الجمـــــعـــــة

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-04-2024, 08:51 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الاول للعام 2013م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
07-30-2010, 09:47 AM

كمال حسن
<aكمال حسن
تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 1352

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
الجمـــــعـــــة

    إخوتي
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    لنجعل هذه الزاوية لخطبة الجمعة، فهناك الكثيرون ممن يعملون إما في بلادنا أو بلاد الغرب أو الشرق ممن لا تسمح لهم ظروف عملهم بحضور الجمعة والإستماع لخطبتها وما فيها من عبر وعظة، فعلى الأقل ألا يحرموا في هذا اليوم العظيم من الذكرى لأن الذكرى تنفع المؤمنين، جعلني الله وإياكم من المؤمنين الذين يسمعون القول فيتبعون أحسنه.
    و سيكون دأبنا في هذا البوست على نقل الخطب إما كاملة (إذا لم تكن في حاجة للتعديل) أو بتصرف أو خطبة مكتوبة بالكامل، وأسأل الله أن يجعل هذا الأمر في ميزان حسنات الجميع وفي مقدمتهم صاحب الدار (المهندس بكري أبو بكر)
    كما أطلب (شاكرا ومحترما و مقدرا) من الإخوة المتداخلين، الذين يريدون أن يرفدوا هذا البوست بما يفيده أن يلتزموا منهاج أهل السنة والجماعة، و أستسمح ما يرون غير ذلك ( بل وإستأذنهم) في أن يجعلوا لهم بوستا آخرا وليكتبوا فيه ما يشاءون وما يرون.
                  

07-30-2010, 09:56 AM

كمال حسن
<aكمال حسن
تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 1352

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: كمال حسن)

    بسم الله الرحمن الرحيم
    خطبة الجمعة اليوم عن الخليفة الخامس عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه وأرضاه
    إن الحمد لله نحمده ونستغفره ونستعينه ونستهديه, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا مثيل له ولا ضدَ ولا ندَّ له، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وقائدنا وقرّة أعيننا محمدا عبده ورسوله وصفيه وحبيبه، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة، فجزاه الله عنا خير ما جزى نبيا من أنبيائه, صلوات الله وسلامه عليه وعلى كل رسول أرسله.
    [يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ] {الحج:2}
    أما بعد
    رأى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رؤيا، فقام من نومه يردد: مَنْ هذا الأشجُّ من بني أمية، ومِنْ ولد عمر يُسَمى عمر، يسير بسيرة عمر ويملأ الأرض عدلاً. .مرت الأيام، وتحققت رؤيا أمير المؤمنين، ففي منطقة حلوان بمصر حيث يعيش وإلى مصر عبد العزيز بن مروان وزوجته ليلى بنت عاصم بن عمر بن الخطاب وُلِد عمر بن عبد العزيز سنة 61هـ، وعني والده بتربيته تربية صالحة، وعلَّمه القراءة والكتابة، لكن عمر رغب أن يغادر مصر إلى المدينة ليأخذ منها العلم، فاستجاب عبد العزيز بن مروان لرغبة ولده وأرسله إلى واحد من كبار علماء المدينة وصالحيها وهو (صالح بن كيسان). حفظ عمر بن عبد العزيز القرآن الكريم، وظهرت عليه علامات الورع وأمارات التقوى، حتى قال عنه معلِّمه صالح بن كيسان: ما خَبَرْتُ أحدًا -الله أعظم في صدره- من هذا الغلام، وقد فاجأته أمه ذات يوم وهو يبكي في حجرته، فسألته: ماذا حدث لك يا عمر؟ فأجاب: لا شيء يا أماه إنما ذكرتُ الموت، فبكت أمه.
    وكان معجبًا إعجابًا شديدًا بعبد الله بن عمر -رضي الله عنه- وكان دائمًا يقول لأمه: تعرفين يا أماه لأكونن مثل خالي عبد الله بن عمر، ولم تكن هذه الأشياء وحدها هي التي تُنبئ بأن هذا الطفل الصغير سيكون علمًا من أعلام الإسلام، بل كانت هناك علامات أخرى تؤكد ذلك، فقد دخل عمر بن العزيز إلى إصطبل أبيه، فضربه فرس فشجَّه (أصابه في رأسه) فجعل أبوه يمسح الدم عنه، ويقول: إن كنتَ أشجَّ بني أمية إنك إذن لسعيد.وكان عمر نحيف الجسم أبيض الوجه حسن اللحية، وتمضي الأيام والسنون ليصبح عمر بن عبد العزيز شابًّا فتيًّا، يعيش عيشة هنيئة، يلبس أغلى الثياب، ويتعطر بأفضل العطور، ويركب أحسن الخيول وأمهرها، فقد ورث عمر عن أبيه الكثير من الأموال والمتاع والدواب، وبلغ إيراده السنوي ما يزيد على الأربعين ألف دينار، وزوَّجه الخليفة عبد الملك بن مروان ابنته فاطمة، وكان عمر -رضي الله عنه- وقتها في سن العشرين من عمره، فازداد غِنًى وثراءً.
    ولما بلغ عمر بن عبد العزيز الخامسة والعشرين، اختاره الخليفة الأموي الوليد بن عبد الملك ليكون واليًا على المدينة وحاكمًا لها، ثم ولاه الحجاز كله، فنشر الأمن والعدل بين الناس، وراح يعمِّر المساجد، بادئًا بالمسجد النبوي الشريف، فحفر الآبار، وشق الترع، فكانت ولايته على مدن الحجاز كلها خيرًا وبركة، شعر فيها الناس بالأمن والطمأنينة.
    واتخذ عمر بن عبد العزيز مجلس شورى من عشرة من كبار فقهاء المدينة على رأسهم التابعي الجليل (سعيد بن المسيِّب) فلم يقطع أمرًا بدونهم، بل كان دائمًا يطلب منهم النصح والمشورة، وذات مرة جمعهم، وقال لهم:
    إني دعوتكم لأمر تؤجرون فيه، ونكون فيه أعوانًا على الحق، ما أريد أن أقطع أمرًا إلا برأيكم أو برأي من حضر منكم، فإن رأيتم أحدًا يتعدَّى أو بلغكم عن عامل (حاكم) ظلامة فأُحرج بالله على من بلغه ذلك إلا أبلغني، فشكروه ثم انصرفوا، وظل عمر بن عبد العزيز في ولاية المدينة ست سنوات إلى أن عزله الخليفة الوليد بن عبد الملك لأن الحجاج أفهمه أن عمر أصبح يشكل خطرًا على سلطان بني أمية.ذهب عمر إلى الشام ومكـث بها إلى أن مـات الـوليد بن عبد الملك، وتولى الخلافة بدلاً منه أخوه سليمان بن عبد الملك، وكان يحب عمر، ويعتبره أخًا وصديقًا ويأخذ بنصائحه، وذات يوم مرض الخليفة مرض الموت، وشعر بأن نهايته قد اقتربت، فشغله أمر الخلافة حيث إن أولاده كلهم صغار لا يصلحون لتولي أمور الخلافة، فشاور وزيره (رجاء بن حيوة) العالم الفقيه في هذا الأمر، فقال له:
    إن مما يحفظك في قبرك ويشفع لك في أخراك، أن تستخلف على المسلمين رجلا صالحًا.
    قال سليمان: ومن عساه يكون؟
    قال رجاء: عمر بن عبد العزيز.
    فقال سليمان: رضيت، والله لأعقدن لهم عقدًا، لا يكون للشيطان فيه نصيب، ثم كتب العهد، وكلف (رجاء) بتنفيذه دون أن يَعْلَمَ أحدٌ بما فيه.
    مات سليمان، وأراد (رجاء بن حيوة) تنفيذ العهد لكن عمر كان لا يريد الخلافة، ولا يطمع فيها، ويعتبرها مسئولية كبيرة أمام الله، شعر عمر بن عبد العزيز بالقلق وبعظم المسئولية، فقرر أن يذهب على الفور إلى المسجد حيث يتجمع المسلمون، وبعد أن صعد المنبر قال: لقد ابتليتُ بهذا الأمر على غير رَأْي مِنِّي فيه، وعلى غير مشورة من المسلمين، وإني أخلع بيعة من بايعني، فاختاروا لأنفسكم، لكن المسلمين الذين عرفوا عدله وزهده وخشيته من الله أصرُّوا على أن يكون خليفتهم، وصاحوا في صوت واحد: بل إياك نختار يا أمير المؤمنين، فبكي عمر.
    وتولى الخلافة في يوم الجمعة، العاشر من صفر سنة 99هـ، ويومها جلس حزينًا مهمومًا، وجاء إليه الشعراء يهنئونه بقصائدهم، فلم يسمح لهم، وقال لابنه: قل لهم {إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم} [يونس: 15].
    دخلت عليه زوجته فاطمة وهو يبكي، فسألته عن سرِّ بكائه، فقال: إني تَقَلَّدْتُ (توليت) من أمر أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- أسودها وأحمرها، فتفكرتُ في الفقير الجائع، والمريض الضائع، والعاري والمجهود، والمظلوم المقهور، والغريب الأسير، والشيخ الكبير، وذوي العيال الكثيرة، والمال القليل، وأشباههم في أقطار الأرض وأطراف البلاد، فعلمتُ أن ربي سائلي عنهم يوم القيامة، فخشيتُ ألا تثبتَ لي حجة فبكيتُ.وترك عمر زينة الحياة الدنيا، ورفض كل مظاهر الملك التي كانت لمن قبله من الخلفاء، وأقام في بيت متواضع بدون حـرس ولا حجاب، ومنع نفسه التمتع بأمواله، وجعلها لفقراء المسلمين، وتنازل عن أملاكه التي ورثها عن أبيه، ورفض أن يأخذ راتبًا من بيت المال، كما جرَّد زوجته فاطمة بنت الخليفة عبد الملك بن مروان من حليها وجواهرها الثمينة، وطلب منها أن تعطيها لبيت المال، فقال لها: اختاري..إما أن تردي حليك إلى بيت المال، وإما أن تأذني لي في فراقك، فإني أكره أن أكون أنا وأنت ومعك هذه الجواهر في بيت واحد، فأنت تعلمين من أين أتى أبوك بتلك الجواهر، فقالت: بل أختارك يا أمير المؤمنين عليها وعلى أضعافها لو كانت لي، فأمر عمر بتلك الجواهر فوضعت في بيت المال.
    وبلغه أن أحد أولاده اشترى خاتمًا له فصٌّ بألف درهم، فكتب إليه يلومه، ويقول له: بِعه وأشبع بثمنه ألف جائع، واشترِ بدلاً منه خاتمًا من حديد، واكتب عليه: رحم الله امرءًا عرف قدر نفسه.
    ويحكى أن عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه- كان يقسم تفاحًا للمسلمين، وبينما هو يفرقه ويقسمه على من يستحقه إذ أخذ ابن صغير له تفاحة، فقام عمر وأخذ التفاحة من فمه، فذهب الولد إلى أمه وهو يبكي، فلما علمت السبب، اشترت له تفاحًا، فلما رجع عمر شم رائحة التفاح، فقال لزوجته: يا فاطمة، هل أخذت شيئًا من تفاح المسلمين؟ فأخبرته بما حدث، فقال لها: والله لقد انتزعتها من ابني
    فكأنما انتزعتُها من قلبي، لكني كرهتُ أن أضيِّع نفسي بسبب تفاحة من تفاح المسلمين!!
    وها هو ذا أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز الذي تحت تصرفه وطوع أمره أموال الدولة وكنوزها، يقول لزوجته يومًا: تشتهي نفسي عسل لبنان، فأرسلت فاطمة إلى ابن معد يكرب، عامل (أمير) لبنان، وذكرت له أن أمير المؤمنين يشتهي عسل لبنان، فأرسل إليها بعسل كثير، فلما رآه عمر غضب، وقال لها: كأني بك يا فاطمة قد بعثتِ إلى ابن معد يكرب، فأرسل لك هذا العسل؟ ثم أخرج عمر العسل إلى السوق، فباعه، وأدخل ثمنه بيت المال، وبعث إلى عامله على لبنان يلومه، ويقول له: لو عُدْتَ لمثلها فلن تلي لي عملا أبدًا، ولا أنظر إلى وجهك.
    وكان عمر بن عبد العزيز حليمًا عادلاً، خرج ذات ليلة إلى المسجد ومعه رجل من الحراس، فلما دخل عمر المسجد مرَّ في الظلام برجل نائم، فأخطأ عمر وداس عليه، فرفع الرجل رأسه إليه وقال أمجنون أنت؟ فقال: لا، فتضايق الحارس وهَمَّ أن يضرب الرجل النائم فمنعه عمر، وقال له: إن الرجل لم يصنع شيئًا غير أنه سألني: أمجنون أنت؟ فقلت: لا.
    وكان عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه- رقيق المشاعر، رحيمًا بالإنسان والحيوان، كتب ذات يوم إلى واليه في مصر قائلاً له: بلغني أن الحمالين في مصر يحملون فوق ظهور الإبل فوق ما تطيق، فإذا جاءك كتابي هذا، فامنع أن يحمل على البعير أكثر من ستمائة رطل.
    وقد حرص عمر الزاهد العادل التقي على ألا يقرب أموال المسلمين ولا يمد يده إليها، فهي أمانة في عنقه، سيحاسبه الله عليها يوم القيامة، فكان له مصباح يكتب عليه الأشياء التي تخصه، ومصباح لبيت المال يكتب عليه مصالح المسلمين لا يكتب على ضوئه لنفسه حرفًا..وذات مرة سخنوا له الماء في المطبخ العام، فدفع درهمًا ثمنًا للحطب!!
    لقد كان همه الأول والأخير أن يعيش المسلمون في عزة وكرامة، ينعمون بالخير والأمن والأمان، كتب إلى أحد أمرائه يقول: لابد للرجل من المسلمين من مسكن يأوي إليه، وخادم يكفيه مهنته، وفرس يجاهد عليه عدوه، وأثاث في بيته، وكان يأمر عماله بسداد الديون عن المحتاجين، وتزويج من لا يقدر على الزواج، بل إن مناديه كان ينادي في كل يوم: أين الغارمون؟ أين الناكحون؟ أين المساكين؟ أين اليتامى؟ حتى استطاع بفضل من الله أن يغنيهم جميعًا.


    الخطبة الثانية

    الحمد لله ولي الصالحين وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله
    إخوة الايمان
    قال مالك بن دينار: الناس يقولون : مالك زاهد , وإنما الزاهد عمر بن عبد العزيز الذي أتته الدنيا فتركها. وقال يونس بن أبي شيب: شهدت عمر بن عبد العزيز وإن إزاره لغائبه في عكنه , ثم رأيته بعدما استخلف ولو شئت أن أعد أضلاعه من غير أن أمسها لفعلت وفي ذلك دلالة على شدة زهده وورعه بعد توليه الخلافة. وقال مسلمة بن عبد الملك : دخلت على عمر بن عبد العزيز أعوده في مرض , فإذا عليه قميص متسـخ, فقلت لفا طمة بنت عبد الملك : ألا تغسلون قميصه؟ قال : والله ما له قميص غيره.
    قال أبو أمية الخصي غلام عمر : دخلت يوما على مولاتي فغدتني عدسا , فقلت : كل يوم عدس؟ قالت : يابني هذا طعام مولاك أمير المؤمنين. لقد ضرب الخليفة الخامس أروع الأمثلة في الزهد. قا ل عون بن المعمر : دخل عمر على امرأته فقا ل : يافاطمة عندك درهم أشتري به عنبا؟ فقالت : لا , وأنت أمير المؤمنين لا تقدر على درهم نشنري به عنبا؟ قال : هذا أهون علي من معالجة الأغلال غدا في جهنم. وقال الوليد بن أبي السائب : ما رأيت أحدا قط أخوف من عمر وقال عمرو بن هاجر : كانت نفقة عمر بن عبد العزيز كل يوم درهمين.
    فياترى كم نفقة كل حا كم اليوم؟ عندما يصل الإيمان إلى القلوب الحية يصنع فيها العجا ئب , فهو رحمه الله ورضي الله عنه يقارن أملاك الدنيا مع الأخرة , فتصغر الدنيا في عينه ولا يبالي بها , بل لا يعطيها أي اهتمام , هكذا أحوال أهل الله وصفوته. أما عشا ق الدنيا فقد حجبوا عن هذه الرؤية الدقيقة التي رزقها هذا الزاهد الذي باع نفسه لخا لقه ومولاه, فرضي الله عنه وأرضاه.
    قال عمرو بن مهاجر : اشتهى عمر بن عبد العزيز تفاحا , فأهدى له رجل من أهل بيته تفاحا , فقا ل : ما أطيب ريحه وأحسنه! ارفعه يا غلام للذي أتى به وأقرئ فلانا السلام وقل له : إن هديتك وقعت عندنا بحيث نحب, فقلت : يا أمير المؤمنين ابن عمك , ورجل من أهل بيتك , وقد بلغك أن النبي صلى اله؟ عليه وسلم كان يأكل الهدية , فقا ل : ويحك إن الهدية كانت للنبي صلى الها عليه وسلم هدية وهي اليوم لنا رشــــوة.
    وفي عدله كانت هناك إشارات وبشارات نذكر منها هذه البشارة التي حدث بها حماد بن يزيد فقال :عن أبي هاشم :أن رجلا جاء إلى عمر بن عبد العزيز, فقا ل: رأيت النبي صلى الهـ عليه وسلم في النوم , وأبو بكر عن يمينه , وعمر عن شماله , فإذا رجلان يختصمان , وأنت بين يديه, فقا ل لك : يا عمر , إذا عملت , فاعمل بعمل هذين . فا ستحلفه بالله لرأيت ؟ فحلف له , فبكى
    عن السـا ئب بن محمد قال : كتب الجراح بن عبد الله إلى عمر بن عبدالعزيز : إن أهل خراسان قوم ساءت رعيتهم وإنه لا يصلحهم إلا السيف والسوط, فإن رأى أمير المؤمنين أن يأذن لي في ذلك , قكتب إليه عمر, أما بعد: فقد بلغني كتابك تذكر أن أهل خراسان قد ساءت رعيتهم وإنه لا يصلحهم إلا السيف والسوط , فقد كذ بت بل يصلحهم العــــد ل وا لـــــحق , فأبسط ذلك فيهم , والســـــــــــــــــــــلام
    قال حسن القصاب : رأيت الذئاب ترعى مع الغنم بالبادية في خلافة عمر بن عبد العزيز , فقلت : سبحان الله ! ذ ئب في غنم لا يضرها؟ فقال الراعي : إذا صلح الرأس فليس على الجسد بأ س
    وقا ل موسى بن أعين : كنا نرعى الشاء بكرمان في خلافة عمر بن عبد العزيز فكانت الشاة والذ ئب ترعى في مكان واحد , فبينا نحن ذات ليلة إذ عرض الذ ئب للشاة ’ فقلت : ما نرى الرجل الصالح إلا قد هلك , فحسبوه فوجدوه مات تلك الليلة
    بينما عمر بن عبد العزيز يطوف ذات يوم في أسواق "حمص" ليتفقد الباعة وليتعرف على الأسعار , إذ قام إليه رجل عليه بردان أحمران قطريان وقال: يا أمير المؤمنين , لقد سمعت أنك أمرت من كان مظلوما أن يأتيك , فقال : نعم.
    فقال : وها قد أ تاك رجل مظلوم بعيد الدار, فقال عمر : وأين أهلك؟
    فقال الرجل : في "عدن" , فقال عمر : والله إن مكانك من مكان عمر لبعيد ثم نزل عن دابته ووقف أمامه وقال:ما ظلامتك؟
    فقال : ضيعة لي وثب عليها رجل ممن يلوذون بك وانتزعها مني , فكتب عمر كتابا إلى "عروة بن محمد" واليه على "عدن" يقول فيه : أما بعد : فإذا جاءك كتابي هذا فاسمع بينة حامله , فإذا ثبت له حق , فادفع إليه حقه , ثم ختم الكتاب , وناوله الرجل, فلما هم الرجل بالانصراف قال له عمر : على رسلك إنك قدأتيتنا من بلد بعيد ولا ريب في أنك استنفدت في رحلتك هذه زادا كثيرا , وأخلقت ثيابا جديدة , ثم حسب ذلك كله فبلغ أحد عشر د ينارا فدفعها إليه وقال : أشع ذلك في الناس حتى لا يتثاقل مظلوم عن رفع ظلامته بعد اليوم مهما كان بعيد الدار. فجزى الله خير الجزاء عنا هذا الخليفة الراشد الذي استحق أن يلقب بأمير المؤمنين بحق في ظرف وجيز وفي مدة قصيرة ( سنتين ونصف تقريبا) أن يملأ الأرض عدلا بعدما ملئت ظلما وجورا.
    ورحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته مع الصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا , أمــــــــين
    عباد الله، إن الله أمرنا بأمر عظيم، ألا وهو الصلاة والسلام على النبي الكريم وإبتدر فيه نفسه ثم ثنى بملائكته فقال (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنو صلوا عليه وسلموا تسليما) .اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين أبوبكر وعمر وعثمان وعلي وعن أزواجه أجمعين وعن الصحابة والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا إتباعه، وأرنا الباطل باطل وأرزقنا إجتنابه.
    عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ، أذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على جزيل نعمائه يذدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ماتصنعون

