء مجتمعهم، لذلك لم يتورعوا عن الإدعاء بأن للإله الجديد قانونه الأخلاقي وشريعته الاجتماعية، التي تجعلنا في غنى تام عن أخلاق وشريعة الكنيسة. ويشترك في هذا الادعاء الذين أنكروا وجود إله الكنيسة جملة والذين آمنوا به على أنه صانع ساعة على حد تعبيرهم مع إنكار الوحي والأديان، وهؤلاء يطلق عليهم بمجموعهم اصطلاح الطبيعيين.

    ويرى أولئك أن العقل البشري -قادر بالاعتماد على نفسه- أن يكتشف القانون الطبيعي المجتمع مثلما استطاع نيوتن اكتشاف القانون الطبيعي لنظام الكون، ومن ثم فليست الأخلاق مرتبطة بالدين، بل لا داعي أصلاً للوحي والكتب السماوية والهيئات الكهنوتية، فكل هذه ليست سوى عوائق تباعد بين الناس وبين القانون الطبيعي الذي له وحده أن يسود.

    يقول راندال : 'إن أحد الأركان الأساسية الثلاثة لديانة العقل كان الاعتقاد أن نظام الطبيعة متضمن لقانون طبيعي في الأخلاق يجب معرفته واتباعه كأي من المبادئ العقلية التي تضمنتها آلة العالم النيوتونية ، ومعنى ذلك: أن مبادئ الثواب والخطأ والعادلة والظلم كانت بالنسبة إلى القرن الثامن عشر منسجمة في منهج العقل والعلم، وأن المسلم به كلياً أن لعلم الأخلاق استقلالاً عن أي أسس لاهوتية وإلهية يماثل استقلال أي نوع آخر من المعرفة البشرية، والحقيقة أن الله أمر بالمبادئ الأخلاقية مثلما أمر بقانون الجاذبية لكن مضمون أوامره كمضمون جميع قوانين الطبيعة الأخرى لابد من كشفه بالطرق العقلية والتجريبية للعلم النيوتوني' .

    وقد أحست بعض النفوس الجريئة مثلما أحس مونتسكيو بأنه لو لم يكن هناك إله على الإطلاق وتحررنا كما يجب، من عبودية الدين فيجب ألاَّ نتحرر من عبودية العدالة، وذلك أن مناهج علم الإنسان والسياسة والاقتصاد والمجتمع بصورة عامة يجب أن تشمل في نطاقها الأخلاق أيضاً. [423]
                  

02-03-2006, 08:49 AM

محمود الدقم
<aمحمود الدقم
تاريخ التسجيل: 03-19-2004
مجموع المشاركات: 8848

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بؤس الخطاب العلماني.. الدنمارك واخواتها انموذجا!! (Re: محمود الدقم)

    ***أما التخلص من أخلاقيات الكنيسة فقد سلك الطبيعيون إليه طريقاً ملتوياً إذ قالوا: 'إن الله لا يقتصر على وضع القانون الأخلاقي في الكون، وإنما هو قد بث في كل نفس قبساً أو صدى لهذا القانون الأخلاقي نفسه. وهكذا فإن إصغاءنا لصوت ضميرنا أو الالتجاء إلى النور الواضح للعقل الطبيعي - وهي عبارة أثيرة لدى مفكري القرن الثامن عشر - يؤدي بنا إلى كشف نفس الأوامر التي وردت إلينا من الكتاب المقدس ومن كتابات آباء الكنيسة، وعلى ذلك فإن الوحي يدعم الضمير، والضمير من جانبه يدعم سلطة الوحي، ومن هنا فإننا نستطيع أن نستدل على واجبنا من مصادر أخرى غير سلطة الكتاب المقدس أو القانون الكنسي وحده' [424] .

    واشتد الطبيعيون -ومن جرى مجراهم- في نقد الأخلاق المسيحية لا سيما بعد التشهير والتكفير اللذين تعرضوا لهما من جانب الكنيسة وحاولوا إثبات خطأ الأخلاق المسيحية وعدم فعاليتها، معتمدين على أسس عقلية وأدلة تاريخية وواقعية نستطيع حصرها فيما يلي:

    1-أنها أخلاق اصطناعية غير طبيعية: ومن السهل أن يجد هؤلاء الأدلة الكافية لإثبات هذا الرأي، فقد ذكر كرسون وغيره من الباحثين الأخلاقيين، أن السيرة السيئة لرجال الدين والسلوك الشائن الذي امتازوا به كان أعظم أثراً في الهدم الأخلاقي من كل النظريات العقلية المهاجمة لها، وأصحاب هذا الرأي يقولون: إن الأخلاق المسيحية كالعفة والإيثار والرحمة مبنية على التكلف والاصطناع -وهم هنا يلتقون مع روسو - وليس أدل على ذلك عندهم من أن رجال الدين أنفسهم أول من يخالفها ويصادم دعاوها... ولو كانت هذه الأخلاق طبيعية أي متمشية مع القانون الطبيعي، لما كانت هذه المفارقة التي يشهد بها الواقع المحسوس، لذلك فإن الواجب على المجتمع الذي ينشد الخير والتكامل أن ينفي عنه هذا الزيف والنفاق الذي يسمى الأخلاق المسيحية ويستعيض عنها بالأخلاق الطبيعية، التي يوحي بها الضمير الداخلي ويدعو إليها الانسجام الماثل في الطبيعة الخارجية.

