كوش لاند kushland

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-21-2024, 07:02 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الاول للعام 2014م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
02-20-2013, 11:19 AM

adil amin
<aadil amin
تاريخ التسجيل: 08-01-2002
مجموع المشاركات: 37088

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: كوش لاند kushland (Re: othman mohmmadien)

    السودان صراع الرؤى وازمة الهوية


    عادل الامين
    الحوار المتمدن-العدد: 2609 - 2009 / 4 / 7 - 09:37
    المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان



    مفدمة:هذه فصل هام من كتاب الدكتور فرانسيس دينق..نهديه لزوار الحوار المتمدن المهتمين بازمة الهوية في الدولة القطرية السودان نموذجا

    .....

    الفصل الثاني عشر
    خلاصة الرؤى :
    ظل السودان يرزح دمار حرب اهلية, بين الشمال العربي المسلم و الجنوب – الوثني – المسيحي ، مايقارب الاربعة عقود من الزمن ، فصلت بينها عشر سنوات من السلم , الذي حقق قدرا من الانفراج ووفر دروسا مفيدة عما يمكن انجازه في زمن السلم ، يعترف الآن بصورة راسية بأن ازمة الهوية الوطنية المستعصية تمثل جوهر هذا النزاع . وللإجابات على السؤال الحاسم ، ان كان السودان عربياًًَ ام افريقياًَ ، تداعيات خطيرة تتعلق بانقسام السلطة ، وتوزيع الموارد وفرص المشاركةُ .
    يبدو ان المواقف تأخذ في التشدد والتصلب ، بينما تواصل البلاد في نزيف خطير مدمر . وفقد الارواح بسبب النزاع ، والمجاعات الناتجة عنه ، قد طال اعدداًً هائلة . وفي ذات الوقت ، انزل الخراب والدمار بالبلاد . في مثل هذه الظروف ، يصبح واجب العلماء والمراقبين المقدم المساهمة في البحث عن السلام بتوضيح قضايا السياسة المتعلقة بالنزاع والخيارات المتاحة .

    التــــحـــدي :
    تنبع ازمة الهوية الوطنية في السودان ، من حقيقة ان السودانيين الشماليين العرب - المهيمنين سياسياًً و اقتصادياًً , رغم انهم ينحدرون من تلاقح قح عربي – افريقي ، ويشكلون الاقلية بالنسبة لمجموع سكان البلاد – يرون انفسهم عرباًً في المقام الاول ، يتبزأون من العنصر الافريقي فيهم ، ويسعون الى فرض هويتهم على كل ارجاء البلاد ، ليشمل المجموعات غير العربية المحلية في الشمال ، وكل سكان الجنوب ، الذين يشكلون معاًً في مجموعهم الاغلبية القومية الساحقة . ولهذا تسعى الاقلية العربية الحاكمة لتعريف الشخصية الوطنية على اسس توجهات نظرتها الذاتية ، تعبر نفسها عن تحريف و تشويه لهويتها المركبة الناتجة عن عرق عربي – افريقي مختلط ويبدو عنصرها الافريقي اكثر سفورا برغم الحرص الشديد على انكاره .
    واعتمادا على تصوات ذاتية داخلية ، يرى السودانيون العرب المهيمنون على البلاد امتداد عالمهم عبر المسارات العبية الاسلامية ، بينما تمثل الصلة الافريقية لم مجرد وجود جغرافي وديبلوماسية اقليمية ، خالية من اي مشاعر وطنية كالتي تربطهم بالعالم العربي الاسلامي . وكلما تصاعد التحدي لتلك النظرة القومية العربية الاسلامية ، او حتى اذا ما ثار الساؤل حولها من جانب الاغلبية غير العربية ، كلما ازداد الاصرار على تأكيدها بقوة وقهر في البلاد ، مع دعم معنوي زمادي من العالم العربي الاسلامي . ويعد انتهاج الحكم الاسلامي في السودان ذروة لهذة العملية المتصاعدة من تأكيد الذات الدفاعي ، والتي اضحت مهيمنة بصورة متفاقمة وعنيفة .
    في اختلاف واضح عن الشمال ، يرى الجنوبيون انفسهم دون اي غموض او لبس افريقيين عرقيا وثقافيا مع مؤثرات غربية تعكسها المسيحسة و العلمانية ، كعناصر مكتسبة جديدة لهوية حديثة توفر اسس الوحدة الجنوبية لبناء الوطن ، زكما تم استغلال والعروبة والاسلام لتوحيد المجموعات القبلية في الشمال ، فقد اصبح المفهوم الواضح للا فريقية مع ما تم تبنيه من عناصر الثقافة الغربية ، المرتكز الاساسي والسند للدفاع ضد فرض الهوية العربية الاسلامية على البلاد . وفي هذا السياق , وبالرغم من وجود جوانب حيوية اخرى هامة حول الانقسلم الشمالي الجنوبي ، تمثل الحرب الاهلية بين الشمال والجنوب ، في الاساس ، نزاع هويات يحدد مكانة الفرد في المجتمع ، ويوفر الاساس لتخصيص وتوزيع السلطة والثروة . وفي حرب الهويات هذه ، انضمت مجموعات غير عربية تقيم على الحدود الشمالية – الجنوبية ، انضمت للجنوب برغم اسلامها ومن بينها مجموعة النوية في جنوب كردفان ، والانقسنا في جنوب النيل الازرق . والواضح ، ان ذلك لا يجعل الحرب مجرد مقاومة لفرض الاسلام ، بل ايضا صراعا عرقيا او اثنيا ضد هيمنة اناس دعون بأنهم عرب عرقيا وثقافيا ، يتفوقون على الافريقيين السود ، ولا ينتمون اليهم .
    الفترة الوحيدة التي تقارب فيها السودانيون – في الشمال والجنوب من بعضهما ، مع القبول والاحترام المتبادل ، ليس كقوم او مجتمع واحد ، ولكن كمجموعات متباينة عرقيا ، اثنيا ودينيا ، وتمكنوا خلالها من التعايش في قطر موحد مدعمين لهوية وطنية ، كانت فترة العشرة اعوام لاتفاقية اديس ابابا ( 1972- 1973 ) ، عندما ساد سلام واستقرار نسبي . وحتى خلال تلك الفترة ، قلص الحكم الذاتي الاقليمي دور الجنوبيين ونفوذهم في الحكومة المركزية ، مما ادى الى خضوع واعتماد الجنوب والهوية الافريقية على الشمال وهويته العربية الاسلامية . وقد تجلى ذلك الخضوع في النهاية في الطريقة التي خرقت بها الحكومة المركزية الاتفاقية من جانب واحد ، وبتحديد اكثر الغاها الرئيس نميري ، بفرض الشريعة على كل البلاد في سبتمبر 1983 .
    يمكن تلخيص التحدي ، الذي يواجه السودانيين عامة و الزعامة بشكل خاص حول موضوع ازمة الهوية الوطنية ، في حجج متتابعة . تمتد جذور كل السودانيين العرقية الاولية الى القبائل الاقريقية السوداء ، ذلك واضحا في لون بشرتهم . في الشمال ، ظل الموروث الجيني الافريقي في اغلبه مختلطا ، بالتناسل بين الذكور العرب من التجار الوافدين والسكان المحليين ، زانتمى الابناء الى ابآئهم العرب حسب تقليد النسب العربي . وادى ذلك التمازج الى ظهور تباين في لون البشرة تراوح في ظلاله من النموذج العربي المحترم حتى اللون النمطي الافريقي الاسود المتدني . ونتيجة للطبقية العرقية خلف هذه الانماط اللونية ، افرز الاستيعاب للثقافة العربية في الشمال معتقدا ذاتيا ينكر او يقبل بامتعاض الاصل الوراثي الافريقي الاولى ، برغم الدليل الواضح الذي يدحض ذلك الاعتقاد .
    ويمح الحكم الذاتي للجنوب والاعتراف بهويته غير العربية ، كعنصر هام في هوية البلاد ، خففت اتفاقية اديس ابابا 1972 من حدة الانكار للفريقية ، وكان ذلك التنازل المحدود ، على كل مفروضا بالموقف في الجنوب ، ولم يكن اعترافا صادقا وحقيقيا بالحقائق في الشمال ، مما يفسر خرق الاتفاقية بانتقام ، ممع الاصرار على الهوية العربية الاسلامية ، التي فرضت الشريعة على البلاد ، ثم ادت الى سيطرة الحكومة الاسلامية العسكرية الراهنة .
    الحجة الثانية تقول ، بانه مازالت هناك حقيقة لم يتم بحثها عن الهوية السودانية ، وهي التركيبة العرقية ، الاثنية ، والثقافية للبلاد ، التي تعكس عناصر التكامل والتنوع . وبالرغم من انها كانت مواراة خلف تصورات الهوية السائدة ، ولذا لم تستغل تماما لتدعيم الهوية الوطنية ، الا انه امكن استقلالها جزئيا ، خلال المرحلة القصيرة التي تمعت فيها البلاد بالسلم والامن باتفاقية اديس ابابا.
    تعترف الحجة الثالثة ، بانه ورغم امكانية اكتشاف واستغلال هوية وطنية اكثر تمثيلا ، يبدو ان القوى السياسية ما زالت متخندقة داخل هوياتها الذاتية التي تبلورت عبر القرون ، ولكنها دخلت في نزاع خلال العقود الاخيرة الماضية منذ الاستقلال . يعى السودانيون الشماليون دائما بأن عروبتهم في اغلبها سطحية ، ويتوجسون خوفا من تهديد الانتقاص من مكانتهم الى الدرجة الادنى التي ترفعواعنها . من اليسير رؤية كيف يمكن لذلك التهديد ان يصبح مصدر قلق وعدم استقرار عظيم ، خاصة لدى الصفوة التي تحظى بمنافع قيمة بسبب هويتها المميزة ، وتواجه فقدان مكاسبها نتيجة اعادة صياغة الهوية . ولذلك من المحتمل ان يقاوم افراد الصفوة من ذوي المصلحة ، من اجل استمرار الوضع القائم ، لأن العملية المقترحة لاعادة اكتشاف الذات تتضمن شكوكا وتساؤلات حول اعادة تقييم وتصنيف الهويات . ويمكن ان تمتد عواقب تغيير كهذا الى اشكال المشاركة ، الانتاج والتوزيع .
    والواقعية تفرض الحجة الرابعة ، مالم تشهد البلاد تغييرا حاسما في تلك النظرات الذاتية ، المتنافسة والمتنازعة ، يبدو انه لا يمكن صون وحدتها . واذا ما واصل السودانيون التزامهم ، دون مساومة برموز هوياتهم الراهنة ، وبالمواقف التي تبنوها للدفاع عنها ، فانهم يحتاجون بذلك ، اما الى صياغة اطار دستوري فضفاض يحتضن تلك الهويات ، او الاعتراف بانهم متعارضون غير متوافقين . والخيار الاخير يجعل من الانفصال البديل الوحيد . لقد سالت دماء غزيرة وتكبد الناس عذابات رهيبة بسبب نزاع الهـــــويـــة والــوحــدة والــوطـــنية عصية المنال . لاتستحق الهوية الجماعية ولا الوحدة الوطنية ذلك الثمن الباهظ .




    أهـــداف الــسـياســة :
    تتمثل البدائل المقترحة ، بشكل عام لحل ازمة الهوية ، في التكامل على اسس الاستيعاب والتعايش داخل اطار للوحدة يحتضن التنوع . بينما يعد الشمال نتاجا للاستيعابق الافريقي - العربي ، وبينما يسمى الشمال بعزم هام لبسط هذه العملية على الجنوب ، يؤكد وجود هذه الازدواجيه المواجهة العدائية التاريخية ، التي تمكن الجنوب خلالها من مقاومة استيعابه بواسطة الشمال بنجاح الى الان . وبالرغم من ان الجانبين قد تأثرا بالتبادل الثقافي ، الذي يبدو اكثر وضوحا في الشمال عنه في الجنوب الاان التاريخ المرير لم يترك لهما اية رؤية تجاه اي شيء مشترك سوى رؤية نزاعهم بمنظار يعكس الاحتقار المتبال .
    تتفشى نظرة التحامل الشمالي والتمييز العنصري ضد الجنوب وتتكشف بسهولة في نظرة الشماليين الجماعية للزنوج ، على انهم جنس منحط والمصدر التقليدي للرقيق . بينما يمتلك العرب القوة والسلطة لتأكيد هيمنتهم السياسية وتفوقهم المادي . ينظر الجنوبيون لهم باحتقار و ازدراء عميق . هذا الاحتقار المتبادل ، والانقسام الاقليمي الجغرافي يجعلان من التعايش المتبادل امرا صعبا للغاية . وفي مثل هذه الاوضاع فان الحفاظ على توحد البلاد تحت وحدة اسمية تفتقر الى الاجماع ، لايجب بل لا يمكن ان يكون الهدف الاسمي . عانى الجنوبيون على ايدي اقرانهم الشماليين صنوفا من الاذلال و الاهانات الشنيعة المدفوعة بنزعات عنصري ، وتعصب ديني متفش برغم الانكار . بدأ الشماليون اخيرا الاعتراف على مضض ، بتظلمات الجنوب ، ولكن ما زالت درجات الوعي والاستعداد لتصحيح اخطاء الماضي غير كافية بصورة فاضحة .
    يتطلب ازمة حل البلاد احترام كرامة الانسان ، ويعبر عنها بالاعتراف المتبادل واحترام كل لهوة الاخر للقيم الثقافية ، استقلالية الفرد والمساواة في الفرص دون تمييز على اسس عرقية ، اثنية ، لونية ، دينية ، ثقافية او جنسية وعمليا يمكن ترجمة احترام كرامة الانسان في حقوقه الاساسية المتمثلة في الحريات المدنية والديمقراطية . لايمكن ان ندعي احترام كرامة الانسان في بلد – حسب ما نرى اليوم – لايحلم فية الجنوبي بأن يكون رئيسا للدولة ، مهما كانت مؤهلاته ، حيث اقصى ما يتوقعة الجنوبي ان يصبح نائبا ثانيا لرئيس الجمهورية ، ونادرا ما يحدث ، لان منصب النائب الاول للرئيس كان دائما من نصيب الشماليين ، لشغل الشمالي منصب الرئيس اذل ما دعت الضرورة ، وحيث لا يشغل اي جنوبي منصب وكيل الوزارة ، وحيث اللغة المازحة الهازلة ، وتستعمل احيانا بجدية ، مازالت تعتبر الاسود رقيقا ، وحيث الانتماء للجنوب يعبر عن معان لتمييز عنصري وطبقي . ورغما عن عمق جذور التحامل العرقي الذي لايمكن تبديلة بين ليلة وضحاها ، الا انه يمكن احداث التغييرات الجذرية داخل الاطر السياسية والقانونية والدستورية ، مما يمكن من نمو متسارع لميول ونزاعات ايجابية في اتجاه الاحترام المتبادل لكرامةكل المواطنين ، وهو شرط لايمكن الاستغناء عنه من اجل وحدة الامة . كما يجب الوضع في الحسبان ايضا بأن الجنوبيون لايشكلون اقلية متناثرة في ارجاء القطر ، وعليهم بذلك كأفراد القبول والتكيف مع حقائق الوضع . لكن الجنوب يمثل وحدة جغرافية يمكن فصلها و استقلالها عن الشمال ، وهو على ذلك ليس جزءا موزونا للشمال العربي الاسلامي .
    التطلع نحو تحقيق كرامة الانسان لا يشكل بالطبع حلما طوباويا ، انما يتطلب التزاما جادا بمفهوم محدد للعدل والمساواة داخل اطار نظام ديمقراطي يتمتع بالشرعية امام كل المواطنين ، تسود فيه مقدرات الاقناع على سلطة القهر عند ممارسة السلطة الشرعية . وحتى النظرات العجلى لكل من تاريخ السودان وواقعه السياسي الاقتصادي والاجتماعي الراهن ، تكشف عن فوارق وظلم سافر يعكس الشقاق العربي – الافريقي . لا يوجد شعب لم يهزم بحسم ولم يقهر او يخضع – يقبل ويرضى ان يعيش في مهانة تحت تلك الظروف ، الا اذا كان شعبا حقيرا لدرجة مرضية . وعليه يجب فهم وتقبل موجات حركات التحرير في الجنوب ضمن هذا السياق .
    يتافقم الظلم وعدم المساواة ، الناتجان عن ازمة الهوية الوطنية بسياسات التوجه الاسلامي الداعيه للفرقة ، والتي تظهر جليا في التمييز العرقي والاقليمي بين الشماليين والجنوبيين . ويبدو الظلم وعدم المساواة ايضا في الطريقة الخفية ، رغم تفشيها عند تأثير على دور الافراد والمجموعات في ترتيب وقسمة السلطة والثروة وفي تحديد شكل المشاركة في المجتمع بشكل عام .
    بينما تعترف كل من الحكومة المركزية والمعارضة المسلحة بضرورة الوحدة وتبني الدعوة لها ، يتطلب الالتزام المقدم لحماية الكرامة الانسانية ، تغييرات هيكلية اساسية لعلاج المعضلات الوطنية المستعصية ، اذا ما اريد للسودان تحقيق وحدة حقيقية عادلة .


    عــــرض القـــضــايـــا :
    اتفق السودانيون منذ زمن على المواضيع الواجب تضمينها اجندة اي مؤتمر دستوري او مفاوضات ونقاش حول النزاع ، وتشتمل على : المشاركة في السلطة والموارد القومية ، خاصة بين المراكز والاقاليم ، نظام الحكم ، وبشكل خاص التركيبة الديمقراطية المناسبة للبلاد ، العلاقة بين الدين والدولة ، وبالتحديد موضوع الشريعة الاسلامية ، تعريف الهوية الوطنية ، في علاقتها بالعروبة والافريقية ، والاسلام والمسيحية ، والمعتقدات المحلية ، ومباديء السياسية الخارجية في علاقتها بالعناصر المتعددة داخل السودان . ورغم اعتبار الهوية قضية منفصلة ، الا انها ترتبط وثيقا بكل هذه القضايا وبهذا تشكل العصب الرئيسي لهذا النسيج .
    هناك قدر من الاجماع حول الخطوط العريضة للخطوات الواجب اتخاذها تجاه بعض القضايا .
    مثال , لايختلف احد حول ما عانته الاقاليم المهمشة من ظلم واجحاف في حظها من اقتسام السلطة ، توزيع الثروة ، الخدمات ، فرص التوظيف او برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية . ولهذا يعترف بشكل واسع بضرورة تقديم معاملات تفضيلية علاجية لها ضمن اي ترتيبات مستقبلية . والمسلم به ايضا , وبوضوح ، ان البلاد واسعة مترامية الاطراف ومتنوعة بدرجة لايمكن حكمها بنظام حكم مركزي . وبذلك ، اصبحت اللامركزية – الاقليمية والفدرالية او اي ترتيبات اخرى مماثلة – امرا ضروريا .
    وهناك اعتراف متزايد ايضا ، رغم انه لايرقى الى الاجماع ، بأن تجارب الديمقراطية الغربية الماضية كانت ىابعدما تكون عن حل مشاكل البلاد الملحة ، بل كانت مسئولة عن الدائرة الشريرة التي تمر بها البلاد . تأتي الديمقراطية البرلمانية بالاحزاب الدينية الطائفية الى السلطة ، لتمتعها بتأييد اعمى من اتباعها ، ولكن انشغالها بالاشقاقات الحزبية ضيق من رؤاها ، مؤديا الى فشلها في معالجة القضايا الوطنية الملحة . وادى ذلك مرارا الى تدخل الجيش لاستلام السلطة ، وغالبا ما انتهى الامر الى دكتاتورية عسكرية ، وادى ذلك بدوره الى انتفاضات شعبية اطاحت مرتين بالحكومات العسكرية واعادت الديمقراطية الليبرالية . وكان انقلاب 1989 ، الذي دبرته مجموعات عسكرية في تحالف مع الجبهة الالسلامية القومية ، الحلقة الاخيرة من سلسلة انتزاع السلطة المدنية – العسكرية . يرى غالبية السودانيين بأن الوضع الراهن يمثل دكتاتورية مرفوضة ، وهناك اجماع واسع بضرورة تطوير نماذج بديلة . وتبقى الدائل ، او ما يجب ان تكون عليه ، تساؤلا مفتوحا ، لم يتم بعد تناولة بحرية كافية ، وبالرغم من ان النظام قد شرع في اعادة هيكلة }الديقراطية{ بمجهودات خاصة من داخله .
    ويبرز موضوع العلاقة بين الدين والدولة ، القضية الاكثر اثارة للخلاف في النزاع . والتركيز منصب على دور الشريعة ، والتي اذا ما طبقت الى غايتها المنطقية ، سوف تعنى خلق حكومة اسلامية . بينما يعتبر النظام اراهن الاكثر التزاما بهذا الموقف الايديولوجي ، الا ان القوى السياسية الكبرى في الشمال ، خاصة الاحزاب الطائفية ، تساند مواقف تتراوح بين التزام بالشريعة ، يكاد يكون مماثلا لموقف النظام الراهن ، الى تأييد متأرجح لكي يحتضن الجنوب غير المسلم . تضمن اعلان كوكادام مارس 1986 ، وهو اتفاق بين الحركة الشعبية لتحرير السودان وجيشها ومعظم الاحزاب السياسية بما فيها الامة ، حزب الصادق المهدي – تضمن الغاء قوانين سبتمبر الاسلامية ضمن سياق هذا التعامل المتردد . وكان الاستثناء الملاحظ غياب الحزب الاتحادي الديمقراطي – حزب محمد عثمان الميرغني – والجبهة الاسلامية القومية – حزب د. حسن الترابي – عن كوكادام .
    وكانت التسمية البريئة - " قوانين سبتمبر " خدعة ذكية ، مصممة للتلميح بأن القوانين ليست حقيقة اسلامية ، ولكن على النقيض تماما ، فقد كانت تحريفا واستغلالا للاسلام . و كانت تداعيات ذلك ، انه لا يمكن رفضها ال على ذلك الاساس . ومع ذلك ، كان موقفالاحزاب الرئيسية استبدال " قوانين سبتمبر " بقوانين اسلامية اكثر مصداقية . ولذلك لم ينفذ اتفاق كوكادام مطلقا . وادت الظروف الضاغطة لاحتضان الجنوب الى اتفاق بين السيد محمد عثمان الميرغني و د. جون قرنق ، زعيم الحركة الشعبية لتحرير السودان في 16 - نوفمبر - 1988 ، يدعو الى تجميد قوانين سبتمبر . وادى ذلك الاتفاق الى اثارة خلاف وجدل وسلسلة من الازمات السياسية بين الحزب الاتحادي الديمقراطي من جانب ، وحزب الامة والجبهة الاسلامية القومية من جانب اخر ، وايضا بين حزب الامة والجبهة الاسلامية القومية . من مشكلات الزعامة في السودان ، انه لا يتوفر لاي زعيم حزب الاعتقاد الراسخ و النفوذ لاخلاقي ليرتفع ويعلن للامة ضرورة فصل الدين عن الدولة من اجل مصلحة الوحدة الوطنية . وغالبا ما يعترف سرا بأن مثل ذلك الفصل يعد امرا ضروريا لانقاذ الوطن ، ولكن يجب ارجاع الفشل في مواجهة الامر وعلاقتة بالسياسة ، الى غياب القيادة والزعامة التي تتسم بالشجاعة الاخلاقية لانجاز ذلك . هناك اعتقاد عام بأن حكومة الصادق المهدي كانت على وشك الغاء " قوانين سبتمبر " قبيل استلام الجيش للسلطة في 30 - يونيو - 1989 . ويسود اعتقاد بأن الجبهة الاسلامية القومية كانت اما شريكا في تدبير الانقلاب ، او على الاقل مساهمة في تنفيذه ودعمه . من الصعب التكهن الان بالمدى الذي كانت فيه الحكومة ملتزمة ، خاصة رئيس الوزراء الصادق المهدي بالالغاء المفترض لقوانين سبتمبر ، وما اذا كانت لديه قوانين اسلامية بديلة لتقديمها . توضح التجربة بجلاء بأن ذلك الافتراض كان في احسن حالاتة امرا مثيرا للجدل بالرغم من النوايا الحسنة على الاقل لدى بعض المشاركين .
    تؤكد كل الشخصيات القيادية في السياسة الشمالية ، بانه لن يجرؤ اي زعيم مسلم على الغاء القوانين الاسلامية دون عقاب ، لان الاسلام يملى بعدم فصل الدين عن الدولة . ولهذا وبما ان الشريعة قد اقرت ، يصبح من الصعب ابعادها ، ويقال بانه كان يجب تفادي اعلانها في المقام الاول . وقبل ان يبدي السيد محمد عثمان الميرغني استعدادا لتجميد القوانين الاسلامية ، كان قد استشار العالم الاسلامي شيخ الازهر في القاهرة عن سلامة تلك الخطوة . وبارك شيخ الازهر الفكرة " بفتوى ". ولكنه كان من غير الواضح ايضا ان كانت للسيد الميرغني رؤية لقانون ديني بديل ، ام يود الرجوع الى القوانين المدنية العلمانية التي سبق واصدرها البريطانيون .
    وما يقلل من شأن موضوع الدين النظر اليه في عزلة عن القضايا الاخرى ، خاصة قضية الهوة الوطنية الحيوية ، والبعدين المرتبلين وما – الثقافي والعرقي – للثقافة العربية الاسلامية ، التي قدمت على انها تمثل البلاد جميعها . وحقيقة ، اصبح الدين اللافتة التي تعرف بها الاحزاب ، عرقيا وثقافيا ، ويحدد مواقعها النسبية في هيكل السلطة واشكال توزيعها . واصبح الدين ايضا عاملا هاما في السياسة الخارجية وفي علاقة الصلات الخارجية بالرموز الداخلية للهوية . لم يعد الدين داخل السياق السياسي السوداني ، شأنا يختص بالاخلاق الشخصية ، العقيدة الروحانية او الاخلاق ، بل اصبح سلاحا فتاكا في الصراع من اجل السلطة . ويعد ذلك افرازا لتطور تاريخي شكل الرؤى المتعارضة والمثيرة للنزاع الان داخل الشمال وبين الشمال والجنوب .





