العقلية المستقلة نحو معايير جديدة لواقع افضل

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-07-2024, 12:47 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف النصف الأول للعام 2006م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-12-2005, 09:02 AM

سامي صلاح محمد

تاريخ التسجيل: 11-29-2004
مجموع المشاركات: 1734

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: العقلية المستقلة نحو معايير جديدة لواقع افضل (Re: سامي صلاح محمد)


    إهداء:
    إلى د. حسن سعيد…
    و د. إيهاب طه:
    تبارينا في محاولة...
    للخروج عن ذاكرة الدولة...
    تبارت الدولة معنا ففازت...
    تبارك المولى !!!
    "منعم عمر"
    إضاءة (1):


    " ذات الكتابة تسعى نحو المعرفة ، لأنها منخرطة في التجربة و الممارسة ، و هي بذلك ذات مادية غير محايدة ، فاعلة في تحديد جهة التأريخ ، و لأنها أرضية لا علوية فهي تحترف الإنشقاق و النقصان ، تهدف الفكرة إلى بلورة رؤيا مغايرة للعالم تستمد من المواجهة و التأسيس ميزتها الرئيسية " .
    " محمد بنيس "
    إضاءة (2):


    "كن جريئاً في إعمال عقلك" هذا هو شعار التنوير. و من هذه الزاوية يقال عن العقل أنه عقل مستقل، و إستقلال العقل يعني أنه عقل ناقد، و هذا هو السبب في تعريف التنوير للفلسفة بأنها" العادة المنظمة للنقد".
    "إمانويل كانط"




    مفهوم العقلية المستقلة


    تأسيس:

    إذا كان مفهوم العقل الناقد عند كانط يكافيء مفهوم العقل المستقل ، فإننا لا نبتعد عنه كثيراً حين نعرف الإستقلالية على أنها : ( التفكير و العمل من موقع الحرية ) ، و الحرية المعنية هنا ليست الحياد ، فلا حياد في المواقف الآيديولوجية، و إنما تعني الإستقلال / فك الإرتباط العقائدي عن هذه المواقف نفسها، أي التعامل معها تعاملاً نقدياً ، بمعنى أن كل انساني ليس مقدساً و لا كاملاً ، و إنما هو ناقصٌ يصيبه القصور و يأتيه الباطل من بين يديه و من خلفه ، أي أن الأفكار الإنسانية هي أفكار نسبية (relative ) والنسبية كمبدأ تنفي إحتكار الحقيقة المطلقة (absolute ) النهائية ، وهذا ينطبق عليّ كما ينطبق عليك، و من ثمّ فلا قداسة في الرأي فهو لايشكل إجابة نهائية وهو محدود بسياقه الزماني و المكاني و إتساقه مع البيئة التي يستهدفها. و بالتالي فإن كل إجابة هي إجابة مشكوك فيها معرضة للنقد و التساؤل عن صحتها و جدواها، و من هنا فان النقد يجدد نفسه بصورة مستمرة باحثاً عن مكامن الخطأ و النقصان و النسيان و إحلال أخرى في مكانها تظل بدورها خاضعة للمعايير النقدية ذاتها، ونصل هنا الى نتيجتين رئييسيتين:
    1/ أن النقد بهذه الصفة هو أحد أدوات انتاج المعرفة و إعادة إنتاج المزيد منها.
    2/ أن الإستقلالية كدافع ذاتي خلاق تتشكل موضوعياً عبر ثلاثة أسس:النقد و الإبداع و نسبية المعرفة.
    " إذهب بعقلك إلى ما لا نهاية تجد الحقيقة " هذا هو شعار العقلية المستقلة ، فبما أننا إنسانيون فإننا لا نتوقع إجابة كاملة بصورة ما ، قد تكون إجابة ما هي المناسبة في زمان ما ومكان ما ، و لكن بما أن البني (structures ) الثقافية و الإجتماعية في حالة حراك دائم فان هذه الإجابة قد تصبح غير ملائمة بعد حين ، و لهذا كان لا بد أن تتجدد الأفكار دوماً. الإنسان ينشد الكمال و بما أنه إنسان فالكمال غير متحقق و لهذا فهو يسير في درب التفكير و التطور إلى ما لا نهاية لأنه لا كمال ، و لهذا فإن عبارات من شاكلة " نهاية التاريخ و الإنسان الخاتم "(The End of history and the last man ) أو " أن إجابة / نظرية / آيديولوجيا ما هي الحل" هي عبارات خاوية من المضمون لا تدل إلا على الدوغمائية ( Dogmatic ) و التحجر و الفراغ المعرفي ، فبما أن التكوينات الثقافية / الإجتماعية مستمرة في حراكها فلا نهاية للتاريخ لأن هذا الحراك يفرز و يولد معطيات جديدة دوماً و نحن بإحتياج دائم لتوليد و إكتشاف معادلاتنا لإيجاد التوازن حتى لايختل الواقع.


