|
Re: الطائفية .. قراءة مغايرة .. من التجريم إلى التشخيص .. (Re: أحمد الابوابي)
|
هذا المقال تم نشره في صحيفة الحريدة ، يوم الثلاثاء 29 سبتمبر ,.. أعيد نشره هنا لمزيد من الاطلاع ، و الحوار..
الطائفية، و الهوس الديني .... من التجريم إلى التشخيص (1)..
في هذه السلسلة من المقالات، أود أن أدخل مدخلاً مختلفاً، على موضوعين شديدي الحساسية، و الخطورة، لطالما تم تناولهما، في أدبياتنا السياسية، و هما، الطائفية، و الهوس الديني، و ما يدفعني للكتابة، حولهما هوإدراكي لكونهما يشكلان عقبتين أساسيتين في طريق التطور، و الاستنارة، في هذا البلد، باعتبار تعارضهما مع حركة الفكر الحر ، يضاف إلى هذا شعور بأن تلك المداخل التي تم تبنيها تجاه هذين الموضوعين، كانت أقرب إلى التجريم منها إلي التفهم، و النقد الصبور، لأجل ذا فإن هذا النمط من التناول، زاد الأمر حساية، و أدى إلى حالة من التجريم، من طرف، و الإنكار، و التجريم العكسي، من طرف آخر .. و لأنه ما من متأمل محايد يمكن أن ينكر وجود هاتين العلتين في واقعنا، و لا عاقل يستطيع إنكار الأثر السالب لهما على حياتنا، و تطورنا، و خروجنا من نفقنا المظلم، فأنا أود أن أدخل من باب مختلف، سأتحرى فيه الإبتعاد عن التجريم، ما استطعت ، قاصداً بذلك خلق لغة مشتركة (إنسانية)، يمكن بها التعبير عن المشكلة، تفادياً لعوائق التواصل التي تحيل الحوار إلى ( شجار)، أو قل إلى (حوار طرشان)..و سأقوم في هذا الإتجاه، بوصف الظاهرة على نحو أقرب إلى وصف المرض عند أصدقائنا الأطباء، مع قليل من التحليل للعلل القائمة، وراء هاتين الظاهرتين ..
الطائفية ، ظاهرة.. أم وصمة..
و الحق أننا كثيراً ما نتحدث عن الطائفية، و لكن هذا يتم ، عادة، في سياق من السباب السياسي، أكثر من كونه تناولاً ينبني على نهج وصفي، أو تحليل (نفسي، سياسي) .. و هذا ما أدى، إلى قيام موقفين أحدهما ناعت، لكيانات بعينها، بوصفها كيانات طائفية، و منتقص من قيمتها الفكرية، و السياسية، على هذا الأساس، و الآخر هو أن هذه الكيانات، قد أخذتها العزة، فعميت عن حقيقة ،وجود تلك الظاهرة (الطائفية)، في داخلها، و هذا ما أعاق كثير من إمكانيات تطور هذه الكيانات، نحو آفاق الديمقراطية ،و المؤسسية .. و الحق أنني بدأت كغيري، من موقف تصنيفي، سكوني، للكيانات المختلفة، فهذا تنظيم طائفي، و ذاك غير طائفي .. و لكن مع التأمل، و استحضار القليل من الحياد، اكتشفت قصور هذا المنظور، و لا جدواه .. فأنت في حقيقة الأمر لا تقدم للآخر، أدنى فائدة، و لا للظاهرة علاجاً، إن ظللت تنعته-الآخر أعني- طول الوقت بالطائفي، هذا طبعاً إن كنت تحرص على تقديم ما يفيد للآخر، و للعلاقة المشتركة بينكما، خصومة كانت أم حواراً .. الأمر الآخر الذي استجد عندي هو أنه، قد بدأت تتكشف لي ملامح (الطائفية)، في كيانات كانت عندي منزهة عنها، و هي إلى ذلك، كيانات كرست الكثير من وقتها للتنفير من الطائفية، و محاربتها .. هذا ما جعلني أدرك بأن الطائفية هي في حقيقة