|
Re: الابيض الثانوية بنات (Re: محمد فضل ابراهيم)
|
انقضت أيام الدراسة في المرحلة الأولية سريعاً، تعلم علي خلالها كيف يكتب الرسائل، وتعلم فرائض الصلاة وسننها، وشروط الطهارة والوضوء وألمّ بشيء بسيط عن تاريخ السودان وجغرافيته، وحفظ سور القرآن حتى جزء تبارك، وتعلم مبادئ الحساب، مثل جداول الضرب والجمع والقسمة والطرح. وما هي إلا سنوات أربع لا غير حتى أكمل صاحبنا الصف الرابع في المدرسة الأولية؛ وكان ذلك يعني الانتقال إلى مكان آخر. حزم علي حقيبته ووضع فيها ما يلزم من الأردية والقمصان البيضاء وقلمين، واحد أبيض وآخر أسود، ثم ركب "الكومر" إلى المدينة المجاورة ليلتحق بالمدرسة الثانوية العامة. تجمع عدد كبير من الأهالي لوداع الطلاب لأن تلك السنة كانت أول مرة يتم فيها قبول بعض بنات القرية في المدرسة الثانوية العامة؛ ولذلك كان الموقف مشوباً بكثير من المشاعر وقد زرفت الأمهات الدموع وهن يودعن فلذات أكبادهن لأول مرة: - أها يا بتي ودعتك في العافية والله يستر عليك. - مع السلامة يا يمه وما تخافي وربنا يجمعنا بيكم في ساعة خير. _ خلي بالك من نفسك وأنا عافية منك. - بارك الله فيك يا يمة، وإن شاء الله ما تسمعي عني إلا كل خير. وكان من بين الذين حضروا لوداع الطلاب العم أحمد الذي أخرج 25 قرشاً من "جزلانه" وأعطاها علياً. - يا علي يا ولدي دا حق الشاي وهو بسيط لكن أقبله من عمك. - يا عم أحمد والله ما كان تكلف نفسك. - لا ياولدي دا واجب وربنا يوفقك. - بارك الله فيك يا عمي والله يقدرنا على جزاك. - أودعتكم الله يا عيالي. اقترب عبد الرحمن من ولده وعانقه ودعا له وقال: - في أمان الله يا ولدي وربنا يجيبكم وتلقونا تامين ولامين. - مع السلامة يا أبوي وإن شاء الله ما آخر وداع. تحركت العربة المتهالكة من القرية قبيل غروب الشمس بقليل وشدا الطلاب والطالبات بالأناشيد بلحن شجي وهم يلوحون بأياديهم مودعين ذويهم: بِلادي بِلادي فِـداكٍ دَمِي وَهَبْتُ حَيَاتِي فِدىً فاسْلَمِي غَرَامُكِ أَوّلُ ما فِي الفُؤاد ونَجواكِ آخِرُ ما في فَمِي سَأهْتِفُ باسمِكِ مَا قَدْ حَييتْ تَعيِشُ بِلادِي ويَحْيا الوَطَن بدأت أشجار القرية ومعالمها تختفي خلف الغبار وكتلة الدخان التي كانت تخرج من عادم "الكومر" القديم، واستمرت الرحلة زهاء ساعة، شعر الطلاب خلالها بالنعاس فخفتت الأصوات وغط بعضهم في نوم عميق، ولكنّ علياً ظل مهموماً لا يجد النوم إلى جفنه سبيلاً؛ لأن تلك كانت المرة الأولي التي يبتعد فيها عن قريته وأسرته وهو يعلم أنه لن يعود إليها إلا مع عطلة منتصف العام الدراسي، وليس في نهاية كل أسبوع كما كان يفعل أيام الدراسة في المرحلة الأولية . فجأة بدأت سرعة العربة تبطئ وسمع الطلاب صوت السائق وهو ينادي: - يا أولاد أنزلوا أدفروا العربية دي وِحْلَتْ. نزل الأولاد وصار كل واحد منهم يحاول المساعدة بما يستطيع وأخذ السائق يوزع عليهم الأوامر بصوت أبوي وهم يجدون متعة منقطعة النظير في التعامل مع هذه الآلة. أخذ علي الفأس وقطع بعض "المرخ" و"النال"ووضعه تحت الكفر، وأحضر آخر غصناً ليناً، بينما ظل بقية الطلاب يزيلون أكوام الرمل من تحت العربة وبعدها طلب منهم السائق دفع العربة إلى الأمام ثم إلى الخلف ولكن دون جدوى وظلوا يكررون ذلك حتى أصابهم الإعياء جميعاً.