    النقد و الإبداع ( Criticism & creativity ):
    إذا كان أحدهم مريضاً فلكي نعالجه لا بد من تشخيص مرضه التشخيص السليم عبر الأدوات المناسبة للغرض و من ثم توصيف الدواء الشافي ، فالتعامل مع المريض وفق أعراضه فقط دون التحقق المخبري قد يودي بحياته، هذا التشخيص هو العملية النقدية التي تبحث عن مكامن العلة و أسبابها و إذا ما كانت لها أي مضاعفات أخرى أما توصيف العلاج فهو الإبداع!.
    تقوم العملية النقدية على التحليل والتفكيك و التركيب، فإذا كنت بصدد نقد خطاب محدد فان عملية النقد هنا تتطلب الكشف عن بني الخطاب و سلاسله المترابطة التي تشكله بغية تحليلها وفحصها. و عملية الكشف هنا تأخذ في حسبانها التعرية بمعناها الابيستمولوجي فهي تهتم بالكشف عن مواضع الخطأ والصواب والخلل و الاخفاق والفشل و النجاح أي أنها تعري مواضع القبح بنفس القدر الذي تهتم به بالكشف عن مواضع الجمال و التميز و التمايز،هذا الكشف ليس غاية نهائية في حد ذاته، بل هو وسيلة غايتها اكتشاف وسائل / آليات / أدوات أنجع بدل تلك القائمة الآن، إذن فالعملية هنا هي عملية مركبة تستوجب الإستبدال ، أي أن آلية / علاقة / أداة ما سمها ما شئت تقوم بدلا عن أخرى أثبت النقد عدم جدواها أو أن البديلة أفضل منها ، وهذه العملية الأخيرة (انشاء العلاقة الجديدة) هي ما نسميه بالابداع ، و هنا تتضح النقطة التي ذكرناها في المقدمة التي تفيدنا بأن النقد أداة لانتاج المعرفة و اعادة انتاجها، و بالتالي فان العقل النقدي الفاحص المتسائل هو عقل متطور و متجاوز/ غير ملقن/ غير محصور في أفق محدود، و هكذا فان العملية النقدية هي آلية للتقدم و التطور، فعندما أكشف عن خلل ما فانني أهتم بتصويبه وعندما أكشف عن موضع الجمال فانني لا أهنم به جمالا استاتيكيا / ساكنا و انما أهتم به فاعلا متطوراً في محيطه الآيكيولوجي المتأثر به و المؤثر فيه. فعندما أقوم بنقد خطاب / منهج / نظام التعليم بصورته الأحادية / التلقينية / الآيديولوجية فانني لا أقف هنا بل سوف أقترح خطابا ً/ منهجاً /نظاماً آخر يجعل من العملية التعليمية عملية تعددية / ابداعية / علمية مما يؤدي بطبيعة الحال الى