مجلة الدوحة لشهر سبتمبر تحتجزها الرقابة

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 03-29-2024, 04:09 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثالث للعام 2013م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
09-16-2013, 12:29 PM

ود الخليفه
<aود الخليفه
تاريخ التسجيل: 07-21-2002
مجموع المشاركات: 3178

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
مجلة الدوحة لشهر سبتمبر تحتجزها الرقابة

    وكل الشكر للقائمين على امر المجلة بتوفير نسخة الكترونية سهلة التصفح
    فقد درجت رقابتنا على قطع ومنع اي موضوع يتعلق بالسودان ينشر بالدوحة وذلك على غير هدى
    وقد حفل العدد الاخير باهتمام كبير بالسودان وذلك من خلال تخصيص ملفين
    اولهما عن موضوع (ادب الغابة والصحراء السودان هوية مشروخة )
    بدا بمقدمة كتبتها رانية مامون عن نشاة مدرسة الغابة والصحراء وكتابها ثم نماذج من ادب هذه المدرسة
    قصيدة العودة الى سنار لمحمد عبد الحي و بعض الرحيق انا والبرتقالة لمحمد المكي ابراهيم
    ثم انتقل الملف لفترة زمنية متاخرة لنقل جزء مترجم من طائر الشؤم لفرانسيس دينق ترجمة عبد الله النعيم
    وجزء من رواية فركة لطه جعفر يبدو ان الكاتب بنفسه اختار الجزء المنشور
                  

09-16-2013, 12:41 PM

ود الخليفه
<aود الخليفه
تاريخ التسجيل: 07-21-2002
مجموع المشاركات: 3178

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مجلة الدوحة لشهر سبتمبر تحتجزها الرقابة (Re: ود الخليفه)

    اما الملف الثاني فكان عن ذكرى رحيل العلامة عبد الله الطيب

    بدا بمقال للاخ عبد الغني كرم الله بعنوان عبدالله الطيب.. وُلِد وبيده طبق من لغة

    ولعله خطا غير مقصود اذ صاحب بداية المقال صورة لمحمد المهدي المجذوب

    ثم مقال للكاتبة ديمة الشكر بعنوان الاصابة بالشغف تطرقت فيه لبعض اراء العلامة الواردة في سفرة المرشد



                  

09-16-2013, 12:49 PM

ود الخليفه
<aود الخليفه
تاريخ التسجيل: 07-21-2002
مجموع المشاركات: 3178

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مجلة الدوحة لشهر سبتمبر تحتجزها الرقابة (Re: ود الخليفه)

    ومن الاخبار الطريفة التي تنشرها المجلة في صفحة ميديا

    220.jpg Hosting at Sudaneseonline.com



    Quote: صفحة «تمرُّد» السودانية بين الرفض والقبول

    انتقلت حركة تمرد من مصر وتونس لتبدأ في السودان حيث انتشرت استمارات برتقالية في الشارع السوداني إلا أن الفيسبوك لم يرِّحب بها كثيراً. وعلَّق مستخدم سوداني قائلاً: على من تتمردون والسودان ليس مصر، والكيزان ليس الإخوان، والبشير ليس مرسي وعبد الرحيم ليس السيسي والإعلام السوداني ليس الإعلام المصري المزيف غير الوطني، وقال آخر: المصريين يعملوا كلنا خالد سعيد.. ناسنا يعملوا كلنا المغتصبة صفية اسحق!

    المصريين يعتصموا في ميدان التحرير.. ناسنا يطالبوا بالاعتصام في ميدان المولد!، المصريين يعملوا حملة تمرد لونا أزرق.. ناسنا يعملوا حملة تمرد لونا برتقالي ! إن كنت أعرف شيئاً فأنا أعرف أنه لا توجد ثورات كوبي أند بيست.
                  

09-16-2013, 12:51 PM

ود الخليفه
<aود الخليفه
تاريخ التسجيل: 07-21-2002
مجموع المشاركات: 3178

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مجلة الدوحة لشهر سبتمبر تحتجزها الرقابة (Re: ود الخليفه)

    Quote: أدب الغابة والصحراء السودان هوية مشروخة

    رانيـا مأمون



    هل كانت حركة الغابة والصحراء تستقرئ ما سيؤول إليه واقع السودان من قبل نحو خمسين عاماً، لذا أطلقت التسمية كوعاء حاوٍ لفكرها ودعوتها إلى التعدُّد الإثني والثقافي والديني واللغوي؟. من واقع الحال الآن، يمكن استكناه الإجابة: فحركة الغابة والصحراء ليست حركةً فكريةً إبداعيةً فقط بل رؤيوية أيضاً، وهي تستبطن بُعداً سياسياً عميقاً، وتقدِّم نموذجاً لثقافة دولة «هجينة». فقد تكوّنت في ستينيات القرن الماضي من قِبل مجموعة من الشعراء هم: النور عثمان أبكر، محمد المكي إبراهيم، محمد عبدالحي، ويوسف عيدابي. فهمت الحركة الحالة الوجودية للإنسان السوداني، وقالت إن الهوية السودانية هي مزيجٌ من العنصرين الإفريقي والعربي، وبالتالي فثقافتهما هي مزيج أيضاً من الثقافة العربية الإسلامية والإفريقية المسيحية والوثنية. وقد أفرز هذا المفهوم الكثير من الأعمال الإبداعية التي تتماشى معه وتمثله. فالغابة ترمز للزنوجة، أما الصحراء فترمز للعروبة. ويتميّز الإبداع السُّوداني بأنه نتاجٌ لهذا التنوّع ما خلق له ثراءً وغنىً. فهل أدّى هذا الثراء إلى وحدة سودانية اجتماعياً وسياسياً؟ أم كان مدخلاً وباعثاً على الاستعلاء والرفض، والتهميش والإقصاء ومن ثَمَّ قاد إلى الحروب والتشظي والانقسام؟

    لا شكَّ في أن للاستعلاء العرقي والثقافي للشمال على الجنوب، دوراً أساسيّاً في الدفع بالجنوبيين إلى حمل السلاح، بعد المطالبة بالعدالة والمساواة،فــ «غياب المساواة والعدالة سيقود حتماً إلى الحروب وتصاعد المطالبة بحق تقرير المصير، وعلى كل أمة أو مجموعة عرقية تقوم باضطهاد المجموعات العرقية الأخرى وترفض أن تعيش معها على أساس المساواة والعدالة المكتسبة، من حقِّ المواطنة على أرض واحدة أن تستعد لمواجهة قضايا جادة، مثل حق تقرير المصير بنفس الجدية التي رفضت بها تلك المجموعات كمجموعات عرقية مساوية لها في الحقوق والواجبات(1)».

    لم يأتِ حمل السلاح من قِبل الجنوبيين بين عشية وضحاها، بل سبقته كثير من الأحقاد، «اتفقت جميع السياسات الحكومية المركزية المتواترة على معاملة الجنوبيين كأمّة منفصلة ومتميزة عن الشمال. فلم تعمل هذه الحكومات على تحقيق سياسة وطنية تستوعب الجنوبيين في الحياة العامة في السودان،وتعمل على إزالة الفوارق التي تظلل تلك الحياة العامة، لذا ظل الجنوب في وضع أشبه بالغريب لا هو بالمنفصل ولا هو جزء من السودان(2)». لقد مورست ضد الجنوب سياسة تمييز عرقية وثقافية ودينية ولغوية، قادت في نهاية المطاف إلى الحرب الأهلية بين عامي (1955 - 1972)، ثم اندلعت مرة أخرى (1983 - 2005). ومن بعدها انفصل جنوب السودان عن شماله بموجب استفتاء على الانفصال تحت ظل الحكومة الحالية (1989)، التي حوَّلت الحرب من أجل رفع الظلم التاريخي والسياسي وتحقيق العدالة والمساواة الاجتماعية والتنموية، إلى حربٍ دينية جهاديةٍ بين مسلم ومسيحي، وبذلك ضمنت لها المباركة من قِبل الشعب وشبابه الذين ذهبوا للجهاد في الجنوب، الذي كان ضمن حدود السودان، أي ذهبوا للجهاد ضد جزء من الوطن وشعبه!! هذا بدلاً من تصحيح الأخطاء التاريخية التي ورثتها هذه الحكومة الشمولية عن الحكومات الوطنية السابقة كلها. وبالطبع لن أنفي دور الاستعمارين العثماني والإنجليزي في بذر بذرة الحرب، ليأتي الشماليون العرب لسقايتها حتى نَمتْ وتفرعتْ وأدَّت إلى انقسام الوطن الواحد!.

    كانت تجارة الرقيق التي مارسها الشمال على الجنوب من أكبر روافد الحقد في قلوب الجنوبيين، وأبرز تجليات الاستعلاء العرقي للشماليين على الجنوبيين، فقد «لعبت تجارة الرقيق دوراً كبيراً في تقسيم وجدان هذا الشعب وفي تحديد نظرة كل مجموعة تجاه الأخرى. فمنذ بدايات العهد العثماني في السودان 1821 ظل الشماليون ينظرون إلى الجنوبيين على أنهم رقيق أو«عبيد» (3)». ورغم أننا نعيش الآن في القرن الواحد والعشرين، فإن أثر تلك التجارة مازال موجوداً: «لقد توقفت تجارة الرقيق ولكن ما تزال في الواقع تلقي بنفوذها وتشكِّل طرائقنا العرقية والإقليمية والعنصرية، إنها مرتبطة بذهن الجنوبي والشمالي منذ ذلك التاريخ(4)»، و«إن نصف قرن من الحكم الثنائي الإنجليزي المصري لم ينجح لسوء الحظ في إزالة الأثر الذي خلّفته تجارة الرقيق في الشماليين والجنوبيين على حد سواء، حيث ظل الأُول يعتقدون أنهم يولدون سادة، بينما أحاط الآخرون أنفسهم بسياج من الريب والظنون والذي برهنت الأيام أنه أُسس بإحكام(5)».

    وهذه الندبة في الوجدان الجنوبي تطرَّق إليها فرانسيس دينق في روايته (طائر الشؤم)، من خلال سرده لبوادر الحرب الأهلية قبل الاستقلال عن الاستعمار البريطاني مباشرة، حين شعر الجنوبيون أن الشماليين سيعودون إلى غزوهم مجدداً إثر انسحاب البريطانيين واستلامهم مقاليد تصريف البلاد، ما يحيل إلى أن الجنوبيين كانوا يستظلون بمظلة البريطانيين ويأمنون جانبهم أكثر من الشماليين، فثاروا وقتلوا الشماليين المتواجدين في الجنوب «وأشعل القتال روح العداء العرقي والثقافي وبدأ في فتح جروح قديمة وإنعاش الحروب القبلية بين العرب والدينكا»، «في تلك المصادمات عاودت القبائل العربية ممارستها القديمة في الغزو لأخذ الأبقار والرقيق(6)». وإن أقررنا بأن تجارة الرقيق بدأت في العهد العثماني، إلا أن استعانة الجيوش الغازية ببعض الشماليين تشير إلى استعداد فطري للمشاركة في تجارة الرقيق، التي مارسها في ما بعد الشماليون بشكل صريح ومنفرد وأشهرهم الزبير رحمة باشا وكان هناك تاجر مصري أسواني اسمه محمد أحمد العقاد(7).

    لا بدّ، من أجل تتبع أثر الأسباب التي أدَّت إلى الحرب الأهلية في السودان، من الوقوف أيضاً عند سؤال كبير هو سؤال الهويَّة السودانيَّة. إذ إنَّ التباين والتعدُّد، كانا يمثلان أيقونة الأمل في إثراء الواقع الثقافي والاجتماعي، لكن إخفاقات السّاسة وقفت بقسوةٍ كحاجزٍ ضدّ المضي قدماً باتجاه التنوع. فقد كانت الرغبة مشتركةً في تحسُّس الجذور والبحث عن ثمار الإجابة عن سؤال الهوية، ففي وقتٍ واحد تقريباً بدأ النور عثمان أبكر (مواليد كسلا في شرق السودان) ومحمد المكي إبراهيم، (غرب السودان) وصلاح أحمد إبراهيم (الوسط)، ومصطفى سند (أمدرمان) ومحمد عبد الحي (الخرطوم) يكتبون شعراً تظهرُ فيه تلك الملامح المشتركة التي لا تخفي الاختلاف العميق.

    شدَّد النَّور عثمان أبكر، على التغلغل الإفريقي ومضى في أكثر من اتجاه مؤكداً أنه: «حتى صوفية السودان لا تنبع من أوتار شرقية، ذلك لأنها عطاء رخيم للطبل والبوق»، إلا أنه لم ينفِ قبول العديد من المظاهر الإسلامية. ورغم ذلك جاءت أشعاره عامرة بالمناخ الإفريقي وطقوسه: في غرفات الغاب السِّرية/أوقدنا ألف سراج قربنا/للربِّ ضحايا النذر الأزلي/شربنا الخمر وغنين/ احجب عنَّا الريح السوداء8».

    التفت الشاعر محمد عبد الحي من جهة أخرى، خاصةً في مطولته (العودة إلى سنار) - سنار ترمز إلى السلطنة الزرقاء (1504 - 1821)، ويطلق السودانيون على الأسود أزرق ربما لهذا سُميت الزرقاء وتعني السوداء- أيضاً إلى تحسُّس الجذور، وقد قدّم لقصيدته بمدخل لأحد المتصوفة (العرب) القدامى: «ما الذي أخرجك يا أبا يزيد عن بسطام؟/قال: طلب الحقّ./ إن الذي تطلبه قد تركته وراء ظهرك ببسطام./ فتنبه أبو يزيد ورجع إلى بسطام ففُتح له!/ فافتحوا، حُراس سنار افتحوا للعائِد الليلة أبواب المدينة/افتحوا للعائد أبواب المدينة/افتحوا الليلة أبواب المدينة/بدوي أنت؟/لا../ من بلاد الزنج/لا../أنا منكم، تائه عاد يغني بلسانٍ/ويصلي بلسان/أنا منكم جرحكم جرحي/وقوسي قوسكم/وثني مجَّد الأرض وصوفي ضرير/مجَّد الرؤيا ونيران الإله9».

    أمّا الشاعر صلاح أحمد إبراهيم فقد وقف ضدّ حركة الغابة والصحراء في مقالٍ له بعنوان (نحن عرب العُرب- صحيفة الصحافة 1967/11/6)، وكانت الحرب سجالاً بينه وبين الشاعر النور عثمان أبكر. حتّى أن بعض أدباء السودان ذهب للتأكيد على أن لهجة السودانيين عربية صافية ومستمدة من نهر الفصحى مباشرة، بل أن الشاعر الطيب السراج صاغ شعراً يستعصي على الفهم: «لغة المحاجيج المراجيح الوحاويح/المصابيح السماه جدودا/أعني المزاربة الملاوتة الخلامجة/ الخضارمة الأباة الصيدا»، حتّى إن شاعراً كبيراً هو محمد المكي إبراهيم علّق قائلاَ: «الشاعر كان يستعرض ثروته اللغوية بإحساسٍ متهم». أمّا محمد المكي الذي كان متورطاً في البحث عن إجابة، فقال في قصيدته (بعض الرحيق أنا والبرتقالة أنتِ): «الله يا خلاسية/ يا بعض عربية/وبعض زنجية/وبعض أقوالي أمام الله».

    وقد برز هذا السؤال الملِّح بشكلٍ واضح في ستينيات القرن الماضي، ففي رواية (موسم الهجرة إلى الشمال) للطيب صالح (1929 - 2009): «سألت إيزابيلا سيمور مصطفى سعيد هل أنت إفريقي أم آسيوي؟ فأجابها أنا مثل عطيل، عربي إفريقي. فنظرتْ إلى وجهه وقالت: نعم، أنفك مثل أنوف العرب في الصور، ولكن شعرك ليس فاحماً مثل شعر العرب».يتفاوت الكُتَّاب في رؤاهم تجاه هذا السؤال، إذ بذل الفيتوري، خاصة في دواوينه الأولى، كل طاقته للتغني بإفريقيا بشكلٍ يشبه الطيب السراج في الضفة الأخرى: «قلها لا تجبن لا تجبن/ قلها في وجه البشرية/أنا زنجي/وأبي زنجي الجدّ/وأمي زنجية/أنا أسود/أسود لكن حرٌ أمتلك الحرية»10.