    نـــشـوء الـهــويــات :
    تعد تركيبة الهويات العرقية ، اللاثنية والثقافية والتي تقسم البلاد الان لي عرب وافريقيين ، مسلمين وغير مسلمين ، مع الاطروحات المتباينة داخل تلك الاقسام ، يعد نتاجا لعمليتي الاستعراب والاسلمة في الشمال ( حدود زحفهما نحو الجنوب ) ، ونتاجا للرؤى المتضاربة حول الوطن ، من ثنائية نشؤء الهويات ، وانشقاقاتها الداخلية .
    يعد انقسام البلاد الى هوياتها الافريقية والعربية نتاجا للاستعراب والاسلمة في الشمال ، من جانب ، وللمقاومة الافريقية ضد فرض وجهة النظر الشمالية ، من جانب اخر . لقد قام الاستعراب والاسلمة على الهياكل الاجتماعية وانماط السلوك المحلية التي كانت سائدة ، بما في ذلك احتضان بعض المعتقدات والممارسات المحلية . وما تبلور من تلك العملية يعتبر مزيجا سودانيا فريدا . لا تشابه معظم القبائل العربية في الشمال اقرانها من العرب في شمال افريقيا والشرق الاسط . وحقيقة ، يشبهون بصورة اوضح الافريقيين السود في اغلب البلدان داخل الحزام السوداني عبر القارة ، من اثيوبيا والصومال في الشرق الى نيجيريا ومالي والسنغال في الغرب . فالسودانيون الشماليون يعتزون بعروبتهم ، يقتفون اثر انسابهم الى الجزيرة العربية لربطها ببعض القبائل هناك ، وحتى نسب عائلة النبي محمد ، واغلب ذلك مجرد ادعاء لا سند له . وبالرغم من تدينهم الليبرالي المتسامح ، المطبوع بميول الصوفية المحلية في علاقتها بمعتقدات الاخرين وممارساتهم ، يؤمن عامة المسلمين وبعمق في اسلامهم ، المتأثر بمسحة وثنية ، ويشابه الاديان الافريقية التقليدية المحلية ، الني تعتقد في القوى الروحية للسلف وبعض الاتقياء الصالحين ، ويختلف بذلك عن تعليم القرآن الاصولية المتبعة لدى الصفوة الاسلامية العربية في الشمال .
    لميتأثر الشمال بصورة متجانسة ثقافيا واثنيا بالاستعراب والاسلمة . لم تتأثر مجموعات مثل الفور و النوبة في الغرب وبدرجة اقل ، البجا في الشرق بالاستعراب ر بالرغم من تبني الاسلام بحماس مدعرما معتقداتهم المحلية . وحتى في اقاصي الشمال ، احتفظ النوبيون بلغتهم وهويتهم ، و بالرغم من تبني واكتساب بعض العناصر العربية . وما يجعل تلك الاوضاع المتناقصة غيلا – العربية في الشمال هامة بشكل خاص هو انه ، خلافا للاسلام في بعض البلدان الافريقية جنوب الصحراء ، حيث تسود اغلبيات مسلمة ، يميل الاسلام في السودان الى الارتباط بالعروبة كمفهوم مكون للعرق ، الاثنية والثقافة . على على كل تميل هذه الجيوب غير – العربية والمسلمة الشمال ، برغم تمسكها الشديد بعقيدتها ، تميل الى السماحة والتساهل تجاه التنوع ، اقل تشددا وتعصبا من الاسلام التقليدي في تعاملها مع تعاليمه ، بصورة اشبة بالبلدان الافريقية المسلمة السوداء ، التي تتسامح وتقبل الاخرين برغم اغلبيتها في بعض تلك تلك البلدان . والمثال الجيد على ذلك يأتي من السنغال ، حيث ، المسلمون الغالبية العظمى من السكان ، تم انتخاب المسيحي ليوبولد سنغفور ، احد ابرز قادة افريقيا ، رئيسا للجمهورية .
    لم تمتد حركة الاستعراب والاسلمة ، التي بدلت الشمال ، الى الجنوب بالرغم من بعض التأثير للتداخل الثقافي المتبادل . اتسمت الصلات بين الطرفين بالعدوات الى حد بعيد ، تراوحت من غزوات جالبي الرقيق ، الى محاولات الحكومة المتعاقبة لتوسيع دائرة سيطرتها جنوبا . وبالرغم من بعض الايجابيات نتيجة التفاعل المتبادل ، ظل شطرا البلاد منقسمين بشكل محدد ، لايريان ، بالكاد ، اي شيء مشترك بينهما .
    تأكدت الازدواجية الشمالية – الجنوبية وتدعمت وترسخت بفعل الانظمة المتتالية عبر القرنين الماضيين . في الشمال ، بالرغم من ان البريطانيين اثروا بنفوذهم المدني العلماني على المجتمع المسلم ، الا انهم تبنوا الصلة التقليدية بين الاسلام والدولة . ولخوفها من بعث المهدويين الجدد ، اظهرت الحكومة الاستعمارية حساسية تجاه المشاعر العربية الاسلامية ، الى حد وصف نفسها بالاسلامية لتنال الشرعية . ومع ذلك ، كان اللاسلام ، خاصة في بعثة الجديد او في شكله الاصولي ، عاملا في النضال الوطني ضد الاستعمار . بينما تمكن البريطانيون مع التعاون مع القادة الدينيين التقليديين لتطويع مواقفهم من حركة الاستقلال ، وجد المتشددون الاسلاميون الشباب الالهام في الماضي الزاهي للاسلام وفي موروثه المعادي للتغريب والمسيحية .
    تبنى البريطانيون في الجنوب سياسة انفصالية ، تم بموجبها غزل الاقليم ، وحوربت العروبة والاسلام لمنع اختراقهما للجنوب ، مع تشجيع التعليم المسيحي التبشيري واستعمال اللهجات المحلية واللغة الانجليزية للتدريس . وبينما تطور الشمال اقتصاديا وسياسيا ، حرم الجنوب من اي قدر للتطور . ولم يتم التخلي عن سياسة العزل رسميا ، الا في العام 1947 ، اي قبل ثماني سنوات فقط من الاستقلال .
    بعد الاستقلال ، حاو لت عدة حكومات وطنية دعم الوحدة الوطنية عبر تجانس مفروض وقهري ، قصد الى تطبيق الاستعراب و الاسلمة على الجنوب لم يكن فراغا خاويا من الروحانية ، كما افترض التبشير المسيحي محاولا ملأه . وبعيدا عن موقف المتعلمين الجنوبيين الذين طوروا تقديرا اكبر لهويتهم الافريقية بقيمها الروحية والاخلاقية ، تم ايضا تبني المسيحية كدين لذاته ، ووسيلة فعالة لمقاومة تهديد الاستيعاب العربي الاسلامي . كلما تصاعد التهديد الشمالي للجنوب ، تعاظم الشعور بالهوية الجديدة التي صهرت الافكار الافريقية بالقيم الثقافية الغربية المسيحية المكتسبة حديثا . ولم كانت المسيحية ، في مبادئها والطريقة التي دخلت بها الجنوب ، في تناسق و انسجام تام مع العلمانية ، بدأ ذلك الارتباط الاستراتيجي مفيدا ومناسبا لوجهة النظر الجنوبية ، خاصة في علاقة الدين بالدولة .



    مــراحــل نــشــوء الـهــويــات :
    يجب رؤية كل من " ثورة الانقاذ الوطني " وحليفتها الجبهة الاسلامية القومية ، والحركة الشعبية لتحرير السودان ، في اشكالها المختلفة على انهما يمثلان الذروة لعملية مرت عبر ثلاث مراحل : تقليدية ، انتقالية ، حديثة . بدأ الاستعراب والاسلمة في الشمال بالتفاعل الاساسي الاولى و التكامل المتبادل بين التجار العرب الوافدين و المجتمعات القبلية السودانية . توسع المجتمع القبلي المنغلق بالاسلام ، اولا من خلال " الطرق " الصوفية المتأثرة بالمعتقدات المحلية ، ثم مؤخرا بالثورة المهدية ، التي انتهت لتصبح هي الاخرى طائفة دينية . تداخلت الصلات بين الاشكال والولاءات الطائفية مع النظام القبلي والهويات الاقليمية الاوسع ، لكسب الدعم الشعبي الواسع للاحزاب السياسية القائمة على الدين ، والتي بدأت في الظهور مع حركة الاستقلال .
    وكان ذلك التأييد ، في معظمة ، يعبر عن ولاء من جانب واحد ، وعلاقة غير متكافئة بين الزعماء واتباعهم . وكمثال ، يكتب شريف حرير عن ولاء الفور التاريخي المستمر لاسرة المهدي وبالتالي لحزب الامة "يتواصل الولاء قويا لدرجة تتحدى التفسير العقلاني"( 1 ) , تم استثمار تلك العلاقة ، بين السياسات الطائفية وجماهير الريف ، وتدعمت بتأييدمن سلطات الحكم الثنائي ، والعناصر المعتدلة وةسط الصفوة الوطنية الحديثة ، ضمن جهودها للتأثير على العملية السياسية لمنفعتها الذاتية .
    تمت الحركات الراديكالية ، العلمانية منها والدينية ، في الشمال معارضة للطائفية . وكانت العناصر الاكثر اعتدالا تنظر لتلك الحركات على انها تشكل جبهة معارضة لبناء الامة . وكان من بين تلك المجموعات الراديكالية الحزب الشيوعي , " الاخوان الجمهوريون " و " الاخوان المسلمون " لقد تم القضاء عمليا على الحزب الشيوعي بهجوم نميري عليه بعد الانقلاب المجهض عام 1971 ، والذي كانت للحزب علاقة معنويات الجمهوريون وشلت حركتهم عندما استغل نميري قانون الشريعة واعدم زعيمهم محود محمد مصطفى 18 - يناير - 1985 ، بحجة الردة. و اصبح " الاخوان المسلمون " الذين اعادوا تنظيم انفسهم في حزب الجبهة الاسلامية القومية بعد الاطاحة بالنميري ، يمثلون الحزب الراديكالي الوحيد ، المعادي للطائفية ، وظل الحزب يعمل بفعالية واضحة ، لا يهدف فقط الى اقامة دولة اسلامية ، بل ولتحقيق التحرر التام من طبيعة الدولة غير الاسلامية ، ذات التوجه المسيحي الموروث من النظام الاستعماري عند الاستقلال . ويعتبر احياء وبعث تعاليم الدين نوعا من اعادة اكتشاف الذات ، وعملية لاضفاء شرعية تسعى لبناء المجتمع على القيم و المؤسسات الاسلامية .
    في الجنوب ر تحولت العملية من المؤسسات القبلية التقليدية للمجتمع ، التي استغلها البريطانيون في سياساتهم المحافظة للتطور المحلي ، تحولت الى الطبقة الجنوبية المتعلمة الجديدة ، التي تشكلت هويتها بالمسيحية والثقافة الغربية . ورغم ان هذه المؤثرات الخارجية لم تقتلع القيم المحلية والمؤسسات التقليدية ، الا انها وسعت رؤى الطبقة المتعلمة في اتجاه المقاومة والدفاع ضد الهيمنة الشمالية وتهديد الاستيعاب . والرؤية المقترحة من الحركة الشعبية لتحرير السودان وجيشها ، والتي تمثل في الاساس نموذجا غربيا لدولة حديثة ، علمانية مدنية وديمقراطية ، تشكل المرحلة الاحدث ضمن هذا التطور لهوية اقليمية ، تنافس الان من اجل تطبيقها على الامة .
    بالطبع لم تكن تلك المراحل بأي حال من الاحوال متتابعة بشكل صارم محدد . على النقيض من ذلك ، تداخلت المراحل وتزامنت وتعايشت واخذت كل منها من الاخريات . تتفاعل القيم و المؤسسات التقليدية مع المفاهيم الجديدة عبر المرحلة الانتقالية ، وبينما تدخل في نزاع اكثر سفورا مع قوى التحديث ، تنزع نحو التمسك والتشبث بالتقليد . ويفسر ذلك جزئيا ، الطريقة التي تمكنت بها الطائفية والقبلية من الهيمنة المستمرة على العملية الديمقراطية.
    لم تكن النماذج التي ظهرت في الشمال والجنوب متماثلة متطابقة . بل خلافا لذلك ، فان مجرد تداخل المرحلة المختلفة وتزامنها وحتى اختلاطها ، يشير الى التنوع في وجهات النظر داخل الشمال والجنوب . وفي شطري البلاد تتفاقم وتدوم المنافسات القبلية او الاقليمية ، وتتواصل بسبب الخلافات بين الزعماء وبين مجموعات المصالح المختلفة .
    لقد بلغ تطور السودان الحديث ذروته في رؤية نابعة من الجنوب تنازع رؤية من الشمال ، مع حالات اخرى هامشية قائمة على الاختلاف العرقي و الاثني ، من بينها النوبة ، الانقسنا ، والفور بدرجة اقل البجا ، ممن تعبر هوياتهم اكثر افريقية من الاقسام العربية السائدة المعروفة . تختلف الرؤيتان ايديولوجيا حول نظام الحكم , وبخاصة ما يتعلق بقضايا مثل الديمقراطية مقابل الحكم العسكري ، ودور الدين في الدولة .


