|
Re: الرسالة الثانية من الإسلام (Re: جمال المنصوري)
|
المغفرة لآدم وحواء
كيف غفر لآدم ؟ إن الله أمر الملائكة أن يسـجدوا لآدم فأطاعوا ، وأمر إبليس أن يسجد لآدم فعصا ، فأما الملائكة فقد أطاعوا الأمر التشريعي ، وهم (( لا يعصـون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمـرون )) وأما إبليس فقد عصا الأمر التشريعي ، ولكنه بالمعصية ، أطاع الأمر التكويني ، وليس له من ذلك بد . والسجود يعني تسخير الملائكة لآدم ، وتسخير إبليس ، على تفاوت في التسخيرين . فتسخير الملائكة إعانة على الخير ، وهداية إلى الحق ، وتسخير إبليس دلالة على الشر ، وإضلال عن الحق ، وآدم متنازع بين الخير من أعلى ، والشر من أسفل ، وهو في الحالتين ساير إلى الله . (( وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة )) فالنعم الظاهرة هي العوافي ، والنعم الباطنة هي المصائب .. وكلها رحمة ، وإن كانت النفوس تنفر من المصائب ، وترتاح إلى العوافي ، ولكن الله تبارك وتعالى يقول (( كتب عليكم القتال وهو كره لكم ، وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم ، وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم ، والله يعلم ، وأنتم لا تعلمون )) ، وكل المصيبة في نقص العلم . فإذا تصورت أول مخلوق بشري قائم على الخط الفاصل بين الحيوانية والإنسانية ، وتصورته رأس سهم التطور ، فقد تصورت آدم الخليفة في الأرض ، وهو في مرحلة من مراحل تطوره من بدايات سحيقة ، ولكنها مرحلة تحولية ، دخلها بقفزة فريدة ، نتجت عن استجماع فضائل شتى ، اختزنها أثناء تطوره الطويل ، المرير ، من تلك البدايات السحيقة ، وتلك القفزة هي المعبر عنها بقوله تعالى (( ثم أنشأناه خلقا آخر )) من الآيات الكريمات (( ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين * ثم جعلناه نطفة في قرار مكين * ثم خلقنا النطفة علقة ، فخلقنا العلقة مضغة ، فخلقنا المضغة عظاما ، فكسونا العظام لحما ، ثم أنشأناه خلقا آخر ، فتبارك الله أحسن الخالقين )) . وهي بعينها المعبر عنها بقوله تعالى (( ونفخت فيه من روحي )) من الآيتين الكريمتين (( وإذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من صلصال من حمأ مسنون * فإذا سويته ، ونفخت فيه من روحي ، فقعوا له ساجدين )) . (( فإذا سويته )) هذه ، تشير ، بإجمال معجز ، إلى سلسلة التطور التي بدأت من بخار الماء ، حيث كانت السموات والأرض سحابة واحدة ، والى أن استعد المكان لنفخ الروح الإلهي فيه . ولقد قلنا أن الروح الإلهي هو (( إرادة الحرية )) التي توجت (( إرادة الحياة )) فارتفع بها الإنسان فجأة فوق الحيوانات العليا . ولم توجد إرادة الحرية فجأة بعد عدم ، وإنما برزت بعد كمون طويل فهي بمثابة الزبدة التي مخضها العراك من لبن الحياة ، ولقد تحدثنا عنها آنفا وقلنا أنها دخلت في عراك مع إرادة الحياة ، وأن العقل نتيجة هذا اللقاء. وإرادة الحياة نبتت من الأرض ، وعوامل السماء فيها موجودة ، ولكنها أضعف من عوامل الأرض . وإرادة الحرية نشـأت من الأرض ، ولكن عوامل السماء فيها قوية ، فبها القامة البشرية قامت على الرجلين ، وخصصتهما للمشي ، وفرغت بذلك اليدين لمزاولة أعمال ذات صلة بالعقل أكبر ، وكذلك استطاعت أن تدير رأسها ، بسهولة ، ويسر ، على ما حولها ، وما فوقها ، فترى الشمس والقمر والنجـوم ، وأن تمشي سوية ، تهتدي في مسالك الأرض ، وفي طرائق السماء (( أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى ، أم من يمشي سويا على سراط مستقيم ؟ )) وآدم ، في الوجود ، متنازع بين الملائكة من أعلى ، والأبالسة من أسفل ، فهـو برزخ الوجود كله ، وهو في ذلك عقل الوجود أيضا ، والله تبارك وتعالى يعنيه حين قال ، جل من قائل (( مرج البحرين يلتقيان * بينهما برزخ لا يبغيان )) والبحران هنا هما : بحر الأرواح العلوية ، التي أشرقت بالطاعة ، وبحر الأرواح السفلية التي انكدرت بالمعصية . وعقـل آدم ، فـي آدم ، متنـازع بـيـن (( إرادة الحيـاة )) وهـي النفـس ، من أسـفل ، و (( إرادة الحـرية )) ، وهي الروح ، من أعلى ، وهو أيضا برزخ ، والله تعالى يعنيه ، في الآيتين الكريمتين السالفتين ، وهو معناهما الباطن ، وآدم معناهما الظاهر . والنفس قانونها ابتغاء اللذة بكل سبيل ، واجتناب الألم بكل سبيل أيضا . ولذلك فهي تطيع الأمر التكويني ، وتثقل عليها طاعة الأمر التشريعي ، لأنه يضع لها الحدود ، وهي في ذلك أشبهت إبليس . والروح قانونها الحرام والحلال ، وهي تبتغي من النفس أن تستعصم عن اللذة العاجلة إذا كانت حراما ، وذلك ابتغاء اللذة الآجلة الحلال ، وفرارا من الألم المترتب على تعاطي اللذة الحرام ، سواء كان هذا الألم معجلا أو مؤجلا. ولذلك فهي ترتفع من طاعة الأمر التكويني ، إلى طاعة الأمر التشريعي . وهي في ذلك أشبهت الملائكة . وآدم ، في هذه المرحلة البدائية من تطوره ، قيل له كل من هذا ، ولا تأكل من هذا .. أي قيل له هذا حرام وهذا حلال ، فإن هو قوي على مراغمة النفس ، وعصا أمرها بالسـوء ، واجتنب الحرام ، فقد أحسن التصرف في حريته ، واستحق أن يزاد له فيها ، والله تعالى يقول (( هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ؟ )) وجزاء الإحسان مضاعف ، وذلك محض فضل . اسمعه يقول ، (( من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ، ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها ، وهم لا يظلمون )) . وقد تضاعف أضعافا كثيرة ، وقد تضاعف بغير حساب .. اسمعه تبارك وتعالى يقول (( مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل ، في كل سنبلة مائة حبة ، والله يضاعف لمن يشاء ، والله واسع عليم )) فههنا الحبة أنبتت سبع سنابل ، في كل سنبلة مائة حبة ، فذلك سبعمائة ضعف ، ثم قال ، فوق ذلك ، (( والله يضاعف لمن يشاء )) كأن يكون سبعة آلاف ضعف ، أو سبعين ألف ضعف ، فإذا قال (( والله واسع عليم )) فقد خرج عن العدد ، إلى السعة المطلقة . وإن هو لم يقو على مراغمتها ، وضعف أمام إغرائها ، واسترسل في تحصيل شهوتها الحرام ، فقد أساء التصرف في حريته ، وعرضها ، من ثم ، للمصادرة . فإن كان سوء تصرفه هذا فيه اعتداء على حق من حقوق الجماعة ، صودرت حريته وفق قانون المعاوضة في الشريعة ، وآيته من كتاب الله قوله تبارك وتعالى: (( وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس ، والعين بالعين ، والأنف بالأنف ، والأذن بالأذن ، والسن بالسن ، والجروح قصاص ، فمن تصدق به فهو كفارة له ، ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون )) . وإن كان سوء تصرفه إنما يقع وباله على نفسه وحدها ، دون غيرها من الأنفس ، صودرت حريته وفق قانون المعاوضة في الحقيقة ، وآيتاه من كتاب الله قوله تبارك وتعالى (( فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره )) . هذا ولا يظنن أحد ان قانون المعاوضة في الشريعة ، دائما ، كان في هذا الإحكام الذي وردت به التوراة ، ثم أقره الإنجيل من بعدها ، ثم جاء القرآن بتأييده وإقراره . ذلك بأنه قانون يتطور مع تطور المجتمع البشري ، ويتأثر بمستوى دقة العقل البشري ومقدرته على مضاهاة قانون الحقيقة الذي هو أصله ، والذي كان ، ولا يزال ، في منتهى الإحكام ، وهو لم يغادر صغيرة ولا كبيرة الا أحصاها . والدقة التي هي حظ قانون المعاوضة في الحقيقة ، والتي فاتت كثير من صورها على قانون المعاوضة في الشريعة ، تجد ضبطها في أن القانونين يعملان معا في مصادرة حرية من عجز عن الوفاء بحق الحرية ، من غير أن تكون هناك عقوبتان على خطيئة واحدة ، وفي مستوى واحد من مستويات العقاب . وأقرب قوانين المعاوضة في الشريعة دقة من قوانين المعاوضة في الحقيقة الحـدود ، وهي أربعة .. الزنا والقذف والسرقة وقطع الطريق .. وترجع إلى أصلين هما حفظ العرض ، وحفظ المال ، وهما أول قانونين نشآ في المجتمع البشري البدائي ، وإليهما يرجع الفضل في جعل المجتمع ممكنا . ويلي هذه الحدود حد السكر ، ثم تجئ قوانين القصاص الأخرى في النفس بالنفس ، والعين بالعين . ومعاوضة فعل الشر إنما تكون بوضع الألم في مقابلة اللذة من النفس ، والمراد من ذلك وزن قواها حتى تعتدل ، ولا تحيف ، فتتهالك على اللذة بغير كتاب منير .