    غير أن جمال محمد أحمد أخلص للكتابة لإفريقيا دونما ضوضاء، رغم أنه من سرة شرق في أقاصي الشمال، فكتب (وجدان إفريقيا)، وهو كتاب يبيِّن قدرة الدينين المسيحي/الإسلامي على التعايش. كما نقل بعض الحكايات والأحاجي الإفريقية (سالي فوحمر)، وكتب عن (مطالعات في الشؤون الإفريقية).

    مرآة السرد

    أمّا السرد فقد كان أكثر مباشرةً في معالجة الحرب من منظورٍ إبداعي، سواء أكان ذلك عن الحرب أم عن إفرازاتها وما أدَّت إليه.

    تصوّر رواية (آخر أيام شاب جنوبي) لـ أمير صالح جبريل، آخر ثلاثة أيام من حياة شاب جنوبي نزح أبواه من الجنوب إلى العاصمة الخرطوم بسبب الحرب، وفيها صنعا الخمر البلدي وتاجرا به. ثم توفي أبوه لتعيله أمه التي أُدخلت السجن بسبب جريمة قتل حدثت في منزلها. ويكون مصير الطفل بعد ذلك التشرُّد والضياع، وامتهان السرقة، وإدمان الحشيش (البنقو) إلى أن يتم اغتياله في غرفته.

    تعكس الرواية الحياة النمطية التي يعيشها الجنوبيون النازحون إلى الخرطوم أو معظم مدن الشمال: صناعة الخمر وبيعه، والفقر، والسكن العشوائي، والعنف الذي يؤدي إلى القتل، والسرقة، والتشرد، والتفكك الأسري وخلاف هذا الكثير:

    «أخذ سندوتش الطعمية وهو يبتسم، صوت ديمس روزس مخلوط بالموسيقى يغني: إني أبحر.. إني أبحر. تأمله صاحب الكافتيريا وهو يجلس خلف درج البيع. هزَّ رأسه حتى كادت تسقط عمامته. ابتسم بسخرية فاهتزت كرشه داخل الجلباب الأبيض، وأخذ ينظر إلى هذا الزنجي النحيل وكيف يهز رأسه ذا الشعر المفلفل طرباً ويردِّد كلمات الأغنية الأجنبية بنشوةٍ. وهذه الزنجية المثيرة التي تلتصق به في غير حياء. يا لهما من جنوبيين غبيين(11)».

    يختزل الكاتب في صاحب الكافتيريا الذي يهز رأسه سخرية ويمتعض من هذين الجنوبيين، صورة الآخر المختلف، الشمالي صاحب العمامة والجلباب الأبيض، وهو اللباس التقليدي لشماليي السودان وبعض القبائل الأخرى. إشارته للشَّعر (المفلفل) أي الخشن تحيل إلى النظرة العرقية، واستهجانه أن يطرب لكلمات أغنية أجنبية وهو الزنجي الغبي كما يتصوّره. هذه التَّصورات هي انعكاس للتصورات في ذهنية الشمالي تجاه الجنوبي بشكل عام.

    هل الجنوبي يشعر بأنه مستباح ربما لذلك يتلبَّس العنف ردود أفعاله؟ مستباحٌ على المستوى الرسمي والمجتمعي، فالشعار المرفوع هنا «بيتك للكل، لأن الكل في بيتك، لأن الكلّ في الشارع والشارع من تراب»(12). والمقصود بـ «هنا» معسكر النازحين في الخرطوم. لكن الكل ليس فقط هم أفراد المعسكر، بل الكل الشامل، الدولة التي ترسل عرباتها في حملات منظمة لحشر أفراد ذاك المعسكر في عربات الشرطة زاجةً بهم في الزنازين، والمجتمع الرافض له، وحتى الطبيعة تستبيحه عندما تثور عليه وتقتلع مسكنه فيصنع الصغار سقفاً من مشمع لتغطية والدهما من المطر والرياح ويظل الصغار عرايا في مواجهة المطر والبرد والرياح. فقد صوّرت القاصة ستيلا قايتانو هذه الحياة البائسة ببراعة كبيرة في قصتها (كل شيء هنا يغلي.. نحو الموت والسجون).

    ارتعاشات الأمل في وجدان الجنوبي تجعله يركض دوماً تجاه السلام، وتجاه العدل، يهرب من مصير قاتمٍ خلفه لمصيرٍ مجهول. فهو يغادر الجنوب والحرب في رحلة بحث يحف بها الحلم الوضيء: «مطارد أنت. لاهث في طلب النجاة. اركض فهذا قدرك. لا تجعل المسافة بينك وبينهم تضيق، فالبراحات دائماً مدخلها الركض13».

    وارتعشات الحلم والطموح والتطلع للتغيير هي ما جعلت الياس، بطل رواية (طائر الشؤم) لفرانسيس دينق، يزحف نحو الشمال، تدفعه الرغبة في التعلُّم وتقلُّد مناصب تحقّق الفائدة لقومه وعشيرته وتكسبه احترامهم. هذه الرواية وجدت شهرة، لا بسبب أنها باهرة في فنيتها وتقنياتها الكتابية وعوالم التخييل فيها، بل لأنها عملت على تتبع فترة من تاريخ السودان خاصةً إبان حكم جعفر نميري (مايو/أيار 1969 - إبريل/نيسان 1985) وقبله حكم الفريق إبراهيم عبود (1958 - 1964).

    نلمس في رحلة الياس الحياتية داخل الرواية، تقاطع العلاقة بين العربي والجنوبي في كلّ الفصول تقريباً، حتى في الفصول التي تتحدث عن البيئة في الجنوب وعن الطقوس والصلوات. إلا أنَّ ظلال هذه العلاقة جلية، وتبدو بعض الأحداث والمصائر نتيجةً لهذه العلاقة. هي علاقة شدّ وجذبٍ، كما لو أنّ فرانسيس دينق أراد أن يقول: لا فكاك. بل إنه اعتمد هذا المبدأ كحيلةٍ فنيةٍ في نهاية الرواية، خاصةً وهو يدين هذا العربي في كل الرواية وكل الأحداث، ثم يجعل من الياس عربيّ الأب وزنجيّ الأم. ومن بركة أخيه زنجيّ الدمّ من جانب الأم والأب. وبركة هو أخو حبيبته فضيلة، وأخوه في الوقت نفسه، هو الأخ الضائع! فقد بُنيت هذه الجزئية بشيءٍ من الركاكة وإقحام للمبدأ الذي افترضتُه، وهو مبدأ لا فكاك. فهل كان من الضروري أن يكون الياس عربيّ الدم من جهة الأب؟ هل خدم هذا النص والفكرة؟ أم هل انتصر للشمال على الجنوب، بتصوير الياس حلَّال العقد والمشاكل والحكيم والنبيل والصادق والمثالي؟ وفي الضفة الأخرى تجد بركة المسلم المتشدِّد المنحدر من أصول وثنية، المعتز بدمه العربي، وفي الأصل هو ليس كذلك!

    وتكشف الرواية جانباً آخر، أن الجنوبيين أنفسهم يمارسون عنصرية على بعضهم، فالدينكاوي أنقى دماً وأعلى درجةً في السُّلم الاجتماعي من غيره من القبائل «لقد ولدتُ وترعرعتُ في قوم يعتبرون أن جنسهم وثقافتهم هي النموذج الإلهي لبني الإنسان وكذلك ينبغي أن تكون تقاليدهم الأخلاقية. إلا أن الفرق الوحيد هو أنهم لم يَمْلوا ذلك الرأي في أنفسهم وعن العالم على الآخرين. هم فقط يعتبرون أنفسهم خواص ومتفوقين، ولا يريدون أن يغيروا الآخرين ليكونوا مثلهم. إن الآخرين ليسوا بدينكا ولا يمكنهم أن يصيروا من الدينكا 14».

    وربما هذه الصورة الذاتية هي سبب بعض المناوشات المسلحة التي تحدث من فترة وأخرى بين قبائل الجنوب. قياساً على هذه الصورة ما الفرق بين الدينكاوي في الجنوب والعربي في الشمال، إن كان كلّ واحد يرى أنه المتفوِّق؟ أليس من المحتمل أن تتسبب هذه الشوفينية بحربٍ أهلية أخرى في الجنوب بين القبائل الجنوبية ذاتها؟ وتبعاً لهذا السؤال نجد أن التعدُّد العرقي حتى في الجنوب يؤدي إلى نزاع مسلح بدلاً عن ثراء وغناء ثقافي واجتماعي.

    لقد كُتبت رواية فرانسيس دينق هذه ومعظم كتابات الأدباء والمفكرين الجنوبيين باللغة الإنجليزية، ومنهم: أغنيس لاكودو، وتعبان ليو لينق، وجونثان ميانق، وفرانسيس فيلب وأبيل ألير وغيرهم. نحن نعرف أن الإنسان يستطيع التعبير في لغته الأمّ بشكل أفضل، فهل اعتبر الجنوبيون اللغة الإنجليزية هي لغتهم الأم؟ ألم يساهم ذلك في توسيع الهوَّة القائمة أصلاً بين الثقافتين الشمالية العربية والجنوبية الإفريقية؟ ولا شكَّ أن هذه الكتب لم تجد انتشاراً كافياً لدى القارئ الشمالي بسبب ذلك. ثمة عدد قليل من الكتاب الجنوبيين كتبوا بالعربية وأجادوا مثل ستيلا قايتانو وآرثر قابريال ياك.

    الثقافة والإبداع ينهلان من التعدُّد والاختلاف والتمايز، لكن السياسة تخشى التعدُّد والاختلاف والرأي المضاد. حاولت الثقافة والإبداع الكتابي والفني سواء أكان مسرحاً ودراما، أم غناءً وموسيقى أم تشكيلاً، رتق تصدُّع الوطن وجراحاته بسبب الحروب التي افتعلتها السياسة وغذّتها، لكن ظلَّ كل من الشمال والجنوب يحمل مآخذه على الطرف الآخر وينميها. كلّ طرف يرى أنه المحق، والنازف هو الوطن: «إني أتساءل مع أيِّ الجانبين يقف الله 15»، مع أي الطرفين هو الحقُّ؟ ويبقى الخاسر هو الوطن.



    هوامش:



    -1 الحرب الأهلية وفرص السلام في السودان، إبراهيم علي إبراهيم المحامي، ط1 القاهرة 2002، ص 176.

    -2 نفسه، ص 177.

    -3 نفسه، ص 176.

    -4 نفسه، ص 17.

    -5 نفسه، ص 17.

    -6 طائر الشؤم- رواية، د. فرانسيس دينق، ترجمة: د.عبد الله أحمد النعيم، 2001، مركز الدراسات السودانية.

    -7 انظر كتاب جنوب السودان.. التمادي في نقض المواثيق والعهود، أبيل ألير، ترجمة: بشير محمد سعيد، ط1 1992م.

    -8 صحو الكلمات المنسية- شعر، النور عثمان أبكر، ط2 الخرطوم 1994، ص 33 .

    -9 العودة إلى سنار - شعر، محمد عبد الحي، ط2 الخرطوم 1985، ص 10.

    -10 أغاني إفريقيا شعر، محمد مفتاح الفيتوري 1955، ص 38.

    -11 آخر أيام شاب جنوبي - رواية، أمير صالح جبريل ط1 الخرطوم 2010، ص 16.

    -12 زهور ذابلة - قصص، ستيلا قايتانو ط1 الخرطوم 2005، ص 10.

    -13 السابق، ص 31.

    -14 طائر الشؤم- رواية، د. فرانسيس دينق، ترجمة: د.عبد الله أحمد النعيم، 2001، ص229 مركز الدارسات السودانية.

    -15 نفسه ص291.
                  

09-16-2013, 12:54 PM

ود الخليفه
<aود الخليفه
تاريخ التسجيل: 07-21-2002
مجموع المشاركات: 3178

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مجلة الدوحة لشهر سبتمبر تحتجزها الرقابة (Re: ود الخليفه)

    Quote: العودة إلى سِنَّار نشيد المدينة

    محمد عبد الحي



    سأعودُ اليوم يا سِنَّارُ(1) حيث الحُلمُ ينمو تحت ماءِ الليل أشجاراً

    تُعَرَّى في خريفي وشتائي

    ثم تهتزُّ بنارِ الأرضِ، تَرْفَضُّ لهيباً أخضرَ الرِّيشِ لكي

    تَنْضجَ في ليلِ دمائي

    ثمراً أحمرَ في صيفي، مَرايا جسدٍ أحلامُه تصعدُ في

    الصَّمتِ نجوماً في سمائي.



    سأعودُ اليومَ، يا سِنَّار،

    حيث الرَّمزُ خيطٌ

    من بريقٍ أسودَ، بين الصَّدى والصَّوتِ،

    بين الثَّمر النَّاضجِ والجَّذْرِ القديم.

    لغتي أنتِ وينبوعي الذي يأوي نجومي،

    وعروق الذَّهب المُبْرِقِ في صخرتي الزَّرقاء،

    والنَّارُ التي فيها تجاسَرْتُ على الحبِّ العظيم.



    فافتحوا، حُرَّاسَ سِنَّارَ، افتحوا للعَائِدِ اللَّيلة

    َأبْوابَ المدينة

    افتحوا اللَّيلة للعَائِدِ أبْوابَ المدينة

    افتحوا اللَّيلة َأبوابَ المدينة



    بَدَويٌّ أنتَ؟

    ـ لا،

    من بلاد الزِّنج؟

    ـ لا،

    أنا مِنْكُم. تائهٌ عادَ يُغنِّي بلسَانٍ

    ويُصَلِّي بلسان

    مِنْ بِحَارٍ نائياتٍ

    لم تُنِرْ في صمتها الأخضرِ أحلامُ الموانئ.

    كافراً تُهْتُ سنيناً وسِنينَا

    مُسْتعيراً لي لِسَاناً وعُيُونَا



    باحثاً بين قُصُورِ الماء عن ساحرةِ الماء الغريبة

    مُذْعِناً للرِّيح في جُمْجُمةِ البحرِ الرَّهيبة

    حالماً فيها بأرضٍ جُعلتْ للغُرباء

    ـ تتلاشى تحت ضوء الشَّمسِ كي تُوْلَدَ من نَارِ المساء ببنات البَحْرِ ضاجعْنَ إلهَ البحرِ في الرَّغوِ...

    (إلى آخِرِهِ مِمَّا يُغنِّي الشُّعراء)



    ثُمَّ لَمَّا كوكَبُ الرُّعبِ أضاء

    ارتَميْتُ

    ورأيتُ ما رأيتُ:



    مطراً أسْوَدَ يَنْثُوهُ سماءٌ من نحاسٍ، وغمامٌ أحمرُ

    شجراً أبيضَ ـ تفاحاً وتوتاً ـ يُثْمرُ

    حيث لا أرْضَ ولا سُقْيَا سوى ما رَقْرَقَ الحامضُ من رغو الغمام.



    وسَمِعتُ ما سمعتُ:

    ضحكاتِ الهيكل العظميِّ، واللَّحمِ المُذَابْ

    فوق فسفور العُبَابْ

    يتلوَّى وهو يَهَتزُّ بغصاتِ الكلامْ.



    وشَهِدْتُ ما شَهِدْتُ:

    كيف تنقضُّ الأفاعي المُرْعِدَة

    حينما تَقذفُ أمواج الدُّخانِ المُزْبِدَة

    جُثةً خضراءَ في رَمْلٍ تلظّى في الظَّلام.