    عــقبــات امــام الاجــمــاع :
    تنبع العقبات امام حل النزاع من الموضوعات الواردة في تحليل القضايا اعلاه ومن نشوء وتطور الرؤى المتصارعة الان حول تلك القضايا . بينما يبرز النزاع في اشكال متعددة ومستويات مختلفة ، تعد الحرب الاهلية البعد الاكثر حدة وحسما بين الحكومة والحركة الشعبية لتحرير السودان وجيشها . لقد اصبحت قضية الشريعة مثيرة لاكثر جوانب النزاع صعوبة ، ولكنها تشكل نموذجا لمجالات خلاف اخرى .
    لايمكن رؤية موقف الحكومة الراهن من الدين كحاجز وعقبة امام حل النزاع بمعزل عن الخلفية التاريخية . لم تكن الاطروحات الدينية التي تدعو لها الحكومة الحالية مشتركة وحسب ، بدرجات متفاوتة ، بين الانظمة المتتابعة منذ نميري ، بل ان الحوار حول قضية الشريعة والدستور الاسلامي بدأ مع المناقشات الدستورية المبكرة منذ الاستقلال . واذا ما امعن النظر في تاريخ البلاد جميعها ، قد تختلف الدرجة ، ولكن ظل دور الاسلام في الدولة بصورة دائمة قضية هامة ، حتى ابان الحكم البريطاني ، الذي جمع مترددا بين فصل الدين عن الدولة مع تقدير سياسي محسوب للاسلام يكاد يرقى الى مستوى دين الدولة . الاختلاف الرئيسي ، على كل ، يتمثل في تصعيد دعاة احياء الدين او الاصوليين من حدة الحوار لتشددهم وتعصبهم غير المساوم في سعيهم لتحقيق الاطروحات الاسلامية ، بالرغم من الحاجة للتعامل مع واحتضان غير المسلمين على الصعيدين الوطني والعالمي .
    وبما ان قسما كبيرا من البلاد لا يدين بالاسلام ، تفرز ازمة الهوية الدينية في علاقتها بالدولة البعد الاكثر حدة . بينما يؤثر الحوار حول دور الدين في الدولة عمليا عاى كل الدول العربية الاسلامية ، فأن ما يجعل حالة السودان اكثر تعقيدا ، بصورة استثنائية ، هو انقسام البلاد الحاد بين من ينتسبون للاسلام والعروبة المتصلة به ، وبين من يستمدون هويتهم اساسا من مقاومة الهيمنة العربية الاسلامية .
    لاتقوم مقاومة الجنوبيين للاستيعاب أو التكامل داخل القالب العربي الاسلامي لذاته ، بل تقوم ضد الهيمنة المرتبطة بفرضه . في ظروف التعامل السلمي بين الشمال والجنوب ، تتوفر للاستيعاب والأسلمة فرصا افضل لتبنيهما عبر عملية متسقة وتدريجية للأثراء لثقافي المتبادل . و كما هو الحال الان ، برهنت المقاومة ضد فرض الاستعراب و الاسلمة والتهديد بالستيعاب الوشيك ، على انها اكثر العقبات امام اقامة دولة اسلامية في السودان . ويميل حتى الشماليين المعارضين لتطبيق الشريعة الى تبرير وقوفهم مرتبطا بوضع الجنوب و هذا يعني ان المواجهة الشمالية - الجنوبية تحجب موقف الشماليين ، و تبعدهم عن مواجهة قضية الدين داخليا ، بدلامن اعتبارها مجرد قضية شمالية - جنوبية .
    وحسب رؤية الأصوليين الشماليين ، يفرض الاسلام عدم فصل الدين عن الدولة . و عندما يطلب المواطنون ، ( ممن يعتبرهم المتشددون اقلية ) من الاصوليين عدم التمسك باطروحاتهم الدينية ، والتبني بدلا عنها للأفكار الغربية العلمانية ، والأسوأ ، محاولة فرضها بالقوة ، حينها يرد الاصوليين بضرورة ترسخ الاصولية الاسلامية .
    و للمفارقة،بينما يدعي الاتجاه الاسلامي التعبير عن ارادة الاغلبية ، يفرض النظام الحالي الاطروحات الاسلامية بقوة السلاح ، منكرا بذلك الحقوق الديموقراطية للمسلمين و غير المسلمين على حد سواء ، و يتبنى استراتيجيات تؤدي الى انتهاكات جسيمة لمواثيق حقوق الانسان العالمية ، وتنقض بذلك كل المثل الأخلاقية والروحية ،التي ترتبط عادة بالاديان . وتصبح الاجندة بذلك اكثر ارتباطا بالسياسة منها علاقة بالدين ، و يتحول الدين بدوره اداة للاستغلال والمناورات السياسية .
    تجد الاحزاب الطائفية التي تحاول التمسك بالمبادىء الديموقراطية ، لكي تكون اكثر تقبلا و تفهما للجنوب الغيرالمسلم ، تجد نفسها في وضع ضعيف مهزوز امام الاسلاميين دعاة البعث الاسلامي ، وامام العلمانيين ايضا . تستمد تلك الاحزاب قاعدة دعمها السياسي وقوتها ، في الاساس من الانتسلب والاولاء الديني لجماهير الريف ، التي تشكل الغالبية العظمى من سكان البلاد . و الحقيقة المجردة لنجاح زعماء الاحزاب الطائفية و تقلد مناصبهم عبر الوراثة ، تجعلهم بذلك جزء من النظام التقليدي ، بالرغم من انهم يعتبرون من الصفوة المتعلمة . و بذلك تشكل الطائفية خليطا بين التقليد والحداثة ، مع ميل نحو المحافظة يجعل الزعماء ضعفاء امام قوى التغيير . ومع هذا ، بما ان الديموقراطية الغربية تعد عملية يحسمها حجم اصوات الناخبين ، لا يمكن تجاهل وزنهم السياسي ، و هنا تبرز حاجة الاصوليين للاعتماد على الجيش كأداة للسيطيرة والتغيير .
    وخلافا للاحزاب الالطائفية ، تميل الجبهة الاسلامية القومية ، الى تجنيد عضويتها من بين الشباب المتعلمي من الرجال والنساء الملتزمين بجعل دور الاسلام ديناميكيا نشطا و مهيمنا في تشكيل المجتمع و الدولة الحديثة . و بعيدا عن رؤية الزعامة على انها امر موروث ، تركز الجبهة على اهمية الكفاءة ، التي تعد فيها مقدرة الفرد على الانجاز في الاطار الحديث المتغير ، عاملا اساسيا للزعامة . وخلافا للفرضيات المألوفة ، يرى اعضاء الجبهة الاسلامية القومية بأن مذهبهم يدعو لبعث واحياء تعاليم الدين كمفهوم تجديدي للاسلام ، بالرغم من انهم ، يسعون للتحقيق ذلك بالنكفاء والعودة الى اصول الاسلام ، مما يعد مفارقة وتناقضا . ويوفر لهم ذلك التوجه ، داخل السياق الاسلامي الحديث ، وضعا افضل من الاحزاب الطائفية لأنهم يقدمون انفسهم كحركة اسلامية للأزمنة الحديثة . و لكن صراعهم و تنافسهم مع الاحزاب الطائفية الساسية لا يقتصر على الاطار الحديث . و هناك امكانيات ، على الاقل ، في تحركهم تجاه جماهير الريف التي تشكل القاعدة الجماهيرية الاسلامية .
    بالرغم من هيمنة الاحزاب الطائفية في البلاد ، الا ان الوضع متحرك ومتأرجح بعض الشيء لصالح الجبهة الاسلامية القومية ، لأن جماهير السمدانيين المسلمين في الريف متدينون بعمق ، و بطريقة انتقائية تقليدية يمكن ان تتحول في اتجاه ليبرالي او اصولي اعتمادا على قدرة الزعامة الذاتية . وبينما يبقى قادة الاحزاب الطائفية متارجحين بين اليبرالية والاصولية ، تندفع الجبهة الاسلامية القومية وحلفائها بقوة ، مقدمين رؤية واضحة كاملة عن الاسلام لايمكن للجماهير معارضتها ، و لكن هذا القبول لا يعني مطلقا غياب الوعي الجماهيري ، ولا يعني الموافقة على الرسالة أو الاساليب الاصولية . الارجح ، انه يشير الى التردد في معارضة دعاة " الشريعة " الاعلى صوتا داخل السياق الراهن للدولة الوطنية الحديثة من الممكن الهجوم على ، بل والتبرؤ من قوانين " سبتمبر" على انها غير اسلامية ، و لكن مبدأ الالتزام " بالشريعة " التي تدعو ايه الجبهة الاسلامية القومية و الحكومية الراهنة ، يعد موقفا اكثر صعوبة للمسلمين لمعارضته او تحديه ، و لكن ربما تمكن معارضته فقط على اساس انه فرض بقوة السلاح ، او لأنه سوف يعزل ويبعد غير المسلمين ، مما يهدد الوحدة الوطنية . و لكن بالنسبة للمسلم المتزمت ، يسود الدين على الوحدة الوطنية .
    ونتيجة لذلك ، بينما يؤيد العديد من الشماليين بكل الصدق الاطروحات العلمانية للحركة الشعبية لتحرير السودان ، ومباديء المساواة بون تمييز ديني ، تجاهر فقط اقلية ضئيلة غير مؤثرة بتأييدها الواضح لفصل الدين عن الدولة . يتفق بعض الشمليين وراء الابواب المغلقة بأن العلمانية تعتبر الطريق الوحيد للحفاظ على وحدة البلاد ، و لكنهم يعترفون ايضا بأنه ليس في امكانهم الجهر بذلك ، و لا يتوقعون ان يتخذ المسلمون السودانيون موقفا مخالفا " للشريعة " . وفي هذه الحالة ، تصبح ازمة الهوية الوطنية ازمة زعامة داخل الاطار التعددي .
    الرؤية للوضع ، من وجهة نظر غير المسلمين عامة والجنوبيين خاصة ، تشير انه ومهما يكن الاطار العربي الاسلامي الذي تقدمه الجبهة الاسلامية القومية او القوى الشمالية المهيمنة عادلا ، ورحبا ومنصفا ، الا انه لا يمكن ان يوفر المساواة التامة . ويدفع دعاة " الشريعة " بانه على الاقلية غير المسلمة ان تكيف وضعها مع ارادة الاغلبية المسلمة ، التي يفرض عليها الواجب الاخلاقي ضمان حقوق الاقلية . وتحاجج الحركة الشعبية لتحرير السودان ، متحدثة بشكل عام انابة عن المهمشين من غير السكان العرب ، بأن السودانيين المحليين الاصليين ، بمن فيهم من مجموعات مسلمة غير عربية في الشمال ، يشكلون اغلبية عرقية اثنية يمكن حشدها وتعبئتها لمجابهة الاغلبية القائمة على الهوية الدينية . ويؤكدون على ذلك ، بانه وبنفس القدر الذي يميل فيه المسلمون الى استعمال منطق اغلبيتهم الدينية ، يمكن لهذه المجموعات غير العربية استعمال منطق اغلبيتهم العرقية والاثنية لتبرير تشكيل الدولة السودانية على الافريقية ، مع الاعتراف والاحترام للحقوق الدينية والثقافية للمسلمين والعرب .
    الخلافات داخل الحركة الشعبية لتحرير السودان وجيشها تعقد الوضع باحداث تضارب وارتباك حول اهداف النضال . حدث الانقسام اولا في اواخر اغسطس عام 1991 ، عندما تمرد القادة ، ريك مشار ، لام اكول ، وجوردن كونغ ضد القائد العام جون قرنق ، لتفادي من تخوفو منه حينها ، من اعتقال وشيك لهم . بعدها حولوا الازمة الشخصية الى قضية سياسية ، محاججين بأن دافعهم كانت تملية ضرورة اعادة النظر في اهداف النضال ، لفضيل خيار الانفصال للجنوب ، واشاعة الديمقراطية والمؤسسية داخل الحركة ، وتطوير احترام حقوق الانسان والحريات الاساسية .
    هذه اهداف تستحق الثناء والتقدير نظريا . يدرك معظم الجنوبيين ، بأن ادعاء الحركة الشعبية النضال من اجل سودان جديد موحد ، كان في اغلبه ذريعة تكتيكية لتحييد اي معارضة يمكن ان تخلقها الدعوة للانفصال . وبالرغم من تعاظم التطلعات الجنوبية لتحرير كل السودان كقطر افريقي وتصاعدها مع تنامي قوة الحركة ، وبرغم اقتناع جون قرنق نفسه بصورة متزايدة بخطابه السياسي ، يظل الانفصال الخيار الاخير للجنوب . ولكن يدرك اغلب الجنوبيون ايضا بأن تحقيق الانفصال لن يكون ممكنا لمجرد المناداة به . ويدركون بأن الطريقة الاكيدة الوحيدة ، برغم كونها الاكثر ايلاما وابهظ ثمنا ، هي الانتصار في ميدان المعركة ، كما فعلت اريتيريا . والدليل على ان دعوة القادة المتمردين للانفصال كانت ، على الاقل في بدايتها ، تحركا لمنافع ذاتية ، اصبحت مكشوفة فيما بعد بتحالفهم التكتيكي مع حكومة الخرطوم ضد التيار الرئيسي للحركة ، برغم رفض الحكومة لدعوتهم بالانفصال اصلا .
    ومع ذلك واصل القادة المنشقون توسيع قاعدة التأييد لهم وسط الجنوبين ، على اساس مبادئهم المعلنة ، وركزوا على مطلب اكيد هو عزل قرنق من قيادة الحركة . وما بدا اولا انقلابا ذي اثر يذكر على كرسي الرئاسة ، تطور بسرعة الى ما يسمى " الثورة الزاحفة " ، الوصف الذي اراد به المنشقون تعريف تمردهم . والاسوأ ، ان التمرد على الحركة انحدار الى عدوات قبلية دموية رهيبة عمقت ووسعت الانقسامات وسط الجنوبيين . ومن جانبها ، كانت الحكومة شغوفة لاغتنام الفرصة لتعميق الانقسام واضعاف العدو ، وتحركت موفرة حوافز متنوعة ، تراوحت من الامدادات العسكرية ، والدعم اللوجيستي ، الى الحوافز المادية للمتمردين على الحركة . ونتيجة لذلك ، اخذ التمرد والتشرذم والانقسام في الاتساع والانتشار . ورغما عن ان تيار الحركة الرئيسي تحت قيادة قرنق ظل المهيمن والغالب ، الا ان عملية " قوة اندفاع الطرد " الانقسامية داخل القيادة ظلت تهدد بتحويل الجنوب الى وضع شبيه بالصومال ، تسوده الحروب القبلية والعشائرية ، مما يجعل فرص حل النزاع اكثر صعوبة .
    فاقمت الخلافات داخل الشمال من تعقيدات الازمة . تعارض كل القوى السياسية الرئيسية تقريبا الحكومة الحالية ، ليس ، صراحة ، بسبب اطروحاتها الاسلامية ولكن لكونها نظاما عسكريا . التقت كل تلك القوى السياسية المعارضة مع الحركة الشعبية لتحرير السودان وجيشها لتكوين ( التجمع ) التحالف الوطني الديمقراطي ، ( NDA ) ، الذي يهدف الى الاطاحة بالنظام العسكري . ان رفض الحكم العسكري من جانب غالبية المعارضين ، خاصة بين من يمثلون القوى الحديثة ، وثيق الصلة برفض مماثل للعودة مرة اخرى الى حكم الاحزاب السياسية الطائفية ، مما يولد فراغا يدعو الى اللامبالاة والسلبية السياسية وسط المواطنين . وبما ان النظام واتباعه الملتزمين دينيا مصممون على حماية امن النظام ، فان هذه الامبالاة تدعو الى اضعاف احتمالات الانتفاضة الشعبية كالتي اطاحت من قبل بانظمة عسكرية .
    يؤدي تداخل هذه النزاعات والخلافات الداخلية في الشمال والجنوب ، ليس فقط الى تعقيد الانقسام الشمالي الجنوبي ، ولكن يجعل حل النزاع الرئيسي بين الجنوب والشمال اكثر صعوبة لاحقا . وبالطبع ، لا تفضل القوى السياسية الشمالية المتحالفة مع الحركة الشعبية لتحرير السودان ، في التحالف الوطني الديمقراطي ، تسوية بين الحركة الشعبية والحكومة ، لان ذلك سوف يسحب من تلك القوى المعارضة القوة العسكرية الوحيدة الموثوق فيها . وكذلك ، لا تحبذ مجموعة لا اكول – ريك مشار ، التي انضم اليها اخرون عديدون ، اي تسوية بين الحكومة والحركة الشعبية لتحرير السودان ، الفصيل الاساسي ، لان ذلك سوف يسحب من القادة المنشقين قيمتهم الوحيدة ، لكونهم حلفاء للحكومة ضد قرنق .
    ولهذا يبدو ان الحكومة وزعماء المعارضة مهمومون ومنهمكون في تكتيكات واستراتيجيات تؤدي الى توسيع الانقسامات واضعاف العدو ، مع غياب زعامة تتسم وتتمتع بسلطة اخلاقية لتحشد الامة خلف هدف وغاية مشتركة . وهذا لا يجعل احتملات السلم والوحدة بعيدة المنال وحسب ، ولكنه يفاقم من حجم الكارثة الانسانية المأساوية للمدنيين من السكان ، الذين اقتلع معظمهم من اراضيهم ، وشردوا داخل البلاد او اجبروا على اللجوء الى البلدان المجاورة . وكأن كل هذه التعقيدات ل لاتكفي ، فان تدخل قوى اقليمية وعالمية ، مثل ايران ، العراق ، ليبيا ، سوريا ، بتحالفها مع اقسام داخلية ، لا يعمق الانقسام فحسب ، بل يفاقم من امكانيات تدمير السودان لنفسه ويقلل من احتمالات التسوية السلمية .
    ومهما تكن ديناميكية وحركة التفاعل في ميزان معادلة القوى ، فانه من غير المحتمل ، ان يحقق اي من الطرفين انتصارا حاسما على الاخر . ومهما كان مستوى اضعاف الحركة الشعبية لتحرير السودان وجيشها بسبب الخلافات الداخلية ، والمتغيرات الاقليمية ، وتحسن الامكانيات القتالية لقوات الحكومة ، فان السعي الجنوبي الحثيث للعدل والمساواة سوف يجعل نيران التمرد مشتعلة ومستمرة في المستقبل المنظور . القيادة الواعية بشئون الحكم والمصالح الذاتية المستنيرة يجب ان تملى الاعتراف بالحل السلمي للنزاع الذي اصبح امرا واجبا وملحا . ولكي يكون ذلك ممكنا ، لابد لعقلية السودانيين ، وبخاصة الزعماء ، ان تغيير جذريا وبشكل اساسي .


