فراشات سيسيليا الحزينة!

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-30-2024, 06:30 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثانى للعام 2014م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
11-25-2014, 08:57 PM

ibrahim kojan
<aibrahim kojan
تاريخ التسجيل: 03-29-2007
مجموع المشاركات: 1457

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: فراشات سيسيليا الحزينة! (Re: محمد الجزولي)

    عادت القرية إلي هدوئها، وتكوّرت بجانب البحر كطفلٍ ينعم داخل رحم أمّه ، شوارعها التي تضج بأنين قيثارات الفلامنكو، هدأت، عيون فتياتها المكحلات بالأحمر القاني المنسرب من نبيذها المعتّق، أصبحت أقل لمعاناً، شورعها التي تددلل بتهادي سيسيليا عليها أيام الاَحاد، صارت باهتة، نسائها العجائز اللاتي يهمسن وينمنمنَ كُلّما سقطت أعينهن علي سيسليا خمد صوتهن وأصبح هواءً خاوٍ بلا صوتٍ مسموع، أمّا الأم تيريزا فقد عادت إلي رتابة أيامها وإلي الكنيسة تمارس صلواتها بحزنٍ متنامي علي وجهها، تزرع شوارع القرية بهدوءٍ عجيب تمشطها شارعاً شارع من قمل رتابتها! تحسب الأيام والسنين وتجرر علي حيطانها القديمه خطوطاً تعدُّ بها ما تبقي لها من عمر، حتي أصبحت كل الشوارع والبيوت القديمه تُنبئها بعمرها الذي سوف يقارب المائة بقليل فتذهب إلي سريرها في أخر الليل ووجهها مغطّي بإبتسامة طمأنينة علي عمرٍ لن يذهب قريباً.
    أصبحَ فريدريكو يحمل علي كتفيه سماءً ملبدة بغيوم أحزانه السّوداء، يسير هادئاً هائماً علي وجهه منسدل الأكتاف مُتهدِّلها، عيناه ملتصقتان بالأرض، وبعض المنازل المتناثره، يتخيل صورته، بملامح سيسيليا وهي تخرج من الجُدر التي تدثُره، لتفتح أبواب الحياة داخله، يتمنّي ضحكتها الرنانة لو إنفجرت من ثنايا الأصوات التي تتدفّق من جنبات القرية فتصبح غناءً بإسمها في شرايينه، خطواتها التي خلّفتها وراءها تعتلي قدميه فتزيد من رعشته. إعشوشبت سهول وجهه بلحية كثيفة وتنكّر له بريق عينيه الضاحكتين. أزهار تلك الحديقة التي تضئ لرؤية سيسيليا ذَوت وانحني ظهرها. أصبح عاشقاً للطرقات يتجولها مُتحسساً رائحتها، وفي يأسه الذي غمره، حاول في إحدي أيام الأحد أن يذهب لرقص الفلامنكو، خانته ساقيه وترجّل حصان عنفوانه رغم تبرّج الحياة من حوله وصخبها، تناثر جسده دون إيقاعٍ علي الأرض جثةً هامدة متمدداً علي أرض المرقص، منزعجاً من أنغام الموسيقي التي بدت له كأنها عواء كلب، بدأ يهضرب بِكلامٍ مُبهم، ولكنه مفهوم لِكُلِّ من يعرفه: كانت تخترقني في نومي، تجزّئني إن شاءت، عرفت نفسي فيها، شققتني إلي نصفين، نصف ذهب معها ونصفٍ قلبي.اختبأ داخلها. أسقط علي حافة ظلالها وهمس خطواتها ، خلقت مني شمساً ورقرقة ضوء. جعلتني أنايِ!. ثم خرج ناحية البحرمُلوِنناً جسده برطوبة رمل ذكراها واحشاؤه مُمرّغة في دفء الخمر الحارق وأحبال صوته مشدودة علي أوتار غناء حزين.
    6
    الضّباب العالق في أجواء مدينة ليدز، يكسي وجوه سُكّانها بلون رمادي، وأمطارها الخفيفة والتي تنزل بإصرار كبقايا طفح جلدي علي وجه بنت مراهقة، رغم علمها التام بما يسمي بالجو البريطاني لكنها أُصيبت بإحباط سرعان ما تلاشي في وجوه الناس الباردة، التى ليست بها تعابير تُذكرْ، لون بشرته تشبه رئة خروفٍ مذبوح، ورائحتهم في الشتاء كمحتويات إمعاء دجاجة.