    (عدل بواسطة كمال حسن on 07-30-2010, 12:04 PM)

                  

07-30-2010, 12:12 PM

كمال حسن
<aكمال حسن
تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 1352

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: كمال حسن)

    (وذكر فان الذكرى تنفع المؤمنين)
                  

07-30-2010, 12:28 PM

نصار
<aنصار
تاريخ التسجيل: 09-17-2002
مجموع المشاركات: 11660

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: كمال حسن)

    اسع لو وافقت تكون امام للجماعة ديك ما كان احسن يا كيمو لووول
    بعد السنين و الدنين ديك اخوك الان متحكر في السودان و مشيت
    البلد كمان
    غايتو تجربة الواحد احتمال لمان تنتهي الاجازة ما يستوعبها
                  

07-30-2010, 11:50 PM

كمال حسن
<aكمال حسن
تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 1352

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: نصار)

    Quote: اسع لو وافقت تكون امام للجماعة ديك ما كان احسن يا كيمو لووول

    والله ضحكتني يا نصار
    كان هسه عملوا لي قناة خاصه كمان
    بعدين والله حمد الله علي السلامه ، إن شاء الله لقيت الأهل طيبين في السودان
    وقعد تلاقي ناس راشد والدبل وبقية الشباب؟
    المهم بلغ الجميع تحايانا القلبيه
                  

08-05-2010, 10:41 PM

كمال حسن
<aكمال حسن
تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 1352

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: كمال حسن)

    خطبة الجمعة اليوم إن شاء الله عن الصوم، وهي منقولة، أسأل الله أن يفيدنا جميعا بها ونحن مقبلون على شهر الصوم، الشهر الكريم، شهر الصيام والقيام وتلاوة القرآن الكريم، نسأل الله أن يبلغنا رمضان ويجعلنا من المرحومين في أوله المغفور لهم في أوسطه، و المعتوقة رقابهم فيه من النيران في آخره
    وأن يتقبل جميع أعمالنا إنه ولي ذلك والقادر عليه
    آمـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــين
                  

08-05-2010, 11:00 PM

كمال حسن
<aكمال حسن
تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 1352

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: كمال حسن)

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادى له،
    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله :
    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ([1])

    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ([2])

    يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا([3])
    أما بعد :

    فإن أصدق الحديث كتاب الله ، وخير الهدى محمد ، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار.

    أحبتى في الله:

    موضوعنا اليوم هو: (( من أحكام الصيام ))

    وسوف ينتظم حديثى مع حضراتكم في العناصر التالية:

    أولاً: معنى الصيام وحكمته.

    ثانياً: أركان الصيام.

    ثالثاً: مبطلات الصيام.

    رابعاً: رخص الصيام وآدابه.

    وأخيراً: أخطاءٌ في الصيام.

    أولاً: معنى الصيام وحكمته

    الصيام لغةًّ: هو الإمساك والكفُ عن الشيء كما قال تعالى حكاية عن مريم عليها السلام : إني نذرت للرحمن صوماً أى إمساكاً عن الكلام
    والصيام شرعاً: الإمساك عن جميع المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس مع النية ، أما حكمة مشروعية الصيام: فهي كثيرة ولله الحمد.

    فما من عبادة شرعها الله لعبادة إلا لحكمة بالغة عَلِمَها من علمها وجَهِلَها من جهلها وليس جهلُنا بحكمة

    شىء من العبادات دليلاً على أنه لا حكمة لها بل هو دليلٌ على عجزنا نحن إدراك حكمة اله سبحانه

    وتعالى القائل: وما أوتيتم من العلم إلا قليل

    ومِنْ ثَمَّ فإن من أعظم حكم الصيام أنه سبب للتقوى كما قال سبحانه وتعالى :

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ([4]).

    والتقوى هي وصية الله للأولين والآخرين من خلقه.

    وهي كما عرفها ابن مسعود :

    أن يطاع الله فلا يعصى وأن يذكر فلا ينسى .. ، وأن يشكر فلا يكفر .

    وعرفها طلق بن حبيب بقوله:

    التقوى هى أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ..، ترجو ثواب الله ..، وأن تترك معصية الله.. ،

    على نور من الله .. ، تخافُ عقابَ الله.

    والصومُ من أعظم العبادات التى تهيئ النفوسَ لتقوى الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه.

    لأن الصوم أمرٌ موكولٌ إلى نفس الصائمِ، وضميره، إذ لا رقيب عليه إلا الله.

    ومن هنا قال الله تعالى في الحديث القدسي: « كلُ عمل ابنِ أدمَ له، إلا الصومِ فإنه لي وأنا أجزى به،
    والصيام جُنَّةٌ، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يُرْفُثْ، ولا يَصْخَب، فإن شاتمه أَحَدٌ أو قاتله، فليقل : إنى صائم ، إنى صائم،
    والذى نفس محمدٍ بيده، لخَلُوفُ فم الصائم أطيبُ عند الله من ريح المسك وللصائم فرحتان يفرحهما،
    إذا أفطر فَرِحّ بفطره، وإذا لقى ربه فرح بصومه » ([5]).

    ومن حكمة العظيمة تربيةُ النفس بكفها عن شهواتها والحدَّ من كبريائها حتى تخضع للحقِ وتلين للخلق.

    ومن حِكمِه البليغة تذكيرُ الأغنياء الذين يرفلُون في نعم الله جل وعلا بأن لهم إخواناً لا يتضورون جوعاً في نهار رمضان فحسب بل في جميع أيام العام..!!
    بل ومنهم من يموت جوعاً . ومِنْ ثِمَّ يتحركُ أصحابُ القلوبِ الحيةِ والنفوسِ الأبية للبذل والإنفاق والعطاء.

    أما فوائدُ الصيام الصحية فلا يجهلُها أحد .

    فما أعظمَ حكمةَ اللهِ وأبلغَها وصدق الله إذ يقول: أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِير ُ ([6]).

    ثانياً : أركانَ الصيام

    الركن الأول – النية :

    وهى ركن في جميع العبادات وهى عمل من أعمال القلب لقوله سبحانه:وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ ([7]).

    ولقوله (صلى الله عليه وسلم) في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم من حديث عمر بن الخطاب:


    « إنما الأعمال بالنيات وإنما لك امرئ ما نوى.... » ([8])

    ويرى جمهور الفقهاء تبيت النية ليلاً فى صيام الفرض لما رواه أصحاب السنن بسند صحيح عن حفصه رضى الله عنها أن النبى قال
    : « من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له » ([9])

    وهذا خاص بصيام الفرض أما صيام النوافل فلا يجب فى تبييت النية من الليل ،
    بل يجوز بينة من ليل أو نهار ، إن لم يكن قد طعم شيئاً للحديث الذى رواه مسلم وغيره من حديث عائشة رضى الله عنها قالت :

    دخل على النبى (صلى الله عليه وسلم) ذات يوم فقال " هل عندكم شئ . قلنا : لا ، قال : فإنى إذاً صائم ،
    ثم أتانا يوماً آخر ، فقلنا : يارسول الله أهدى لنا حيس ([10]) فقال « أرنييه فلقد أصبحت صائماً فاكل» ([11])

    وهنا سؤال : هل تكفى نية واحدة لصيام الشهر كله ؟

    والجواب أن العلماء قد اختلفوا فى ذلك على قولين :

    الأول : للمالكية حيث قالوا بأن نية واحدة فى اول الشهر تكفى لصيام الشهر كله.

    أما القول الثانى وهو الراجح والله تعالى أعلى وأعلم وهو قول جمهور الفقهاء حيث قالوا لابد من تبييت النية لكل يوم.

    ومن رحمة الله تعالى أنه لا يشترط التلفظ بالنية وأنما يكفى أن ينوى بقلبه. فضلاً عن أن سحوره يعتبر نية والحمد لله على تيسيره وفضله هذا هو الركن الأول من أركان الصيام.

    الركن الثانى – الإمساك عن جميع المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس :

    لقوله سبحانه : ( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ )([12])

    والمراد بالخيط الأبيض . والمراد بالخيط الأسود سوادُ الليل لما ورد فى الصحيحين من حديث عدى بن حاتم :

    قال لما نزلت هذا الآية : ( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى… ) عمدت إلى عقال أسود وإلى عقال أبيض فجعلتها تحت وسادتى فجعلت أنظر فى الليل فلا يستبينُ لى ،
    فلما أصبحت غدوت إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فأخبرته فضحك النبى وقال : " إن وسادك إذا لعريض طويل إنما هو سوادُ الليل وبياض النهار" ([13])

    ولا شك أن الركن الثالث هو الصائم نفسُه ويشترط أن يكون مسلماً بالغاً عاقلاً قادراً على الصوم وهذا بَيّن للجميع بإذن الله.

    ثالثاً : مبطلات ُ الصيام

    ونبدأُ بأشدها وأكبرها إثماً وهو :

    أولاً : الجِماع :

    فمتى جامع الصائمُ فى نهار رمضان بَطل صومُه ووجب عليه القضاءُ والكفارة المغلطة وهى :

    عتق رقبة مؤمنة. فإن لم يجد فصيام ُ شهرين متتابعين لا يُفطر بينهما إلا لعذر شرعى ، كأيام العيدين ، أو لعذر حسى كالمرض ،
    فإن أفطر لغير عذر ولو يوماً واحداً ألزمه أن يستأنف الصيام من جديد مرة أخرى ليحصل التتابع.

    فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً.

    وأختلف الفقهاء فى حكم الكفارة هل هى على الترتيب أم على التخيير والراجح أنها على الترتيب وهو ما ذهب إليه الجمهور.

    والدليل على ذلك ما رواه البخارى ومسلم من حديث أبى هريرة قال : "بينما نحن جلوس عند النبى إذا جاءه رجل فقال : يارسول الله هلكت .!

    وفى رواية فى الصحيح أيضاً قال : يارسول الله احترقت !

    فقال النبى (صلى الله عليه وسلم) : مالك ؟

    فقال : وقعت على أمراتى وأنا صائم.

    فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : هل تجد رقبة تعتقها ؟

    قال : لا

    قال : فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين ؟

    قال : لا

    قال : فهل تجد إطعام ستين مسكيناً ؟

    قال : لا

    قال : فمكث النبى فبينما نحن على ذلك أتى النبى بعرق (أى بمكتل) فيها تمر.

    فقال النبى (صلى الله عليه وسلم) : أين السائل . وفى راوية عائشة أين المحترق آنفاً

    فقال : أنا يا رسول الله.

    قال : خذ هذا فتصدق به.

    فقال الرجل : على أفقر منى يا رسول الله ؟ ! فو الله ما بين لابيتها (أى المدينة) أهل بيت أفقر من أهل بيتى
    فضحك النبى (صلى الله عليه وسلم) حتى بدت أنيابه ثم قال : أطعمه أهلك" ([14])

    واختلف الفقهاء أيضاً على ثلاثة أقوال فى حكم المرأة التى يكرها زوجها على الجماع فى نهار رمضان.

    والراحج والله اعلم أن عليها القضاء فقط ، دون الكفارة إذا أجبرها الزوج ، ولم يثبت دليل صحيح يلزمها بالكفارة.

    ثانياً : إنزال المنى باختياره بتقبيل أو لمس استمناء باليد أو غير ذلك :

    لأن هذا كله من الشهوة التى لا يكون إلا باجتنابها كما فى الحديث القدسى الذى رواه البخارى وفيه : "يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلى" ([15])

    * فمن أنزل منياً بشهوة فى نهار رمضان بطل صومه ، ووجب عليه القضاء فقط إذ لم تثبت الكفارة إلا فى الجماع فقط ، ولا حجة لمن قال بخلاف ذلك. والله أعلم.

    * أما الإنزال بالاحتلام . فلا يبطل الصوم لأن الاحتلام بغير اختيار من الصائم .
    فاذا نام الصائم فى نهار رمضان ثم استيقظ ، فرأى أنه قد أحتلم، فليغتسل وليتم صومه وصيامه صحيح ولا شئ عليه.

    * أما إن قبل الصائم زوجته أو باشرها بدون إنزال فلا شى عليه ، وصيامه صحيح لما ورد فى الصحيحين من حديث عائشة رضى الله عنها
    " أن النبى (صلى الله عليه وسلم) كان يقبل وهو صائم ويباشر وهو صائم ولكنه كان أملككم لإربه" ([16])

    * ويبقى سؤال هام متعلق بهذا البحث وهو : ما حكم من جامع زوجته فى الليل ثم نام ولم يغتسل حتى أذن الفجر
    الجواب أن صيامه صحيح لما رواه البخارى ومسلم عن عائشة وأم سلمة رضى الله عنهما أن النبى (صلى الله عليه وسلم) كان يدركه الفجر وهو جنب من أهله ثم يغتسل ويصوم "([17]).

    ثالثاً : من مبطلات الصيام الأكل والشرب عمداً :

    لقوله تعالى : ( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ ) ([18])

    أما من أكل أو شرب فى نهار رمضان ناسياً فلا شئ عليه ، وصومه صحيح للحديث الذى رواه البخارى ومسلم من حديث أبى هريرة
    أن النبى (صلى الله عليه وسلم) قال "من نسى وهو صائم ، فأكل أو شربَ فليتم صومَه ، فإنما أطعمه الله واسقاه" ([19])

    رابعاً : من مبطلات الصيام القــئُ عمداً :

    وهو أن يتعمد الصائم إفراغ ما فى معدته فإن فعل ذلك بطل صومه ويجب عليه القضاء ، أما من غلبه القئ بدون رغبةٍ منه ولا اختيار فلا شئ عليه
    وليتم صومه وصيامهُ صحيح. لما ورد فى الحديث الذى رواه الترمذى وأبو داود وصححه الحاكم فى المستدرك
    وصححه أيضاً شيخ الإسلام ابن تيمية فى كتابه "حقيقة الصيام" وفيه أنه قال (صلى الله عليه وسلم) :"من ذرعه القئ وهو صائم فليس عليه قضاه ومن استقاء فليقض" ([20])

    خامساً : من مبطلات الصيام الحيـــضُ والنفـــاس ُ للمرأة:

    فمتى رأت المرأة دم الحيض أو النفاس بطل صومها ، سواء كان فى أول اليوم ، أو فى آخره ، ولو قبل الغروب بلحظات ، ويجب عليها بعد الطهر أن تقضى ما فاتها من أيامها.

    لما ورد فى صحيح مسلم من حديث عائشة رضى الله لما سئلت ما بال الحائض تقضى الصوم ولا تقضى الصلاة ؟ فقالت :"كان يصـيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة" ([21])

    هذه هى اشهر المفطرات بإيجاز شديد.

    رابعاً : من عناصر اللقاء رَخص الصيام وآدابـهُ

    هناك رخص عديدة أمتن الله بها على عباده دفعاً للحرج ورفعاً للمشقة… ومنها :

    1- جواز الفطر فى نهار رمضان للمريض وكذا للمسافر الذى يشق عليه الصوم.

    لقوله تعالى : وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ

    بِكُمُ الْعُسْر ([22])

    2- ومنها جواز استخدام السواك فى كل وقت للصائم ، قبل الزوال ، وبعد الزوال ، وهذا هو القول الصحيح إن شاء الله.
    واستدلال بعض أهل العلم بعدم الجواز بعد الزوال بحديث على مرفوعاً : "إذا صمتم فاستاكوا بالغداة ولا تستاكوا بالعشئ"
    فهو حديث رواه البيهقى والدار قطنى وهو حديث ضعيف جداً ([23])

    فالسواك مشروع للصائم فى كل وقت وبخاصة فى المواضع التى ورد النص بذكرها وهى ستة :

    1- الصلاة.

    2- وعند الوضوء.

    3- وعند دخول المنزل.

    4- وعند الاستيقاظ النوم.

    5- وعند قراءة القرآن.

    6- وعند تغير رائحة الفم.

    3- ومن الرخص أيضاً المضمضةُ والاستنشاق بدون مبالغة. خشية أن يصل شئ من الماء إلى الحلق فيبَطُلُ صومه بذلك.
    للحديث الذى رواه الترمذى والنسائي وأبو داود وأحمد من حديث لقيط بن صبرة أن النبى (صلى الله عليه وسلم) قال له : « وبالغ في المضمضة والاستنشاق إلا أن تكون صائماً» ([24]).

    4- ومن الرخص أنه يجوز للمرأة أن تتذوق الطعام أثناء الطهى بشرط ألا يصل إلى جوفها.

    5- ومن الرخص أن يجوز للصائم أن يخفف عن نفسه شدة الحر والعطش بالاغتسال والتبرد بالماء لماورد في الحديث الصحيح
    عن أبى بكر بن عبد الرحمن عن بعض أصحاب النبى قال : « رأيت النبى يصبُ الماء على رأسه وهو صائم من العطش أو من الحر» ([25]).

    6- ومن الرخص أيضاً أنه يجوز للصائم إن احتاج أن يضع الدواء في أذنه أو عينه، حتى ولو وجد طعمه في حلقه، لأن ذلك ليس بأكل ولا شرب ولا بمعنى الأكل والشرب كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى.

    وكذا يرخص للصائم إن كان مريضاً بالربو أن يستخدم البخاخ في حال أزمة في النفس وليتم صومه،

    وصيامُه صحيح لأن هذا البخاخ ليس أكلاً ولا شرباً ولا هو بمعنى الأكلِ و الشرب أيضاً ولله الحمد والمنة.

    أما آداب الصيام فمنها:

    1- السحور لقوله (صلى الله عليه وسلم) في الحديث الذى رواه البخارى ومسلم: «تسحروا فإن في السحور بركة » ([26]).

    ويتحقق السحور بقليل الطعام ولو بجرعة ماء والمستحب تأخيره لما ورد فى الصحيحين من حديث أنس عن زيد بن ثابت قال : تسحرنا مع رسول الله ، ثم قمنا إلى الصلاة.قلتُ (أى أنس) كم كان بين الأذان والسحور؟ قال: «قدر خمسين آية» [27].

    2-ومنها تعجيلُ الفطر لحديث سهل بن سعد في الصحيحين أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال:« لا يزالُ الناسُ بخير ما عَجّلوا الفطر» ([28]).

    ومن السنة أن يكون على رطب فإن لم يجد فعلى تمر فإن لم يجد فعلى الماء.

    3-ومن آدابه الدعاء عند الإفطار فإن الصائم لا ترد ومن أحسن ما ثبت عن النبي (صلى الله عليه وسلم) ما رواه أبو داود من حديث ابن عمر بسند حسن أنه كان إذا أفطر يقول:«ذهب الظمأ و ابتلت العروقُ وثبت الأجرُ إن شاء الله» ([29]).

    4-ومن آداب الصيام الواجبة تركُ الغيبة والنميمة وقول الزور فإذا صامت بطنك أيها الحبيب عن الطعام والشراب فلتصم جميعَُ جوارحكِ عن جميع المعاصى والآثام.

    أسال الله جل وعلا أن يجعلنى وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسن وأخيراً.. أخطاءٌ في الصيام.

