ما باله حجب الإهداء عن مصطفى مدثر ومحمد أبو جودة!

Quote: خارج الدوام محمد عثمان إبراهيم مافي مِتْلَك قط في الأماكن 2-3 ثم إن هذا المقال محجوب الإهداء عن مهند أبو عودة (وهذا ليس اسمه) عسى أن يجد في هذا الحجب حافزاً يحمله على المزيد من الدوار حول وسطه . مرة بعد أخرى . راجفاً باسمي الشريف، وزاعقاً في بريد اصدقائي متوسلا (ومتسولا) . كالعهد به . ومحتقباً مقالاتي ما بين المنبر والمنتدى حتى ينفذ رصيده من الكهرباء أو الإنترنت أو تخذله ساعات اليوم إذ لا تكفي ما يضخه من جحود! . وعن صاحب الحشرات (المتدثر) في غيبوبته المستعصية على الإفاقة. قم! ها قد توجناك ملكاً (مصطفى) للكتابة الرديئة باللغتين! وجعلناك فينا كما اشتهيت أبدا . مهرجاً فاشلا، وسانتا كلوز مجبراً على التنكر (نعم قلت التنكر) بأنف أحمر وشعر مستعار وطاقية كيفما اتفق عسى أن يبتسم في حضرتك النقاد الأطفال، والكتاب الأطفال، والصحافيون الأطفال وأنت تحاول إجلاسهم على حجرك عند التقاط الصور! إليكما معاً هذا الدفع عسى أن يجمع هذا الحجب بينكما برباط الصداقة فإن المصائب يجمعن المصابينا. وبعد لست سعيداً بتداعيات أحد مقاطع الجزء الأول من مقالي هذا، وهو المقطع الذي خصصته للحديث عن مستوى النظافة في عاصمتنا القومية. لا أنكر أنني شعرت بالفخر إذ تحقق يقيني بأن الكتابة وجه شديد البسالة والفاعلية في ساحة العمل العام، وشعرت بفخر مضاعف كون أن الله قد جعل في بعض مساهماتي باباً مفتاحا للخير ومغلاق للشر . شعرت أيضاً بقليل من الرعب كون أن الصحافة في بلادي لها هذا النفوذ وهذا التأثير رغم المناخ غير المواتي ورغم العراقيل ورغم تدني الجودة وضعف الرغبة في التجويد . مصدر عدم سعادتي دافعه الخوف من مسئولية الكتابة ذاتها بالنسبة لي والخوف على مهنة الكتابة الصحفية من الإستغلال. أنا ممتن كثيراً للأصدقاء في مركز طيبة برس بقيادة الصديقين العزيزين الأستاذين محمد لطيف، وفيصل محمد صالح إذ قاما باستضافتي في المركز العامر فيما اتفقنا على تسميته بـ(الجلسة الحوارية)، وقد أثرت الحديث عن الصحافة السودانية من خلال تجربتي فيها، وتجربتي في العمل الصحفي في المهجر. أدار الحوار الأستاذ فيصل وهو صحفي مميز وغني عن التعريف لكنه بعيداً عن هذا فقد ظل على ابتعاد التلاقي بيننا، وعلى ابتعاد مواقفنا ونظرتنا للأشياء، صديقاً مميزاً وفريداً ولعب أدوار مختلفة في مساري مع الكتابة الصحفية، فقد نشر لي بضع مقالات متفرقة في صحيفة الخرطوم التي كانت تصدر في القاهرة، وكان هو أحد أعمدتها الكبار، ثم إنه كان لصيقاً بتجربتنا (الثورية) في التجمع الوطني الديمقراطي في شرق السودان. حين قدمني الصديق العزيز مصطفى البطل للأستاذ عادل الباز ونشر مقالي الأول، قرر الباز في واحدة من مغامراته المتصلة أن يطلب استمراري في الكتابة متعاقداً مع صحيفته بمكافأة ضخمة لكاتب مبتدئ، ثم وضع اسمي وصورتي في كشاف الصفحة الأولى، وهو يغامر باسم جديد في سوق نشاطها الأوحد هو التنافس وإحدى صيغ ممارسة هذا التنافس هي التباهي باسماء الكتاب الراسخين. في تلك التجربة كان المجتمع الصحفي