الأستاذ محمود محمد طه والمثقفون

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-06-2024, 08:08 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثالث للعام 2013م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
09-10-2013, 03:42 PM

د.أحمد الحسين
<aد.أحمد الحسين
تاريخ التسجيل: 03-17-2003
مجموع المشاركات: 3265

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الأستاذ محمود محمد طه والمثقفون (Re: د.أحمد الحسين)

    تقديم الكتاب بقلم يرفيسور عصام البوشي

    تقديم

    بقلم عصام عبدالرحمن البوشي
    مدير جامعة ود مدني الأهلية، السودان

    الكتاب الذي بين أيدينا كتاب عظيم وجليل وخطير.. وهو كتاب يقف بنا في مفترق الطرق، ويؤرخ لمرحلة جديدة وفريدة في كتابة وصناعة التاريخ.. يقول الأستاذ محمود محمد طه في كتابه: مشكلة الشرق الأوسط: "إن العبرة البالغة التي انفرجت عنها أذيال الحرب العالمية الثانية تجد تعبيرها في الحقيقة الكبرى وهي أن القافلة البشرية، في كل صُقْع من أصقاع هذا الكوكب، قد اقتلعت خيامها، وأخذت في السير، وهي، في كل خطوة من خطوات هذا السير، تصنع التاريخ وتصنعه على هديٍ جديد، وبعد أن كان التاريخ يمليه في أغلب الأحيان على تلاميذه ومسجليه، الملوك، والسلاطين، و######## الجيوش، ودهاقن السياسة، وأرباب الثروة، وهم يتصرفون في مصير الإنسان، أصبح يمليه عليهم الآن رجل الشارع العادي، المغمور، وهو يبحث عن كرامة الإنسان حيث وجد الإنسان".

    ويجيئ من حيث لا نحتسب، ومن الصفوف الخلفية، ومن المتأخرين زماناً والمغمورين مكاناً، هذا الفتى الأديب المؤدب، المفكر، الملهم، المقدام، والباحث الرصين الدقيق، المدقق الصبور على وعثاء الكلمة ومعاناة الكتابة ومسئوليتها، يجئ الأستاذ عبدالله الفكي البشير الباحث عن كرامة الإنسان، حيث وجد الإنسان، ليؤكد النظرة العميقة، التي ذهب إليها الأستاذ محمود محمد طه، من حيث صناعة وكتابة التاريخ، وهي نظرة ينبغي أن يوليها المؤرخون والأكاديميون والباحثون والدارسون ما تستحقه من اهتمام واحتفاء.

    إن الكتاب الذي بين أيدينا هو صناعة للتاريخ وهو أيضاً كتابة له. ولقد صنع المؤلف التاريخ عبر كتابته التي سعت وعملت من أجل إخراج الأستاذ محمود محمد طه من سجون التشويه والتحامل والتجاهل والتغييب عن الذاكرة الجمعية، والعزل عن ميدان البحث العلمي والتضليل المنظم والمجمع عليه، مصادماً بذلك القديم وجحافل الأكاديميين المتقاعسين عن مسئولياتهم، والفقهاء الذين نصبوا أنفسهم أوصياء على العقول، والسلفيين والطائفيين والمؤرخين المزورين، مُؤْثراً ومتجشماً تعب الشك ومشقة البحث، إذ أن الله أكرمه فحرمه من ذلك الكسل العقلي الذي قال عنه الدكتور طه حسين: "هذا الكسل العقلي الذي يحبب إلى الناس أن يأخذوا القديم تجنباً للبحث عن الجديد. ولكن الله لم يرزقنا هذا النوع من الكسل، فنحن نؤثر عليه تعب الشك ومشقة البحث". كذلك تجنب الكاتب، باستعماله للنقد الصارم، والتناول الحصيف والاستعمال الذكي لكل الوثائق والوقائع والحكايات، تجنب المزالق التي أشار إليها ابن خلدون حين قال: "كثيراً ما وقع للمؤرخين والمفسرين وأئمة النقل من المغالط في الحكايات والوقائع لاعتمادهم فيها على مجرد النقل غثا أو سمينا ولم يعرضوها على أصولها ولا قاسوها بأشباهها ولا سردوها بمعيار الحكمة والوقوف على طبائع الكائنات وتحكيم النظر والبصيرة في الأخبار فضلوا عن الحق وتاهوا في بيداء الوهم والغلو"..