تطوير التعليم، نقطة أخرى أنه يجب التفرقة هنا بين الابداع المعني هنا و الابداع الفني(لوحة، موسيقى ، رواية.. إلخ) فهذا الأخير هو عبارة عن رسالة من مرسل / مبدع / منتج للخطاب مرسَلٌ إلى مرسل اليه / جمهور/ متلقي للخطاب، هذه الرسالة المنقولة / الخطاب تواجه باحدى احتمالين : اما أن يتجاوب المتلقي معها ان كانت تعبر عنه، عن أحاسيسه و ذوقه و انفعالاته و اما أن ينفر منها ان كانت عملا سيئا / رديئا / لا تعبر عنه، و المحك هنا هو مقدرة هذه الرسالة / المنتج / الخطاب على التعبير عن المتلقي أي عكس إنفعالاته و أحاسيسه و بهذا يختلف هذين المسميين للابداع عن بعضهما البعض و لكن يظل كليهما خاضعا لمعايير النقد الموضوعي العلمي الفاحص و المحاكمة .
    تستلزم عملية النقد إنفصال الذات / المعايير الشخصية أو جميع العوامل الذاتية / النفسية / العاطفية ، و نعني بالعاطفة هنا جميع البني اللاواعية و التي تسيرنا وفق نحوٍ ما ، دونما ادراك منا، أو دون إرادة واعية تغاير هذه البني اللاواعية.
    إن تفكيك هذه البني اللاواعية يعني أن نقوم بانتاج / خلق وعي يحددها ، المحرك / الأداة هنا هي : العقل ، مجال حركته : السلوك و الانفعال و التفكير، دالة الحركة : الخطأ و الصواب بحيث نلغي الخطأ و نثبت الصواب، عملية النقد هنا تقوم بصورة متجددة بمراجعة هذه البني و تصويبها حين اكتشاف الأخطاء، حيث الخطأ هو ما يضر / ما يعيق / ما يهدم والتصويب يكون بماينفع / يطور / يبني ، المستهدف هو الوجود الاجتماعي في كافة تجلياته و تمظهراته و تشكلاته و شكلياته ومستوياته وشبكاته العلائقية المتقاطعة ، إذن هذه العملية النقدية التي تهدف الى توعية سلوكنا و تفكيرنا هي معنية في المقام الأول بإجراء حوار جدلي متواصل مع الذات يقوم على النقد و يفضي الى التصالح مع الوجود الاجتماعي ويهدف إلى تقدمه و يطور التجربة الانسانية بعامة من أجل واقعٍ أفضل . إذن ما نقوم به هنا هو تسليط الضوء على هذه المناطق الغير منارة بأشعة العقل بما فيها المناطق المختبئة فيه نفسه / في لا وعيه دونما إدراك لماهيتها أو بإدراك ولكن مع عدم رغبة و / أو عدم قدرة على التخلص منها .