يتعرف للمرة الأولى على اسمي، وتكفل الصديق فيصل بإعادة ضبط سيرتي بين الأصدقاء مادحاً وداعماً. ربما جمعت بيننا مودة البحر الأحمر وبورتسودان دون أن ندري ولكن فيصل دائماً هكذا يحتفي بالأصدقاء والخصوم دون أن يمذق موقفاً واحداً من مواقفه بالماء. الباز مغامر كبير، ذات مرة كان يجلس في مكتبه بصحيفة (سنابل) الأسبوعية ذات المزاج الأدبي في أوائل التسعينات، فدخل عليه شاب حيي كان طالبا يدرس اللغة الفرنسية بالجامعة وفي يده مظروف به قصة قصيرة للنشر. تسلم عادل المظروف وشكر الكاتب المبتدئ ثم انشغل ببعض أمره حتى فتح المظروف وقرأ الفقرة الأولى ثم صرخ لبعض مساعديه: اسمعوا الشاب الجاني أسه ده قاعد؟ -لا والله يا أستاذ طلع لالا لا حصله بسرعة بالله .. خليه يجيني راجع. من آخر الشارع يؤتى بأمير صديق، الصحفي المرموق حالياً بقناة الجزيرة ومنتج برنامج (ما وراء الخبر) الذائع الصيت. الشاب يقف في حيرة أمام الباز والباز يسأل: اسمع انت شغال أسه؟. .لا يا أستاذ، أنا ما شغال. طيب إيه رأيك تشتغل معانا وأنا حأديك ماهية ............ جنيها؟ . كويس .. متين أجي للشغل؟ من الليلة.. يا فلان بالله أسمع جيبو ليه تربيزة وخلوه يقعد مع فلان في المكتب. انتهت تلك القصة هنا لكن لا عادل توقف عن المبادرات والإبداع ولا أمير توقف عن إبهار من يلتقيهم. حين تحدثت عن تجربتي الصحفية، قلت إنه لم يكن بوسعي الحصول على هذا القدر من التوفيق، والحمد لله، لو لم يهيء لي الله صحفيين مغامرين مثل عادل الباز وأصدقاء مشجعين مثل مصطفى البطل وضياء الدين بلال. في حديثي عن الصحافة السودانية اختلفت مع عدد كبير من الأساتذة الكرام الذين كانوا حضورا حين قلت أن صحافتنا مميزة وناضجة وقوية وذات تأثير، وأنها باستثناء الصحافة المصرية تعتبر الأولى من حيث الخلق والإبداع والتأثير في محيطها العربي والأفريقي. لست بحاجة لإعادة ما قلت بأن الصحافة في كل المحيط الذي حولنا تنام في بيت الحاكم، ثم تأتي في الصباح إلى مكتبها دون أن تضع مسحوقاً واحداً على وجهها. أما صحافتنا فقد ظلت، في علاقتها مع السلطة، تعيد باستمرار لعب دور توماس مور مع هنري الثامن! كلما دفع المؤتمر الوطني بأحد كوادره أو مموليه لإصدار صحيفة موالية خالفته الصحيفة وصارت أكثر وفاء لتقاليد المهنة. عجز الحزب الحاكم رغم جهوده الكبيرة عن إصدار صحافة مدجنة شبيهة بالصحف العربية من المحيط إلى الخليج. الحزب الحاكم أصدر صحيفة كاملة مملوكة له بالكامل فخالفه محرروها حتى بلغ بأحدهم أن اختار المنفى معارضا. من يقل بأن الصحافة السودانية ليست لها تقاليد، لا يقرأ الصحف كما نقرأها. الصحافة السودانية لها تقاليد لامثيل لها في الوفاء للمهنة ولعل هذا أوردها في موارد الشطط فصارت تمثل في بعض الأحيان دور البديل لكل السلطات! يجلس الصحفي في بيته ثم يشرّع في القانون، والدبلوماسية، والصحة، والبيئة، والأمن والدفاع، وإذا أخطأ مسئول وسأله رأيه عن أي شيء فإنه حاضر في التو واللحظة بالإستراتيجيات، والتاكتيكات، والخطط. الصحفي ليس منوط به أن يكون بديلاً للمؤسسات، والصحافة - بكل بساطة - ينحصر