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
الرسالة الثانية من الإسلام | جمال المنصوري | 01-22-14, 05:59 AM |
Re: الرسالة الثانية من الإسلام | جمال المنصوري | 01-22-14, 06:00 AM |
Re: الرسالة الثانية من الإسلام | جمال المنصوري | 01-22-14, 06:02 AM |
Re: الرسالة الثانية من الإسلام | جمال المنصوري | 01-22-14, 06:04 AM |
Re: الرسالة الثانية من الإسلام | جمال المنصوري | 01-22-14, 06:07 AM |
Re: الرسالة الثانية من الإسلام | جمال المنصوري | 01-22-14, 06:09 AM |
Re: الرسالة الثانية من الإسلام | جمال المنصوري | 01-22-14, 06:11 AM |
Re: الرسالة الثانية من الإسلام | جمال المنصوري | 01-22-14, 06:12 AM |
Re: الرسالة الثانية من الإسلام | جمال المنصوري | 01-22-14, 06:14 AM |
Re: الرسالة الثانية من الإسلام | جمال المنصوري | 01-22-14, 06:15 AM |
Re: الرسالة الثانية من الإسلام | جمال المنصوري | 01-22-14, 06:16 AM |
Re: الرسالة الثانية من الإسلام | جمال المنصوري | 01-22-14, 06:17 AM |
Re: الرسالة الثانية من الإسلام | جمال المنصوري | 01-22-14, 06:18 AM |
Re: الرسالة الثانية من الإسلام | جمال المنصوري | 01-22-14, 06:22 AM |
Re: الرسالة الثانية من الإسلام | جمال المنصوري | 01-22-14, 06:23 AM |
Re: الرسالة الثانية من الإسلام | جمال المنصوري | 01-22-14, 06:24 AM |
Re: الرسالة الثانية من الإسلام | جمال المنصوري | 01-22-14, 06:25 AM |
Re: الرسالة الثانية من الإسلام | جمال المنصوري | 01-22-14, 06:26 AM |
Re: الرسالة الثانية من الإسلام | جمال المنصوري | 01-22-14, 06:27 AM |
Re: الرسالة الثانية من الإسلام | جمال المنصوري | 01-22-14, 06:28 AM |
Re: الرسالة الثانية من الإسلام | جمال المنصوري | 01-22-14, 06:28 AM |
Re: الرسالة الثانية من الإسلام | جمال المنصوري | 01-22-14, 06:29 AM |
Re: الرسالة الثانية من الإسلام | جمال المنصوري | 01-22-14, 06:30 AM |
Re: الرسالة الثانية من الإسلام | جمال المنصوري | 01-22-14, 06:31 AM |
Re: الرسالة الثانية من الإسلام | جمال المنصوري | 01-22-14, 06:31 AM |
Re: الرسالة الثانية من الإسلام | جمال المنصوري | 01-22-14, 06:38 AM |
Re: الرسالة الثانية من الإسلام | جمال المنصوري | 01-22-14, 06:39 AM |
Re: الرسالة الثانية من الإسلام | جمال المنصوري | 01-22-14, 06:40 AM |
Re: الرسالة الثانية من الإسلام | جمال المنصوري | 01-22-14, 06:41 AM |
Re: الرسالة الثانية من الإسلام | جمال المنصوري | 01-22-14, 06:42 AM |
Re: الرسالة الثانية من الإسلام | جمال المنصوري | 01-22-14, 06:43 AM |
Re: الرسالة الثانية من الإسلام | جمال المنصوري | 01-22-14, 06:43 AM |
Re: الرسالة الثانية من الإسلام | جمال المنصوري | 01-22-14, 06:44 AM |
Re: الرسالة الثانية من الإسلام | جمال المنصوري | 01-22-14, 06:45 AM |
Re: الرسالة الثانية من الإسلام | جمال المنصوري | 01-22-14, 06:46 AM |
Re: الرسالة الثانية من الإسلام | جمال المنصوري | 01-22-14, 06:46 AM |
Re: الرسالة الثانية من الإسلام | جمال المنصوري | 01-22-14, 06:48 AM |
Re: الرسالة الثانية من الإسلام | جمال المنصوري | 01-22-14, 01:31 PM |
Re: الرسالة الثانية من الإسلام | جمال المنصوري | 01-22-14, 01:36 PM |
Re: الرسالة الثانية من الإسلام | جمال المنصوري | 01-22-14, 01:39 PM |
Re: الرسالة الثانية من الإسلام | جمال المنصوري | 01-22-14, 01:41 PM |
Re: الرسالة الثانية من الإسلام | جمال المنصوري | 01-22-14, 01:42 PM |
Re: الرسالة الثانية من الإسلام | جمال المنصوري | 01-22-14, 01:43 PM |
Re: الرسالة الثانية من الإسلام | جمال المنصوري | 01-23-14, 07:11 AM |
Re: الرسالة الثانية من الإسلام | جمال المنصوري | 01-23-14, 03:40 PM |
Re: الرسالة الثانية من الإسلام | عزام حسن فرح | 01-23-14, 06:04 PM |
Re: الرسالة الثانية من الإسلام | جمال المنصوري | 01-23-14, 06:11 PM |
Re: الرسالة الثانية من الإسلام | عزام حسن فرح | 01-23-14, 06:30 PM |
Re: الرسالة الثانية من الإسلام | جمال المنصوري | 01-23-14, 06:37 PM |
|
|
|