محمود الزين حامد: حزن وحداد هاديء

Quote: محمود الزين و جدلية "الظعن" و "النشوغ" عندما كنا طلاباً في المرحلة المتوسطة ، درسنا في جغرافية السودان أن القبائل "الرعوية" في شمال كردفان و جنوبها كانوا يقومون برحلات سنوية موسمية تبدأ من جنوب دارفور (الكائنة في جمهورية السودان الحالية)إإإإ و تمتد حتى جنوب بحر العرب (الكائن في جمهورية جنوب السودان الخالية)إإإإ. و كانت هذه الرحلة تسمى رحلة "الظعن" و النشوغ" بحثاً عن الكلأ و الماء لماشيتهم. حفظت هذه المعلومة كما هي و أجبت على الأسئلة المتعلقة بها في امتحانات الجغرافية.... لم يدر بذهني و لو للحظة واحدة بأنني سألتقي بمن يجسد لي هذه القبائل الرعوية قلباً و قالباً من أم مرخي بدار حامد حتى التقيت بمحمود الزين في الجامعة عام 1983. كان يجسد القبائل الرعوية و رحلة الظعن و النشوغ لكن بشكل مغاير تماماً لما كنت قد أختزنت في ذاكرتي... كان محمود الزين كائناً رعوياً يرعى - و بحساسية ريفية مفرطة - أبجديات الدخول إلى عقول و قلوب من حوله بأريحية مذهلة، عبر ابتسامته الدافئة الدائمة، و حضوره الإنساني الأخاذ الذي يحتويك دون مواربة... على مدى خمس سنوات لم ار محمود الزين أو أسمعه غاضباً أو متكدراً أو ساخطاً غضباً أو كدراً أو سخطاً عشوائياً يقوم بإفراغه كيفما اتفق..... كان إنساناً اسفنجي التحمل ...كان كالنخلة ...يتعالى فوق كل ما هو عادي ويومي ومؤقت ...و يرنو إلى أفق بعيد .... ربما كان يختزن ردود أفعاله تجاه كلما هو سالب لوقت آخر... و يغرسه دبابيساً في أبادماك سيف بشير... ليعود بعدها ذلك الانسان المتوازن كالجبل!!! كان ود الزين يجسد رحلة الظعن والنشوغ – ليس طلباً للكلأ و الماء – لأنه كان نحيفاً و رهيفاً و شفيفاً، بل بحثاُ عن العلم والمعرفة الإيجابية وسبر غور الجسور والعلائق الإنسانية في أشمل صورها التي تنعكس إيجاباً – ليس على أم مرخى ودار حامد فحسب – بل على مستواه الشخصي، وعلى محيطه الصغير الذي ينداح عطاءً على دوائر أكبر فأكبر... و هذه لعمري خصائص القادة الذين ينطبق عليهم تعريف Authentic Leaders الذين تنداح دوائر تأثيرهم من ذواتهم إلى محيط تأثيرهم المباشر ثم إلى محيط تأثيرهم الأكبر ثم إلى محيط الإنسانية جمعاء... دون أن تبهت ألوان سمتهم الشخصية “Brand” بالتلجلج و التردد و السقوط عبر مزلقة المساومات والتنازلات لمعالجة الأزمات الفردية. هذه هي رحلة الظعن التي بدأها محمود من أم مرخي إلى خورطقت إلى الخرطوم فأمستردام إنتهاء بكوستاريكا التي جعلت رحلة ظعنه سرمدية... لم يتسن لمحمود الزين "النشوغ" على طريقة أهله. حسبه أن أهله في أم مرخى يتذكرونه و يدعون له كلما هم صغيرهم أو كبيرهم بشرب كوب من ماء البئر الذي "ساسق" ود الزين بين الدواوين الحكومية وهيئات توفير المياه حتى تم حفره إبان زيارته التي لم يعد بعدها للسودان "كما أخبرني صديقي و صديقه بابكر على العوض (بابكر العبيدية)" ... هذا هو "النشوغ الحيوي" الذي يجسد "النشوغ" الذي يعرفه محمود كما نعرفه..... كيف كانت "ستنشغ" أم مرخي و دار حامد إذا عاش محموداً أكثر ؟؟؟؟ فالتكن لنا فيه أسوة حسنة...