|
Re: حكاياتي كولها ... (Re: معاوية المدير)
|
حكاية اللصة ...
صيف 1987... في إجازة عيد الفطر سافرت مع مجموعة من الزملاء لمدينة حلفا الجديدة لحضور مرآسم زواج زميل لنا في مصلحة المخازن والمهمات، وكان أحد الزملاء قد وجّه لنا دعوة لزيارته في مدينة كسلا. توجهنا من حلفا الجديدة إلي كسلا في عِزّ الصيف عبر البُطانة حيث نزل بنا الباظ في وادٍ جاف صحراوي يبدو كضفتي النهر. سألت الراكب بجانبي، عن الوادي، فأجابني هذا مجرى نهر اللتبراوي، عندها قفذت إلي ذهني صورة المقرن. ليس مُقرن الخرتوم بل مقرن عطبرة حيث يعانق اللتبراوي النيل عناق حآر في الجزء الجنوبي الغربي من مدينتي الحبيبة اتبرا. إسترسلتُ في الذكريات مع هذا النهر المجنون والنيل الذي ترعرعت علي ضفتيه. الذي يميّذ عطبرة عن بقية مُدُن السودان الترآبط الإجتماعي، لكنها إرتبطت في ذِهن البعض بالكتاتيح والهبايب. أذكُر عندما تجي كتآحة مقلّعة من الجهة الجنوبية الشرقية حيث يقع حي الطِليّح آخر أحياء عطبرة من تلك الجهة، أهلنا يقولوا، الليلة اللتبراوي وقع ، يعني نهر اللتبراوي جا مندفع من أعلى مرتفعات الحبشة، فهو لا يأتي في صمت ولا يهدأ حتي ينتهي موسم الفيضان. اللتبراوي في طريقه لملآقاة النيل يجرف ايّ شئ يصادفه في مجراه من أخشاب وحيوانات وهوام، وزوآحف، إضافة إلي كلّ مخزونات ذلك الوادي الجاف الذي قطعته في الطريق إلي أرض القاش. عطبرة أعشقها حدّ الثمالة، تلك المدينة المترآبطة الأحياء كما الجسد الوآحد إذا إشتكت الحصايا تداعت لها الدآخلة وبقية أحياء عطبرة بالسهر والألم حتي تتعافى. وُلدت وترعرعت علي شاطئ النيل في قرية السيالة حيث كان إرتباطنا بالنيل إرتباط مباشر، فقد كان مسرح لهونا علي مدآر السنة، عندما ينحسر نتخذ رماله ميادين للعب كرة القدم، وعندما يهيج ويمتلئ مجراه في موسم التساب يحلو لنا صراع أمواجه، نتسابق نحو الأخشاب التي يقذف بها اللتبراوي في جوف النيل.
عندما يهيج النيل في زمن التساب مدفوعاً باللتبراوي دائماً ما يصاحب هيجانه إشاعة بأنه قد جلب من جنوب الوادي تمساح عُشاري ليسكن شُدر السُنُط الكابي فوق الخبوب، أو إنه قذف بأصلة إلي البر لتختبئ في غابات السُنُط والطلح مترصدة بهايم الفريق.
