|
Re: الرسالة الثانية من الإسلام (Re: جمال المنصوري)
|
الحرية الفردية المطلقة
كثير من الفلاسفة يرى أن الحديث عن الحرية الفردية المطلقة نافلة من القول ، وإلا فحرية الفرد يجب أن تكون مقيدة ، إن لم نرد لها أن تصبح فوضى . وأما الإسلام فهو يرى أن الأصل في الحرية الإطلاق ، واننا حين نتحدث عن الحرية ، من حيث هي ، وفي أي مستوى كانت ، إنما نتحدث عن الإطلاق ، من حيث لا ندري ، ذلك بأن الحرية المقيدة إنما هي نفحة من نفحات الإطلاق تضوعت على أهل الأرض بقدر طاقتهم على احتمالها ، فكأن القيد ليس أصلا ، وإنما الأصـل الإطـلاق ، وما القيـد إلا لازمة مرحليـة تصاحب تطـور الفـرد من المحـدود إلى المطلق . فالحرية في الإسلام مطلقة ، وهي حق لكل فرد بشري ، من حيث أنه بشري ، بصرف النظر عن ملته أو عنصره ، وهي حق يقابله واجب ، فلا يؤخـذ إلا بـه ، وهـذا الواجب هـو حسن التصـرف في الحـرية . فلا تصبح الحرية محدودة إلا حين يصبح الحر عاجزا عن التزام واجبها ، وحينئذ تصادر في الحدود التي عجز عنها ، وتصادر بقوانين دستورية .. والقوانين الدستورية في الإسلام هي القوانين التي تملك القدرة على التوفيق بين حاجة الفرد إلى الحرية الفردية المطلقة ، وحاجة الجماعة إلى العدالة الاجتماعية الشاملة ، فهي لا تضحي بالفرد في سبيل الجماعة ، ولا بالجماعة في سبيل الفرد ، وإنما هي قسط موزون بين ذلك .. تحقق حين تطبق ، بكل جزئية من جزئياتها ، مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة في آن معا ، وفي سياق واحد . وإنما كان الإطلاق في الإسلام أصلا لأنه لا يرى لترقي الفرد حدا يقف عنده ، فهو عنده ساير من المحدود إلى المطلق ، أو قل مسير من النقص إلى الكمال - والكمال المطلق . فنهاية العبد في الإسلام كمال الرب ، وكمال الرب في الإطلاق ، والله تبارك وتعالى يقول (( وأن ليس للانسان إلا ما سعى * وأن سعيه سوف يرى * ثم يجزاه الجزاء الأوفى * وأن إلى ربك المنتهى )) يعني منتهى السير .. وليس السير إلى الله بقطع المسافات ، كما قلنا آنفا ، وإنما هو بتخلق العبد بأخلاق الرب ، والله تعالى يقول (( يأيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه )) أردت أو لم ترد لقاءه ، وأين يكون لقاؤه ؟ أفي أرضه أم سمائه ؟ لقد قال جل من قائل (( ما وسعني أرضي ولا سمائي ، وإنما وسعني قلب عبدي المؤمن .)) فأنت إذن إنما تلقاه فيك ، وبه لا بك . وفي ذلك قال المعصوم (( تخلقوا بأخلاق الله ، إن ربي على سراط مستقيم )) .. والله تعالى يقول (( كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب ، وبما كنتم تدرسون )) . والذي يجعلنا عاجزين عن الوفاء بواجب الحرية الفردية المطلقة إنما هو الجهل ، ونحن ، لفرط جهلنا ، نحب جهلنا ، ونكره المعرفة ، إلا إذا جاءت عن طريق يناسب هوانا . (( كتب عليكم القتال وهو كره لكم وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم ، وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم ، والله يعلم وأنتم لا تعلمون )) .. (( وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم )) تشير إلى أنانيتنا .. فنحن نحب أنفسنا ، ونحب كل ما يصدر عنها من حماقات . وكل فرد بشري هـو ، بالضرورة التكوينية ، أناني .. وكماله إنما يكمن في هذه النشأة الأنانية .. وأنانية كل أناني على مستويين .. مستوى الأنانية الضيقة ، المتسفلة ، الجاهلة ، ومستوى الأنانية الواسعة ، المتسامية ، العاقلة . فالأناني الجاهل قد يرى مصلحته في أمور تخالف مصالح الجماعة ، وإذا اقتضى الأمر فهو قد يضحي