    2-أنها أخلاق تعسفية غير عقلية: يرى هؤلاء أن النظرة المسيحية هي: "إن قوام الحياة الأخلاقية هي طاعة القانون لكن المشكلة في نظرهم هي أن هذا القانون ليس قانوناً يكتشفه العقل البشري وليس بالتالي قانوناً يبدو لنا معقولاً، وإنما هو قانون أتانا من الوحي الإلهي الذي لا يكون أمامنا إلا أن نطيعه، سواءً أكان يبدو معقولاً أم غير معقول، منطقياً أم تعسفياً، عادلاً أم ظالماً، فمن الواجب إطاعته لمجرد كونه تعبيراً عن الإرادة الإلهية، لا لأننا نرى فيه وسيلة لتحقيق سعادتنا المباشرة، وبطبيعة الحال فنحن نفترض أنه لما كانت القوة التي تسهر على تنفيذ هذا القانون الإلهي هي ألوهية خيرة، فسوف يكون بذلك قانوناً خيراً يعبر عن حكمة عليا، ولكن لما كان خلاصنا يتوقف مباشرة على إطاعتنا لهذا القانون، فمن الواضح أن المطلوب منا هو أداء واجبات يحددها بغض النظر عن رأينا البشري في هذه الأوامر.

    ولقد ظل أداء المسيحي لواجبه يعد حتى يومنا هذا مسألة طاعة لا مسألة تبصر، وقد أحسن بعضهم التعبير عن هذه الفكرة إذ قال: إن سبب كون هذه الطاعة خيراً أو حتى سبب كونها لازمة هو أمر لا شأن لنا به وكل ما يهمنا بحق هو أنها لازمة. [425]

    3- أنها أخلاق نفعية انتهازية: يرى أولئك أيضاً أن الأخلاق المسيحية تقوم على مبدأ الثواب والعقاب في العالم الآخر، وتعد الجنة والنار حافزين لهما أهمية قصوى في السلوك الأخلاقي للمسيحي، وهناك حجة مشهورة على وجود الله تقول: 'لو لم يكن الله موجوداً لكان من الضروري ابتداعه، ونستطيع أن نتصور أنصار هذا الرأي وقد أعادوا صياغة هذه الحجة، بحيث تصبح لو لم تكن الجنة والنار موجودتين لكان من الضروري ابتداعهما، وذلك لضمان إقبال الناس على أداء واجباتهم المسيحية '
                  

02-03-2006, 08:49 AM

محمود الدقم
<aمحمود الدقم
تاريخ التسجيل: 03-19-2004
مجموع المشاركات: 8848

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بؤس الخطاب العلماني.. الدنمارك واخواتها انموذجا!! (Re: محمود الدقم)

    ***ويتلخص رد أولئك على هذا الرأي بأنه يجعل الأخلاق في أساسها مسألة انتهازية أو شطارة وأن الأخلاقية ليست إلا سياسة حكيمة، فلو أردنا اكتساب البركة الإلهية أو البقاء بمنأى عن المتاعب في هذا العالم وفي العالم الآخر معاً فعلينا إطاعة أوامر الأخلاق ولا سيما الأخلاق المسيحية ، ومع ذلك فإن هذا الموقف لا يقتصر على المسيحية الشعبية بل إنه على العكس من ذلك قد انتشر على نطاق واسع منذ كانت للناس آلهة يطيعونها أو يسترضونها أو يبتهلون إليها، فقد كانت الأذهان الساذجة تميل دائماً إلى أن تجعل من العبادة الدينية نظاماً للمقايضة يعد فيه العبد بعمل شيء للرب -أي: بطاعته والتضحية له أو مجرد الاعتراف به- ويتوقع في مقابل ذلك نعماً معينة من الرب. [426]

    تلك بعض الأسس التي ارتكز عليها أولئك في هجومهم على الأخلاق المسيحية ، وسنرى أن هذا الهجوم قد تبلور واتخذ صيغاً مغايرة أعمق نقداً وأقوى أثراً في النظريات التالية.

    ثالثاً: المدرسة الوضعية العقلية:

    (أ) أوجست كونت :

    شهد النصف الأول من القرن التاسع عشر اضطرابات اجتماعية وتقلبات فكرية منوعة، فقد سقطت أنظمة وأوضاع دامت قروناً متوالية. وانهارت قواعد ومبادئ كانت تسد حاجات المجتمع وتلبي رغباته في مجالات كثيرة، ولم يعقب هدم الماضي الذي أوغل فيه عصر التنوير بناء جديد للحاضر والمستقبل، وظهر لكثير من المفكرين حقيقة أن الهدم قد يتم بوسائل وأفكار خاطئة تماماً، إلى درجة أنها لا تستطيع أن تبني شيئاً جديداً.