    لا ريب أن الصائمين من خير عباد الله تعالى لكنْ هناك بعضُ الأخطاء يقع فيها أيضاً بعضُ الصائمين ومنها:

    1-أن منهم من يقبل على العبادة في أول رمضان إقبالاً طيباً فيحافظ على الصلاة مع الجماعة، ويحرص على قراءة القرآن، وإكثار الذكر، والاستغفار، ويحرص على صلاة التروايح ،
    فإذا انقضت الأيام الأولى، تكاسل، وانشغل، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فتذكر أيها الحبيب قول النبي :«أحبُ الأعمال إلى الله أدومُها وإن قل » ([30]).واذكر قوله: «إنما الأعمال بالخواتيم» ([31]).

    2-ومن الأخطاء الكبيرة التى يقع فيها بعض الصائمين القسوة والفظاطة والغلطة، وسوءُ التعامل مع الموظفين أو الآخرين، بحجة أنهم صائمون.
    وهل الصوم يأمرك بالتصرفات المتشنجة؟ أو يحثك على استعمال الألفاظ النابية، أو يحضك على القسوة والفظاظة والغلطة، هيهات. . هيات. إن الصوم مدرسةٌ للتربية على كل فضيلة وخلق.

    واذكر دوماً وصية النبي (صلى الله عليه وسلم) في الصحيحين:«والصيام جنة فإذا كان يومُ صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن شاتمه أحد أو قاتله فليقل إني صائم.. إنى صائم » ([32]).

    3-ومن الأخطاء التى يقع فيها بعضُ الصائمين أيضا أنهم يتخذون رمضان فرصة للنوم والكسل والخمول، فترى أحدهم ينام النهار كله وقد يضع الصلاة والعياذ بالله ثم يسهر الليل . وقد يحتج أحدهم بحديث ( نوم الصائم عبادة ) وهو حديث ضعيف([33]).

    4-ومن الأخطاء الكبيرة التوسعُ الملفت في المآكل والمشارب والتخلص من الكميات الكبيرة الفائضة بإلقائها في سلسلة المهملات وهذا إسراف محرم وهذا بلا شك يناقض الحكمة من مشروعية الصيام أصلاً.

    ورحم الله من قال : « إنكم تأكلون الأرطال، وتشربون الأسطال، وتنامون الليل ولو طال، وتزعمون أنكم أبطال؟!».

    فالمقصود الاعتدالُ و إلا فنحن لا نحرّمُ طيبات ما أحل اللهُ لعباده.

    نسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يتقبل الله منا صيامنا وقيامنا وصلاتنا وزكاتنا إنه ولى ذلك ومولاه...
    ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    ألقيت هذه الخطبة بمسجد أم القرى بالسويس

    ([1]) سورة آل عمران: 102.

    ([2]) سورة النساء:1.

    ([3]) سورة الأحزاب: 70 ، 71.

    ([4]) سورة البقرة : 183.

    ([5]) متفق عليه:[ ص.ج 4328]، ] مختصر م: 571]، رواه البخاري (4/88-94) في الصوم، ومسلم رقم (1151) في الصيام، وأبو داود رقم (2363) في الصوم ، والترمذي رقم (764) في الصوم ، والنسائي (4/162-165) في الصوم.

    ([6]) سورة الملك : 14.

    ([7]) سورة البينة: 5.

    ([8]) متفق عليه: رواه البخاري ( 1/9/1)، (197/1515/3)، أبو داود(2186/284/6) والترمذي(1698/100/3)،
    وابن ماجة(4227/1413/2)، النسائي(59/1).

    ([9]) صحيح : (الإرواء : 914) ، رواه أبو داود رقم (2454) ، وابن حزيمة رقم (1933) فى صحيحه.

    ([10]) حيس: تمر يخلط بسمن وأقطن فيعجن شديداً / وربما جعل فيه سويق.

    ([11]) صحيح : (مختصر م : 63) ، رواه مسلم رقم (1154) فى لاصيام ، والنسائى (4/193- 195) فى الصوم ،
    والترمذى رقم (7333 ، 734) فى الصوم ، وأبو داود رقم (2455) فى الصوم ، وابن خزيمة (2141) فى صحيحه.

    ([12]) سورة البقرة : 187.

    ([13])متفق عليه : (ص . ج : 2275) مختصر البخارى رقم (930) ، ورواه مسلم رقم (1090) فى الصوم

    ([14]) متفق عليه : (الإرواء : 939) ، رواه البخارى (4/141-149و151) ، مسلم (3/139) ، وأبو داود رقم (2390) وغيرهم

    ([15]) صحيح : (ص.ج : 3877) ، رواه البخارى فى كتاب الصيام ، و أبو داود رقم (2363).

    ([16]) متفق عليه : (الإرواء : 934) ، رواه البخارى (1/480) ، مسلم (3/135) ، وأبو داود
    رقم (2382) ، والترمذى (1/ 141) ، وابن ماجه (1687) وغيرهم

    ([17]) متفق عليه : (ص. ج : 4938).

    ([18]) سورة البقرة : 187.

    ([19]) متفق عليه : (الإرواء : 928) ، رواه البخارى (1/481) ، مسلم (3/160) ، وأبو داود
    رقم (2398) ، وابن ماجه (1673) وغيرهم

    ([20]) صحيح : (ص.ج : 6243 ، الإرواء : 930) ، رواه أحمد (2/498) ، وأبو داود (2380) ، وغيرهم.

    ([21]) متفق عليه : رواه مسلم (335/265/1) وهذا لفظه ، والبخارى (321/421/1) ، والترمذى (130/87/1)
    وأبو داود رقم (259/444/1) ، وابن ماجه (631/207/1).

    ([22]) سورة البقرة : 185.

    ([23]) أنظر السلسلة الضعيفة : 401

    ([24]) صحيح: [ ص.د: 129، 130]، رواه أبو داود رقم ( 142،143،144) في الطهارة، والترمذى
    رقم (38) في الطهارة، والنسائى(1/66)، وأحمد فى مسنده (4/33)، والحاكم (1/147، 148).

    ([25]) صحيح: [ ص.د:2072]، رواه أبو داود رقم ( 2348).

    ([26]) متفق عليه: [ ص.ج: 2943]، [ مختصر م م : 58 ] رواه البخارى (1923/139/4)، ومسلم (1095/77/2).

    ([27]) متفق عليه: رواه البخارى(1921/138/4)، ومسلم (1097/771/2)، والترمذى (699/104/2)، والنسائى (143/4).

    ([28]) متفق عليه: رواه البخارى (1957/198/4) ، ومسلم (1098/771/2)، والترمذى (695/103/2).

    ([29]) حسن: [ص.د : 2066] ، رواه أبو داود رقم (2357) في الصوم.

    ([30]) متفق عليه: (ص. ج : 163) ، رواه البخارى ومسلم رقم (783) فى الصلاة.

    ([31]) رواه البخارى (11/436) ، فى القدر ، وفى الجهاد ، وفى المغازى ، وفى الرقاق ، ومسلم
    رقم (112) فى الإيمان من حديث سهل بن سعد الساعدى .

    ([32]) تقدم ص72.

    ([33]) انظر السلسلة الضعيفة للألباني :4696.

    (عدل بواسطة كمال حسن on 08-06-2010, 08:07 AM)

                  

08-06-2010, 08:44 AM

كمال حسن
<aكمال حسن
تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 1352

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: كمال حسن)

    (وذكر فان الذكرى تنفع المؤمنين)
                  

09-24-2010, 10:07 AM

كمال حسن
<aكمال حسن
تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 1352

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: كمال حسن)

    الحال بعد رمضان *

    إن الحمد لله نحمده ونستغفره ونستعينه ونستهديه, ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا مثيل له ولا ضدَ ولا ندَّ له، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وقائدنا وقرّة أعيننا محمدا عبده ورسوله وصفيه وحبيبه، بلغ الرسالة وأدى الأمانة ونصح الأمة، فجزاه الله عنا خير ما جزى نبيا من أنبيائه, صلوات الله وسلامه عليه وعلى كل رسول أرسله.
    [يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَدِيدٌ] {الحج:2}
    (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)
    ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)
    ( يأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)
    أما بعد :
    فإن أصدق الحديث كتاب الله ، وخير الهدى محمد ، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة ، وكل بدعة ضلالة ، وكل ضلالة في النار.
    الأحبة في الله : فبعد أيام قلائل من رحيل شهر رمضان المبارك !!
    كيف حالكم بعد رمضان ؟ فلنقارن بين حالنا في رمضان وحالنا بعد رمضان !!
    إيه أيتها النفس ؟! كنت في أيام... في صلاة , وقيام , وتلاوة , وصيام , وذ كّر , ودعاء , وصدقه , وإحسان , وصلة أرحام ! .
    ذقنا حلاوة ا لإيمان وعرفنا حقيقه الصيام , وذقنا لذّه الدمعه , وحلاوة المناجاة في الأسحار !!
    كنا نُصلي صلاة من جُعلت قرةُ عينه في الصلاة , وكنا نصوم صيام من ذاق حلاوته وعرف طعمه , وكنا ننفق نفقه من لا يخشى الفقر , وكنا .. وكنا .. مما كنا نفعله في هذا الشهر المبارك الذي رحل عنا !.
    وهكذا .. كنا نتقلب في أعمال الخير وأبوابه حتى قال قائلنا ... ياليتني متّ على هذا الحال !!
    ياليت خاتمتي كانت في رمضان ..! .
    رحل رمضان ولم يمضى على رحيله إلا القليل ! ولربما عاد تارك الصلاة لتركه , وآكل الربا لأكله , ومشاهد الفحش لفحشه , وشارب الدخان لشربه .
    فنحن لا نقول أن نكون كما كنا في رمضان من الأجتهاد .
    ولكن نقول : لا للإنقطاع عن الأعمال الصالحة , فلنحيا على الصيام , والقيام , والصدقة , ولو القليل .
    الوقفة الأولى : ماذا أستفدنا من رمضان ؟ !
    ها نحن ودعنا رمضان المبارك ... ونهاره الجميل ولياليه العطره .
    ها نحن ودعنا شهر القرآن والتقوى والصبر والجهاد والرحمة والمغفرة والعتق من النار .
    فماذا جنينا من ثماره اليانعة , وظلاله الوارقه ؟!
    هل تحققنا بالتقوى ... وتخرجنا من مدرسه رمضان بشهادة المتقين ؟!
    هل تعلمنا فيه الصبر والمصابرة على الطاعة , وعن المعصية ؟!
    هل ربينا فيه أنفسنا على الجهاد بأنواعه ؟!
    هل جاهدنا أنفسنا وشهواتنا وانتصرنا عليها ؟!
    هل غلبتنا العادات والتقاليد السيئة ؟!
    هل ... هل ... هل...؟!
    أسئلة كثيرة .. وخواطر عديدة .. تتداعى على قلب كل مُسلم صادق .. يسأل نفسه ويجيبها بصدق وصراحة .. ماذا استفدت من رمضان ؟
    أنه مدرسة إيمانية ... إنه محطة روحيه للتزود منه لبقية العام ... ولشحذ الهمم بقيه الغمر ...
    فمتى يتعظ ويعتبر ويستفيد ويتغير ويُغير من حياته من لم يفعل ذلك في رمضان ؟!
    إنه بحق مدرسة للتغيير .. نُغير فيه من أعمالنا وسلوكنا وعاداتنا وأخلاقنا المخالفة لشرع الله جل وعلا { .. إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ... } الرعد 11 .
    الوقفة الثانية : لا تكونوا كالتي نقضت غزلها !!
    الأحبة في الله :
    إن كنتم ممن أستفاد من رمضان ... وتحققت فيكم صفات المتقين ... !
    فصُمتم حقاً ... وقُمتم صدقاً ... واجتهدتُم في مجاهدة أنفسكم فيه ... !!
    فأحمدوا الله وأشكروه وأسألوه الثبات على ذلك حتى الممات .
    وإياكم ثم إياكم ... من نقض الغزل بعد غزله .
    إياكم والرجوع الى المعاصي والفسق والمجون , وترك الطاعات والأعمال الصالحة بعد رمضان .. فبعد أن تنعموا بنعيم الطاعة ولذة المناجاة ... ترجعوا إلى جحيم المعاصي والفجر !!
    فبئس القوم الذين لا يعرفون الله إلا في رمضان ..!!
    الأحبة في الله : ولنقض العهد مظاهر كثيرة عند الناس فمنها ..
    (1) ما نراه من تضييع الناس للصلوات مع الجماعه ... فبعد امتلاء المساجد بالمصلين في صلاة التراويح التي هي سُنه ... نراها قد قل روادها في الصلوات الخمس التي هي فرض ويُكّفَّر تاركها !!
    (2) الانشغال بالأغاني والأفلام .. والتبرج والسفور .. والذهاب إلى الملاهي والمعاكسات !!
    (3) ومن ذلك التنافس في الذهاب إلى المسارح ودور السينما والملاهي الليلية فترى هناك - مأوى الشياطين وملجأ لكل رزيلة - وما هكذا تُشكر النعم .. وما هكذا نختم الشهر ونشكر الله علىّ بلوغ الصيام والقيام , وما هذه علامة القبول بل هذا جحود للنعمة وعدم شكر لها .
    وهذا من علامات عدم قبول العمل والعياذ بالله لأن الصائم حقيقة .. يفرح يوم فطرة ويحمد ويشكر ربه على أتمام الصيام .. ومع ذلك يبكي خوفاً من ألا يتقبل الله منه صيامه كما كان السلف يبكون ستة أشهر بعد رمضان يسألون الله القبول .
    فمن علامات قبول العمل أن ترى العبد في أحسن حال من حاله السابق .
    وأن ترى فيه إقبالاً على الطاعة { وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ.. } ابراهيم 7 .
    أى زيادة في الخير الحسي والمعنوي ... فيشمل الزيادة في الإيمان والعمل الصالح .. فلو شكر العبدُ ربهُ حتى الشكر , لرأيته يزيد في الخير والطاعة .. ويبعد عن المعصية .والشكر ترك المعاصي .
    الوقفة الثالثة : واعبد ربك حتى يأتيك اليقين
    هكذا يجب أن يكون العبد ... مستمر على طاعة الله , ثابت على شرعه , مستقيم على دينه , لا يراوغ روغان الثعالب , يعبد الله في شهر دون شهر , أو في مكان دون آخر , لا ... وألف لا ..!! بل يعلم أن ربّ رمضان هو ربّ بقية الشهور والأيام .... قال تعالى : { فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَك.. } هود 112 , وقال : { ... فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ... } فصلت 6 .
    والآن بعد أنتهاء صيام رمضان ... فهناك صيام النوافل : ( كالست من شوال ) , ( والاثنين , الخميس ) , ( وعاشوراء ) , ( وعرفه ) , وغيرها .
    وبعد أنتهاء قيام رمضان , فقيام الليل مشروع في كل ليله : وهو سنة مؤكدة حث النبي صلى الله عليه وسلم على أدائها بقوله : " عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم ، ومقربة إلى ربكم ، ومكفرة للسيئات ، ومنهاة عن الإثم مطردة للداء عن الجسد " رواه الترمذي وأحمد .
    وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " أفضل الصلاة بعد المكتوبة قيام الليل " ، وقد حافظ النبي صلى الله عليه وسلم على قيام الليل ، ولم يتركه سفراً ولا حضراً ، وقام صلى الله عليه وسلم وهو سيد ولد آدم المغفور له ما تقدم من ذنبه وما تأخر حتى تفطّرت قدماه ، فقيل له في ذلك فقال : " أفلا أكون عبداً شكوراً " متفق عليه .
    وقال الحسن : ما نعلم عملاً أشد من مكابدة الليل ، ونفقة المال ، فقيل له : ما بال المتهجدين من أحسن الناس وجوهاً ؟ قال : لأنهم خلو بالرحمن فألبسهم نوراً من نوره .
    اجتناب الذنوب والمعاصي : فإذا أراد المسلم أن يكون مما ينال شرف مناجاة الله تعالى ، والأنس بذكره في ظلم الليل ، فليحذر الذنوب ، فإنه لا يُوفّق لقيام الليل من تلطخ بأدران المعاصي .
    قال رجل لإبراهيم بن أدهم : إني لا أقدر على قيام الليل فصف لي دواء ؟ فقال : لا تعصه بالنهار ، وهو يُقيمك بين يديه في الليل ، فإن وقوفك بين يديه في الليل من أعظم الشرف ، والعاصي لا يستحق ذلك الشرف .
    وقال رجل للحسن البصري : يا أبا سعيد : إني أبِيت معافى ، وأحب قيام الليل ، وأعِدّ طهوري ، فما بالي لا أقوم ؟ فقال الحسن : ذنوبك قيدتْك .
    وقال رحمه الله : إن العبد ليذنب الذنب فيحرم به قيام الليل ، وصيام النهار . وقال الفضيل بن عياض : إذا لم تقدر على قيام الليل ، وصيام النهار ، فأعلم أنك محروم مكبّل ، كبلتك خطيئتك
    وقيام الليل عبادة تصل القلب بالله تعالى ، وتجعله قادراً على التغلب على مغريات الحياة الفانية ، وعلى مجاهدة النفس في وقت هدأت فيه الأصوات ، ونامت العيون وتقلب النّوام على الفرش . ولذا كان قيام الليل من مقاييس العزيمة الصادقة ، وسمات النفوس الكبيرة ، وقد مدحهم الله وميزهم عن غيرهم بقوله تعالى : ( أمّن هو قانت آناء الليل ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ويرجوا رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب ) .
    والآن بعد أن انتهت ( زكاة الفطر ) : , فهناك الزكاة المفروضه , وهناك أبواب للصدقه والتطوع والجهاد كثيرة .
    وقرأة القرآن وتدبره ليست خاصه برمضان: بل هي في كل وقت .
    وهكذا .... فالأعمال الصالحه في كل وقت وكل زمان ..... فاجتهدوا الأحبة في الله في الطاعات .... وإياكم والكسل والفتور .
    فالله ... الله في الاستقامة والثبات على الدين في كل حين فلا تدروا متى يلقاكم ملك الموت فإحذروا أن يأتيكم وأنتم على معصية .
    أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه

    الخطبة الثانية

    الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وأصلي وأسلم على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى آله وأصحابه الطاهرين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أجمعين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
    أيها الأخوة في الله:

    الوقفة الرابعة : عليكم بالاستغفار والشكر
    أكثروا من الاستغفار ... فإنه ختام الأعمال الصالحة , ( كالصلاة , والحج , والمجالس ) , وكذلك يُختم الصيامُ بكثرة الأستغفار .
    كتب عمر بن عبد العزيز إلى الأمصار : يأمرهم بختم شهر رمضان بالاستغفار والصدقة وقال :
    قولوا كما قال أبوكم آدم " ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين " .
    وكما قال ابراهيم : " والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين " .
    وكما قال موسى : " ربي إني ظلمت نفسي فأغفر لي " .
    وكما قال ذو النون : " لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين " .
    أكثروا من شكر الله تعالى أن وفقكم لصيامه , وقيامه . فإن الله عز وجل قال في آخر آية الصيام { وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون } البقرة 185 .
    والشكر ليس باللسان وإنما بالقلب والأقوال والأعمال وعدم الإدبار بعد الإقبال .
    الوقفة الخامسة : هل قُبِل صيامكم وقيامكم أم لا ؟؟
    إن الفائزين في رمضان , كانوا في نهارهم صائمون , وفي ليلهم ساجدون , بكاءٌ خشوعٌ , وفي الغروب والأسحار تسبيح , وتهليل , وذكرٌ , واستغفار , ما تركوا باباً من أبواب الخير إلا ولجوه , ولكنهم مع ذلك , قلوبهم وجله وخائفة ...!!
    لا يدرون هل قُبلت أعمالهم أم لم تقُبل ؟ وهل كانت خالصة لوجه الله أم لا ؟
    فلقد كان السلف الصالحون يحملون هّم قبول العمل أكثر من العمل نفسه , قال تعالى :
    { وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ } المؤمنون 60 .
    هذه هي صفة من أوصاف المؤمنين أي يعطون العطاء من زكاةٍ وصدقة، ويتقربون بأنواع القربات من أفعال الخير والبر وهم يخافون أن لا تقبل منهم أعمالهم
    وقال علي بن أبي طالب ( رضي الله عنه ) : كونوا لقبول العمل أشد أهتماماً من العمل , ألم تسمعوا قول الله عز وجل : { إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِين} . (المائدة:27) َ
    فمن منا أشغله هذا الهاجس !! قبول العمل أو رده , في هذه الأيام ؟ ومن منا لهج لسانه بالدعاء أن يتقبل الله منه رمضان ؟
    فلقد كان السلف الصالح يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم شهر رمضان , ثم يدعون الله ستة أشهر أن يتقبل منهم ...
    نسأل الله أن نكون من هؤلاء الفائزين .
    من علامات قبول العمل :
    1) الحسنه بعد الحسنه فإتيان المسلمون بعد رمضان بالطاعات , والقُربات والمحافظة عليها دليل على رضى الله عن العبد , وإذا رضى الله عن العبد وفقه إلى عمل الطاعة وترك المعصية.
    2) انشراح الصدر للعبادة والشعور بلذة الطاعة وحلاوة الإيمان , والفرح بتقديم الخير , حيث أن المؤمن هو الذي تسره حسنته وتسوءه سيئته .
    3) التوبة من الذنوب الماضية من أعظم العلامات الدالة على رضى الله تعالى .
    4) الخوف من عدم قبول الأعمال في هذا الشهر الكريم !!
    5) الغيرة للدين والغضب إذا أنتُهكت حُرمات الله والعمل للإسلام بحرارة , وبذل الجهد والمال في الدعوة إلى الله .
    الوقفة السادسة :
    احذروا من العجب والغرور وألزموا الخضوع والانكسار للعزيز الغفار
    الأحبة في الله : إياكم والعجب والغرور بعد رمضان !
    ربما حدثتكم أنفسكم أن لديكم رصيد كبير من الحسنات .
    أو أن ذنوبكم قد غُفرت فرجعتم كيوم ولدتكم أمهاتكم .
    فما زال الشيطان يغريكم والنفس تلهيكم حتى تكثروا من المعاصي والذنوب .
    ربما تعجبكم أنفسكم فيما قدمتموه خلال رمضان ... فإياكم ثم إياكم والإدلال على الله بالعمل ,
    فإن الله عز وجل يقول : { وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ } المدثر 6
    فلا تَمُنّ على الله بما قدمتم وعملتم .ألم تسمعوا قول الله تعالى : { وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ } الزمر 47
    فاحذروا من مفسدات العمل الخفية من ( النفاق _ والرياء _ والعجب ) .
    اللهم لك الحمد على أن بلغتنا شهر رمضان ، اللهم تقبل منا الصيام والقيام ، وأحسن لنا الختام ، اللهم اجبر كسرنا على فراق شهرنا ، وأعده علينا أعواماً عديدة وأزمنة مديدة ، واجعله شاهداً لنا لا علينا ، اللهم اجعلنا فيه من عتقائك من النار ، واجعلنا فيه من المقبولين الفائزين الأبرار .
    الله يتقبل أعمالنا ويغفر لنا ويكتبنا من عباده الصالحين في يوم الدين ..
    عباد الله، إن الله أمرنا بأمر عظيم، ألا وهو الصلاة والسلام على النبي الكريم وإبتدر فيه نفسه ثم ثنى بملائكته فقال (إن الله وملائكته يصلون على النبي يأيها الذين آمنو صلوا عليه وسلموا تسليما) .اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين أبوبكر وعمر وعثمان وعلي وعن أزواجه أجمعين وعن الصحابة والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا إتباعه، وأرنا الباطل باطل وأرزقنا إجتنابه، اللهم أجعلنا من الذين يصومون الست من شوال وأعنا على تلاوة القرآن آناء الليل وأطراف النهار، وأعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك علىالوجه الذي ترضاه منا ياكريم، يا حنان يا منان، يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث
    عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون ، أذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على جزيل نعمائه يذدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ماتصنعون


    * منقول ببعض التصرف
                  

09-24-2010, 02:55 PM

كمال حسن
<aكمال حسن
تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 1352

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: كمال حسن)

    (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ)

    صدق الله العظيم
                  

09-24-2010, 08:25 PM

منتصرمحمد زكى
<aمنتصرمحمد زكى
تاريخ التسجيل: 11-04-2009
مجموع المشاركات: 4045

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: كمال حسن)

    أخي كمال .. تحياتي

    الفكرة جميلة ومفيدة .. وتذكرة

    حبذا لو ركزت على الفرائض بدءا بالصلاة

    فالبعض لا يحسن الصلاة ويستحي أن يسأل عن

    أشياء قد تبدو في نظر الناس من أبجديات

    العبادة ...... جعلها الله في ميزان حسناتك
                  

10-01-2010, 10:05 PM

كمال حسن
<aكمال حسن
تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 1352

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: منتصرمحمد زكى)

    الأخ منتصر لك الشكر الجزيل على المرور ويدك معنا في أن نجعله بوست دائم يكون أجره لك ولبكري ولكل من يمر من هنا مشاركا أو قارئا ولي بإذن الله الواحد الأحد
    ونسأل الله أن يجعله صدقة جارية على أرواحنا جميعا في حياتنا و بعد الموت بإذن الله
                  

10-01-2010, 10:18 PM

كمال حسن
<aكمال حسن
تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 1352

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: كمال حسن)

    وإمتثالا لأمرك الكريم نبدأ بالصلاة أولا وأهميتها، وهذه خطبة أيضا منقولة بتصرف

    الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا .. من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمد عبده ورسوله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ (102 سورة آل عمران) . يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا أما بعد:
    اتقوا الله عباد الله وحافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين.إن خطبتنا اليوم سوف تكون عن الصلاة الركن الثاني من أركان الإسلام وعموده الذي به يرتكز هذا الدين وبدون الصلاة ليس لنا فضل وليس لنا أي قيمة تذكر لأنه لا خير في أي أحد كان إذا ترك الصلاة.
    وهي أول ما أوجبه الله من العبادات، تولى إيجابها بمخاطبة رسوله ليلة المعراج بغير واسطة.
    وهي أول ما يحاسب عليها العبد يوم القيامة.
    وهي آخر وصية وصى بها رسول الله أمته عند مفارقة الدنيا جعل يقول وهو يلفظ أنفاسه الأخيرة: ((الصلاة الصلاة وما ملكت أيمانكم)) وهي آخر ما يفقد من الدين فإن ضاعت ضاع الدين كله.
    وقد بلغ من عناية الإسلام بالصلاة أن أمر بالمحافظة عليها في الحضر والسفر، والأمن والخوف بل وأمر بها حسب حالة الإنسان الصحية حيث قال : ((صل قائما فإن لم تستطع فصل قاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب))، الله أكبر ما أعظم شأن هذه الصلاة التي هي غذاء الروح وقوة البدن التي لولاها لما شعر المسلم بالصلة القوية بينه وبين ربه ولهذا كان لابد من الإتيان بها في وقتها حسب حالة الإنسان.
    أيها الإخوة: إن ميزان الصلاة في الإسلام عظيم ومنزلتها عند الله عالية فهي عمود الدين كما ذكرت، ومفتاح الجنة وخير الأعمال.
    وقد جعلها الرسول الدليل الأول على التزام عقد الإيمان والشعار الفاصل بين المسلم والكافر فقال: ((بين الرجل والكفر والشرك ترك الصلاة )) رواه مسلم.
    تلك هي مكانة الصلاة في الإسلام ولهذه المكانة كانت بعد الشهادتين في المرتبة وكانت أول عبادة فرضت على المسلمين.
    إخوة الإيمان: إن الصلاة التي يريدها الإسلام ليست مجرد حركات جسم بلا روح وليست مجرد أقوال يلوكها اللسان وحركات تؤديها الجوارح، بلا تدبر من عقل ولا خشوع من قلب ليست تلك التي ينقرها صاحبها نقر الديكة، ويخطفها خطف الغراب، ويلتفت فيها التفات الثعلب.. كلا، فالصلاة المقبولة هي التي تأخذ حقّها من التأمل والخشية واستحضار عظمة المعبود جل جلاله.
    وذلك لأن القصد الأول من الصلاة بل من العبادات كلها هو تذكير الإنسان بربه الأعلى الذي خلق فسوى والذي قدّر فهدى.
    هذه هي الصلاة التي كانت قرة عينه عليه الصلاة والسلام، والتي كان يحن إليها ويتلهف عليها ويقول لبلال: أرحنا بها يا بلال هذه هي صلاة الأنس والحب لا صلاة النقر والخطف التي يؤديها كثير من المسلمين اليوم.
    فمثل هذه الصلوات تشبه أن تكون وجبات روحية دسمة ضخمة توجه الإنسان طول يومه إلى أن يبقى في طاعة ربه وإلى أن يتقيه ويخشاه.
    ، كان الحسن البصري إذا قام إلى الصلاة لبس أجود ثيابه فسئل عن ذلك فقال: إن الله جميل يحب الجمال وهو تعالى يقول: خذوا زينتكم عند كل مسجد .
    والصلاة تغرس في مقيمها النشاط والحيوية وتقوي عضلات بدنه فهي تتطلب اليقظة المبكرة والنشاط الذي
    فالصلاة الحقيقة التي يريدها الإسلام تمد المؤمن بقوة روحية نفسية وبدنية تعين المسلم على مواجهة متاعب الحياة ومصائب الدنيا ولذا قال تعالى:( واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم وأنهم إليه راجعون ).
    في الصلاة يفضي المؤمن إلى ربه بذات نفسه يدعوه ويشكو إليه بثه وحزنه ويستفتح باب رحمته وفي الصلاة يشعر المؤمن بالسكينة والرضا والطمأنينة إنه يبدأ بالتكبير فيقول: الله كبر فيحس بأن الله أكبر من كل ما يخوفه في هذه الدنيا، ويقرأ فاتحة الكتاب فيجد فيها تغذية للشعور بنعمة الله وعظمته وعدله وتغذية للشعور بالحاجة إلى هداية الله اهدنا الصراط المستقيم .
    يقول المولى عز وجل: وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر ، ولهذا ورد عن ابن مسعود بإسناد صحيح أنه قال: (من لم تأمره صلاته بالمعروف وتنهاه عن المنكر لم يزدد بها إلا بعدا)، وما نرى من مصلين اليوم قد ضعفت أخلاقهم أو انحرف سلوكهم إلا لأن صلاتهم جسد بلا روح وحركات جسم بلا حضور عقل ولا خشوع قلب وإنما الفلاح للمؤمنين الذين هم في صلاتهم خاشعون .
    أيها المسلمون: إن الصلاة شأنها عظيم وقد ورد في فضلها أحاديث كثيرة منها ما روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله يقول: ((أرأيتم لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات، هل يبقى من درنه شيء؟ قالوا: لا يبقى من درنه شيء، قال: فكذلك مثل الصلوات الخمس، يمحوا الله بهن الخطايا))، وعن عثمان بن عفان قال: سمعت رسول الله يقول: ((لا يتوضأ رجل فيحسن وضوءه ثم يصلي الصلاة إلا غفر له ما بينهما وبين الصلاة التي تليها)) رواه البخاري ومسلم وروى الطبراني بإسناد حسن عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله : ((تحترقون تحترقون، (أي تقعون في الهلاك بسبب كثرة الذنوب) فإذا صليتم الصبح غسلتها، ثم تحترقون تحترقون، فإذا صليتم الظهر غسلتها، ثم تحترقون تحترقون فإذا صليتم العصر غسلتها، ثم تحترقون تحترقون، فإذا صليتم العشاء غسلتها ثم تنامون فلا يكتب عليكم حتى تستيقظوا)).
    أيها الاخوة: إنها نار موقدة تطلع على الأفئدة وتلفح القلوب والعقول والصلاة هي مضخة الإطفاء التي تخمد هذه النار وتمسح دخانها وسوادها وتغسل أثرها من بين جوانح الإنسان.
    أيها الإخوة: إن المسلم الذي يتثاقل عن أداء الصلوات ليعذب في قبره ويوم محشره وقد رأى الرسول قوما ترضخ رؤوسهم بالصخر كلما رضخت عادت كما كانت ولا يفتر عنهم من ذلك شيء ((قال: قلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين ثقلت رؤوسهم عن الصلاة، ولا يزال هذا عذابهم)) نسأل الله العافية.
    أيها الإخوة: إن مما يسبب النوم عن صلاة الفجر أن كثيرا من الناس يسهرون الليل إما على قيل وقال وإما على لهو ولعب ورق واستماع أغان ومزامير شيطان وإما على مشاهدة التلفزيون أو الفيديو وقد تكون أفلاما خليعة فإذا أقبل طلوع الفجر ناموا فهؤلاء سهروا على محرم وناموا عن واجب وقد يضيف إلى ترك الجماعة جريمة أخرى وهي إخراج الصلاة عن وقتها فلا يصليها إلا بعد طلوع الشمس فيكون من الذين هم عن صلاتهم ساهون.
    أيها المسلمون: إن المسلم الذي تهمه الصلاة لا ينام عنها ولا يتخلف عن أي فرض فالمسلم يعمل الاحتياطات التي توقظه ومن ذلك النوم المبكر ومن ذلك أن يجعل عند رأسه ساعة تدق عند حلول الوقت.
    بل إن الإنسان إذا نام وفي نيته الاستيقاظ للصلاة فإن الله يهيئ له ما يوقظه.
    فاتقوا الله عباد الله في أمور دينكم وفي صلاتكم خاصة وراقبوا الله في جميع أحوالكم.
    وأنت أيها المتخلف عن صلاة الجماعة لغير عذر، لقد عصيت ربك وحرمت نفسك ثوابا عظيما، وعرضتها لسخط الله وعقوبته، لقد شاركت المنافقين في صفاتهم وأصبحت أسيرا للشيطان لقد سمعت داعي الله فامتنعت عن إجابته مرارا ليلا ونهارا، فتب إلى الله وحافظ على الجمع والجماعات فإن الله يتوب على من تاب.
    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين واصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين .
    بارك الله لي ولكم في القرآن الكريم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
    -------------------------
    الخطبة الثانية
    الحمد لله فرض الصلاة على العباد رحمة بهم وإحسانا وجعلها صلة بينهم وبينه ليزداد بذلك إيمانا وكررها كل يوم حتى لا يحصل الجفاء ويسرها عليهم حتى لا يحصل التعب والعناء وأجزل لهم ثوابها فكانت بالفعل خمسا وبالثواب خمسين فضلا منه وامتنانا وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له خالقنا ومولانا وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أخشى الناس لربه سرا وإعلانا.
    أما بعد:
    أيها المسلمون: لقد فرضت الصلاة على نبينا محمد بلا واسطة وفرضت خمسين صلاة حتى خفضت إلى خمس صلوات بالفعل وخمسين بالميزان والأجر، وفرضها رسول الله بقوله وعمله وأجمع المسلمون على أنها فريضة محكمة من استراب في وجوبها خرج من الملة وفارق الإيمان ومن تعمد تركها أحيانا فقد ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب قال تعالى مخبرا عن أصحاب الجحيم: ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين ، فمن ترك الصلاة بالكلية جحودا لوجوبها فهو كافر باتفاق العلماء وإن تركها تهاونا وكسلا فهو كافر على الصحيح من أقوال أهل العلم وأما الأدلة على ذلك فقد أخرج الإمام أحمد عن النبي قال: ((بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة))، وروى مسلم أيضا عنه : ((بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة))، وروى أبو داود والنسائي عنه أيضا: ((ليس بين العبد وبين الكفر إلا ترك الصلاة))، وروى الترمذي أيضا: ((بين الكفر والإيمان ترك الصلاة))، وقال أيضا: ((العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر))، وفي رواية للطبراني: ((بين العبد والكفر أو الشرك ترك الصلاة، فإذا ترك الصلاة فقد كفر))، وفي رواية أخرى سندها حسن: ((عرى الإسلام وقواعد الدين ثلاث عليهن أسّ الإسلام من ترك واحدة منهن فهو بها كافر حلال الدم: شهادة أن لا إله إلا الله، والصلاة المكتوبة وصوم رمضان)) وفي رواية أخرى: ((من ترك منهن واحدة فهو كافر بالله ولا يقبل منه صرفا ولا عدلا وقد حل دمه وماله)).
    وروى الترمذي عن أبي وائل شقيق بن سلمة: (كان أصحاب محمد لا يرون من الأعمال شيئا تركه كفر غير الصلاة). وروى البزار: ((لا سهم في الإسلام لمن لا صلاة له ولا صلاة لمن لا وضوء له)).
    وروى ابن ماجه والبيهقي عن أبي الدرداء قال: ((أوصاني خليلي أن: لا تشرك بالله شيئا وإن قطعت أو حرقت، ولا تترك صلاة مكتوبة متعمدا فمن تركها متعمدا فقد برئت منه الذمة، ولا تشرب الخمر فإنها مفتاح كل شر)).
    وروى البخاري في تاريخه عن علي أنه قال ((من لم يصل فهو كافر)). وقال محمد بن نصر: سمعت إسحاق يقول: ((صح عن النبي أن تارك الصلاة كافر)).
    وكذلك كان رأي أهل العلم من لدن النبي أن تارك الصلاة عمدا من غير عذر حتى يذهب وقتها كافر وقال أيوب السختياني: ترك الصلاة كفر لا يختلف فيه.
    فاتقوا الله أيها المسلمون وحافظوا على صلاتكم تفلحوا وتفوزوا برضا الله في الآخرة.
    قال تعالى: فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا إلا من تاب وآمن وعمل صالحا فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا.
    أيها المسلمون إن الله أمركم بأمر إبتدر فيه بنفسه وثنى فيه بملائكته إذ يقول (إن الله وملائكته ... الآية) . اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيمفي العالمين إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد ، اللهم صلي على محمد في الأولين وصلي عليه في الآخرين، سبحانك ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين



    *التعديل لخطأ في كلمة ( بالصلاة)

    (عدل بواسطة كمال حسن on 10-01-2010, 10:20 PM)

                  

10-07-2010, 10:41 PM

كمال حسن
<aكمال حسن
تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 1352

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: كمال حسن)

    الحمد لله الذي شرع لعباده أكمل الشرائع، وفرض عليهم أجل الفرائض، وأوجب عليهم من العبادات، ما يصلون به إلى أسمى الغايات، وأنبل المقاصد وأرفع الدرجات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، ومجتباه من خلقه ومصطفاه من أنبيائه ورسله، اللهم صلِّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ومن سار على نهجه واستقام على سنته، ودعا بدعوته إلى يوم الدين.

    أما بعــد:

    أيها المسلمون: اتقوا الله تبارك وتعالى، واعلموا أن أعظم فرائض الإسلام، بعد صحة العقيدة وسلامة التوحيد، وتجريد العبادة لله وحده، فريضة الصلاة، فالصلاة -يا أمة الإسلام- قِوام هذا الدين، وعموده المتين، وركنه الركين، يقول صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه، عن ابن عمر رضي الله عنهما: {بني الإسلام على خمس } وثنى بالصلاة بعد الشهادتين.

    لذا فقد ورد الأمر بالمحافظة عليها وإقامتها في آيات كثيرة، وأحاديث متعددة، قال الله تعالى: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى [البقرة:238] وقال سبحانه وتعالى: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ [البقرة:43] وقال: إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً [النساء:103].

    ومما يجدر التنويه بشأنه، أنه لا يكاد يمر ذكر الصلاة في موضوع من التنزيل إلا مقروناً بإقامتها، وذلك لأن المقصود منها إقامتها على وفق سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، القائل فيما أخرجه البخاري رحمه الله: {صلوا كما رأيتموني أصلي }.

    قال الضحاك عن ابن عباس رضي الله عنهما: [[إقامة الصلاة: إتمام الركوع والسجود والتلاوة والخشوع، والإقبال على الله فيها ]]. وقال قتادة : [[إقامة الصلاة: المحافظة على مواقيتها ووضوئها وركوعها وسجودها ]] وليس المقصود منها أداءها فحسب.......