    ولقد وصل الكاتب، من ثم، إلى "يقين تام بأن المستقبل في صالح الأستاذ محمود محمد طه وتلاميذه ومشروعه.. وأن هناك مراجعات ضخمة ستتم لكل المجلدات في السودان مجلد حقوق الإنسان ، والتاريخ ...إلخ". وهو أيضاً "على يقين تام بأن يقظة الأمم تبدأ بتحرير أبطالها من سجون صحائف المؤرخين، ذلك من خلال النقد والتنقيب وإعادة النظر في الكثير من المسلمات والنقد القوي والشجاع للافتراضات. فمع إعمال الحس النقدي وتجلي الشجاعة العقلية وترفيع مستوى السجال والحوار تبدأ مرحلة جديدة في حياة كل أمة، ولعل السودان يعيش الآن في هذه المرحلة".

    لقد نجح المؤلف، مستعيناً بكل هذه الأدوات- التنقيب في المصادر الأولية، وجمع وحشد الوثائق النادرة والمهملة مع استنطاقها، وإعادة النظر في الكثير من المسلمات، ومناطحة ومصادمة قوى القديم والتخلف - نجح في قرع الأجراس القدسية التي تبشر بميلاد فجر يقظة الأمة السودانية، ومن ورائها، بإذن الله الإنسانية جمعاء.

    إن الكتابة عن تاريخ الأستاذ محمود جدل بين قطبي العسر واليسر، فالعسر مصدره ما أصاب ذلك التاريخ من تعتيم وتشويه وتزوير وإرهاب للمنصفين، وحجب للوثائق وتدميرها، وقمع للباحثين، وتأليب للمهرجين، وسوء استعمال لأجهزة الدولة القضائية والعدلية والإعلامية والدعوية. وقد كان على المؤلف أن يتخطى كل هذه الحواجز والعقبات في صبر وتريث وأناة ليصل إلى اليسر الذي تهبه وتفيض به وتوفره حياة الأستاذ محمود محمد طه ومواقفه وأفكاره.. فالأستاذ محمود محمد طه نموذج متفرد تتطابق فيه أفكاره وأقواله وأعماله التي كونت حياته الذكية، الزكية، العطرة، الصميمة، المعطاءة..

    وفي هذا المقام تحضرني واقعة حدثت في سبعينيات القرن العشرين، كنت حينها أعمل بجامعة الخرطوم، وكان يعمل معنا محمد علي يوسف بشير، أخ الشاعر التجاني يوسف بشير. وفي عصر يوم من الأيام، اصطحبني في زيارة إلى الأستاذ محمود محمد طه بمنزله بالحارة الأولى بمدينة المهدية (الثورة) أمدرمان. ولقد احتفى الأستاذ محمود محمد طه بمحمد علي يوسف بشير حفاوة كبيرة، وكأنه كان يرى فيه التجاني يوسف بشير. وعبر الأستاذ محمود عن تقديره العميق لعبقرية التجاني يوسف بشير وشعره. وذكر أن التجاني يكفيه بيتاه التاليان:

    أنا إن مت فالتمسني في شعري
    تجدنـي مدثـراً برقاعهْ
    في يميني يراع نابغة الفصحى
    وكل أمريء رهين يراعهْ

    ثم أعقب قائلاً: إن هذين البيتين يجسدان ويعبران عن المثل السوداني الذي يقول: "سيد الكلام أمسكوه من لسانه وسيد القلم أمسكوه من بنانه". هذان البيتان، وهذا المثل، محط إعجاب الأستاذ محمود محمد طه، تصور كثيراً من حياته وتاريخه الفكري والسياسي والاجتماعي والنضالي.. فكل ما سال، من قلمه الرشيق الدقيق من مؤلفات وكتابات، على بنانه، وكل ما جرى، من أحاديث ومحاضرات وندوات، على لسانه، هي مظان التماس الأستاذ محمود محمد طه. وهنا مكمن اليسر للباحث الصادق المقتدر..

    لقد تعرض تاريخ الأستاذ محمود محمد طه للتزوير بآليات ووسائط كثيرة ومتنوعة وعديدة. وقد أسهم في ذلك، ضمن من أسهم، الأكاديميا السودانية، والفقهاء، والقضاة الشرعيون، والأحزاب الطائفية والسلفية، ودوائر التخلف العالمية، والمنظمات الإسلامية والحكومية والدولية، والقيادات السياسية التي وجلت وارتجفت من قوة حجة الأستاذ محمود محمد طه وطرحه للآراء والأفكار التي كشفت ضعفها وعجزها وتزويرها للتاريخ. ولقد رجع المؤلف لوثائق كثيرة ومتنوعة، يرجع بعضها إلى ثلاثينيات القرن الماضي عندما كان الأستاذ محمود طالباً بكلية غردون..

