مواصلة ١ ==== وبفضل هذا البوست وامثاله واليوتيوب، فقد أتيحت لي فرصة أن أنظر في بعض تسجيلات عن “لعبتي” المردوم والدرملي عند المسيرية وتسجيلات عن “لعبة” الكرنق ورقصات أخرى عند جيرانهم النوبة! وهنا فإن كلمة “لعبة” الدارجة شعبيا، مقصودة لمعناها ولتمامه، لأن الرقص وتلقائية الأداء وتجاوز الشكليات هي أجزاء أساسية من التعبير الفني كله كما الإيقاعات والتنغيم اللحني والموسيقى ولا بقوم بسواها. الفكرة شرحها كبر في حديثه عن “لعبة الكرنق” فقال: ’’قناعتي ويقيني أن رقصة الكرنك يجب أن تكون رقصة السودان الأولى.. هي رقصة تقوم على ثيمة الفضاء المفتوح.. يعني يمكن أدائها بأي طريقة كانت.. مصاحبة للغناء.. على انغام آلات وترية.. على ريتم إيقاعات.. أو حتى على إيقاع الصفقة ساكت.. وهي رقصة تقوم على الحوار الذي لا يخلو من كوميديا.. وتمنح الراقص مساحة كبيرة للتعبير بالجسد..!!‘‘.. حسنا، أنا لم أقتنع كما قناعته، أو ليس بعد، ولكنني أتبنى توصيفه العارف بها وكما شاهدته بنفسي فيها وفي المردوم والدرملي التي هي الرقصات مثال الآن رهن هذا الاستطراد..
طبعا فلن تفوت على المتابع هذه العلاقة القوية جدا بل قريبا من التماثل، بين رقصتي الكرنق والمردوم، أو على الأقل في بعض تنوعاتهما.. لكنك لو رخيت أضانك وتنصّت جيدا فستجد البديهي مثل أن الليريكس في الكرنق نوباوي وربما أحيانا عربي اللغة، والميلودي خماسي البعد بلا انقطاعات في الغناء عندما يقتحم الراقصون الحلبة وتحمى ضربات الأرجل على الأرض بين الفينة والأخرى.. أما في المردوم، وبدرجة أعلى وأوضح في الدرمّلي الأهدأ إيقاعا، فالليريكس عربية، والتنغيم سباعي أو قريب منه، وسينقطع غناء المردوم لتتصاعد حميا الإيقاع في الوقت حين تحمى ساحة الرقص بالراقصين، وثم يعاود المغنون غناءهم بعد خروج الراقصين، وهكذا تدور اللعبة.. هذه ملاحظات سريعة من متابع عجل غير خبير وقد تحتاج للتصحيح، ولكنها ليست ملاحظات عابرة فتعبر هكذا دونما ملاحظة في غاية الأهمية وقعت لي؛ أن الجيرة والتعايش الطويل جدا بين البقارة والنوبة، وحتى مع إختلاف اللغة والترميز الفني، قد أسهم في تقارب الوجدانات الفنية عند الجيران، لا أقول لدرجة التماثل، ولكن بما يزيد عن مجرد التشابه العرضي البسيط.. لقد استوعب الوجدان والتعبير الفني عند البقارة كثيرا من خصائص الموسيقى النوباوبة مع الاحتفاظ بخصيصة مدسوسة عميقا في اللغة التي يتحدثونها ويغنون بها ألا وهي خصيصة التنغيم السباعي.. ومع ذلك، فلو سمع البقاري إيقاعات الكرنق فهو سيحس كما النوباوي الذي يسمع نقارة المردوم مع احتمال كبير جدا أنهما لا يفهمان اللغة في الغناء.. هذا شاهد أول في أهمية حضور الموسيقى وأي تعبير فني آخر في المشهد فيكون كافيا أن يأثر على من يشهد ويسمع ويتاثر بهم..
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة