يوميات الثورة السودانية - الجزء الثالث

Quote: تركزت أنظار المراقبين للنزاع في جنوب السودان خلال الايام الماضية حول احتمال مشاركة الجيش الابيض، وهم مقاتلو قبيلة اللونوير ، في القتال إلى جانب رياك مشار، بل ورشحت أنباء عن أنهم يتجهون لحصار العاصمة جوبا، ثم خفتت هذه الانباء قليلا مع تركيز الانتباه على المفاوضات الجارية في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا. ميليشيات الجيش الابيض تضم مقاتلين من قبيلة لونوير، وقد عرفوا طوال تاريخهم بأنهم مقاتلون أشداء، روعوا مجموعات المورلي والدينكا في المناطق المتاخمة لهم، واعتادوا على نهب مواشيهم وحرق قراهم، وقدرت التقارير عددهم بحوالي 25 الفا. لو انخرط اللونوير في القتال إلى جانب قوات رياك مشار قد تنقلب المعادلة العسكرية لصالحه، لكنه سيخسر المعادلة السياسية القائمة حاليا، وسيخسر مجموعة كبيرة من حلفائه. مقاتلو الجيش الأبيض ليس لديهم وعي سياسي ولا يقاتلون على أساس سياسي، وإنما على أساس إثني صرف، وهم قطعا سيستهدفون المجموعات الإثنية الأخرى التي لديها ممثلون يقفون إلى جانب رياك مشار، وسيدخلونهم في حرج شديد. الصراع في جنوب السودان في الأساس هو صراع سياسي على السلطة، إذ قام سيلفا كير بإبعاد العناصر التي قد تشكل مصدر تهديد ومنافسة له، إما على أساس الكاريزما السياسية، مثل السيدة ريبيكا قرنق، أو قدرات سياسية وتنفيذية هائلة مع سند قبلي مثل رياك مشار، أو وجود سياسي مؤثر داخل الحركة الشعبية مثل باقان أموم. وبالتالي ساهم في دفعهم للتحالف ضده مع تنوع خلفياتهم القبلية، فريبيكا قرنق من دينكا بور، ودينق ألور من دينكا نوك في آبيي، والفريد لادو من الاستوائية، وباقان اموم من الشلك. بالمقابل يقف مع سيلفا كير جيمس واني إيقا من الاستوائية، وجيمس هوث من النوير، ونيال دينق من الدينكا، وكلمنت واني من الإستوائية . ومن مصلحة كل من سيلفا ومشار أن يحتفظ بهذا التحالف المتعدد إثنيا ليبعد عن نفسه شبهة الانحياز الإثني. ولا يمكن استبعاد الخلفيات الإثنية في هذا الصراع، إذ مال تعبان دينق لرياك مشار إبن قبيلته النوير، مثلما لجأ رياك لأنصاره القدماء، لكن المضي في التسييس الإثني، مع أنه يضمن سندا قبيليا كبيرا لأي من قائدي الطرفين، إلا أنه سيجعله يخسر السند السياسي المتنوع. كما أن التسييس الإثني سيوسع من قاعدة الحرب الاهلية ويجعل امكانية التوصل لأي حل سياسي أمرا مستبعدا، وسيقود كل جنوب السودان إلى حرب شاملة لا حدود لها ولا أفق زمني معروف. وهو كذلك كفيل بإعادة توزيع قاعدة التحالفات على أساس جديد يربك الساحة السياسية ويربك المراقبين والمتابعين بشكل أكثر مما يحدث الآن. الصراع السياسي يمكن حله عبر الأدوات السياسية ومنها الحوار والتفاوض، بناء تحالفات جديدة، الاتفاق على وضع انتقالي، الاتفاق على انتخابات مبكرة، إعادة هيكلة الحركة الشعبية، أو حتى خروج المختلفين وتشكيل تنظيم سياسي جديد يخوض الانتخابات ، لكن لو خرج الصراع من هذا الإطار وتمدد إثنيا وقبليا وشمل الهيكل الرئيسي للجيش الشعبي فعلى الدولة الجديدة السلام، وهذا ما لا نتمناه أو نرغبه، إن كان لنا قول في هذا الوضع.