    وإذا أخذنا الرسائل الجامعية والكتب مثلاً، نجد أن المؤلف قد رصد العديد منها واكتفى بدراسة اثنتين وثلاثين من أطروحات الدكتوراة والماجستير وثمانية عشر كتاباً من كتب مؤرخي الحركة الوطنية وكتب أخرى. ويقف الكاتب عند مقاطعة الأكاديميا السودانية للأستاذ محمود محمد طه ومشروعه وتهميشه وعزله عن حركة البحث العلمي وتجاهله وإغفال الإشارات لكتبه ولأرائه حتى في مسائل كان له فيها سبق مبكر وأصالة ورصانة مثل الفدرالية التي تناولها في كتابه "أسس دستور السودان لقيام حكومة جمهورية فدرالية ديمقراطية إشتراكية" الذي صدر عشية الاستقلال، ولو عمل به القوم، لتغيرت مسيرة تاريخ السودان المتحد.

    ولقد نتج، عن هذه المقاطعة الشرسة، تغييب الأستاذ محمد محمد طه عن الذاكرة الجمعية وتضليل غمار الناس فيه مما أدى إلى تشويه مسيرته وتاريخه في مُخَيِلَة العامة. أسهمت هذه المقاطعة في تجميد حركة التغيير في السودان، وذلك بتجميد حركة الوعي، بعدم إظهار الحقيقة ونشرها، مما يشكل نكوصاً وتراجعاً وتقاعساً وعدم إلتزام برسالة الأكاديميا الأساسية ، ألا وهي إظهار الحقيقة ونشرها. وقد نتج عن ذلك تراكم الغبن والإحساس بالظلم مما أدى إلى تشظي وتفتيت البلاد.. والمؤلف يرى "أن مقدمات التشظي على الأرض تبدأ في العقول عبر تغييبها وتشويهها وتضليلها في معرفة الحقيقة ودراسة التاريخ".

    ومن هنا يصل الأمر بالمؤلف إلى نتيجة خطيرة ستؤرق مضاجع الأكاديميا السودانية، وترقى إلى حد الطعن فيها وفي لجانها ومبادئها. ويرى المؤلف نفسه محقا في الدعوة إلى إجراء المراجعات الشاملة لإرث الأكاديميا السودانية ولنظمها ولمسارها الراهن وفي المستقبل. كما يتساءل أيضاً عن تماهي الأكاديميا مع الفقهاء، وعن استجابتهم لثقافة القطيع، وعن حالة الخوف التي انتابت أكثرهم وأقعدتهم عن مواجهة سلطة المجتمع والسلطة الدينية.

    ولعل المؤلف أراد أن يخفف من حدة وحرارة نقده للأكاديميا السودانية فيلتمس بعضاً من العذر لها في مواقفها من إهمال وتغييب الأستاذ محمود محمد طه عن الذاكرة الجمعية والأبحاث والدراسة الأكاديمية والمؤتمرات العلمية، يلتمس لها العذر في ضعف التدريب الأكاديمي وعدم إعمال الحس النقدي الناتج من التعليم الاستعماري الذي كان يهدف إلى تخريج الكتبة والفنيين وليس صناعة قادة المستقبل. ويحار المؤلف ويندهش إلى حد بعيد، من الإجماع على هذا التجاهل غير المتفق عليه وغير المكتوب.

    إن المسائل والمواضيع التي كان للأستاذ محمود محمد طه فيها سبق مبكر وأصالة ورصانة وريادة، كموضوع الفدرالية الذي أشرنا إليه، كثيرة ومتنوعة وعديدة. وكذلك فإن المواقف التي وقفها يصعب تجاوزها دون الوقوف عندها وتأملها ودراستها والتعليق عليها ومواجهتها ورفضها أو مساندتها وقبولها. فهناك رأي الأستاذ محمود فيما يتعلق بقضية المرأة بكل أبعادها الإنسانية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكرية والثقافية.. فالأستاذ محمود محمد طه حين يتحدث عن المساواة بين الرجال والنساء إنما يصحح فهماً خاطئاً، خطأً أساسياً، فهو يرى: "أن المساواة، بين الرجال والنساء، ليست مساواة الميزان والمسطرة وإنما هي مساواة القيمة، ومعنى ذلك أن المرأة، في نفسها، كإنسان، وفي المجتمع كمواطنة، ذات قيمة مساوية لقيمة الرجل، في نفسه، كإنسان، وفي المجتمع كمواطن، وهذه المساواة تقوم وإن وقع الاختلاف في الخصائص، النفسية، والعضوية، في بيئة الرجال والنساء، وهي تقوم، وإن اختلفت الوظيفة الاجتماعية، وميدان الخدمة للمجتمع، الذي يتحرك فيه الرجال والنساء" (راجع كتاب"تطوير شريعة الأحوال الشخصية" للأستاذ محمود محمد طه).