    صاحبي قُلْ ما ترى بين شعابِ الأرْخَبيلْ؟

    أرْضَ ديكِ الجنِّ أم قيسَ القتيلْ؟

    أرْضَ أوديبَ ولير أم متاهاتِ عُطَيلْ؟

    أرْضَ سِنغُورَ عليها من نحاسِ البحرِ صهْدٌ لا يَسيلْ؟

    أم بُخارُ البحر قد هيَّأ في البحر لنا

    مدناً طيفيَّةً؟؛ رؤيا جَمالٍ مستحيل؟

    أم كُهوفُ القاعِ ترتجُّ ظلالاً ورسومَا

    حينما حرَّكَ وحشُ البحر فخذيه: أيَصْحُو

    من نُعاسٍ صَدَفيٍّ؟، أم يمُجُّ النَّارَ والماء الحميمَ؟



    وبكيتُ ما بكَيتُ:

    مَنْ تُرى يمنحني

    طائراً يَحملُني لمَغَاني وطني

    عَبْرَ شمس الملحِ والرَّيح العقيمْ

    لُغةً تسْطعُ بالحبِّ القديمْ.

    ثم لَمَّا امتلأ البحرُ بأسماكِ السَّماءِ

    واستفاقَ الجَّرسُ النَّائمُ في إشْرَاقةِ الماءِ

    سَألتُ ما سألتُ:



    هل تُرى أرْجِعُ يومَا

    لابساً صَحْوي حُلما

    حاملاً حُلمي هَمَّا

    في دُجى الذَّاكرة الأولى وأحلام القَبيلَة

    بين موتاي وأشكالِ أساطير الطُّفولة.



    أنا مِنكُم. جُرْحُكم جُرْحي.

    وقوسي قوسُكُم:

    وَثَنيٌّ مَجَّدَ الأرضَ وصُوفِيٌّ ضَريرٌ

    مَجَّدَ الرَّؤيا ونيرانَ الإلَه.


    Quote: محمد المكي إبراهيم

    اللهُ يا خلاسيَّة

    يا حانةً مفروشةً بالرملِ

    يا مكحولة العينين

    يا مجدولةً من شعر أغنية

    يا وردةً باللون مسقيَّة

    بعض الرحيق أنا

    والبرتقالة أنتِ

    يا مملوءة الساقين أطفالاً خلاسيين

    يا بعض عربية

    وبعض زنجية

    وبعض أقوالي أمام الله.

    من اشتراكِ اشترى فوح القرنفل

    من أنفاسِ أمسيَّة

    أو السواحل من خصر الجزيرة

    أو خصر الجزيرة

    من موجِ المحيط

    وأحضانِ الصباحيَّة

    •••

    من اشتراكِ اشترى

    للجُرح غمداً وللأحزان مرثيَّة،

    من اشتراكِ اشترى مِنِّي ومنكِ

    تواريخ البُكاء وأجيال العبوديَّة

    من اشتراكِ اشتراني يا خلاسيَّة

    فهل أنا بائعٌ وجهي وأقوالي أمام الله؟

    •••

    فليسألوا عنكِ أفواف النخيل: رأت

    رملاً كرملك مغسولاً ومسقِيّا؟

    وليسألوا عنكِ أحضان الخليج متى

    ببعضِ حُسنكِ أغرى الحُلم حورية.

    وليسألوا عنكِ أفواج الغُزاة: رأت

    نطحاً كنطحك والأيام مهديَّة؟

    ليسألوا

    فستروي كل قمرية

    شيئاً من الشِّعرِ

    عن نهديكِ في الأسحار

    وليسألوا فيقول السَّيفُ والأسفار.

    يا برتقالة

    قالوا يشربونك

    حتى لا يعود بأحشاء الدِّنان رحيق

    ويهتكون الحِمى

    حتى تقوم لأنواع الفواحش سوق.

    والآن راحوا

    فظلَّ الدّنُ والإبريق

    ظلَّت دوالك تعطي

    والكؤوس تّدار

    •••

    هزي إليكِ بجذع النَّبعِ

    واغتسلي

    من حزن ماضيكِ

    في الرؤيا وفي الإصرار

    هزي إليكِ

    بأبراجِ القلاع تفيق

    النحلُ طاف المراعي

    وأهداكِ السَّلام رحيق

    الشرف أحمر

    والنعمى عليكِ إزار

    نجري ويمشون للخلف

    حتى نكمل المشوار.

    •••

    طاف الكرى بعيون العاشقيك

    فعادوا منكِ بالأحلام

    ما للعراجين تطواحٌ

    وليس لأطيار الخليج بغام

    النبعُ أغفى

    وكل الكائنات نيام

    إلا أنا

    والشذى

    ورماح الحارسيكِ قيام.

    •••

    تأمليني فإن الجزر أوشكَّ

    ـ إني ذاهبٌ ـ

    ومع المدِ الجديد سآتي

    هل عرفتيني؟

    في الرَّيحِ والموج،

    في النَّوء القوي

    وفي موتي وبعثي سآتي

    فقولي قد عرفتيني

    وقد نقشتِ تقاطيعي وتكويني

    في الصَّخرِ والرَّمل ما بين التراجين

    وإنني صرتُ في لوح الهوى تذكار.

    •••

    والآن

    لا شابعاً من طِيْب لحمكِ

    أو ريَّان من سكب نهديكِ أمضي

    عديني أن ستدعوني

    إلى فراشكِ ليلاً آخر

    وتطيليه عليَّ بشَعركِ في زندي

    ولونكِ

    في لوني وتكويني

    فنيتُ فيكِ فضميني

    إلى قبورِ الزهور الاستوائيَّة

    إلى البُكاء وأجيال العبوديَّة

    ضُمِّي رُفاتي وخلي النسغ يحملني

    عبر الجزيرة في دوراته الحيَّة

    •••

    ضُمِّي رُفاتي ولفيني بزندكِ

    ما أحلى عبيركِ

    ما أقواكِ

    عاريةً وزنجيَّة

    وبعض عربية

    وبعض أقوالي أمام الله.
                  

09-16-2013, 12:56 PM

ود الخليفه
<aود الخليفه
تاريخ التسجيل: 07-21-2002
مجموع المشاركات: 3178

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مجلة الدوحة لشهر سبتمبر تحتجزها الرقابة (Re: ود الخليفه)

    Quote: طائر الشؤم

    د. فرانسيس دينق

    ترجمه عن الإنجليزية: د. عبد الله أحمد النعيم



    يعلم كل أهل قرية داك- جور عن فاجعة التوأمين أشويل ومديت وأمهما. كان ملينقديت وألويل قد فقدا طفليهما الأولَين،توأمين من الأولاد اللذين تمّت تسميتهما «نقور» و«شان». كان الطائران- كما يعرفهما الدينكا رمزياً- قد طارا بعيداً، أيّ ماتا في حداثتهما، وبدأ الوالدان يشعران بالعَوض بميلاد ولديهما الثانييّن الثانيين أشويل ومديت حين حلّت بهما الكارثة الأخرى.

    كان الحديث عن الاستقلال على أشده حين انتشرت الشائعات عن عودة أيام غزوات العرب من الشمال طلباً للرقيق وسط القبائل الإفريقية في الجنوب. انتشرت تلك الشائعات خلال انسحاب البريطانيين واستبدالهم بإداريين من الشمال. وخلال أشهر قلائل قبيل الاستقلال انفجرت مخاوف الجنوب في شكل تمرد سرعان ما تحول إلى اضطرابات واسعة الانتشار قُتل خلالها المئات من الشماليين في الجنوب بصورةٍ قاسية. وبعد تدخل الحاكم العام البريطاني، تم إقناع المتمردين بوضع أسلحتهم، واستتب الأمن مرة أخرى، واتفق الشماليون والجنوبيون بالإجماع على إعلان الاستقلال من داخل البرلمان، ولكن سرعان ما بدأت الأمور في الانهيار، فبدلاً من المحاكمة العادلة للمتمردين والاستجابة لتظلمات الجنوبيين التي وعد بها الحاكم العام، اتجهت الحكومة المستقِلة إلى الانتقام من المتمردين والجنوب بصورة عامة، ولكن لم يكن جميع المتمردين قد استسلموا بعد، فلجأ بعضهم إلى الغابات لمواصلة القتال ضد الحكومة، الذي تصاعد إلى حربٍ أهلية شاملة بين الشمال والجنوب.

    أشعل القتال روح العداء العرقي والثقافي وبدأ في فتح جروح قديمة وإنعاش الحروب القبلية بين العرب والدينكا. وكان ذلك الصراع على أشده في الجهات الشمالية الغربية من الجنوب حيث المواجهة العنيفة بين الدينكا ميثانق والعرب البقارة (رعاة الإبل). في تلك المصادمات عاودت القبائل العربية ممارستها القديمة في الغزو لأخذ الأبقار والرقيق.

    بالنسبة لأسرة ملينقديت بالتحديد، تعود الكارثة إلى الليلة التي نعقت فيها البومة، منذرة القرية بالغزوة الوشيكة الوقوع. كان الدينكا قد اشتبكوا مع العرب وأوقعوا بهم خسائر كبيرة في معركة ضارية انتهت بانسحاب العرب مخلِّفين وراءهم موتاهم في العراء لتأكلهم الطيور. وذات ليلة لاحقة، نعقت البومة وأصرّت على العودة والنعيق رغم طردها أكثر من مرة. كان ملينقديت في كوخٍ مع إحدى زوجاته الصغيرات، خرج من الكوخ وهو يحمل الحربتين المقدستين وغنَّى نشيد الزعامة السِّري، الذي ينادي به فقط عندما تكون كارثة على وشك الحلول بالقبيلة.

    قال ملينقديت في الصلاة المصاحبة للنشيد:

    - أنتم يا آبائي، أيَّاً كان الشيء الذي تنعق عليه البومة، اصرفوه عن قومي. لقد حاربنا العرب قبل قليل، وبما أعرفه عنهم، فإنهم سيعودون طلباً للانتقام. اقفل طريقهم يا رب آبائي. لم نكن نحن البادئين بالعدوان، وإنما العرب هم الذين طاردونا كالحيوانات. ذلك هو السبب الذي من أجله منحتم أنتم أيتها القوى العلوية النصر لقومي. لا تهجرونا وقفوا معنا. لتكن مباركتكم هي درعنا. لا تمكِّنوا العرب من إهراق نقطة دم واحدة في هذه القبيلة.

    وبمجرد أن عاد الزعيم ملينقديت إلى سريره سمع صوت زئير أسد على البعد، ومثله مثل بقية الدينكا، فقد كان ملينقديت يعلم عن مخاطر بيئتهم وسلوك الحيوانات الوحشية. كان من الواضح له أن ذلك الأسد يتصارع مع ضحية، لم يكن الزئير صادراً عن أسدٍ هارب، وإنما عن أسدٍ مقاتل، ولكن مع ماذا؟ أو مع من؟ هل كان ذلك مع ظبي أم بقرة أم إنسان؟

    كان ملينقديت يستمع في انتباه إلى صوت الأسد عندما سمع صوت صهيل الخيل في وسط القرية. وبعد ذلك مباشرة سمع صياح النساء والأطفال، وقد اختلطت أصواتهم مع أصوات الخيول. أسرع ملينقديت خارجاً وكذلك بقية رجال القرية، إلا أن ما وجدوه قد أحبطهم تماماً! كان العرب قد اختفوا ومعهم ألويل زوجة ملينقديت، وأشويل أحد ابنيها التوأمين. أما مديت، التوأم الثاني، فقد سقط من على أحد الجياد وظلَّ راقداً على الأرض وهو يبكي وغير قادر على الحركة، فقد أصيب بكسرٍ في عظم المقعد.

    كان التوأمان وقتها دون الثانية من العمر، وفي تلك الليلة كانا يعانيان من الإسهال، وفي حدة الغضب الأعمى أو التهور، كانت ألويل قد فتحت باب الكوخ وأخذت التوأمين إلى الخارج، رغم نصيحة النساء لها بعدم الخروج. ربما فعلت ذلك تقديراً لشعور النائمين بالكوخ، الذين قد يتأذون من إسهال الأطفال، ولكن لدى استرجاع ما حدث، فقد كان سلوكها في غاية الطيش، خصوصاً باعتبار الخوف من الحيوانات المفترسة ومن الإنسان، الذي كان سائداً وقتها.

    تعالت صيحات الحرب وانضم العديد من الشباب الآخرين إلى شباب القرية في البحث عن العرب، ولكن لم يكن هناك أي أثر يمكن أن يدلهم على اتجاه البحث، فكان جهداً ضائعاً وخطراً، وبناء على نصيحة كبار القوم، تقرر إيقاف البحث ومواصلته في الصباح.

    سريعاً ما انتشرت الأخبار بأن العرب قد جاؤوا في جماعة، وأن أسداً قد قطع عليهم الطريق، وهو الأسد الذي سُمع صوت زئيره في قرية ملينقديت. هاجم الوحشُ العرب وقتل أحدَهم، وُجدت أشلاؤه مبعثرة في موقع الهجوم صباح اليوم التالي. وكما ظهر من آثار الخيول والأقدام في المنطقة، فلا بُدَّ أن يكون الأسد قد جرح آخرين، وعلى ما يبدو فقد سمع الناس القريبين من المنطقة أصوات العرب وخيولهم وعلموا أن أعداءهم في معركة مع الوحش، وقرروا غض الطرف عن الورطة التي وقع فيها غزاة الرقيق، علماً بأن واقع الحال هو أن يكونوا هم أو الأسد ضد العرب.

    ورغم أن فاجعة اختفاء أشويل قد أحزنت ملينقديت وأسرته، إلا أنهم وجدوا العزاء والعوض في عودة ألويل، التي ظلّت تعاني الألم العاطفي الشديد لفقدها أحد أبنائها، كما أنَّها لم تسامح نفسها لأخذها التوأمين خارج الكوخ في تلك الليلة المليئة بالأحداث. وكانت تشعر بالذنب لهربها من معسكر العرب وحدها مخلِّفة أشويل أسيراً لديهم، ولكن لعل أكبر من عانى من تلك الأحداث هو مديت، فرغم أنه قد نجا من الغارة، إلا أن كسر عظم المقعد لم يلتئم أبداً، ووسط الدينكا المفرطين في الحرص على الجاذبية والجمال الجسماني، فقد كان عيب مديت الجسماني مصيبة شخصية كبرى.


    Quote: فِرْكَة

    طه جعفر

    من بعيد تراءت لفِرْكَة الأهرامات والبناءات الحجرية قصيرةً وبعيدة. أحسّتْ فِرْكَة بأن شيئاً ما يربطها بهذه الأبنية الغريبة، وظلَّ نظرها مثبتاً عليها. الجِمَال تنسَّمت بـأنوفها رائحة العشب ورائحة رَوَاء ضفاف النهر، فأسرعت الخطى، بدا الاقتراب من تلك الأبنية لفِرْكَة كـأنه سفرٌ في الروح، سفرٌ من القلب إلى القلب. الرَّكب يقترب، وفركة الآن نسيت نفسها ونسيت تفاصيل العذاب المرّ الذي آذاها وآلَمَ جسدها ومزَّق روحها، نسيته بفضل جمال الأبنية الحجرية المنسرب إلى داخلها.





    من بعيد تراءت لفِرْكَة الأهرامات والبناءات الحجرية قصيرةً وبعيدة. أحسّتْ فِرْكَة بأن شيئاً ما يربطها بهذه الأبنية الغريبة، وظلَّ نظرها مثبتاً عليها. الجِمَال تنسَّمت بـأنوفها رائحة العشب ورائحة رَوَاء ضفاف النهر، فأسرعت الخطى، بدا الاقتراب من تلك الأبنية لفِرْكَة كـأنه سفرٌ في الروح، سفرٌ من القلب إلى القلب. الرَّكب يقترب، وفركة الآن نسيت نفسها ونسيت تفاصيل العذاب المرّ الذي آذاها وآلَمَ جسدها ومزَّق روحها، نسيته بفضل جمال الأبنية الحجرية المنسرب إلى داخلها.

