|
مشاهد من أبو كرشولة
|
أبو كرشولة، تلك المدينة الواقعة على الحدود بين جنوب كردفان وشمالها، هي مقر لخليط من أهل السودان تزاوجوا وصاروا إخوة متاحبين حتى إذا سألت أحدهم من أي القبائل أنت لقال لك: أنا من أهل أبو كرشولة وكفى. لقد كانت تلك المدينة، حتى قبل أيام معدودة، منطقة آمنة مستقرة، يأتيها رزقها رغداً بإذن ربها، إلا أن أيدي المتمردين الآثمة أبت إلا أن تعكّر صفوها، وتشتت أهلها حتى وجدوا أنفسهم بين شيخ قتيل، وفتاة مغتصبة، وإمرأة مشردة تبكي وليدها أو زوجها أو أخاها، تائهةً في العراء بلا مأوى أو غطاء دون ذنب إلا أن تقول ربي الله. فقد تناقلت وسائل الإعلام المختلفة ما قام به شذاذ الآفاق متمردو ما يسمى بالجبهة الثورية من فظائع يندى لها الجبين، وتقشعر منها الأبدان، وتأباها الفطرة السليمة، ولم ينجو منها شيخ راكع، أو شاب عامل، أوفتاة لم تبلغ الحلم بعد! يحدث كل هذا باسم الثورة وتحرير السودان ممن لا ندري! وكل هذه الأفعال إنما هي نتيجة طبيعية لانحراف القيم واختلال ميزان العرف والأخلاق الذي يقود صاحبه إلى كل ما هو شنيع ومقزز من الجرائم البشعة. ومجمل القول إن هذه الأفعال الوحشية هي جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية محرمة بنص القانون الدولي الذي يمنع التعدي على حرمة الآمنين أو قتلهم وتشريدهم. وحسب ظني أن من قاموا بهذه المنكرات لا يمكن أن يكونوا قد رضعوا من أثداء نساء سودانيات، ولاخرجوا من أصلاب رجال سودانيين؛ فهم مسخ مشوه ليس له عقل ولا خلق؛ كما أن الأحقاد العنصرية، والدعاية السياسية، التي يديرها أبالسة بني صهيون، وتنفذها نيابة عنهم بكل غباء وخسة، دولة الدينكا الفاشلة، ممثلة في الحركة الشعبية، قد افرغتهم من كل القيم، وصبت مكانها الرغبة في القتل والتنكيل بالأبرياء.
إن من أمثلة تلك الفظائع ما حل بزميلنا الأستاذ محمد الزبير كلكلة، فهو رجل نعرفه جيداً، حيث درسنا سوياً في مدرسة خورطقت الثانوية، عندما كان السودان لا يعرف الجهوية ولا القبلية ولا العنصرية، التي جلبت لنا كل هذا الدمار والخراب والشتات والحرب والبغضاء الطاحنة. كان محمد رجلاً كالربيع لا يلقاك إلا بوجه طلق تعلو محياه الإبتسامة؛ وحسب معرفتي به فإن محمدًا لا يمكن أن يعتدي على شخص، لِما يتمتع به من روح طيبة، وخلق حسن، وأدب جم. ظل محمد يعلم الناس أمور دينهم ودنياهم، حتى امتدت له يد الغدر والخيانة خلسة صبيحة الهجوم على أبو كرشولة وحتى هذه اللحظة لا أحد يعلم عنه شيئاً؛ فأصبح تنطيق عليه الأبيات التي تقول: بكيتُ على محمدٍ ولم أدر ما فعل أحيٌّ فيرجى أم أتى دونه الأجل فو الله ما أدري وإنِّي لسائل أغالك بعدي السهل أم غالك الجبل تُذَكِّرُنِيهِ الشمس عند طلوعها وتعرض ذكراه إذا غربها أفل ومشهد آخر لا يقل فظاعة عن هذا، هو ما رواه بعض النازحين عن تلك المرأة الشابة التي قُتِلَ زوجها أمام ناظريها، وهو يداعب طفله الأول الذي لم يبلغ يومه الأربعين من العمر بعد؛ فاضطرت تلك المسكينة لحمل ولديها عساها تنجو بنفسها وبذلك الرضيع، ولم تكن تدري ما يخبئ لها القدر. فبعد أن قطعت مسافة مع الفارين من الموت، أعياها السير، فلجأت إلى جذع شجرة تستظل به، ريثما تسترد قواها، ولكن فاجأها نزيف حاد وهي على تلك الحالة ففارقت الحياة ولحق بها الرضيع جوعاً، ولم يدل الناس عليها إلا النسور تنهش جثتها في ذلك المكان القفر! فأي ثورة تجيز هذه الأفعال يا ترى؟ وما علاقة هؤلاء بالمؤتمر الوطني والسياسة، حتى تطالهم هذه الأعمال الوحشية؟ اللهم إنا نسألك بحولك وقوتك أن تقتل من قتل هؤلاء، اللهم عليك بجنود ما يسمى بالجبهة الثورية، والحركة الشعبية، ومن شايعهم وأيدهم ودعا بدعواهم، أو قبل أفعالهم وأقرها، اللهم احصهم عددا وأهلكهم بددا ولا تغادر منهم أحد، عاجلاً غير آجل فإنهم لا يعزون عليك، ولا يعجزونك، يا رب العالمين ويا ناصر المستضعفين من الولدان، والنساء، والشيوخ.