    وهنا يحدد الأستاذ محمود محمد طه هذه النظرة التقييمية الجديدة التي إذا شاعت وطبقت، "فإن الإنسان سيكون سيد الآلة، وليس خادمها، وستكون المرأة المنتجة في القمة، هي المرأة التي تنجب الأطفال، وتُعنى بهم، كماً، وكيفاً، وستكون هي أولى بالتكريم من العلماء، والفنيين الذين يعملون في إنتاج الطائرات والصواريخ. وهي، من ثم، تستحق من المجتمع المكافأة الأدبية، والمادية التي بها تتحقق، وتتوكد، كرامتها".

    وقد سعى الأستاذ محمود محمد طه لتطوير المرأة بأن وفر لها فرص الترقي والتطور وذلك واضح في حركة الأخت الجمهورية في الشارع وفي التربية التي تعهد بها الأخوات الجمهوريات، فحملن الدعوة الإسلامية الجديدة في الأماكن العامة والطرقات والأسواق والجامعات بصورة لم يسبق لها مثيل في تاريخ الدعوات الدينية أو الفكرية. واستند الأستاذ محمود في هذا العمل على تطوير التشريع الإسلامي من مستوى آيات الفروع، التي انبنى عليها التشريع المرحلي، إلى مستوى آيات الأصول، التي سينبني عليها التشريع للمجتمع المعاصر. وأذكر في هذا المقام تلك الزيارة للأستاذ محمود محمد طه برفقة الشاعر محمد المهدي مجذوب والشاعرة د. سلمى الخضرا الجيوسي (كانت حينها أستاذة بجامعة الخرطوم) التى أبدت كبير وكثير إعجابها بحركة الأخوات الجمهوريات، كما أبدت ارتياحها لفكرة تطوير التشريع من المستوى المدني إلى المستوى المكي، وقالت إن هذه الفكرة "مريحة للغاية". هذا هو ما رأته د. سلمى الجيوسي الضيفة على السودان، والإعجاب الذي أبدته. ولكن هذه الظاهرة، ظاهرة المرأة الجمهورية تخرج للشارع داعية لتطوير التشريع وممارسة له، بعلم وبثبات وشجاعة، تجاهلها وأهملها حتى الذين كتبوا عن الحركة النسوية السودانية ونشأتها وتياراتها.

    ثم هناك حركة الطلاب الجمهوريين المتمثلة في أركان النقاش والتي انبثقت من جامعة الخرطوم في منتصف ستينيات القرن الماضي، ثم انطلقت منها إلى باقي الجامعات. وقد أسست أركان النقاش، هذه، للحوار الفكري الرصين وافترعت الضوابط والسلوكيات الرفيعة للسجال الفكري الذي يتسم برحابة الصدر الذي لا يضيق بالرأي الآخر، وحلاوة الشمائل التي تجعل المحاور يألف ويؤلف من الذين يعارضونه الرأي، وهي بعض سمات المفكر والمبشر العصري الذي يسهم في إحداث الثورة الفكرية والثقافية التي يدعو ويبشر بها الأستاذ محمود محمد طه. ورغماً عن ذلك أهمل الأكاديميون والمؤرخون هذه الظاهرة ولم يتأملوها أو يقفوا عندها.