    إستقبلت سيسيليا كل ذلك جرعةً واحدة وهي تلامس أرض مطار المدينة الرئيسي بقدميها ذات الإيقاع اللاتيني فبردت أطرافها الملتهبة بإيقاع الفلامنكو الحارق فلم تذّوب ما أصاب أصابعها من برد، فانكمش وجهها داخل تعابيره وهي تصافح رطوبة الجو ببشرتها المحمّصة بالشمس الأسبانية التي تركتها خلفها.
    عندما خطت أولي خطواتها علي تراب المدينة إختارت عربة تاكسي، كانت الأولي التي وقعت علي عينيها، لم تنظر للسائق فقط قالت له خذني إلي شابل تاون، قال لها أأنتِ متأكده؟ كانت لكنته غريبة عليها، يفوح منها دخان عجيب عرفت أنّه كاريبي ولونه أقرب للون حجارة الجبال!.
    قالت نعم متأكدة إذ أنّ فنادقها رخيصة وليست بها كنائس! وبها مكتبة عامة! ويسكنها السود والاسيويون والذين أتوا من دول العالم الفقيرة، يجمع بينهم الفقر والعوز وحبهم البوهيمي للحياة!
    قال لها: كيف عرفتي كل ذلك وملامحك تقول أنّك أسبانية؟ وأنّك جديده في هذه المدينة!
    ردت عليه: وأنت كاريبي أليس كذلك؟.
    كيف عرفتي ذلك؟
    صوتك يتصاعد منه الدخان، كانت إجابتها! دون الإشارة إلي لونه المخنوق في مزجة أناقته الزنجية!.
    إرتاح سائق التاكسي للحديث معها شارحا لها أسرار المدينة الضبابية، و مُلوّحاً لها بأسنانٍ بيضاء، مرحباً بنبرات صوته الجبلية والدخان يتصاعد من بين كلِّ حرفٍ واَخر.
    غادرت سيارة التاكسي أمام الفندق والوحيد بضاحية شابل تاون الملعونة بضجيجها وناسها من كل أجناس الدنيا، وما أن إستقرّت بغرفتها حتي طلبت طعاماً وقهوة وجرائد للبحث عن عمل، فوجدت إعلانات عن كل نوع عمل ممكن أعمال عوالق علي حافة مجتمع يصيح بِرأس مطموسةً معالمه في الرأس مالية، أعمال هامشية غريبة كتشبّث خيوط العنكبوت علي بوابة قصر.
    لم تتردد كثيراً، وضعت خطوطا علي بعض الوظائف الممكنة، والتي لا تحتاج لخبرة، عاملة نظافة، مربية أطفال، موزع جرائد، غاسل في مطاعم، صانع قهوة، وقائمة طويلة من الوظائف، قاسمها المشترك، أنّها لا يقوم بها الإنجليز إلاّ من وجد نفسه في حاجةٍ قاسية. في نهاية بحثها المستفيض قضت علي علبة السجائر قاموس الشتائم والسباب علي حالها ولكنها لم تيأس، فقط نظرت لنفسها في المرآة جيّداً ثم كررت قولتها التي تتجوّل في رأسها منذ مغادرتها لقريتها ( لن أرجع إلي تلك القرية إلاّ وأنا مالكةً لنفسي) ثم سقطت علي سريرها ودفنت رأسها تحت الوسادة، كأنّها مخمورة، ثم تعالي غطيطها حتي الصباح.
    في الصباح الباكر، كوّرت نفسها داخل ملابس ثقيلة لتحميها من البرد وإشترت مظلّة لتحميها من المطر، خرجت الي الشارع الذي تراءى لها كحصانٍ جامح، فامتطته في هدوءٍ إبتدائي مُتوجّس و بدأت تمشي كما يفعل الإنجليز، عيناها مُلتصقتان علي الأرض، وخطواتها ثابتة سريعةً دون إيقاعها الرّاقص الذي تعودت عليه، دخلت علي محلات العمل التي وضعت عليها علامات في الليلة السابقة، قدمت أوراقها، قُبِلت في كل عمل قدّمت له. في مساء ذات اليوم كانت عاملة نظافة وموزّعة جرائد، وحاضنة أطفال.
    في شهرها الأول عملت في كل الأعمال التي فُبلت فيها، تخرج في الصباح الباكر ولا تعود إلاّ في منتصف الليل لتنام وتذهب الي عملها وهي شبه نائمة ولا تستيقظ كلياً إلا بعد ساعتين وثلاث فناجين قهوة.
    كانت بالكاد تنام وعندما يأتي يوم الأحد تقضي معظمه في سريرها، تشرب القهوة وتتحدث مع أمها وفريدريكو وصاحباتها، فبهت لونها واصبح خديها مثل الطماطم، وذابت مشيتها الوثّابة في أيقاع الخطوات الأنجليزية الرّتيبة.
                  

