|
Re: ايهما تفضل : الاستعمار الانجليزي أم استعمار حزب المؤتمر الوطني ؟ (Re: SARA ISSA)
|
الأسـتاذة سـارة ... التحـايا والـود ... هـا أنـذا مـرة أخـرى أتـداخـل معـك ، متفقـا حينـا ومختلفـا حينـا آخـر ...
Quote: أنا أختلف مع من يظن أن السودان بالفعل تحرر من المستعمر الانجليزي في عام 1956 |
وهنا أنفق معك ، لأن إيماني القاطع أن السودان فعلا استطاع أن يحقق استقلاله السياسي ، وتبقى له الاستقلال الاجتماعي ، والاقتصادي ، ولقد عجزت القوى التقليدية التي كانت على كراسي السلطة في استيعاب مرحلة ما بعد الاستقلال السياسي ، فهذا الاستقلال كان لابد من تحصينه باتباع سياسات تنموية اقتصادية واجتماعية ، تنأى بالسودان المستقل من مراكز صراعات رأس المال الأجنبي ، وصراعات القوى الأجنبية الأخرى التي صاغت اقتصادنا بالنهج الذي يظل هذا الاقتصاد أسير حركة التطور الرأسمالي العالمي ، ومن ذاك الحين ظل الصراع السياسي الاجتماعي والاقتصادي والثقافي حقيقة موضوعية ، وله أفقه التاريخي الذي يتجه نحوه .. صراع بين الجماهير الواسعة التي تريد حرية وطنها وتقدمه انطلاقاً من تطور حركتها المستقل عن القوى المعادية للثورة الوطنية التقدمية ، وبين فئة اجتماعية محددة تريد احتكار السلطة لمصلحتها الطبقية الضيقة ولمصلحة أسيادها الإمبرياليين ، وهو ما طبع ساحة الصراع السياسي داخل السودان منذ أن نال استقلاله وحتى الآن . وهذه الفئة قد وجدت أن من مصالحها أن تدور بالسودان في هذا المحور ، الشئ الذي أفقد الاستقلال السياسي مضامينه الحقيقية...
Quote: اولا ان المستعمر الانجليزي رحل بارادته ولم تطرده مجموعات مسلحة بقوة السلاح كما حدث في الجزائر وفي العراق أيام ثورة العشرين أو في فرنسا أيام الجنرال ديجول . |
أمـا في هذه الفقرة فاسمحي لي أن أختلف معك لأن الشعب السوداني استطاع أن يقدم مجاهدات عظيمة ، منذ دخول المستعمر في 1898 وحتى خروجه في يناير 1956 ... فبعد كرري وأم دبيكرات العظيمتين ، والشكابة التي استشهد فيها أبناء الامام المهدي ، وبعد ذلك بدأت الثورات الوطنية تتفجر في وجه المستعمر البغيض ، ولكن للأسف الشديد نجد أنها لم يتم تخليدها بشكل سليم باعتبار أنها أمجاد أمة وبطولات شعب فنجد على سبيل المثال لا الحصر ثورة الدينكا 1901 – 1910م، ثورة النيام نيام 1903 – 1914م، ثورة النوير والانواك والبوير 1907 – 1912م، ثورة النوبيين 1903 – 1918م، التبوسا في عام 1926م، وثورة الامام ودحبوبة في 1908م . وهنالك نضالات ومجاهدات السلطان علي دينار في دارفور ، حيث استطاع أن يحتفظ باقليم دارفور حرا أبيا حتى العام 1916 . وكذلك يحدثنا التاريخ عن الحركات المنظمة كثورة 1924م، التي تحتفظ بقيادات وطنية ممتازة من الشمال ومن الجنوب. فكانت ثورة 1924م معلما بارزا في طريق الكفاح الوطني. وكان قادتها يدعون لقيام حزب سوداني يقود الكفاح ضد الاستعمار. كل ذلك وغيره كان يمثل تسلسلا طبيعيا في طريق النضال الوطني ضد الاستعمار ، حتى جاء مؤتمر الخريجين ، وبدأت عملية تكوين الأحزاب السودانية التي استطاعت أن تنجز هذا الاستقلال ...
Quote: ثانيا : أن ما نسميه الاستقلال لا يعدو عن كونه تبادل للكراسي بين المستعمر الانجليزي وبعض النخب من أبناء الشمال ، وكان في المسألة نوعا من الاستعجال والحرص علي كراسي السلطة ، ولذلك أهملت مسألة الجنوب وغرب السودان وتركت للمقادير والظروف |
وهنا أتفق معك ، وفي حديثي أعلاه ما يشرح ذلك ، حيث ذكرت لك أن السودان فعلا استطاع أن يحقق الاستقلال السياسي ، ولكن حكوماته فشلت في أن تستوعب مرحلة ما بعد هذا الاستقلال ... فالاستقلال الحقيقي لا يعني خروج جيش المستعمر ، فحسب بل خروج كل سياساته ، الاقتصادية والاجتماعية ، بالاضافة لنهجه التنموي ...الخ كما اتفق معك أن مسألة الجنوب قد أهملت ، وعجزت الحكومات الوطنية المتعاقبة في تنفيذ السياسات السليمة التي تؤدي لحل هذه المسألة ...