بمصلحة الجماعة ليصل إلى ما يظنه مصلحته هو .. والأناني العاقل لا يرى مصلحته الا في أمور تستقيم مع مصالح الآخرين ، فهو يقول مع أبي العلاء المعري :ـ ولو أني حبيت الخلد فردا * لما أحببت بالخلد انفرادا فلا هطلت على ولا بأرضي * سحائب ليس تنتظم البلادا وملاك هذا الأمر التعليم الرشيد في عبارة المعصوم حين قال : (( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه )) ومنذ هذه اللحظة وضع الإسلام نفسه ضد الأنانية الجاهلة ، ومـع الأنانية العاقلـة (( لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به )) هواه يعني أنانيته الجاهلة .. (( ان أعدى أعدائك نفسك التي بين جنبيك )) . (( نفسك التي بين جنبيك )) تعني نفسك السفلى ، أو نفسك الدنيا ، في مقابلة نفسك العليا ، أو نفسك الأخرى ، التي يرجع إليها كاف الخطاب في (( ان أعدى أعدائك)) فكأنه قال ان أعدى أعداء نفسك الأخرى نفسك الدنيا .. ولأمر ما كثر التعبير في القرآن بكلمتي الدنيا والأخرى . وكل ذلك يعني الأنانية الجاهلة في مقابلة الأنانية العاقلة .. وقول الله تعالى (( ان هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم )) يعني للنفس العليا ، وكذلك قوله (( مـن اهتـدى فإنما يهتـدي لنفسـه ، ومن ضـل فإنما يضل عليها )) . وما دمنا في منطقة الأنانية الجاهلة ، فإن حريتنا لا بد تقيد ، لمصلحة مجتمعنا ، ولمصلحتنا نحن أيضا ، ويجب أن يكون القيد وفق قانون دستوري .. ومن هذا يتضح أن الحرية في الإسلام على مستويين : مستوى الحرية المقيدة بقوانين دستورية ، وقد تحدثنا عن القوانين الدستورية ، ومستوى الحرية المطلقة . والحر في المستوى الأول ، هو الذي يفكر كما يريد ، ويقول كما يفكر ، ويعمل كما يقول ، على شرط ألا تتعدى ممارسته لحريته في القول ، أو العمل ، على حريات الآخرين ، فإن تعدى تعرضت حريته للمصادرة وفق قوانين دستورية ، جزاء وفاقا . والحر في المستوى الثاني هو الذي يفكر كما يريد ، ويقول كما يفكر ، ويعمل كما يقول ، ثم لا تكون نتيجة ممارسته لكل أولئك إلا خيرا ، وبركة ، وبرا بالناس ، وأدنى مراتب الحرية الثانية العفـو ، وصاحب هذه لا ينطوي ضميره المحجب على ضغن على أحد ، ذلك لأنه يعلم أن الجريمة إنما تبدأ في الضمير ، ثم تبرز إلى حيز القـول ، ثم إلى حيز العمل . والله تعالى إنما يعني هـؤلاء ، ولا يعني أولئك، حين قال : (( وذروا ظاهر الإثم وباطنه ، إن الذين يكسبون الإثم سيجزون بما كانوا يقترفون )) وهو أيضا يعنيهم حين قال : (( قل إنما حرم ربي الفواحش ، ما ظهر منها وما بطن )) وهو أيضا يعنيهم حين قال : (( وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه ، يحاسبكم به الله )) .. وأما أصحاب مرتبة الحرية المقيدة فإن حديث المعصوم يعنيهم حين قال (( إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به نفوسهم ، حتى يقولوا أو يعملوا )) والحريتان متداخلتان ، فالأولى منهما مرحلة اعداد للثانية ، إذ لا يبلغ الفرد منازلها إلا بالتمرس بالمجهود الفردي في تربية النفس ، بمراقبتها ، ومحاسبتها ، وترويضها لتصبح موكلة بالتجويد ، كلفة بالإحسان . والمراقبة تعني الحضور مع الله دائما حتى لا تتصرف الجوارح فيما لا يرضيه ، من فكر ، أو قول ، أو فعل ، والمحاسبة تعني استدراك ما أفلت من ضبط المراقبة ، ولما كانت الحرية الفردية المطلقة لا تنال إلا بثمنها ، وثمنها ، كما قررنا آنفا ، هو حسن التصرف في حرية الضمير المغيب ، وحرية القـول ، وحريـة العمـل ، فقد طوع الإسلام عباداته ، وتشاريعه ، لتبلغ بالفرد هذا المبلغ .