    عـــامــل الـعـــرق :
    احد الاسباب الرئيسية الداعية للتضارب والارتباك في ازمة الهوية السودانية يتمثل في الطريقة التي اعطيت بها الهوية الشمالية شخصية مركبة تمزج عناصر العرق ، الثقافة والدين . الطريقة التي تم بها ذلك ، توارى البعد العرقي وتداري العنصرية . تعمق النظرة الذاتية للبعد العرقي للعروبة الانقسام بين الشمال والجنوب ، مما يجعل الامر صعبا / حتى للجنوبي المسلم المستعرب ، لتقريب شقة ذلك الانقسام . وتتمثل الطريقة التحليلية لتحسين وتخطي وضع الانقسام في فرز العرق ، الثقافة والدين ، ثم التدقيق في صحة الادعاء الشمالي للعروبة عرقيا وثقافيا ، مع التمعن في شكل الاسلام الممارس في الشمال ضمن ذلك السياق . وبما ان العرق يبدو ضمن اجندة خافية وراء موضوع الدين المهيمن ، يصبح ضروريا التدقيق في هوية الشمال من وجهة النظر هذه . في الجنوب ، كما في العديد من البلدان الافريقية ، تمارس اديان مختلفة داخل العديد من العائلات ، ولكن الدين لا يتدخل في وحدة العائلة الضرورية ، التي تترسخ بولاءات القرابة . ويحمل هذا السلوك الكثير المشابه للتقاليد الصوفية ، التي مثلها مثل المعتقدات الافريقية المحلية ، مشخصنة وترتبط بالنسب ، وتتميز بقدر كبير من التسامح مع التنوع .
    المدخل الاول هو معالجة قضية العروبة والافريقية كعناصر للانتماء الوطني . والحجة التي يدفع بها غالبا في السودان ، وفي الدوائر العربية ، هي ان العروبة ليست مفهوما عرقيا ولكنها مفهوم ثقافي . وتعكس هذه النزعة صعوبة تحديد هذا المفهوم الضبابي للعرق حسب معايير موضوعية كالدم ، وتكشف الرغبة الخفية لتحاشي القضية . ولكن تلك النزعة تحمل في اعماقها الظروف الخاصة بالسودان ، حيث يكشف الدليل الملموس ، لمن يدعون بأنهم وراثيا وعرقيا عرب ، غياب الاسس العرقية الموثوق فيها لسند ادعائهم . والتحدى الذي يواجه الاكاديمي ، المثقف ، والسياسي المطلع في الشمال ، يتمثل في الكيفية التي تعالج بها القضية عقلانيا عندما يدعي البعض العروبة بينما يشي مظهرهم وتقاطيعهم الى غير ذلك ، ويحدون المخرج في تأكيدهم بأن ما يدعيه العربي السوداني في حقيقة الامر ليس الصلة العرقية ، بل الثقافية . وبهذا المنحى ، يوارون الهوية العرقية غير المبررة برداءة الثقافة . ويتبع ذلك ، بانه ليس واردا ان يكون الشماليون عنصريين ، برغم امكانية اعتزازهم بشوفينيتهم الثقافية ، التي تعتبر اخف ضررا من العنصرية . انها لذريعة ذكية ، لانها توفر مهربا فكريا للمثقف والسياسي ، ولكنها لا تعالج المشاكل العرقية للبلاد . كما ترسخ من معتقداتهم بأن الجماهير السودانية الشمالية ، التي ترى نفسها عربية عرقيا وثقافيا ، تفترض تفوقها على هذه الارضيات ، مع تحاملها ضد اقرانها من غير العرب . كما ان هذا المهرب لا يصيل الزعماء الشماليين بضرر ، لانه بتفاديهم الواقع عبر ذلك المفهوم الذرائعي ، لا يمكنهم تقديم زعامة لها القدرة و النفوذ الاخلاقي لوضع حد للعنصرية العربية في البلاد .
    وبطريقة ما ، يخفى الاصرار على ان الهوية العربية تؤسس على مفاهيم ثقافية لا عرقية ، النظرة الذاتية الشمالية بادعاء الانتماء للعرب عرقيا . ولا يعد هذا الانتماء الذاتي الوهمي حميدا على الاطلاق ، لانه يوفر في الواقع الاسس للتحامل العرقي والتمييز ، وما يتبع ذلك من ممارسات عنصرية بين المواطنين ، لابرغم عدم الاعتراف بها ونكرانها باصرار .
    وحتى ، مع ابعاد المفهوم الخبيث للعرق لمصلحة المفهوم الحميد – الثقافة ، كيف يمكن ان يساعد ذلك في توحيد بلد منقسم على اسس ثقافية ؟ قد يؤثر انقسام السودان عرقيا او ثقافيا على المستوى العاطفي ، ولكنه ، مع هذا ، يعني انتفاء الارضية المشتركة . والسؤال الذي يبرز التحدي هو : ما الذي يجمع من يسمون انفسهم بالسودانيين ، وهم منقسمون بسبب مفاهيم ذاتية متعلقة بالعرق ، الدين الثقافة وعوامل اخرى ؟ البديل البديهي للانقسام الواقع يتمثل في ، الاعتراف بالفجوة بين السس العرقية والثقايفة المداة للهوية ، وبين الدليل المادي الملموس الذي يدحض ذلك الادعاء ، من اجل نسف الوهم والقاء الضوء على العوامل المشتركة ، التي لا تستدعي ادعاءات لاختلافات عرقية او ثقافية مبالغ فيها ، يقوم عليها التحامل التمييز .


