كســـــــور& بواقــــــــي

Quote: من الذكريات العالقة بذهني يا دينا منذ الطفولة هي رؤية المساجين بالينفورم الدمورية يعملون بجد و بابتهاج كنت استغرب له في جنينة منزلنا بود مدني. كنا قد رحلنا من الخرطوم لود مدني مع تغيير عمل الوالد الحكومي و سكنا في حي يسمي بالحي السوداني، كل منزل له حديقة مخيفة كبيرة خلفية نمنع من دخولها بعد المغرب، فقط من يشذبها هؤلاء المساجين، مع كل اربعة او خمسة مساجين ياتي سجان ببندقية و يجلس في كرسي و ينام بعد ان ياكل، و كان العمل في البيت يستمر بصورة طبيعية، الوالدة تطبخ و نحن نلعب، و كل من اتي منهم للمنزل كان بقمة اللطف معنا الاطفال و انقذ احدهم حياة اخي بعد ان قتل احد الثعابين الكانت متجهة نحوه و هو لا يدري، تعودنا بين االفينة و الاخري ان يبكي احدهم اذا تذكر اولاده عند رؤيتنا نلعب. العقاب المفروض من والدتي لاصراري علي سؤالهم بغباء طفولي: انت عملت شنو؟ لم يردعني من سؤالهم لحد الوقت ده و رؤيتهم علي ارض الواقع، كانت كل معلوماتي في الوقت داك عن المساجين مستقاه بسذاجة من مجلة ميكي و عصابة دنجل، كنت اسال المساجين، كم مرة حاولت الفرار؟ كنت اعتقد انهم كلهم حاولو سرقة شخص ما ثري في المدينة، كنت اعتقد انهم يسجنو كعصابة من ثلاثة افراد، كعصابة دنجل، كنت اعتقد انه لا يوجد مسجونات نساء، كنت استغرب اختفاء التخطيط من ملابسهم و لكن لعلها ملابس العمل ابو من غير خطوط. كانو بنهاية عمل كل يوم، يصرو علي اقتطاف اكبر عدد من الليمون من شجرتنا الكبيرة المثمرة، و كنت استغرب، لوجود اشجار اخري بالمنزل، كالجوافة و المانجو، و لكن لم يهتمو لها، و عندما نسال امي، كانت تنظر الينا باشفاق و تقول عشان اكل السجن محتاج ليمون لاحظت و اخوتي انه عندما يكون ضمن مجموعة المساجين شخص بينفورم احمر، البوليس المرافق لا ينوم و يكون حاضرا بين المساجين، عرفت لاحقا انه الينفورم المختلف للمحكوم عليهم بالاعدام عصير الليمون و احكام الاعدام من اقسي الذكريات المرت علي رؤية امي صباحا قبل صلاة الصبح وهي "بتسوط" ليها في جك عصير ليمون مركز كبير مع كميات مهولة من السكر، تناوله بصمت كبير لاحد المساجين المنتظرين عند الباب الذي يردد اسما قبل ذهابه، و بمجرد ذهابه تغلق الباب و تنفرط بالبكاء و تذهب لصلاتها و تطلب مني ان اطلب المغفرة لاسم ما، و تنهي حديثها باني طفلة، ربنا بيستجيب لي باذن الله، و تكرر هذا المشهد تقريبا في الشهر مرة و مرات كان يحدث اكثر من مرة، لم تفلح محاولاتي الكثيرة لمعرفة قصة جك الليمون قبل الصبح ده و لا اذكر اجابتها في ذلك الوقت، وعندما سالت ابي ذات يوم، ذكر لي انه هؤلاء مساجين يحكم عليهم بالاعدام و اصبحت عادة انه يسقوهم جك ليمون قبل الاعدام لانهم لا يقوون علي المشي وقتها للتنفيذ، لاسباب كثيرة، منها عدم رغبتهم في الاكل بايام قبل تنفيذ الحكم. و من وقتها كرهت عصير الليمون و لا اشربه للان ان استطعت لذلك سبيلا ننسي كثيرا انه لولا رحمة من الله و فضل كبير لكنا في مكانهم، في احيان كثيرة نتناول سيرتهم و كاننا احسن منهم و لا ندري ظروفهم الاقتادتهم لذلك ولا ندري كم سنختلف عنهم حينها لو كنا في مكانهم، او اذا كان بعضهم مظلوم و ما قصة سيدنا يوسف ببعيدة عن الاذهان ربنا يغفر ليهم كلهم و يرحمهم و يغطي علي باقي عباده بالستر و الرحمة. اسفة للاطالة، و لا اذكر اخر مرة تذكرت فيها مساجين ود مدني كان متين!