    وكان الإنجاز الوحيد الذي استقطب الأذهان وبهر الأنظار هو التقدم العلمي في مجالات البحوث الطبيعية. إلا أنه مهما بلغ من العظمة لم يكن ليغطي القبائح والأمراض التي يعاني منها المجتمع الأوروبي المتناقض، والتي سببها تدهور وانحطاط القيم الاجتماعية بعد أن عجز الفلاسفة عن الإتيان ببديل لقيم الكنيسة الآخذة في الاضمحلال.

    وتساءل كثير من زعماء الفكر: أليس في إمكان العقل البشري بعد تحريره من نير الكنيسة البغيض أن يحقق النجاح الذي ظفر به في مجالات الطبيعة فيبتكر ديناً وضعياً يوازي العلم الوضعي الذي استطاع أن يحل محل علم الكنيسة الميتافيزيقي.؟

    وكان أبرز من أجاب على هذا السؤال عملياً، هو الفيلسوف الفرنسي أوجست كونت رائد المدرسة الوضعية في الفكر والحياة، والذي يمثل التيار الأهوج الذي انبعث لمواجهة طغيان الكنيسة وحماقاتها.

    ينطلق كونت في فلسفته الوضعية من زعمه أنه اكتشف القانون الأساسي للتقدم البشري، وهو قانون تتابع المراحل الثلاث:

    1- مرحلة الخرافة.

    2- مرحلة الدين.

    3- مرحلة العلم الوضعية، [427]

    ويرى كونت أنه لكي نتجنب أخطاء المرحلة الثانية لنصل إلى علمية المرحلة الثالثة، فإنه على الفكر أن يتجرد من الغيبيات والأوهام ويركز اهتمامه على فكرتي الواقع والنافع لا غير، وهذا هو أساس الوضعية.

    أما الواقع فشرط ضروري لقيام علماء الاجتماع مقام رجال الدين، وعلينا الآن أن نُعدِّل عمل رجال الدين معتمدين على الوقائع وحدها وعلى العقل وحده.

    والمنهج الذي يحقق ذلك في نظره هو (استخلاص العنصر الوضعي الإنساني الثابت من العناصر السلبية الهرمة التي تحتويها الأديان التقليدية، والتي اتخذت من ذلك العنصر الوضعي مطية لها، وبذلك يكتمل المذهب الوضعي ويتوجه على هذا النحو الدين الوضعي).

    والدين الوضعي يقوم على الانتقال من الواقع إلى النافع:

    يرى كونت أن تعاليم الأديان يمكن تلخيصها في معتقدين: الله والخلود، والدين الوضعي يعمد إلى اختيار المضمون الوضعي لهذين المعتقدين، فالمضمون الوضعي لفكرة الألوهية هو فكرة موجود كلي عظيم أزلي تتصل به نفوس العباد فيضفي عليها القدرة على قمع ميولهم الأنانية المتنافرة.... والمضمون الوضعي للخلود هو فكرة مشاركة أهل الحق والعدل... في جانب من الحياة الأزلية للموجود الإلهي ومن هذين المضمونين يستخلص كونت فكرة واحدة شاملة هي الإنسانية، فالإنسانية هي الفكرة الوضعية المتطورة لفكرتي الله والخلود اللتين كانت البشرية تدين بهما في المرحلة الثانية، ويعتقد كونت أن الإنسانية إذا فهمت على هذا النحو فإنها تكون هي نفسها الإله الذي ينشده الناس، أي الموجود الحق العظيم الأزلي يتصلون به اتصالاً مباشراً ويستمدون منه الوجود والحركة والحياة، وبذلك يصل بنا كونت إلى هدفه المراد وهو إلغاء العقائد الدينية الغيبية، وما يتصل بها من أخلاق ونظم اجتماعية، واعتبارها أفكاراً وأوهاماً غير واقعية ولا نافعة، وإنما تعبر عن الصورة غير المكتملة للإنسانية في مرحلة دنيا من مراحل تطورها.