    أيضاً وقف المؤلف عند جامعة الخرطوم كنموذج لدراسة موقف الأكاديميا السودانية من مبدأ إظهار الحقيقة ونشرها. وقد جاء اختياره لجامعة الخرطوم لعراقتها، باعتبارها أول الجامعات السودانية، ولأنها رائدة الدراسات الأكاديمية المنظمة في السودان، ثم أنها، كما أسلفت، كانت أكثر المؤسسات شهوداً لأفكار الأستاذ محمود محمد طه ومشروعه، وأنها منذ نشأتها لم تأخذ بأية هوية دينية مما أكسبها الحيدة في رسالتها وتقديم خدماتها البحثية والتنويرية. ولقد ساق المؤلف نموذج طالب الماجستير الذي واجهه الممتحن الخارجي والممتحن الداخلي اللذان أبديا اختلافهما وعدم اتفاقهما مع آراء ومواقف الأستاذ محمود محمد طه واعترضا، من ثم، على الرسالة لأسباب غير أكاديمية وغير مهنية. كذلك اعترضا على إهداء الرسالة للأستاذ محمود محمد طه. وبتوصية من المشرف المتعاطف مع الطالب، تم حذف الأجزاء المعترض عليها، للأسباب الخاطئة، واستبدالها بأجزاء أخرى، ومن ثم منح الطالب درجة الماجستير. كل هذه الأمور تؤكد، بصورة جلية ودامغة، السعي الحثيث والمنظم لإغفال وتغييب الأستاذ محمود محمد طه عن ساحة الباحثين وطلاب الدراسات العليا الجامعية.

    وحتى تكتمل الصورة لهذا الإغفال وهذا السعي لتغييب الأستاذ محمود محمد طه، يواصل المؤلف بدراسة نماذج من كتب مؤرخي الحركة الوطنية، ومن بينها مذكرات معاصري الأستاذ محمود محمد طه باعتبارها مصدراً تاريخياً مهماً، وكذلك دراسة بعض الإصدارات الأكاديمية في العلوم السياسية والفكر الإسلامي وغيرها من المجالات التي كان للأستاذ محمود محمد طه فيها رأي تليد وعتيد وجديد. كذلك تعرض المؤلف للمعاجم والتراجم وموسوعات الأعلام.

    استخلص المؤلف من دراسته لتلك المذكرات خلاصات تؤكد وتدعم رأيه في السعي الحثيث لتغييب الأستاذ محمود محمد طه، ولحجبه عن الناس، وعن ذاكرتهم الجمعية. فقد خلت تلك المذكرات من الإشارة إليه، وإلى سجنه ونضاله ضد المستعمر، كما أغفلت ذكر نشأة الحزب الجمهوري، ولم ترد أية إشارة لمحكمة الردة، رغماً عن أن من بين كتاب المذكرات وزيراً للعدل ورئيساً للوزراء ونائباً لرئيس الوزراء. ويجد المؤلف بعضاً من العزاء في إجابة المؤرخ محمد سعيد القدال على السؤال الذي طرحه حين درس أحد عشر كتاباً من التراجم الذاتية (درس مؤلفنا منها ستة). يتساءل القدال: "ما هي قيمة تلك الكتب كمصدر للتاريخ؟"

    ويورد القدال ضمن إجابته ما يلي: "إن قيمة غالبية هذه الكتب كمصدر للتاريخ ضعيف، وبعضها لا قيمة له". ولكن، من المؤسف حقاً، أن كثيراً من الباحثين والدارسين والمؤرخين قد اعتمدوا عليها كمصادر في كتاباتهم رغم هذا الضعف وعدم القيمة التي تتمتع بها كما ذكر القدال.

    وإذا جئنا إلى التراجم والمعاجم وموسوعات الأعلام، فالأمر لا يختلف كثيراً هنا. فالصورة العامة هي الاتجاه للتغييب والإهمال. وحيث تم ذكرٌ للأستاذ محمود محمد طه صحبتة أخطاء بينة استند عليها باحثون ودارسون في تأييد ودعم موقفهم المعادي للأستاذ محمود محمد طه. ويتساءل المؤلف لماذا كل هذا السعي لإغفال وتغييب الأستاذ محمود محمد طه عن الذاكرة الجمعية، ويرى أن ذلك يعود للحسد عند طلائع المتعلمين للأستاذ محمود محمد طه لقدراته الفكرية الفذة، ونظراته السياسية الثاقبة وقوته في مواجهة القوى الاستعمارية والقوى التقليدية في المجتمع. كذلك فإن جميع مؤلفى هذه المذكرات كانوا على صلة بالطائفية وقد كان الأستاذ محمود محمد طه قوياً ومصادماً في مواجهتها باعتبارها قوى متخلفة تعوق حركة التطور في المجتمع وتجمد حركة الوعي والتغيير. يضاف إلى ذلك نقد الأستاذ محمود محمد طه لموقف طلائع المتعلمين من الاستعمار وسذاجة تعاطيهم مع الأحداث وضعف جهودهم وقلة حيلتهم وضحالة فكرهم وفشلهم في رسم صورة للمسار المستقبلي للسودان.