    فِرْكَة الآن أمام الحجارة والأبنية، ترى جبلاً يتحول إلى رسم حالم، ويغذِّي حبها الفطري للحجارة والتصاوير والزينة والنقش على الجسد والوشم، فركة تحب هذه الأمور. اقتربوا أكثر ولاحظتْ الرسوم منتشرةً على الأحجار بجمالٍ وعناد، فأعجبتها وتذكرت الوشم على كتفي أبيها وخدِّيه وبطنه. كان الوشم على جسد الأب صُلباناً، ودوائر لها ذيول مستقيمة عمودية نحو الأسفل، كأنها صلبان برؤوس مستديرة.

    عاينت فركة الأحجار، ولاحظت الرسوم البارزة على الحجر وحدّثت نفسها: «ليست هذه التصاوير والأبنية من أعمال الجان» وأدركت حالاً أن هذه التصاوير والرسوم من فعل أناس تعرفهم.

    غابتْ عن عالم القافلة المشؤومة، قافلة القتل والعنف والأسْر. غابت عنهم, وسرحت في الخيال، ورأت نفسها في أثواب ملوَّنة بالذهبي والأزرق، ورأت جمالها وإشراق روحها يتبدى من بين الخطوط المستقيمة للأثواب. رأت رسماً لرأس أسدٍ بجسدٍ بشريّ، ورأت تماثيل لأسدٍ يقضم رأس رجل. تمنَّتْ فركة لو أن الجَلَّابة(1) والحرَّاس جميعاً حلّوا محل ذي الرأس المقضوم هذا، تَنْقَضم رؤوسهم، وتَنْقَرش قَرْشَ فحول البصل الحارة في فم الجائع.

    انتصف النهار، والشمس تقهر الرمل، وتبطئ من سرعة الجِمال، وتصيب الخيل والحمير والحرس والجلَّابة بالإنهاك. فركة لا تحسّ الحر ولا تشعر بالتعب، هي الآن في بيوت أهلها الذين كانوا هنا وتركوا آثارهم على الحجارة حتى لا يُبليها الدهر وينساها الناس. كانت فركة في انسجامٍ مع ما حولها من تصاوير وأبنية.

    أمرَ الزاكي الجميعَ بالتوقف. لم تُنْزَل الأحمال عن الجمال، ولم تُفَكّ قيود الفتيات. الجمال والحمير والخيول والجلَّابة والحرس انصرفوا ليستظلّوا بتلك الأبنية من غلواء الحر وفتكه.

    فركة بدورها أَتْ إلى ظلّ، وكان الحائط فوقها حاشداً بالرسوم والتصاوير البارزة على سطح الحجر الأخرس. التصاوير حية تكلِّمها وتهمس في أذنها بلسان الكَوَاليِبْ(2)، أهلها، وتحكي قصة جدها شريف وَدْ رَحَّال وقصة أبيها سلطان وَدْ شريف.

    رأت فركة طيراً يشبه الصقر، ووشماً هو الصليب ذو الرأس الدائرية ذاته الذي رأته في كتف أبيها، ورأت قروداً وأبقاراً وعلامات أخرى.

    تكلَّم معها الطائر، قال: «هذا أنا طير الجبل المعشش في الشقوق، هذا أنا الصقر الذي يصطاد العصافير والأرانب والفئران، هذا أنا طيركم، طير جبلكم».

    وتكلّم التِّقِل من حائطه، قال: «هذا أنا قرد جبلكم، الذي إذا قذف الصائد عليه رمحاً أو سهماً طائشاً أمسكه ورَدَّه عليه وقتله».

    كانت البقرة بعينين مذهلتي الدلال، كنزاً من حنان، وشوقاً إلى الإرضاع والأمومة. كانت بقرة خصبة وجاهزة للمعاشرة في كل موسم مع ثورها لتلد عجولاً ملأى بالحياة والفتوة. البقرة الوادعة، وإلى جوارها إنسان برأس الثور يشبه راقصي الكَمْبَلا حينما يعلن أبوها زمان العادة وزمان الرقص فرحاً بالحصاد الوفير لشكر الإلهة الأم. كان حَمَلة القرن على الرؤوس يشبهون أهلها في (كَاسِي) يشبهونهم في ملامحهم وفي فتوة عضلاتهم وجمال أجسادهم، حينما يرقصون الكمبلا، لينطلق مَرْدُم الرقص ومُتَرَاكمُه بعد انتظار طويل لمواقيت العادة والسِّبْر(3). أحسّت فركة أن هذه الرسوم تخص أهلها.

    انكسر النهار، وبرد حر الشمس، صحا النائمون من قيلولتهم حرساً وجلَّابة، وطفقوا يتنبَّرون بأوامر وتوجيهات، هم الآن في طريقهم إلى كبوشيِّة(4). ومازالت فركة مأخوذة بجمال التصاوير وبهاء الحجارة.

    عند المُشْرَع وجدوا المراكبيِّة، هم كثر وملحاحون. يحتاج الزاكي إلى العديد من المراكب، الفتيات، الحرس، بقية الجلَّابة والبضائع، الكل يجب نقله من كبوشية إلى شندي، العدد الموجود من المراكب كافٍ، ابتدأت المناقشات الطويلة حول السعر وتنتظر الزاكي أيضاً مساومة الحمَّالين هنا في الضفة الغربية من أجل الشحن، وهناك في الضفة الشرقية بشندي من أجل التفريغ.

    فركة الآن تجمع ملاحظاتها عن المكان الجديد، ينتشر على طول الشاطئ محاربون بسيوف وكرابيج ويلبسون أثواباً متشابهة، فيهم من يشبه أهلها، ولكن الأثواب تجعلهم مختلفين. الزاكي يتعامل معهم باحترام ويجيب عن أسئلتهم بابتسامة، وكذلك يفعل عوض الكريم.

    هؤلاء هم جُند المَكْ معظمهم من الأرقاء، يدفع المَكْ لهم أحياناً، وفي معظم الأحيان يتركهم بلا رواتب، فتكون أرزاقهم تحت كَرَابيِجهم وسيوفهم.

    الآن على الزاكي أن يعطيهم بعض المال. هذا المال الذي سيدفعه إلى جنود المَكْ، سيجعل مهمته مع الحمّالين والمراكبية سهلة، جنود المك الأرقاء ينتهرون المراكبية والحمَّالين فيكون السعر كما يريد التجار.

    الحمالون والمراكبية خليط من الأرقاء والعرب، جميعهم يتكلمون بلسانٍ واحد ولهجة واحدة، إذ آخي بينهم العمل. الأرقاء ينحدرون من أصول مختلفة، وكذلك الأحرار. أحد الأرقاء تعرَّف على فِرْكة والفتيات وعَرفَ بأيِّ لسانٍ يتكلمن، عرفهن من الوشم في أعلى ذراع فركة، ومن الخرز على ضفائر شعرهن. لن يستطيع هذا الرجل أن يخاطر بالتحدث إليهن، الزاكي والعرب بين المراكبية والحمالين لن يسمحوا بهذه المحاورات ولا يطمئنون إليها، وستكون في نظرهم تخطيطاً للهرب. أي حوار بين الأرقاء مشتبه فيه. اكتفى الرجل بنظرات طَفَحَ الحنين على أكوابها، حتى بَدَت كعيون الأمهات. الفتيات وفركة أحسسن بتلك النظرات من ذلك الرجل الذي يشبههن ولا يستطيع أن يقول لهن كلمة. فركة لن تندهش من تصرف أبناء قبيلتها في هذه الأنحاء، لن تندهش بعد موت ابن عمها تِيَّة ورميه في العراء. أهلُها هنا، في بلدات دار صباح أسرى وأرقاء وفاقدو حريتهم ومقهورون ومبعدون عن قراهم، وليسوا على طبيعتهم.

    انتهت جميع مداولات الزاكي مع الحمَّالين والمراكبية، ربما نتيجة للاتفاق، أو بفعل نظرات الجند المستعجلة.

    للمرة الأولى في حياتها تعبر فركة النهر بالمركب من مشرع كبوشية هذا، كانت خائفة ومنعدمة الثقة في المراكبية والمركب والحمالين. جميعهن هنا في المركب ذاته، وعليهن القيود ذاتها في السواعد والأقدام. لتركب الفتيات في المركب كان على الحمالين والمراكبية وبعض رجال الزاكي أن يحملوهن، حملوهن بتأفف. لم يفوت بعض الرجال فرصة ملامسة أجساد الفتيات من غير مغازلات خشنة وذات مغزى جنسي، هذه الممارسات تسبِّب لهن إحساساً بالمهانة والاعتداء. نفرت الفتيات من تلك الممارسات الخشنة، أجاب الرجال عليهن بعبارات مختلفة مثل: «هُوْيْ.. يا السَّجمانة.. يا فَرْخَة(5) الشُّوم.. شُوف قلة أدب الخادم! هوي يا.. (.....) مالك؟» فهمت فركة بعض العبارات، ولم تفهم البعض، لهجة هؤلاء الرجال مختلفة ولينة ومليئة بالإمالة. هي الآن في همٍّ آخر، وذهنها منشغل بالأسئلة والأحزان. انتهى الأمر بهن في المركب جلوساً متقابلات، أجسادهن شبه عارية وفي النهر لفحة برد وإذلال زائد.

    وسط زحمة كل هذه التفاصيل المتعبة وجدت فركة عينيه، كان ينظر إليهن نظرة أبٍ أو عم، نظرات عاجزة ومنكسرة ومُبكية، وفيها سهوم وشرود. الرجل يكبر أباها سلطان وَدْ شريف، لكنه يبدو أصغر سناً من جدها شريف وَدْ رحَّال، رأت فركة دمعاً يملأ عينيه، وحزناً يمسك بتلابيب وجهه. هو الرجل ذاته الذي عرفهن وصَمَتَ، ومازال صمتُه يرافقهن في مركب الجلَّابة.

    اختفت الأكواخ والبيوت قصيرة السقوف، تلك البيوت الباهتة التي يسمونها كبوشية، وسكن الضجيج الذي كان في المشرع وهدأت الرحلة، اختفت بيوت كبوشية، ابتلعها أفق النهر، ومن ورائها أطلت من جديد أبنية الحجر التي أحبتها فركة، تلك الأهرامات والمعابد. الزاكي معهن في المركب، يتبادل كلاماً وضحكات مع أحد المراكبية.

    وصلت المركب إلى الشاطئ المعاكس، شندي عند الصباح الباكر، أو ما يرى منها، كانت السواقي على ضفة النهر امتداداً مهولاً لخضرة ضاجة بالحياة، البيوت أكثر اعتدالاً وأكثر ثراءً من تلك التي في كبوشية، خاصة المبنى الذي يتكون من طابقين، والمطلي باللون الأبيض. كان هذا المبنى آية في الجمال، وكان في محيطه الأخضر يتمدَّد كسحابة بيضاء حسنة التشكيل. فركة لم تستطع نزع ناظريها عن معاينته.

    إنه بيت المك ومقر أسرته ومركز سلطانه على سوق شندي. البيوت التي بدت من شاطئ النهر هي حيشان منفصلة، بينها مسافات ليست بالقريبة بين كل حوش والآخر، بالقرب من كل حوش هناك حوش أصغر أو غرف متقاربة، البيوت مبنية من الجالوص، ومسَّورة بحائط قصير من الطين أو من الشوك الكثيف.

    عندما أُنزلت الفتيات من ظهر المركب على الشاطئ، كان أمامهن عدد من الرجال بلباس أنيق ونظيف، قرقاب وتوب، كلاهما من الكتان الناصع البياض، التَّوب يغطي أعلى الجسد راسماً صليباً مائلاً، بينهم رجل يحمل مجلَّداً في داخله أوراق صفراء، وفي يده اليسرى محبرة عليها ريشة من القصب وتفوح من الحبر رائحة عطنة وكريهة. انصرف أحد الرجال رأساً لعَدِّهن وتقسيمهن لمجموعتين، فركة كانت من ضمن مجموعة الفتيات الأكبر سناً. فركة سمعت الرجل يقول: «أربع سُداسيات وتلات خُماسيات». انصرف الرجال إلى الزاكي يحدثونه باهتمام بعيداً عن الجميع، ثم عادوا إلى مكانهم حيث الفتيات. أمر الزاكي أحد الحمّالين بفكّ القيود عن سواعد وسيقان الفتيات. جاء رجلان ممن كانوا يتحدثون مع الزاكي وأنشأا يتفحصان بأيديهما أجساد الفتيات ببلادة، كما يلمس الراعي بهائمه. دُهشت فركة إذ لمس أحدهم عجيزتها فنفرتْ، وزادت دهشتها عندما حاول الرجل معاينة عُريها، واقترب بوجهه من وجهها كأنه يتشممها، وسحب حنكها إلى الأعلى وقال: «ما شاء الله». وهو ذاته ما حدث لجميع الفتيات. انصرف الرجلان نحو حامل الدفتر الذي أخرج ريشة كتابته عن المحبرة الزجاجية داكنة اللون، ثم جلس على الأرض ليكتب. جاء رجال كانوا في الانتظار يشبهون في زيِّهم أولئك الجند الذين صادفوهم عند ضفة النهر الأخرى، وأمروا الفتيات بالذهاب معهم. غادرت الفتيات المكان، مشين في صف طويل، وراءهن وإلى جانبهن رجال ملامحهم باردة ولا يتحدثون، في عيونهم قسوة الجند المحايدة.

    فركة لا تعرف إلى أين هن ذاهبات، مضتْ في طريقها بصمت.
                  

09-16-2013, 12:58 PM

ود الخليفه
<aود الخليفه
تاريخ التسجيل: 07-21-2002
مجموع المشاركات: 3178

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مجلة الدوحة لشهر سبتمبر تحتجزها الرقابة (Re: ود الخليفه)

    Quote: عبدالله الطيب.. وُلِد وبيده طبق من لغة

    عبدالغني كرم الله



    (الكرتوم ده واللاااهي أكبر دار للمسنين في العالم كلووو)!! هكذا قالت جريزلدا، زوج العلّامة، ولكن لِمَ قالتها؟، ولِمَ صفَّقَت القاعة كلّها؟، فلها حكاية وقصة طويلة مطويّة في متن هذا المقال. كم يرهق نطق حرفي (الحاء، والخاء) العجم، فقد حكت رحالة إنجليزية زارت القدس في القرن التاسع عشر: «مهما هصرت لساني تحت حنكي، غلبني أن أنطق الهااا»، وهي تقصد الحاء. قالت بأنها هصرت لسانها، تحت حنكها، وحين لم تستطع نطقه، هرسته بأصبعها أيضاً، (أي لسانها)، ثم من جوف حلقها أخرجت الهواء قوياً، عسى ولعل تصنع إيقاع حرف الحاء، فخاطبها السماع بـ «هااااااء» بينة.يقال بأن نطق كلمة (مدينة الحصاحيصا)، كان له شأن عظيم، في كشف أهل القرن الإفريقي الكرام، من الأحباش والإرتيريين، حين تشابهت الملامح، بيننا، وبينهم، حد وقع الحافر على الحافر، ولم يبق سوى حدّ الحاء، فاصلاً بيننا وبينهم. حين كان نميري ثم من بعده هؤلاء يحرمون شعبهم وزوارهم من دول الجوار من أكل خشاش الأرض السمراء الواسعة، فغضب الله عليهم، وأغلق مصنع نسيج «الهسهيسا»، ليوم الناس هذا، لم يطعموهم ولم يتركوهم يأكلون من خشاش الأرض، فقد حبس أهل القرن في معسكرات، وحبس أهل البلاد، في بيوتهم، بلا وظائف، أو داخل البلاد، بلا تأشيرة خروج، فقط للحروب والصفير والصراخ في مواكب النصر المزيَّف داخل البلاد.

    قدم عريف الحفل، وهو ضليع في اللغة، برنامج الجلسة الأولى، أي كلمة كانت تأخد تشكليها رفعاً، وفتحاً، وسكوناً، وشعرت بأنها- أي اللغة- لها الحق، أن تفتن الشعراء في البدء مثل تلاعب ألفاظ.