    مــواقــف اطـراف الـنــزاع :
    ماتشير به الحكمة البديهية ، لا يمثل بالضرورة وجهة النشاط العلمي الذي يتبعه صناع القرار . الوضع السوداني يعبر عن انعكاس مأساوي لصدق هذه الحقيقة . فمن جانب ، اصبحت قضايا النزاع واضحة جدا للجميع ، بمن فيهم اطراف النزاع . ومن الجانب الاخر ، يعترفون بأن الوضع الراهن لا يمكن ان يصون السلام والوحدة . ومع ذلك ، فان المواقف التي تتخذها الاطراف ، للمفارقة ، توسع شقة الخلاف ، مما يجعل المساومات صعبة ، ان لم تكن مستحيلة .
    يبدو ان موروث العلاقات الجنوبية الشمالية قد اقنع الحركة الشعبية لتحرير السودان وجيشها والجنوب ايضا ، بأن الممسكين بزمام السلطة في المركز . والشماليين بصورة عامة ، لايعيرون اهتماما للتظلم الجنوبي ، الا اذا ما اقيم الدليل وحسم الامر في ميدان المعركة . وان كان ذلك صوابا ام لا ، تعتقد الحركة الشعبية وغالبية المسيسين من الجنوبيين بان الشمال لن يقبل ضرورة اعادة هيكلة السلطة الوطنية الا عبر القوة العسكرية . ولكن ، ولتفادي المثول بمظهر دعاة الحرب ، ولكسب التعاطف والتأييد السياسي ، حتى من داخل الشمال نفسه ، وجب على الحركة ابداء التزامها بالتسوية السلمية التفاوضية كوجهة نظر مبدئية .
    والرؤية من جانب الحكومات المتعاقبة في الخرطوم ، تشير الى ان نجاح الحركة الشعبية لتحرير السودان في تحقيق اهدافها المعلنة ، عبر الوسائل العسكرية او السلمية ، سوف يهدد دون شك هيمنة الحكومة في المركز والشمال العربي المسلم .
    وطبيعيا – الافيما ندر من مواقف قيادية رشيدةعادلة ، لم ينعم بها السودان بعد – يصعب على اي زعيم في الخرطوم ان يقدم مثل هذا التنازل الساسي الهام . ومن جانب اخر ، فان المساومة من موقف عسكري قوي ووجهة نظر سياسية عادلة ، يمكن ان تؤدي الى تغيير اقل جذرية ، يمكن للنظام امتصاصه دون ان يكون مدمرا لنفسه . ولهذا ينظر الى تصعيد نشاط الجبهة العسكرية على انه امر ضروري للمفاوضات . وبنفس القدر ، فان رفع راية السلام يمكن ان يكون تكتيكا لدعم مظهر المرونة والمساومة ولدرء انتقادات التشدد . وهذا هو حال كل من الحكومة والحركة الشعبية لتحرير السودان .
    هناك عوامل متشابهة تعتمل وتؤثر على قضايا الوحدة والانفصال . ادى تصعيد واطالة امد النزاع الى تقوية كل من دعاة الوحدة والانفصال . يحظى الانفصال بتعاطف عميق الجذور– وان لم يكن سافرا – من الدوائر الجنوبية . فيما عدا مجموعة لام اكول وريك مشار المنشقة حديثا وبعض المنشقين الاخرين ، الذين يجاهرون بالانفصال ، تقف قيادة الحركة الشعبية سرا ولكن بصورة دائمة مع وحدة البلاد . ومع هذا ، فان استراتيجية الحركة لا تستبعد الانفصال . وحقيقة ، تسلم العناصر الموحدة والداعية للفرقة في الهوية – افريقيين او عرب – ولكنهم يتبرأون من عنصر ، مع خيارهم المحدد المفضل للعنصر الاخر . ويتحكم الشمال ايضا في ورقة سلطة الدولة الرابحة ولديه الامكانيات الهائلة لتهيئة الظروف .
    ما معنى ان تكون سودانيا ؟ بازاحة المظاهر الخارجية للهوية ، تتكشف القيم والتوجهات الثقافية الحقيقية للبلاد ، موضحة امكانية التفاعل المتبادل في عملية عادلة ومتكاملة لبنء الوطن . ويعني هذا ضرورة ابعاد الدين عن الحياة العامة ، وتبنى اللغة الانجليزية والعربية كلغات للعمل ، مع تشجيع اللغات واللهجات المحلية الرئيسية في المراحل الاولية للتعلم ولاغراض المناسبات المحلية . وسوف تكون لعملية اكتشاف الذات هذه تداعيات واسعة في التعليم ، البرامج الثقافية ، الاعلام ، التوعية العامة والعلاقات الخارجية .
    هذه المقترحات ليست جديدة بالمرة ، ولكنها امتداد طموح لشيء اصداره من قبل ونجح بقدرما ولفترة محدودة . ورغم ان الاطار الذي وفرته اتفاقية اديس ابابا 1972 ، قد جعل الجنوب تابعا بطريقة لايمكن قبولها مرة اخرى ، الا ان الاتفاقية اعطت البلاد احساسا بالانتماء للامة وبالهدف المشترك . ادى توسيع المشاركة ، ليشمل كل الاقاليم والاقسام ، الى لم شمل المواطنين من الجنوب ، الغرب ، الشرق والشمال ، وظهر ان العديد منهم كان اكثر زنجية من النيليين ، وضعفاء في اللغة العربية كما النيليين . وفجأة تحولت صورة الانقسام الواضح الحاد بين الشمال العربي والجنوب الفريقي لتصبح اكثر " غبشة " واختلاطا ، وما نتج عن كل ذلك عبر عن الوجه الحقيقي للسودان بكل تعقيداته ، الوجه الذي لم يره او يألفه سوى القلة من السودانيين ، بمن فيهم من قادة في الخرطوم ، منذ فجر الاستقلال . وادرك السودانيون للمرة الاولى دور بلادهم المنظور كنموذج مصغر لافريقيا وحلقة وصل بين القارة والشرق الاوسط .
    عناصر الهوية السودانية هذه ، والطريقة التي اثرت بها في تشكيل السياسات الداخلية والخارجية ، ربما وضحتها بدقة الدراسة التي اجرتها وزارة الخارجية وقدمتها لمنظمة الوحدة الافريقية في الاحتفال بعيدها العاشر 1973 . وشكلت تلك العناصر ايضا خط الخطاب السياسي لنميري حول دعم السودان لاتفاقيات كامب ديفيد ، كامتداد للمباديء التي وجهت السياسات الداخلية للتسوية السلمية والمصالحة الوطنية . ومع هذا ، كانت عملية اكتشاف الذات تلك واعادة صياغة النظرة الذاتية الوطنية عاملا هدد الصفوة الشمالية ، ودفعها الى تقويض اتفاقية اديس ابابا مجبرة نميري في النهاية على خرق ما كان في واقع الامر اكثر الانجازات اهمية تحت قيادته . ومع ذلك ، وبالرغم من تفكيك نميري للاطار الذي شيده ، توفر التجربة سابقة ونموذجا يمكن تحسينه والبناء عليه لجعل الهدف المرجو تحقيقه ، ليس فقط ممكنا انجازه ، بل سبق وتحقق فعلا بقدر كبيرا من النجاح . على كل ، فان فشل الاتفاقية يجعل الرؤية صعبة ، ان لم تكن مستحيلة ، في اختيار ترتيب داخل اطار الوحدة يكون مقبولا للجنوب كضمان اكيد للسلام والاستقرار . ذلك الاحتمال البعيد ، ربما يضع التحدي امام القيادة ويدفعها لتصبح اكثر قدرة على الخلق في بحثها عن الحلول .
    ولنجاح اي حل يحقق السلام والوحدة والاستقرار الدائم للبلاد ، لابد وان يكن ذلك المحل حساسا للعلاقات الافقية بين الجتمعات المختلفة التي تؤثر عليها مشاكل الهوية ، وللصلة الرئيسية ايضا على المستويين المحلي والوطني . هذه النظرة يبنها وضع ابيي ، التي ادى ابعادها عن اتفاقية اديس ابابا ، لاستئناف العدوات بصورة مباشرة في عام 1983 . تمثل ابيي نقطة التقاء وتداخل بين الشماليين والجنوبيين ، وقد وصفت بالنموذج المصغر للسودان ، كما وصف السودان بالنموذج المصغر لافرقيا ، لايمكن لاي حل مستقبلي بين الشمال والجنوب ان يتجاهل الوضع " السرطاني " الشاك لدينكا الانقوك في ابيي بجنوب كردفان الذين ظلوا لاجيال عديدة الجسرالرابط بين الشمال والجنوب ، ولكنهم اصبحوا ، حديثا ، ضحايا النزام والمصالحة ايضا فيالعلاقات الشمالية الجنوبية . ونتيجة لذلك اصبحوا عاملا مفاقما للازمة ، ان لم يكونوا حقيقة السبب المباشر في استئناف الحرب الاهلية .
    وبمجرد ان يتم تحضير التربة المحلية المشتركة وزرعها ، لينمو الاحساس الوطني بالهوية ويعطى ثماره ، حينها يمكن للسودانيين التقدم بامان للحاق بالعالم الخارجي العريض من امم وشعوب . في الماضي ، كانت تلك الصلات الخارجية تفضل وجهة نظر احادية للهوية السودانية – العنصر العربي . ولم تقدم افريقيا مساهمة مماثلة لتوازن مساهمة العرب . يمكن ابراز امكانيات الدور المعتدل للجنوب في العلاقات الخارجية ، بردود الفعل المتباينة للسودان حول تطورين في الشرق الاوسط : حرب الايام الستة ، عندما تبنى السودان الموقف المتشدد للدول العربية ، واتفاقيات كامب ديفيد ، التي ايدها السودان مسترشدا بالمباديء الداخلية في الحل السلمي للنزاعات ، كما عكستها اتفاقية اديس ابابا ، التي جعلت من المشاركة الجنوبية في رسم السياسة الخارجية امرا ممكنا ايضا . ولكن ، مرة اخرى ، عدت هيمنة العرب للصدارة وانحسر البعد الافريقي بعد خرق اتفاقية اديس ابابا .
    تتغير الصورة الان بقدر ما ، مع تزايد اهتمام افريقيا بمأزق السودانيين وحالتهم ، ولكنه اهتمام يعبر عن رد فعل نزاعي ضد التأثير العربي الاسلامي . يعترف العديد من السودانيين صراحة بأن رفع مرتبة الهوية العربية عالميا تأثر بحاجة السودان للدعم المالي العربي ، الذي تنامي نتيجة تصاعد عائدات النفط من " الدولارات البترولية " في السبعينات ، مع الفقر المتزايد في السودان و افريقيا . ولكن البلاد غنية بمواردها ، لديها اراض زراعية ومياه وفيرة ، واحتياطات من النفط والمعادن . بالسلام والاستقرار والسياسات الحكيمة ، يمكن للسودان الحفاظ على هويته المتجذرة محليا بكل العزة والكرامة .
    وبالطبع ، فان اعادة صياغة الهوية لخدمة اهداف السلام والوحدة ، تعد خطوة عملية ، يمكن الشروع فيها مباشرة ، لكنها تحتاج الى معالجة طويلة المدى . ويمكن يمكن ذلك بعدة سبل . والحرب نفسها احدى هذه السبل ، لانها تجبر الطرفين لامعان النظر في القضايا . للقيادة دور اكيد وحاسم في عرض عناصرونماذج الهوية الجديدة و توضيحها للمواطنين . ومن العوامل الهامة ايضا اقامة الاطار الدستوري ، ومؤسسات للسلطة لتدعيم المشاركة في السلطة ، الثروة والموارد الاخرى بعدالة ومساواة .
    ومهما تكن اللافتات الدستورية المستعملة لوصف الاطار المناسب ، فان الامر الحاسم الذي يجب وضعه في الحسبان ، هو ان التغلب على المخاوف الجنوبية من الهيمنة العربية وحلها ، يتم فقط باقامة نظام حكم لامركزي حقيقي . وايضا ، لابد من الاتفاق على ترتيبات امنية ملائمة على المستوى الاقليمي ، مع المشاركة العادلة للاقاليم والولايات في الحكومة المركزية . وفي هذا الصدد ، لابد وان تكون المساهمة الجنوبية ضمن هذه الترتيبات اكبر حجما وقدرا مما كان عليه وضع الجنوب في الماضي داخل اطار السودان الموحد . ظل الجنوبيون يرون انفسهم في وضع ادنى وغير متكافيء لكونهم غير عرب وغير مسلمين . وتحتاج الثقافات المحلية الجنوبية الى تدعيم وتطوير هويات تنبثق من داخل اطرها الاقليمية لتؤثر على الاطار الوطني .
    ومع الرغبة في خيار اعادة صياغة الهوية الوطنية ، قد يكون تذكير السودانيين الشماليين بانهم خلاف ما يدعون – وعليهم بهذا تعديل نظرتهم الذاتية من اجل مصلحة الوحدة الوطنية – امرا غير مستساغ وغير مقبول . وحقيقة ، بينما يمكن ان يقبل البعض الحجة بصدر رحب ، فان العديدين يعتبرونها مسيئة ومرفوضة . وبما انهلا يوجد في الساحة القائد او التنظيم السياسي الذي يمكن ان يقنع البلاد لتخطو في ذلك الاتجاه ، ويصبح ، من المحتمل ، والاجدى عمليا ضرورة الاعتراف بان تاريخ ومسارات تشكيل الهوية لن تسمح باعادة صياغة الشخصية الوطنية ، بالرغم من الهدف السامي نحو وحدة تحتضن التنوع . ويكمن البديل ، على ضوء ذلك الاعتراف ، في اختيار ترتيب فضفاض يقوم على النظام الكونفدرالي الدستوري . ومع قبول هذا الترتيب ، يبدو انه من غير المحتمل تحقيق الاجماع عليه . والواقع ، ان الحركة الشعبية لتحرير السودان قد اقترحت بديلا كونفدراليا مشابها ، وكان رد الفعل الحكومي الرفض الفوري التام . ومع ذلك ، كان هذا الاقتراح يعبر عن الموقف الرسمي للحركة خلال مفاوضات ابوجا الثانية عام 1993 ، التي انتهت بدون اي اتفاق .
    والبديل الذي يأتي بعد ذلك المفهوم الفضفاض المقترح للوحدة ، هو الانفصال .
    لا تزال القوى السياسية الشمالية ترفض ، والفصيل الرئيسي للحركة الشعبية لتحرير السودان يتنصل عن الانفصال ايضا . وبينما تظل الوحدة غاية نظرية ، فان التقييم المتجرد النزيه للوضع يقود الى خلاصة حتمية ، مفادها ان التوقعات لاقامة وطن موحد لا تبدو مبشرة على ضوء التجارب التاريخية . وعليه ، ربما يكون الانفصال الخيار الاجدى والاقل دمارا ، هذا اذا لم تحدث تطورات مثيرة وغير متوقعة في المعادلات السياسية في الشمال .
    على كل لن يحل الانفصال بالضرورة النزاعات داخل الشمال والجنوب . وحقيقة ، يمكن ان يصبح انتفاء التهديد الخارجي سببا في تفاقم النزاعات الداخلية . ولكن يمكن مجابهة مثل ذلك التحدي داخل الاطار الداخلي من خلال ترتيبات ملائمة لحجم ومحتوى النزاع . من غير المحتمل ان يكون النزاع داخل الشمال او الجنوب حادا وداعيا للانقسام ، مثلما يحدث في النزاع بين الشمال والجنوب داخل الاطار الوطني . والدرجة التي يتحقق بها التماسك الداخلي او الانقسام سوف تعكس واقع الاوضاع في العديد من البلدان الفريقية والعربية .
    وتفرض عملية الاخذ باحدى هذه الخيارات مشكلة تحد . وبما ان حجم المراهنة السياسية عال جدا ، لن تتحمل الحكومة ولا القادة في الشمال او الجنوب ، مثل هذه المسئولية دون مجازفة . ويمكن الحل في ترك الامر للشعب ليختار . ويمكن اجزاء الاستفتاء على مرحلتين منفصلتين ، في الشمال والجنوب . تكون الاسئلة للشماليين : ما اذا كانوا يرغبون في اقتران الشمال بالجنوب ، وعلى اي اسس ، هل عبر ترتيبات فيدرالية ام كونفدرالية ، وما دور الدين في الدولة . يتم بعدها استفتاء الجنوب رداعلى الرأي الشمالي . وبصرف النظر عن قرار الشمال بقبول او رفض الدولة الاسلامية ، سوف يكون قرار الجنوبيين ، اما البقاء متحدين مع الشمال ، تحت احد النظامين الفدرالي او الكونفدرالي ، بغض النظر عن ارتباط الدين او فصله عن الدولة ، او تفضيل استقلال الجنوب تماما عن الشمال ، مع وجوب مراقبة الاستفتاءين بواسطة منظمات عالمية ومراقبين من منظمة الوحدة الافريقية ، الامم المتحدة ، الدول الافريقية والعربية المجاورة ، واي دول اخرى يهمها الامر من داخل وخارج النطقة .
    ومع ضعف الاحتمالات ، عند رؤية هذه الخيارات وتداعياتها ، لايستبعد المراقب الامكانيات التي يمكن ان تتحدى السودانيين وتدفعهم ليصبحوا اكثر خلقا وابداعا وايجابية في بحثهم عن حلول عادلة ودائمة لقضية الوحدة الوطنية . وفي كل الاحوال ، سوف يترك الاستفتاء الخيار للشعب ، وهو شأنه ، ولن يكون هناك زعماء لالقاء اللائمة عليهم .