دورها فقط في الإعلام والتبصير والتنوير، أما تثبيت الحكومات واسقاط الأنظمة فهذه مهمة مختلفة. في طيبة برس كنت سعيداً للغاية مع تلك المجموعة الأبهى من الأساتذة والخبراء والزملاء البارعين. تلك جماعة معينها لا ينضب وبرفقتها يزداد المرء دائماً. على نحو خاص سعدت بلقاء أصدقاء جدد كثيرون لم تهيئ لنا الظروف لقاء فيما سبق رغم التواصل الإلكتروني والهاتفي وعبر الأصدقاء. سعدت بلقاء الصديق موسى حامد، والأستاذ عبد الرحمن الأمين صاحب اللغة الأجزل الأنصع بين جميع من يكتبون بالعربية في صحفنا الآن، والأستاذ عبد الماجد عبد الحميد رئيس التحرير والوزير والكاتب المجيد. سعدت بلقاء الأديب والكاتب الأستاذ حسن البطري بعد طول اشتياق، وسعدت بلقاء الأستاذ عبدالعظيم عوض الصحافي والدبلوماسي والإذاعي ولم يكف الوقت لأن (أتسامر) معه حول بحث الماجستير الأخير الذي أنجزه عن التغطية الإعلامية السودانية لأزمة هجليج. لقد ضاعت علي فرصة كبيرة للمعرفة لكن (الجايات أكتر من الرايحات) إن شاء الله، وكم كنت آمل لو اهتمت المؤسسات الصحفية والتدريبية ومراكز التفكير بإقامة جلسات الحوارات والمناقضات حول مثل هذه الدراسات. سعدت أيضاً بلقاء الأستاذ شوقي عبدالعظيم، والزميل القديم من أيام الأحداث عبدالمنعم أبو إدريس وجميع حضور ذلك اللقاء الذي كان مقرراً له حوالي الساعة فامتد لما يقارب الثلاث ساعات حتى خشينا أن نتأخر على وليمة الأستاذ محمد محمد خير ومن فاته كرم أبي الزبير فقد فاته برّ كثيرٌ. في بيت أبي الزبير، كانت الوجوه مختلفة والحديث متصل. هناك كان أصدقاء محمد خير لثلاثة عقود أو يزيد وأصدقاءه الجدد والكل كان يشعر بأنهم أصدقاء منذ ألف عام. من جانب الحكومة كان هناك الوزير ياسر يوسف، والقيادي الشاب وأحد مشغلي ماكينة الحزب الحاكم الإعلامية الكبار قبيس أحمد المصطفى، ومن الصحافة أركانها الكبار ضياء الدين بلال، ومحمد عبدالقادر، وفيصل محمد صالح، ومن الصحافة الإلكترونية صديقنا وزميلنا في السوداني حسين ملاسي، المدون الأكثر براعة والسوداني الأذكى حضوراً على شبكة الإنترنت، ومن قادة المجتمع الأكثر استقلالاً مولانا د.محمد أحمد طاهر العضو بالمحكمة الدستورية ومولانا د. عادل عبد الغني المحامي المعروف والذي أعاد نجومية المجتمع إلى المهنيين بعد أن كاد أن يستولي عليها كتاب الأعمدة ورجال الإعلام وقادة المليشيات ورجال الأعمال الجدد. من يعرف محمد محمد خير عن قرب يدرك براح صدره الذي يستوعب الإخوان، والشيوعيين، والمستقلين، ورجال القانون والذين يعيشون على الضفة الأخرى من القانون من المتمردين على كل شيء. فوجئت بصداقته لصديقي د. محمد أحمد طاهر فقد ظللت على صداقة متصلة بمولانا لبضع سنوات دون أن نلتقي وجهاً لوجه. في البداية كانت الكتابة ومحبة الأدب بيننا ثم اكتشفنا في مرحلة لاحقة صلة الدم والهدندوة إذ علمت أنه ينتمي الى أهلنا الويلألياب نظار القبيلة وحكامها. ما بين الدم ومحبة الشعر دخل بيننا كل شيء العائلة والأصدقاء المشتركين والأسرار البريئة والحكايات. قلت له تعرف محمد خير فقال لي صديقي منذ 30 عاماً