مجلة الدوحة لشهر سبتمبر تحتجزها الرقابة

نعى اليم ...... سودانيز اون لاين دوت كم تحتسب الزميل فتحي البحيري فى رحمه الله
وداعاً فتحي البحيري
مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-28-2024, 06:16 AM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثالث للعام 2013م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
09-16-2013, 12:56 PM

ود الخليفه
<aود الخليفه
تاريخ التسجيل: 07-21-2002
مجموع المشاركات: 3178

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مجلة الدوحة لشهر سبتمبر تحتجزها الرقابة (Re: ود الخليفه)

    Quote: طائر الشؤم

    د. فرانسيس دينق

    ترجمه عن الإنجليزية: د. عبد الله أحمد النعيم



    يعلم كل أهل قرية داك- جور عن فاجعة التوأمين أشويل ومديت وأمهما. كان ملينقديت وألويل قد فقدا طفليهما الأولَين،توأمين من الأولاد اللذين تمّت تسميتهما «نقور» و«شان». كان الطائران- كما يعرفهما الدينكا رمزياً- قد طارا بعيداً، أيّ ماتا في حداثتهما، وبدأ الوالدان يشعران بالعَوض بميلاد ولديهما الثانييّن الثانيين أشويل ومديت حين حلّت بهما الكارثة الأخرى.

    كان الحديث عن الاستقلال على أشده حين انتشرت الشائعات عن عودة أيام غزوات العرب من الشمال طلباً للرقيق وسط القبائل الإفريقية في الجنوب. انتشرت تلك الشائعات خلال انسحاب البريطانيين واستبدالهم بإداريين من الشمال. وخلال أشهر قلائل قبيل الاستقلال انفجرت مخاوف الجنوب في شكل تمرد سرعان ما تحول إلى اضطرابات واسعة الانتشار قُتل خلالها المئات من الشماليين في الجنوب بصورةٍ قاسية. وبعد تدخل الحاكم العام البريطاني، تم إقناع المتمردين بوضع أسلحتهم، واستتب الأمن مرة أخرى، واتفق الشماليون والجنوبيون بالإجماع على إعلان الاستقلال من داخل البرلمان، ولكن سرعان ما بدأت الأمور في الانهيار، فبدلاً من المحاكمة العادلة للمتمردين والاستجابة لتظلمات الجنوبيين التي وعد بها الحاكم العام، اتجهت الحكومة المستقِلة إلى الانتقام من المتمردين والجنوب بصورة عامة، ولكن لم يكن جميع المتمردين قد استسلموا بعد، فلجأ بعضهم إلى الغابات لمواصلة القتال ضد الحكومة، الذي تصاعد إلى حربٍ أهلية شاملة بين الشمال والجنوب.

    أشعل القتال روح العداء العرقي والثقافي وبدأ في فتح جروح قديمة وإنعاش الحروب القبلية بين العرب والدينكا. وكان ذلك الصراع على أشده في الجهات الشمالية الغربية من الجنوب حيث المواجهة العنيفة بين الدينكا ميثانق والعرب البقارة (رعاة الإبل). في تلك المصادمات عاودت القبائل العربية ممارستها القديمة في الغزو لأخذ الأبقار والرقيق.

    بالنسبة لأسرة ملينقديت بالتحديد، تعود الكارثة إلى الليلة التي نعقت فيها البومة، منذرة القرية بالغزوة الوشيكة الوقوع. كان الدينكا قد اشتبكوا مع العرب وأوقعوا بهم خسائر كبيرة في معركة ضارية انتهت بانسحاب العرب مخلِّفين وراءهم موتاهم في العراء لتأكلهم الطيور. وذات ليلة لاحقة، نعقت البومة وأصرّت على العودة والنعيق رغم طردها أكثر من مرة. كان ملينقديت في كوخٍ مع إحدى زوجاته الصغيرات، خرج من الكوخ وهو يحمل الحربتين المقدستين وغنَّى نشيد الزعامة السِّري، الذي ينادي به فقط عندما تكون كارثة على وشك الحلول بالقبيلة.

    قال ملينقديت في الصلاة المصاحبة للنشيد:

    - أنتم يا آبائي، أيَّاً كان الشيء الذي تنعق عليه البومة، اصرفوه عن قومي. لقد حاربنا العرب قبل قليل، وبما أعرفه عنهم، فإنهم سيعودون طلباً للانتقام. اقفل طريقهم يا رب آبائي. لم نكن نحن البادئين بالعدوان، وإنما العرب هم الذين طاردونا كالحيوانات. ذلك هو السبب الذي من أجله منحتم أنتم أيتها القوى العلوية النصر لقومي. لا تهجرونا وقفوا معنا. لتكن مباركتكم هي درعنا. لا تمكِّنوا العرب من إهراق نقطة دم واحدة في هذه القبيلة.

