|
Re: الملك أفاديج .. (Re: كمال علي الزين)
|
(*)
1
بدأ القارب الصغير الإاقتراب من اليابسة , و الشمس قد بدأت مسيرتها اليومية و أرسلت أشعتها الذهبية المتوهجة لتضفي على رمال ساحل تلمسان على شاطئ البحر الأبيض المتوسط الشمالي من جهة إفريقية , كان القارب الصغير يحمل شيخاً طاعناً في السن و بناته السبع و وحيده الرضيع , و قد بدا الإعياء علي الجميع و نحلت أجسادهم من قلة الطعام و ندرة مياه الشرب , إلا إبنته الكبرى فاطمة , فقد كانت فاطمة بمثابة الأم لأخواتها الست و أخيها الرضيع الذي توفيت عنه أمه و هو أبن سبعة شهور , لتكفله أخته الكبرى فاطمة التي كان أبيها يكنيها بالصالحة , طوال رحلتهم من ساحل الأندلس حتى مساهم بشمال أفريقيا , كانت فاطمة الصالحة تسهر على خدمة أبيها و أخواتها و تعتني بأخيها الرضيع .رغم أنهم خرجوا من إشبيلية دون أن يأخذوا معهم سوى القليل من الزاد و الماء , إلا أن فاطمة الصالحة قد أحسنت تدبيره حتى وصولهم إلى الساحل الآخر .كان الشريف حمد الدناني في العقد السابع من العمر حين بدأ كل شيئ في الإنهيار , هناك في الأندلس , و ما أن أكمل عامه الواحد و السبعين حتى أضطر إلى أخذ بناته و ولده الرضيع و الإبحار جنوباً نحو ساحل إفريقية للنجاة بأرواحهم من مقتلة المسلمين و العرب التي تعرضوا لها بعد إنهيار مملكتهم بالأندلس , وجد نفسه هكذا فجأة , على متن قارب تتلاعب به الأمواج , صحبة بناته و طفله الرضيع , و خلفوا وراءهم قبر زوجته التي توفيت منذ أسابيع قليلة , ركبوا قارباً صغيراً طمعاً في النجاة بأرواحهم , فكانوا بمثابة من يهرب من الموت إلى المجهول .
(*)
تناول الشريف حمد الدناني بضعة دراهم ذهبية أندلسية من كف إبنته فاطمة , كانت قد إستطاعت أخذها مع ما أستطاعت أخذه من أواع و أغراض مختلفة تعينهم على المضي في رحلة هروبهم نحو المجهول , أخذ الدراهم و دسها بين طيات ثيابه و توجه نحو المدينة .تلمسان .. كانت مدينة صغيرة على ساحل شمال إفريقية , لا يتجاوز عدد سكانها بضعة مئات من البربر و قلة من العرب , رفع الشريف حمد الدناني رأسه عالياً نحو الأفق البعيد , فبدت المدينة كذرة على رمال الساحل البيضاء و تنفس عميقاً و هو يلمح مأذنة مسجد المدينة تلوح له من بعيد كرمح مغروز على رمل ربوة عالية , مضى نحوها و نفس تحدثه عن ما ينتظره هناك .دلف إلى شوارع المدينة , و تنقل بينها و هو يسأل المارة عن سوق المدينة , و أعين أهلها ترقبه في حذر , كعادة أهلها عند رؤيتهم غريباً أو عابر سبيل , قادته قدماه أخيراً نحو سوق المدينة , الذي كان لا يتجاوز بضعة دكاكين تم سقفها بسعف النخل و وضع من فوقه قطعة من قماش كأقمشة أشرعة السفن , بدت كلها مهترئة من تأثير الشمس و الرياح و المطر .منظر السوق , أخبره عن حال أهل المدينة , توجه إلى أحد دكاكين الحبوب و الغلال , و أخرج أحدى قطع العملات الذهبية من طيات ثيابه , و وضعها بين يدي البائع دون كلام .
(*)
تناول البائع قطع العملة و تفحصها في دهشة و ذهول , ثم تفرس في وجه الشيخ المسن الغريب , و وجه إليه سؤالاً بلغة غريبة لم يفهمها , و رد بكلمة واحدة : عربي .. أنا عربي ردد البائع خلفه جملته تلك و هو يشير إلى الشيخ و يضع سبابة يده اليمنى على صدرة : آرابي .. أرابي .. أومأ الشيخ برأسه دلالة على الإيجاب , و هنا صرخ البائع منادياً صبياً صغيراً : سوفيان .. سوفيان .. أرابي أرابي ..
سمع الشيخ صوت أقدام تتجه نحوهم من خلفه , و ألتفت وراءه ليجد شاباً في السابعة عشرة من عمره , حافي القدمين , عاري الصدر , يلف حول خصره إزاراً من قماش أبيض , لم يكد الفتى يقترب منهما حتى باغتهما قائلاً : السلام عليكم .. رد الشيخ بسرعة و قد بدت على وجهه علامات الإرتياح : و عليكم السلام .. سأله الفتى و هو يتفحصه من رأسه حتى أخمص قدميه : هل أنت عربي أيها الشيخ ؟ رد الشيخ و هو يمد يده لمصافحة الفتى : نعم يا بني .. أنا حمد الدناني من إشبيلية .. و قد وصلت إلى تلمسان هذا الصباح و أردت شراء بعض الطعام لعائلتي .. صافحه الفتى و هو يبتسم و قد لمعت عيناه : مرحباً بك .. حللت أهلاً و نزلت سهلاً .. أنا سفيان إبن أحمد من عرب تلمسان و والدتي من البربر ..
(*)
قام الشاب سفيان بن أحمد , بلعب دور المترجم بين الضيف العربي الأندلسي و البائع التلمساني البربري , و لم تمض لحظات حتى كان الشاب يحمل على كتفيه مؤونة عائلة الضيف و يسير خلفه إلى الساحل , حيث ينتظرون أباهم , و ظلا يتبادلان الحديث حتى بلغا مقصدهما و أنزل الشاب حمله من علي كتفيه و بدأ يساعد الضيف في جمع الأخشاب ليوقدا ناراً لطهي الطعام .
أقبلت أبنته فاطمة تساعدهما بعد أن وضعت أخيها الرضيع على حجر أختها آمنة , و بعد أن نحجوا في جمع الحطب اللازم لإشعال نيران الطهي , جلس الشاب سفيان و الشيخ المسن ليواصلا حديثهما , بينما أنشغلت فاطمة بتجهيز الطعام .
|
|
|
|
|
|