    نسبية المعرفة:
    تقوم أفكار الحداثة و التنوير على مسلمات أساسية تُعنَى بنفي صفة القداسة عن كل ما هو إنساني ، فلا إنسان يمتلك الحقيقة المطلقة ، و لا أحد يمتلك إجابة نهائية بصورة ما ، فكل ما هو إنساني قابل للنقد و النقض ، ولا سلطان على العقل إلا العقل نفسه ، و بالتالي فإن الأفكار الإنسانية القائمة علىالمفاهيم النسبية متجددة دوماً ، تخلع عن نفسها كل خطأ و نقصان ليس بإنكاره و إنما بنقده و تصويبه، و هي بهذا تسير حثيثاً صوب الكمال الغير متحقق، و بناءاً على الفهم النسبي للحقيقة و الذي يمنع أحداً من إدعاء إمتلاك الحقيقة النهائية فإنه ليس من حق أحدٍ أن يفرض رأيه على غيره بالعنف أو الإرهاب أو التهديد ( مادياً أو معنوياً ) سواءاً كان هذا الرأي رأياً دينياً أو سياسياً أو فكرياً أو غيره من الآراء التي تتعارض فيها رؤية البشر، فليس لنا غير العقل ( و من ثم الحوار والإقناع و الإقتناع ) وسيلة ما لإمتلاك المعرفة أو تمليكها لغيرنا ، و كما أنّ لنا هذا الحق فللآخرين الحق أيضاً و بنفس القدر المساوي و المعادل لحقنا في إمتلاك المعرفة و تمليكها لا حجر على رأي أو لفكر أو لأحدٍ تحت أي مسوغ ٍ كان ، كما أنه لا تقديس لرأي أو لأحد كائناً من كان ما دام إنساناً ناقصاً نسبياً.
    هذه هي النسبية التي نعنيها : إنها الخروج من الإطار النصوصي الدوغمائي المتمحور حول ذاته إلى الآفاق الرحبة التي تحتفي بالنقد و الإبداع و بكل جديد من شأنه أن يطورها ، تتحرك نحو الإنسان نفسه بإعتباره بشراً ناقصاً يحتاج إلى غيره و ليس إلهاً أو نصف له الجميع في نقصان وهو في كمال ، ذلك أنه وفقاً لهذه النسبية نفسها فإنه ليس لأحد أن يدعي أنه صائب والآخرون مخطئون ، فلا ثابت إلا المتغير، و لا مطلق إلا النسبي ، و لا واحد إلا المتعدد ، فإدعاء إمتلاك الحقيقة المطلقة يأخذ جانباً واحداً هو ( نفي الآخر) بما أنه على خطأ مطلق، و من هنا يتجلى البعد الفلسفي و المعرفي و الفكري و الأخلاقي لنسبية المعرفة بإعتبارها تعني التنوع الخلاق و قبول الآخر والإحتفاء به ، و هنا يتبلور لنا الأساس المميز للعقلية لمستقلة وناتجها الموضوعي الفلسفة الإستقلالية / كعقلية نقدية لا تسلم بأفكار أو نظريات مصبوبة في قوالب جاهزة أو مشكلة قبلياً و إنما تُعمل عقلها و أدواتها في الواقع والذي تنخرط فيه بإستمرار، وتتجلى أفكارها الموضوعة دوماً تحت مجهر الفحص و النقد تتم قراءتها كمشكوك فيه وليس مسلماً بها بحالٍ من الأحول ، و هذه القراءة المتفحصة للواقع تحيلنا إلى أن تطبيق الأفكار التي تبدعها العقلية المستقلة لا يتم التعامل معه إلا من زاوية ملائمتها للتطبيق في أرض الواقع أي من ناحية جدواها أو عدم جدواها حتى لا تكون مصادمة للواقع و بالتالي تقع في فخ الأحادية و الإستبداد.
    وكما هو مذكورٌ أعلاه فالعقلية المستقلة هي ناتج التراكمات الزمانية ( رأسياً ) و المكانية ( أفقياً ) كماً و نوعاً للعقليات المستقلة و هي تساهم بنشاط في صوغ معادلة التطور الإنساني دونما إستلابٍ أو إنبهار، و هي لا تستمد ميزتها من قدرتها النقدية و الإبداعية فحسب بل و من قدرتها على المواجهة : مواجهة واقعها وأزماته التاريخية و محاولة إعادة المقلوب إلى وضعه، و القدرة على المواجهة تتجلى في إختراقاتها الجريئة للمسكوت عنه و تكريس مباديء الحرية والعدل و السلام وقيم الديمقراطية و العلمانية و حقوق الإنسان و مكافحة التمييز على أساس الدين أو الجنس أوالعرق أو اللون و التأسيس لنسيج إجتماعي متماسك وتفكيك البني الذهنية والثقافية و الإجتماعية التي تقوم على مفاهيم أحادية إقصائية إلغائية دوغمائية وإعادة صياغتها وفق نسق مبدع خلاق على نحو ما رأينا .