    وبمجرد أن عاد الزعيم ملينقديت إلى سريره سمع صوت زئير أسد على البعد، ومثله مثل بقية الدينكا، فقد كان ملينقديت يعلم عن مخاطر بيئتهم وسلوك الحيوانات الوحشية. كان من الواضح له أن ذلك الأسد يتصارع مع ضحية، لم يكن الزئير صادراً عن أسدٍ هارب، وإنما عن أسدٍ مقاتل، ولكن مع ماذا؟ أو مع من؟ هل كان ذلك مع ظبي أم بقرة أم إنسان؟

    كان ملينقديت يستمع في انتباه إلى صوت الأسد عندما سمع صوت صهيل الخيل في وسط القرية. وبعد ذلك مباشرة سمع صياح النساء والأطفال، وقد اختلطت أصواتهم مع أصوات الخيول. أسرع ملينقديت خارجاً وكذلك بقية رجال القرية، إلا أن ما وجدوه قد أحبطهم تماماً! كان العرب قد اختفوا ومعهم ألويل زوجة ملينقديت، وأشويل أحد ابنيها التوأمين. أما مديت، التوأم الثاني، فقد سقط من على أحد الجياد وظلَّ راقداً على الأرض وهو يبكي وغير قادر على الحركة، فقد أصيب بكسرٍ في عظم المقعد.

    كان التوأمان وقتها دون الثانية من العمر، وفي تلك الليلة كانا يعانيان من الإسهال، وفي حدة الغضب الأعمى أو التهور، كانت ألويل قد فتحت باب الكوخ وأخذت التوأمين إلى الخارج، رغم نصيحة النساء لها بعدم الخروج. ربما فعلت ذلك تقديراً لشعور النائمين بالكوخ، الذين قد يتأذون من إسهال الأطفال، ولكن لدى استرجاع ما حدث، فقد كان سلوكها في غاية الطيش، خصوصاً باعتبار الخوف من الحيوانات المفترسة ومن الإنسان، الذي كان سائداً وقتها.

    تعالت صيحات الحرب وانضم العديد من الشباب الآخرين إلى شباب القرية في البحث عن العرب، ولكن لم يكن هناك أي أثر يمكن أن يدلهم على اتجاه البحث، فكان جهداً ضائعاً وخطراً، وبناء على نصيحة كبار القوم، تقرر إيقاف البحث ومواصلته في الصباح.

    سريعاً ما انتشرت الأخبار بأن العرب قد جاؤوا في جماعة، وأن أسداً قد قطع عليهم الطريق، وهو الأسد الذي سُمع صوت زئيره في قرية ملينقديت. هاجم الوحشُ العرب وقتل أحدَهم، وُجدت أشلاؤه مبعثرة في موقع الهجوم صباح اليوم التالي. وكما ظهر من آثار الخيول والأقدام في المنطقة، فلا بُدَّ أن يكون الأسد قد جرح آخرين، وعلى ما يبدو فقد سمع الناس القريبين من المنطقة أصوات العرب وخيولهم وعلموا أن أعداءهم في معركة مع الوحش، وقرروا غض الطرف عن الورطة التي وقع فيها غزاة الرقيق، علماً بأن واقع الحال هو أن يكونوا هم أو الأسد ضد العرب.

    ورغم أن فاجعة اختفاء أشويل قد أحزنت ملينقديت وأسرته، إلا أنهم وجدوا العزاء والعوض في عودة ألويل، التي ظلّت تعاني الألم العاطفي الشديد لفقدها أحد أبنائها، كما أنَّها لم تسامح نفسها لأخذها التوأمين خارج الكوخ في تلك الليلة المليئة بالأحداث. وكانت تشعر بالذنب لهربها من معسكر العرب وحدها مخلِّفة أشويل أسيراً لديهم، ولكن لعل أكبر من عانى من تلك الأحداث هو مديت، فرغم أنه قد نجا من الغارة، إلا أن كسر عظم المقعد لم يلتئم أبداً، ووسط الدينكا المفرطين في الحرص على الجاذبية والجمال الجسماني، فقد كان عيب مديت الجسماني مصيبة شخصية كبرى.


