|
Re: غسان مع الشيطان .. (صور) (Re: فتح الرحمن حمودي)
|
كتب العالم الفذ الشيخ محمد الشيخ .. [النبي المنسي]:
أعظم قرار اتخذته في حياتي
Quote: كنت في الثانية عشر من العمر، الساعة السادسة مساء ، الشمس تتهادى للمغيب محمرة الوجنتين كفتاة تزف إلى زوجها. أذنت لي أمي بالذهاب إلى ( السينما )، حملت عصاي وانطلقت لا ألوي على شئ. كانت ( النهود ) نبع الحنان بأهلها الطيبين ، وهي مدينة صغيرة في غرب إقليم كردفان، حديثة عهد ب ( السينما )، ولعلها كانت ( سينما) متجولة، كان ذلك منذ قرابة نصف قرن من الزمان. لا أذكر الآن العرض الذي حضرته ، وعما كانت تدور أحداثه، لأن الرعب الذي عايشته من بعده كفيل أن يمحو من الذاكرة كل تسجيلاتها السابقة فتصبح بلا ( أرشيف ). يقول علماء طبقات الأرض ( الجلوجيون ) أن النهود كانت في سالف العصور بحيرة ، ثم جفت البحيرة، ثم غرقت تحت أكمة من الأشجار، لدرجة أنك حينما تقترب إلى النهود من جميع الاتجاهات لا تراها، فهي مغطاة تماماَ ب ( ستيان ) من الأشجار. انتهى العرض حوالي التاسعة، وتفرق السمار، وكان علي أن أجد من استأنس برفقته إلى الحي الذي اقطنه. ذهب الجميع في كل الاتجاهات إلّا صوب حيّنا، صرت رهينة للوحشة والسكون، فانطلقت متوتراَ نحو منزلنا. لم تكن هناك سيارات أو كهرباء ، نذاكر دروسنا بمصباح الغاز ( الجاز ). الناس يصلون العشاء, فيتعشون وينامون مبكراَ، فتنطلق من أحلامهم كل الأرواح الشريرة من عفاريت وجان وغيلان لتعبث بالمدينة، والويل كل الويل لمن يخرق حظر التجوال. بعد معاناة قطعت خلالها قرابة كيلومترين متحسساَ طريقي في بحر ( الظلمات)، مستعيناَ بكل السور القرآنية التي أحفظها عن ظهر قلب، لم يقابلني إنس أو جان، كنت الكائن الوحيد. هاأنذا أقف أمام الزقاق الذي يؤدي إلى منزلنا، ظلام دامس وسكون مهيب، جميع الناس نيام ، حتى الآباء والأمهات فرغوا من غرس الأجيال القادمة واستغرقوا في سبات عميق. الأشجار الكثيفة تحيط بالزقاق الضيق من كل جانب، يخيل إليك أنك تدخل نفقاَ مظلماَ بلا قرار، على الرغم من أن المنزل كان على بعد أقل من 400 مترا. حينما قطعت ثلث النفق تبين لي أنني أرى شبحاَ ما على مسافة أربعين متراَ. تسمرت في مكاني ، شعرت بقشعريرة ، انتصبت كل شعرة في جسدي و صارت متأهبة للفرار، تمعنت النظر، فاستيقنت أنني أرى عفريتاَ ضخماَ يحمل حزمة ما على رأسه. صارت فرائصي ترتعد من الرعب، أعضائي تهرب مني وأتبعثر أشلاءَ في هذا الليل البهيم. ما زلت مسمراَ في مكاني أتصبب عرقاَ ، ولكنه لم يصل بعد إلى قدمي. فكرت أن أرجع وآخذ طريقاَ آخر، بيد أنه لا يوجد سوى طريق واحد، يمر خلف الحي موازيا الخلاء ( الغابة )، حيث لا يوجد سكان. و الأدهى أن الطريق يمر بمزبلة أو قمامة الحي، وبالطبع المشكلة ليست في القاذورات، بل في أن الكل يعتقد في أن المزبلة هي بيت العفاريت وموطن جبروتها وبأسها ومسقط رأسها. إذن لم يكن من خيار سوى التقدم، لم