    الذاتية/ تحليل العقل الأحادي:

    يقوم الخطاب الذاتي في جوهره على ما هو متخيل على مستوى الذهن الانساني حتى و إن كان الواقع ينفيه أو يناقضه و ذلك لإرتباطه بالبني العاطفية اللاواعية و التي تدفع الإنسان لأن يفكر أو يسلك سلوكاً متعارضاً مع العدالة و الموضوعية، و لكنه يشبع غرائز حامله وإحتياجاته الذاتية حتى و إن كان ذلك على حساب الآخرين/ المختلفين بشكلٍ ما. و المتخيل الذهني المعني هنا ليس أحلام اليقظة أو أحلام بسطاء الناس و إنما هو ذلك القابع في أذهان النخبة التي درست النظريات الجميلة التي أنتجت في زمان آخر و مكان آخر. وكلمة آخر هذه لا يجب النظر إليها ببساطة لأنها تعني أن هذه النظريات التي وقعت في أسرها النخبة أنتجت في سياقات زمانية و مكانية أخرى و ظروف مفارقة للظروف التي نعايشها هنا ، و بالتالي فإن هذه النخب مسئولة تاريخياً عن تشويهها اللاواعي للواقع و تعقيد أزماته عبر تزييفها لحقيقته و حقيقة الصراع فيه و بالتالي استمراره و تفاقمه لأن من يجهل الداء فهو بالضرورة أجهل بالدواء مما يعني أن هذه النخب الفاشلة هي أحد أكبر أزمات الواقع في حد ذاتها عبر تطبيقها و تنظيرها الإستهلاكي و الإجتراري لنظريات مستوردة على واقع مفارق، وهذا ما جعلنا نصمها بالذاتية و الأحادية لأنها تعيش على مستوى المتخيل الذهني لا على صعيد الواقع بغض النظر عما إذا كانت ماركسية أو إسلاموسياسية أو قومية عربية أو غيرها من الجماعات التي تجتر النظريات الجميلة و الخلابة!! ، و هذا يشمل فيما يشمل تلك المجموعات التي تدعي التحديث و التنوير و لكن بذات النهج الإجتراري الإستهلاكي و التي تتحرك في قراءتها للتاريخ ( تاريخ الحداثويين الحقيقيين) قراءة خطية حتمية أي أن ما حدث هناك يجب أن يحدث هنا وفق ذات التسلسل دون أن تراعي شروط الإختلاف فوقعت بهذا في ذات الفخ حقيقي الذي نحذر منه . وعجزت بذلك عن إنتاج مشروع حداثوي حقيقي ، لهذا يأتي وصمنا لهذه الجماعات بالأحادية / الذاتية ، و يأتي تصنيفنا هذا من أن ما هو ذاتي بالضرورة يختلف عن ما هو موضوعي في أن الذاتي يعيش في مخيلة صاحبه فقط و لا يوجد في الواقع.
    يختلف مفهوم الآخرين/ المغايرين حسب طبيعة المشروع الذاتي/ الأحادي سواءاً كان فردياً أو جمعياً مترابطاً في شكل تكوينات ثقافية أو عرقية أو دينية أو إجتماعية أو سياسية...إلخ، هؤلاء الآخرين لا يكون لهم وجودٌ موازٍ في ذهنية المشاريع الأحادية إلا ككائنات أدنى متخلفة، لذا وجب إستيعابهم و إعادة إنتاجهم في داخل السياق الخاص للمشروع الأحادي، و إن لم يكن ذلك ممكناً فالأولى سحقهم لأنهم يعيقون المسير. يقودنا هذا إلى نقطة هامة تفيدنا بأن المشاريع الأحادية مشاريع إستغنائية تستغني عما عداها و تكتفي بنفسها منغلقة ومتمحورة حول ذاتها مغيبة للآخر الذي يشيع وجوده ( إن كان في جوٍ صحي ) يشيع على الأقل تفاعلاً و حواراً يؤدي إلى الإثراء و التطور و الغنى المتبادل، أما من ينغلق على نفسه فإنه سيموت عاجلاً أم آجلاً (لأنه ثابت في زمن المتغيرات)، و هذه الحالة الإستغنائية الإكتفائية الإنغلاقية هي مولود شرعيٌ جداً لأبوين غير شرعيين هما الأحادية من جهة والإستبداد من جهة أخرى ، الأحادية التي ترى في نفسها المالك الوحيد و النهائي لجميع الأجوبة، و الإستبداد الذي ينشيء نفسه على مفاهيم إقصاء الآخر و دونيته، و عدم الإعتراف به إلا من باب التعامل مع الدون و الأقل.
