إختفاء بروفيسور عمر هارون في ظروف غامضة ...

Quote: قصة (البعيو) كثيرون في حلة ود العقيد لا يعرفون إسمه الحقيقي وأنا احدهم ,ولكن لا يوجد أحد في البلدة لم يسمع بقصة البعيو. ذات ليلة صيفية قاتمة غادر البعيو ابن العاشرة ومعه اثنين من أقرانه غادروا البلدة على دوابهم إلى البلدة المجاورة حيث توجد حفلة دلوكة.ربطوا دوابهم عند أطراف الغابة المجاورة للبلدة واكملو سيرا على الأقدام إلى بيت العرس ,وفي أوج الحفلة وفي غفلة من الساهرين ساعد عليها (علالة العرضة) وضو الرتينة في غفلة من الجميع تكونت في الأفق عاصفة صيفية عاتية . ومثل هذه العواصف عندنا أمر معتاد الحدوث في الصيف ولا يستطيع أن يتخيلها من لم يراها,تبدأ العاصفة على جانبي الأفق وتمتد في شكل دائرة إلى إن تطوق المنطقة تماما وتعتم للحظات لا تجد فيها هواء تتنفسه وبعد هدوء قاتل فجأة تهب كمارد وتبدأ مقدماتها بأصوات (الطشاتة والجرادل) والأشياء التي تطيع بها إلى أن تعم كل شيء وتصبح حقيقة فوضوية في ثوان,وأفضل ما تفعله في مثل هذه العاصفة هو أن تبقي حيث أنت وان تحرص على أن ترفع رجليك عن الأرض لأن العاصفة سانحة لخروج (الدعت) فإذا هبت وأنت في سريريك فاحرص أن لا تترك طرف الملاية يتدلى إلى الأرض. المهم إن هذه العاصفة وصلت فجأة إلى بيت العرس وأطاحت بالمكرفون (الجردل) الموضوع على الحيطة وخلطت الحابل بالنابل. هام الطفل البعيو على غير هدى ينادي رفاقه إلى أن وجد نفسه خارج المنزل ولم يتبين إلا أشباح أشجار الغابة تهم بالانقضاض عليه وصفير الريح المرعب بين أغصانها,حاول العودة فلم يهتدي إلى شيء,كان أكثر ما يرعبه شجرة في طرف الغابة يقال لها (شجرة الجمل) حيكت حولها عشرات الأساطير ولا يجروء أشجع شجعان البلدة على الاقتراب منها في رابعة النهار ناهيك عن طفل وفي مثل هذه العاصفة العاتية, يروي أن هناك جني في شكل جمل ضخم يسكن هذه الشجرة وتروى كثير من القصص عمن طاردهم الجمل,كانت فكرة أن يجد نفسه تحت هذه الشجرة تكاد تقتل البعيو من الرعب فاستمر مهرولا تدفعه الريح أنى شاءت وكلما هم بالجلوس خيل إليه بشبح الجمل ينقض عليه من بين الأشجار,استمر البعيو سائرا طوال الليل بكي حتى جفت دموعه وصرخ حتى بح صوته ولكنه استمر سائرا يصطدم بالأشجار ويقع في الحفر ويطأ على الأشواك . أشرقت شمس اليوم التالي خجولة باهتة فتبين البعيو بصعوبة أماكن حوله لم يعرفها سمع (رزة) عربية قادمة فجرى نحو مصدر الصوت تشعلق البعيو بالعربية التي بدت له كسفينة نوح , طفق يسال الركاب عن قرية ود العقيد بعد أن روى لهم قصته وللأسف لم يسمع أي منهم بقرية ود العقيد انتهت مسيرة البص في مدينة صغيرة استضافه احد ركاب البص من سكان المدينة عدة أيام. هذا الجزء هو المتفق عليه حول قصة البعيو...! وما تلاه من حياته تضاربت حوله الأقوال ومصدر ذلك التضارب هو روايات البعيو المتعددة والمختلفة لكل من يسأله عن قصته فمرة يروي انه عمل في تلك المدينة صبي عربجي وجمع مبلغ من المال ثم سافر عبر قطار الشمال إلى مصر ,ومرة يروي انه قد اختطف من قبل مجموعة من التجار وأنهم قد باعوه في تركيا ويشطح في هذه الرواية بعض المرات ويمزجها بقصة سيدنا يوسف ولكثرة الروايات فسأتجاوز عنها واقفز بك إلى عودة البعيو إلى قرية ود العقيد. بعد خمسة وعشرين عاما عاد البعيو إلى قرية ود العقيد يرتدي ملابس غريبة مزركشة ,وبسهولة وصل الى بيت أهله وقال لهم- ما معناه - أنا ولدكم الرايح وروى قصته بلغة لم يفهم أهله كثير من مفرداتها وروى انه أصبح من أصحاب الأموال ولديه عقارات في تركيا وتجارة. قوبلت رواية البعيو بكثير من الشكوك ومصدر ذلك- بالنسبة لأهل القرية- انه قد عاد يتحدث لغة غريبة حروفها معووجه ومقلبنة وبدا لونه فاتحا أكثر من إخوته الذين كانوا بلون الأرض التي يكدحون عليها لكن النصيحة (الكشر والخلقة) ياها ذاتا خلقتم أقيمت الولائم ونحرت الذبائح وتقاطر الناس لرؤية الطفل الذي تاه في العاصفة قبل خمسة وعشرين عاما. سرعان ما تبددت الفرحة بقدوم البعيو بالأخص بالنسبة لإخوته بعد أن سمعوا الكثير من الأكاذيب ولم يروا له مالا حتى الشنطة التي جاء يحملها اتضح أنها لا تحوي سوى ملابس غريبة لا نفع منها ,وزاد من حنقهم أكاذيبه و تصرفاته المخجلة الغريبة على أعراف البلدة, كان إذا وضع الطعام شمر عن ساعديه واعمل فيه يديه الاثنين وغيرها من التصرفات الغريبة ولا احد يعلم من أي ماخور تعلم البعيو هذه الحركات البايخة,بعد أن قضى شهرا قفل البعيو راجعا من حيث أتى واعدا أهله انه ذاهب لتصفية تجارته وبيع عقاراته والعودة نهائيا إلى البلدة. مضى على مغادرة البعيو الأخيرة للقرية تسعة سنوات ولم يعد حتى هذه اللحظة.