|
Re: شعر .... وكتابات أخرى إلى زينب .... (Re: فرحات عباس)
|
تلك البنت
مَدْخَلْ :
( وَلِمثل ليلَى ..
تُشَدُّ الرِّحالُ
وتُسْرجُ صَافِناتُ الجِيَادْ
ويمْتدُّ شوق الكلام العبابْ) فرحات عباس فضل المولى
لم تكن الفكرة تخصني بأي حال من الأحوال .. أنت الذي طرحت الأمر وألححت عليه وفرضته علينا.. حتى أنّ عثمان حينما واجهك بأنّ الأمر يحتمل مآرب أخري تضمرها ولا نعلمها ، ثارت ثائرتك ونفيت ذلك مُشددا علي التجربة وجمال المنطقة التي سنزورها.. تهامس الآخرون في خبث واضح.. لم يثنك ذلك أيضا وازددت تمسكا بالفكرة.. لا أكذبك انه في دواخلي كان هناك حنين غامض يشُدُنى إلي هذه الفكرة.. الأجواء المتوفرة هناك لا تتوفر لدينا هنا.. الأشياء هناك مشبعة بالفرح المنساب تلقائية وصدقاً.. أشياء لا توجد إلا هناك.. دواخلي كانت تطير فرحا حين قررتم المضي في الأمر رغم أنني في باديْ الأمر كنت أتزعّم المعارضين.. ما هذا الشيء الذي يجعل قلبي يتقافز فرحاً؟ الشيء الواضح أمامي هو ذلك الطريق المُتْرب والذي تكثر تعرجاته وتلك الوديان ومجاري المياه العديدة.. ارتدته أكثر من مرة وأنا في طريقي إلي المدينة الكبيرة حينما لايكون هنالك مفر من ارتياده .. كنا عندما ننزل المدينة الكبيرة عبر هذا الطريق يكسونا الخجل من منظرنا المترب وثيابنا الملتصقة بأجسادنا من جراء التعرّق المتواصل .. كان منظرنا يُنبئ عن ريفيتنا التي نحاول إخفاءها بعد أن حرضتنا علي ذلك المدارس والاطلاع علي العالم خارج المدينة الصغيرة .. تحركت بنا العربة الصغيرة المستخدمة لنقل المسافرين بين مدينتنا الصغيرة والقرية التي نقصد .. كنا نجلس علي كنبتين مكسوتين بجلدٍ رخيص علي هيئة صفين .. بينما تجلس أنت وحدك بالمقعد الأمامي جوار السائق بعجيزتك الضخمة وكرشك المتهدلة أمامك ... وضعاً أكسبك أهمية زائدة أما م السائق والذي كان يظهر لك الكثير من الإحترام وأنت تقدم إليه السيجارة تلو الأخري ... وفي الأخير هو يعلم أنك من سيقوم بدفع أجرة السفر .... مضي أكثر من نصف الساعة والعربة تتهادي في الخلاء الممتد ... تنحرف يسرة ثم يمنة ... ترتفع حيناً وتنخفض آخر ... ملامح القرية بدأت تلوح .. الخضرة بادية أمامنا، أشجار النيم الضخمة تتناثر علي أطراف الطريق الترابي، شجيرات عديدة أخري لا أدري لها اسماً تنتصب هي الأخرى علي جنبات الطريق .. المواشي تتبختر علي الطريق المتربة يتبعها صبية صغار ملابسهم بلون الأرض .. شباب ورجال في العقد الرابع من العمر يعتلون ظهور الحمير ويُجِدّون السيرَ نحو الأراضي الزراعية التي تمتد أمامنا الي مالا نهاية .... مدخل القرية ،شارع واحد نظيف ... المباني متشابهة ... الطريق يشقّ القرية إلي نصفين .. حركة الأهالي داخل القرية متسارعة .. نسوة بملابس زاهية ومحتشمة يَسِرْنَ بمحازاةِ الجدران وأنظارهنّ إلي الأرض ... والرجال بملابس بيضاء نظيفة يقطعون الطريق جيئةً وذهاباً في خطوات قوية ونَشِطَة....... الصغار يتقافزون فرحاً ، وبعضهم يطارد عربتنا ملوحاً في فرح حقيقي ... بين الحين والآخر تنطلق زغرودة مُنغمة ... يطير قلبي .. أحس بصدري وكأنّ كتلة من لهب اخترقته ... تنقطع الزغرودة فجأة ، ثم تنطلق أخري يختلف تنغيمها عن سابقاتها ... يكاد يقتلنى الفرح وشيئ آخر لا أدري كنهه ... ترجلنا أمام بيت العرس .. عدد كبير من الرجال كان في استقبالنا ... صافحونا بحرارة ... يأخذك الواحد منهم في أحضانه ثم يُفلتُك ليأخذك ثانية أخري ، ثم يمسك بكفك بقوة ويهزك لثوانٍ معدودة كفيلة بأن تجعل جسدك يرتجّ جميعاً ... همس