ياخالتي نجاة ...السنة دي ماخبزتوا...؟ الله عليك ياحبيب نوره ( وجع وحنين )

Quote: "يا خالتي نجاة إنتوا السنة دي ما خبزتوا؟" . "لا دقيقنا قصّر! أجي كيف ما خبزنا؟ عاد لا خلينا بسكويت لا ناعم، يقصِّر الملح يا يمة!" . "هو بالصّح العيد واقع جمعة؟" . "لا ياخوي أظنهم بفطرونا مع ناس السعودية" . "إنتي يا خالتي عليك الله مالكم ما خبزتوا؟؟" . "هوي آ جنى خبيز شنو وجدّك حاج الطاهر دي أول سنة ليه؟؟" . ياااااه! . يا لهُ من رحيل ذلك الذي غافل جدي الطاهر، وهو في عين حبوبة نصرة لسة صغير وجاهل، لدرجة أنها كانت تُمنِّح بالقرع والسيف ساعة وفاته التي لم نكن نفهم ما تعني، وتكيلُ على رأسها من "هبُّود" صاج العواسة في حسرة، واللدايات ينظرن إليها شزراً وهي تعوسُ من جردلِ دموعها الفطيرة، طبقين كسرة! . وتجولُ في الحوش الكبير مثل "قرقريبة" مطرطشة أثقل كاهلها كثرة عجين الحزن، فظلت تردد مثل حجر طاحونة هجرتهُ الفتريتة فأخذ يصيحُ ملتاعاً: {الليلة يا مُرواد عماي،، الليلة يا عشاي} . حاج الطاهر الذي لم يستأذنهُ عزرائيل مطلقاً، ولكنهُ باغتهُ حين صلاة ، كإستدعاءٍ عاجلٍ من سلطةٍ علويةٍ لايوقة! ، وكان بينهُ وبين عرس خالتي الصغرى مسيرة خمستاشر صباح، وأترمّد البيت الكبير حسرةً . {أحيييي أحييي أحييييي، ووووب علي لا عقدت لي ووووب علي لا ضبحت لي، ووووب علي لا سلخت لي} . خالتي الصغرى تردح مولوِلة في الحوش وتفنجط كدحشة ديراوية، مكلوفة ومعلوفة، وقد ألتصق بباطن قدميها بقايا دخان جادت به قريحة الحفرة التي كانت لا تستطيع الصبر على سخونتها وهي محبوسةٌ للعرس!، فتفِرُّ منها نصف عارية غير عابئة بنظراتنا البريئة، ونحن نشغلُ أفواهنا بقندول عيش ريف حار، وخالتي نجاة تحاولُ أن تعيدها إلى جهنم الطلح وهي تقولُ في سخط: "ها الغبيانة دي! صحي الما بتعرف تتدخّن بتحرق ميتينا!" . ونسأل: "خالتي خالتي إتي ميتينا يعني شنو؟؟؟" . "ياولد أمشي تمشي مكسّر ومحسّر!" . تردّ في غضبٍ لا يخفى . {أحيييي يا أبوي .. يا البتملآ العين وبتكفي الدين .. أحيييي يا المُتّ في صلاتك أحييي يا الهمّلت بناتك!!} . نعم لم ينج جدي الطاهر من كمين عزرائيل، وتركنا نتحاوم في صيوان العزاء المنصوب في الفسحة الكبيرة نقتل الوقت بالمخاخيت . مازلتُ أذكره وهو يجوبُ الأُفق مُصنقعـاً يُنقِّبُ عن الهلال، باسطاً كفهُ اليسرى على جبهتهِ حتى تقيهُ لسعة شمس الأصيل، سائلاً: "إنت يا حاج النزير خلي بالك الشهر ده كبييير،خلي الناس ديل صوّمونا غلت!" . "يا الطاهر إنت شن خبّرك؟ يعني إنت بتشوف أكتر من الحكومة؟" . يبصق التمباك ويضحك . "ها زول ها علي اليمين الهلال الشافتوا عيني ده هلال يوميييين؟" . يقولها وهو يمعط لحيتهُ المعشكبة في عدم إكتراث، ويبصق سفّة مدردمة هو الآخر، وكأنهُ يقول : "طّظ في الحكومة، الشهر ده كبييير الناس ديل خلّي بالك حسابهم فارق!!" . لم أكن أعرف أن جدي الطاهر ذهب وأخذ معهُ العيد، إلا بعد أن تبدّلت جميع مظاهر الإحتفال في المنزل، ورأيت خالتي نجاة وهي مخنوقة بالعبرة! . أنظر إليها وألمح المغسة "مكنكشة" في عينيها اللتان كنت أخشى أن تدركهما دمعة، فتسجدان في "تبروقـة" البكاء! . "فتدفس" دموعها في الارض، وتحثو عليه بعض تراب "المقشاشة" التي كانت تطيب بها خاطر الحوش المكشر عن ترابه الطيني الذي هجرته الرمال!، ولسة مكرفون الجامع الكبير ما زال يلعلع بقوة {الله أكبر ... الله أكبر .... الله أكبر .. لا إله إلا الله الله أكبر .. الله أكبر ولله الحمد} . "إنتي يا خالتي نجاة ما خبزتوا وكمان مافي لقيمات نشرب بيه الشاي؟" . {الله أكبر الله أكبر .. الله أكبر ولله الحمد} . مكرفون الجامع كان يترجم ما يدور في صدري . غيري كان يعدو بجلابيتهِ الفرطاقة الأسموكين، وهو يستعجلُ المصليين حتى يحومُ جميع بيوت الحلة للمعايدة! . {العيد مبارك عليكم!، علينا وعليكم إتبارك، إنشاء الله القابلة عريس!} . بعضنا يا حسرة كان يستحم بدمعهِ، ويسرِّح شعرهُ معطاً ونتفاً، وهو ينزوي بلا جلابية فرطاقة أسموكين، ولا قطعة حلوى أو كعكة تمنحُ نفسهُ الموجوعة عيدية! . لم أستطع تحمّل فكرة إرتداء جلابية العيد الفات، فقد هريتُ لحمها في صلوات الجمعة وأعراس الحلة!، ولم أكن أفهم أن هنالك عيدٌ بلا عيد!! . كل ما أعرفهُ عن العيد هو جلابية أسموكين فرطاقة، وقطعة حلوى! . ونحن ما خبزنا وكمان ما ودّوني لي شيخ الزاكي الترزي الوحيد في الحلة ومؤذن الجامع القدامي . {الله أكبر الله أكبر الله أكبر .. لا إله إلا الله الله أكبر .. الله أكبر ولله الحمد} . حزمة من الأعياد مرّت علي وأنا لم أرتد جلابية أبي الفرطاقة الأسموكين، ولا أدري كم أنفقت أمي من الدقيق لتصنع خبيزاً آكلهُ أنا وأخوتي! . كم عدد الريالات التي حصدها رفاقي وهم يجوبون طرقات الحلة، وسكر الكعك يملأ خشومهم طفولةً وأعياداً؟ . ترى كم عدد المرات التي عدت وأنا بعيد عن طوطحانية عم فرج الله!!، ويا ترى كم بالونة طرشقت في غيابي وأنا أفتقد توبيخ خالتي نجاة التي كانت تخاف صوت طرشقة البالونات وهي تنتهرني: "يا ولد عما يعميك!!" . حزمة من الأعياد غادرتني وأمي تُسرفُ في الدعاء ولا رجوع . ولكنها هل تدري أن العيد للبعيد وجع قلب؟ . هل تدري أننا نيمّم وجوهنا شطر الحائط ونحن ندسُّ البكاء من عيون الغربة التي أخترناها جبراً، وبدلاً عن المعايدة، نطلق حمائم هواتفنا لنعزِّي أنفسنا في البعيد! . ولكن أين المفر؟ . يااااااه يا بلد . {الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر .. لا إله إلا الله الله أكبر .. الله أكبر ولله الحمد} . "خالتي نجاة السنة دي إن شاء الله خبزتوا؟؟؟" .