    حكم تارك الصلاة


    وكما جاء الأمر الصريح بإقامتها، فقد جاء الوعيد الشديد، والترهيب الرهيب لمن تركها، أو تساهل فيها، قال الله تعالى مخبراً عن حال أهل النار: مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ [المدثر:42] * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ [المدثر:43]، وأخبر أن سبب دخولهم النار تركهم الصلاة، وقال تعالى: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً [مريم:59] وقال: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ [الماعون:4-5].

    فإذا كانت عقوبة من يؤخر الصلاة عن وقتها، ويتساهل فيها بهذه الكيفية من العذاب الشديد، فكيف بحال من يتركها بالكلية.

    وويل: شدة العذاب، وقيل: هو وادٍ في جهنم لو سيرت فيه جبال الدنيا لذابت من حره، ولا يستحق شرف الإسلام ومكانته من ضيع واجباته وأهمل فرائضه، وعلى رأسها الصلاة.

    فتارك الصلاة يا إخوة الإسلام! متعرض لوعيد الله، متسبب في هلاك نفسه وورودها موارد الكافرين والمرتدين -عياذاً بالله- لأن الصلاة هي الفارق بين الكفر والإسلام، والشرك والإيمان.

    أخرج الإمام مسلم عن جابر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة } وعن بريدة رضي الله عنه ، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: {العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها، فقد كفر } أخرجه الإمام أحمد وأهل السنن.

    وروى الترمذي عن عبد الله بن شقيق رحمه الله، قال: [[كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفرٌ غير الصلاة ]].

    وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه ذكر الصلاة يوماً، فقال: [[من حافظ عليها؛ كانت له نوراً وبرهاناً ونجاةً، ومن لم يحافظ عليها؛ لم تكن له نوراً ولا برهاناً ولا نجاةً، وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبي بن خلف
    ]] وقال عمر رضي الله عنه: [[لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة ]] وقال علي رضي الله عنه وأرضاه: [[من لم يصلِ؛ فهو كافر ]].


    وجوب إقامة الصلاة جماعة


    وقد جاء عن جملة من الصحابة والتابعين أن من ترك صلاة فرض حتى يخرج وقتها متعمداً، فهو كافرٌ مرتدٌ عن الإسلام، ومما ينبغي التأكيد عليه أن هذه الصلاة، لا بد أن تكون في بيوت الله مع جماعة المسلمين، لقوله تعالى: وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ [البقرة:43] ولقوله سبحانه: وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ [النساء:102].

    فأوجب سبحانه وتعالى الصلاة مع الجماعة في حال الحرب والقتال، فكيف بحال السلم والأمن، ولو كان أحدٌ يعذر في ترك الصلاة جماعةً؛ لكان المصافّون للعدو المهددون بهجومه عليهم، المشاركون في معامع القتال أولى بأن يسمح لهم، فكيف بحال من هو آمن صحيح سليم معافى!

    وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: {لقد هممت أن آمر بالصلاة، فتقام، ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس، ثم أنطلق برجالٍ معهم حزمٌ من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة، فأحرق عليهم بيوتهم بالنار }.

    وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه {أن رجلاً أعمى قال: يا رسول الله! ليس لي قائد يقودني إلى المسجد، فهل لي رخصة أن أصلي في بيتي؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: هل تسمع النداء للصلاة؟ قال: نعم، قال: فأجب } مع أن هذا رجلٌ أعمى ليس له قائدٌ يقوده إلى المسجد.

    وفي رواية: أن بيته بعيدٌ عن المسجد، وأن الطريق إليه مليء بالسباع والهوام، ومع كل هذا؛ لم يرخص له في ترك الجماعة؛ فكيف بحال المبصرين الآمنين القريبين الأصحاء!

    وفي صحيح مسلم -أيضاً- عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: [[من سره أن يلقى الله غداً مؤمناً، فليحافظ على هذه الصلوات الخمس، حيث ينادى بهن، فإن الله شرع لنبيكم سنن الهدى، وإنهن من سنن الهدى، ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته؛ لتركتم سنة نبيكم، ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم... ]] إلى أن قال رضي الله عنه: [[ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها- يعني: الصلاة مع الجماعة- إلا منافقٌ معلوم النفاق، ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف ]] وسئل ابن عباس رضي الله عنهما عن رجل يصوم النهار ويقوم الليل، ولكنه لا يشهد الجمعة والجماعات، فقال: [[هو في النار ]].


    تهاون بعض الناس في شأن الصلاة


    أخوة العقيدة والإيمان: هكذا سمعنا منزلة الصلاة في الإسلام، ومن العجب أن يجهل قوم من المنتسبين إلى الإسلام قدر هذه الصلوات! أو يتجاهلوها ويتغافلوا عنها، حتى كانت الصلاة عند كثيرٍ منهم إلا من عصم الله من أزهد الأعمال وأقلها قدراً، لا يقيمون لها وزناً في حساب أعمالهم، ولا يبذلون لها وقتاً من ساعات أعمالهم، فأي دين لهؤلاء، الذين يدعون الصلاة مع يسر أعمالها، وكثرة ثوابها، وعظم مصالحها ومنافعها، على القلب والبدن والفرد والجماعة؟!

    أي دين لمن يتخلف عن أداء الصلاة مع الجماعة بدون عذر شرعي؟!

    ولقد عظمت المصيبة، وعمت البلوى في هذا الزمان، من تساهل كثير من الناس في شأن الصلاة مع الجماعة، وصدق فيهم قوله تعالى: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ [مريم:59] حتى فتن أكثرهم- والعياذ بالله- بدنياه وأمواله وبيعه وشرائه، وبعضهم بشبابه وصحته، وبعضهم بمكانته وجاهه، حتى أتى بهم ذلك إلى التكبر على فرائض الله، وإلى التحدي لشعائر الله جل وعلا.......

    المناصحة لتاركي الصلاة


    فليتق الله أولئك الناس! فإن الحياة قصيرة المدى، والموت يأتي بغتة، ثم يحاسبون على أعمالهم، وأول ما يحاسب عليه العبد من عمله الصلاة، فإن صلحت؛ فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت؛ فقد خاب وخسر عياذاً بالله!

    ولو أن المسلمين المصلين قاموا بواجبهم بالدعوة إلى الله، ومعاملة أولئك المفتونين عن الصلاة معاملة تشعرهم بفساد أعمالهم وخطورة أمرهم، فلم يصاحبوهم، ولم يجالسوهم، ولم يحادثوهم، ولم يتعاملوا معهم في بيع وشراء، ما داموا مصرين على ترك الصلاة؛ لتغير الحال وتحسن الواقع، ولكن الله المستعان! أصبحت عامة موالات الناس لأجل الدنيا، وذلك لا يجدي على أهله شيئاً، وإنه واجب المسلمين أن يقيموا هذه الفريضة على وفق سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يخضعوها لأهواء الناس، ولا لآرائهم.

    فإن المؤمن يؤديها وهو فرح مستبشر مسرور، والمنافق يتثاقلها، ولا يتحملها، ويود الخلاص منها، ويجب رعاية طهارتها وأركانها وواجباتها، وخشوعها والطمأنينة فيها، كما يتأكد إقامتها في أوقاتها، وترك كل ما يمنع ذلك، وإذا تخلل وقت الصلاة وظيفةٌ، أو دراسةٌ، أو أي عمل من الأعمال؛ فيجب إقامتها في وقتها مع الجماعة، ولا يجوز تأخيرها عن وقتها.

    كما ينبغي أن يدرس بحزم موضوع تاركي الصلاة، المجاهرين بتركها المصرين على ذلك، وذلك بدعوتهم، ومناصحتهم، والإكثار من إرشادهم، فترك الصلاة أشد من الوقوع في الزنا، أو السرقة، أو نحوها.

    بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم.

    أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه وتوبوا إليه إنه كان للأوابين غفوراً.

    ****************
    الخطبة الثانية

    عظم قدر الصلاة دليل على عظم قدر الدين عند المسلم


    الحمد لله الذي جعل الصلاة عماد الدين، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه.

    أما بعــد:

    فيا عباد الله! اتقوا الله تعالى، واعلموا أن حظكم من الإسلام على قدر حظكم من الصلاة، فاحذروا أن تلقوا الله عز وجل، ولا قدر للإسلام عندكم، فإن قدر الإسلام في قلب العبد كقدر الصلاة في قلبه، والحديث عن الصلاة يا إخوة الإسلام! يحتاج إلى أوقات كثيرة، ومناسبات متعددة، لعظم مكانتها في الإسلام، ولحاجة الناس اليوم من جراء تساهلهم وجهلهم بأدائها على الوجه الشرعي والنهج النبوي.

    نسأل الله أن يعين ويوفق للتنبيه عليها مستقبلاً، وصلوا وسلموا -رحمكم الله- على أفضل البرية وأفضل البشرية نبينا محمد، كما أمركم الله بالصلاة والسلام عليه بقوله: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56].

    اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ، وعن الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وارض عنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين!

    اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واحمِ حوزة الدين يا رب العالمين، واجعل سائر بلاد المسلين مطمئنة وآمنة، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل اللهم ولاية المسلمين فيمن يخافك ويتقيك ويتبع رضاك يا رب العالمين!

    اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر يا سميع الدعاء!

    رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

    عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.


    (منقول بتصرف)
                  

10-14-2010, 10:20 PM

كمال حسن
<aكمال حسن
تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 1352

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: كمال حسن)

    الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا .. من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمد عبده ورسوله : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ (102 سورة آل عمران) . يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1 سورة النساء) . يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا
    أما بعد:

    أيها المسلمون: اتقوا الله وراقبوه، وارجوا اليوم الآخر، وحافظوا على أوامر الله وأدوها كما أمركم الله ورسوله ، واجتنبوا ما نهاكم الله عنه وما نهاكم عنه رسوله ، وليتحرّ كل مسلم الصواب في عباداته حتى تقبل منه، ويتعلم أحكام العبادات وشروطها وأركانها ونواقضها ومبطلاتها. فربما يفعل المسلم فعلاً يظنّه مسنوناً وإذا هو مبطلٌ للعبادة أو منقص لأجرها.

    أيها المسلمون: وإن من أهم ما يجب الاعتناء بتعلمه والتفقه فيه، ومعرفة أحكامها وشروطها وأركانها ومبطلاتها بعد التوحيد هي أحكام الصلاة.

    كيف لا: والنبي يقول: ((أول ما يحاسب عنه العبد يوم القيامة الصلاة، فإن صلحت صلح له سائر عمله، وإن فسدت فسد سائر عمله)) [رواه الطبراني في الأوسط وغيره عن أنس وصححه الألباني].

    فما ظنّك أخي المسلم إذا جِئت يوم القيامة وأنت أحوج ما تكون إلى الحسنة فيُنظر في صلاتك فإذا هي فاسدة، فينظرون في صحيفتك هل فيها من نوافل؟ حتى يسدوا بعض خلل الصلاة.

    فإذا أنت مقصر في النوافل أيضاً وتضيع لها، وتقع في أخطاءٍ تخلّ بجوهر الصلاة، يا لها من خسارة وندامة.

    أيها الإخوة: وموضوع مثل هذا لا تكفيه خطبة ولا خطبتان، ولكنها تذكرة بأهمية هذه الشعيرة ووجوب التفقه فيها، والحمد لله قد ألفت كتب كثيرة مختصرةٌ ومطولة، في أحكام الصلاة، وأخطاء الناس فيها، ومن ذلك كتاب صفة صلاة النبي للشيخ العلامة عبد العزيز بن باز يرحمه الله، وكتاب آخر بهذا الاسم أيضاً للشيخ العلامة محمد بن عثيمين وآخر للشيخ الألباني، ومن الكتب النافعة، التي تصوب أخطاء الناس في صلاتهم وفي طهارتهم كتاب الشيخ عبد العزيز السدحان وفقه الله وهو كتاب موجود ومبذول، فما ينقصك إلا القراءة.

    وإذا كنت لا تحسن القراءة، فاسمع الأشرطة والمحاضرات التي تبين لك أحكام الصلاة وأخطاء الناس فيها.

    أيها الناس: إن أخطاء الناس في الصلاة متنوعة ومتعددة، فبعضها يبطل الصلاة، وبعضها ينقص من أجرها، وبعضها خلاف السنة. وسأذكر بعض المخالفات واذكر والصواب فيها:

    1- من المخالفات التي تبطل الصلاة، وتجعلها لا نفع فيها، عدم الطمأنينة في الصلاة، فلا يطمئن في ركوعها ولا سجودها، ولا جلوسها بل ينقرها نقراً، ولا يذكر الله فيها إلا قليلاً.

    والطمأنينة ركنٌ من أركان الصلاة، لا تصح الصلاة إلا به، فكما أن الصلاة لا تصح إلا بقراءة الفاتحة ولا تصح إلا بالركوع والسجود فكذلك لا تصح الصلاة إلا بالطمأنينة.

    أما كيفية الطمأنينة في الصلاة: فقد بينها النبي ، وذلك حينما دخل المسجد مرة، فوجد أعرابياً يصلي فرآه لا يطمئن في صلاته، فدعاه النبي فقال له: ((ارجع فصل فإنك لم تصل))، أي إن صلاتك باطلة، فرجع فصل مثل الأولى، فقال له النبي : ((ارجع فصلي فإنك لم تصلي))، فرجع فصلى مثل الأوليين فقال له النبي : ((ارجع فصل فإنك لم تصل)) فقال الأعرابي: يا رسول الله والذي بعثك بالحق رسولاً لا أحسن غير هذا فعلمني، فقال له النبي : ((إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع حتى تستوي قائماً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع حتى تطمئن جالساً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع حتى تطمئن جالساً، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها)) [متفق عليه].

    إنها الطمأنينة في عامة الأركان، وحتى تقضي الصلاة وليست الصلاة مجرد حركات لا يفقه المصلي فيها قولاً ولا يحسن دعاءً. ولا ترى إلا أجساداً تهوي إلى الأرض خفضاً ورفعاً.

    وهل يرضيك أخي المصلي أن يصرف الله نظره عنك وأنت تصلي؟

    ففي مسند الإمام أحمد أن النبي قال: ((لا ينظر الله إلى عبد لا يقيم صلبه بين ركوعه وسجوده)).

    2- ومن المخالفات التي تسبق فعل الصلاة تأخير الصلاة عن وقتها، فلا يصلي الصلاة إلا وقد خرج وقتها.

    وهذا غالباً ما يكون في صلاة الفجر، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

    أيها الإخوة: اعلموا أنه لا يحل لمسلم أن يقدم من صلاته جزءً قبل الوقت ولا أن يؤخر منها جزءاً بعده، فكيف بمن يؤخرون جميع الصلاة عن وقتها كسلاً وتهاوناً وإيثاراً للدنيا على الآخرة، ويتنعمون بنومهم على فراشهم ويتمتعون بلهوهم ومكاسبهم كأنما خلقوا للدنيا.

    كأنهم لا يقرؤون القرآن، كأنهم لا يقرؤون قوله تعالى: فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون كأنهم لم يقرءوا قوله تعالى: فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غياً إلا من تاب وآمن وعمل صالحاً فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئاً وكأني بهم لم تبلغهم أحاديث النبي في وعيد من أضاع الصلاة أو لم يبالوا بذلك، لقد قال النبي : ((من فاتته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله)) [رواه البخاري].

    أي كأنما أُصيب بفقد أهله وماله، فسبحان الله، ما أعظم الأمر وما أفدح الخسارة، الذي تفوق صلاة العصر كأنما فقد أهله وماله، فأصبح أعزباً بعد التأهل وفقيراً بعد المغنى، فأين موظفونا: الذين يخرجون من العمل قرب العصر فينامون ولا يستيقظون إلا قُرب المغرب أو بعد المغرب، اسمع يا أخي رسولك يقول لك حينما تفوتك صلاة العصر فكأنما فقدت زوجتك وأبناءك وبيتك ووظيفتك وجميع ما تملك.

    فكم من عصر يفوت.؟ ولا حول ولا وقوة إلا بالله؟

    3- ومن المخالفات أيضاً تهاون بعض المصلين بستر العورة: وقد قال الله تعالى: يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد، ومن المعلوم أن عورة الرجل من السرة إلى الركبة، وعورة المرأة البالغة جميع بدنها ما عدا الوجه في الصلاة فقط.

    فاتقوا الله عباد الله وتستروا في الصلاة بثوب مباح طاهر لا يصف لون الجلد من ورائه، واحذروا التهاون في ذلك، فإن بعض الناس يلبسون ثياباً ناعمة رهيفة أو صافية لا تستر وليس عليهم إلا سراويل قصيرة لا تصل إلى الركبة فيبين لون الفخذ من تحت الثوب وهؤلاء لم يأتوا بواجب الستر الذي هو من شروط الصلاة.

    4- ومن الأخطاء أيضاً عدم تمكين الأعضاء السبعة من السجود، وهذا خلاف الثابت عنه ، فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: ((أمر النبي أن يسجد على سبعة أعضاء ولا يكف شعراً ولا ثوباً، الجبهة واليدين والركبتين والرجلين)) [أخرجه البخاري].

    والمخالفات التي تقع من الناس في هذا الخطأ أنواع منها:

    أن بعض الناس إذا سجد رفع قدميه قليلاً عن الأرض أو جعل إحداهما على الأخرى وهو في هذه الحالة لم يصدق عليه أن سجد على سبعة أعظم.

    ومنها: أن بعض الناس ممن يلبس العقال قد يسجد على طرف العقال فيرتفع أنفه هذا مخالف أيضاً لما سبق من حديث الأمر بالسجود على سبعة أُعظم.

    وقد سُئل الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى عن المصلي إذا رفع بعض أعضاء السجود عن لمس الأرض فهل تبطل صلاته؟

    فأجاب رحمه الله: إن كانت رجلُه مرفوعةً من ابتداء السجدة إلى آخرها لم تصح صلاته لأنه ترك وضع بعض الأعضاء وليس له عذر. وإن كان قد وضعها بالأرض في نفس السجدة ثم رفعها وهو في السجدة فقد أدى الركن لكن لا ينبغي له ذلك.

    5- ومن المخالفات والأخطاء التي تبطل الصلاة وهي منتشرة بين الناس ولا حول ولا قوة إلا بالله قيام المسبوق أي الذي فاته شيء من الصلاة لقضاء ما فاته قبل تسليم الإمام التسليمة الثانية: فما إن يسلم الإمام التسليمة الأولى وقبل أن يتمها بادر الناس بالقيام لقضاء ما فاتهم قبل أن يكمل الإمام السلام.

    وهذا مخالف لقوله عليه السلام: ((إنما جعل الإمام ليؤتم به فإذا كبر فكبروا وإذا ركع فاركعوا..)) [الحديث رواه البخاري ومسلم].

    وفي حديث آخر: ((أيها الناس إني أمامكم فلا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود ولا بالقيام ولا بالقعود ولا بالانصراف)) [رواه مسلم]. وعن أنس رضي الله عنه قال الحافظ النووي رحمه الله: والمراد بالانصراف السلام.

    قال الإمام الشافعي رحمه الله: ومن سبقه الإمام بشيء من الصلاة فلا يقوم لقضاء ما عليه إلا بعد فراغ الإمام من التسليمتين.

    وسئل الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله: هل يجوز للمسبوق أن يقوم لقضاء ما فاته قبل أن يكمل الإمام التسليم؟

    فأجاب رحمه الله: لا يحل له ذلك وعليه أن يمكث حتى ينتهي الإمام من التسليمة الثانية، فان قام قبل انتهاء سلامه، ولم يرجع انقلبت صلاته نفلاً، وعليه إعادتها، لأن المأموم فرض عليه أن يبقى مع إمامه حتى تتم صلاة الإمام.

    بارك الله لي ولكم..



    الخطبة الثانية





    الحمد لله القائل: وأقيموا الصلاة وأتوا الزكاة وأطيعوا الرسول لعلكم ترحمون. وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وخيرته من خلقه.

    ما زال يوصي ويقول: ((صلوا كما رأيتموني أصلي)).

