محمود الزين حامد: حزن وحداد هاديء

Quote: ثم رحل البروفسور محمود الزين حامد/ محمد التجاني عمر قش- الرياض الجمعة, 14 تشرين1/أكتوير 2011 08:47 لَعَمْري لئن غالتْ خُراسانُ هامَتي لقد كُنْتُ عن بابَيْ خراسان نائيا فيا صاحبَيْ رحلي دنا الموتُ فانزِلا برابيةٍ إنّي مقيمٌ لياليا « مالك بن الريب» تقول العرب إنّ الموت نقّاد، لأن من طبيعته دائماً اختيار واسطة العقد من خيار الناس؛ وهو في كل ذلك كسارق دق شخصه، يصول بلا كف ويسعى بلا رجل. فقد رحل عن دنيانا واحد من علماء السودان الأفذاذ الذين شهدت لهم محافل العلم والبحث في أرجاء المعمورة كافة،في أوربا وإفريقيا والدنيا الجديدة ونشرت بحوثه في أرفع المجلات والدوريات المتخصصة وهي في كل الأحوال تلقى قبولاً منقطع النظير من طلاب العلم وأساتذة الجامعات والباحثين وكبار المختصين في مجاله. ولكنا فقدناه ولمّا نروِ غليلنا من غزير علمه وفيض معارفه التي بثها بجميع لغات العالم الحيّة بكل وضوح وبعد نظر وفكر ثاقب وحجة قوية ولغة سليمة تخاطب العقل والقلب في وقت واحد حتى أدهشت فصاحته كل من سمعه أو قرأ له. ذلكم هو البروفسور محمود الزين حامد أستاذ العلوم السياسية بجامعة الخرطوم سابقاً، والمحاضر بجامعة السلام التي تتبع للأم المتحدة. خرج الفقيد من بين كثبان الرمال في دار الريح بشمال كردفان حيث عاش طفولته في قراها ونال بها تعليمه الابتدائي والمتوسط ومن ثم الثانوي في خور طقت ومن بعدها جامعة الخرطوم ونال شهادة الدكتوراة في هولندا. عرفت الراحل وهو ِغرٌ صغير في مدرسة دميرة المتوسطة حيث كان أحد طلابي؛ و كانت تلوح عليه علامات النبوغ والذكاء والحرص على المعرفة وهو في تلك السن المبكرة، ولذلك عندما أبكيه إنما أبكي أحد فلذات كبدي النجباء. وعزّ من قال «ولا تدري نفس بأي أرض تموت»؛ فقد أدركت المنية محموداً في بلد لم يسمع عنه الكثيرون، في كوستاريكا، حيث ذهب ليعلم الناس ويتحدث إليهم عن السلام والتنمية والتعايش السلمي ونبذ العنف والقتال والعيش الإنساني الكريم الذي كان يحلم به ويدعو إليه في كل أحاديثه ومقالاته، ولم يكن يدري أن الأجل مخبوء له في تلك البقاع النائية إذ امتدت إليه يد الموت لتأخذه خلسة وهو في غرفة الدرس بين طلابه يزودهم بالمعرفة، ويقارعهم الحجة بالحجة وذلك ديدن العلماء حيثما حلّوا. نعاه الكثيرون من زملائه وطلابه في جامعة السلام وجامعة الخرطوم وكتبوا عنه بكثير من اللغات وكلهم أجمع على أنه قد كان رجلاً مخلصاً في عمله، عرف بالتضحية والتفاني، طيب العشرة، عميق الفكر والتحليل العلمي المنطقي، بعيد النظرة،لا تفارق الابتسامة محياه تحت كل الظروف، نذر حياته للعلم والتعليم، مقبل على المعرفة ببصيرة ثاقبة ولم تكن الحياة في جانبها التقليدي جزءاً من اهتمامه وهو فوق كل ذلك صاحب همة عالية وطموح فكري وثقافي كبير لا يعرف الملل إطلاقاً. رغم أن الراحل قد تخصص في العلوم السياسية، إلا أنه جعل من الإنسان وحياته وبيئته مادة لبحوثه ومحاضراته فكتب عن المجتمع البشري اللائق، ومصادر المياه والأمن الغذائي ونمو السكان والمسائل المتعلقة بالمجتمعات البشرية، كما كتب عن القبيلة والدين في السودان وكرّس جزءاً كبيراً من حياته لتصميم وتطوير طرق تعليمية من شأنها أن تعزز بناء قدرات الإنسان وتساعد على نشر ثقافة السلام والتمثيل والمشاركة الجماعية في الحكم واتخاذ القرار؛ كما كان ينظر للسلام والأمن من منظور بيئي ولذلك كتب عن الأمن المائي الدولي والاقتصاد السياسي للمياه وتحدث كثيراً عن أسباب ندرة المياه، خاصة الجوانب السياسية المتعلقة بهذه الأمر، والهجرة الداخلية والنزوح وأثر ذلك على الاقتصاد والاستقرار السياسي والتنمية المستدامة وغيرها من المواضيع الحيّة التي تتعلق بمياه النيل وحياة الإنسان والصراعات المسلحة والسلم. وكثير من هذه البحوث، إن لم تكن كلها، منشور بالمجلات العلمية المتخصصة التي تصدر خارج أرض الوطن باللغة الإنجليزية كما أشرنا آنفا.ً ولذلك من هنا نطالب زملاءه وطلابه والمختصين في هذا المجال والجهات العلمية ذات الصلة خاصة جامعة الخرطوم ومعهد أبحاث السلام بالسعي لترجمة أعماله إلى اللغة العربية وجمعها في مجلدات حتى يستفيد منها الدارسون والباحثون في هذه المجالات المهمة؛ وهي علاوة على ذلك تعد من تراثنا الفكري الذي لا يقلُّ أهمية عن الثروة المالية؛ كما نطالب بحفظ حقوقه الفكرية والأدبية التي ربما تتعرض للضياع إذا لم نتحرك حالاً. بحكم نشأته وتخصصه كان محمود يولي اهتماماً خاصاً للتراث الذي يعده أحد مكونات الشخصية والهوية الوطنية للفرد والمجتمع ولذلك كان أول من أدخل «الجحفة» أو الهودج وعصّارة الزيوت التقليدية إلى دار اتحاد طلاب جامعة الخرطوم مروراً بشارع الجامعة وسكن الطلاب وشارع النيل وكان ذلك مثار إعجاب واستحسان مشهود حسبما حكي الأستاذ نصر الدين البشير المحامي الذي زامله واشترك معه في اللجنة العليا لأسبوع كردفان في عام 1987 في جامعة الخرطوم. إن موت العالم مصيبة تحل بالأمة إذ بموته يقبض شيءٌ من العلم ويرفع وهو لذلك خطب جلل وفاجعة كبرى تستحق منا الوقوف عندها لاستخلاص الدروس والعبر؛ وقد قيل إن موت العالم فاجعة كبرى تحدث ثلمة لا يسدها شيء أبداً. ولكننا أمام كل هذا لا نملك إلا الصبر والاحتساب ولا نقول إلا ما يرضي الله ونعزي أنفسنا وأسرة الراحل الذي نسأل الله أن يتغمده بواسع رحمته وينزله منزلة الصديقين والشهداء مع النبيين وحسن أولئك رفيقاً. ولكن ماهي أسباب ودوافع هذا الرحيل المبكر والمفاجئ يا ترى؟ وأخيراً نقول: علماً حزته في الدنيا أم قدود راجيك يا ود حامد الجامعات كلها بتبكيك كان الموت بشاور أصلو ما بنديك لكن العمر عند الولاله شريك