الظلآم دآمس وأشجار النخيل علي ضفة النيل الشرقية تبدو وكأنها عمالقة من قوم عاد وثمود. النيل يفوّر ويموّر ويزمجر في جوف الظلآم كأنه مارد أُسطوري حبيس كهف في جوف الجبال، وقد بدأت الجزيرة بالضفة الغربية سابحة في خط متعرّج بين أمواج النيل الهادرة وظلمة الليل البهيم كأنها سفينة عملاقة حطمتها ريحٌ عقيم. سرت الإشاعة كسريان الرعشة في الجسد المحموم بأنّ النيل قد قذف بأصلة إلي بر الأمان. أصبح الناس في حالة ترقُب وحذر، مِن الوآطة تبقى المِغيّرِب يضايروا الشُفّع والغنيمات، فتظل القرية تسبح في ظلآم دآمس يتسكع في فضاءها الصمت فلا تسمع غير بعض الأصوات المتقطعة التي تخترق جدار الصمت بين الفينة والأُخرى صادرة من هوام الأرض والحيوانات المتوحشة، وكـلآب الحِلّة. إنقطعت تماماً أصوات الأطفال وما عادوا يلعبون شدّت وشليل في زقاقات الحِلّة. طلقت إشاعة بأنّ اللصلة إفترست عتود ود المنصوري عندما كان يرعى أغنامه في غابات الطلح شرق القرية بالقرب من حرازة ناس الملك. مجالس القرية أصبح الحديث فيها عن اللصلة، حيث ترك الناس الحديث في السياسة والرياضة وأصبح همهم الأوّل والأخيّر اللصلة وكيفية القضاء عليها. النعمان: النصيح، آ زول علي الحرام إشتهيت نبيح منصور اللبرق. النصيح: بارك الله في اللصلة، خلتو من المِغيرب يلزم اهلو، أوّل من ضنب الكديس يتغتا يمشي يترُسا عيش ويجي ينبح في الشوارع، أنا اللبرق أنا الشافو خلو، أرقد يا عيش أنا جرابك. هلآ، هلآ الليلة رقد وآطا !!!. النعمان: قالوا النصيبة دي بلعتلها عتوداً هِيّل المناصير !!!. ود العوض: آ زول علي اليمين في ناس شافوها، قالوا فتحت خشُما هن قدُر، والخشُم شيّن وملآن لغاويس، وقالت كدي جب زلقتو في بطُنا !!!. النعمان: الخرآآآآآآبة، بلآ ياخُدا !!!. النصيح: والله حجرتنا المرقة، ترانا بقينا من الوآطة تمغرب نلزم اهلنا. يعلم الله صلآة العِشا دي خليناها. ود العوض: المخيّر الله !!!؟؟؟.
مُنتصف النهار، النيل يفوّر ويموّر مهدداً الحِلة التحتانية. الناس والحيوانات والطيور، وهوآم الأرض، الكُل في ثبات عميق عدى بت الصعيد وقد بدات تتصبب عرقاً وهي متجهة نحو منزل الرحمة بت خير السيّد. بت الصعيد: سلآم هوي يا الجُوّة، الرحمة كيفِنكُن ؟؟؟ الرحمة: حباب بت الصعيد، أدُخلي لا جُوّة. بت الصعيد: احييييييا من دي القلآية !!!، الحقني بمِهية مويّة. الرحمة: نحن عآد من يقع اللتبراوي دا بلآ يولّع فوقنا الوآطة ويلملم فوقنا اللصل، والتماسيح ماني خابرالو جيّهة. بت الصعيد: يا دِي، قالوا، بلعتلها وِليداً للمناصير!!!. الرحمة: هووووي يا بت الصعيد، جيهي خباراتك، الشي عتود. بت الصعيد: العتود بتبلعو والجنا بتبلعو، وإنت برآك اكان لمّت فيك، بعتنيبتك البتضفري فيها دي بتبلعك. الرحمة: يا يُمّا مِتنافضاها . يا بركة سيدي، تبلعك إنت يا الماعندك طعم. بت الصعيد: وكت ما عندي طعم بالعاني لشنو ؟؟؟ ما تبلعك إنت الطاعمة. كدي سوّن لي غدا، اللزم اهلي قبال تمغرب.
الحِلة تسبح في ظلآم دآمِس، والسكون مُخيّم علي الوجود حتي يخيل إليك أنّك تتحسسه وتلمسه بجوارحك، والأرض تنفُث من داخلها بخار ممزوج برُطوبة يتخلل الملآبس مصحوباً برائحة البرسيم والخدار. مجموعة من رِجال الحِلّة يتسامرون فوق عتبة دُكان عثمان الترزي. الزين: يا جماعة اللصلة خبرا شنو ؟؟؟. السِميد: آ زول امسينا بالله، هسّع الشي دي طاريها مالك ؟؟؟. خير الله: قالوا شافوها مِنبطحة في جدول المشروع. الحِويج: آ زول ود الصِعيل حلف قال، شاف أترا في شارع الدومة زي لِستِك المجروس. السِميد: البلآ الياخُدا ... سجم أُم البتلم فيهو، وحات الله. ود العوض: هسّع البتودينا اهلنا شِنِي ؟؟؟. إن شاء الله تلِم فيك يا السِميد تنطويلك في رقبتك البلا رقبة السُقدة دي. السِميد: إن شاء الله تلِم فيك إنت يا المقبوح تعدِمك نفاخة النار. القبحة فوقك. في هذه اللحظة بدأ شبح إتنين من شباب القرية يلوح في الضلآم. الحاج: ديل مِنُنُ ديل، البتبنوا في الضُلُمة دي ؟؟؟. يا جنوّن اللصلة دي ما سمِعتوبا ؟؟؟. ود العوض: التاج !!! يا جنوّن ماشين وين ؟؟؟. إقترب التاج من ود العوض وهمس في أُذنه. ود العوض: والله دي عوجة كبيرة خلآس !!!. السِميد: في شنو ؟؟؟. ود العوض: قالوا اللصلة في تُكُل ناس ود الخليفة . السِميد: هلآ، هلآ يا ود العوض، جاتك في بطُن بيتك. إسركن تب.