    أما الأسلوب العلمي الحديث، فهو أن يعتنق الناس الدين الوضعي ويعبدوا الإله "غير المشخص": الإنسانية، وعليهم أن يستمدوا مثلهم وأخلاقهم وقوانين تنظيمهم الاجتماعي من ذخيرته وحدها، وعن هذه الذخيرة من القوى الخلقية المتجمعة على مر الأجيال في الموجود تفيض إلى القلوب الأفكار العظيمة والمشاعر النبيلة، فالإنسانية هي الموجود العظيم الذي يسمو بنا عن أنفسنا، ويضيف إلى ما عندنا من تعاطف قدراً فائضاً من القوى التي يحتاج ذلك الميل إليها لإخضاع ميول الأثرة، وفي الإنسانية يتحاب الناس ويتآخون، ثم في الإنسانية يستطيع الناس أن ينعموا حقاً بالخلود الذي يتطلعون إليه. [428]

    تلك هي أسس الوضعية التي أراد كونت أن يتحدى بها تعاليم الدين في العقيدة والسلوك، وقد كان يرى نفسه قادراً على وضع منهج للحياة بديل للمسيحية ، وهي حماقة مغرورة نتج عنها علم الاجتماع اللاديني الذي ما يزال بعض المفكرين يتردد في تسميته علماً. [429]

    ويمكن القول بأن آراء كونت وفلسفته لم تكن لتشتهر وتصل من التطبيق إلى الحد الذي بلغته، لولا تلميذه اليهودي دوركايم ، الذي طور المذهب ووضع له قواعد محددة، واهتم بالمشاكل العملية مضيفاً إلى ذلك حقداً أعمى وعداوة للدين مريرة.

    (ب) دور كايم :

    كان من حظ المدرسة الوضعية (وبالنظرة البعيدة من حسن حظ الهدامين التلموديين) وفي الوقت نفسه من سوء حظ الأخلاق الأوروبية أن انفجرت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر الثورة الفكرية الثالثة أو نظرية التطور.

    فالتفسير الآلي الميكانيكي لنشأة الحياة وتطورها عزز الآلية النيوتونية عن الكون غير العضوي، وأفسح المجال أمام الناقمين على الكنيسة لاستنتاج تفسيرات اجتماعية وسلوكية آلية كذلك.

    وهكذا أصبح من الواضح أن أثر الداروينية في العلوم الإنسانية لا يقل عنه في علوم الطبيعة والحياة، لا سيما الإيحاءان الخطران حيوانية الإنسان مع نفي الغاية من وجوده والتطور المطلق، فليس من مؤلف اجتماعي غربي لا يبرز فيه هذان الإيحاءان بجلاء.

    والواقع أن علم الاجتماع كان يعاني صعوبات جمة ويستهدف لانتقادات غير يسيرة، لم ينقذه منها إلا نظرية التطور التي أشيعت بطريقة مذهلة تثير علامات استفهام كثيرة!

    ويتحدث دور كايم نفسه عن هذه الصعوبات متفائلاً لعلم الاجتماع بنجاح يضاهي نجاح النظريات الطبيعية: 'ليس هناك علم إلا وواجه مقاومة من قبل العواطف الإنسانية التي كانت تمس الظواهر الطبيعية، وكانت هذه المقاومة لا تقل في عنفها عن المقاومة التي يلقاها علم الاجتماع في وقتنا الحاضر، وذلك لأن الظواهر الطبيعية كانت هي الأخرى ذات طابع ديني أو خلقي، أما وقد تحررت العلوم واحداً بعد آخر من سيطرة تلك الفكرة الشائعة، فإنه يحق لنا الاعتقاد أنها سوف تختفي في نهاية الأمر من علم الاجتماع أيضاً، أي: من آخر معاقلها، وبذلك تدع السبيل حراً أمام العلماء' [430] .
                  

02-03-2006, 08:50 AM

محمود الدقم
<aمحمود الدقم
تاريخ التسجيل: 03-19-2004
مجموع المشاركات: 8848

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بؤس الخطاب العلماني.. الدنمارك واخواتها انموذجا!! (Re: محمود الدقم)

    ويعلل دور كايم توقعاته بالمبررات التي يراها كافيه لفصل علم الاجتماع عن الدين، ومن ذلك اعتقاده أن المجال الاجتماعي مجال من مجالات الطبيعة لا يفرقه عنها إلا أنه أشد منها تعقيداً، ومعلوم أنه من المستحيل أن تختلف الطبيعة اختلافاً جذرياً عن أصلها من حالة إلى حالة فيما يتعلق بالأسس الكبرى [431] .

    أي أننا في المجال البشري نستطيع بمقدراتنا الذاتية أن نكتشف ما اكتشفه نيوتن في الطبيعة من قوانين ثابتة، أو ما اكتشفه داروين من حركة آلية متغيرة.

    ولا يفوت دور كايم أن يحدد طبيعة مذهبه كيلا يلتبس بالنظريات الأخرى، فهو يقول: 'إن الوصف الوحيد الذي نرتضيه لأنفسنا هو أن نوصف بأننا عقليون (لا ماديون ولا روحيون) وذلك لأن الهدف الرئيسي الذي نرمي إليه ما هو في الواقع إلا محاولة نريد بها مد نطاق المذهب العقلي حتى يشمل السلوك من الناحية التاريخية إلى بعض العلاقات السببية، وأنه من الممكن أيضاً تحويل هذه العلاقات بعملية عقلية إلى بعض القوانين التي يمكن تطبيقها عملياً في المستقبل، وليس مذهبنا الذي خلع عليه البعض اسم المذهب الوضعي سوى إحدى نتائج المذهب العقلي'

    ولو حاولنا أن نختصر مذهب دور كايم لوجدنا أن محوره ثلاثة أسس:

    1-عقل جمعي عشوائي خارج عن شعور الأفراد.