    الملاحظ أن هذه المشاريع الأحادية تعتمد التلقين بحيث نلاحظ إختفاء الفوارق الشخصية/ الفكرية/ السلوكية لدى (الأتباع / الرفاق / الزملاء) في المشاريع الأحادية و التي تمرر تحت دعاوي الإنسجام و التناغم و حكم المؤسسة، وما هذا الإدعاء إلا تبريراً للقهر الممارس على هؤلاء(الأتباع / الرفاق / الزملاء) و هذا القهر يتقولب نصاً و سلوكاً لينتج أفراداً ممسوخين معطلين عن التفكير و عن إستخدام ملكة النقد، ووممسوحي الذاكرة من كل ما قبل / ماغير/ ما يتعارض مع المشروع الأحادي، فلا مجال للتباين والإختلاف بينهم لأن الإجابات محددة سلفاً، ولأن العقل النقدي الفاحص لا يطور هذه المشاريع بل يفككها لإصطدامها بالواقع لذا فإستعمال النقد محظور على (الأتباع / الرفاق / الزملاء) قسراً و قهرا ً، فتراهم يتماهون مع الفكرة بإعتبارها الخلاص النهائي والحل السحري لجميع مشاكل الواقع ، فإذا وجد خطأ ما فهو في الواقع لا في الفكرة.
    وبما أن العقل الأحادي ينظر إلى نفسه من موقع الصواب المستمر و الدائم ، فهو يرى الآخرين في حالة خطأ مطلق ، و مع هذه الحالة من الثبات الدوغمائي ينزع العقل الأحادي نحو التطرف فبما أنه يرى في نفسه المالك الوحيد و النهائي لجميع الأجوبة الصحيحة فإن هذه الرؤية تحركه تجاه تغيير الواقع وفق رؤيته ، و التي قد تصطدم برفض الآخرين الذين يرون غير ما يرى (بعضهم على الأقل) و هنا ينزع نحو العنف لفرض رؤيته على الآخرين/ و الذين هم بحسبه يجهلون مصلحتهم الحقيقية و التي يمتلك سرها هو!،و لهذا فهو يريد أن يملكها لهم أو بالأصح أن يفرضها عليهم قسراً.
    و رغم إنتقال الفكر الإنساني بعامته من طور التجسيد إلى طور التجريد إلاأننا نرى أن أغلب هذه المشاريع تعتمد في كينونتها الفكرية و المؤسسية على كاريزما شخص معين ترى أن الفكرة تتجسد فيه أو هو ما تصبو إليه من خلاص يمشي على قدمين، هذا الشخص إصطفاه القدر إصطفاءاً من بين ملايين البشر لينقذ الجماعة ويقضي على أعدائها المتربصين بها ويقودها إلى تحقيق حلمها بالخلاص النهائي و إنفاذ مشروعها علىأرض الواقع، فهو الملهم الذي لا يخطيء أبداً يفكر نيابة عن منسوبيه(الأتباع / الرفاق / الزملاء) و يتخذ لهم القرار الذي يراه، و هم منساقين وراءه مستلبي العقول مذهولي الألباب ، حتى و إن كانوا يساقون إلى الذبح، يرقصون طرباً لا من شدة الألم، فالقائد الملهم لا يمكن أن يقودهم إلا إلى الخير و الخلاص فهو أدرى بمصلحتهم منهم ! و هو أبوهم الحريص عليهم أبداً!.
    تلخيصاً لهذا التحليل يمكننا أن نقول أن العقل الأحادي لا يعبر إلا عن ذاته و حامليه فقط فهو لا يمتلك شروط السريان و الشمول والواقعية التي تختص بما هو موضوعي و كلي،فما هو موضوعي يشترط فيه أن يعبر عن المجموع الذي يخاطبه و يتناوله أولاً، و ثانياً أن يكون رصيداً إنسانياً موجباً، وثالثاً أن يكون متصالحاً مع الواقع بأن يكون مرناً(غير مطلقٍ ولا ثابت) وإنما خاضعاً لمعايير النقد و شريعة التطور و الفحص و التساؤل والتحقق و التأكد.