الأمر ظاهرة، واردة الحدوث في أي كيان ديني، يقوم على نوع من التراتبية الفكرية، أو الروحية، و أن مدى بعد هذا الكيان، أو ذاك عنها، ليس بمقدار ما يبرزه نحوها من عداء لفظي، و تنفير دعوي، بل بمقدار المجهود الداخلي الجاد من قبل كلا القادة، و المقودين، و اليقظة المستمرة في رصد الظاهرة، ومحاربتها، في أطوارها الجنينية .. هذا هو المحك الذي برز لي من معايشة مجتمعي الصغير، ألا و هو مجتمع (الأخوان الجمهوريين)، و لمراقبتي القريبة نسبياً لكيانات أخرى .. و لعله معلوم لدى الجميع مدى النشاط الواسع الذي قام به الجمهرييون في إطار محاربة الطائفية السياسية .. إن ما تأكد لي بدون أدنى شك أن هذا المجتمع ، كما غيره من المجتمعات، ليس محصناً ، من هذه الطتئفية التي يعاديها ، بل إنه مع الزمن بدأت تدب فيه الكثير من ملامحها.. و هنا اسمحوا لي أن أقتبس من مقال كتبته سابقاً في إطار الحوار الداخلي بيني، و بين أفاضل من الأخوان الجمهوريين، هدفت فيه للتنويه لبروز بعض المظاهر الطائفية في داخل مجتمعنا الجمهوري ، و للحوار حول إمكانية إيجاد تعريف يجعل المشكلة أكثر وضحاً ، و تلافيها ، أقرب إمكاناً.. كان ذلك المقال تحت عنوان (العقائدية و توأمها الطائفية .. بعض كلمات للذكرى .... قلت في إحدى فقرات ذلك المقال : (الراصد لمسار الفكر الجمهوري، يلاحظ شيئاً لافتاً، هو أن الأستاذ محمود كان يقاوم أمرين، و يحذر منهما ... الأوّل هو أن تصبح الفكرة الجمهورية عقيدة جامدة، و الثاني أن يصير المجتمع الجمهوري مجتمعاً طائفياً .. و الحق أن العقائدية (الدوغمائية)، و الطائفية هما أختان و ربما كانتا وجهين لعملة و احدة .. فكلاهما اعتماد على صورة محدودة- نسبية و مرحلية -من صور التعبير عن الفكر المعيّن، و اكتفاء بها .. ففي الطائفية تأخذ هذه الصورة بعد تجسيد بشري (شخص ما)، و الاستغناء به عن تطوير العلاقة مع المطلق من جهة، و مع التجليات الأخرى للمطلق من ناحية ثانية، و مع الذات الفردية، بطاقاتها الإيجابية، من ناحية ثالثة .. و في العقائدية يتم الاعتماد على مرحلة من مراحل التخلّق لفكرة ما أو ديانة ما، و الاكتفاء بها عن السير قدماً في مسار التطوير، و التخليق لهذه الفكرة أو الديانة، هذا من ناحية، و عن الحوار، و التفاعل الفكري الخصب، مع الآخر من ناحية أخرى...).. و في فقرة أخرى :
( أما في حالة الطائفية، فما يحدث هو، التمركز حول رمز ما، و الطواف حول كعبته بالغدوّ، الآصال، بصورة تخرج هذا الرمز من مقامه النسبي، في تراتبية الفكر المحدد، و تحله في مقام الرمز المطلق، حاجبة عن الفرد الطائف رؤية الرموز الأعلى، و المقامات الأسمى .. بذا يتحوّل الرمز الطائفي من صفة الوسيلة إلى صفة الوثن، الذي يحجب الرؤية، و يقطع طريق الرب .. فالطائفية كما قال الأستاذ محمود، مفسدة للقائد (الرمز )، و المقود في نفس الوقت و السياق .. فالقائد الطائفي، يجد نفسه أمام أفراد خاملين، سالبين، يعتمدون عليه كل الاعتماد، في متقلبهم، و مثواهم، و لا يضيفون