شوق الدرويش .. حمور زيادة .. (صور) :

Quote: حمور زيادة علي حسابه في الفيس بوك : اني أطأ الثريا فخراً بما كتبه فيصل محمد صالح عن رواية شوق الدرويش هذه الشهادة أقيم عندي من ترشيحات البوكر وما فوقها ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ شوق الدرويش: انطباعات عجلى "كُلُّ شوقٍ يسكن باللقاء، لا يعُوّلَ عليه " ابن عربي (من مقدمة الرواية) هل ذلك تأثير الرواية فعلا، أم أنني قرأتها في جو ملتبس، وهيات نفسي لوساوسها، فقد خرجت بانطباع أنها رواية "ممسوسة" لكاتب "ممسوس" وقد وصلني شئ من مسها في شكل طيوف ورؤى وهلاويس. لثلاثة أيام كانت تداهمني شخصيات الرواية ووقائعها بين اليقظة والمنام، وتنقلني لزمنها وأحداثها. بخيت منديل بطل الرواية عاشق عظيم من زمن مضى، كان عبدا رقيقا مملوكا لسيد، ثم حرره الحب من العبودية، أو نقله لعبودية من نوع آخر، فما عاد يشعر بها او يتصرف تحت تأثيرها، ملك أمر نفسه كعاشق ومحب، ثم ملك أمر الرواية وأحداثها، وتصرف فيها على هواه، ثم قرر في حيوات أناس وضعوا أنفسهم خصوما له ولحبه، دروا أو لم يدروا بذلك، فصارت مهمته في الحياة أن يقتص منهم ردا لدين حبيبته. كل شخوص وأحداث الرواية لهم صلة بحياته أو حياة حبيبته، الراهبة الإغريقية المصرية ثيودورا أندرياس إليفثيريوس" حواء " التي جاءت للسودان ضمن إرسالية دينية لتهدي خراف الرب الضالة، فوجدت نفسها وسط أحداث عاصفة، مريسيلة التي أحبته حبا يائسا لا رجاء فيه، وهي تعرف ذلك. الشيخ إبراهيم ود الشواك، آخر ضحاياه الذين انتقم منهم، وصبيه الحسن الجريفاوي، الصوفي المجاهد الذي يكتم يأسه وحيرته بعذاب شديد، الطاهر جبريل، يونس ود جابر، إدريس النوباوي وآخرين. وهناك من جانب آخر الأب بولس ورفاق ورفيقات ثيودورا في الإرسالية بما فيهم فضل الكريم خادمة الدار. ولأن الحب مبرر كافي لا يحتاج لتفسير، فلم يجهد الكاتب نفسه ليقنع أحدا لم أحب بخيت منديل، الرقيق السابق، وهو خلو من أية ميزات أو مميزات خاصة أو ممتلكات، الإغريقية المصرية الحسناء ثيودورا، ولم أنست له وتجاوبت معه، دون أن تعلن حبا من جانبها. وحتى عندما قررت أن تفعل ذلك في يومها الأخير، خان قلب بخيت سيده، وما دله على الفرح الكثير الذي ينتظره، بل أغرقه في نيران الغيرة والوساوس وغيبوبة المريسة، فاته الموعد، وفاتت الحياة من جسد ثيودورا، أو فاتت هي من الحياة. ليست من ثمة دهشة للقارئ إزاء هذه العلاقة، فهو قطعا سيتقبلها مثلما يتقبل أحداث الحياة العادية والمقبولة. لا يتقيد الكاتب بالترتيب الزمني للأحداث، لا تمضي الرواية في خط زمني واحد ورتيب، بل يستخدم الكاتب تكنيكا متقدما يجعل فصولها تنتقل برشاقة بين الحاضر والماضي، تربط الوقائع والشخصيات بالأحداث برباط محكم، ينتهي بكل مصائرها عند مصير بخيت منديل. في بداية الرواية كان بخيت مسجونا في سجن الساير، حين أتته الحرية "على بوارج الغزاة وخيولهم في سبتمبر 1898 مع دخول الجيش المصري للبلاد. انكسرت دولة مهدي الله. لم يشعر أنه حر، بينه وبين حريته دماء، بينه وبين حريته ثأر." ومن هناك بدأت رحلته العجيبة، من سجن العبودية إلجبري إلى أسر الحب الطوعي، الذي سيكلفه حياته. خلفية الرواية التاريخية تصاحب بدايات الثورة المهدية، ثم انتصارها الباهر، وتعاصر دولة الخليفة عبد الله، وتقترب من الانتهاء مع دخول الجيش الغازي. رغم ذلك هي ليست رواية تاريخية، فأحداث التاريخ هنا مجرد لوحة خلفية لقصة عشق باذخة، لكن لا ينجو أحد من أبطال الرواية من ربط مصيره بأحداث التاريخ، فهم إما مجاهدين مهدويين، حاليين أو سابقين، أو مخالفين، أو مداهنين، أو ضحايا أحياء أو أموات. شخصيات الرواية منحوتة بعناية، لا تأتي لسياق الأحداث عبثا، محكومة بسياق أحداث تاريخية مقروءة ومدروسة بعناية، بذل الكاتب فيها جهدا كبيرا، بذل فيها وقتا للبحث والتاكد والتدقيق، لم يستسهل الأمر أو يتكاسل عنه. هي رواية ممتعة ومشوقة، يستمتع بها من يقرأها، وسيعود لها مرة أخرى، وليس غريبا إن احتلت مقدمة الروايات المرشحة لجائزة البوكر العربية. هي رواية دسمة من حيث الأحداث والشخوص والوقائع، مكتوبة بلغة شعرية رائقة، وباستخدام تكنيك متقدم. لدينا رواية سودانية كاملة الدسم تستحق أن تنافس بجدارة، دون مجاملة أو طبطبة، على موقع متقدم في مسيرة الرواية العربية، ولنا أن نفخر باسم روائي كبير يحفر لنفسه مكانا متقدما، وبجدارة.، اسمه حمور زيادة.