في أذني عصام ( الناس ديل سَلامُن قوي ) لم أستطع منع نفسي من الضحك ... فعصام لم يكن قد تدجّن بعد ، فهو وُلد وتربي بالدول الأوربية تلك البلاد التي قيل أنها (بلادٌ تموت من البرد حيتانها ).... - دَخِّلوا الضيوف علي ديوان حاج أحمد . جاءنا الصوت قوياً ... ووقع علي الرجال موقعاً جعلهم يهرولون جميعهم نحونا ... وفي ثوانٍ كنا بداخل ديوان حاج أحمد ... لم نكن نتطلع الي الوليمة .. هكذا حدثني الرفاق ... وأنت في طليعتنا لم تكن تتطلع الي الوليمة ... كنت تنتظر المساء... تذكرت في تلك اللحظة همس الرفاق ... مؤكد أنك تضمر شيئاً ... ماهو هذا الشيئ ؟ مامن شكٍ في أن القرية جميعها كانت هناك ... ساحة واسعة ... الأرض نظيفة والإضاءة قوية جداً ... وواضح أنّ وَصْلات الكهرباء كانت تمتد من ديوان حاج أحمد .... الفَتَياتُ جلسن تحت (نيمةٍ )عظيمة ... بملابسهن الزاهية وجمالهن البادي ... جمالٌ لا تخطئه العين ... بكر كما الأرض ... أذكر جلسنا في مواجهتهن ... الفِتية كانوا يحيطون بهن ... وانطلق الغناء ... وتبختر العريس مزهوّاً وسط الساحة.. مُمسكاً سيفاً وسوطاً ... يرفع الفتية عصيّهم الغليظة لتبين عضلاتهم المفتولة ويهزّون بها علي العريس والذي كان خفيفاً من الفرحة ... أصوات الفتيات الندية كانت تغازل آذاننا فيسري داخلها ذلك الخَدَر اللذيذ .... وين وين وين تلقوا زي دا عروسنا المنقة المتلجة كنت أنا وقتها معنياً بالغناء وحلاوته ونداوة أصوات الفتيات والإهتزازات المتوافقة لاجسادهن المتوثبة والإيقاعات الصادرة عن (الدلوكة ) ، وكذلك تتبع آثار الفرحة علي الجميع، وتلك التى علي العريس .... بينما كنت أنت معنياً بتلك التي تحمل( الدلوكة )وتُوقّع عليها ... همستَ لي باسمها ... من الذي أخبرك أن اسمها هو زينب؟ عيونها واسعة كتلك التي يتغني بها الشعراء ، كل شيئ في صاحبة (الدلوكة )كان رقيقاً ودقيقاً إلّا تلك العيون .... همست لي مرة أخري هذه البنت ( جَبَدتَا حَبُوبتَا ) . لم تنمْ أنت ليلتها .... وكذلك أنا ... بينما كان شخير الرفاق يَتَعالى، لم تحدثني ولم أحدّثك ... مازلت أذكر صورتك وأنت مستلقٍ علي ظهرك تُناجي السماء ... لم ينطق لسانك إلّا صباحاً ونحن نتأهب لركوب العربة التي ستقلنا : سأرتكب الغربة ...لابد لي من ذلك وقبل أن أُعلّق همست لي: ولِمثل زينب تُشدّ الرحال وتُسْرجُ صافناتُ الجياد تلك كانت آخر كلماتك .. افترقنا بعدها علي صمتٍ مهيب، ثم بعدها.. سوياً ارتكبنا الغربة ...... غربتي لم تكن كغربتك ... كان صحبي فيها كُثر ... وأنت غير ذلك ... غربتي لم تمتد طويلاً ... وأنت لم تزلْ تُناطحها وتنطحك ... أحسّ بتعاطفٍ معك عميق ،وأنت تعاني غربة الروح والبدن ... وتلك التي عيونها واسعة بعيدة عنك ولا تُكاتبك ... وكيف تكاتبك وقد ارتحلت هي الأخري الي المدينة الكبيرة .. لابد وأن أحدهم أسَرّ إليك بخبر زواجها وأنها الآن أم لثمانية أطفال .... أقصُّ عليك كل هذا وأنا جالسٌ أَوَانَََ مساءٍٍ بباحةِِ المنزل ، وعلي حِجْري ديوان شعرٍ عتيق .... وعلي منضدتي كوبٌ من القهوة السوداء، أذْبتُ بداخلها لِتويّ مِلعقة صغيرة من السكر الأبيض وأطفالي الثمانية يتقافزون ويتصايحون في مرح لا أدري له سبباً .... وغير بعيدٍ مني تجلس والدتهم معتمدة كفيّها بوجهها تُحدّق إلى لا شئ ... لا أكتمك أنني بين الفينة والأخري كنت أتلصّص بالنظرِ إليها ... ما عادت عيونها واسعه كما في السابق ... لم تعد هي تلك العيون التي يتغني بها الشعراء ..أشكّ الآن في أن لها سابق علاقة بحبوبتها .......!!
