لاشك أن بيان الحزب الشيوعي الصادر أمس الأول، والذي طالب فيه بضرورة إجراء تحقيق شامل حول قضايا الفساد، قد أزعج المفسدين المندسين والذين يتعذبون يومياً كلما سمعوا تصريحات جديدة وكلام حديث عن الفساد. فبيان الحزب الشيوعي الموضوعي جداً، بلا شك يمثل مصدر قلق للذين يريدون أن يغبر الزمن ما أفسدوه وما أكلوه من مال عام وحق الشعب، مع أنهم مطمئنين (خالص) في أوكارهم، ويعلمون جيداً أن يد العدالة لن تطالهم، وأن المحاسبة ليست لمثلهم بل لمن هم أدنى منهم، لأن محاربة الفساد في جنوب السودان تتم فقط بالحديث في المنابر والمحافل، بل في أحيان اُخرى أضحى المسؤولون يجدون في الحديث عنها متعة اللقمة السائغة للكسب السياسي والمجتمعي (برضو). إلا أنني أجزم بأن بيان الحزب الشيوعي بمطلبهم هذا، سيذهب كما ذهبت المطالبات التي سبقته، ولن تجد حيزاً قليلاً من الإهتمام الرسمي. لأنه وبكل بساطة تعلم الحكومة جيداً ماذا يعني الفساد، وماهو الفساد، ومن هم المفسدين في جنوب السودان، والأبعد من ذلك أنها كوّنت مفوضية محاربة الفساد إلا انها صامتة تماماً، وكما يعلم الجميع لم تتم محاسبة ولا(جنة) مفسد (ساي)، لدرجة بتنا لا نعلم هذه لمحاربة من جاءت هذه المفوضية.
سبق وقلتُ مرات عدة بأن محاربة الفساد بهذا النهج الذي تتبعه الدولة بـ(الكلام والونسة بس) لن يغير شيئ، بل سيطور أشكال الفساد ومظاهره، أي طرق إرتكابه.. ولنسأل أنفسنا، لماذا لم يتم ضبط مفسد حتى الآن، مع أن وجود الفساد لا يمكن نكرانه، فأين تكمن المشكلة إذاً؟.. ومن الذي سيحارب الفساد مثلاً، الحكومة؟ وكيف تحارب الحكومة الفساد إذا كان بعض المفسدين جزء من الحكومة؟.. إذاً المعادلة واضحة، من يحقق مع من؟ أو من يحاسب من؟ و(أي زول بحمر للتاني)… فكيف يحاسب التشريعي التنفيذي مثلاً، وجزء منهم شركاء في الفساد، أو كيف يحاكم القضائي ذاك التشريعي طالما أنه رفيقه.. والشبكة تتطول.
في الواقع.. ما ذهب إليه الحزب الشيوعي في بيانه، وخاصة حديث البيان حول ضرورة أن تحدد الحكومة المعايير التي تحارب بها الفساد وعدم تعطيل مصالح المواطنين، تمثل نقطة مهمة للغاية يجب أن يلتفت إليها من تبقت في نفسه (شوية دم) تجعله وطني، ويخاف على مصلحة الشعب والوطن معاً. فإن كانت هنالك تقارير عدة تحدثت عن الفساد في البلاد في كل مظاهره، بالإضافة لظواهر التجاوزات المالية العديدة وفقاً لتقارير المراجع العام في السنوات الفائتة، فضلاً عن الكلام الصريح والواضح حول قائمة الـ(75)مفسد، وفوق (ده كلو) لا توجد ولا قضية فسادية واحدة متحركة في المحاكم. ببساطة ألامر يكشف عن خلل عضال تعاني منه الحكومة والدولة معاً. وعلى كل حال، نأمل التغيير، ونأمل ألا تموت قضايا الفساد بالتقادم، مثلما نأمل أن يكون هنالك نوع من المسؤولية وحب الوطن، لدرجة يأتي اليوم الذي فيه مسؤول ويقول أنا مفسد فحاكموني، طالما ليست هنالك جهة تضغط أو تجبر الحكومة على محاكمة المفسدين. والمفسدون أنفسهم لا يخشون شيئ، لا من الشعب لا من غيره، فمن الذي سيحقق في قضايا الفساد إذاً ويحاكم المجرمين؟… فالمشكلة كبيرة.
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة