وجهاء كوستي

Quote: حين تحدثت عن العم الراحل محمد الحسن الطاهر، وردتني صورة كوستي بأسرها. كما وردتني صورة الأماكن المجاورة المرتبطة بها وبالحركة الجمهورية، ومن ذلك كنانة التي أصبحت معقلا جمهوريا كبيرا. ولكوستى، كما سبقت الإشارة مكانة خاصة في تاريخ الفكرة الجمهورية. فقد عاش الأستاذ فيها فترة طويلة من الزمن وذلك عندما كان يعمل في المشاريع. سكن الأستاذ في استراحة السكة الحديد، ثم انتقل إلى بيت استأجره من آل عثمان موسى بحي المرابيع. ثم رحل الأستاذ من كوستي في النصف الثاني من الستينات وما لبثت أن اشتعلت الحركة الجمهورية فيها في السبعينات، فواجهت المدينة الحركة الجمهورية بمعارضة شديدة لم تماثلها معارضة في أي مدينة أخرى من مدن السودان. وقد جرى تثبيت جزء من تاريخ تلك المعارضة ، كما سبقت الإشارة في مشاركة أخرى، في كتاب "قضايا كوستي". مثل الراحل، محمد الحسن الطاهر فئة التجار الكبار في سوق كوستي، ومثل كل من خلف الله عبدالعاطي، وبابكر أبو صقعو فئة التجار الصغار. وكان لوجود هؤلاء مجتمعين، أثرا كبيرا على جمهور السوق الكبير. يضاف إلى ذلك محمد الحسن بركية، وعبدالرحمن محمد محمود ومكتبته المعروفة. وقد كان لعبدالحفيظ ميرغني رغم عمله في السكة الحديد، إرتباط وثيق بالسوق. فقد كان عبد الحفيظ من أشهر خطاطي المدينة، مما وثق صلته بأصحاب الأعمال التجارية. ولربما لا تزال أعماله الفنية للمحال التجارية المختلفة، تقف شواهد ماثلة في سوق كوستي إلى اليوم. والسوق في المدن السودانية يمثل، بالإضافة إلى كونه مكانا للبيع والشراء، منتدى إجتماعيا ومنتدى إعلاميا، فيه تسري أخبار المدينة وتفاعلاتها. والسوق بهذا الوصف، يمثل واحدة من أهم آليات تشكيل الرأي العام في المدن من شاكلة مدينة كوستي. جاء جمهوريو كوستى من مفترق مسالك الحياة الفكرية والإجتماعية. فكانوا من التجار، ومن المعلمين، ومن سائر الموظفين، ومن الحرفييين، ومن العمال، ومن الطلاب. وكانوا من مختلف مراحل العمر أيضا. فمن جمهوريي كوستي مثلا، من كان في عمر الخليفة النعمة، وهو شيخ طاعن في السن، ومنهم مثلا، حيدر بدوي الذي حين التزمها كان صبيا يافعا. ونسبة الإلتزام بين أهل كوستي كانت من أكبر نسب الإلتزام، مقارنة بحجم المدينة إلى غيرها من المدن السودانية الرئيسية. جئت إلى كوستي في وفود متعددة. ثم جعل منها موقعها بين الخرطوم والأبيض محطة مهمة لي، وأنا أتنقل بين الخرطوم والأبيض حين عملت في خورطقت الثانوية لخمس سنوات (1974-1979). ولذلك فقد عرفتها كما عرفت أمدرمان، وكما عرفت عطبرة. وقد أحببت تلك المدينة ونشأ بيني وبينها رباط عاطفي لم تفصم الأيام عراه أبدا. وهكذا يسكنك المكان الذي سبق لك أن سكنته، وهكذا يتنقل معك أينما حللت. كان التزام محمد الحسن الطاهر فتحا كبيرا للفكرة الجمهورية في مدينة كوستى. فهو قد كان من أنجح تجارها، ومن موسريها. وكوستي في الأساس، مدينة تجارية، والتجار فيها هم أهل الحل والعقد. ولذلك فقد كان التزام محمد الحسن الطاهر ضربة لقوى المعارضة المتمركزة بشكل رئيس في قطاع التجار. فقد حرم إلتزام محمد الحسن الطاهر تجار كوستى وموسريها من أن يتمثلوا بشكل كامل، ما سبق أن قاله معارضو النبي من أغنياء مكة ووجهاؤها للنبي الكريم ساخرين من المكانة الأجتماعية لمن اتبعوه: ((وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادئ الرأي)). والأراذل في عرف أولئك إنما كانوا الفقراء المهمشين المحرومين من وجاهة المال. وهكذا اختارت العناية الإلهية محمد الحسن الطاهر وغيره من أهل كوستي لذلك الدور التاريخي العظيم. وفي سياق آخر، اختارت العناية الإلهية أيضا ممثلين للقبائل المختلفة التي تمثل النسيج الإجتماعي الملون لتلك