العنوان الكاتب Date
فراشات سيسيليا الحزينة! ibrahim kojan11-19-14, 01:20 AM
  Re: فراشات سيسيليا الحزينة! ibrahim kojan11-19-14, 01:22 AM
  Re: فراشات سيسيليا الحزينة! ibrahim kojan11-19-14, 01:41 AM
    Re: فراشات سيسيليا الحزينة! ibrahim kojan11-19-14, 01:45 AM
      Re: فراشات سيسيليا الحزينة! ibrahim kojan11-19-14, 01:51 AM
        Re: فراشات سيسيليا الحزينة! ibrahim kojan11-19-14, 01:53 AM
          Re: فراشات سيسيليا الحزينة! ibrahim fadlalla11-19-14, 08:14 AM
            Re: فراشات سيسيليا الحزينة! محمد الجزولي11-19-14, 09:01 AM
              Re: فراشات سيسيليا الحزينة! عبدالكريم الاحمر11-19-14, 10:51 AM
                Re: فراشات سيسيليا الحزينة! ibrahim kojan11-19-14, 04:49 PM
                Re: فراشات سيسيليا الحزينة! ibrahim kojan11-19-14, 07:58 PM
            Re: فراشات سيسيليا الحزينة! ibrahim kojan11-19-14, 04:29 PM
              Re: فراشات سيسيليا الحزينة! Adam D.El-Asha11-19-14, 11:58 PM
                Re: فراشات سيسيليا الحزينة! ملهم كردفان11-20-14, 00:02 AM
                  Re: فراشات سيسيليا الحزينة! ibrahim fadlalla11-20-14, 02:35 PM
                    Re: فراشات سيسيليا الحزينة! Osman Musa11-20-14, 05:20 PM
                      Re: فراشات سيسيليا الحزينة! محمد حيدر المشرف11-20-14, 08:15 PM
                        Re: فراشات سيسيليا الحزينة! ibrahim kojan11-21-14, 08:07 PM
                  Re: فراشات سيسيليا الحزينة! ibrahim kojan11-20-14, 09:25 PM
                  Re: فراشات سيسيليا الحزينة! ibrahim kojan11-20-14, 09:29 PM
                Re: فراشات سيسيليا الحزينة! ibrahim kojan11-20-14, 09:10 PM
                  Re: فراشات سيسيليا الحزينة! ibrahim kojan11-20-14, 09:46 PM
                    Re: فراشات سيسيليا الحزينة! ibrahim kojan11-21-14, 09:09 PM
                      Re: فراشات سيسيليا الحزينة! ibrahim kojan11-21-14, 09:16 PM
                        Re: فراشات سيسيليا الحزينة! جمال ود القوز11-21-14, 09:27 PM
                          Re: فراشات سيسيليا الحزينة! حبيب نورة11-21-14, 09:56 PM
                            Re: فراشات سيسيليا الحزينة! ibrahim kojan11-22-14, 05:09 PM
                          Re: فراشات سيسيليا الحزينة! ibrahim kojan11-21-14, 10:33 PM
                            Re: فراشات سيسيليا الحزينة! Adam D.El-Asha11-22-14, 00:43 AM
                              Re: فراشات سيسيليا الحزينة! ibrahim kojan11-22-14, 05:17 PM
                                Re: فراشات سيسيليا الحزينة! ibrahim kojan11-23-14, 07:22 PM
                                  Re: فراشات سيسيليا الحزينة! ibrahim kojan11-24-14, 09:10 PM
                                    Re: فراشات سيسيليا الحزينة! محمد الجزولي11-25-14, 06:07 AM
                                      Re: فراشات سيسيليا الحزينة! ibrahim kojan11-25-14, 08:57 PM
                                        Re: فراشات سيسيليا الحزينة! Bushra Elfadil11-26-14, 03:21 PM
                                          Re: فراشات سيسيليا الحزينة! ibrahim kojan11-27-14, 09:08 PM
                                            Re: فراشات سيسيليا الحزينة! Adam D.El-Asha11-29-14, 03:14 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de