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
الرسالة الثانية من الإسلام | جمال المنصوري | 01-22-14, 05:59 AM |
Re: الرسالة الثانية من الإسلام | جمال المنصوري | 01-22-14, 06:00 AM |
Re: الرسالة الثانية من الإسلام | جمال المنصوري | 01-22-14, 06:02 AM |
Re: الرسالة الثانية من الإسلام | جمال المنصوري | 01-22-14, 06:04 AM |
Re: الرسالة الثانية من الإسلام | جمال المنصوري | 01-22-14, 06:07 AM |
Re: الرسالة الثانية من الإسلام | جمال المنصوري | 01-22-14, 06:09 AM |
Re: الرسالة الثانية من الإسلام | جمال المنصوري | 01-22-14, 06:11 AM |
Re: الرسالة الثانية من الإسلام | جمال المنصوري | 01-22-14, 06:12 AM |
Re: الرسالة الثانية من الإسلام | جمال المنصوري | 01-22-14, 06:14 AM |
Re: الرسالة الثانية من الإسلام | جمال المنصوري | 01-22-14, 06:15 AM |
Re: الرسالة الثانية من الإسلام | جمال المنصوري | 01-22-14, 06:16 AM |
Re: الرسالة الثانية من الإسلام | جمال المنصوري | 01-22-14, 06:17 AM |
Re: الرسالة الثانية من الإسلام | جمال المنصوري | 01-22-14, 06:18 AM |
Re: الرسالة الثانية من الإسلام | جمال المنصوري | 01-22-14, 06:22 AM |
Re: الرسالة الثانية من الإسلام | جمال المنصوري | 01-22-14, 06:23 AM |
Re: الرسالة الثانية من الإسلام | جمال المنصوري | 01-22-14, 06:24 AM |
Re: الرسالة الثانية من الإسلام | جمال المنصوري | 01-22-14, 06:25 AM |
Re: الرسالة الثانية من الإسلام | جمال المنصوري | 01-22-14, 06:26 AM |
Re: الرسالة الثانية من الإسلام | جمال المنصوري | 01-22-14, 06:27 AM |
Re: الرسالة الثانية من الإسلام | جمال المنصوري | 01-22-14, 06:28 AM |
Re: الرسالة الثانية من الإسلام | جمال المنصوري | 01-22-14, 06:28 AM |
Re: الرسالة الثانية من الإسلام | جمال المنصوري | 01-22-14, 06:29 AM |
Re: الرسالة الثانية من الإسلام | جمال المنصوري | 01-22-14, 06:30 AM |
Re: الرسالة الثانية من الإسلام | جمال المنصوري | 01-22-14, 06:31 AM |
Re: الرسالة الثانية من الإسلام | جمال المنصوري | 01-22-14, 06:31 AM |
Re: الرسالة الثانية من الإسلام | جمال المنصوري | 01-22-14, 06:38 AM |
Re: الرسالة الثانية من الإسلام | جمال المنصوري | 01-22-14, 06:39 AM |
Re: الرسالة الثانية من الإسلام | جمال المنصوري | 01-22-14, 06:40 AM |
Re: الرسالة الثانية من الإسلام | جمال المنصوري | 01-22-14, 06:41 AM |
Re: الرسالة الثانية من الإسلام | جمال المنصوري | 01-22-14, 06:42 AM |
Re: الرسالة الثانية من الإسلام | جمال المنصوري | 01-22-14, 06:43 AM |
Re: الرسالة الثانية من الإسلام | جمال المنصوري | 01-22-14, 06:43 AM |
Re: الرسالة الثانية من الإسلام | جمال المنصوري | 01-22-14, 06:44 AM |
Re: الرسالة الثانية من الإسلام | جمال المنصوري | 01-22-14, 06:45 AM |
Re: الرسالة الثانية من الإسلام | جمال المنصوري | 01-22-14, 06:46 AM |
Re: الرسالة الثانية من الإسلام | جمال المنصوري | 01-22-14, 06:46 AM |
Re: الرسالة الثانية من الإسلام | جمال المنصوري | 01-22-14, 06:48 AM |
Re: الرسالة الثانية من الإسلام | جمال المنصوري | 01-22-14, 01:31 PM |
Re: الرسالة الثانية من الإسلام | جمال المنصوري | 01-22-14, 01:36 PM |
Re: الرسالة الثانية من الإسلام | جمال المنصوري | 01-22-14, 01:39 PM |
Re: الرسالة الثانية من الإسلام | جمال المنصوري | 01-22-14, 01:41 PM |
Re: الرسالة الثانية من الإسلام | جمال المنصوري | 01-22-14, 01:42 PM |
Re: الرسالة الثانية من الإسلام | جمال المنصوري | 01-22-14, 01:43 PM |
Re: الرسالة الثانية من الإسلام | جمال المنصوري | 01-23-14, 07:11 AM |
Re: الرسالة الثانية من الإسلام | جمال المنصوري | 01-23-14, 03:40 PM |
Re: الرسالة الثانية من الإسلام | عزام حسن فرح | 01-23-14, 06:04 PM |
Re: الرسالة الثانية من الإسلام | جمال المنصوري | 01-23-14, 06:11 PM |
Re: الرسالة الثانية من الإسلام | عزام حسن فرح | 01-23-14, 06:30 PM |
Re: الرسالة الثانية من الإسلام | جمال المنصوري | 01-23-14, 06:37 PM |
|
|
|