    بــرنـامــج عــمـل :
    لاسباب الدمار وحجم الكارثة والمعاناة الانسانية التي الحقتها الحرب بالبلاد ، وبخاصة على كل سكان المناطق الاكثر تأثرا بويلاتها ، يصبح الواجب الملح والعاجل ترجمة المباديء المذكورة اعلاه الى برنامج عمل من اجل السلام ، تسترشد به الاحزاب والوسطاء على كل الاصعدة ، الوطنية ، والاقليمية والعالمية . ( 3 ) .
    نقطة البدء والانطلاق لاي مبادرة مبشرة بالسام ، هي الاعتراف بتبلور رؤيتين متوازيتين في الشمال والجنوب ، نتيجة التطور التاريخي للاحداث ، من الصعب التصالح والوفاق بينهما ، وبهذا تفرضان تحديا خطيرا يتهدد بقاء الوطن ، مالم يرتفع القادة فوق الانقسامات . وداخل الاطار هذه الصورة الواسعة ، تبرز اشكال ومستويات عدة من النزاعات القبلية ، الاقليمية ، الايديولوجية ، التي تتطلب الاهتمام ايضا . ولكن البعد الاكثر خطورة يتمثل في النزاع الشمالي الجنوبي . يشير تبلور القضايا الداعية للفرقة ، وتصلب المواقف حول النزاع ، الى ان التغلب على العقبات واجتيازها نحو السلام سوف يكون عسيرا وعصيا للغاية ، ويتطلب تنازلات اساسية وهامة ، اذا ما اريد حل النزاع داخل اطار الوحدة الوطنية .
    يجب ان يدرك الطرفان المتنازعان بان كلا منهما يمثل قضايا مشروعة ومشتركة بشكل واسع داخل مجموعات كل من هويتهما ، برغم الخلافات الداخلية في التفاصيل ، والتكتيكات او الاستراتيجية . ويجب عليهما التصميم على انهاء النزاع باحتضان كل تلك الهموم ، وان عنى ذلك تقسيم البلاد . بينما تحتاج مناقشة التفاصيل الى طرحها في مؤتمر دستوري ، تفرض الظروف الضاغطة العاجلة المعالجة الفورية للاحتياجات الانسانية الملحة للمواطنين خاصة في مناطق العمليات الحربية ، عبر ترتيبات عاجلة تهدف لانهاء العدوات بأسرع ما يكون . وترتيبات من هذا القبيل يمكن ، على الاقل ، ان تحجم حدة العنف ، وتسمح للمواطنين استئناف حياتهم الطبيعية العادية ، وتسهل تسليم مواد الاغاثة العاجلة والحيوية ، وتساعد المشردين داخليا من السكان الجنوبيين في العودة الى ديارهم ، وتنشيء برامج لاعادة التوطين والبناء ، والتنمية . ويعبر ترحيل وتسليم الاغاثة والتجارة واقامة صلات مع مصادر التعاون الدولي عبر الحدود ، مكونات ضرورية ضمن هذه المعادلة . ويمكن لهذه الترتيبات ان تؤثر ايجابا بخلق الثقة بين الاطراف الرئيسية في النزاع .
    الترتيبات المقترحة تعنى ضمنا قيام هيكل او اطار اداري ، يستحسن اتفاق الاطراف عليه ، او قبوله على اساس الامر الواقع ، ممايعني نوعا من ايقاف القتال ، وتعديلات في اماكن تواجد القوات ، بما فيها احتمال سحب الجيش من الجنوب ، واقامة ادارة انتقالية للوحدة الجنوبية ، على اسس وشروط مقبولة للطرفين ، تخضع لأي حلول اخرى يمكن اقرارها فيما بعد .ويجب الاتصدر عن هذه الترتيبات اي حكم مسبق حول قضيتي الوحدة والانفصال ، لأن القرا النهائي سوف يتخذه الموطنون عبر الاستفتاء في كل من الشمال و الجنوب تحت الرقابة الدولية . ربما تتطلب هذه الترتيبات تكوين هيئة مشتركة ، تضم ممثلين من الطرفين و من منظمة الوحدة الافريقية و الامم المتحدة للاشراف على تنفيذ الاتفاق المرحلي ، و المساعدة في بناء الثقة ، و ضمان اجراء الاستفتاء في جو من الامن وحرية الاختيار التامة . على ان يتم كل ذلك في سياق التزام صارم متفق عليه عالميا من اجل حل النزاع ، مهما كانت النتائج .
    بينما لا يمكن ارجاء حل النزاع الشمالي – الجنوبي ، لحين حل كل المشاكل داخل كل من الشمال والجنوب ، لا يمكن لي حل ان يدوم و يثبت ، دون قبول القوى السياسية الرئيسية و الشعب السودلني . و يبدو واضحا الان ، انه و بعد عقود من الحرب الاهلية المنهكة المدمرة ، اصبح السودانيون اكثر استعدادا و شغوفين لحل النزاع . من المحتمل . ان تجد فكرة الاستفتاء في كل من الجنوب والشمال ، و الترتيبات الانتقالية المقترحة في هذه الاثناء ، قبولا لدى الاحزاب السياسية و المجموعات المعارضة الاخرى ، شريطة ابداء الاعتراف الواجب بها و بمواقفها ووجهات نظرها ، و السماح لهل للقيام بحملاتها الدعائية بحرية تامة للاستفتاء.
    قد يتطلب الاعتراف بالمواقف و وجهات النظر المتنافسة ، الاتفاق على المبادىء العريضة لحكم البلاد ، منقسمة او متحدة ، مع تطوير نظام ديموقراطي دائم و ثابت و بما ان الاطروحات الدينية للحكومة لا تختلف كثيرا عن الاطروحات الاحزاب الطائفية السياسية ، فيما عدا التنافس مع السلطة ، يصبح واردا قبول بعضهم البعض ،بمجرد ابعاد المشكلة الجنوبية من الساحة ، خاصة ام انه لا يمكن لاي منهما التمتع بالتأييد التام من الشعب دون الاخر . قد يكون مرغوبا ، حقيقة، ضم تلك الاحزاب الطائقية اليساسية الى الحكومة الراهنة كخطوة اولى في عملية المفاوضات . ويسري نفس الشيء عاى الاقسام المختلفة داخل الحركة الشعبية لتحريرالسودان وجيشها . مثل هذه الاجراءات سوف تختزل الاحزاب والاقسام الى مجموعتين ، مما يجعل التعامل اكثر مرونة . و يمكن خلق مناخوحقيقي لجهود تعكس مسئولية وجدية رجال الدولة المخلصين من اجل انهاء النزاع و النهوض بالبلاد و السير بها في اتجاه التنمية وبناء الوطن ، من اجل دعم جهود المصالحة بين كل الاقسام في الشمال و الجنوب ، بصرف النظر عن نتائج الاستفتاء المقترح .
    و مباديء المصالحة هذه يمكن ان تقوم على الخطوط العريضة : مثل ايقاف القتال ، ترسيم الحدود لتحقيق الرقابة الفعالة ، توفير ضروريات الحياة ، الاتفاق على مباديء الحكم و توعية المواطنين لاتخاذ الخيار الحر الحقيقي . يمكن تطبيق هذه الاجراءات خلال فترة من الزمن ، تسمح بالتطوير التدريجي لاطار فعال لعملية ، يمكن ان تعالج بصورة مضطردة المشاكل العاجلة خلال فترة محددة من الزمن . ويمكن خلق آليات لمواصلة الحوار حول الترتيبات الدستورية والقانونية لحل كل تلك المشكلات ، على اسس البدائل المطروحة اعلاه ، التي تتراوح ما بين الوحدة القائمة على هوية وطنية جديدة او الانفصال التام .
    لايمكن بعد الان تجاهل فكرة الانفصال ، التي كان ينظر اليها دائما على انها امر محظور محرم ، او ان التناقش بدون الجدية اللازمة . لم يعقد النزاع المزمن المستعصى للبلاد ويعوق مسيرة التنمية والبناء الوطني فحسب ، بل دمر السودان ، مسسبا فقدا لا يحتمل في الارواح ، ومحدثا خرابا في البنيات التحتية لموارد سكان الريف ، وتدهورا وانحسارا في التنمية الاقتصادية والاجتماعية . لقد اصبح الوضع مأساة انسانية رهيبة ، ولابد اذن من ايقاف هذه المأساة الانفصال اذا دعت الضرورة ، ولكن بارادة الشعب الحرة . وبمرور الزمن ، ربما تدفع الطرفين للالتقاء على اسس الاحترام المتبادل والسعي للتعاون نحو غايات مشتركة .
    يشير التاريخ المرير للوعود المنقوضة ، والاتفاقيات المخروقة والسلام بعيد المنال ، الى انه لايمكن اسقاط اي خيار من اجندة الحوار . لاشك ان الوحدة هدف سام ونبيل ، ولكن الضمان الافضل لتحقيقها ، خاصة على الصعيد الوطني ، هو ، ان نسمو القيادات فوق الشقاق الحزبي وتطرح للوطن بكامله رؤية تلهم قطاعا عريضا من السودانيين ، بغض النظر عن العرق ، الاثنية ، الاقليم او الدين – رؤية تربطهم بالوطن ليقفوا معا في سعيهم الجماعي من اجل مصير مشترك . ويمكن ان يتقرر كل ذلك عبر التصويت الواعي المستنير في الاستفتاء المقترح للشمال والجنوب . فقط عبر الاعتراف والاحترام المتبادل ، والتفاعل المتناسق بين السكان العرب و الافريقيين في كل ارجاء البلاد ، يمكن للسودان ان يحقق ريصون السلام العادل الدائم ، ويقوم بدوره نموذجا مصغرا حقيقيا لافريقيا وحلقة وصل نشطة بين القارة والشرق الاوسط . والمفجع حقا ، ان ظل كل ذلك سرابا منذ فجر الاستقلال .