    أيها المؤمنون: ومن الأخطاء الشائعة مسابقة الإمام بالركوع أو الرفع منه أو السجود أو السلام أو نحو ذلك، ويكفي في ذلك ردعاً أن يعي المصلي قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((أما يخشى أحدكم إذا رفع رأسه قبل الإمام أن يجعل الله رأسه رأس حمار، أو يجعل الله صورته صورة حمار)) [متفق عليه].

    وهناك خطأ آخر، وهو تابع للذي قبله:

    وهو التأخر عن الإمام، أو موافقة الإمام في القيام والقعود أو الركوع والسجود، والسنة المشروعة متابعة الإمام، فإنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا استوى الإمام راكعاً تركع. وإذا استوى ساجداً تسجد. لا تسبقه ولا توافق ولا تتأخر عنه، بل تابعه قال البراء بن عازب رضي الله عنه: كنا خلف النبي صلى الله عليه وسلم: ((فكان إذا انحط من قيامه للسجود لا يحني أحدٌ منا ظهره حتى يضع رسول الله صلى الله عليه وسلم جبهته على الأرض)) [متفق عليه].

    ورأى أحد الصحابة رجلاً يسابق إمامه فقال: (لا وحدك صليت ولا بإمامك اقتديت).

    وغالباً ما يسابق الإمام المستعجل أو من عنده شغل يريد إنهاء الصلاة حتى يؤديه، ولكن نقول لهذا كما قال ابن العزي في كتابه في شرح موطأ مالك بن أنس قال رحمه الله: وماذا يريد من يسرع في صلاته ويسابق إمامه فليسلي نفسه، إنه لن ينتهي قبل إمامه.

    يعني مهما أسرعت وسابقت الإمام لن تسلم حتى يسلم سابقت أم لم تسابق أسرعت أم لم تسرع.

    ومن المخالفات أيضاً وهي منتشرة في أوساط الناس أن بعض المسلمين إذا دخل المسجد والإمام راكع أسرع سرعة شديدة، وهذه مخالفة.
    إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون أذكروا الله العظيم يذكركم وأشكروه على جزيل نعمائه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون
                  

10-22-2010, 09:08 AM

كمال حسن
<aكمال حسن
تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 1352

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: كمال حسن)

    خطبة منقولة*

    إن الحمد لله، نحمدك ربي ونستعينك ونستغفرك ونتوب إليك، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، سبحانك ربنا! لك الحمد والشكر والثناء، جعلت الصلاة عماد الدين، وعصام اليقين، وسلوى الطائعين، وقرة عيون المؤمنين، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله، ومصطفاه وخليله، أفضل البرية، وسيد البشرية، إمام المتقين، وقدوة المصلين الخاشعين، اللهم صلِّ وسلم وبارك على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، نبينا محمد بن عبد الله، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الغر الميامين، ومَن دعا بدعوته واهتدى بهديه إلى يوم الدين.

    أما بعد:

    فيا أيها المسلمون! اتقوا الله ربكم رب العالمين، وكونوا بدينكم مستمسكين، وعلى عموده محافظين، وفيه خاشعين خاضعين، تسْلُكوا سبيل المفلحين، وهذا وايم الله غاية العاملين.

    معاشر المسلمين: يحتاج الإنسان في خضم مشاغل الحياة الدنيوية، وما تفرزه الحضارة المادية من مشكلات نفسية، وتوتراتٍ عصبية، يحتاج حاجةً مُلِحَّةً إلى ما ينفِّس عن مشاعره، ويخفِّف من لأوائه ومصائبه، ويبعث في نفسه الطمأنينة القلبية، والراحة النفسية، بعيداً عن العُقَد والاكتئاب، والقلق والاضطراب، وهيهات أن يجد الإنسان ذلك إلا في ظل الإسلام وعباداته العظيمة، التي تمثل دواءً روحياً ناجعاً لا نظير له في الأدوية المادية.

    إخوة الإيمان! تَحُلُّ بالأمة حوادث وبلايا، وتُصاب بكوارث ورزايا تشغلها عن قضاياها الأصلية وثوابتها الشرعية، وتمر بالأمة المناسبات والمواسم، فتأخذ حقها من التذكير والاهتمام؛ غير أن حديث المناسبة وكل مناسبة موسمٌ عظيم، ومنهل عذبٌ كريم، يتكرر كل يومٍ خمس مرات، وكثيرٌ من الناس في غفلة عن تحقيق آثاره، والتنويه بمكانته وأسراره، والعناية بحِكَمِه وأحكامه.

    يقول صلى الله عليه وسلم: {أرأيتم لو أن نهراً غمراً بباب أحدكم يغتسل منه كل يومٍ خمس مرات! هل يبقى من درنه شيء؟ قالوا: لا يبقى من درنه شيء، قال: فذلك مَثَل الصلوات الخمس، يمحو الله بهن الخطايا } متفق عليه.

    معشر المسلمين! إنه نتيجة لارتماء كثيرٍ من الناس في أحضان الدنيا، والتنافس في جمع حطامها، وانشغال القلوب والهمم بها، ونسيان الدار الحقيقية، والغفلة عن العمل لها في هذه الدوامة؛ تناسى بعضُهم مكانة هذه العبادة العظيمة، فلم يبالوا بها، ولم يكترثوا بإقامتها، وصَدَقَ فيهم قول الحق تبارك وتعالى: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيَّاً [مريم:59].

    وصنفٌ آخر يؤديها؛ ولكن مع الوقوع في الزلل والاستمرار في الخلل، يصلُّون؛ ولكن لا تُرى آثار الصلاة عليهم، لا يتأدبون بآدابها، ولا يلتزمون بأركانها وواجباتها، صلاتهم صورية عادية؛ لإخلالهم بلُبِّها وروحها وخشوعها، يصلُّون جسداً بلا روح، وبدناً بلا قلب، وحركاتٍ بلا مشاعر وأحاسيس، صلاتهم مرتعٌ للوساوس والهواجس، يأتي الشيطانُ أحدَهم وهو في صلاته فيجعله يصول ويجول بفِكره في مجالات الدنيا، يتحرك ويتشاغل، يستطيل ويتثاقل، ويلتفت بقلبه وبصره إلى حيث يريد، فينفتل من صلاته ولم يعقل منها شيئاً، بل لعل بعضَهم لا يعقل منها إلا قليلاً.

    ثم لا تسأل عن الأحوال، وسيء الفعال، وقبيح الخصال بعد الصلاة؛ فحشٌ في القول، وإساءةٌ في الفعل، وأكلٌ للحرام، وتعسفٌ في الأخلاق، واجتراحٌ للسيئات، وإصرارٌ على المعاصي والمنكرات، وربما تساءل بعضهم: ألم يقل الله عز وجل: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت:45] ؟! فأين نحن من هذه الآية؟!

    فنحن نؤدي الصلاة؛ ولكن لا أثر لها في حياتنا، ولا ثمرة لها في واقعنا، وتغيير أحوالنا، وتحسن مناهجنا، وصلاح سائر جوانب حياتنا!

    إخوة العقيدة! إن الصلاة التي يريدها الإسلام هي التي تمثِّل المعراج الروحي للمؤمن؛ حيث تعرج به روحه كلما قام مصلياً في فريضةٍ أو نافلة، منتقلة من عالم المادة إلى عالم السمو والصفاء والطهر والنقاء، وفي ذلك مصدر السعادة والسرور، ومبعث الطمأنينة والحُبور، وكان ذلك ديدن الأنبياء جميعاً عليهم صلوات الله وسلامه، وهكذا كان الحبيب المصطفى القدوة عليه الصلاة والسلام: {إذا حزبه أمرٌ فزع إلى الصلاة } خرَّجه الإمام أحمد و أبو داود من حديث حذيفة رضي الله عنه.......

    فضل الصلاة والمحافظة عليها

    معاشر المسلمين! الصلاة غذاء القلوب، وزاد الأرواح، مناجاةٌ ودعاء، خضوعٌ وثناء، تذللٌ وبكاء، وتوسلٌ ورجاء، واعتصامٌ والتجاء، وتواضعٌ لكبرياء الله، وخضوعٌ لعظمته، وانطراحٌ بين يديه، وانكسارٌ وافتقارٌ إليه، تذللٌ وعبودية، تقربٌ وخشوع لجناب الربوبية والألوهية، إنها ملجأ المسلم، وملاذ المؤمن، فيها يجد البلسم الشافي، والدواء الكافي، والغذاء الوافي، إنها خير عُدةٍ وسلاح، وأفضل جُنة وكفاح، وأعظم وسيلة للصلاح والفلاح والنجاح، تُنشئ في النفوس وتُذْكي في الضمائر قوةً روحيةً، وإيماناً راسخاً، ويقيناً عميقاً، ونوراً يبدد ظلمات الفتن، ويقاوم أعتى المغريات والمحن، وكم فيها من الأسرار والحكم والمقاصد والغايات التي لا يعقلها كثيرٌ ممن يؤديها! فما أعظم الأجر، وأوفر الحظ لِمَن أداها على الوجه الشرعي!

    أخرج الإمام أبو داود في سننه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: {خمس صلواتٍ افترضهن الله عز وجل، مَن أحسن وضوءهن، وصلاهن لوقتهن، وأتم ركوعهن وخشوعهن كان على الله عهدٌ أن يغفر له }.

    إخوة الإسلام! لا يخفى على كل مسلمٍ بحمد الله مكانة الصلاة في دين الله، ومنزلتها في شرع الله، فهي عمود الإسلام، والفاصل بين الكفر والإيمان، وإذا كان الأمر بهذه الأهمية والخطورة؛ فإن الذي يحز في النفس ويؤلم القلب أنه لا يزال في عداد المنتسبين للإسلام من لا يرفع رأساً بها، فما بال أقوامٍ يعيشون بين ظهرانَي المسلمين قد خف ميزان الصلاة عندهم، وطاش معيارها، بل لربما تعدى الأمر إلى ما هو أفظع من ذلك، ولا حول ولا قوة إلا بالله! فهل ينتهون قبل أن يحل بهم سخط الله؟ وتعاجلهم المنية وهم على هذه الحال السيئة؟!

    أيها الإخوة المصلون! لِتَهْنِكُم الصلاة! ويا بشرى لكم يا من شرح الله صدوركم بهذه الفريضة العظيمة! وهنيئاً لكم ثواب الله وفضله العاجل والآجل لقيامكم بهذا الواجب الشرعي العظيم!......

    يا أيها المصلون! لتعلموا أن للصلاة المقبولة شروطاً وأركاناً، وواجباتٍ وآداباً، لابد من الوفاء بها، كما أن هناك مسائل مهمة، وأخطاءً شائعةً في هذه الفريضة، يحتاج المصلون إلى معرفتها، وقد ورد عند أحمد وغيره: {إن أسوأ الناس سرقة: الذي يسرق من صلاته، وذلك بعدم تمام ركوعها وسجودها وخشوعها } كما ورد عن أحمد و أبي داود و النسائي : {إن المصلي لينصرف من صلاته وما كُتِب له إلا ربعها أو خمسها حتى بلغ عشرها } وهذا يدعو المسلم المصلي إلى أن يتنبه لشأن صلاته؛ حتى لا يخسر الثواب، ويبوء بالعقاب، متعهداً طهارتها وشروطها وأركانها وواجباتها، مجتهداً في الخشوع فيها، فهو لُبُّها وروحها.......

    أمة الإسلام! لقد مدح الله المؤمنين وأثنى عليهم ووصفهم بالخشوع له في أجلِّ عباداتهم، ورتب على ذلك الفوز والفلاح، فقال جل وعلا: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون:1-2].

    وقال ابن رجب : وأصل الخشوع: لين القلب ورقته وسكونه وخضوعه وانكساره وحُرْقته، فإذا خشع القلب تبعه خشوع جميع الجوارح؛ لأنها تابعة له.

    وقد رأى بعض السلف رجلاً يعبث بيده في الصلاة فقال: [[لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه ]] رُوِي ذلك عن حذيفة و سعيد بن المسيب ، ويُرْوَى مرفوعاً لكن بإسنادٍ لا يصح.

    وفي معنى الخشوع في الصلاة يقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه : [[هو الخشوع في القلب وأن تُلِيْنَ كنفك للمرء المسلم، وأن لا تلتفت في صلاتك يميناً ولا شمالاً ]].

    وعن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ [المؤمنون:2] قال: [[خائفون ساكنون ]].

    وحُكِي أن مسلم بن يسار أنه كان يصلي في مسجد البصرة ، فسقط حائط المسجد، ففزع أهل السوق لهدته، فما التَفَتَ، ولما هُنِّئ بسلامته عَجِبَ وقال: ما شعرتُ به.

    الله أكبر! هذا هو منهج السلف الصالح رحمهم الله، الذين كانت قلوبهم تستشعر رهبة الموقف في الصلاة بين يدي الله، فتسكن وتخشع، فيسري الخشوع منها إلى جميع الجوارح، وكل الحركات والملامح، ويغشى أرواحهم جلال الله وعظمته، وهم يقفون بين يديه، فتختفي من أذهانهم جميع الشواغل عندما يشتغلون بلذيذ المناجاة للجبار جل جلاله، ويتوارَى عن حسهم في تلك الحالة كلُّ ما حولهم، فيتطهر وجدانهم من كل دنس، وينفضون عنهم كل شائبة، وعندئذٍ تتضاءل الماديات، وتتلاشى جميع الدنيويات، وحينئذٍ تكون الصلاة راحةً قلبيةً وطمأنينةً نفسيةً وقرة عين حقيقة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الإمام أحمد و النسائي عن أنس رضي الله عنه: {وجُعِلَت قرة عيني في الصلاة }.

    وفي المسند وغيره: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (قُمْ يا بلال ! فأرحنا بالصلاة) رواه أحمد و أبو داود .

    الله أكبر! إنها الراحة الدائمة للنفوس المطمئنة؛ لكي تشعر من خلال أدائها أنها تناجي من بيده ملكوت كل شيء.

    وأن المصلي حينما يكبر ويرفع يديه؛ إنما هو تعظيم لله.

    وإذا وضع اليمنى على اليسرى؛ فهو ذل بين يدي مولاه، كما قال الإمام أحمد رحمه الله: هو ذلٌّ بين يدي عزيز.

    وإذا ركع؛ فهو إقرار بعظمة الله.

    وإذا سجد؛ فهو تواضعٌ أمام علوِّ الله، وهكذا يكون المسلم في صلاته يوثق الصلة بمولاه؛ ليفوز بوعد الله الذي لا يخلف الميعاد.

    أخرج الإمام مسلم في صحيحه : عن عثمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {ما من امرئ مسلم تحضره صلاةٌ مكتوبة، فيحسن وضوءها وخشوعها وركوعها؛ إلا كانت كفارةً لما قبلها من الذنوب ما لم تؤتَ كبيرة، وذلك الدهر كله }.
    أيها الإخوة المصلُّون! إن المصلي حقاً من يقيم الصلاة كاملة الفرائض والأركان، مستوفية الشروط والواجبات والآداب، يستغرق فيها القلب، ويتفاعل من خلالها الوجدان، ويحافظ عليها محافظةً تامةً قدر الطاقة، يبعثه على ذلك قلبٌ يقظ، وشعور صادق، وإحساس مرهف، وضمير حي، فينصرف بكليته إلى الصلاة؛ لأن الخشوع فيها إنما يحصُل لمن فرَّغ قلبه لها، واشتغل بها عما عداها، وآثرها على غيرها، ومنزلة الخشوع من الصلاة كمنزلة الرأس من الجسد، فالذي يجعل الصلاة مرتعاً للتفكير في أمور دنياه، ومحلاً للهواجس في مشاغله.. قلبه في كل واد، وهمه في كل مكان، يختلس الشيطان من صلاته بكثرة التفاته، وعبثه بملابسه ويده ورجله وجوارحه، وربما أخل بطمأنينيتها، ولم يعِ ما قرأ فيها، فيُخْشى أن ترد عليه صلاته، فقد ورد عند الطبراني وغيره أن صلاةَ مَن هذه حالُه: {تُلَفُّ كما يُلَفُّ الثوبُ الخلِق، ثم يُرْمَى بها وجه صاحبها } والعياذ بالله.

    أمة الإسلام! إنه لما طال بالناس الأمد، وقست قلوبهم، وأساءوا فهم شعائر الإسلام، أصبَحْتَ ترى مَن يخل ببعض شروط الصلاة وأركانها وواجباتها، فلم تعمل الصلاة عمَلَها في قلوب الناس، ولم تؤثر في حياتهم، فهل مَن يؤديها ولكن لا تنهاه عن الفحشاء والمنكر، ولا تمنعه مما يخدش العقيدة أو يخالف السنة أو يناقض مبادئ الإسلام، ولا تمنعه من تعاطي الربا، واقتراف الزنا، والرشوة، والغش، وشرب المسكرات، وتعاطي المخدرات، والتساهل في حقوق العباد، والوقيعة في أعراضهم، وما إلى ذلك من المحرمات، هل أولئك قد أقاموا الصلاة وأدَّوا حقها؟! والله لو فعلوا ذلك لانتهوا عن كل محرم، وأقلعوا عن كل ما يخالف شرع الله، ولكنه إضاعة جوهر الصلاة، ولا حول ولا وقوة إلا بالله!

    خرَّج الترمذي و النسائي من حديث جبير بن نفير : {أن أول علمٍ يُرْفع من الناس الخشوع، فيوشك أن تدخل المسجد الجامع فلا ترى فيه رجلاً خاشعاً } فالله المستعان!

    يا أمة محمدٍ صلى الله عليه وسلم! ما هي حالنا اليوم مع هذه الفريضة العظيمة؟!

    أجسادٌ تهوي إلى الأرض، وقلوبٌ غافلة، وأفئدة متعلقة بالدنيا، إلا من رحم الله.

    هل من عودة صادقة أيها المسلمون المصلون إلى ترسُّم خطى المصطفى صلى الله عليه وسلم في هذه الفريضة العظيمة وغيرها من فرائض الإسلام؛ لتعود للأمة قوتها وهيبتها بعد أن مُنِيَت بنكسة خطيرة، أفقدتها كثيراً من مقوماتها التي تجعلها متماسكة قوية؟!

    ألا ما أحرى الأمة وهي تتجرع غصص الهزائم أن تتحرى الأسباب والدوافع لتقوم بالتغلب عليها، وإنها واجدةٌ في شعائر الإسلام وأعظمها الصلاة ما يكون سبباً في صقل الأفراد، وتهذيب المجتمعات، وصلاح الأحوال، والقضاء على أسباب الضعف والهزيمة وخواء الروح المعنوية في الأمة.

    نحن الذين إذا دعوا لصلاتهم والحرب تسقي الأرض جاماً أحمرا

    جعلوا الوجوه إلى الحجاز فكبروا في مسمع الروح الأمين فكبرا

    فلنتقِ الله -عباد الله- في أمورنا عامة وفي صلاتنا خاصة، فإن حظ المرء من الإسلام على قدر حظه من الصلاة، ولنفكر في حالنا ماذا جنينا من جراء التهاون في شعائر الإسلام كلها لاسيما الصلاة؟!

    إن أمة لا يقف أفرادها بين يدي الله في الصلاة لطلب الفضل والخير منه، لَجَدِيْرَةٌ ألا تقف ثابتة في مواقف الخير والوحدة والنصر والقوة؛ لأن هذه كلها من عند الله وحده. فإذا أصلحنا ما بيننا وبين الله؛ أصلح الله ما بيننا وبين الناس.

    وإن أمة لا يعفر أبناؤها وجوههم في التراب، ويمرغون جباههم في الأرض تعظيماً لخالقهم، وإعلاناً للعبودية التامة له، لَحَرِيَّةٌ ألا تثبت أمام التحديات والمتغيرات، وأن تذوب في خضم المغريات والابتلاءات، وسيول المحن والبلايا، وأن تغرق في مستنقعات الفتن والرزايا. وإن مَرَدَّ تَرَدِّي كثيرٍ من الأوضاع في شتى البقاع لتردي أبنائها في أودية المخالفات، وعدم القيام بما هو من أوجب الواجبات، ألا وهو الصلاة، فإلى الله المشتكى! ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!