    كانت الدراسة الأولى، إضاءة في سيرة عبدالله الطيب، وزواجه الميمون، «من شرق يحنّ للغرب»، السيدة جريزلدا، يقدمها البروفيسور عبدالقادر محمود، وتعقبها مداخلات، ثم ورقة «سيرة عبدالله الطيب من منظور أدبي يقدمها الأستاذ مصطفى الصاوي، وفي البدء آيات من القرآن الحكيم يتلوها عليكم الشيخ صديق أحمد حمدون.

    خلفي تجلس شابات صغيرات، أظنهن من جامعة الخرطوم، وهن خير دليل للانقطاع المعرفي بين الأجيال، كانت إحداهن، تتلفت يمنة ويسرة، في انتظار أن يصعد الشيخ المقرئي الشهير صديق أحمد حمدون المنصة، وهو المتوفَّى قبل أن تولَد، حيث رحل إلى قصر قبره عام 1985م، كانت تراقب رجلاً عجوزاً، بجلباب أبيض، يبحث عن كرسي، وحسبته المقرئ المبارك، وأظنها امتعضت لتأخُّره في الصعود. «قد تكون على موعد، أو موطنها بعيد عن الجامعة» بعد تصفية سكن الجامعة القريب كي لا يعود هناك تجمّع، ووقت فراغ للفكر والتأمُّل والمعارضة، بل يُبَدَّد الوقت في الطريق من الجامعة وإليها.

    أظنها قطيعة مقصودة، ولو بمكر العقل الباطني لحكّامنا، وسلاطين الثقافة، أي وزرائها الكرام، ما بعد الاستقلال، صرنا (منبتّين)، فلا أحد يعرف جَمّاع، ولا التجاني، ولا أستاذ محمود محمد طه، ولا نقد، ومن هم أبطال التاريخ الحديث، ورجالاته، وقعت وصاية ما، على كاهل الشباب، في ألا يعرف تاريخه كما هو، وليس كما يسطِّر المؤرخ الملتوي، اتركوهم والتاريخ، فلهم عقول، مثل ما لكم، إن لم تكن أعمق وأعقل، كي لا نفتنّ كلّ يوم في تصوّر للهوية أو توزيع للثورة، والسلطة، كما يجري الآن، بل صار العسكر الجدد يمنعون تأمل ما جرى في زمان العسكر الأقدم منهم، وها نحن مَحَلَّكْ سِرْ، فاتركوا الشباب وتاريخهم، يفحصوه، ويدرسون، بمهل وصدق بعيداً عن الوصاية والأكاذيب الكبيرة والصغيرة، التي وقع فيها أغلب المؤرخين، فصارت لنا هويات بلا هوى وعشق، ومات شبابٌ نضر في حروب سَنَّها الأجداد، تُسنّ القبور السكاكين، وتشعل الحرب، وتدفع الأرحام أطفالاً يشتد عودهم في أتون البغض والكراهية. وفي ريان شبابهم، تدفعهم تلكم القبور التي بين الجماجم، إلى الموت، وكأن الماضي هو السيد، فلنضع الحصان أمام العربة، كي يقود فرس المستقبل الحياة، وليس ماضيها، فالخيال أمير الغد، لا الذاكرة المهترئة.

    كنتُ خمسة سويعات في حضرة العلامة كانت في قاعة الشارقة، زوجته السودانية الإنجليزية، وكانت خير برهان، لجمال وتنوُّع هذا الرجل الفريد، وصفية قريبته، جاءت من التميراب، ورجال من بلاد نجيريا، وأصحاب من سلطنة عمان، فقد كان العلامة حراً، يصلح أن يكون نموذجاً للشخصية السودانية، النظيفة، المتواضعة، السمحة، التي طمستها في أخر العقود السنوات العجاف، إسلام الآفاق، وليس النفوس، وحتى في الآفاق مظهرها، حين كان الدين في وطني يعنى بالداخل، بالباطن أو في حكمة العبيد. لكن انحرف الدين من بواكير العباسيين، وقبل الأمويين، حتى صار دين فقه، وليس دين تربية وسلوك، وغرف من أغوار النفس، وما أغناها، ولكن، في تلكم النفوس كان الله حاضراً، حتى في الاختلاف، فلا انزعاج من تجلّياته في الشر والفضيلة. لكن، جاء أقزام الدين، وأبطال الدنيا، فسرقوا الدين باسم الدين، فشحموا، وكنزوا، وسافروا سياحة (للنفس، لا لله)، في بلاد العالم، والشعب جائع، ويدرس أبناؤهم في أعتى جامعات الكون.

    لله درّ الحديث عنه، يأبى إلا أن يجرّ النفس، لحديث هنا، وهناك. فقد كان هو يفكر بطريقة دائرة، حين يحكي في المذياع والتلفاز. حديثه ممتع، يحلِّق ويشرِّق ويغرِّب، دون ملل، كم كنت أحب مجرد نطقه للأحرف، للكلمات، للجمل، أحسّها بين لسانه كحلوى، يتذوَّق الكلمات العربية كأنها بلحة بركاوي (قيل بأنه يحبه)، لأنه يعرف فصلها، وأصلها، ومشتقاتها، وبناتها، وقدراتها اللفظية، وجرسها، ورمزيتها، ومن أي صوت أو طبيعة استقت (مثل زقزقة العصافير). كم شَدَّني كتابه الفريد «المرشد في فهم أشعار العرب» أعظم كشكول للشعر العالمي والجاهلي والإفرنجي والشعبي، وأعظم تداعيات في شأن اللغة، وأجمل خواطر شخصية، أحسّه كتبه بحروف العبقري الذي يكره حتى أصنام المناهج، فيخرقها بعلم وتأويل، للأعمق، أسمعه يتحدث عن «الضمة، والسكون، والكسرة»، في شأن التنوين والتشكيل، فيقول إنها أصوات كي تعبر عن حالتنا، في القوة، والبأس والانكسار، واللطف، يقول إن الكسرة وليدة الأنوثة، وتعابير الحياة الهشة، والضمة وليدة شئون الحرب، الصغيرة، والكبيرة، كتاب ممتع بحق وجريء في مادة صارمة.

    كان العلّامة، رجلاً متديِّناً، يصادق السكارى والدروايش، ودخل بارات لندن مع صحبه دون استياء، وتزوَّج ببريطانية، أسكنها الدامر ثلاثة أشهر كرام، وهي أُعجبت بالبلاد والعباد، ورسمت بلون ريشتها جمال سمرتنا وتراثنا وأساريرنا. كان هناك معرض لها، خارج القاعة، وصور له تشعّ من عينيه النجابة والدهاء الطيب.

    في المعرض، الموازي لحلقات الدرس، للفنانة جريزلدا، تعجبت من سرّ العادة فينا، فكم رسمت أشياء وزوايا في حياتنا نمرّ بها مرور الكرام، لعمى العادة، وصمم التعبير! لكنها هي فتنت بها، فرسمت كل شيء بدهشة: البروش، الصلاة، قعدة البن، وجبر الخاطر في العرس والمرض، نساء حول مريض، أو عريس، كأنها مثل قيس، حين أصرّ على أن زيارة قبر ليلى، نسك من مناسك الحج والعمرة، وقد صدق.

    ما أعظمها من ورثة، موهبة، قُدّت في جرم صغير أسمر، لمّاح، طيب، ودود الأسارير، استلَّته الحياة طفلاً في أواخر رمضان، عام 1921م. غرب الدامر، صرخ الطفل صرخته الأولى في قرية طينية زاهدة، قرية التميراب بين أخوال وأعمام وأهل كتب الدهر عليهم حياة تصوُّف، بين نور القرآن ونار القيام والصيام.

    ولد الطفل عبدالله، فصار الابن وحيد أمه، «أخا أخوات»، مسئولاً ومثابر، ومن عجب لم يتجاوز الفتى العقد الثاني، حتى سَطَّر ملحمة لغوية وشعرية وفكرية، بل وسياحة أدبية، سميت مجازاً «المرشد في فهم أشعار العرب»، أظهر فيها من البراعة الموروثة والمكتسبة، التي قُدَّت في جارحَتَيه.. عقله، وقلبه، في فهم اللغة، وأجراسها وقواعدها ودورب خلقها، ومآل حالها ومآلها ما يحيِّر الألباب، قياساً لصغر عمره، وبفهم وحب وهيام عبقري للمرأة اللعوب «اللغة».

    لو كانت بلادنا تعرف أقدار الرجال، لفرَّغَته تماماً للدرس والتحصيل، كثروة وطنية سمراء، بدل أن يدرس، هنا وهناك وراء الحدود، في نيجيريا والمغرب، أو يدير جامعة، ويفني جزءاً من ذهب وقته في هموم ومشاكل إدارية، أولى بها عقل آخر، جُبِل عليها، ولكنا شغلنا فراغه الميمون بإدارة جامعة الخرطوم، وشغل هو نفسه بتنظيم شعر، كان أجدى به وهب عظيم آخر، غير الشعر، قُدَّ فيه، ومثله كُتّاب عظام، بددوا طاقاتهم، في سبيل كسب العيش، وحياة الكفاف، في بلد يجني سماسرة السوق وباعة الدولار ورجالات الدين ثروة في لمح البصر، لم يحلم بها قارون، باستغلال النفوذ والسلطان والمكر، وصاروا، وهم سراق الشعب، أبناء بررة في البلاد، تكرِّمهم الدولة، ومؤسَّساتها، كل أسبوع، وقد جنوا مالهم، من وسائل كسب طفيلية، لا علاقة لها بالصناعة والزراعة، سبل أنانية، نفعية، ضارة بالحياة، وسعت فتوق المجتمع الأسمر الطيب، المتآخي عبر قرون طوال، إلى طبقات في الثرى وأخرى في الثريا، تركت الريف وأمصاره صحراء جرداء تنعق فيها البوم، وتصفر الرياح، ورحل أهلها، حفاة ومشاة، إلى هامش المدن، وتركوا خلفهم، بأسىً عظيم، ذكرياتهم وقبورهم.

    تقسو بلادنا (التي لم تتشكَّل بعد، كدولة أو كيان، أو هوية، أو حلم وطموح)، على أي عبقري يمرّ بترابها، يموت ألف مرة في اليوم، كلهم أعدمتهم بالإهمال، أو بسيف الهوس، أو النسيان، أو المحاكمات (التجاني، جماع، معاوية، نجيلة، محمود، عبدالخالق)، وغيرهم من شموس كانت ستنير للأمة دربها نحو الحرية والعلم والحب، ولكن طباع الاستبداد، بكل أشكاله، الظاهرة والمستترة، أقصت تلكم المواهب، فالعداء الفطري بين الظلمة والنور لا يجتمعان أبداً في أرض واحدة.

    لاشك، مرّ الرجل المخضرم بمخاض عسير، فتعدُّد مواهبه، جعله أسيراً لها بين عالم لغة، ومفسر قرآن، وشاعر «جاهلي»، وسارد عظيم لأدب الرحلات، ومؤلف عظيم في أدب اللغة، قوس قزح من المواهب، جعلته ضالاً، محتاراً، في أي طريق يسلك، أو جبل يصعد، أو وادٍ ينزلق.

    أظنه خطأ قديماً، يعود إلى غبار التربية الأولى، وصدأ قيم تعلي شأن فن على فن، كما جرى لبلادي في عشق الشعر والشعراء، ولكنه عشق جعل كل فنان يحرص على كتابته، لسهولة الأمر والنشر. وهذا ما جرى للعلامة العظيم عبدالله الطيب، ولكن بخسارة أقل، إذ لم ينحَزْ للشعر كلية، ولكنه أفنى وقتاً عزيزاً في صنعه، كان أولى به فن آخر كالسرد والحكاية، اللتين برع فيهما.

    ماذا كسبنا من اهتمامه بالشعر الجاهلي الذي سَطَّره وكأنه في بادية المعرة، أو راعٍ في وادٍ بذي سلم؟ وماذا خسرنا لإهماله أدب الرحلات، وهو من أساطينها بما يملكه من قوة ملاحظة ومقارنة وتهكُّم وحنكة وسلاسة لغة وعشق للحياة بكل صورها، وبساطة تحليل فطري يمس جوهر المتلقي والقارئ، ويفتح شهيته لرؤية دار الإفرنج، أو شمال بلادي، أو سفينة هولندية في الأربعينات، كما سطر في أدب رحلاته الفريد؟ ولكن ندامة الكُسَعي، تعترينا، فقد عضَّ إبهام موهوب في أدب الرحلات حتى بتره كان سيكون له أثر فريد في إثراء هذا النوع العتيق من الأدب، ويظهر ذلك جليّاً في كتابيه «من نافذة قطار»، و«من حقيبة الذكريات»، وهما يؤرَّخان لفترة هامة من تاريخ السودان، وإنجلترا، وأحداث العالم إبان الاستعمار، في الأربعينات والخمسينات، مما يدخله كمؤرخ أدبي واجتماعي للحياة السودانية، وحياة الإنجليز وقتها. وأرضها التي لا تعرف الغروب أو حتى الشروق.

    ففي كُتَيِّبه الرشيق العبارة، الودود الإشارة «من حقيبة الذكريات» ملأ الصفحات بمداد قلمه الأسمر، كي نسوح معه في تلك الفترة الهامة من تاريخنا وتاريخ بلادنا وأهله، ومثقفيه، فقط سَطَّر، وببراعة بسيطة، بلا تكلُّف، وبعين سودانية تستكشف الخصم في عقر داره، طرائق تفكيره، معيشته، حياته، نحن في نظرهم، وهم في نظرنا. وللحق، كتبها بروح معتدّة بذاتها، رغم سخريته من أبناء جلدته، كما يتراءى، وكأنه يحس بعبقريته، وأصله، وفصله، يبدو وراء السطور اعتداد جلّي، رغم مكر السخرية، منهم ومنا في تلك الحيوات ما قبيل الاستقلال. وينبري التهكُّم، حين تحاول صرامة الإنجليز وتقاليدهم، لترويض بدواة مُحَبَّبة، ومتوثِّبة بألف حكمة مغروزة في شباب سوداني جاء من بداية المجذوب، إلى لندن التقاليد المرعية بحسبان في البسمة والضحكة والجلوس والأكل، بل لكل طقس من هذه الطقوس من الأحكام ما يجعله مارشاً عسكرياً.

    تظهر في هذه (الحقيبة)، بساطة الحكي، مع إقحام شعر شعبي وجاهلي وعباسي، وفيها ولع بالتفاصيل، ومقارنة بين الحياة السودانية الفطرية والحياة الإنجليزية المعاصرة والمعقَّدة.

    ورغم أصوله الصوفية ونار المجاديب التي تشتعل في قلبه، إلا أن كتابته كانت متحرّرة من هذا الإرث الصوفي والتقاليد الإسلامية والسودانية، فقد كتب بفطرة شاب لا يأبه سوى لما يرى. وقد يكون حينها ظاناً بأن هذه الذكريات مُجَرّد (جوابات، ورسائل)، لأصدقائه، أو لمن يعرف القراءة والكتابة حينها.

    ومن هذه (الحقيبة) نشعر بالتناقض العجيب بين تعقيد شعره «الجاهلي» وبساطه كتابته النثرية، والسردية. كأنهما شخصان، لا شخص واحد، ففي شعره الجاهلي، كان شاباً مولعاً بالألغاز، وإثبات ضلوعه اللغوي الفذ، (إعرابي يسير في شوارع باريس، أو لندن بحماره)، كما نُسب إلى طه حسين.

    سَطَّرَ أدباً قديماً، أمام تجارب شعرية حديثة مثل البارودي والسياب ونازك والمجدوب والتجاني. فأشعاره لم تخلّد لابتعادها عن لغة العصر، من حيث اللغة الجاهلية، والألفاظ التي لا توجد إلى في مختار الصحاح، والقواميس التي استعملها جرير والحطيئة، وذات الأسلوب العروضي، مع ميل إلى تقليد مصطنع، جعل عامة الناس وخاصتهم، بمنأى عن اجترار أشعاره وحفظها، وخلوّها من تلك القشعريرة الجمالية التي تباغت قارئ الشعر، وتلك الغبطة التي تصيب المتلقي حين يُتلى الشعر أو يُقرأ.