    Quote: فِرْكَة

    طه جعفر

    من بعيد تراءت لفِرْكَة الأهرامات والبناءات الحجرية قصيرةً وبعيدة. أحسّتْ فِرْكَة بأن شيئاً ما يربطها بهذه الأبنية الغريبة، وظلَّ نظرها مثبتاً عليها. الجِمَال تنسَّمت بـأنوفها رائحة العشب ورائحة رَوَاء ضفاف النهر، فأسرعت الخطى، بدا الاقتراب من تلك الأبنية لفِرْكَة كـأنه سفرٌ في الروح، سفرٌ من القلب إلى القلب. الرَّكب يقترب، وفركة الآن نسيت نفسها ونسيت تفاصيل العذاب المرّ الذي آذاها وآلَمَ جسدها ومزَّق روحها، نسيته بفضل جمال الأبنية الحجرية المنسرب إلى داخلها.





    من بعيد تراءت لفِرْكَة الأهرامات والبناءات الحجرية قصيرةً وبعيدة. أحسّتْ فِرْكَة بأن شيئاً ما يربطها بهذه الأبنية الغريبة، وظلَّ نظرها مثبتاً عليها. الجِمَال تنسَّمت بـأنوفها رائحة العشب ورائحة رَوَاء ضفاف النهر، فأسرعت الخطى، بدا الاقتراب من تلك الأبنية لفِرْكَة كـأنه سفرٌ في الروح، سفرٌ من القلب إلى القلب. الرَّكب يقترب، وفركة الآن نسيت نفسها ونسيت تفاصيل العذاب المرّ الذي آذاها وآلَمَ جسدها ومزَّق روحها، نسيته بفضل جمال الأبنية الحجرية المنسرب إلى داخلها.

    فِرْكَة الآن أمام الحجارة والأبنية، ترى جبلاً يتحول إلى رسم حالم، ويغذِّي حبها الفطري للحجارة والتصاوير والزينة والنقش على الجسد والوشم، فركة تحب هذه الأمور. اقتربوا أكثر ولاحظتْ الرسوم منتشرةً على الأحجار بجمالٍ وعناد، فأعجبتها وتذكرت الوشم على كتفي أبيها وخدِّيه وبطنه. كان الوشم على جسد الأب صُلباناً، ودوائر لها ذيول مستقيمة عمودية نحو الأسفل، كأنها صلبان برؤوس مستديرة.

    عاينت فركة الأحجار، ولاحظت الرسوم البارزة على الحجر وحدّثت نفسها: «ليست هذه التصاوير والأبنية من أعمال الجان» وأدركت حالاً أن هذه التصاوير والرسوم من فعل أناس تعرفهم.

    غابتْ عن عالم القافلة المشؤومة، قافلة القتل والعنف والأسْر. غابت عنهم, وسرحت في الخيال، ورأت نفسها في أثواب ملوَّنة بالذهبي والأزرق، ورأت جمالها وإشراق روحها يتبدى من بين الخطوط المستقيمة للأثواب. رأت رسماً لرأس أسدٍ بجسدٍ بشريّ، ورأت تماثيل لأسدٍ يقضم رأس رجل. تمنَّتْ فركة لو أن الجَلَّابة(1) والحرَّاس جميعاً حلّوا محل ذي الرأس المقضوم هذا، تَنْقَضم رؤوسهم، وتَنْقَرش قَرْشَ فحول البصل الحارة في فم الجائع.

    انتصف النهار، والشمس تقهر الرمل، وتبطئ من سرعة الجِمال، وتصيب الخيل والحمير والحرس والجلَّابة بالإنهاك. فركة لا تحسّ الحر ولا تشعر بالتعب، هي الآن في بيوت أهلها الذين كانوا هنا وتركوا آثارهم على الحجارة حتى لا يُبليها الدهر وينساها الناس. كانت فركة في انسجامٍ مع ما حولها من تصاوير وأبنية.

    أمرَ الزاكي الجميعَ بالتوقف. لم تُنْزَل الأحمال عن الجمال، ولم تُفَكّ قيود الفتيات. الجمال والحمير والخيول والجلَّابة والحرس انصرفوا ليستظلّوا بتلك الأبنية من غلواء الحر وفتكه.

    فركة بدورها أَتْ إلى ظلّ، وكان الحائط فوقها حاشداً بالرسوم والتصاوير البارزة على سطح الحجر الأخرس. التصاوير حية تكلِّمها وتهمس في أذنها بلسان الكَوَاليِبْ(2)، أهلها، وتحكي قصة جدها شريف وَدْ رَحَّال وقصة أبيها سلطان وَدْ شريف.