    نتائج:

    تتوافق الذهنية السكونية الخاملة و المائلة إلى الركون و التقليد و إتباع ما هو سائد، و هي أميل إلى الخمول المعرفي و التفكير اللانقدي، تتوافق بكل هذه الخصائص و تتسق مع سياق إجتماعي و ذهني يحارب كل ما هو جديد بإعتباره بدعة و إنحلالاً و تفسخاً من القديم الموروث، أي أنها بطبعها تقبع في الماضي وتحارب التطور و الإبداع مما يؤدي إلى دمغ هذه العقلية بالتخلف لأنها قابعة في أبنيتها التقليدية تحارب كل محاولة للتفكيك أو الهدم بأسلحتها الذاتية التي تقيها شر هذه المحولات الدائبة.
    إن المخيال الجمعي لهذه التكوينات التي تعيش في عصور الظلام / عصور ما قبل التنوير و بالتالي نفي صفة الحداثة عنها لأنها (أي الحداثة) ناتج ما بعدالتنوير، هذا المخيال هو أبعد ما يكون عن نواتج الحضارات الإنسانية ما بعد الحداثوية و من ثم منجزات الإنسانية المعاصرة، هذا المخيال بحاجة لأن نضعه أمام منجزات الإنسانية و ذلك عبر خلخلة مفاهيمه و تفكيك و هدم أبنيته التقليدية، بإختراق المسكوت عنه و فضحه ، لأن هذا المسكوت عنه الواقع خارج دائرة المناقشة و المسائلة هو ما كرس لتخلفنا و إنقطاعنا عن ركب التطور الإنساني . إن إستهداف بنية وعي الإنسان المتزمت تجاه مشاريع التطور الإنساني ، هو الضامن لنسيج إجتماعي متماسك و دولة تحترم مواطنيها و يحترم مواطنيها بعضهم البعض، و يحترمون الآخرين دونما تعصب أو إزدراء ، يشاركون الإنسانية من موقع المشاركة الإيجابية الفاعلة وليس من موقع التخوف أو العداء. مما يتطلب كما أسلفت الهدم من أجل البناء : هدم المفاهيم و الذهنيات التي تنظر إلى الآخرين من موقع الإستبداد و الأحادية أو من موقع التشكك و التخوف و العداء وتحويلها بإعادة صياغتها(أي المفاهيم) بنيوياً بمعنى جعلها جزءاً لا يتجزأ من البنية / التركيبة النفسية والفكرية و القيمية و الأخلاقية، وليس بإعتبارها بنىً فوقية تزول بزوال المؤثر.ومن هنا فإن الحركة المستقلة كحركة فلسفية تعيد صياغة العقل / الإنسان / المجتمع على أسس إنسانية و رؤى تتطلع نحو المستقبل وهي بهذه الصفة حركة فكرية / سياسية / حركة تغيير إجتماعي بل هي مجمل هذه المركبات دون نفي أو إقصاء لإحداها أو حصرٍ في إحداها، تستهدف الإنسان السوداني في أي شبر من أرضنا هدفها الإرتقاء الإجتماعي و الإقتصادي و الفكري من أجل حياة كريمة للإنسان السوداني ، هذا الإنسان الذي عانى ما عانى من أزمات النسيج الإجتماعي المتفكك و البني العشائرية و القبلية و النخب الدوغمائية و الإنتهازية(ما عدا قلة تعد على الأصابع) و التي عجزت تماماً عن إدارة أزمات الدولة بل زادتها وفاقمتها، هذا الإنسان الذي عانى من الأنماط الإقتصادية الريعية=على مستوى الإقتصاد الجزئي و الخراجية = على مستوى الإقتصاد الكلي كما عانى من الفقر و الجهل و المرض و الحروب الأهلية التي أنهكته كما الوطن الجريح ، هذا الإنسان هو المستهدف في أي شبر من أرض الوطن ليعيش كريماً ينال حقوقه و يؤدي واجباته مهما كان دينه أو عرقه أو لونه السياسي أو جنسه(ذكر/ أنثى) أو ثقافته أو رأيه السياسي أو الفكري لا تمييز بين إنسان و آخر، هذا هو هم العقلية المستقلة : تأسيس معايير جديدة لواقع أفضل .
                  