    لقد أغفلت الأكاديميا السودانية أيضاً دور الأستاذ محمود محمد طه في الحركة الوطنية، بل كان هناك تعمد للتشويه لهذا الدور عند تناوله. ويبرز هذا بصورة حاسمة في تناول الأكاديميا لدور الأستاذ في ثورة رفاعة (الخفاض الفرعوني) وفي تأييده السلبي لثورة مايو. وقد ساق المؤلف الوثائق عن ثورة رفاعة واستنطقها بصورة جلت حقيقتها ووضعتها في مكان الريادة في مواجهة ومصادمة الاستعمار بصورة لم يسبق لها مثيل في تاريخ السودان. أما موضوع تأييد مايو فقد أطره المؤلف تأطيراً يبين ظروفه وأسبابه وتبريراته ويكشف غرض المنتقدين وعدم حيادهم بصورة واضحة.

    وعندما تعرض المؤلف للسودان في مشروع الأستاذ محمود محمد طه، تناول معالجته لقضايا التنوع الثقافي والحضاري والهوية والفدرالية، كما تناول دعوته إلى الخروج من الجامعة العربية، وسعيه لبناء سلطة المثقف عبر الدفاع عن الديمقراطية. وقد كشف في بحثه هنا عن وثائق تنشر لأول مرة رغم المعوقات التي واجهها في سبيل جمعها، وكل المحاولات التي جرت لحجبها. وهنا لابد من الوقوف عند موقف "دار الوثائق السودانية" من صحيفة الجمهورية التي أصدرها الحزب الجمهوري برئاسة الأستاذ محمود محمد طه في الخمسينيات. وقد يُصْعق القارئ إذا علم أنها غير موجودة أو يُزعَم أنها غير موجودة، رغم أن باحثين وموثقين كبارا ذكروا أنهم رجعوا إليها في دار الوثائق!!.

    في حقيقة الأمر، لقد عالج الكتاب، الذي بين أيدينا، مجالات شتى ومواضيع مختلفة ومتنوعة ومسائل وقضايا ستُحدث هزة داوية في حقل ومجال دراسة تاريخ ومواقف ونضال وحياة الأستاذ محمود محمد طه الذي عاش واستشهد، كما يقول عوض الكريم موسى، علي:

    " صلابة المداومهْ
    على بسالة المقاومهْ
    بلا مساومهْ".

    أيضا عالج الكتاب مؤامرات الشؤون الدينية، والمعهد العلمي، والجامعة الإسلامية، والأزهر، ورابطة العالم الإسلامي، وجماعات الهوس الديني المحلية والإقليمية، والموقف من جمال عبدالناصر ودعوة القومية العربية، والخطابات التي أرسلت إليه (وبعضها كان مجهولا حتى الآن). كما عالج الكتاب محكمة الردة الأولى (1968) والثانية (1985) والتي أدت إلى منصة الإعدام التي منها تسنم الأستاذ محمود محمد طه ذروة المجد والتاريخ المشرِّف النظيف محققاً فرديته التي انماز بها عن أفراد القطيع وافتتح بها عهد الإنسانية، فكان كما قيل:

    "الصقر يعلو وَحْدَهُ متسنماً أعلى القممْ
    متفرداً عن سِربهِ وتلوذ بالسرب الرخمْ".


    إن هذا الكتاب ذو طبيعة موسوعية غطت ما أهمله المؤرخون، عمداً أو سهواً، وما أخفاه أو تخطاه الأكاديميون والباحثون جهلاً أو خوفاً أو حسداً. وهو بذلك حرِيٌ بأن يكون "المرجع" (المعرف بالألف واللام) لكل من يود الكتابة عن الأستاذ محمود محمد طه منذ اليوم.