    ومن مزامير النبي الكوشي حميد

    حكومات تجي وحكومات تغور

    تحكم بالحجي بالدجل الكجور

    مرة العسكري كسار الجبور

    يوم قسم النبي تحكمك القبور

    تعرف ياصبي مرة تلف تدور

    ولا تقول بري او تحرق بخور

    هم يالفنجري يالجرف الصبور

    كل السقتو ما باقي على التمور

    وارضك راقدة بور..

    لا تيراب وصل ..

    لا بابور يدور ..

    والماهية اف عيشة هاك وكف

    في هذا الزمن تف يا دنيا تف

    يالعبد الشقي ما اتعودت شكي

    لكن الكفاف فوقك منتكي

    والسوق فيك يسوق حالاً ما بتسر

    الا كمان في ناس فايتاك بالصبر

    ساكنين بالايجار ... لا طين لا تمر

    واحدين بالايجار ما لاقين جحر

    سلعتهم الضراع والعرق اليخر

    عمال المدن .. كلات المواني .. الغبش التعاني ..

    بحارة السفن .. حشاشة القصوب .. الجالبة الحبال ..

    الفطن الفرن .. الشغلانتو نار والجو كيف سخن ..

    فرق شتى بين ...

    ناساً عيشا دين ...

    مجرورة وتجر

    تقدح بالاجر ومرة بلا اجر

    عيشهم كمهو وديشهم هان قدر

    وناساً حالا زين ..

    مصنع مصنعين

    طين في طين وين

    ما مرابا مر بارد همها

    لا بعرق جبين ولا وشا يصر

    عين والله عين .. كلها كمها وعزها هان قدر

    دي الجنة ام نعيم دي الجنة ام قصر يا عبد الرحيم الا ورا القبر

    لا تسرح كتر فتاح يا عليم

    وان كان الفقر يا عبد الرحيم اشبه بالكفر
                  

العنوان الكاتب Date
كوش لاند kushland adil amin01-28-13, 08:10 AM
  Re: كوش لاند kushland adil amin01-28-13, 08:17 AM
    Re: كوش لاند kushland adil amin01-28-13, 08:22 AM
      Re: كوش لاند kushland adil amin01-28-13, 08:28 AM
        Re: كوش لاند kushland adil amin01-28-13, 08:30 AM
          Re: كوش لاند kushland adil amin01-28-13, 08:33 AM
            Re: كوش لاند kushland adil amin01-28-13, 08:50 AM
    Re: كوش لاند kushland وضاح العباس01-28-13, 08:45 AM
      Re: كوش لاند kushland adil amin01-28-13, 08:58 AM
        Re: كوش لاند kushland adil amin01-28-13, 09:04 AM
          Re: كوش لاند kushland adil amin01-28-13, 09:06 AM
            Re: كوش لاند kushland adil amin01-28-13, 09:09 AM
        Re: كوش لاند kushland وضاح العباس01-28-13, 09:12 AM
          Re: كوش لاند kushland adil amin01-28-13, 10:08 AM
            Re: كوش لاند kushland adil amin01-31-13, 08:18 AM
              Re: كوش لاند kushland adil amin01-31-13, 08:45 AM
                Re: كوش لاند kushland adil amin01-31-13, 09:02 AM
                  Re: كوش لاند kushland adil amin01-31-13, 09:17 AM
                    Re: كوش لاند kushland adil amin01-31-13, 09:24 AM
                      Re: كوش لاند kushland عبدالرحمن إبراهيم محمد01-31-13, 10:16 AM
                        Re: كوش لاند kushland محمد سنى دفع الله01-31-13, 10:58 AM
                          Re: كوش لاند kushland adil amin02-03-13, 12:11 PM
                        Re: كوش لاند kushland adil amin02-03-13, 12:05 PM
                          Re: كوش لاند kushland adil amin02-03-13, 12:23 PM
                            Re: كوش لاند kushland adil amin02-04-13, 07:59 AM
                              Re: كوش لاند kushland adil amin02-04-13, 08:05 AM
                                Re: كوش لاند kushland adil amin02-04-13, 08:16 AM
                                  Re: كوش لاند kushland adil amin02-04-13, 08:25 AM
                                    Re: كوش لاند kushland محمد سنى دفع الله02-05-13, 05:37 AM
                                      Re: كوش لاند kushland adil amin02-07-13, 01:13 PM
                                        Re: كوش لاند kushland Gaafar Ismail02-07-13, 03:47 PM
                                          Re: كوش لاند kushland adil amin02-08-13, 02:50 PM
                                            Re: كوش لاند kushland adil amin02-08-13, 02:54 PM
                                              Re: كوش لاند kushland adil amin02-08-13, 03:00 PM
                                                Re: كوش لاند kushland Medhat Osman02-08-13, 03:09 PM
                                                  Re: كوش لاند kushland adil amin02-08-13, 03:41 PM
                                                    Re: كوش لاند kushland adil amin02-08-13, 03:52 PM
                                                      Re: كوش لاند kushland adil amin02-09-13, 11:16 AM
                                                        Re: كوش لاند kushland adil amin02-09-13, 11:31 AM
                                                          Re: كوش لاند kushland adil amin02-09-13, 11:45 AM
                                                            Re: كوش لاند kushland adil amin02-09-13, 11:53 AM
                                                              Re: كوش لاند kushland adil amin02-09-13, 11:55 AM
                                                                Re: كوش لاند kushland adil amin02-11-13, 08:05 AM
                                                                  Re: كوش لاند kushland adil amin02-11-13, 08:09 AM
                                                                    Re: كوش لاند kushland adil amin02-11-13, 08:28 AM
                                                                      Re: كوش لاند kushland adil amin02-11-13, 08:39 AM
                                                                        Re: كوش لاند kushland adil amin02-11-13, 08:41 AM
                                                                          Re: كوش لاند kushland علي عبدالوهاب عثمان02-11-13, 12:01 PM
                                                                            Re: كوش لاند kushland adil amin02-14-13, 10:27 AM
                                                                              Re: كوش لاند kushland adil amin02-15-13, 02:57 PM
                                                                                Re: كوش لاند kushland adil amin02-16-13, 10:58 AM
                                                                                  Re: كوش لاند kushland adil amin02-18-13, 09:18 AM
                                                                                    Re: كوش لاند kushland othman mohmmadien02-19-13, 05:46 PM
                                                                                      Re: كوش لاند kushland adil amin02-20-13, 11:19 AM
                                                                                        Re: كوش لاند kushland adil amin02-20-13, 11:27 AM
                                                                                          Re: كوش لاند kushland adil amin02-21-13, 07:24 AM
                                                                                            Re: كوش لاند kushland adil amin02-21-13, 07:40 AM
                                                                                              Re: كوش لاند kushland adil amin02-25-13, 08:31 AM
                                                                                                Re: كوش لاند kushland adil amin02-25-13, 08:39 AM
                                                                                                  Re: كوش لاند kushland adil amin02-25-13, 08:51 AM
                                                                                                    Re: كوش لاند kushland adil amin02-25-13, 08:58 AM
                                                                                                      Re: كوش لاند kushland adil amin02-25-13, 09:06 AM
                                                                                                        Re: كوش لاند kushland adil amin02-25-13, 09:21 AM
                                                                Re: كوش لاند kushland adil amin10-26-13, 06:23 AM
                                        Re: كوش لاند kushland othman mohmmadien02-25-13, 10:56 AM
                                          Re: كوش لاند kushland othman mohmmadien02-25-13, 11:46 AM
                                            Re: كوش لاند kushland adil amin02-26-13, 11:18 AM
                                              Re: كوش لاند kushland adil amin02-28-13, 09:58 AM
                                                Re: كوش لاند kushland adil amin03-02-13, 10:44 AM
                                                  Re: كوش لاند kushland adil amin03-02-13, 10:52 AM
                                                    Re: كوش لاند kushland adil amin03-02-13, 10:53 AM
                                                      Re: كوش لاند kushland adil amin03-03-13, 11:53 AM
                                        Re: كوش لاند kushland mustafa mudathir03-03-13, 07:39 PM
                                          Re: كوش لاند kushland بثينة تروس03-03-13, 09:51 PM
                                            Re: كوش لاند kushland adil amin03-04-13, 12:10 PM
                                          Re: كوش لاند kushland adil amin03-04-13, 12:17 PM
                                            Re: كوش لاند kushland adil amin03-08-13, 03:02 PM
                                              Re: كوش لاند kushland adil amin03-09-13, 11:54 AM
                                                Re: كوش لاند kushland adil amin03-10-13, 12:22 PM
                                                  Re: كوش لاند kushland adil amin03-12-13, 09:00 AM
                                                    Re: كوش لاند kushland adil amin03-14-13, 08:38 AM
                                                      Re: كوش لاند kushland adil amin03-14-13, 09:01 AM
                                                        Re: كوش لاند kushland adil amin03-14-13, 09:26 AM
                                                          Re: كوش لاند kushland adil amin03-18-13, 09:02 AM
                                                            Re: كوش لاند kushland adil amin03-19-13, 12:21 PM
                                                              Re: كوش لاند kushland adil amin03-21-13, 08:28 AM
                                                                Re: كوش لاند kushland ناصر احمد الامين03-21-13, 08:36 AM
                                                                Re: كوش لاند kushland adil amin03-21-13, 08:45 AM
                                                                  Re: كوش لاند kushland adil amin03-24-13, 10:58 AM
                                                                    Re: كوش لاند kushland عبدالأله زمراوي03-24-13, 11:57 AM
                                                                      Re: كوش لاند kushland adil amin03-28-13, 09:05 AM
                                                                        Re: كوش لاند kushland adil amin03-31-13, 11:21 AM
                                                                          Re: كوش لاند kushland adil amin10-02-13, 00:27 AM
                                                                            Re: كوش لاند kushland adil amin10-02-13, 00:31 AM
                                                                              Re: كوش لاند kushland adil amin10-02-13, 00:33 AM
                                                                                Re: كوش لاند kushland Bashasha10-02-13, 02:15 AM
                                                                                  Re: كوش لاند kushland adil amin10-02-13, 03:48 AM
                                                                                  Re: كوش لاند kushland adil amin10-02-13, 03:52 AM
                                                                                    Re: كوش لاند kushland adil amin10-03-13, 05:21 AM
                                                                                      Re: كوش لاند kushland adil amin10-03-13, 03:50 PM
                                                                                        Re: كوش لاند kushland adil amin10-05-13, 05:36 AM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de