ولقد شاهد الناس أيضاً تلك المرأة النازحة في مخيمات الرهد وهي تزرف الدمع لفراق أوطانها وتناشد المسئولين، والقائمين على الأمر، مغلوبة على أمرها، مطالبة إياهم ببذل كل ما هو ممكن حتى تعود إلى ديارها التي لم تألف العيش في مكان سواها. لك الله أختاه؛ فقد آلمنا مصابك، ونحن من هنا نعلن وقوفنا مع أمثالك حتى تعودي إلى بيتك، إن شاء الله، في القريب العاجل، معززة مكرمة. وهذه لا شك حالة من النوستالجيا التي تشير إلي الألم الذي يعانيه الشخص إثر حنينه للعودة لبيته وخوفه من عدم تمكنه من ذلك للأبد. وهي لا شك حالة مرضية أو شكل من أشكال الاكتئاب المؤلم. فو الله لن يهدأ لنا بال ولن تقر لنا عين حتى تزول هذه الحال البائسة التي يعاني منها أخوتنا وأخواتنا من أهل أبو كرشولة وقد أخرجوا من ديارهم غدراً وخيانة وظلماً.
أخيراً نرجو من حكامنا على كافة المستويات القومية والولائية أن يتأملوا قول الفاروق رضي الله عنه: (لو عثرت بغلة في العراق لسألني الله عنها لما لم تصلح لها الطريق يا عمر). فلله درك أبا حفص فقد وضعت منهجاً وسابقة في تحمل المسؤولية تنؤ بها كواهل الحكام؛ خاصة وأن الوضع في هذه الحال لايتعلق ببغلة، وإنما حياة إناس إبرياء وعزّل؛ فياليت أن المسؤولين في الدولة يدركون مدلول هذا القول ويهبون لنجدة الضعفاء ويضربون هؤلاء المارقين بيد من حديد حتى تضع الحرب أوزراها وينعم الناس بالسلام.
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
مشاهد من أبو كرشولة | محمد التجاني عمر قش | 05-12-13, 09:38 AM |
Re: مشاهد من أبو كرشولة | saif massad ali | 05-12-13, 09:41 AM |
Re: مشاهد من أبو كرشولة | أحمد التجاني ماهل | 05-12-13, 10:22 AM |
Re: مشاهد من أبو كرشولة | محمد التجاني عمر قش | 05-12-13, 11:10 AM |
Re: مشاهد من أبو كرشولة | Munir | 05-12-13, 11:12 AM |
Re: مشاهد من أبو كرشولة | محمد التجاني عمر قش | 05-12-13, 11:25 AM |
Re: مشاهد من أبو كرشولة | Munir | 05-12-13, 11:49 AM |
Re: مشاهد من أبو كرشولة | أحمد التجاني ماهل | 05-12-13, 12:08 PM |
Re: مشاهد من أبو كرشولة | محمد التجاني عمر قش | 05-12-13, 01:30 PM |
Re: مشاهد من أبو كرشولة | أحمد التجاني ماهل | 05-12-13, 11:56 AM |
Re: مشاهد من أبو كرشولة | Siddig Elghali | 05-13-13, 10:15 AM |
Re: مشاهد من أبو كرشولة | حماد الطاهر عبدالله | 05-12-13, 11:22 AM |
Re: مشاهد من أبو كرشولة | عبدالكريم الاحمر | 05-12-13, 11:38 AM |
Re: مشاهد من أبو كرشولة | محمد التجاني عمر قش | 05-12-13, 12:54 PM |
Re: مشاهد من أبو كرشولة | أحمد التجاني ماهل | 05-12-13, 12:02 PM |
Re: مشاهد من أبو كرشولة | محمد التجاني عمر قش | 05-12-13, 12:13 PM |
Re: مشاهد من أبو كرشولة | حماد الطاهر عبدالله | 05-12-13, 01:13 PM |
Re: مشاهد من أبو كرشولة | أحمد التجاني ماهل | 05-12-13, 07:42 PM |
Re: مشاهد من أبو كرشولة | محمد التجاني عمر قش | 05-13-13, 09:00 AM |
Re: مشاهد من أبو كرشولة | محمد التجاني عمر قش | 05-13-13, 09:25 AM |
Re: مشاهد من أبو كرشولة | محمد التجاني عمر قش | 05-13-13, 09:36 AM |
Re: مشاهد من أبو كرشولة | التيجاني عبد الباقي | 05-13-13, 11:34 AM |
Re: مشاهد من أبو كرشولة | محمد التجاني عمر قش | 05-13-13, 12:12 PM |
Re: مشاهد من أبو كرشولة | محمد التجاني عمر قش | 05-13-13, 12:21 PM |
|
|
|