إنسرب الخبر عبر الظلآم الدامس في حيشان القرية ليطرق اسماع الكبار والصغار. بدأ ناس الحِلة التوجه نحو بيت ود الخليفة تحت ستار الحيطة والحذر من جميع الزُقاقات، وهُم مدججين بالعكاكيز والأسلحة البيضاء. النصيح، هامساً: حاج جبريل، سمعت الخبر ؟؟؟ حاج جبريل: ايوا، سِمِناهو . النصيح: الله يستُر . حاج جبريل: اسلة دا أنِي نارِف نأدبوا كويس . النصيح: كيفِن يا حاج جبريل ؟؟؟!!!. حاج جبريل: ايوا،،، دا نِزام بتااُوا إندي أنا. النصيح: يا زوووول !!!؟؟؟. حاج جبريل: تشوف، انِي أخُت كُراااي دا للسلة في خشمو، ولما يبلأ نُس الكراع بسكيني دا بأرِف كيف نودبوا.
وصل النصيح وحاج جبريل إلي بيت ود الخليفة الذي كان مستّف بجمع غفير من ناس القرية. الظلآم دآمس، واللصلة تتحرك بجسمها الكبير في داخل التُكُل، والكُل في إنتظار ود الزبير الذي عُرِف في الحِلة بالتصدى للمرافعين والتماسيح واللصل، وجميع الحيوانات المتوحشة والـكِـلآب السعرانة التي تهدد أمن الحِلة، فهو الوحيد الذي يملك بندقية خرطوش ويجيد النيشان. النصيح: يا جماعة كدي فِجوا لحاج جبرين دا اليدخل عليها. حاج جبرين: قلت شنو يا النسيه ؟؟؟ النصيح: ما قلت بتوضبا !!!؟؟؟. حاج جبرين: يا النسيه اخوي اسلة دا بتأ بهر مُش في إختِساسي، اني نأرِف نودِب اسلة بتأ خلا. اي والله. أهو ود الزبير وسل، خليهو يشوف شُقلوا مأها.
الظلآم يكاد يبتلع الحِلة، والخوف أصبح مزروع في كل مكان، والكُل صوّب بصره نحو ود الزبير وهو قد عمّر بندقيته وإنكبّ عليها منشناً نحو اللصلة التي كانت تبدو وكأنها ملتوية في خُمارة العجين. نسمة رقيقة هبت في المكان و ود الزبير قد أحكم تنشينه علي اللصلة وأُصبعه قد لآمس الزناد، وقلوب الجميع كادت تبلغ الحناجر في هذه اللحظة الحاسمة، فجأة وسط دهشة الجميع عدل ود الزبير عن تنشينه وهبّ واقفاً بهامته الفارهة، وتقدم نحو التُكُل. الكُل في حالة ذهول تام، والدماء كادت أن تتجمد في العروق عندما بدأ ود الزبير يتقدم نحو التُكُل.
دخل ود الزبير التُكُل في هدوء تام، وأحكم قبضتة علي اللصلة وسط دهشة الجميع، وراح يجرها خارج التُكُل !!!. صاح حامد العولآق صيحة شقت حُجُب الظلآم لتتفجر في أفاق الحِلة ممزوجة بضحكته المألوفة: هاهاهاهاهاهاهههههههههههههه، تقروقة الصلآة.
ود المدير...