    إن هذا الكتاب كبير، حسا ومعنى، وخطير، حالاً ومآلاً. وخطورته تشفع لكبره. يقول كاليماكوس: (Mega biblion mega kakon) وهي عين ما قاله لسنج:( A big book is a big evil) ويمكن أن تترجم هذه العبارات "كتاب كبير شر مستطير". ولكن كما يقولون لكل قاعدة شواذ. فهنا، فيما يخص كتابنا، نقول ونحن مطمئنون وواثقون: "كتاب كبير خير وفير" أو قل:"كتاب عظيم خير عميم" .فهنا كتاب عظيم وجليل وكبير مستقبله دائما أمامه. إن هذا الكتاب المرجعي قد جاء على قدر وميقات، ومن ثم، يرجى له أن يشعل ثورة فكرية تسهم في إحداث الثورة الثقافية التي تحدث عنها الأستاذ محمود محمد طه وبشر بها في كتابه "الثورة الثقافية" الذي جاء فيه: "هذا كتاب عن الثورة الثقافية، نخرجه للناس ، ونستهدف به إحداث التغيير الجذري في حياة الأفراد والجماعات ، وذلك عن طريق إعادة التعليم – إعادة تعليم المتعلمين، وغير المتعلمين. والتغيير الجذري الذي نعنيه هو تغيير لم يسبق له مثيل، منذ بدء النشأة البشرية. هو تغيير تدخل به البشرية المعاصرة مرتبة الإنسانية. وتلك مرتبة يتطلب دخولها قفزة أكبر من تلك التي حدثت لدى دخول الحيوان مرتبة البشرية. وسيحدث ذلك بفضل الله ثم بفضل الفكر الصافي".

    إن كتابنا هذا يقتفي أثر كتاب "الثورة الثقافية" الذي استهدف إحداث التغيير الجذري عن طريق إعادة التعليم فيعيد تعليم الناس جميعاً، جمهوريين وغير جمهوريين، فيما يخص سيرة الأستاذ محمود محمد طه فيقدمه لهم، ولأول مرة، مُسْتَلاً من غِمْده، فيعيد ويجدد رؤيتنا وفهمنا ومعرفتنا له.

    لقد خرج الأستاذ محمود محمد طه من خلوته، برفاعة، عام 1951، بمشروعه الجديد "الدعوة الإسلامية الجديدة"، وظل يعيشها ويبشر بها وينشرها حتى دخل "الخلوة الكبرى" التي أعقبت تنفيذ الإعدام عام 1985. ويخرج الأستاذ محمود محمد طه من خلوته الثانية هذه بهذا السفر العظيم، الذي يجسد مواقفه الصامدة الخالدة وحياته الملهِمة. وكما جزم الشاعر محمد عبدالحي "أن الشعراء لا يموتون" يحق لنا أن نجزم "أن العارفين لا يموتون" وإنما هم مقيمون وعائدون وسيجيئون في قلوب وعقول وشمائل وأعمال ومؤلفات وكتابات وإضافات "الذين يحيون ويعيشون أفكارهم ويهتدون بسيرتهم ، ويتأسون بشمائلهم، ويظهرون كمالاتهم للناس(وكاتبنا بفضل الله عليه منهم). وقد يطيب هنا أن نورد هذا الاقتباس من كتاب الأستاذ محمود محمد طه ("الإسلام وإنسانية القرن العشرين" الذي يتحدث فيه عن مشروعه الفكري والثقافي وكيفية تحقيقه:

    "الرسالة الثانية من الإسلام" هي مراد الدين بالأصالة، إن "الرسالة الأولى" قد كانت المراد بالحوالة. ورسول الرسالتين "محمد". راجعوا كتابنا بهذا الاسم: "الرسالة الثانية من الإسلام".

    لقد جاء محمد في العهد المكي بنبوة أحمدية ورسالة أحمدية، فدعا إلى الإسلام، فلم يستجب له، وذلك لحكم الوقت المتمثل يومئذ في قصور المجتمع، فأمر بالهجرة، وجاء عهد المدينة، وسحبت "الرسالة الأحمدية"، فاستبدلت "بالرسالة المحمدية" فأصبح محمد ذا "نبوة أحمدية" و "رسالة محمدية" فدعا إلى الإيمان، فاستجيب له. وسيجيء محمد "بنبوة أحمدية" و"رسالة أحمدية" فيدعو إلى "الإسلام" ، كما دعا أول أمره في العهد المكي، وسيستجاب له، هذه المرة، وذلك لحكم الوقت المتمثل اليوم في نضج المجتمع، واستوائه، وطاقته الفكرية، والمادية.

    وستسأل وكيف يجيئ محمد بنبوة أحمدية ورسالة أحمدية وأجيب بأنه يجيء في قلوب، وعقول، وشمائل الذين يحيون سنته، ويسيرون سيرته، ويظهرون كمالات أخلاقه للناس، بعد طول العهد وانقطاع الإرشاد. "الإسلام وإنسانية القرن العشرين، يوليو 1973".