فقال لهم السائق: - يا عيالي والله ما قصرتوا لكن خلونا نبيت وصباحات الله بِيض. - أحسن والله يا عمي والبسويه الله كويس. - بس خلو البنات ينومن فوق وإنتو أنزلوا تحت. - والله رايك سمح يا عم. افترش الأولاد الأرض وتوسد كل واحد مهم كوماً من الرمال ولم يستيقظوا، حتى بدأت الشمس ترسل أشعتها في الصباح الباكر؛وإذا بأهل قرية مجاورهم يأتونهم ومنهم من يحمل براد شاي وحليب وأحضر بعضهم " قداحة" العصيدة وهي مترعة بالسمن وأرسلت امرأة ولدها الصغير بجردلين من عصير (الحلو مر) وتحول الأمر فجأة إلى ما يشبه الوليمة مسبقة الإعداد. وبعد تناول وجبة الإفطار وشرب الشاي تجمع شباب القرية واستطاعوا أن يخرجوا العربة من تلك " الوحلة" فشكرهم الطلاب والسائق، وواصلوا سيرهم مرددين تلك الأناشيد التي بدءوا بها رحلتهم.كان ذلك الموقف تمريناً عملياً لعلي ورفاقه على تحمل المسئولية والمشاركة في الشأن العام بطريقة إيجابية، كما أنه درس وتجربة في تحمل المشقة، ومساعدة الآخرين،خاصة وقد تعرضوا لذلك في تلك السن المبكرة.من جانبه، فكر علي في موقف أهل القرية الذين استضافوهم وأكرموا مثواهم بكل أريحية ومن تلك اللحظة عزم على تقديم الخير للناس في كل الظروف. دخل علي المدرسة الثانوية العامة وسط دهشة كبيرة، فالطلاب هنا يتحدثون لهجة لم يسمعها من قبل، والأكل غير مألوف لديه، كما أن حنينه إلى قريته وإخوانه لم ينقطع أبدًا، وعندما سمع المدرس وهو يخاطبهم باللغة الإنجليزية، خيّل إليه أنه لن يفهم هذه الطلاسم أبد الدهر، ولكنه بدأ يستوعب قليلاً حتى صارت حصص اللغة الإنجليزية من أحب الحصص إليه. تدريجياً بدأ يتأقلم مع الوضع. فقد بدأ الطلاب والمدرسون يلاحظون شخصية ذلك الصبي العبقري، فقد كان مهذباً ومجتهداً، يبادل زملاءه الاحترام وصار يخالط الطلاب الذين جاءوا من مناطق مختلفة، واكتسب علي لهجة المدينة بسرعة فائقة وصار يتعامل مع أبنائها ويحس بأنه قد اكتسب شيئاً من المدنية ولو بالقدر اليسير؛فلم يعد يشعر بالدهشة، وصار يرتاد بعض معالم المدينة بقدر ما تسمح له ظروف الدراسة ويقرأ الكتب التي كانت متوفرة في مكتبة المدرسة.
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
الابيض الثانوية بنات | Solafa Alagib | 09-26-14, 12:52 PM |
Re: الابيض الثانوية بنات | باسط المكي | 09-26-14, 02:33 PM |
Re: الابيض الثانوية بنات | محمد فضل الله المكى | 09-28-14, 04:11 AM |
Re: الابيض الثانوية بنات | نادر | 09-28-14, 05:52 AM |
Re: الابيض الثانوية بنات | محمد فضل الله المكى | 09-28-14, 05:57 AM |
Re: الابيض الثانوية بنات | عبدالحفيظ ابوسن | 09-28-14, 06:16 AM |
Re: الابيض الثانوية بنات | محمد فضل ابراهيم | 09-28-14, 07:55 AM |
Re: الابيض الثانوية بنات | محمد التجاني عمر قش | 09-28-14, 08:17 AM |
Re: الابيض الثانوية بنات | محمد فضل الله المكى | 09-28-14, 08:26 AM |
Re: الابيض الثانوية بنات | عبد العزيز محمد عمر | 09-28-14, 08:45 AM |
Re: الابيض الثانوية بنات | Yasir Elsharif | 09-28-14, 02:42 PM |
Re: الابيض الثانوية بنات | الأمين عبد الرحمن عيسى | 09-28-14, 10:03 PM |
Re: الابيض الثانوية بنات | أسامة العوض | 09-29-14, 08:02 AM |
Re: الابيض الثانوية بنات | الأمين عبد الرحمن عيسى | 09-29-14, 04:48 PM |
Re: الابيض الثانوية بنات | الأمين عبد الرحمن عيسى | 09-30-14, 07:19 PM |
Re: الابيض الثانوية بنات | محمد فضل الله المكى | 10-02-14, 06:11 AM |
Re: الابيض الثانوية بنات | Solafa Alagib | 10-02-14, 11:42 AM |
|
|
|