    إن العبقري عبدالله الطيب، كان سيكون بطل الإمتاع والموانسة، فحديثه العذب، الشامل يسحر مستمعه بما فيه من رنّة جرس ولطف حكاية وبساطة حكي وعشق للحياة ونزواتها وبركتها، فأدب المؤانسة أدب قديم، ليته تمادى وأسرف في كتابته النثرية. وللحق، خسرنا روائياً عظيماً، يملك مقدرات مذهلة، حرمنا منها بانشغاله بشعر، لا أرى له جدوى، بل ليت فرَّغَ وقت كتابته للحكي، والنثر، أو حتى الحكي الشفوي. ما أعذب لسانه، وقلبه!.


    Quote: الإصابة بالشغف

    ديمة الشكر

    كان عبد الله الطيب مجذوب (1921 - 2003) في عقده الرابع حين ألّف واحداً من أهمّ المراجع النقدية في معرفة الشعر العربي وأضخمها في القرن العشرين: «المرشد إلى فهم أشعار العرب وصناعتها». فهذا السِفر الضخمّ المؤلّف من خمسة أجزاء نُشر للمرّة الأولى في القاهرة عام 1955، وأعيدت طباعته أربع مرّات، كانت آخرها في السودان عام 1991. وقد نال عبد الله الطيب على كتابه الفريد هذا، جوائز عديدة، منها جائزة الملك فيصل العالمية، ومنها ما يروى عن غرام الشاعر المصري أمل دنقل بهذا الكتاب، الأمر الذي كان يدفعه إلى زيارة دار الكتب المصرية يوميّاً كي يقرأ فيه، إذ كانت طبعته قد نفدت من الأسواق. لكن الجائزة الأهمّ كانت في سعي عميد الأدب العربي طه حسين إلى نشره (لذا نُشر أوّلاً في القاهرة) وتقديمه بقلمه البديع الصحيح: «هذا كتابٌ ممتعٌ إلى أبعد غايات الإمتاع، لا أعرف أنّ مثله أتيح لنا في هذا العصر الحديث». ولعلّ سراً وحيداً دفع العلامة الشاب إلى كتابة أزيد من ألفين وثمانمائة صفحة عن الشعر العربي، وليس لهذا السرّ إلا اسماً واحداً هو الشغف.

    أثار عبد الله الطيب في كتابه مسائل دقيقة تتعلّق بأصول الشّعر العربي وبأوزانه، وبالتناسب بينها وبين الأغراض الشعريّة. ومن الصحيح أن بعض الباحثين اهتمّ بهذا التناسب وناقش الكاتب في وجهة نظره، إلا أن «نظرية» عبد الله الطيب مجذوب في ما يخصّ أصول الشعر العربي، لم تلقَ حقّها من البحث والدرس. وعلينا ألا ننسى أن هذا الكتاب قد صدر في منتصف الخمسينيات من القرن المنصرم، في وقت لم يكن فيه من بحوث ودراسات تهتمّ بهذا الجانب الشيّق من تاريخ القصيد وإرهاصاته، وتمزج من أجل سبره والبحث فيه علميّ البلاغة والعَروض، فضلاً عن مقارنة ولو طفيفة، بين العَروض العربي من جهة والعَروضيْن الفارسي والإغريقي من جهة أخرى، بالإضافة إلى الانتباه إلى توزّع القبائل العربية وعلاقة ذلك بانتشار البحور الشعريّة. ومما لا شكّ فيه أن دراسة عبد الله الطيب مجذوب في جامعة لندن وحصوله على شهادة الدكتوراه من معهد الدراسات الشرقيّة والإفريقيّة، أتاحت له التفكير والبحث في أصول الشعر العربي. ويظهر ذلك في الفصل المعنوّن بـ «التقسيم» من الجزء الثاني من كتابه. حيث ينطلق من علم العَروض ليبيّن دور العَروض والضرب والقافية في التأثير على القراءة الجهرية للأبيات الشعريّة، مستفيداً من دور التضمين (أن تتعلّق القافية أو لفظة مما قبلها بما بعدها) في ذلك، لينفذَ بعدها إلى ما اصطلح على تسميته بـ «المقابلة التقسيمية أي المقابلة بين دقّات الوزن ودقات المواقف والاستراحة للسان». وبعد ذلك سيفصّل في التقسيم، وسينظر في مصطلحات البلاغيين القدامى الذين نظروا إلى الأمر عينه، لكنهم وضعوا مصطلحات مختلفة تخصّ المعاني والتراكيب البليغة، وسيمزج ذلك بحدسه النقدي الخاصّ الذي سيمكنّه من الكشف عن العلاقة الدقيقة بين التراكيب النحوية في البيت الشعري وعلاقتها بالأوزان، وتأثير ذلك على الإيقاع، وهو ما سمّاه بـ «التقسيم والموازنة»، حيث سيبيّن أن تطوّر التقسيم والموازنة أفضى إلى شكل القصيد، وذلك من خلال ستة أطوار هي «المراحل التي مرّ بها نظم الكلام العربي من الموازنة اللفظية إلى الصياغة البحريّة القافوية المحكمة». وفي كلام أوضح، فإن عبد الله الطيب وضع للمرّة الأولى في اللغة العربية بحثاً ينظر في الأشكال السابقة على القصيد وكيف تطوّرت لتكوّنه أي من «السجع الموزون إلى التسميط المحكم» بتعبيره وصولاً إلى القصيد. أو بكلام «معاصر» من سجع الكهان والرَمل والرجز (كأشكال شعرية لا كأسماء البحور المعروفة) وصولاً إلى القصيد وقد اكتمل، ما مكّن الخليل بن أحمد من استنباط أوزانه ووضع علم العَروض. وقد فعل عبد الله الطيب ذلك من خلال أمرين: معرفته الواسعة بالشّعر العربي وحدسه النقدي العالي، إذ لم تكن كثير من الكتب التراثية قد تحقّقت، خاصّةً كتب علم العَروض التي تشير في مقدّماتها إلى ما هو خارج عن أوزان الشعر العربي عبر أمثلة تسبق القصيد، وكذلك الكتب التي دوّنت وحفظت ما سبقه، ككتاب قُطْرُب «الأزمنة وتلبية الجاهلية» على سبيل المثال لا الحصر. ومن الصحيح أن عبد الله الطيب يخالف غالبية البلاغيين القدامى في ما يخصّ أسبقية القافية على الوزن، إلا أن اطلاعه على بعض الدراسات الإنكليزية التي تخصّ التراكيب البلاغية في التوراة والإنجيل، مكّنته من «تعريب»، إن صحّ التعبير، مفهوم التوازي PARALLELISM، (وهو ما سمّاه الموازنة، وكانت العرب تعرفه قديماً وسمّته الازدواج)، والاستناد إليه في تحليل تطوّر شكل الشعر العربي، من دون أن يهمل تماماً جهود البلاغيين القدامى في الإشارة إلى أثر الترصيع والتجانس اللفظي على الإيقاع. بيد أن عبد الله الطيب يتقدّمهم أكثر ببحثه هذا، عبر ربط الترصيع وسواه من التراكيب البلاغية بوزن البيت الشعري. وفي كلامٍ مختلف، فإن الربط بين علميّ العَروض والبلاغة في تحليل شكل القصيد، سمح للعلامة كتابة أوّل بحثٍ علميّ ينظر في أصول الشعر العربي. من الصحيح أن المصري محمّد عوني عبد الرؤوف قد بحث في ذلك في كتابه «بدايات الشعر العربي بين الكمّ والكيف» إلا أن ذلك كان في منتصف السبعينيات من القرن العشرين واقتصر على البدايات، هذا من جهة. ومن جهة أخرى فإن نزاهة العلامة عبد الله الطيب وسعة إطلاعه، أتاحتا له أن يوسع زاوية النظر، ليثير مسألة مهمّة، إذ يرى أن اللغة العربية تتميّز عن أختيها من اللغات السامية أي العبرية والآرامية بأوزانها الشعرية الوفيرة، فيسأل عن تأثّر العَروض العربي بما هو خارج اللغات السامية، أي تأثّره بالعَروضين الفارسي والإغريقي، مرجّحاً كفّة الأوّل، ومقترباً من واحدة من أهم المسائل التي نظر فيها بعض المستشرقين: «وقد كان أهل مشرق الجزيرة العربية من قبائل ربيعة وتميم وإياد، هم أوّل من نقل الوزن عن فارس فيما أرى... كما كان أهل الحجاز هم آخر من استعمل الوزن، وإنما أخذوه من جيرانهم من المجموعة التميمية». إذ إن النظر إلى توزّع القبائل في الجزيرة العربية وأثر ذلك في انتشار بحور الطويل والبسيط والوافر والكامل، أكثر من بحور الخفيف والمتقارب والمديد والمنسرح، قاد عبد الله الطيب إلى الشاعر عدي بن زيد المولود في الحيرة، صاحب اللسانين العربي والفارسي، وأوّل من كتب بالعربية في ديوان كسرى، فحدس قائلاً إن «الشعر الموزون بدأ في مشرق الجزيرة وانتقل بعدها إلى الحجاز»، إذ كان يظنّ إن القصار من البحور والأقل استعمالاً، هي الأصل قبل تقصيد القصائد على يديّ المهلهل خال امرئ القيس أو خال الجاهليات الجليلات إن جاز التعبير. مما لا شكّ فيه أن بلاط الحيرة مثّل مكاناً ممتازاً لالتقاء العربية بالفارسيّة، بيد أن الدراسات الحديثة التي تنظر في العَروضين العربي والفارسي، تبيّن أن لغة الضاد سليلة اللغـات السـامية الأكمـل، تختلـف اختـلافـاً بيّنــاً عن الفارسية سليلة اللغات الهندو-أوروبية، من هنا يختلف العَروض بين اللغتين، فما هو كثير الورود من البحور في واحدة، قليل الورود في الثانية، لكأن العروضين متعاكسان. مع ذلك فإن حدس العلامة تجاه بلاط الحيرة وتوزع القبائل في الجزيرة العربية، مكّنه من فتح البحث العلمي العربي في ما يخصّ الشعر وأصوله على المقارنة والإحصاء والتحليل المتفلّت من تأثير قدماء البلاغيين. فقد نظر عبد الله الطيب إلى «ديوان العرب» بعين طازجة وجريئة، تعشق التراث ولا تقدّسه، بل تخضعه للتحليل المحبّ الحريص. تحليل غنيّ آسرٌ فاتن، ممتلئ بالشغف والحماسة، حدّ أنه متّع عميدنا طه حسين في الخمسينيات من القرن المنصرم، وما زال إلى اليوم يمتّعنا ويقدح فينا شرارة الشغف بالشعر العربي.
                  

09-16-2013, 03:10 PM

صلاح عباس فقير
<aصلاح عباس فقير
تاريخ التسجيل: 08-08-2009
مجموع المشاركات: 5482

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مجلة الدوحة لشهر سبتمبر تحتجزها الرقابة (Re: ود الخليفه)

    شكراً جزيلاً ود الخليفة،
    مادة دسمة،
    لا يستغني عنها قارئ سوداني معاصر!
                  

09-16-2013, 04:12 PM

محمد حيدر المشرف
<aمحمد حيدر المشرف
تاريخ التسجيل: 06-20-2007
مجموع المشاركات: 20348

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مجلة الدوحة لشهر سبتمبر تحتجزها الرقابة (Re: ود الخليفه)

    كتر خيرك على هداياك هذه يا ود الخليفه ..
    سأهود السبت للقراءة ان مد الله في الآجال ..

    ..
    بمكتبتي رواية مؤجلة برسم القراية لرانيا المامون ..
    عنوانها ابن الشمس ..
    تصفحت قسما منها و انوي قراءتها قريبا ..
    يبدو انها كاتبة ممتازة !!
                  

09-16-2013, 09:38 PM

عبدالغني كرم الله
<aعبدالغني كرم الله
تاريخ التسجيل: 07-25-2008
مجموع المشاركات: 1323

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مجلة الدوحة لشهر سبتمبر تحتجزها الرقابة (Re: محمد حيدر المشرف)

    تسلم ود الخليفة الحبيب...


    ولكن، هذه البلاد تحرم الماء والهواء عن شعبها، ناهيك عن مجلة، يخوض ملفها عن الأدب السوداني، ..


    هذه بلاد خارج التاريخ المعاصر...
    ولي عودة، مساهرين في جلب الماء، تصور؟ في احياء الخرطوم..


    محبتي..
                  

09-17-2013, 05:32 AM

عبدالغني كرم الله
<aعبدالغني كرم الله
تاريخ التسجيل: 07-25-2008
مجموع المشاركات: 1323

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مجلة الدوحة لشهر سبتمبر تحتجزها الرقابة (Re: عبدالغني كرم الله)

    ...
    عبدالله الطيب، ولد وبيده طبق من لغة..
    (كرتوم ده، أكبر دار مسنين في آآلم كلووو)..

    (في أنتظار أن يصحو التعايشي، ويصعد الشيخ صديق أحمد حمدون المنصة)

    بقلم: عبدالغني كرم الله

    (1)

    (الكرتوم ده واللاااهي أكبر دار للمسنين في العالم كلووو)!!

    هكذا قالت جريزلدا، زوج العلامة ولكن لم قالتها؟، ولم صفقت القاعة كلها؟، فلها حكاية وقصة طويلة، مطوية في متن هدا المقال المتواضع، الوصفي، فلنستغفر الله، ونرفع الكف، كي نعان في صلاة الوصف، وما أصعبه، (مثل نطق الخرطوم)، وكم يرهق نطق حرفي (الحاء، والخاء) العجم، فقد حكت رحالة انجليزية زارت القدس في القرن التاسع عشر (مهما هصرت لساني تحت حنكي، غلبني أن أنطق الهااا)، وهي تقصد الحاء. قالت بأنها هرست لسانها، تحت حنكها، وحين لم تستطيع نطقه، هرسته بأصبعها أيضا، (أي لسانها)، ثم من جوف حلقها أخرجت الهواء قويا، عسى ولعلى تصنع ايقاع حرف الحاء،، فخاطبها السماع ب"هااااااء بينة.

    يقال بأن نطق كلمة ( مدينة الحصاحيصا)، كان له شأن عظيم، في كشف أهل القرن الافريقي الكرام، من الأحباش، والارتريين، حين تشابهت الملامح، بيننا، وبينهم، حد وقع الحافر للحافر، (فتأملوا سني أكسوم الغابرة، حتى النقعة وسوبا القديمة؟ ولكنه الجور نحو الأيام الخوالي، ولكن "الضل/الظل، ما بندفن"، كما قال شاعرنا الشعبي، المخضرم، ود الرضي، فلندفن تشابه المحيا والفم والأسارير، بيننا، وبينهم، أن كنا بقادرين) ولم يبقى سوى حد الحاء، فاصلا بيننا، وبينهم، حين كان نميري ثم من بعده هؤلاء، يحرمون شعبهم، وزوارهم من دول الجوار، من أكل خشاش الأرض السمراء الواسعة، فغضب الله عليهم، واغلق مصنع نسيج "الهسهيسا"، ليوم الناس هذا، لم يطعمونهم ولم يتركونهم يأكلون من خشاش الأرض، "ولكم في القصاص حياة، يأ اولى الألباب" فقد حبس أهل القرن في معسكرات، وحبس أهل البلاد، في بيوتهم، بلا وظائف، أو داخل البلاد، بلا تأشيرة خروج، فقط للحروب والصفير والصراخ في مواكب النصر المزيف داخل البلاد، مثل تلك القطة، المكلومة (لم تطعمها، ولم تتركها تأكل من خشاش الأرض)!!...

    ويا هسهيسا، حفظك الله من شر غاسق إدا وقب... وما أكثر الظلام حتى في كبد الظهيرة، في بطنك أيتها المدينة النيلية الطيبة، فقد كسى عرقك أجسادنا بالدمور والدبلان، وتعرقت صدور فلاحيك، في عرض البلاد، وطولها، بما نسجته أكف رجالك، وأنامل نسائك، فشكرا لأهلك العطالة اليوم، في استراحة محاربين، لفجر أبلج، عادل، حنون، وطيب، سيشرق لا محال، "وعلى نطقها جنت الحصاحيصا، على أهلها، وزوارها الكرام، البررة...