يخطر على بالي أن أوقظ الجيران واستعين بهم، كان عليّ أن أواجه قدري وحيداَ. قررت أن أتقدم، وكان هذا – كما سيتضح- أعظم قرار اتخذه في حياتي. تزودت بالمزيد من الجرعات الإيمانية القرآنية: آية الكرسي والإخلاص والمعوذتين، وتحركت صوب العفريت ، صوب منزلنا، صوب الهدف، وأنا أرتعد من الخوف. أخذت أقصى يسار النفق حتى كدت احتك بالسور، لأن العفريت كان على اليمين . عيناي وجميع حواسي مركزة على العفريت ، حتى إذا جاء بأي حركة أطلقت ساقي إلى الريح. كنت مشهوراَ بين أقراني بالعدو ( وصرت بالفعل في المستقبل عداءَ)، وخيل لي عقلي الصغير أنني سوف أسبق العفريت، إنه الوهم. بيد أن مسرح الأحداث في جملته آنئذ كان نسيجاَ من الخرافة والأساطير والأوهام. هاأنذا أقترب رويداَ رويدا من العفريت ، تتشكل ملامحه، ترتسم إحداثياته، ويعاد إنتاجه في مخيلتي حيث يعتمل الصراع بين الخرافة والواقع وبين الخوف والشجاعة والإقدام. أنا الآن على بعد 10 أمتار يبدو أن ما أراه ليس كائنا محدد المعالم. ربما ليس عفريتاَ. شعرت بشيء من الارتياح وقل خفقان القلب. لكن لا بد من التأكد حتى لا أصبح فريسة سهلة ولقمة سائغة للعفريت. وحين اقتربت أكثر تبين لي أن ما حسبته عفريتاَ كان قطعة من القماش ملقاة على قمة غصن جاف من شجرة سدر ( نبق ) بفعل فاعل أو فعل الريح. كانت أسوار المنازل تصنع من القصب مما يجعلها طعاماَ شهياَ للأغنام والأبقار والحمير، لذا درج المواطنون على تغطية السور بأغصان السدرة الشوكية حماية له. لا أستطيع أن أصف كم كانت فرحتي، وكم كنت مزهواَ بنفسي، كانت أول مرة تتعرى فيها ذاتي فأتحسس تضاريسها، أتعرف عليها وانتشي بانتصارها على نفسها. اقتربت من قطعة القماش وضربتها بعصاي، وواصلت سيري صوب المنزل أتغنى بصوت مسموع. ربما يرى البعض أن ما حدث كان عادياَ، أما على صعيدي الشخصي فقد كان مفعول التجربة مذهلاَ. لقد شكلت الأساس لصياغة وعيي بالحياة وتطور شخصيتي : أولاَ، لم أعد أعتقد في العفاريت والغيلان وما شابه ذلك من الخرافات والأساطير. وحينما كان يأتي أحدهم ليتحدث عن أنه رأى العفريت أو الشيطان، أقول لنفسي أنه دخل النفق ثم تراجع. ثانياَ، تشكل وعيي بالنهج العلمي في التفكير في مرحلة مبكرة. يتطلب التفكير العلمي ألّا تفترض وتسلم بما افترضت، ينبغي التحقق من صحة الفرضية. لقد تهيأ لي أنني أرى عفريتاَ، وفي تلك اللحظة كان اعتقادي جازماَ وراسخاَ. ولو أنني تراجعت تلك الليلة لظللت بقية حياتي أحكي بفخر وثقة أنني رأيت عفريتاَ. لكن تجمعت أسباب ذاتية وموضوعية فرضت علي التقدم والتحقق من خطأ اعتقادي، أنها فرصة نادرة بعيدة المنال بالنسبة للكثيرين. ثالثاَ، علمتني هذه التجربة معنى الشجاعة، ليست الشجاعة ألا تخاف، فالخوف غريزة، الشجاعة أن تتقدم وأنت خائف. ليست الشجاعة ألّا تيئس، الشجاعة أن تتقدم رغم اليأس وحيداَ في الظلام. لأن من طبيعة الأشياء أن يكون الأمل في نهاية النفق.