    2-هذا العقل يصدر أوامره على شكل ظاهرة اجتماعية تتقلب وتتغير بطريقة غير منطقية.

    3-هذه الظاهرة تقهر الأفراد وتخضعهم لسطوتها شعروا أو لم يشعروا.

    وتفصيل ذلك يبدأ من اعتبار الظواهر الاجتماعية أشياء موضوعية لها حقيقتها الخارجية: "إن طريقتنا طريقة موضوعية؛ ذلك لأنها تقوم بأسرها على أساس الفكرة القائلة بأن الظواهر الاجتماعية أشياء ويجب أن تعالج على أنها أشياء".

    "إذا سلم الناس بأن هذا المركب الفريد في جنسه الذي يتكون منه كل مجتمع يؤدي إلى وجود بعض الظواهر الجديدة التي تختلف في طبيعتها عن الظواهر النفسية التي تمر بشعور الأفراد كل منهم على حدة؛ فلابد من التسليم -أيضاً- بأن هذا النوع الجديد من الظواهر لا يوجد في المجتمع، ونعني بها أفراده وإنما يوجد في نفس المجتمع الذي أوجدها، وبناءً على ذلك فإن هذه الظواهر تكون خارجة عن شعور الأفراد حالة تفرقهم".

    "إن الظاهرة الاجتماعية هي كل ضرب من السلوك -ثابتاً كان أم غير ثابت- يمكن أن يباشر نوعاً من القهر الخارجي على الأفراد، أو هي كل سلوك يعم في المجتمع بأسره وكان ذا وجود خاص مستقل عن الصور التي يشكل بها في الحالات الفردية".

    وهذه الظواهر غير ثابتة وليس لها صور معينة تتشكل فيها:

    "إنه كلما أصبحت البيئة الاجتماعية أشد تعقداً وأسرع تطوراً أدت إلى تزعزع التقاليد والعقائد المتوارثة، التي تتشكل بصور غير محددة شديدة المرونة".

    كما أن العواطف المتعلقة بها ليس مصدرها الله أو الدين كما يتصور الناس: "لا تمتاز العواطف التي تتعلق بالظواهر الاجتماعية في شيء عن الظواهر الأخرى على مر العصور، وهي وليدة التجارب الإنسانية ولكن أي تجارب؟!

    إنها تجارب غامضة مهوشة، وليست هذه العواطف فيما أعلم وليدة فكرة علوية مثالية، وجدت من قبل أن يوجد هذا العالم الحسي، ولكنها نتيجة لألوان شتى من الخواطر والانفعالات التي تراكمت على غير نسق وعلى غير هدى، ودون أي تفسير منهجي سليم" . [432]

    ثم إن بيت القصيد في مذهب دور كايم هو تطبيق هذه الأسس الوهمية على الدين وما يتصل به من عقائد وأخلاق، ويتلخص هذا التطبيق في ثلاث قضايا:

    1- أن الدين ليس إلهياً لأن فكرة الألوهية - في نظره - ليست إلا تعبيراً عن البيئة الاجتماعية في مرحلة من مراحل تطورها، ويكون الإله فيها رمزاً للدرجة التي وصل إليها تطوره: 'إذا أردنا فهم الفكرة التي يكونها المجتمع عن نفسه وعن العالم الذي يحيط به، فلا بد لنا من دراسة طبيعة هذا المجتمع لا طبيعة أفراده، فإن الرموز التي يتخذها المجتمع شعاراً له يستعين بها على التفكير في ذاته تختلف باختلاف الحالات التي يوجد فيها، فإذا تصور المجتمع -مثلاً- أنه ينحدر من سلالة حيوان أسطوري واتخذ هذا الحيوان شعاراً له، فمعنى ذلك أنه يتألف من إحدى تلك الجماعات الخاصة التي نطلق عليها اسم العشيرة.

    أما إذا استعاض عن هذا الحيوان الأسطوري بجد إنساني أسطوري هو الآخر؛ فمعنى ذلك أن طبيعة العشيرة قد تغيرت، وإذا تخيل المجتمع وجود آلهة أخرى أسمى مقاماً من آلهته المحلية والعائلية، واعتقد أنها تسيطر على تلك الآلهة الأخيرة، فمعنى ذلك أن الطوائف المحلية التي يتكون منها هذا المجتمع قد أخذت تميل إلى التركيز وتتجه إلى تكوين وحدة اجتماعية، وأن درجة التركز التي يدل عليها وجود معبد يضم جميع الآلهة (Pantheon) تقابل درجة التركز التي وصل إليها المجتمع في ذلك الوقت نفسه.