له، شيئاً، فيتولّد، في داخله، و إن أبدى المحبة، والتقدير، شعور، خفي بالاحتقار، و عدم المكافأة، يجعله لا يعوّل عليهم، في أمر ذي بال، بل يستخدمهم لأغراض الحياة الدنيا، أو ما يرى فيه الرشاد، و يلتهم ما تنازلوا عنه طوعاً من حرياتهم، لينمو و يتضخم، في أذهانهم، و في ذهنه، دون أن ينتظر منهم، أن يعينوه، على نفسه إذا أخطأ، أو يشدوا من أذره إذا أصاب .. هم كظله، لا قيمة لهم في ذهنه إلا منسوبين له، فهو و قد غاب عنه محك مخالطة العقول الحرّة المطالبة بالإقناع، و الحجة، و التفاعل مع النفوس الحية المتمردة، يصير إلى حال من ركود الفكر، و طغيان النفس، فلا يلبث أن يعلنها في ملأ القوم، بلسان الحال، أو المقال، أو كليهما : (أنا ربكم الأعلى )، و (لا أريكم إلا ما أرى).. فيخسر بذا ربه، و نفسه ... آخرته، ودنياه.. أما المقود، و قد وجد من يحمل عنه، عناء النهوض بأعباء الفردية، و يحمل عنه أثقال الاختيار، و الحرية، فتراه، خاملاً، سالباً، يقنع من العزائم، بأن قد أخذ بها الكبار، و من الكمال بأنه، يراه مجسدا، في سيّده و رمزه.. فينمو كنبات الظل لا يقوى على هجير شمس الحرية، و لا يقوم إلا متكئاً، فينقصم ظهره عند أوّل امتحان .. و لأنه لا يقوي على أن يقوم، إلا في الظل الظليل، فإنه يتجنب بكل طريقة، أن يفارق ظله، و يسعى ليبعد عنه، ساعة الفطام، فيظل يقدم القرابين، و يتزلّف بالولاء الذي، ما به من رأي، و الطاعة التي ليس معها من فكر، أو رؤية، ناهيك عن اعتراض .. فيظل يتنازل عن حريته، من أجل أمنه، و كرامته، من أجل سكينته، و هو في كل ذلك يقنع نفسه التي غطى عليها الخوف و الوهم، أن حريته محفوظه، و أن كرامته وديعة مصانه، تردّ عليه متى شاء، بل تصوّرمن جهل أنها في يده رهن الطلب، و الإحتياج ..).. نواصل ..
|
|
|
|
|
|
|
العنوان |
الكاتب |
Date |
الطائفية .. قراءة مغايرة .. من التجريم إلى التشخيص .. | أحمد الابوابي | 04-27-13, 01:22 PM |
Re: الطائفية .. قراءة مغايرة .. من التجريم إلى التشخيص .. | أحمد الابوابي | 04-27-13, 01:25 PM |
Re: الطائفية .. قراءة مغايرة .. من التجريم إلى التشخيص .. | أحمد الابوابي | 04-27-13, 01:29 PM |
Re: الطائفية .. قراءة مغايرة .. من التجريم إلى التشخيص .. | أحمد الابوابي | 04-27-13, 01:37 PM |
Re: الطائفية .. قراءة مغايرة .. من التجريم إلى التشخيص .. | Abdel Aati | 04-28-13, 03:52 PM |
Re: الطائفية .. قراءة مغايرة .. من التجريم إلى التشخيص .. | أحمد الابوابي | 04-28-13, 05:47 PM |
Re: الطائفية .. قراءة مغايرة .. من التجريم إلى التشخيص .. | كمال عباس | 04-28-13, 05:46 PM |
Re: الطائفية .. قراءة مغايرة .. من التجريم إلى التشخيص .. | أحمد الابوابي | 05-02-13, 01:17 PM |
Re: الطائفية .. قراءة مغايرة .. من التجريم إلى التشخيص .. | سعد مدني | 05-02-13, 02:52 PM |
Re: الطائفية .. قراءة مغايرة .. من التجريم إلى التشخيص .. | أحمد الابوابي | 05-02-13, 05:34 PM |
|
|
|