العنوان الكاتب Date
العقلية المستقلة نحو معايير جديدة لواقع افضل سامي صلاح محمد02-12-05, 08:59 AM
  Re: العقلية المستقلة نحو معايير جديدة لواقع افضل سامي صلاح محمد02-12-05, 09:02 AM
  Re: العقلية المستقلة نحو معايير جديدة لواقع افضل نصار02-12-05, 09:19 AM
  Re: العقلية المستقلة نحو معايير جديدة لواقع افضل سامي صلاح محمد02-12-05, 09:35 AM
  Re: العقلية المستقلة نحو معايير جديدة لواقع افضل بشري الطيب02-12-05, 11:01 AM
    Re: العقلية المستقلة نحو معايير جديدة لواقع افضل سامي صلاح محمد02-13-05, 02:58 AM
  العقلية المستقلة نحو معايير جديدة لواقع افضل abumonzer02-12-05, 11:01 PM
    Re: العقلية المستقلة نحو معايير جديدة لواقع افضل سامي صلاح محمد02-13-05, 03:07 AM
  Re: العقلية المستقلة نحو معايير جديدة لواقع افضل saif khalil02-19-05, 01:35 PM
  Re: العقلية المستقلة نحو معايير جديدة لواقع افضل سامي صلاح محمد02-23-05, 00:55 AM
  Re: العقلية المستقلة نحو معايير جديدة لواقع افضل ahmed abdul daim02-26-05, 08:25 AM
  Re: العقلية المستقلة نحو معايير جديدة لواقع افضل سامي صلاح محمد02-26-05, 11:54 AM
    Re: العقلية المستقلة نحو معايير جديدة لواقع افضل الصادق اسماعيل02-26-05, 06:45 PM
  Re: العقلية المستقلة نحو معايير جديدة لواقع افضل بشري الطيب02-27-05, 00:55 AM
    Re: العقلية المستقلة نحو معايير جديدة لواقع افضل Abo Amna02-27-05, 08:23 AM
      Re: العقلية المستقلة نحو معايير جديدة لواقع افضل Elawad Eltayeb02-27-05, 08:58 AM
  Re: العقلية المستقلة نحو معايير جديدة لواقع افضل ahmed abdul daim02-27-05, 10:01 AM
    Re: العقلية المستقلة نحو معايير جديدة لواقع افضل ريهان الريح الشاذلي02-27-05, 11:03 AM
      Re: العقلية المستقلة نحو معايير جديدة لواقع افضل Elawad Eltayeb02-27-05, 11:44 AM
    Re: العقلية المستقلة نحو معايير جديدة لواقع افضل Nazar Yousif03-28-06, 04:54 PM
  Re: العقلية المستقلة نحو معايير جديدة لواقع افضل saif khalil02-28-05, 07:14 AM
    Re: العقلية المستقلة نحو معايير جديدة لواقع افضل الصادق اسماعيل02-28-05, 09:40 PM
  Re: العقلية المستقلة نحو معايير جديدة لواقع افضل سامي صلاح محمد03-05-05, 11:58 AM
    Re: العقلية المستقلة نحو معايير جديدة لواقع افضل ابوبكر الامين يوسف05-16-05, 02:07 AM
      Re: العقلية المستقلة نحو معايير جديدة لواقع افضل Nazar Yousif07-12-05, 11:48 AM
        Re: العقلية المستقلة نحو معايير جديدة لواقع افضل AMNA MUKHTAR03-28-06, 06:56 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de