    في انتظار أن يصحو التعايسي، ويصعد الشيخ صديق أحمد حمدون إلى المنصة:

    قدم عريف الحفل، وهو ضليع في اللغة، برنامج الجلسة الأولى، أي كلمة كانت تأخد تشكليها، رفعا، وضمة، وسكون، وشعرت بأنها، أي اللغة، لها الحق، أن تفتن الشعراء في البدء (التلاعب اللفظي، لأكثرهم، حتى يرتعوا بعد حين في لغة المعنى الكامنة)، مثل تلاعب ألفاظ، (فقست بيضة الدجاجة البيضاء، عن كاميرا ملونة، بها ثلاث صور لدودة، و###### جائع، وطوة في قلبها زيت يغلي ومح بيضة، من علم البيض، وهو في بطن أمه، الحلم والخوف والكابوس؟)!!..

    العود أحمد، فدنياوات الحكي، عن العلامة كثر، أخرجني عريف الحفل، كعادة من يسرح، طبع فيني، وعدت له، دون أن تفوتني كلمة، أظن البرق يعطي سرعته لومض السرحان، فتحوم في أفاق مالذ وطاب لك، وترجع، ولم يفتك شئ، (فللوقت سرعات، كثر)، مثل المائة سنة للحمار، واليوم الواحد للطعام ( كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آَيَةً لِلنَّاسِ" سورة البقرة، أية، 259، فما أعجب مشي الوقت، لحمار وشراب في آن، مائة سنة، تساوي يوما، أو بعضه" كانت الدراسة الأولى، كما قلت، هي إضاءة في سيرة عبدالله الطيب، وزواجة الميمون، "من شرق يحن للغرب"، السيدة جريزلدا، يقدمها البروفيسور عبدالقادر محمود، وتعقبها مداخلات، ثم ورقة "سيرة عبدالله الطيب من منظور أدبي، يقدمها الإستاد مصطفى الصاوي، وفي البدء آيات من القرآن الحكيم يتلوها عليكم الشيخ صديق أحمد حمدون..

    خلفي تجلس شابات، صغار، أظنهن من جامعة الخرطوم، والظن إثم، وهن خير دليل للأنقطاع المعرفي بين الأجيال، كانت أحداهن، تتلفت يمنة ويسرى، في أنتظار أن يصعد الشيخ، المقرئي، الشهير صديق أحمد حمدون المنصة، وهو المتوفى قبل أن تولد، حيث رحل إلى قصر قبره عام 1985م، كانت تراقب رجل عجوز، بجلباب أبيض، كان يبحث عن كرسي، في مؤخرة القاعة، وحسبته المقرئ المبارك، وأظنها امتعضت لتأخره في الصعود، "قد تكون على موعد، أو موطنها ببعيد عن الجامعة "بعد تصفية سكن الجامعة القريب كي لا يعود هناك تجمع، ووقت فراغ للفكر والتأمل والمعارضة، بل يبدد الوقت في الطريق من/إلى الجامعة"، حتى علا صوته الحنون، القروي، وهو يتلو آي الذكر الحكيم، من تسجيل قديم له، رحل بنا صوته المحب لما يتلوه، للتفسير البسيط، الذي طال قلوب وعقول وعقود، من عمر بلادي، تفسير العلامة مع تلاوة الشيخ، ثنائي نغم روحي، للفلاح والتربال والأمي في اصقاع بلادي الكبيرة مآلا "الصغيرة حالا" بكيدهم..

    جرى الحدث، لنكتة، طريفة، وقد تكون واقعة جرت، فما أعجب حال بلادي، عن زيارة بعض طالبات البلاد، لمتحف (بيت الشيخ عبدالله التعايشي)، في أمدر، وبعد أن تجولن في البيت الكبير، همست طالبة في الطابق الثاني (لبيت الطين)، وسألت أختها "الشيخ التعايشي نائم ياربي" لأنها لم تجد الشيخ التعايشي، في قصره، كي يكرمهن، ويجيب على اسئلتهم، وللحق كلاهما حي، الشيخ صديق حمدون، والتعايشي، وكل بطريقة حي في خواطر العباد، وارشيف التاريخ، ومختبرات الدرس والفحص في كليات العلوم والتاريخ والأدب.

    أين الزهد في بيت عبدالله التعايشي؟ وأين الشجاعة؟ فهناك دولايب، وأسرة، وممتلكات، وغرف، حتى بلغة اليوم باذخة؟ أما الدرع الحديدي، المنسوج لحماية الأمام، فقد قال عنه المفكر السوداني، أستاذ محمود محمد طه حين زاره (مهدي وخواف)، لأن المهدي يرى الله، في كل شئ، ويطالعه يقينا اسم الله "الحافط"، وهو من يحفطه، بل يرى العالم سلاما، كله، فهو رسول محبة، وجمال وليس دروع، وسيوف وكلاب (من قال لو لا ال###### لدخل اللص فقد أشرك)، خرجت الفتاة السعيدة من القصر الطيني، دون أن ترى الشيخ عبدالله التعايشي..

    أظنها قطعية مقصودة، ولو بمكر العقل الباطني لحكامنا، وسلاطين الثقافة، أي وزرائها الكرام، ما بعد الاستقلال، صرنا (منبتين)، فلا أحد يعرف جماع، ولا التجاني، ولا أستاذ محمود محمد طه، ولا نقد، ومن هم أبطال التاريخ الحديث، ورجالاته، وقعت وصاية ما، على كاهل الشباب، في ألا يعرف تاريخه كما هو، وليس كما يسطر المؤرخ الملتوي، أتركوهم والتاريخ، فلهم عقول، مثل ما لكم، أن لم تكن أعمق وأعقل، كي لا نفتن كل يوم في تصور للهوية، أو توزيع للثورة، والسلطة، كما يجري الآن، لاعلاقة لها بالواقع المعاش...

    بل صار العسكر الجدد، يمنعون تأمل ما جرى في زمان العسكر الأقدم منهم، (أياك أعني، فأسمعي ياجارة، والجرح لا يزال يندلق من زمن عبود، ومايو، كما الآن، فليس التاريخ سوى لحظات تمسك ببعضها، وأي لحظة ولو حدثت قبل عاد، تؤذي، وتورث أكاذيبها، أن لم تفند، وتراجع وتصحح، وقيل ( أي خطأ يقع، لا يورث حكمة في النفس، يتكرر، ويعيد نفسه مرارا) وها نحن، (كأننا يا سعد لا رحنا، ولا جئنا)، محلك سر، فأتركوا الشباب وتاريخهم، يفحصوه، ويدرسونه، بمهل، وصدق، بعيدا عن الوصاية، والأكاذيب الكبيرة والصغيرة، والتي وقع فيها أغلب المؤرخين، فصارت لنا هويات بلا هوى وعشق، بلا ليلى، ومات شباب نضر، بحروب سنها الأجداد، وهم لا ناقة لهم فيها ولا بعير، تسن القبور السكاكين، وتشعل الحرب، وتدفع الأرحام أطفال يشتد عدوهم في أتون البغض والكراهية، وفي ريان شبابهم، تدفعهم تلكم القبور التي بين الجماجم، للموت، وكأن الماضي هو السيد، فلنضع الحصان أمام العربة، كي يقود فرس المستقبل الحياة، وليس ماضيها، فالخيال أمير الغد، وليس الذاكرة المهترئة، وهو لاشك، (أي الخيال الحليم، النقي، المنشد للحق)، سيقطف حتى من الماضي، من يصلح للغد، أن لم يكن غد، هاجر للماضئ، كبعض العبقريات الإنسانية، التي تسبق وقتها، ودوما، تسجن، وتذبح على رؤوس الأشهاد، ولنا في تاريخنا، ما يغني عن المثال، بل نقتل أكثرهم بالأهمال، والسخرية، وهم أحياء.

    ليت الشيخ صديق حمدون أعتلى المنصة، فهو حي في صريحه المعمور، وليت التعايشي استقبل البنات هاشا باشا، رغم وعورة تاريخه، وملابساته، فاتركوهم وشخصه، فلو عاتبوه فلهم الحق، ولو قالوا أن كان منك بلا خطيئة، فليرمه بحجر، فأهل مكة، أدرى بشعابها، ولكن أياكم أن تنصبوا لهم موازين الكره، والحب بأيديكم، فما حك جلدك مثل ظفرك..

    العود أحمد، نرجع لظلال العلامة:
    كنت خمسة سويعات في حضرة العلامة، كانت في قاعة الشارقة، زوجته السودانية الانجليزية، كانت هناك، وكانت خير برهان، لجمال وتنوع هدا الرجل الفريد، وصفية قريبته، جاءت من التميراب، ورجال من بلاد نجيريا، وأصحاب من سلطنة عمان، فقد كان العلامة حرا، يصلح أن يكون نموذجا للشخصية السودانية، النظيفة، المتواضعة، السمحة، التي طمستها في أخر العقود السنوات العجاف، إسلام الأفاق، وليس النفوس، وحتى في الأفاق مظهرها، حين كان الدين في وطني يعنى بالداخل، بالباطن (نفسي يا متعالي، تبقى تحت نعالي، مدعنة وطايعالي)، أو في حكمة العبيد (الدقة صدرو شيطانو قدرو)، ولكن أنحرف الدين من بواكير العباسين، وقبل الامويين، حتى صار دين فقه، وليس دين تربية وسلوك، وغرف من أغوار النفس، وما أغناها، ولكن، ولكن، في تلكم النفوس كان الله حاضرا، حتى في الاختلاف، فلا أنزعاج من تجلياته في الشر والفضيلة (أقام العباد فيما أراد)، ولكن، جاء أقزام الدين، وأبطال الدنيا، فسرقوا الدين باسم الدين، فشحموا، وكنزوا، وسافروا سياحة " للنفس، لا لله)، في بلاد العالم، والشعب جائع، ويدرس ابنائهم في أعتى جامعات الكوب، ولكن الله هو المعلم يا هؤلاء، خلق الانسان، علمه البيان، سيتعلم انباء الشعب، ولو في الفقر والأمية، (عمق احساسك بي حريتك، يبقى ملامح في دريتك)، وتلقى مرادك والفي نتك، ونية الشعب حياة حرة كريمة، عادلة، جميلة،....

    لله در الحديث عنه، يأبى إلا أن يجر النفس، لحديث هنا، وهناك، فقد كان هو يفكر بطريقة دائرة، كما عهدنا، حين يحكى في المدياع والتلفاز، حديثه ممتع، يحلق ويشرق ويغرب، دون ملل، كم كنت أحب مجرد نقطه للأحرف، للكلمات، للجمل، أحسه بين لسانه كحلوى، يتدوق الكلمات العربية كأنها بلحة بركاوي (قيل بأنه يحبه)، لأنه يعرف فصلها، وأصلها، ومشتقاتها، وبناتها، وقدراتها اللفظية، وجرسها، ورمزيتها، ومن أي صوت أو طبيعة استقت (مثل زقزقة العصافير)، قال، وقيل بأنها استلت من صوت التغريد زالزقزقة، فصارت نعت، وكلم، وصفة معا، فما أسعدها، أقصد العصافير، صارت تتلكم لغة عربية فصيحة (زقزقة)، وكم شدني في كتابه الفريد (أظن اسمه قد ينفر غير الأكاديمي)، المرشد في فهم أشعار العرب، ولكنه أعظم كشكول للشعر العالمي والجاهلي والافرنجي والشعبي، وأعظم تداعيات في شأن اللغة، وأجمل خواطر شخصية، أحسه كتبه بحروف العبقري الذي يكره حتى أصنام المناهج، فيخرقها بعلم وتأويل، للأعمق، أسمعه يتحدث عن "الضمة، والسكون، والكسرة"، في شأن التنوين، والتشكيل، فيقول أنها أصوات كي تعبر عن حالتنا، في القوة، والبأس والإنكسار، واللطف، بل يقول بأن الكسرة وليدة الأنوثة، وتعابير الحياة الهشة، والضمة وليد شئون الحرب، الصغيرة، والكبيرة، كتاب ممتع بحق، وجرئ في مادة صارمة..

    كم كنت أحب قصص الأحاجي السودانية، للأطفال، (رغم عنفها حينا)، ولكن فيها سحر وخيال وتوظيف للهجة السودانية في بناء الحكم، والزجل، والجناس بصورة بلغية فطرية، وأكاد أجزم بأن قصة (أخدر عزار)، فيها إرهاصات الحلم بالتلفاز، والفيسبوك، لدى جدودنا العظام، فالحلم هو السراج الدي يضئ للأدكياء طريق الغد، ووقائع الغد، فقصة أخدر عزاز، فيها مرآة، حين تنظر لها يراك الساحر ولو كنت في الوقاق واقع، ويتابعك، بل تحضر له، (ألم يأتي ميسي، وشكسبير، وجوليا روبرتس، إلى غرفنا؟ أليس تلكم هي بركة التلفاز، وكم أمتعنا بموهبته الفدة؟ شكرا للخيال، وليته يجد (أي الخيال)، الأذن والقلب الواعي، الصاغي، كي يحيله واقعا معاشا، فلم يخلق الخيال ترفا، ولكنه الغد، (في لبوس وهم وغيم، وضوء في الضمائر)،، وهناك من يقبض الضوء لأنه مادة، ويوقفها، (في مراكز بحث، أو ثقافة تشجع الإبداع، بكل طيفه)، وهناك من يصيبه الوهن، من الخيال، بل يكفره، ويزجره (كجزء من الشعوذة، والتنبوء بالغيب)، ورحم الله عباس ابن فرناس، عاش ملوما مدحورا، (حتى أنصفه الأخوان رايت)، أما قصة (رين يارين)، وهي عن "الطبل الكبير"، ومن أي جلد خلق؟ فأترككم لقراءتها، كي تدركوا من أي جلد شدت طبلتها، وليت من ينقر عليها ألا يكون أشترا (ما دنب جلد الطار، لو دقوا فيه شتر)،؟ بلى ما دنبه، وما أكثر النقرات الشتراء، على طبول أعلامنا، وعقولنا، وليتنا نعيد صياغة تلكم الاحاجي التي جمعها العلامة، من أصقاع بلادي، ووسطها، ونعيد قراءاتها، وصياغتها لطفل اليوم، على هدى قيم السلام، والمحبة، والتعاون.

    ما أوسع بحره، والشئ بالشئ يذكر:
    كان العلامة، رجل متدين، تزوج أفرنجية، ويصادق السكارى، والدروايش، ويدخل بارات لندن مع صحبة دون استياء، وتزوج ببريطانية، أسكنها الدامر ثلاثة أشهر كرام، وهي أعجبت بالبلاد والعباد، ورسمت بلون ريشتها جمال سمرتنا، وتراثنا، وأساريرنا، كان هناك معرض لها، خارج القاعة، وصور له، له تشع من عينيه النجابة والدهاء الطيب.

    في المعرض، المواز لحلقات الدرس، للفنانة جريزلدا، تعجبت من سر العادة، فينا، فكم رسمت أشياء وزوايا، في حياتنا، نمر بها مرور الكرام، لعمى العادة، وصمم التعبير، ولكنها هي فتنت بها، فتنة قيس وليلى، فرسمت كل شئ بدهشة، البروش، الصلاة، قعدة البن، وجبر الخاطر في العرس والمرض، نساء حول مريض، أو عريس، كأنها مثل قيس، حين أصر، بأن زيارة قبر ليلى، نسك من مناسك الحج، والعمرة، وقد صدق...

    تواضع عظيم، معبار؟ أم مقاس؟..

    حكى ساعي البريد، العامل مع العلامة، حكايات لطيفة، وجميلة، تظهر بأن الدكتور والعلامة لم يتأثر بأفرنجية الغرب، وكبريائهم كما رأينا في بعض مثقيفنا، أو حتى بنمط تعاملها "البارد"، في حرارة تعالمنا اليومي، الشعبي، بل حوى علمهم، ولم تزل نفسه نقية، وابية، كعادة أهله في الدامر، وبقية سرب المدن، في بلادي..