نفترق ونلتقي، ونتفق ونختلف لكننا نظل أوفياء لصداقتنا ومحبتنا للأدب. لقد خبأت مهنة القضاء عن معارف محمد أحمد مواهبه العظيمة الأخرى لكنها بقيت حفية به إذ منحته هذا السمت الأميري الوقور. للمرة الأولى التقيت بعادل عبد الغني المحامي رقم أني تحدثت إليه مرة عبر الهاتف بواسطة محمد خير لكني اكتشفت كيف يحصل العلماء على التواضع. د. عادل محصلة لا تنضب من المعرفة بالقانون والمجتمع ومستودع كبير من مستودعات الحكمة في هذا البلد. التقينا بضع مرات وحصلت على معرفة لا تقدر بالأنس معه. فجعت الأسبوع الماضي حين علمت بالوفاة الفاجعة لكنته الراحلة زوجة ابنه مازن وهي تضع طفلتها الأولى. اللهم الهم عادلاً وابنه الصبر وحسن العزاء وعوض الراحلة عن شبابها الغض بالجنة. اللهم اجعل ما ذهبت أليه أفضل مما مما كانت عليه وأبدلها حالاً أعز وأفضل من حالها وأهلاً أبر بها وأحب اليها. اللهم هذه مشيئتك وهذا قضاؤك فألطف بها بآل عبد الغني وبنا جميعاً .. آمين. Xxx قبيس أسماه أهله بصيغة التصغير تمليحاً وهو قبس كامل. سعدت بأنه من بورتسودان جاءها طفلاً وغادرها شاباً مكتمل التكوين والنشأة ومحملاً بالذكريات. التقينا لأول مرة ثم صرنا على الفور إلى نقاش وسمر كأننا نعرف بعضنا منذ زمن. أنا حذر في تعاملي مع المشتغلين (Operatives) في الحركة الإسلامية. أعرف عنهم المزاج العكر والتصرفات التي لا يمكن التنبؤ بها والإحساس الزائف بالسمو. قبيس والوزير ياسر يدمران هذه الفكرة تماماً . قلت لأصدقائي ممن أعابوا علي التواصل مع رموز الحزب الحاكم في وقت لم أحرق فيه مركباً واحداً مع خصومهم، أنني ليست لدي مراكب مع أحد. لست سياسياً ولست راغباً في السياسة، وهي مشاع لكل من يفتقر الى خيارات أخرى. وقلت حين يبلغ الفرد الرشد، تكون له سعة بحيث يتقبل الأصدقاء كما هم، لا كما يشتهي أن يكونون. الحزب الحاكم اليوم ليس هو قبل عشرين عاما. مضى عهد حراس الفكرة الأشداء المباهين الغلاظ ،وجاء عهد حراسها السودانيون العاديون البسطاء الذين يضحكون للقفشات، ويهشون في وجوه النساء، ويعانقون الخصوم في أريحية دون أن يغفلوا كتابات سيد قطب، والشغف بالسلطة والثروة. لم يعد هناك ابراهيم السنوسي وعلي الحاج وأحمد إبراهيم الطاهر وأبراهيم أحمد عمر. سعدت بالأنس مع صديقي العزيز محمد الواثق أبوزيد الإعلامي العارف والقارئ والكاتب الذي لا ينقطع عن كيف يكون الشخص ملتزماً لفكرة ومنفتحاً على الآخرين. xxx إذن نعود الى الجدل الذي أثاره مقطع المقال الأخير عن مستوى النظافة في الخرطوم. أنا ممتن بالطبع لمن كتب ناقداً لما كتبت أو مادحا فقد شكلت تلك الكتلة من الكتابات جماعة ضغط وأوصلت رأياً عاماً لأهل السلطة بأن هناك من يتوق الى وضع أفضل لعاصمة يريد أن يباهي بها العالم، وهي تملك الطاقة الكامنة لأن تكون في مصاف العواصم الراقية. بالنسبة لي شخصياً أشعر بمسئولية مضاعفة، وقد وضعت ذلك المقال مع مجموعة سابقة من المقالات كان لها صداها المباشر مثل مقالات (ماء النار على صفحة الورد) و(اعتداءات الولاة والسلاطين على أفراد الشعب المسكين) و(نظرة يا د. نافع) وغيرها.