Quote: ثالثا : ان ما بناه المستعمر الانجليزي عجزت الحكومات الوطنية عن القيام بمثله ، بل أننا دمرنا بعضا من منجزاته . |
وهنا أختلف معك بتحفظ ، لأن كل ما بناه الاستعمار ، كان بنيانا ماديا لا يستهدف الانسان وقيمته ، فالاستعمار صحيح مد خطوط السسك الحديد ، ولكن لماذا ؟ خدمة لأهدافه العسكرية أولا ومن ثم لنقل القطن من مشروع الجزيرة ، وهذا الأخير أقيم ، لا بغرض تحقيق تنمية اقتصادية فعلية ، وإنما لتوفير القطن لمصانع لانكشير في بريطانيا ، وإلا لكان من باب أولى أن يقوم المستعمر بانشاء هذه المصانع في السودان ، بدلا من أن يبقي وطننا مصدرا للمادة الخام الرخيصة ، ومن ثم يجعلنا نستورد منتوجاته النهائية بأسعار خرافية .. وحتى في المجال التعليمي ، فلم يهتم المستعمر بالتعليم لإلا في الاطار الذي يسمح له بتأهيل (أفندية) محليين يديرون له دولاب العمل بالدولة ... أما عن تدميرنا لبعض ما بناه ، فاني اتفق معك ، فقد دمرنا مشروع الجزيرة لأننا لم نستطع أن نوجد له سياسة ادارية تنموية تصب في مصلحة تطوير الاقتصاد الوطني ، وظل المشروع يلعب في دوره الذي رسمه له المستعمر ، وهو توفير المادة الخام الأولية للمصانع العالمية ، وعجزنا أن نكامل ما بين الانتاج الزراعي والاقتصادي ، وحتى الرأسمالية الوطنية التي حاولت أن تستفيد من انتاج المشروع نجد أن الحكومات قد وضعت المتاريس أمامها ، فهل تصدقين أن مصانع النسيج السودانية تشتري القطن من الميناء وبأسعار السوق العالمي !!؟؟؟ أما السكة حديد ، فحدث ولا حرج ، فأنت تعلمين كيف استطاع نظام نميري من وضع اللبنات الأولى لتدميرها ، وبعد ذالك جاءت الانقاذ لتفنها وهي حية ..!!!
Quote: رابعا : أن حروب الداخل بين أبناء الوطن الواحد كلفت السودان موارد بشرية أكثر مما خسرناه في مواجهة الانجليز . |
من ناحية عددية حسابية لا استطيع أن أتفق أو أختلف معك ... أما من الناحية المعنوية ، فاني اتفق معك لأن مقتل سوداني واحد على يد سوداني آخر لهو أشد بشاعة وجرما من استشهاد الملايين في كرري وأم دبيكرات وثورة 1924 ، وكل الثورات الوطنية أعلاه ...
Quote: وما أود أن اصل اليه أن المستعمر الانجليزي قد رحل من السودان ولكنه ترك لنا مستعمرا أسوأ منه بكثير وهو الحكومات الوطنية المتعاقبة |
وهنا لا أتفق معك .. باعتبار أن الخلاف دائما يأخذ منحى موضوعي أساسي ، ومنحى ثانوي ، فخلافنا مع حكوماتنا الوطنية - أيا كانت سياساتها- فهو خلاف ثانوي ، لا يرقى لمستوى التضحية بحرية الوطن والأرض ، أما خلافنا مع الاستعمار فهو الخلاف الموضوعي ، والثابت الذي لا يقبل القسمة على أثنين ... يا عزيزتي إن طريقنا نحو الاستقلال الحقيقي طويلة وسوف يمر عليها افراد وأجيال ، وأحلامنا أصعب وأطماعنا أبعد... أجل قد يكون قاسياً هذا القدر الذي القى بالوطن والشعب في عصر الضعف والمذلة والتأخر والتفرقة، بدلا من ان يوجدنا في عصر أفضل ، نستند فيه الى دولة عزيزة منيعة، وشعب ناشط موحد الكلمة، وحضارة ساطعة الضياء. قد يكون القدر احيانا قاسيا ولكنه عادل ابدا، فهو لا يوزع البطولة الا بنسبة الصعوبة، ولا يورث المجد الا بقدر الجهد. ونحن لو استهدينا بالله فلن نكون في نظر القدر أقل بطولة من الذين جاهدون ليحرروا وطنهم من الاستعمار الاجنبي ، وخطر التجزئة ، وينشلوه من هوة الجهل والفقر ... فلنمجد ذكرى الاستقلال ، ولنعمل سويا من أجل بناء هذا الوطن موحدا من حلفا لنمولي ، ولن نمجدالاستقلال لننعزل عن بقية الشعوب، ونقيم سدا بيننا وبين الحضارة الانسانية. لسنا نصبو إلى الحرية لنعيش في الفوضى، او نرجع الى ظلام القرون الوسطى... اننا نطلب الاستقلال والحرية لانهما حق وعدل قبل كل شىء ولانهما وسيلة لاطلاق مواهبنا العالية وقوانا المبدعة، وكيما نحقق على هذه البقعة من الارض التي هي بلادنا غايتنا وغاية كل انسان، الانسانية الكاملة... مـع الـود والتقديـر...
|
|
|
|
|
|
|
|
|