    والله المسئول أن يصلح أحوال المسلمين في كل مكان، ويرزقهم الفقه في دينه، والبصيرة فيه، وأن يجعلهم محافظين على شعائر دينهم، معظِّمين لها، قائمين بعمودها على خير وجه، إنه جوادٌ كريم.

    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238].

    بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بهدي سيد المرسلين.

    أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه إنه كان عفواً غفوراً.
    الخطــــــبة الثانية

    الحمد لله الذي جعل لكل شيء عماداً، وجعل الصلاة لنا ذخراً وزاداً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده، فلا شركاء له ولا أنداداً، وأشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله أكمل الأمة إيماناً وصلاةً، وأعظمها عبادةً وجهاداً، صلى الله وسلم وبارك عليه صلاةً وسلاماً تامَّين متلازمَين لا نحصيهما أعداداً، وعلى آله وأصحابه إلى يوم يبعث الناس زرافاتٍ وفرادى.

    أما بعد:

    فاتقوا الله عباد الله، وعظموا شعائر دينكم، واستحضروا فيها عظمة بارئكم جل وعلا، وفرغوا قلوبكم من الشواغل الدنيوية، والعلائق المادية، وأقيموا صلاتكم بقلوبٍ حاضرة خاشعة.

    واعلموا -يا رعاكم الله- أن أكبر ما يعين على ذلك حضور القلب فيها، واستشعار عظمة وجلال الخالق جل وعلا، وتفريغ القلوب من الصوارف عن الله والدار الآخرة، والتخفف من مشاغل الدنيا، وعمارة القلوب بالإيمان، وسد مداخل الشيطان على الإنسان.

    ومما يعين على ذلك أيضاً: قَصْرُ النظر على موضع السجود، ووضعُ اليد اليمنى على اليسرى حال القيام، والتدبرُ فيما يُقْرأ بالقرآن وفيما يُرَدَّد من الأدعية، وعدم الالتفات، ومراعاة الطمأنينة، والحذر من العجلة ومسابقة الإمام، والعبث والحركة، كل ذلك مع توفيق الله عز وجل من الأسباب التي تعين المسلم على إقامة الصلاة كما شرع الله، وكما سن رسوله صلى الله عليه وسلم.

    أيها الإخوة في الله! إن من الظواهر الجديرة بالمعالجة والتي لها أثر كبيرٌ في انصراف المصلين عن الخشوع في الصلاة: ما قذفت به المدنية المعاصرة من وسائل الاتصال الحديثة، كالهواتف المتنقلة التي بُلِي بها كثيرٌ من الناس، فيصطحبونها في صلواتهم ومساجدهم وهي تسبب أذىً وإزعاجاً للمصلِّين، فأي خشوعٍ عند هذا المصلي عفا الله عنه، الذي يقطع حلاوةَ إقباله على ربه ولذيذَ مناجاته لخالقه رنينُ هاتفه المتكرِّر، فيُشْغِل نفسَه ويؤذي غيره؟!

    فهل هؤلاء الذين جاءوا إلى المسجد مصطحبين هذه الأجهزة مفتوحة جاءوا مصلين أم ماذا؟!

    ألا فليتقِ الله أولئك في صلاتهم، وليحذروا من إيذاء إخوانهم المصلين، وانتهاك حرمة بيوت الله، ومتى علم الله من عبده الرغبة في الخير وفَّقه له وأعانه عليه، ولو أن المسلمين اليوم أدوا هذه الصلاة كما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكانت بتوفيق الله انطلاقةً جادة لإصلاح أوضاعهم، وتغيير أحوالهم وسلامة مجتمعاتهم، وطريقاً إلى النصر على أعدائهم، وتحقيق ما يصبُون إليه في دنياهم وأخراهم؛ لأن في تطبيق شعائر الإسلام السلاح القوي، والدرع الواقي من كل مكروه بإذن الله؛ لأن الدافع إليه قوة الإيمان، وصدق اليقين، والشوق إلى الآخرة.

    ألا فاتقوا الله عباد الله، واحرصوا على إقامة صلاتكم؛ فإنها نور لكم في الأرض، وذخرٌ لكم في السماء، وإن المتأمل في آيات التنزيل لَيَجِدُ أن الأمر بالصلاة يأتي دائماً بأسلوب الإقامة، وفي ذلك زيادةُ معانٍ على مجرد الأداء، لأن الإقامة تعني: الإتمام والعناية، وإن مسئولية المصلين لَعَظِيمة بالنسبة لأنفسهم تعاهداً لها وعناية بها، وبالنسبة لغيرهم من معارف وأقارب وأبناءٍ وجيران؛ من حيث أمرهم ونصحهم في هذا الموضوع المهم كما قال سبحانه: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا [طه:132] وعلى أئمة المساجد دورٌ كبيرٌ في ذلك؛ لأنهم يضطلعون بمهمة كبرى، فعليهم أن يقوموا بها عنايةً وتفقيهاً بأحكامها وحكمها كما قال صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه البخاري : {صلوا كما رأيتموني أصلي } ولابد من تحقيق التعاون بين الأئمة والمأمومين، وذلك بقيام كلٍّ برسالته؛ لتتحقق النتائج المرجوة بإذن الله.

    هذا وصلوا وسلموا رحمكم الله على خير مَن أقام الصلاة، صاحب المقام المحمود، والحوض المورود، واللواء المعقود، كما أمركم بذلك الرب المعبود، فقال تعالى قولاً كريماً: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56].

    اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا وحبيبنا وقدوتنا محمد بن عبد الله، وارضَ اللهم عن الأربعة الخلفاء، والأئمة الحنفاء، الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدلون: أبي بكر ، و عمر ، و عثمان و علي ، وعن سائر الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين!

    اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، واخذل الطغاة والملحدين وسائر أعداء الدين.

    اللهم آمِنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيِّدهم بالحق. اللهم وفقهم لما تحب وترضى، وخذ بناصيتهم للبر والتقوى. اللهم كن لهم على الحق مؤيداً ونصيراً، ومعيناً وظهيراً. اللهم هيء لهم البطانة الصالحة التي تدلهم على الخير وتعينهم عليه.

    اللهم وفق جميع ولاة المسلمين لتحكيم شرعك، واتباع سنة نبيك صلى الله عليه وسلم. اللهم اجعلهم رحمة على عبادك المؤمنين.

    اللهم يا قوي يا عزيز! يا ذا الجلال والإكرام! نسألك أن تصلح أحوال المسلمين في كل مكان، وأن تنصر إخواننا المجاهدين والمضطهدين في دينهم في كل مكان.

    اللهم انصرهم في فلسطين ، وكشمير ، و الشيشان ، وفي كل مكانٍ يا ذا الجلال والإكرام!

    اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين.

    اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا. اللهم اسقنا، اللهم اسقنا، اللهم اسقنا.

    اللهم أغث قلوبنا بالإيمان واليقين، وبلادنا بالخيرات والأمطار يا رب العالمين!

    رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

    سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.......


    منقول بتصرف محدود* من http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=FullContent&audioid=28210
                  

11-12-2010, 03:27 PM

كمال حسن
<aكمال حسن
تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 1352

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: كمال حسن)

    خطبة عن عيد الأضحى المبارك

    الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا .. من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمد عبده ورسوله :
    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ (102 سورة آل عمران) .
    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1 سورة النساء)
    . يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا
    عباد الله، إن لكل أمة من الأمم عيداً يعود عليهم في يوم معلوم، يتضمن عقيدتها وأخلاقها وفلسفة حياتها، فمن الأعياد ما هو منبثق ونابع من الأفكار البشرية البعيدة عن وحي الله تعالى، وهي أعياد العقائد غير الإسلامية، وأما عيد الأضحى وعيد الفطر فقد شرعهما الله تعالى لأمة الإسلام، قال الله تعالى: لِكُلّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا [الحج:34]، روى ابن جرير في تفسيره عن ابن عباس قال: (منسكاً أي: عيداً)[1] فيكون معنى الآية أن الله جعل لكل أمة عيداً شرعياً أو عيداً قدرياً.
    وعيد الأضحى وعيد الفطر يكونان بعد ركن من أركان الإسلام، فعيد الأضحى يكون بعد عبادة الحج، وعيد الفطر يكون بعد عبادة الصوم، عن أنس رضي الله عنه قال: قدم رسول الله المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما قال: ((ما هذان اليومان؟)) قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال: ((قد أبدلكم الله خيراً منهما: يوم الأضحى ويوم الفطر)) رواه أبو داود والنسائي[2].
    فعيد الأضحى جعله الله يوم العاشر من ذي الحجة بعد الوقوف بعرفة ركنِ الحج الأعظم، وشرع في هذا العيد أعمالاً جليلة صالحة يتقرب بها المسلمون إلى الله تعالى، وسماه الله يوم الحجر الأكبر؛ لأن أكثر أعمال الحج تكون في يوم هذا العيد، والله عز وجل برحمته وحكمته وعلمه وقدرته شرع الأعمال الصالحة والقربات الجليلة، ودعا الناس كلهم إلى فعلها قربةً إلى الله وزلفى عنده كما قال تعالى: سَابِقُواْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مّن رَّبّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ ٱلسَّمَاء وَٱلأرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ ءامَنُواْ بِٱللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ ٱللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَٱللَّهُ ذُو ٱلْفَضْلِ ٱلْعَظِيمِ [الحديد:21]، وقال تعالى: فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ إِلَىٰ الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً [المائدة:48]، فإذا لم يُمكن أن يعمل المسلم بعض الطاعات لأجل اختصاصها بمكان أو بزمان شرع الله له طاعات من جنس ونوع تلك الطاعات المختصة بالمكان أو الزمان، فيوم عرفة عيد لحجاج بيت الله الحرام، واجتماع لهم وتضرع لله عز وجل، فمن لم يحج شرع الله له صلاة عيد الأضحى في جمع المسلمين، وشرع له صيام عرفة الذي يكفر السنة الماضية والآتية، وقربانُ الحاج وذبائحهم شرع الله مقابل ذلك أضحية المقيم، فأبواب الخيرات كثيرة ميسرة، وطرق البر ممهَّدة واسعة، ليستكثر المسلم من أنواع الطاعات لحياته الأبدية بقدر ما يوفقه الله تعالى.
    أيها المسلمون، إن العيد من شعائر الإسلام العظيمة الظاهرة، والعيد يتضمن معاني سامية جليلة، ومقاصد عظيمة فضيلة، وحِكماً بديعة، أولى معاني العيد في الإسلام توحيد الله تعالى لإفراد الله عز وجل بالعبادة في الدعاء والخوف والرجاء والاستعاذة والاستعانة، والتوكل والرغبة والرهبة والذبح والنذر لله تبارك وتعالى، وغير ذلك من أنواع العبادة، وهذا التوحيد هو أصل الدين الذي ينبني عليه كل فرع من الشريعة، وهو تحقيق معنى لا إله إلا الله المدلولِ عليه بقوله تعالى: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5]، الذي نقرؤه في صلاة العيد وغيرها من الصلوات، والتوحيد هو الأمر العظيم الذي بتحقيقه يدخل الإنسان جنات النعيم، وإذا ضيَّعه الإنسان لا ينفعه عمل، وخُلِّد في النار أبداًً. والمتأمل في تاريخ البشرية يجد أن الانحراف والضلال والبدع وقع في التوحيد أولاً ثم في فروع الدين. فتمسك ـ أيها المسلم ـ بهذا الأصل العظيم، فهو حق الله عليك وعهد الله الذي أخذه على بني آدم في عالم الأرواح، وقد أكد الله في القرآن العظيم توحيد الله بالعبادة، وعظم شأنه، فما من سورة في كتاب الله إلا وهي تأمر بالتوحيد نصاً أو تضمناً أو التزاماً، أو تذكر ثواب الموحدين أو عقوبات المشركين، فمن وفى بحق الله تعالى وفى الله له بوعده، تفضُّلاً منه سبحانه، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئاً)) رواه البخاري[3]. فالتوحيد أول الأمر وآخره.
    وثاني معاني العيد تحقيق معنى شهادة أن محمداً رسول الله التي ننطق بها في التشهد في صلاة العيد وغيْرها من الصلوات، إن معنى شهادة أن محمداً رسول الله طاعة أمره واجتناب نهيه وتصديق أخباره وعبادة الله بما شرع مع محبته وتوقيره، قال الله تعالى: قُلْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمّلَ وَعَلَيْكُمْ مَّا حُمّلْتُمْ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُواْ وَمَا عَلَى ٱلرَّسُولِ إِلاَّ ٱلْبَلَـٰغُ ٱلْمُبِينُ [النور:54].
    ومن حكم العيد ومنافعه العظيمة شهود جمع المسلمين لصلاة العيد، ومشاركتهم في بركة الدعاء والخير المتنزل على جمعهم المبارك، والانضواء تحت ظلال الرحمة التي تغشى المصلين، والبروز لرب العالمين، إظهاراً لفقر العباد لربهم، وحاجتهم لمولاهم عز وجل، وتعرضاً لنفحات الله وهباته التي لا تُحد ولا تُعد، عن أم عطية رضي الله عنها قالت: أمرنا رسول الله أن نخرجهن في الفطر والأضحى العواتق والحيض وذوات الخدور، فأما الحيض فيعتزلن الصلاة، ويشهدن الخير ودعوة المسلمين. رواه البخاري ومسلم[4]. فتشهد النساء العيد غير متبرجات وغير متعطرات.
    أيها المسلمون، وإن من حكم العيد ومنافعه العظمى، التواصل بين المسلمين، والتزاور، وتقارب القلوب، وارتفاع الوحشة، وانطفاء نار الأحقاد والضغائن والحسد. فاقتدار الإسلام على جمع المسلمين في مكان واحد لأداء صلاة العيد آية على اقتداره على أن يجمعهم على الحق، ويؤلف بين قلوبهم على التقوى، فلا شيء يؤلف بين المسلمين سوى الحق؛ لأنه واحد، ولا يفرق بين القلوب إلا الأهواء لكثرتها، فالتراحم والتعاون والتعاطف صفة المؤمنين فيما بينهم، كما روى البخاري ومسلم من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى))[5]، وفي الحديث: ((ليس منا من لم يرحم الصغير، ويوقر الكبير))[6]، وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول: ((ابغوني في الضعفاء، فإنما تُنصرون وتُرزقون بضعفائكم)) رواه أبو داود بإسناد جيد[7].
    والمحبة بين المسلمين والتواد غاية عظمى من غايات الإسلام، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أوَلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟! أفشوا السلام بينكم)) رواه مسلم[8]. فجاهد نفسك ـ أيها المسلم ـ لتكون سليمَ الصدر للمسلمين، فسلامة الصدر نعيم الدنيا، وراحة البدن ورضوان الله في الأخرى، عن عبد الله بن عمرو قال: قيل: يا رسول الله، أي الناس أفضل؟ قال: ((كل مخموم القلب، صدوق اللسان)) قالوا: فما مخموم القلب؟ قال: ((هو التقي النقي، لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد)) رواه ابن ماجه بإسناد صحيح والبيهقي[9].
    عباد الله، إن من غايات العيد ومنافعه إعلان تعاليم شريعة الإسلام ونشرها في المجامع ومشاهد المسلمين، وتبليغها على رؤوس الأشهاد، ليأخذها ويتلقاها الجيل عن الجيل، والآخر عن الأول، علماً وعملاً مطبَّقاً، فتستقر تعاليم الإسلام في سويداء القلوب، ويحفظها ويعمل بها الكبير والصغير، والذكر والأنثى، وخطبةُ العيد التي شرعها رسول الله تشتمل على أحكام الإسلام السامية، وتشريعاته الحكيمة. وظهور فرائض الإسلام وتشريعاته وأحكامه هي القوة الذاتية لبقاء الإسلام خالداً إلى يوم القيامة، فلا يُنسى، ولا يُغيَّر، ولا تُؤوَّل أحكامه، ولا تنحرف تعاليمه.
    أيها المسلمون، عيد الأضحى ترتبط فيه أمة الإسلام بتاريخها المجيد في ماضيها المشرق السحيق، الأمة المسلمة عميقة جذور الحق في تاريخ الكون، متصلةُ الأسباب والوشائج عبر الزمان القديم، منذ وطئت قدم أبينا آدم عليه الصلاة والسلام الأرض، وتنزل كلام الله على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام عبر العصور الخالية، قال الله تعالى: إِنَّ هَـٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَاْ رَبُّكُمْ فَٱعْبُدُونِ [الأنبياء:92]، وختم الله الرسل عليهم الصلاة والسلام بسيد البشر محمد الذي أمره الله باتباع ملة إبراهيم عليه الصلاة والسلام، بقوله: ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ ٱتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرٰهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ [النحل:123]، فكانت شريعة محمد عليه الصلاة والسلام ناسخة لجميع الشرائع، فلا يقبل الله إلا الإسلام ديناً، ولا يقبل غيره، قال الله تعالى: وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ ٱلإسْلَـٰمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِى ٱلآخِرَةِ مِنَ ٱلْخَـٰسِرِينَ [آل عمران:85]، وفي الحديث: ((والذي نفسي بيده، لا يسمع بي يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار)) رواه مسلم[10].
    فأنتم ـ معشر المسلمين ـ على الإرث الحق والدين القيم، ملة الخليل إبراهيم عليه الصلاة والسلام، ودين الخليل محمد ، وعيد الأضحى يربطكم بهذين الخليلين النبيين العظيمين عليهما الصلاة والسلام، لما شرع الله لكم في هذا اليوم من القربات والطاعات، عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: قال أصحاب رسول الله : ما هذه الأضاحي يا رسول الله؟ قال: ((سنة أبيكم إبراهيم)) قالوا: فما لنا فيها يا رسول الله؟ قال: ((بكل شعرة حسنة)) رواه ابن ماجه[11].
    وذلك أن الله أمر إبراهيم عليه الصلاة والسلام بذبح ولده إسماعيل عليه السلام قرباناً إلى الله، فبادر إلى ذبحه مسارعاً، واستسلم إسماعيل صابراً، فلما تمَّ مرادُ الله تعالى بابتلاء خليله إبراهيم عليه السلام، وتأكد عزمه، وشرع في ذبح ابنه، فلم يبق إلا اللحم والدم، فداه الله بذبح عظيم، فعَلِم الله عِلم وجود أن خلة إبراهيم ومحبته لربه لا يزاحمها محبة شيء، والأضحية والقرابين في منى تذكير بهذا العمل الجليل الذي كان من إبراهيم عليه الصلاة والسلام.
    عباد الله، الصلاة الصلاة، فإنها عماد الإسلام، وناهية عن الفحشاء والآثام، وهي العهد بين العبد وربه، من حفظها حفظ دينه، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع، وأول ما يسأل عنه العبد يوم القيامة هي الصلاة، فإن قبلت قبلت وسائر العمل، وإن ردت ردت وسائر العمل. وأدوا زكاة أموالكم طيبة بها نفوسكم، تطهروا بها نفوسكم، وتحفظوا بها أموالكم من المهالك، وتحسنوا بها إلى الفقراء، وتثابوا على ذلك أعظم الثواب، فقد تفضل الله عليكم بالكثير، ورضي منكم بنفقة اليسير. وصوموا شهر رمضان، وحجوا بيت الله الحرام، فإنهما من أعظم أركان الإسلام.
    وعليكم ببر الوالدين وصلة الأرحام، والإحسان إلى الأيتام، وذلك عمل يعجِّل الله ثوابه في الدنيا مع ما يدخر الله لصاحبه في الآخرة من حسن الثواب، كما أن العقوق والقطيعة ومنع الخير مما يعجل الله عقوبته في الدنيا، مع ما يؤجل لصاحبه في الآخرة من أليم العقاب.
    وارعوا ـ معشر المسلمين ـ حقوق الجار، وفي الحديث: ((لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه))[12] يعني شره. وأمُروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر فإنهما حارسان للمجتمع، وسياجان للإسلام، وأمان من العقوبات التي تعم الأنام، وإياكم وأنواع الشرك التي تبطل التوحيد، التي يقع فيها من لا علم له كدعاء الأنبياء والصالحين والطواف على قبورهم وطلب الغوث منهم، أو طلب كشف الكربات منهم والشدائد، أو دعائهم بجلب النفع أو دفع الضر، أو الذبح أو النذر لغير الله تعالى، أو الاستعاذة بغير الله تعالى، قال الله عز وجل: وَأَنَّ ٱلْمَسَـٰجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُواْ مَعَ ٱللَّهِ أَحَداً [الجن:18]، وقال عز وجل: إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء [النساء:48].
    وإياكم وقتل النفس المحرمة، والزنا، فقد قرن الله ذلك في كتابه بالشرك بالله عز وجل، قال تعالى: وَٱلَّذِينَ لاَ يَدْعُونَ مَعَ ٱللَّهِ إِلَـٰهَا ءاخَرَ وَلاَ يَقْتُلُونَ ٱلنَّفْسَ ٱلَّتِى حَرَّمَ ٱللَّهُ إِلاَّ بِٱلْحَقّ وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذٰلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَـٰعَفْ لَهُ ٱلْعَذَابُ يَوْمَ ٱلْقِيـٰمَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً [الفرقان:69]، ومعنى أَثاما بئر في قعر جهنم والعياذ بالله، وفي الحديث: ((لا يزال المرء في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً))[13]، وعن الهيثم عن مالك الطائي عن النبي قال: ((ما من ذنب بعد الشرك أعظم عند الله من نطفة وضعها رجل في رحم لا يحل له)) رواه ابن أبي الدنيا[14].
    وعمل قوم لوط أعظم من الزنا، فقد لعن فاعله رسول الله [15]، والسحاق نوع من الزنا، وخبث من الخبائث المحرمة، وإياكم والربا فإنه محق للكسب، وغضب للرب، عن البراء بن عازب رضي الله عنه مرفوعاً: ((الربا اثنان وسبعون باباً، أدناها مثل إتيان الرجل أمه)) رواه الطبراني في الأوسط[16].
    وإياكم والتعرض لأموال المسلمين والمستضعفين، فإن اختلاطه بالحلال دمار ونار، وإياكم والرشوة وشهادة الزور فإنها مضيعة للحقوق مؤيِّدة للباطل، ومن كان مع الباطل أحلَّه الله دار البوار، وجلَّله الإثم والعار، فقد لعن رسول الله الراشي والمرتشي[17]، وقرن الله شهادة الزور بالشرك بالله عز وجل.
    وإياكم والخمر وأنواع المسكرات والدخان والمخدرات، فإنها تفسد القلب، وتغتال العقل، وتدمر البدن، وتمسخ الخُلُق الفاضل، وتغضب الرب، وتفتك بالمجتمع، ويختل بسببها التدبير، عن جابر رضي الله عنه عن رسول الله قال: ((كل مسكر حرام، وإن على الله عهداً لمن يشرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال)) قالوا: يا رسول الله، وما طينة الخبال؟ قال: ((عرق أهل النار)) أو ((عصارة أهل النار)) رواه مسلم والنسائي[18].
    وإياكم والغيبة والنميمة فإن المطعون في عرضه يأخذ من حسنات المغتاب بقدر مظلمته، عن حذيفة مرفوعاً: ((لا يدخل الجنة قتات)) يعني: نمام، متفق عليه[19].
    الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر، ولله الحمد.
    قال الله تعالى: وَأَنَّ هَـٰذَا صِرٰطِي مُسْتَقِيمًا فَٱتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ ٱلسُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذٰلِكُمْ وَصَّـٰكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون [الأنعام:153].
    بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، ونفعنا بهدي سيد المرسلين، وبقوله القويم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