    رأت فركة طيراً يشبه الصقر، ووشماً هو الصليب ذو الرأس الدائرية ذاته الذي رأته في كتف أبيها، ورأت قروداً وأبقاراً وعلامات أخرى.

    تكلَّم معها الطائر، قال: «هذا أنا طير الجبل المعشش في الشقوق، هذا أنا الصقر الذي يصطاد العصافير والأرانب والفئران، هذا أنا طيركم، طير جبلكم».

    وتكلّم التِّقِل من حائطه، قال: «هذا أنا قرد جبلكم، الذي إذا قذف الصائد عليه رمحاً أو سهماً طائشاً أمسكه ورَدَّه عليه وقتله».

    كانت البقرة بعينين مذهلتي الدلال، كنزاً من حنان، وشوقاً إلى الإرضاع والأمومة. كانت بقرة خصبة وجاهزة للمعاشرة في كل موسم مع ثورها لتلد عجولاً ملأى بالحياة والفتوة. البقرة الوادعة، وإلى جوارها إنسان برأس الثور يشبه راقصي الكَمْبَلا حينما يعلن أبوها زمان العادة وزمان الرقص فرحاً بالحصاد الوفير لشكر الإلهة الأم. كان حَمَلة القرن على الرؤوس يشبهون أهلها في (كَاسِي) يشبهونهم في ملامحهم وفي فتوة عضلاتهم وجمال أجسادهم، حينما يرقصون الكمبلا، لينطلق مَرْدُم الرقص ومُتَرَاكمُه بعد انتظار طويل لمواقيت العادة والسِّبْر(3). أحسّت فركة أن هذه الرسوم تخص أهلها.

    انكسر النهار، وبرد حر الشمس، صحا النائمون من قيلولتهم حرساً وجلَّابة، وطفقوا يتنبَّرون بأوامر وتوجيهات، هم الآن في طريقهم إلى كبوشيِّة(4). ومازالت فركة مأخوذة بجمال التصاوير وبهاء الحجارة.

    عند المُشْرَع وجدوا المراكبيِّة، هم كثر وملحاحون. يحتاج الزاكي إلى العديد من المراكب، الفتيات، الحرس، بقية الجلَّابة والبضائع، الكل يجب نقله من كبوشية إلى شندي، العدد الموجود من المراكب كافٍ، ابتدأت المناقشات الطويلة حول السعر وتنتظر الزاكي أيضاً مساومة الحمَّالين هنا في الضفة الغربية من أجل الشحن، وهناك في الضفة الشرقية بشندي من أجل التفريغ.

    فركة الآن تجمع ملاحظاتها عن المكان الجديد، ينتشر على طول الشاطئ محاربون بسيوف وكرابيج ويلبسون أثواباً متشابهة، فيهم من يشبه أهلها، ولكن الأثواب تجعلهم مختلفين. الزاكي يتعامل معهم باحترام ويجيب عن أسئلتهم بابتسامة، وكذلك يفعل عوض الكريم.

    هؤلاء هم جُند المَكْ معظمهم من الأرقاء، يدفع المَكْ لهم أحياناً، وفي معظم الأحيان يتركهم بلا رواتب، فتكون أرزاقهم تحت كَرَابيِجهم وسيوفهم.

    الآن على الزاكي أن يعطيهم بعض المال. هذا المال الذي سيدفعه إلى جنود المَكْ، سيجعل مهمته مع الحمّالين والمراكبية سهلة، جنود المك الأرقاء ينتهرون المراكبية والحمَّالين فيكون السعر كما يريد التجار.

    الحمالون والمراكبية خليط من الأرقاء والعرب، جميعهم يتكلمون بلسانٍ واحد ولهجة واحدة، إذ آخي بينهم العمل. الأرقاء ينحدرون من أصول مختلفة، وكذلك الأحرار. أحد الأرقاء تعرَّف على فِرْكة والفتيات وعَرفَ بأيِّ لسانٍ يتكلمن، عرفهن من الوشم في أعلى ذراع فركة، ومن الخرز على ضفائر شعرهن. لن يستطيع هذا الرجل أن يخاطر بالتحدث إليهن، الزاكي والعرب بين المراكبية والحمالين لن يسمحوا بهذه المحاورات ولا يطمئنون إليها، وستكون في نظرهم تخطيطاً للهرب. أي حوار بين الأرقاء مشتبه فيه. اكتفى الرجل بنظرات طَفَحَ الحنين على أكوابها، حتى بَدَت كعيون الأمهات. الفتيات وفركة أحسسن بتلك النظرات من ذلك الرجل الذي يشبههن ولا يستطيع أن يقول لهن كلمة. فركة لن تندهش من تصرف أبناء قبيلتها في هذه الأنحاء، لن تندهش بعد موت ابن عمها تِيَّة ورميه في العراء. أهلُها هنا، في بلدات دار صباح أسرى وأرقاء وفاقدو حريتهم ومقهورون ومبعدون عن قراهم، وليسوا على طبيعتهم.