    "وإذا لم يرتض المجتمع بعض ألوان السلوك، فإن السبب في ذلك يرجع إلى أنها تخدش بعض عواطفه الأساسية وتقوم هذه العواطف على أساس من طبيعة المجتمع كما أن عواطف الفرد ترجع إلى تركيبه الطبيعي وتكوينه العقلي".

    وإن الواجب الذي ينبغي القيام به في هذا الصدد هو أن نبحث عن طريقة تداعي التصورات الاجتماعية وتنافرها واتحادها واقترانها، وذلك بأن نقارن بين الديانات الأسطورية والقصص والتقاليد الشعبية' [433] .

    2- أن الدين -بناء على ما سبق- ظاهرة اجتماعية يفرضها العقل الجمعي بقدرته القاهرة على الأفراد في بعض البيئات والمراحل، دون أن يكون لهم حرية اختيار في ذلك، وهذا يعني أنه لو فرض عليهم - أحياناً - ألا يكون لهم دين مطلقاً لكانوا غير متدينين ولا يملكون إلا الانصياع لذلك: 'إني حين أؤدي واجبي كأخ أو زوج أو مواطن، أو حين أنجز العهود التي أبرمتها أقوم بأداء واجبات خارجية حددها العرف والقانون وعلى الرغم من أن هذه الواجبات لا تتعارض مع عواطفي الشخصية، وعلى الرغم من أنني أشعر بحقيقتها شعوراً داخلياً فإن هذه الحقيقة تظل خارجة عن شعوري بها، وذلك لأنني لست أنا الذي ألزمت نفسي بها ولكني تلقيتها عن طريق التربية، وكذلك الأمر فيما يمس العقائد والطقوس الدينية فإن المؤمن يجدها تامة التكوين منذ ولادته، وإنما كانت هذه العقائد أسبق في الوجود من الفرد الذي يدين بها للسبب الآتي: وهو أن لها وجوداً خارجياً بالنسبة إليه... ولا توجد هذه الضروب من السلوك والتفكير خارج شعور الأفراد فقط، بل إنها تمتاز أيضاً بقوة آمرة قاهرة هي السبب في أنها تستطيع أن تفرض نفسها على الفرد أراد ذلك أم لم يرد' [434] .

    3-ثم يصل دور كايم إلى نتيجة خطرة، وهي أن الدين ليس فطرياً ومثله الأخلاق والأسرة، وذلك رأي اقتبسه علماء الاجتماع التالون له وعمموه في أبحاثهم، دون أن يدرك هؤلاء أو بعضهم الدافع التلمودي الهدام لدى دور كايم لأن يقول به: 'إن الناس يفسرون عادة نشأة النظام الأسري بوجود العواطف التي يكنها الآباء للأبناء ويشعر بها الأبناء تجاه الآباء، كما يفسرون نشأة الزواج بالمزايا التي يحققها كل من الزوجين وفروعهما...، وليس الأمر على خلاف ذلك فيما يتعلق بالظواهر الخلقية، فإن الأخلاقيين يتخذون واجبات المرء نحو نفسه أساساً للأخلاق، وكذا الأمر فيما يتعلق بالدين، فإن الناس يرون أنه وليد الخواطر التي تثيرها القوى الطبيعية الكبرى أو بعض الشخصيات الفذة لدى الإنسان... إلخ ولكن ليس من الممكن تطبيق هذه الطريقة على الظواهر الاجتماعية اللهم إلا إذا أردنا تشويه طبيعتها' [435] .

    "ومن هذا القبيل أن بعض هؤلاء العلماء يقولون بوجود عاطفة دينية فطرية لدى الإنسان، وأن هذا الأخير مزود بحد أدني من الغيرة الجنسية والبر بالوالدين وصحبة الأبناء وغير ذلك من العواطف، وقد أراد بعضهم تفسير نشأة كل من الدين والزواج والأسرة على هذا النحو ولكن التاريخ [436] يوقفنا على أن هذه النزعات ليست فطرية في الإنسان، وعلى أنها قد لا توجد جملة في بعض الظروف الاجتماعية الخاصة، ولذا فهذه العواطف المثالية نتيجة للحياة الاجتماعية، وليس أساساً لها أضف إلى ذلك أنه لم يقم برهان قط على أن الميل للاجتماع كان غريزة وراثية وجدت لدى الجنس البشري منذ نشأته، وأنه من الطبيعي جداً أن ينظر إلى هذا الميل على أنه نتيجة للحياة الاجتماعية التي تشربت بها نفوسنا على مر العصور" [437] .