    كما جاء في الإنجيل: "الذي يأتي بعدي يأخذ مقامه قدامي" "He who comes after me, takes rank
    before me"
    ولقد جاء عبدالله الفكي البشير بعد الكثيرين من السابقين والنابهين. ولكن فضل الله عليه اصطفاه دونهم ليختلي بالأستاذ محمود محمد طه خلوة فكرية وروحية عميقة لا يعين على اجتياز مفازاتها واستكشاف خباياها والصبر على أسرارها واحتمال كنوزها إلا من أعانه الله بقرآن الفجر "إن قرآن الفجر كان مشهودا". لقد صبر عبدالله الفكي البشير على دقائق الحقائق والوثائق الدفينة والمحجوبة، فاحتلبها واستنطقها، ووسع الله صدره فاتسع وصبر على قراءة الآخرين، الذين يخالفونه الرأي، والذين أسرفوا وأسفُّوا في حق الأستاذ محمود محمد طه، والذين عجز سلفه عن احتمالهم، فخرج منوراً ومضيئاً بأكثر مما دخل، واحلولت شمائله ففتحت له الأبواب الموصدة ورُتُج الخزانات المغلقة. فولد على يديه هذا الكتاب المدهش والمرجع الذي سيكون له ما بعده، والذي يشكل برزخاً بين عهدين في كتابة وصناعة التاريخ، عهد أفل وعهد أشرق بهذا الكتاب.

    وبصدور هذا الكتاب تبدأ مسيرة جديدة وراشدة ابتدأها المؤلف، وأسهم بها في إخراج الأستاذ محمود محمد طه من خلوة الإعدام، التي كان هم وظن مدبريها ومنفذيها أنها ستقضي على هذا المشروع الإسلامي العظيم بالقضاء على الأستاذ محمود محمد طه، الذي جسد هذا المشروع في اللحم والدم، ولكن هيهات، فإن مستقبل هذا المشروع الإسلامي العظيم أمامه وإن كفر به هؤلاء، فإن الله قد وكل به قوماً ليسوا به بكافرين.

    لقد زين الأستاذ عبدالله الفكي البشير صدري بإصراره على تقديمي لهذا الكتاب. ولست بالغفلة التي تجعلني أحسب نفسي أفضل من يقدم هذا الكتاب المرجع. ولكن كما يقول أهلنا "كريم أدى غشيم" وكفى..

    لقد تم، بتأليف وصدور هذا الكتاب، تدشين مؤلفه الأستاذ عبدالله الفكي البشير مؤرخاً ومعلماً ومفكراً وثائراً ثقافياً تتألق على صدره قلادة وعقد "الثائر الثقافي"، اللتين أزانه بهما الأستاذ محمود محمد طه الثائر الثقافي الأول. فهنيئاً له وهنيئاً لنا.

    عصام عبدالرحمن البوشي
    ود مدنى، السودان
    14 أبريل 2013م
                  

العنوان الكاتب Date
الأستاذ محمود محمد طه والمثقفون د.أحمد الحسين09-07-13, 06:16 PM
  Re: الأستاذ محمود محمد طه والمثقفون د.أحمد الحسين09-08-13, 06:02 AM
    Re: الأستاذ محمود محمد طه والمثقفون د.أحمد الحسين09-08-13, 05:58 PM
      Re: الأستاذ محمود محمد طه والمثقفون Haydar Badawi Sadig09-08-13, 07:00 PM
        Re: الأستاذ محمود محمد طه والمثقفون Haydar Badawi Sadig09-08-13, 08:25 PM
          Re: الأستاذ محمود محمد طه والمثقفون د.أحمد الحسين09-09-13, 12:33 PM
            Re: الأستاذ محمود محمد طه والمثقفون د.أحمد الحسين09-09-13, 05:01 PM
              Re: الأستاذ محمود محمد طه والمثقفون بدر الدين الأمير09-09-13, 05:19 PM
                Re: الأستاذ محمود محمد طه والمثقفون MOHAMMED ELSHEIKH09-09-13, 05:48 PM
                  Re: الأستاذ محمود محمد طه والمثقفون د.أحمد الحسين09-09-13, 06:34 PM
                    Re: الأستاذ محمود محمد طه والمثقفون د.أحمد الحسين09-10-13, 03:42 PM
                      Re: الأستاذ محمود محمد طه والمثقفون د.أحمد الحسين09-12-13, 02:52 PM
                        Re: الأستاذ محمود محمد طه والمثقفون د.أحمد الحسين09-13-13, 05:56 PM
                          Re: الأستاذ محمود محمد طه والمثقفون Haydar Badawi Sadig09-14-13, 02:40 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de