ورحل مربى الاجيال الاستاذ الاديب المؤرخ الدكتور محمد ادروب اوهاج

Quote: ألا رحم الله أستاذي الجليل محمد أدروب أوهاج – إنا لله وإنا إليه راجعون – الموت حق والآخرة حق والدين حق ..ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، فتلك الأيام نداولها بين الناس ..فإن الدنيا عندما تودع اليوم الأستاذ أدروب إنما تودع العلم والأدب والتواضع والشموخ .. كان أستاذنا بكسلا الثانوية أنا وأخوتي هلاوي ويحى حسن والطيب حسن ومحمد أحمد محمود والمرحوم أحمد محمد الحسن.. وإلتزم قبلنا الفكرة .. ولم يشعرنا يوما ، طيلة أيام الحركة ،وهو أستاذنا والملتزم قبلنا ،أنه يفرض أستاذية أو مشيخة علينا، فقد كانت روحه أكبر من ذلك بكثير ولم يكن يبحث عن الزعامة ..ورغم أنه قد دخل الفكرة من مكانة عالية ومركزاً مرموقاً في المجتمع- كانت زوجته أمونة بنت مدير ميناء بورتسودان وهو أستاذ الثانوي ومن أوائل خريجي معهد المعلمين العالي ومن صفوة المتعلمين في الشرق-- إلا أن شيمته كانت التواضع والسكون ..وكان سمته الزهد والبساطة والعادية ولم يشبهه في ذلك أحد ..لا نعرف أنه كان يشادد أحد ،أو يمسك بتلابيب معارض .. لم يحقد أو يكره أو يخاصم ..كان هيناً ليناً سمحاً ..عاش كذلك، وذهب كذلك، دون ضوضاء أو صخب ..كان أحد القيادين الثلاث بمدينة بورتسودان ، بكري وبشارة اللذين سبقوه الى هناك ،وهو اليوم يلحق بهم ليواصل معهم مسيرة الدعوة وخروج المبعوث .. وأظنكم تذكرون صورة الأستاذ واقفاً وهو ممسك بورقة وقلم وهو يكتب ، وكان ذلك صباح يوم جمعة .. فقد كان يكتب أسماء بعض الإخوان، الروحانيين، وفي مقدمتهم الأخ أدروب ليذهبوا الى أحد المنازل بالثورة لطرد الجن منها ، وقد كان .. لقد كتبت عنه قبل الآن أنه كان أستاذاً متفرداً في مادة التاريخ، في نهجه وأسلوب أدائه .. وكان رقماً لا يمكن تجاوزه في النشاط السياسي والثقافي بالمدرسة ، وكانت مدرستنا ، يومها، قبلة أهل كسلا ..فكان يطرب الجميع بمساهماته الراقية وأسلوبه الهادئ الرصين ..وكنت أنا من ضمن تلاميذه المأخوذين به والظانين ألا أحد أعلم منه .. سكن بحينا – حي البوليس القديم-، يجله ويحترمه الجميع .. فهو رفيع الكريزما ،عالي الهيبة ،سمح الخلق، طيب المعشر يألف ويؤلف .. كان كثير المشاركة في الجلسات بفكره العميق الثاقب ، وعلمه الغزير،وصوته الهادئ القوي الواضح النبرات ..وكان الأستاذ يردد أسمه كثيراً في الجلسة، عندما يتحدث، وعندما يعلق على حديثه، حتى ظنت الأخت إحسان عشيري في أول أيام إلتزامها، أن كلمة أدروب تعني طلب الفرصة للحديث .. كنت أراه من خلال الصور التى ترفع في الصالون في زيارات السيد علي يجلس بالقرب من الأستاذ عبد اللطيف فأسعد برؤيته ،إلا أنني كنت أرى أن الزمن قد فعل فعله فيه.. فإنه لكل أجل كتاب.. فقد ذهب أستاذنا الجليل الى مقام عزه وشرفه، وترك ميراثاً روحياً كبيراً لأبنائه وإخوانه من الجمهوريين .. وعلى نفسه فليبك من ضاع عمره ولم يكن له فيها نصيب ولا سهم ..