    هذا هو دور كايم ، وتلك هي دعاواه التلمودية مغلفة بغلاف العلم والبحث، ومع الأسف فمذهبه أكبر المذاهب الاجتماعية الغربية، ورغم كلاسيكيته لا يزال له أثر عظيم في الدراسات المعاصرة. [438]

    رابعاً: النظرة الشيوعية للمجتمع والأخلاق:

    سبق في فصل الاقتصاد من هذا الباب أن تحدثنا عن المذهب الشيوعي وموقفه من الدين من خلال التفسير المادي للتاريخ، وقد ألمحنا هنالك إلى موقفه من الأخلاق أيضاً، وذلك لأن الشيوعية -كما هو معلوم- تجعل الاقتصاد أساس كل شيء وغايته.


    http://www.alhawali.com/index.cfm?method=home.SubContent&ContentID=252
                  

02-05-2006, 10:07 AM

محمود الدقم
<aمحمود الدقم
تاريخ التسجيل: 03-19-2004
مجموع المشاركات: 8848

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بؤس الخطاب العلماني.. الدنمارك واخواتها انموذجا!! (Re: محمود الدقم)

    up
                  

02-06-2006, 02:52 AM

قرشـــو
<aقرشـــو
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 11385

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بؤس الخطاب العلماني.. الدنمارك واخواتها انموذجا!! (Re: محمود الدقم)



    الأستاذ محمود الدقم

    بحث جميل جدا سلط الضوء على خلفيات العلمانية منذ نشاتها واصبحت واضحة بالنسبة لنا ولكنى بصراحة لا اعلم اى نوع من العلمانية يقتدى ابناءنا والداعين لها للسودان الحديث ولكى تكون ديدن لنا ؟؟؟؟؟

    ترى اى مدرسة من تلك المدارس سلكوا ؟؟؟؟

    أم ان لهم مدرسة مخالفة لاولئك الاقدمون ؟؟؟؟

    لك تحياتى
                  

02-06-2006, 01:32 PM

Kamel mohamad
<aKamel mohamad
تاريخ التسجيل: 01-27-2005
مجموع المشاركات: 3181

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بؤس الخطاب العلماني.. الدنمارك واخواتها انموذجا!! (Re: قرشـــو)

    up
                  

02-07-2006, 06:28 AM

محمود الدقم
<aمحمود الدقم
تاريخ التسجيل: 03-19-2004
مجموع المشاركات: 8848

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بؤس الخطاب العلماني.. الدنمارك واخواتها انموذجا!! (Re: قرشـــو)

    الاخ الكريم قرشو:
    بارك الله فيك.. اما بخصوص علمانيي السودان/ فالحقيقة هم موجودين على مستوى النخب اما كقوى سياسية لها اسمها ونشاطها على الارض فاعتقد انهم يحتاجون (لدهورا) كثيرة ليفهموا الشارع السوداني ببرامجهم السياسية، وايضا العلمانيين السودانيين ما زالوا يعضون -بتشديد الضاد- على مقولة ان العلمانية هي فصل الدين عن السياسة وهي نظرية (بدائية) تعداها الغرب الى ما (بعد خطاب العلمانية الحداثاوية)، وعندما يصل العلمانيي السودانيين الى علمانية ما بعد الحداثاوية يكون الغرب قطع شوطا كبيرا جدا الى (علمانية ما بعد.. بعد الحداثاوية) الى نهاية المتوالية البائسة، اخ قرشوا لك الشكر مرة اخرى.
                  

02-07-2006, 06:36 AM

محمود الدقم
<aمحمود الدقم
تاريخ التسجيل: 03-19-2004
مجموع المشاركات: 8848

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بؤس الخطاب العلماني.. الدنمارك واخواتها انموذجا!! (Re: محمود الدقم)

    5-
    قلنا فيما قد سلف ان الخطاب العلماني (بنيويا) تحول تدريجيا من العلمانية الفاصلة للدين عن السياسة والاقتصاد الى العلمانية اللادينية التي شطبت الدين من الوجدان الفردي اولا/ ثم الجمعي ثانيا.

    بيد ان (العلمانية الشاملة) هي التي تتحكم الان في اسس ومفاصل الحياة بتجلياتها المختلفة اقتصاديا وسياسيا وثقافيا وفكريا... الخ.. ومن هنا نتج و(بعد احداث الحادي من ديسمبر) وقبله بالحقيقة تيارات علمانية من ذات السياق تتهجم على الدين الاسلامي تسفيها وتحقيرا له، تحت شعار (حرية الفكر والتعبير) حيث تعتبر تلك الاليات هي المقياس الحقيقي لها وليس (الاخلاق).

    هذه العلمانية اللا-دينية هي الاكثر انتشارا في العالم الغربي/ بينما الرفاق العرب و(السودانيين) ما زالوا عند مربعهم الاول، فصل الدين عن السياسة والاقتصاد، وكما ذكرنا من قبل ان الخطاب العلماني العربي بنيويا يعاني من فقر وانيميا حادة في تطوير نفسه/ فهو بدا مستلب الارادة، وتغريبي بشكل فاقع مما اوقعهم اي -علامنة العرب في مازق حقيقي قوامه من اين يبدأون؟؟- من العلمانية الليبرالية واقتصاديات السوق؟؟ او من العلمانية الاشتراكية اليسارية التي بدورها انقسمت الى (اليسار الاخضر) واليسار الاشتراكي القديم؟؟ ام من العلمانية المطبوخة اميركيا؟؟ والتي صنعت جلبي العراق وغيره من الجلبيين؟؟ http://saaid.net/mktarat/almani/50.htm


    في هذا الاطار حري بنا ان نستعرض بعض علامنة العالم العربي لكي نظهر مدى تورط الخطاب العلماني العربي وتارجحه بين (اللا-دينية) وعلمانية (فصل الدين عن السياسة والاقتصاد)، ثم بعد ذلك نتطرق الى الخطاب العلماني الشامل الذي شطب الدين والاخلاق من الكيان الانساني بالغرب.


