|
Re: الملك أفاديج .. (Re: كمال علي الزين)
|
(*)
1
كانت أمةً تخدم في بلاط الملك أفاديج .. (عجيبة )كانت إمرأة سوداء في العقد الرابع من العمر , طويلة القامة , ممشوقة القوام , مات عنها زوجها الذي كان مقاتلاً في صفوف جيش سوبا الذي يخوض حرباً طويلة ضروساً دفاعاً عن حدود مملكة سوبا الشرقية في مواجهة أطماع إمبراطور الحبشة (ماماندوج ) زوج عجيبة غير ديانته المسيحية و أعتنق الديانة الإسلامية طمعاً في الزواج من محبوبته عجيبة , فعجيبة كانت تنتمي إلى الأقلية المسلمة في بلاد السودان و التي كانت تعيش في مملكة الملك أفاديج دون أن تتعرض إلى مايتعرض إليه المسلمين من ظلم و اضطهاد في إمبراطورية الحبشة المجاورة , فقد كان الملك أفاديج يساوي بين مواطني دولته , حتى أن زعيم الأقلية المسلمة في مملكة سوبا القائد (عمارة دونقوس ) كان على رأس جيش المملكة الذي يدافع عنها في حروبها الطويلة ضد إمبراطورية الأحباش . أسمى نفسه عمر بعد زواجه من عجيبة إلى أن أسمه الحقيقي قبل إسلامه ظل يلاحقه كظله , فناداه الناس (عمر ماماندوج ) .
عجيبة بعد وفاة زوجها , تم ترفيعها تكريماً لإستشهاد زوجها دفاعاً عن عرش الملك أفاديج , أمر الملك أفاديج بتعيينها مربية خاصة لأبنتيه الوحيدتين الأميرة ( ناتاشا) و الأميرة (إستر ) بعد وفاة أمهما الملكة (أمنتورياس ) , عكفت عجيبة على تربيتهما و رعايتهما حتى كادت أن تحل محل أمهما الملكة الراحلة لولا تذكير الملك أفاديج لإبتيه كل فينة و أخرى , بأن عجيبة من طبقة العبيد و عليهما التعامل معها على هذا الأساس و إلا فسدت و تمردت , و كانت الأميرتان الصغيرتان تقبلان حديث أبيهما الملك على مضض , فهما يحبان مربيتهما عجيبة و يعاملانها معاملة الأم .
عاشت عجيبة قنوعة راضية في بلاط الملك أفاديج و تمتعت بحظوة الأميرتين و حبهما و عطفهما , و لم يكن أحداً ليتوقع أن تكون عجيبة سبباً في زوال ملكهما و ملك أبيهما .
كان كل شئ مستقراً في مملكة سوبا و في بلاط الملك أفاديج , كانت سوبا مدينة منظمة , تتميز بمعمارها الروماني , بنيت قصورها و بيوتها من حجر الجير ذو اللونين الأبيض و الرمادي , و رصفت شوارعها المنظمة بأحجار جبلية , و ظللت شوارعها أشجار السيال و الطلح و المانجو كنائسها ذات الطابع الروماني عمرت بالمصلين و مسجدها الوحيد الذي بناه الملك أفاديج إكراماً لقائده المسلم عمارة دونقوس كان تحفة معمارية قل نظيرها في ذلك الزمان , قيل أنه أستجلب لبناءه مهندساً أندلسياً فر من إشبيلية إلى مملكة تمبكتو و قابله الملك أفاديج هناك في إحدى زياراته لملك تمبكتو .
إزدهرت سوبا في عصر الملك أفاديج , و عجت المدينة بالمتاجر التي تبيع فاخر العطور و الثياب الشامية و السيوف و التوابل الهندية و كثرت الحانات التي تبيع النبيذ الفاخر و العرق البلدي و كان بها نزل كبير و مضيفة و حمامات على الطراز المراكشي و تعددت فيها الوجوه و السحنات و الألسن , هنود و مراكشيون و قبط و شوام و أغاريق و أحباش و عرب مسلمون .
كانت مملكة سوبا محمية بعدل أفاديج و جيشه المنظم و جنوده المخلصين و شعبه المحب , كان كل شيئ يمضي حسب ما خطط له الملك أفاديج في حماية ملك ورثه عن آباءه لقرون طويلة و مملكة غنية ينعم شعبها برقد العيش و نعمة الأمن و عدل الحكام حتى أطل على مملكة سوبا وافداً جديداً , كان يجوب شوارعها ليلاً كشبح ترسم ظلاله على جدران المدينة , صورة لعربي طويل القامة , معمم الرأس تكاد لحيته تغطي وجهه عدا أنفه و عينيه .. , عيناه اللتان كانتا تبرقان كما تبرق السماء قبل عاصفة رعدية مزلزلة .
يتبع ،،
|
|
|
|
|
|