    حكى بأن العلامة أحضر له قماش، وقال له أنه مستعجل، (مدعو لحفل مساء اليوم)، كي يفصله، ويمضي به للخياط، وأحضر العلامة معه "معبار"، أي جلابية كي يخيط القماش بحجمها، وقال للساعي:
    شيل معاك المعبار دي،عشان يخطيها بحجمها
    فقال له الساعي: ده مقاس، ما معبار
    قال العلامة: لا، معبار..
    فرددت، لا مقاس
    معبار..
    لا مقاس، هكدا حاججه.
    فقال له العلامة: (خلاص أمشي وديها الخياط، وتعال علمني اللغة العربية بعدها)..
    فضجت القاعة بالضحك، كما حكى عن (شاي لي سيادتو)، فقل في بدء أمري، في أول يوم حضرت للعمل، قال العلامة لعاملة القديم اعمل شاي لي، ولي سيادتو، فلم أحضر الشاي، ظلتت جالسا، وخاطبني العلامة، لم لم تشرب الشاي، قلت له منتظر "سيادتو"، فقال لي : أنت سيادتو، كما حكى عن نفر كريم يأتي لمكتبه، ويلطب من الدكتور شاي، لبساطة ملبسه، وظنوه مجرد عامل، وكان يصنع لهم الشاي بكل أريحية وسعادة، مسكنة، جعلت النبي العظيم، يمتناها، أللهم أحييني مسكينا، وأمتني مسكينا، وأحشرني مع زمرة المساكين، فالسمت المسكين، يحث ويشعر أي انسان قربه بالأمن، ولن تجد حرجا، أن تطلب منه مساعدة، ولو أن يدفر معك سيارتك، أو يحمل معك شوال ثقيل للدار، تلك هي بطولات المسكنة، قضاء حوائج الناس...
    فاللهم، أحشرني مع زمرة المساكين.

    إن العبقري عبدالله الطيب، كان سيكون بطل الإمتاع والموانسة، فحديثه العذب، الشامل يسحر مستمعه بما فيه من رنّة جرس ولطف حكاية وبساطة حكي وعشق للحياة ونزواتها وبركتها، فأدب المؤانسة أدب قديم، ليته تمادى وأسرف في كتابته النثرية. وللحق، خسرنا روائياً عظيماً، يملك مقدرات مذهلة، حرمنا منها بانشغاله بشعر، لا أرى له جدوى، بل ليت فرَّغَ وقت كتابته للحكي، والنثر، أو حتى الحكي الشفوي. ما أعذب لسانه، وقلبه!.

    عبدالغني كرم الله
    الخرطوم، الأزهري


    ......
                  

09-17-2013, 11:02 AM

بدر الدين الأمير
<aبدر الدين الأمير
تاريخ التسجيل: 09-28-2005
مجموع المشاركات: 22929

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مجلة الدوحة لشهر سبتمبر تحتجزها الرقابة (Re: عبدالغني كرم الله)

    Quote: l مجلة الدوحة لشهر سبتمبر تحتجزها الرقابة

    شكرا صاحب النافذة
    ولالحجب المعرفة
                  

09-17-2013, 03:13 PM

عبدالغني كرم الله
<aعبدالغني كرم الله
تاريخ التسجيل: 07-25-2008
مجموع المشاركات: 1323

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مجلة الدوحة لشهر سبتمبر تحتجزها الرقابة (Re: بدر الدين الأمير)

    (فقرات من مقال طور الخلق).

    مجلة الدوحة
    حكاية عشق قديم

    (بسبب منعها من دخول الوطن، أين بشاشة وجهك للضيف أيها الوطن الحزين؟)..

    بقلم: عبدالغني كرم الله



    لم أعد، أتعجب من سلوك جدتي اليومي، كانت تحب ان تشم عرقي، وانا مقبل من لعب كرة القدم، كل عصر، أرجلي مغبرة، ورأسي منفوش كقطن أسود، وصدري يهبط ويعلو كصدر ضفدعة، حافي القدمين، وهي تصيح بحنان أعمق من الشعر (جيت يالمبروك)، ثم تضمني بقوة، وأنا أتلفت شوقا للزير الفخاري، والماء البارد، بعد عطش يجفف أثلاج اللسان.

    فقد أحببت، مثل جدتي، رائحة مجلة الدوحة، والعربي، وصباح الخير، وأنا طفل، حين يقتنيها اخوتي، أجلس خلف السرير، وأخي راقد يتصفح المجلة، أتابعه بقراءة أخرى، هي الفرجة، أرى مقالات عن افريقيا، والشام، والخيلج، صور ورسومات كراكاتير، لا افهمها، ولكن احب الصور، ورائحة المجلة، والتي لم تفارق أرنبي أنفي ليوم الناس هذا..

    كم كانت تخلبني الألوان الزاهية والصفحات المصقولة لمجلة، الدوحة، والعربي، بناء الصين، وأنا اتصفحها في يفاعتي ، ليت كل دول العالم تهتم بتوصيل ثقافتها لأطراف العالم البعيدة بوسيلة الكتابة والصورة، فالفضائيات وحدها لا تكفي ولا تترك مساحة للتأمل والتفكير المتأني، وشم روائحها، وعوالمها، حتى الطرق والانهر، المصورة فيها، أسمع تلاثغ أمواجها، ورائحة الطمي الناعم على ضفيتها، فما القراءة سوى حياة، ومعايشة ..

    شاء القدر الجميل، ان يحب أخوتي القراءة، (قراءة المجلات والكتب، في قرية بسيطة، قرب النيل الأزرق، ما اسعدني بهم، فقد أحسست، بأهمية المجتمع الصغير، أي الاسرة، في رفد الذات)، فكانت مجلات صباح الخير، وروز اليوسف، واكتوبر تحج للدار، أيضا، كل اسبوع، وكنت اشم كل واحدة على حدة، حتى قبل القراءة، كنت اجلس خلف اخي، وهو راقد في السرير، وأقرأ "الصور"، فلم أكن اعلم ماهي اللغة، وكانت تشدني صور روز اليوسف الأولى، وهي صفحة مكتظة بالصور، لممثلين، ورجالات دولة، واخبار الاثارة، (رجل ينام مع الثعابين)، وكنت اقرأ "الصور"، أكثر من أخي المشغول باللغة، وربما خاطب المنظر الناظر، بما لا يقال، ولن ينقال، فما أكثر القراءات، للشئ الوحد.....

    مجلة الدوحة، لها القدح المعلى، كان سعرها زاهدا، كالأشياء العظيمة دوما، ومتواضعة.. كنت احب، ولليوم "رائحتها"، فقد كنت اتلصق على اخي وهو يقرأها، واتابع الصور، وخاصة تلكم التقارير المصورة عن مدينة من المدن العالمية، وبالأخص في اسياء، وبالضبط دول زي كازخستان، وكمبوديا، والصين، والهند، وكنت اتعجب من وجوه الناس، والملبس، والتراث الشفهي، والاساطير، والاديان، ونمط البيوت، والزخارف على الابواب، والرقصات، ووجوه العجائز، كنت اعشق وجوه العجائز، بل عيونهم كانت تخرج من بين السطور، وتدفئ قلبي، بنعمة العطف، والرحمة.

    راودتني نفسي، مرة بقراءة قصة عالمية، مترجمة، (ومن ديك، وعيق)، احسست في القصة صدق، وفن، وعاطفة، وفكر، معا، وأحسست بأن القصة، تحكي عن الشعب، ووجدانه اكثر من المقال السياسي، بل والفكر، (الأدب الجاد يضمر كلاهما)،، فاسترسل القلب مع رسول حمزاتون، ومع الشاعر التركي العظيم، ناظم حكمت، وقدرته على خلق مجد من وقائع ساذجة، وفرحه بالمهمشين..

    فما أكثر مجلة الدوحة، والأعداد القديمة، التي تزخرف ادراج مكتبة صغيرة بالقرية بالبيت، ليوم الناس هذا... فصرنا نرأي رسومات قطب، وحكاوي زكريا ثامر، والطيب صالح، والشوش، ومقامات، وعلى تخوم السينما ومحمد المنسي قنديل..

    في طفولتي كانت القراءة، اكثر من مشاهدة التلفزيون، بل نادر ما اشاهد التلفزيون، اللهم إلا خبر مهم، وحوار، وحتى اليوم، فالجزيرة الوثائقية، وديسكفري، أعز الأصدقاء، ولكن تظل المجلات هي صديقي وزميلي، وأنيسي بالليل، حين ارقد، وهي تلعب على صدري، وتحكي لي مثل شهرزاد، عن الاصل والفصل، في الكون، والحياة...


    حاليا أعفكف في الدار، حين أجد مجلة، مجلة نزوى العمانية، ومجلة الثقافية عالمية الكويتية، ومجلة نيوزيويك، ولموند الفرنسية، احب قراءة المقالات السياسية بالعقل الغربي (العقل العربي، زي ما قال محمد عابد الجابر، لم يخرج حتى اليوم من ثالوث (البيان، والعرفان، والبرهان)، لشي قديم، وليس ابتكار طرق جديدة، كما ان نظرية المؤامرة "افسدت التفكير العربي كله"، وزي ما قال الاستاذ، مشكلة الفكر (قلته، أو التواءه)، وفي العرب والمسلمين ملتوي، لم خلق دائرة، زي جمل الطحن، (كأننا ياسعد لا رحنا، ولا جئنا)، عشان كدة ظلت كل المسائل معلقة فكريا، منذ المتزلة، وليوم الناس هذا، نفس المشاكل، (الفرد ام المجمتع)، التسيير ام التخيير، النقل ام العقل، مافي مشكلة حلت فكريا، ومن يحلها ؟ مصيره معروف لديهم،..

    بمن المجالات المحترمة مجلة اسمها "القاهرة"، ولكنها توقفت، وقرأت فيها مقال ثري، وخصب،
    اما مجلة كوريانا، فهي مجلة دسمة " ورائعة، شدييييييد)، فهي رقيقة الحاشية، محتشدة باحترام النشاط اليدوي والفكري والادبي، لكوريا الجنوبية، حتى المطبخ الكوري، له اعتبار في المجلة، والصناعات اليدوية شي مقدس، كما هناك حترام بالماضي، وللحق هناك عيد وطني (للحبوبة، والوالد، والوالدة)، في كوريا، تأجز له الدولة، ويركع الاطفال امام الحبوبات، بصورة عريقة، للجذور (هناك صور رائعة وبتعادي باحترام الام، والحبوبة،)، كأنهم جسدوا الحديث النبوي (الجنة تحت أقدام الأمهات).

    في نهاية المجلة هناك قصة، ومقدمة عن القصة، لكاتب وقاص كوري، ولفت نظري حنيتهم، وقدراتهم في تصوير الانسان، المتوجع من الحضارة ا لمعاصرة وصخب الحياة، وحنينهم اجمعين لسالف الايام، ومطالبتهم بإعادة الروح للاسرة، والحميمية، والانسان، والبيئة، والقلب..

    كما لفت نظري كثرة "النساء"، في كتابة القصة، وشكوى النسا من هضم الرجال، وقدرة النساء على التبعير عن العاطفة، والشعور بالجمال وبالآسى، وبالظلم، أكثر من الرجل، في الحكاية الكورية..

    للحق، بحب القراءة، اكثر من مشاهدة التلفزيون، بل نادر ما اشاهد التلفزيون، اللهم إلا خبر مهم، وحوار، أو الجزيرة الوثائقية، ولكن تظل المجلات هي صديقي وزميلي، وأنيسي بالليل، حين ارقد، وهي تلعب على صدري، وتحكي لي مثل شهرزاد، عن الاصل والفصل، في الكون، والحياة...

    مقال طور الخلق، مسودة..


    عن ذكرياتي مع مجلة الدوحة، منذ الطفولة، وليوم الناس هذا..


    محبتي..

    (عدل بواسطة عبدالغني كرم الله on 09-17-2013, 05:38 PM)

                  

09-17-2013, 03:18 PM

بله محمد الفاضل
<aبله محمد الفاضل
تاريخ التسجيل: 11-27-2007
مجموع المشاركات: 8617

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مجلة الدوحة لشهر سبتمبر تحتجزها الرقابة (Re: عبدالغني كرم الله)

    شكراً لهذه المناولة البديعة
    وفي زمان لم يعد فيه ما يخفى
    لا تزال العقول المتحجرة تظن أنها تقدر على حجب الشمس بأصابعها المقطوعة
    عجبي

    وآيباً آيباً للقراءة
    وسأقوم بإضافة هذا الخيط إلى بوست (Re: مناولة...)



    محبتي، احترامي

    (عدل بواسطة بله محمد الفاضل on 09-17-2013, 03:21 PM)

                  

09-17-2013, 04:05 PM

khaleel
<akhaleel
تاريخ التسجيل: 02-16-2002
مجموع المشاركات: 30134

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مجلة الدوحة لشهر سبتمبر تحتجزها الرقابة (Re: بله محمد الفاضل)

    ود الخليفة يا صاحب

    ان تعذر في المرات القادمة قول عووك

    نحاول نرسل ليك مع احد القادمين
                  

09-17-2013, 05:30 PM

حمزه بابكر الكوبي
<aحمزه بابكر الكوبي
تاريخ التسجيل: 04-13-2009
مجموع المشاركات: 2121

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مجلة الدوحة لشهر سبتمبر تحتجزها الرقابة (Re: khaleel)

    عمار الحبيب لك التحايا والمودة
    وتشكر كتير على المعلومات
    المحير انه العدد ده مافيه اي شئ هابش الحكومة ؟؟؟!!!
                  

09-17-2013, 05:51 PM

Ishraga Mustafa
<aIshraga Mustafa
تاريخ التسجيل: 09-05-2002
مجموع المشاركات: 11885

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مجلة الدوحة لشهر سبتمبر تحتجزها الرقابة (Re: حمزه بابكر الكوبي)

    Quote: الثلاثاء, 12 ذو القعدة 1434 هـ - 17 سبتمبر 2013
    and#65279;
    ملف عن الأدب السوداني في مجلة "الدوحة"
    الاثنين, 02 سبتمبر 2013 13:02 التحديث الأخير ( الاثنين, 02 سبتمبر 2013 13:05 )
    الملف تقدّمته دراسة مميّزة عكس انشراخ الهوية بين الزنوجة والعروبة
    الملف تقدّمته دراسة مميّزة عكس انشراخ الهوية بين الزنوجة والعروبة
    يتضمّن عدد شهر سبتمبر من مجلة "الدوحة" الثقافية الشهرية، والذي يحمل الرقم 71، ملفاً خاصاً بالأدب السوداني، بجانب الكثير من المتابعات والمقالات والتقارير الثقافية المتنوعة، التي تغطي جلَّ الحاصل ثقافياً في الدول العربية.

    ولعلّ اللون الأسمر الزنجي لفانون ألهم ملفاً أدبياً صغيراً عن "السودان؛ هُوية مشروخة" تقدّمته دراسة مميّزة لرانيا مأمون عن تيّار "الغابة والصحراء" الأدبي الذي عكس انشراخ الهُوية بين الزنوجة والعروبة، فضلاً عن نصوص مختارة شعراً ونثراً لأهمّ كتّابه.


    وكتبت ديمة الشكر عن كتاب علامة السودان الشهير عبدالله الطيب مجذوب (المرشد إلى فهم أشعار العرب) الكتاب الذي أمتع طه حسين.


    وفي باب الأدب، ثمة حوار شيّق مع المترجم العتيد والمؤلّف المعجمي واللغوي خليل كلفت، وثمة مراجعات كتب مميّزة ومقالات نقديّة.


    http://www.ashorooq.net/index.php?option=com_aboutusandItemid=15

    لنرى كيف وصفت الشروق العدد
    لنلاحظ مفردة اللون الاسمر الزنجى؟ مفردة الزنجى دى بيعاقب عليها القانون فى اوربا وامريكا لما لها من مدلولات سياسية قائمة على التمييز
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de