    انتهت جميع مداولات الزاكي مع الحمَّالين والمراكبية، ربما نتيجة للاتفاق، أو بفعل نظرات الجند المستعجلة.

    للمرة الأولى في حياتها تعبر فركة النهر بالمركب من مشرع كبوشية هذا، كانت خائفة ومنعدمة الثقة في المراكبية والمركب والحمالين. جميعهن هنا في المركب ذاته، وعليهن القيود ذاتها في السواعد والأقدام. لتركب الفتيات في المركب كان على الحمالين والمراكبية وبعض رجال الزاكي أن يحملوهن، حملوهن بتأفف. لم يفوت بعض الرجال فرصة ملامسة أجساد الفتيات من غير مغازلات خشنة وذات مغزى جنسي، هذه الممارسات تسبِّب لهن إحساساً بالمهانة والاعتداء. نفرت الفتيات من تلك الممارسات الخشنة، أجاب الرجال عليهن بعبارات مختلفة مثل: «هُوْيْ.. يا السَّجمانة.. يا فَرْخَة(5) الشُّوم.. شُوف قلة أدب الخادم! هوي يا.. (.....) مالك؟» فهمت فركة بعض العبارات، ولم تفهم البعض، لهجة هؤلاء الرجال مختلفة ولينة ومليئة بالإمالة. هي الآن في همٍّ آخر، وذهنها منشغل بالأسئلة والأحزان. انتهى الأمر بهن في المركب جلوساً متقابلات، أجسادهن شبه عارية وفي النهر لفحة برد وإذلال زائد.

    وسط زحمة كل هذه التفاصيل المتعبة وجدت فركة عينيه، كان ينظر إليهن نظرة أبٍ أو عم، نظرات عاجزة ومنكسرة ومُبكية، وفيها سهوم وشرود. الرجل يكبر أباها سلطان وَدْ شريف، لكنه يبدو أصغر سناً من جدها شريف وَدْ رحَّال، رأت فركة دمعاً يملأ عينيه، وحزناً يمسك بتلابيب وجهه. هو الرجل ذاته الذي عرفهن وصَمَتَ، ومازال صمتُه يرافقهن في مركب الجلَّابة.

    اختفت الأكواخ والبيوت قصيرة السقوف، تلك البيوت الباهتة التي يسمونها كبوشية، وسكن الضجيج الذي كان في المشرع وهدأت الرحلة، اختفت بيوت كبوشية، ابتلعها أفق النهر، ومن ورائها أطلت من جديد أبنية الحجر التي أحبتها فركة، تلك الأهرامات والمعابد. الزاكي معهن في المركب، يتبادل كلاماً وضحكات مع أحد المراكبية.

    وصلت المركب إلى الشاطئ المعاكس، شندي عند الصباح الباكر، أو ما يرى منها، كانت السواقي على ضفة النهر امتداداً مهولاً لخضرة ضاجة بالحياة، البيوت أكثر اعتدالاً وأكثر ثراءً من تلك التي في كبوشية، خاصة المبنى الذي يتكون من طابقين، والمطلي باللون الأبيض. كان هذا المبنى آية في الجمال، وكان في محيطه الأخضر يتمدَّد كسحابة بيضاء حسنة التشكيل. فركة لم تستطع نزع ناظريها عن معاينته.

    إنه بيت المك ومقر أسرته ومركز سلطانه على سوق شندي. البيوت التي بدت من شاطئ النهر هي حيشان منفصلة، بينها مسافات ليست بالقريبة بين كل حوش والآخر، بالقرب من كل حوش هناك حوش أصغر أو غرف متقاربة، البيوت مبنية من الجالوص، ومسَّورة بحائط قصير من الطين أو من الشوك الكثيف.