مشاركة فى هذا البوست ....وهى زينب أخرى .
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
شعر .... وكتابات أخرى إلى زينب .... | فرحات عباس | 08-25-14, 08:17 AM |
Re: شعر .... وكتابات أخرى إلى زينب .... | عادل خياري | 08-25-14, 09:51 AM |
Re: شعر .... وكتابات أخرى إلى زينب .... | فرحات عباس | 08-25-14, 10:06 AM |
Re: شعر .... وكتابات أخرى إلى زينب .... | فرحات عباس | 08-25-14, 07:59 PM |
Re: شعر .... وكتابات أخرى إلى زينب .... | عبدالعزيز عثمان | 08-25-14, 08:07 PM |
Re: شعر .... وكتابات أخرى إلى زينب .... | فرحات عباس | 08-25-14, 08:33 PM |
Re: شعر .... وكتابات أخرى إلى زينب .... | فرحات عباس | 08-26-14, 07:03 PM |
Re: شعر .... وكتابات أخرى إلى زينب .... | فرحات عباس | 08-27-14, 07:54 AM |
Re: شعر .... وكتابات أخرى إلى زينب .... | فرحات عباس | 08-28-14, 08:43 AM |
Re: شعر .... وكتابات أخرى إلى زينب .... | محمد صديق | 08-28-14, 09:49 AM |
Re: شعر .... وكتابات أخرى إلى زينب .... | فرحات عباس | 08-28-14, 06:40 PM |
Re: شعر .... وكتابات أخرى إلى زينب .... | عبدالمنعم الطيب حسن | 08-29-14, 02:17 PM |
Re: شعر .... وكتابات أخرى إلى زينب .... | فرحات عباس | 08-31-14, 11:59 AM |
Re: شعر .... وكتابات أخرى إلى زينب .... | فرحات عباس | 09-01-14, 07:22 PM |
Re: شعر .... وكتابات أخرى إلى زينب .... | فرحات عباس | 09-02-14, 07:59 PM |
Re: شعر .... وكتابات أخرى إلى زينب .... | محمد صديق | 09-03-14, 10:47 AM |
Re: شعر .... وكتابات أخرى إلى زينب .... | فرحات عباس | 09-06-14, 07:05 PM |
Re: شعر .... وكتابات أخرى إلى زينب .... | فرحات عباس | 09-10-14, 08:39 AM |
Re: شعر .... وكتابات أخرى إلى زينب .... | محمد صديق | 09-10-14, 11:09 AM |
Re: شعر .... وكتابات أخرى إلى زينب .... | فرحات عباس | 09-12-14, 09:00 AM |
Re: شعر .... وكتابات أخرى إلى زينب .... | فرحات عباس | 09-13-14, 12:55 PM |
Re: شعر .... وكتابات أخرى إلى زينب .... | فرحات عباس | 09-15-14, 03:37 PM |
Re: شعر .... وكتابات أخرى إلى زينب .... | عبيد الطيب | 09-16-14, 04:23 AM |
Re: شعر .... وكتابات أخرى إلى زينب .... | عبدالمنعم الطيب حسن | 09-16-14, 05:35 AM |
Re: شعر .... وكتابات أخرى إلى زينب .... | فرحات عباس | 09-16-14, 07:27 AM |
Re: شعر .... وكتابات أخرى إلى زينب .... | فرحات عباس | 09-16-14, 06:32 AM |
Re: شعر .... وكتابات أخرى إلى زينب .... | محمد صديق | 09-16-14, 11:09 AM |
Re: شعر .... وكتابات أخرى إلى زينب .... | فرحات عباس | 09-17-14, 06:05 AM |
Re: شعر .... وكتابات أخرى إلى زينب .... | فرحات عباس | 09-18-14, 02:56 PM |
Re: شعر .... وكتابات أخرى إلى زينب .... | فرحات عباس | 09-19-14, 05:33 PM |
Re: شعر .... وكتابات أخرى إلى زينب .... | محمد صديق | 09-21-14, 10:09 AM |
Re: شعر .... وكتابات أخرى إلى زينب .... | فرحات عباس | 09-22-14, 06:30 PM |
Re: شعر .... وكتابات أخرى إلى زينب .... | فرحات عباس | 09-23-14, 10:27 AM |
Re: شعر .... وكتابات أخرى إلى زينب .... | فرحات عباس | 09-23-14, 01:47 PM |
Re: شعر .... وكتابات أخرى إلى زينب .... | فرحات عباس | 09-26-14, 12:38 PM |
Re: شعر .... وكتابات أخرى إلى زينب .... | فرحات عباس | 09-28-14, 06:10 PM |
Re: شعر .... وكتابات أخرى إلى زينب .... | فرحات عباس | 10-02-14, 08:45 AM |
Re: شعر .... وكتابات أخرى إلى زينب .... | فرحات عباس | 11-22-14, 07:28 AM |
|
|
|