    بخصوص بداوة الخطا ب العلماني العربي البائس سنستدعى من ذاكرة المشهد السياسي العربي اراء بعض هؤلاء فمثلا الدكتور مراد وهبة والدكتور احمد البغدادي والدكتور ياسر العظمة والدكتور وحيد عبدالمجيد مثالا ما زالوا متوقفين عند التعريف الكلاسيكي القديم للعلمانية فصل الدين عن السياسة عن الدولة وهي مفاهيم تجاوزها العقل الغربي الى العلمانية الشاملة، لمفهوم جديد اسس له محمد اركون والدكتور سيد القميء وفرج فودة علمانية (نقد النص الديني القران الكريم) واعتباره (اخلاقيا) غير صالح للعصر، اما ابرز علامنة العرب اللادينيين فهم الدكتور زكي نجيب محفوظ صاحب كتاب (خرافة الميتافزيقيا) الذي رصد فيه (علميا) كما يدعي ان لا غيب ولا رب والا اله في الكون، ونادى (بتحرير العقل) من الخرافات -المفاهيم الدينية التي اتى بها الرسول محمد صلى لله عليه وسلم- كما يدعى هذا الزكي نجيب محمود، وايضا من العلمانيين اللادنيين الشاعر ادونيس الذي ادعى ان النص الشعري الادبي لا تحده حدوده طالما ان الابداع الادبي يرسم في الافق تجلياته معتمدا على الابداع.. وغيرهم كثر..

    ما اريد قوله ان الخطاب العلماني العربي ايضا طالته موضة الهلوسة والتعدي على النص الديني كما اوردنا سلفا، وكل ذلك يتم بحجة تحرير العقل تحت حرية التعبير.
                  

02-07-2006, 07:48 AM

محمود الدقم
<aمحمود الدقم
تاريخ التسجيل: 03-19-2004
مجموع المشاركات: 8848

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بؤس الخطاب العلماني.. الدنمارك واخواتها انموذجا!! (Re: محمود الدقم)
                  

02-07-2006, 08:12 AM

قرشـــو
<aقرشـــو
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 11385

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بؤس الخطاب العلماني.. الدنمارك واخواتها انموذجا!! (Re: محمود الدقم)

    شكرا أخى محمود على الرد الضافى والاضافة الثرة كذلك بشان اولئك ...

    يقينى ان تلك العلمانية بشكلها الصحيح (الغربى) لن تجد مكانا فى السودان ولن تجد مناصرا وسيبقى اولئك فى ابراجهم العاجية دون قاعدة جماهيرية ودون سند شعبى اللهم الا اذا اعتبروا ان الشعب رجرجة ودهماء ولا يعرفون مصالحهم وساعتها يلجأون لاحد العسكر لينفذ لهم انقلاب بليل بهيم ويتناسوا مسالة الديمقراطية فى الوصول الى سدة الحكم وينفذوا علمانيتهم هذه ولكن بعد أن يبيدوا الشعب الذى لا يعى اهدافهم السامية كما يزعمون ...
                  

02-08-2006, 08:25 AM

قرشـــو
<aقرشـــو
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 11385

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بؤس الخطاب العلماني.. الدنمارك واخواتها انموذجا!! (Re: محمود الدقم)




                  

02-10-2006, 08:58 AM

محمود الدقم
<aمحمود الدقم
تاريخ التسجيل: 03-19-2004
مجموع المشاركات: 8848

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: بؤس الخطاب العلماني.. الدنمارك واخواتها انموذجا!! (Re: محمود الدقم)

    <يقينى ان تلك العلمانية بشكلها الصحيح (الغربى) لن تجد مكانا فى السودان ولن تجد مناصرا وسيبقى اولئك فى ابراجهم العاجية دون قاعدة جماهيرية ودون سند شعبى اللهم الا اذا اعتبروا ان الشعب رجرجة ودهماء ولا يعرفون مصالحهم وساعتها يلجأون لاحد العسكر لينفذ لهم انقلاب بليل بهيم ويتناسوا مسالة الديمقراطية فى الوصول الى سدة الحكم وينفذوا علمانيتهم هذه ولكن بعد أن يبيدوا الشعب الذى لا يعى اهدافهم السامية كما يزعمون ...>.

    *اخي قرشو.. سلمت يداك.. كفيت.. واوفيت..
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de