    عندما أُنزلت الفتيات من ظهر المركب على الشاطئ، كان أمامهن عدد من الرجال بلباس أنيق ونظيف، قرقاب وتوب، كلاهما من الكتان الناصع البياض، التَّوب يغطي أعلى الجسد راسماً صليباً مائلاً، بينهم رجل يحمل مجلَّداً في داخله أوراق صفراء، وفي يده اليسرى محبرة عليها ريشة من القصب وتفوح من الحبر رائحة عطنة وكريهة. انصرف أحد الرجال رأساً لعَدِّهن وتقسيمهن لمجموعتين، فركة كانت من ضمن مجموعة الفتيات الأكبر سناً. فركة سمعت الرجل يقول: «أربع سُداسيات وتلات خُماسيات». انصرف الرجال إلى الزاكي يحدثونه باهتمام بعيداً عن الجميع، ثم عادوا إلى مكانهم حيث الفتيات. أمر الزاكي أحد الحمّالين بفكّ القيود عن سواعد وسيقان الفتيات. جاء رجلان ممن كانوا يتحدثون مع الزاكي وأنشأا يتفحصان بأيديهما أجساد الفتيات ببلادة، كما يلمس الراعي بهائمه. دُهشت فركة إذ لمس أحدهم عجيزتها فنفرتْ، وزادت دهشتها عندما حاول الرجل معاينة عُريها، واقترب بوجهه من وجهها كأنه يتشممها، وسحب حنكها إلى الأعلى وقال: «ما شاء الله». وهو ذاته ما حدث لجميع الفتيات. انصرف الرجلان نحو حامل الدفتر الذي أخرج ريشة كتابته عن المحبرة الزجاجية داكنة اللون، ثم جلس على الأرض ليكتب. جاء رجال كانوا في الانتظار يشبهون في زيِّهم أولئك الجند الذين صادفوهم عند ضفة النهر الأخرى، وأمروا الفتيات بالذهاب معهم. غادرت الفتيات المكان، مشين في صف طويل، وراءهن وإلى جانبهن رجال ملامحهم باردة ولا يتحدثون، في عيونهم قسوة الجند المحايدة.

    فركة لا تعرف إلى أين هن ذاهبات، مضتْ في طريقها بصمت.
                  

العنوان الكاتب Date
مجلة الدوحة لشهر سبتمبر تحتجزها الرقابة ود الخليفه09-16-13, 12:29 PM
  Re: مجلة الدوحة لشهر سبتمبر تحتجزها الرقابة ود الخليفه09-16-13, 12:41 PM
    Re: مجلة الدوحة لشهر سبتمبر تحتجزها الرقابة ود الخليفه09-16-13, 12:49 PM
      Re: مجلة الدوحة لشهر سبتمبر تحتجزها الرقابة ود الخليفه09-16-13, 12:51 PM
        Re: مجلة الدوحة لشهر سبتمبر تحتجزها الرقابة ود الخليفه09-16-13, 12:54 PM
          Re: مجلة الدوحة لشهر سبتمبر تحتجزها الرقابة ود الخليفه09-16-13, 12:56 PM
            Re: مجلة الدوحة لشهر سبتمبر تحتجزها الرقابة ود الخليفه09-16-13, 12:58 PM
              Re: مجلة الدوحة لشهر سبتمبر تحتجزها الرقابة صلاح عباس فقير09-16-13, 03:10 PM
  Re: مجلة الدوحة لشهر سبتمبر تحتجزها الرقابة محمد حيدر المشرف09-16-13, 04:12 PM
    Re: مجلة الدوحة لشهر سبتمبر تحتجزها الرقابة عبدالغني كرم الله09-16-13, 09:38 PM
      Re: مجلة الدوحة لشهر سبتمبر تحتجزها الرقابة عبدالغني كرم الله09-17-13, 05:32 AM
        Re: مجلة الدوحة لشهر سبتمبر تحتجزها الرقابة بدر الدين الأمير09-17-13, 11:02 AM
          Re: مجلة الدوحة لشهر سبتمبر تحتجزها الرقابة عبدالغني كرم الله09-17-13, 03:13 PM
            Re: مجلة الدوحة لشهر سبتمبر تحتجزها الرقابة بله محمد الفاضل09-17-13, 03:18 PM
              Re: مجلة الدوحة لشهر سبتمبر تحتجزها الرقابة khaleel09-17-13, 04:05 PM
                Re: مجلة الدوحة لشهر سبتمبر تحتجزها الرقابة حمزه بابكر الكوبي09-17-13, 05:30 PM
                  Re: مجلة الدوحة لشهر سبتمبر تحتجزها الرقابة Ishraga Mustafa09-17-13, 05:51 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de