http://##################/forum/viewtopic.php?t...d3fc42ae8680c3cda9a8
|
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
غسان مع الشيطان .. (صور) | فتح الرحمن حمودي | 05-20-13, 00:45 AM |
Re: غسان مع الشيطان .. (صور) | فتح الرحمن حمودي | 05-20-13, 00:50 AM |
Re: غسان مع الشيطان .. (صور) | فتح الرحمن حمودي | 05-20-13, 01:13 AM |
Re: غسان مع الشيطان .. (صور) | أنس عباس حسن | 05-20-13, 05:50 AM |
Re: غسان مع الشيطان .. (صور) | اساسي | 05-20-13, 08:05 AM |
Re: غسان مع الشيطان .. (صور) | فتح الرحمن حمودي | 05-20-13, 09:39 AM |
Re: غسان مع الشيطان .. (صور) | فتح الرحمن حمودي | 05-20-13, 09:05 AM |
Re: غسان مع الشيطان .. (صور) | الرفاعي عبدالعاطي حجر | 05-20-13, 09:10 AM |
Re: غسان مع الشيطان .. (صور) | فتح الرحمن حمودي | 05-20-13, 10:11 AM |
Re: غسان مع الشيطان .. (صور) | فتح الرحمن حمودي | 05-20-13, 11:41 AM |
Re: غسان مع الشيطان .. (صور) | أنس عباس حسن | 05-20-13, 11:45 AM |
Re: غسان مع الشيطان .. (صور) | جمال الباقر | 05-20-13, 01:56 PM |
Re: غسان مع الشيطان .. (صور) | فتح الرحمن حمودي | 05-20-13, 03:11 PM |
Re: غسان مع الشيطان .. (صور) | حجة امنة | 05-20-13, 04:25 PM |
Re: غسان مع الشيطان .. (صور) | فتح الرحمن حمودي | 05-20-13, 04:37 PM |
Re: غسان مع الشيطان .. (صور) | حجة امنة | 05-20-13, 05:22 PM |
Re: غسان مع الشيطان .. (صور) | الصادق اسماعيل | 05-20-13, 06:25 PM |
Re: غسان مع الشيطان .. (صور) | محمد على طه الملك | 05-20-13, 08:24 PM |
Re: غسان مع الشيطان .. (صور) | فتح الرحمن حمودي | 05-21-13, 03:31 PM |
Re: غسان مع الشيطان .. (صور) | فتح الرحمن حمودي | 05-21-13, 11:18 AM |
Re: غسان مع الشيطان .. (صور) | فتح الرحمن حمودي | 05-21-13, 10:15 AM |
Re: غسان مع الشيطان .. (صور) | فتح الرحمن حمودي | 05-22-13, 12:07 PM |
Re: غسان مع الشيطان .. (صور) | AMNA MUKHTAR | 05-22-13, 02:15 PM |
Re: غسان مع الشيطان .. (صور) | فتح الرحمن حمودي | 05-24-13, 12:21 PM |
Re: غسان مع الشيطان .. (صور) | فتح الرحمن حمودي | 05-27-13, 12:19 PM |
Re: غسان مع الشيطان .. (صور) | محمد عبد الله حرسم | 05-29-13, 11:25 AM |
Re: غسان مع الشيطان .. (صور) | فتح الرحمن حمودي | 05-29-13, 11:41 AM |
Re: غسان مع الشيطان .. (صور) | محمد عبد الله حرسم | 05-29-13, 05:50 PM |
Re: غسان مع الشيطان .. (صور) | فتح الرحمن حمودي | 05-29-13, 11:46 PM |
Re: غسان مع الشيطان .. (صور) | فتح الرحمن حمودي | 05-30-13, 12:35 PM |
Re: غسان مع الشيطان .. (صور) | محمد عبد الله حرسم | 05-30-13, 04:35 PM |
Re: غسان مع الشيطان .. (صور) | محمد عبد الله حرسم | 05-30-13, 04:44 PM |
Re: غسان مع الشيطان .. (صور) | فتح الرحمن حمودي | 05-30-13, 11:31 PM |
Re: غسان مع الشيطان .. (صور) | فتح الرحمن حمودي | 05-31-13, 01:24 PM |
|
|
|