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
حكاياتي كولها ... | معاوية المدير | 05-13-14, 09:34 PM |
Re: حكاياتي كولها ... | معاوية المدير | 05-13-14, 09:41 PM |
Re: حكاياتي كولها ... | معاوية المدير | 05-13-14, 09:44 PM |
Re: حكاياتي كولها ... | معاوية المدير | 05-13-14, 09:54 PM |
Re: حكاياتي كولها ... | munswor almophtah | 05-13-14, 09:49 PM |
Re: حكاياتي كولها ... | معاوية المدير | 05-13-14, 10:01 PM |
Re: حكاياتي كولها ... | جلالدونا | 05-13-14, 10:03 PM |
Re: حكاياتي كولها ... | ملهم كردفان | 05-13-14, 10:57 PM |
Re: حكاياتي كولها ... | عبدالعزيز عثمان | 05-13-14, 11:43 PM |
Re: حكاياتي كولها ... | عادل الباهي عبدالرازق | 05-14-14, 00:59 AM |
Re: حكاياتي كولها ... | معاوية المدير | 05-14-14, 06:17 AM |
Re: حكاياتي كولها ... | معاوية المدير | 05-14-14, 06:30 AM |
Re: حكاياتي كولها ... | معاوية المدير | 05-14-14, 06:37 AM |
Re: حكاياتي كولها ... | معاوية المدير | 05-14-14, 06:44 AM |
Re: حكاياتي كولها ... | معاوية المدير | 05-14-14, 09:39 AM |
Re: حكاياتي كولها ... | معاوية المدير | 05-14-14, 09:51 AM |
Re: حكاياتي كولها ... | ismeil abbas | 05-14-14, 11:03 AM |
Re: حكاياتي كولها ... | معاوية المدير | 05-14-14, 08:34 PM |
Re: حكاياتي كولها ... | معاوية المدير | 05-14-14, 08:40 PM |
Re: حكاياتي كولها ... | معاوية المدير | 05-14-14, 08:48 PM |
Re: حكاياتي كولها ... | معاوية المدير | 05-15-14, 01:18 AM |
Re: حكاياتي كولها ... | معاوية المدير | 05-15-14, 08:57 PM |
Re: حكاياتي كولها ... | معاوية المدير | 05-15-14, 09:03 PM |
Re: حكاياتي كولها ... | معاوية المدير | 05-15-14, 09:12 PM |
Re: حكاياتي كولها ... | معاوية المدير | 05-16-14, 10:40 AM |
Re: حكاياتي كولها ... | معاوية المدير | 05-16-14, 08:02 PM |
Re: حكاياتي كولها ... | معاوية المدير | 05-16-14, 08:09 PM |
Re: حكاياتي كولها ... | معاوية المدير | 05-16-14, 08:15 PM |
Re: حكاياتي كولها ... | معاوية المدير | 05-17-14, 10:59 AM |
Re: حكاياتي كولها ... | معاوية المدير | 05-17-14, 10:40 PM |
Re: حكاياتي كولها ... | معاوية المدير | 05-18-14, 09:04 PM |
Re: حكاياتي كولها ... | معاوية المدير | 05-18-14, 09:20 PM |
Re: حكاياتي كولها ... | معاوية المدير | 05-19-14, 10:01 PM |
Re: حكاياتي كولها ... | معاوية المدير | 05-21-14, 01:08 AM |
Re: حكاياتي كولها ... | Khalid Elmahdi | 05-21-14, 01:46 AM |
Re: حكاياتي كولها ... | معاوية المدير | 05-21-14, 09:04 AM |
Re: حكاياتي كولها ... | معاوية المدير | 05-22-14, 00:17 AM |
Re: حكاياتي كولها ... | عبدالعزيز عثمان | 05-22-14, 03:07 AM |
Re: حكاياتي كولها ... | عبد المنعم سيد احمد | 05-22-14, 03:15 AM |
Re: حكاياتي كولها ... | عبد المنعم سيد احمد | 05-22-14, 03:18 AM |
Re: حكاياتي كولها ... | معاوية المدير | 05-25-14, 05:14 AM |
Re: حكاياتي كولها ... | معاوية المدير | 06-01-14, 04:50 AM |
Re: حكاياتي كولها ... | محمد على طه الملك | 06-01-14, 05:46 AM |
Re: حكاياتي كولها ... | معاوية المدير | 06-03-14, 09:01 PM |
Re: حكاياتي كولها ... | معاوية المدير | 06-04-14, 10:43 PM |
Re: حكاياتي كولها ... | معاوية المدير | 06-07-14, 01:31 PM |
Re: حكاياتي كولها ... | معاوية المدير | 07-07-14, 10:22 AM |
Re: حكاياتي كولها ... | معاوية المدير | 07-15-14, 10:10 PM |
Re: حكاياتي كولها ... | معاوية المدير | 07-22-14, 09:37 PM |
Re: حكاياتي كولها ... | معاوية المدير | 07-25-14, 12:32 PM |
Re: حكاياتي كولها ... | معاوية المدير | 07-29-14, 11:32 PM |
|
|
|