وسط حزن كبير ..( ملمح جميل) لقهوة النشاط ج الخرطوم فى السبعينات !!

Quote: تفضل زميلي المحامي مولانا محمد عوض السيد بلفت انتباهي إلى ما اختطه يراع الزميل العزيز عمر سعيد بمداد حزين عن فاجعة رحيل زميلنا مولانا طه سورج وهو يتأهب لمغادرة القاهرة بعد إكماله علاجه هناك. وكان مفاجئاً حقاً أن الأخ عمر سعيد ظل يختزن كل تلك الصور والأسماء والنشاطات طوال الثلاثين ونيف من السنوات التي شهدت اغترابه وعودته ثم اغترابه الجديد. اختارنا عمر سعيد من دون بقية الطلبة ليكون "فردتنا" كما يقول أبناء اليوم. وكانت أحلى وأجمل فوضى تلك التي عشناها. وكانت حفلات وردي ومحمد الأمين صيدنا المفضل، وكذلك الندوات والصوالين الثقافية. أما حكاية سانت جيمس وفندق الشرق والجي ام اتش فذاك حديث تستغرقه مجلدات وليس بضعة أسطار. وكم كنت سعيداً أني حين عدت إلى السودان في 2009 لتولي رئاسة تحرير صحيفة "الخرطوم"، كان عمر سعيد أول من اتصل بي من رفاق الزمن الجميل. اتصل بي أولاً من القضارف. واستغل أقرب فرصة ليأتي من هناك ليغمرني بفضلخ وأدبه والغوص في حقيبة ذكرياتنا. وانضم إلينا زهرة مجالسنا وفاكهة سمرنا الأخ المحامي الكبير الراحل نجم الدين محمد نصر الدين. شعرت يومذاك بأن عودتي إلى السودان لو لم تحقق شيئاً، فهي على الأقل أعادتني إلى عمر ونجم الدين وطه سورج، وهم القلة التي كانت بقيت في أرض الوطن بعدما تفرق جيلنا في بقاع المعمورة. ولم تكن الزمالة مع نصر الدين مجرد كلية وداخلية. فقد ذهبت معه إلى مسقط رأسه أربجي والحصاحيصا. ولا أنسى يوم وقع انقلاب العميد محمد نور سعد ودارت اشتباكات بين قوات العميد وقوات حكومة الرئيس الراحل جعفر نميري، وأضحينا مقطوعين في غرف داخلية القانون المطلة على شارع الجامعة، نحو ثلاثة أيام، توقفت خلالها توريدات متعهد التغذية، وخشينا من الموت جوعاً، فقررنا – نجم الدين وأنا- أن نغامر بالخروج إلى أي مكان آمن وفيه أكل. وكان أن انتهزنا فرصة توقف طفيف في الاشتباكات وغادرنا الداخلية إلى الخرطوم بحري عبر جسر النيل الأزرق. والله كان الممر الذي عبرناه فوق الجسر مغطى كله بالطلقات. كان مشهداً مرعباً. وكنت أشد خوفاً من نجم لأني تخيلت أن تندلع اشتباكات ونحن في منتصف الجسر وليس أمامنا سوى اليم، وأنا لا أجيد السباحة! ولما عبرنا بسلام إلى ناحية النقل الميكانيكي والمخازن والمهمات، اتضح لنا عدم وجود أي مواصلات، بل لا توجد حركة في الشوارع مطلقاً. وتذكرت أن لي أهلاً في الجريف شرق، فتوكلنا على أقدامنا حتى الجريف شرق، حيث أعدوا لنا "لقمة" ساخنة، كان المرحوم نجم الدين حفياً بها وسعيداً. مولانا طه تخصص في اصطياد أجمل قمصاني! كنا نتناول العشاء كمجموعة في سفرة الداخلية، ثم نتوجه إلى غرفتنا للكلام والنقة، قبل أن نقرر الذهاب لحفلة وردي أو محمد الأمين في الجامعة أو كليةة الصيدلة أو الزراعة في شمبات. وأحياناً كثيرة كنت أبكّر بالمغادرة مع أحد الزملاء، أو أتأخر فأنضم إلى الحفلة في وقت لاحق، لأفجأ بسورج هناك متبختراً بقميصي الأخضر "المخطط الإمبريالي" كما كان يصفه. أو "تحرمني" كما كانت الموضة الشبابية بعد ظهور أغنية الأخ الفنان عبد العزيز المبارك "تحرمني منك". يا عمر سعيد... لقد ذهب نجم الدين ولحقه طه سورج، وذهبت معهما قطعة عزيزة من عمرينا. كم نتعذب من بعدهم باجترار تلك الأيام الحلوة، والنفوس الطيبة، والأخلاق العالية. بعدين يا عمر شايفك اتذكرت لي أغنية بشوف في شخصك أحلامي. يعني خلاص زهمرت بقيت ما بتتذكر غيرها لما كنت فنان الحيرة بتاعتكم؟ والله أنا ذاتي ما قادر أتذكر! ستبقى في خاطري دائماً أيها الحبيب العزيز. وأتمنى أن يتيح لنا قدرنا لقاء آخر في سودان حر ومستقل وخال من شوائب الهوس والتطرف والمتاجرة بالدين. ألا رعى الله عهدك ومتّعك بالصحة والعافية... ولا أشكرك على وفائك لسورج، فذاك هو ديدنك مُذْ عرفتك.

(عدل بواسطة محمد عوض السيد on 06-25-2013, 06:26 PM)