المدينة متعددة الأعراق والثقافات، فجاءوا إلى الفكرة الجمهورية من هذه الخلفيات المختلفة الأمر الذي أسهم في اختراق جيوب المعارضة المختلفة، وفي ازدياد حركة الإلتزام نتيجة لإنكسار حاجز الخوف المتمثل في احتمال العزل الإجتماعي. فمثلا، للشايقية، وللمحس والدناقلة والحلفاويين، وللجعليين، وللقبائل الكردفانية المختلفة، وجود بارز في مدينة كوستي. ومن كل هذه التصنيفات والخلفيات جاء جمهوريون. جاء خلف الله عبد العاطي، وأميرة خلف الله، وأهل بيتهم. وبابكر أبوصقعو، وأهل بيته، والطاهر محمد حمد، وعبد الحفيظ محمد حمد، وأهل بيتهما، وعبد الحفيظ ميرغني، وربيع ميرغني، وأهل بيتيهما، وإبراهيم جابر، ونعمات علي إدريس، ومحمد عثمان الحسن "الشايقي"،أحمد محمد علي أبوسن وآل محمد صالح محمد خير، وعبدالله عثمان بابكر وشقيقه محمد عثما بابكرن. ومعظم هؤلاء جاءوا من جهة الحلة الجديدة التي تمثل، في غالب حالها، الجزء الشعبي من المدينة. كما جاء من حي النصر، حيث يسكن كثير من التجار الكبار، وكثير من جمهور الطبقة الوسطى، محمد الحسن الطاهر وأهله الكرام، والعم عباس الحلو وزوجته أم مهل، وإبنتهما أماني. وفائز عبدالرحمن عبدالمجيد، وحسن عبد الرحمن عبد المجيد، وصلاح محمد عثمان، والسر محمد عثمان، وزينب برسي. وكذلك جاء من حي النصر، عوض عبد القادر وزهرة عبد القادر وسمية عبدالقادر، وزينب عبد القادر. كما جاء من القوات النظامية الأخ صديق علي صديق وأسرته. وما من شك أيضا، أن التزام العم عباس الحلو وزوجته أم مهل وإبنتهما أماني وهم من أسرة أنصارية عريقة، قد كان حجرا آخر ألقمته يد العناية للمعارضة مثلما ألقمت حجرا آخر لأهل الجاه والسلطان، تمثل في التزام الراحل المقيم، محمد الحسن الطاهر. ثم امتدت الفكرة عن طريق الأخ فائز عبد الرحمن بحكم عمله في التدريس في أم غنيم إلى آل أبو قرجة الكرام، وهم أسرة أنصارية عريقة كبيرة ذات ارتباط كبير بمدينة كوستي. فجاء محمد إسماعيل ابو قرجة، وسيف إسماعيل أبوقرجة، وطه إسماعيل أبو قرجة، ورقية أبو قرجة، ومصطفى أبوقرجة، وصديق وصديقة أبوقرجة. كما جاء من السكة الحديد، آل محمد الحسن عمر "العبادي". ومحمد الحسن العبادي كان صديقا للأستاذ. وكان حريصا على أن يأخذ الطعام من بيته كلما وجد فسحة من الوقت، ليذهب ليأكل مع الأستاذ في بيته. وقد أصبحت لمحمد الحسن العبادي مكانة خاصة عند الأستاذ، وقد كان الأستاذ لا يفتأ يذكره. وحين وفاته أوفد الأستاذ كبار الجمهوريين للعزاء فيه. ربى محمد الحسن العبادي أبناءه وبناته بأنوار الفكرة الجمهورية منذ أن كانوا أيفاعا. حكت لي الدكتور أسماء محمد الحسن، أن أباها كان يصر أن يصحبه كل من إبنيه الطيب وأحمد، وهم بعد صبيين، في زياراته للأستاذ. وكان يقول لهما: بدل أن تضيعا وقتيكما بين أترابكم تعالوا معي إلى بيت الأستاذ، لتتعلموا شيئا صالحا. وهكذا نشأ الطيب وأحمد جمهوريين منذ طفولتهما. وهكذا أصبح بيت محمد الحسن العبادي بيتا مركزيا في حركة الجمهوريين في مدينة كوستي. ولسوف أعود بمساهمة خاصة عن تلك الدار العجيبة ـ دار محمد الحسن العبادي وبنت الزين، وأبناءهما وبناتهما. صاهر الجمهوريون من مختلف الخلفيات القبلية والطبقات الإجتماعية آل محمد الحسن العبادي. فانتمى إلى هذه الأسرة المباركة كل من نجم الدين أحمد الحكيم، وهارون حميدان، عثمان الجعلي، وفائز عبد الرحمن، وبشير علي حماد، وعبدالله عثمان. كما جاء من السكة حديد عبد الله الطيب، ونعمات، وأبناؤهما. ومحمد الحسن "حميد. ثم كانت كنانة وعسلاية وكان انفجارا جمهوريا في المنطقة غير مسبوق. هذا مجرد مسح عام. ولربما عدت قريبا إلى كوستي بشيء من التفصيل.

(عدل بواسطة عبدالله عثمان on 11-24-2014, 07:09 AM)