    الخطبة الثانية
    الحمد لله وحده والصلاة و السلام على من لا نبي بعده.
    الحمد لله الواحد الأحد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، أحمد ربي وأشكره على نعمه وآلائه التي لا تحصى ولا تعد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الإله الصمد، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمداً عبده ورسوله الداعي إلى سنن الرشد، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه ذوي الفضل والسؤدد.
    أما بعد:
    فاتقوا الله ـ أيها المسلمون ـ بطلب مرضاته، والبعد عن محرماته، واعلموا أن يوم عيدكم يوم جليل، وأن عيدكم عيد فضيل، عن عبد الله بن قرط أن النبي قال: ((أفضل الأيام عند الله يوم النحر ويوم القر))[1] وهو اليوم الذي بعد يوم النحر، ولأن يوم عرفة وإن كان فاضلاً من بعض الوجوه فهو مقدمةٌ وتوطئة ليوم النحر، ففي عرفة يتطهرون من الذنوب، ويدعون ويتضرعون ويخشعون ويتوبون، فإذا هذِّبوا ونُقّوا وتطهروا من الآثام، وازدادوا خيراً، ازدلفوا ليلة جمع، وتضرعوا واستغفروا وتابوا، ثم ذبحوا قرابينهم لله تعالى، فأكلوا من ضيافة الله لهم في منى في يوم النحر، ثم أذِن الله لهم بزيارته، والطواف ببيته.
    وأما غير الحاج فشرع الله له الأضحية في هذا اليوم، مع الذكر وفعل الخيرات، عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله قال: ((ما عمل ابن آدم يوم النحر عملاً أحب إلى الله عز وجل من هراقة دم، وإنه ليأتي يوم القيامة بقرونها وأظلافها وأشعارها، وإن الدم ليقع من الله عز وجل بمكان قبل أن يقع على الأرض، فطيبوا بها نفسا)) رواه الترمذي وابن ماجه[2]، وعن ابن عباس رضي الله عنها عن النبي قال: ((ما عمل ابن آدم في يوم أضحى أفضل من دم يهراق إلا أن يكون رحماً يوصل)) رواه الطبراني[3]، وعن أبي سعيد الخدري عن النبي قال: ((يا فاطمة، قومي إلى أضحيتك، فاشهديها، فإن لك بكل قطرة من دمها ما سلف من ذنوبك)) قالت: يا رسول الله، ألنا خاصة أهل البيت، أو لنا وللمسلمين؟ قال: ((بل لنا وللمسلمين)) رواه الطبراني والبزار[4].
    يقول المولى عز وجل في محكم تنزيله(إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) اللهم صلي على محمد كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد كما باركت على إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد ، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين ..واخذل الشرك والمشركين، اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين ونفث كرب المكروبين ، واقض الدين عن المدينين ، واشف مرضانا ومرضى المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها .
    اللهم آمنا في أوطاننا ، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا ، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.. اللهم وفق ولاة أمورنا لما تحبه وترضاه من الأقوال والأعمال يا حي يا قيوم ، اللهم أصلح لهم بطانتهم يا ذا الجلال والإكرام.
    اللهم أنت الله لا إله إلا أنت .. أنت الغني ونحن الفقراء توفنا مسلمين وألحقنا بالصالحين . ربنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار ..
    سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلامٌ على المرسلين ،و الحمد لله رب العالمين


    *منقولة بتصرف محدود
                  

11-19-2010, 10:03 AM

كمال حسن
<aكمال حسن
تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 1352

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: كمال حسن)

    رب اغفر وارحم وأنت أرحم الراحمين
                  

11-19-2010, 10:06 AM

كمال حسن
<aكمال حسن
تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 1352

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: كمال حسن)

    الاستقامة

    إن أعظم النعم على الإطلاق هي نعمة الهداية لهذا الدين الإسلامي، فعلى المسلم وقد حباه الله بهذه النعمة أن يؤدي شكرها، وذلك بالاستقامة الجادة على هذا الدين، وأن يتبع القول العمل، والتفكير التطبيق، في جميع شئونه؛ عقيدة وعبادة، معاملة وسلوكاً، وأهم شيء في ذلك التزام عقيدة السلف رحمهم الله تعالى.
    تميز المسلم عن سائر الخلق
    الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونسترحمه ونستهديه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أمرنا بالاستجابة له ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وألزمنا بالاستقامة على شريعته إلى أن نلقاه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفوته من خلقه، وخيرته من رسله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن سار على نهجه واستقام على ملته، ودعا بدعوته إلى يوم الدين، وبارك وسلم تسليماً كثيراً.
    أما بعــد:
    فيا إخوة الإسلام! اتقوا الله تبارك وتعالى وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [البقرة:281].
    عباد الله: إن المسلم في هذه الدنيا صاحب رسالة عظيمة، وفي عنقه أمانة جسيمة تتمثل في تحقيق العبودية الخالصة لله عز وجل، والاستقامة على شريعته، وعدم الغفلة عنها طرفة عين، والمسلم -يا عباد الله- ليس كغيره من الخلق، كيف وقد أنعم الله عليه بهذه النعمة العظيمة، ألا وهي نعمة الإسلام، وهداه إليها وقد ضل عنها أكثر الناس، وقد أنعم عليه بنعمة الإيجاد والتكوين، ونعمة الخلق في أحسن تقويم، ونعمة العقل والتفكير، ونعمٍ شتى لا يحصيها إلا الله، على حد قوله سبحانه وتعالى: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا [النحل:18].

    فعلى المسلم أن يستعين بهذه النعم على طاعة الله، ويصرفها في مرضاة الله، في عمره القليل ومقامه القصير في هذه الحياة العاجلة، ليعمر آخرته، التي هي دار القرار، وأما هذه الحياة فهي بلغة ومتاع، ودار ابتلاء وامتحانٍ للعباد الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ [الملك:2] أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ [المؤمنون:115] أَيَحْسَبُ الْأِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً [القيامة:36] وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات:56].

    ولم يخلقوا ليتمتعوا ويتلذذوا ويتفننوا في المآكل والمشارب، والمساكن والمراكب، ويركضوا ويلهثوا وراء هذه الدنيا الزائلة، وشهواتها الفانية، وبريقها الخادع، فتلك ليست حياة المؤمنين وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ [محمد:12].......

    فضل الاستقامة من الكتاب والسنة
    أمة الإسلام في كل مكان: لقد جاء ذكر الاستقامة في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، بأساليب متعددة، فتارة جاء الأمر بها صراحة بصيغة الأمر الطلبية كما في قوله تعالى: قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ [فصلت:6] وكقوله تعالى آمراً عبده ورسوله محمداً صلى الله عليه وسلم وأتباعه: فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ [هود:112].

    وأخرج الإمام مسلم رحمه الله في صحيحه عن سفيان بن عبد الله رضي الله عنه، قال:{قلت: يا رسول الله! قلْ لي في الإسلام قولاً لا أسأله أحداً غيرك قال: قل: آمنت بالله ثم استقم }.

    وتارة وردت الاستقامة بذكر حال المستقيمين على شريعة الله، ومآلهم في الدنيا وعند الموت وبعده كقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ [فصلت:20-32] ، إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأحقاف:13-14].......

    حقيقة الاستقامة
    عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم ، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب ، شديد سواد الشعر ، لا يُرى عليه أثر السفر ولا يعرفه منا أحد ، حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ، ووضع كفيه على فخذيه وقال: يامحمد... أخبرني عن الإسلام ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ” الإسلامُ أن تَشهَد أن لا إله إلاّ اللّه ، وأن محمدا رسولُ اللّه ، وتقيمَ الصَلاةَ ، وتؤتي الزّكاة ، وتَصومَ رَمضانَ ، وتَحجَ البيتَ إن إستطعتَ إليهِ سَبيلا ” ، قال صدقت ، فعجبنا له ، يسأله ويصدقه. قال: فأخبرني عن الإيمان ، قال: ” أن تؤمِنَ باللّه ، وَملائكتِهِ وكُتُبِهِ ورُسُلِهِ واليومِ الآخِرِ ، وتؤمِنَ بالقَدَرِ خيرِهِ وشَرّه ” ، قال: صدقت . قال فأخبرني عن الإحسان ، قال: ” أن تَعبُدَ اللّهَ كأنّكَ تَراهُ ، فإن لَم تَكُن تَراهُ فإنّهُ يَراكَ ” ، قال فأخبرني عن الساعة ، قال: ” ما المَسؤولُ عنها بأعلمَ من السائلِ ” قال فأخبرني عن أماراتها ، قال: ” أن تَلِدَ الأمَةُ رَبَّتَها ، وأن تَرى الحُفاة العُراةَ العالَةَ رعاء الشاءِ يَتَطاوَلونَ في البُنيان ” ، ثم إنطلق فلبث مليا ثم قال: ” يا عمر... أتَدري مَن السائلُ؟ ” قلت الله ورسوله أعلم ، قال: ” فإنّهُ جبريلُ أتاكُم يُعَلّمَكُم دينَكُم


    وفسرت الاستقامة -يا عباد الله- بأنها لزوم طاعة الله تعالى، فلا يسمَّى الإنسان مستقيماً ولا يستحق هذا الشرف العظيم، وهذا التكريم، إلا إذا كان ملازماً لطاعة الله عز وجل في جميع شئونه، وفي كل حالاته، في عقيدته وعبادته ومعاملاته وأخلاقه، وفي سلوكه في بيته وسوقه، وفي بيعه وشرائه، وفي أقواله وأفعاله، وفي جميع حركاته وتصرفاته، مقتدياً بسلف هذه الأمة المستقيمين على هذه الشريعة، متأسياً بسيد الأولين والآخرين عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.

    إخوة العقيدة، أينما كنتم وحيث ما حللتم: إن الاستقامة تعني أول ما تعني، الاستقامة على العقيدة الصحيحة، عقيدة السلف الصالح، عقيدة أهل السنة والجماعة ، فلا يستحق صفة الاستقامة من دنس هذه العقيدة أو شابها بشوائب الشرك، وشوائب البدع والخرافات، فأين الذين آثروا الشرك على الإيمان، والبدعة على السنة، واستبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير، في أمور العقائد والعبادات، والمعاملات والأخلاق؟ أين هم من الاستقامة؟! هل هؤلاء مستقيمون؟! شتان بين مشرقٍ ومغرب أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ [الشورى:21]. أين الذي استخفوا بشريعة الإسلام في مجالس التطبيق والتحكيم؟ أين هم من الاستقامة؟!

    أين الذين رضوا بالرذيلة بدل الفضيلة، واستمرؤا سفاسف الأخلاق، ومساوئ العادات، وقتلوا أوقاتهم بها، وأفنوا أعمارهم فيها؟!

    أين هم من الاستقامة على شريعة الإسلام التي جاءت بمكارم الأخلاق والشيم، ومحاسن الأمور وفضائل الأعمال؟!

    أين كثيرٌ من المنتسبين اليوم، الذين آثروا الحياة الدنيا، ونسوا الدار الأخرى، واشتغلوا بجمع الدرهم والدينار، وغرهم زخرف الحياة الدنيا، فلا يبالون بما يجمعون ولا بما ينفقون، يكذبون ويظلمون، يغتابون ويرابون، لا يعرفون لبيوت الله طريقاً، ولا لأحدٍ حقاً، بالله الجبار جل جلاله يغترون، وعلى محارمه يجترئون، ولأهوائهم يتبعون، لا بموعظة يتعظون، ولا بمزدجرٍ يفيقون؟ نعوذ بالله من قسوة القلوب، وضعف الإيمان إنه نعم المعين.

    أين الأفواج الهائلة من شباب المسلمين اليوم، الهائمين على وجوههم، الحائرين في أمورهم، الذين اغتروا بصحتهم وفراغهم وغناهم، واشتغلوا بما لا يرضي الله عز وجل، من لهو القول والعمل، ومن الضلال والفساد، ولا حول ولا قوة إلا بالله؟! هل هؤلاء مستقيمون؟!

    أين كثيرٌ من نساء المسلمين اليوم، اللاتي خُدعن بدعاة الفتنة والضلال، فآثرن الخروج من البيوت، والاختلاط بالأجانب، والتبرج والسفور على القرار والحياة، والعفاف والحكمة؟!

    أين هن من الاستقامة، واقتفاء آثار أمهات المؤمنين المسلمات، المؤمنات، القانتات، التائبات، العابدات، السائحات، ولسن المتبرجات، الكاسيات العاريات، المائلات المميلات، الضالات المضلات كما هو الواقع اليوم؟

    !

    فاتقوا الله أيها المسلمون! استقيموا على شريعة الله عز وجل، وانتبهوا لأنفسكم وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ [الأعراف:96].

    اللهم وفقنا لما يرضيك، وجنبنا أسباب سخطك ومعاصيك، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وارزقنا الاستقامة فيها على شريعتك، والسير على صراطك المستقيم، اللهم أصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر.

    أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه يغفر لكم، وتوبوا إليه يتب عليكم، إنه يحب التوابين وهو الغفور الرحيم.......




    الخطبة الثانية

    الاستقامة قول وعمل
    الحمد لله معز من استقام على نهجه واتقاه، ومذل من خالف أمره وعصاه، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وصحبه.

    أما بعــد:

    أيها المسلمون: اتقوا الله تعالى، واستقيموا على شرعه، واسمعوا له وأطيعوا تفلحوا وتفوزوا إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [النور:51] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ [الأنفال:24].

    عباد الله: اسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ مَا لَكُمْ مِنْ مَلْجَأٍ يَوْمَئِذٍ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَكِير [الشورى:47].

    واعلموا -عباد الله- أن الاستقامة لا تحصل بمجرد القول والادعاء، وإنما لا بد فيها من العمل والتطبيق، ولهذا قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا [فصلت:30] فجمعوا بين القول والعمل، كما قال صلى الله عليه وسلم -في الحديث الآنف الذكر-: { قل: آمنت بالله ثم استقم } فلم يكتفِ منه بمجرد القول، وإنما أمره بالاستقامة العملية، فوالله لم يستقم على شريعة الله إلا من جمع بين القول والعمل الصالح، والعقيدة الصحيحة، والالتزام الكامل بدين الله، وكلما قصَّر العبد بشيء من طاعة الله وأخل بجزءٍ من عبادته، وفرط بنوعٍ من الواجبات، كان ذلك قدحاً في استقامته، والناس في ذلك بين مقلٍ ومكثر، فانظر -يا عبد الله- من أيهما أنت.
    إن ما يفعله المؤمن في حياته من أكل وشرب واكتساب للرزق وتمتع بالطيبات ، كل ذلك ينقلب إلى عبادة إذا صدقت النية . فعلى المؤمن أن يكون حاضر النية على الدوام متذكرا ربه ، فلا يعمل عملا إلاّ وهو مؤمن بما فيه الأمر من الحكم ولا يترك شيئا إلاّ وهو مؤمن بما فيه من الترك من الحكم لله ، فإذا كان هذا حاله فإنه في كل لحظة من لحظاته مع الله تعالى ، فهو في عبادة دائمة . فالترويح عن النفس ولقاء الصديق الصالح ولبس الثوب الجميل ، كل ذلك عبادة قد تزيد في ثوابها عن صلاة تطوع مع كراهة النفس لها وذلك بفضل حضور النية في تلك الأفعال يعكس هذا التداخل التام بين أعمال الآخرة وأعمال الدنيا في هذا الدين . فليس هناك فصل بينهما لأن الكل لله. ولفظة الدين تشمل ذلك كله ، لأن ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من كتاب من عند الله وهدي نقله إلينا عن دقائق حياته ، أعطى المسلمين المثال الحي للعيش في هذه الدنيا على أساس أنها جزء من حياة طويلة تشمل الحياة الدنيا والحياة بعد الموت ، فالله تعالى قد خلق الإنسان للعبادة: ” وما خَلَقتُ الجِنّ والإنسَ إلاّ لِيَعبُدونِ ” (61). وهكذا يتصرف المؤمن الصادق على أن كل لحظة من لحظاته هي عبادة لله سواء كان مؤديا لفرض إفترضه الله عليه لخدمة آخرته أو دنياه ، فهما سواء ، لكنه إذا خُيّر غيره فاختار تقديم مصالح الدنيا على مصالح الآخرة فهو يختار مصالح الآخرة على مصالح الدنيا دون أن ينسى نصيبه من الدنيا: ” وابتَغِ فيما آتاكَ اللّهُ الدارَ الآخرةَ ولا تَنسَ نَصيبَكَ مِن الدُنيا ”

    فاتقوا الله -عباد الله- واعمروا حياتكم القصيرة بطاعة الله فالعمر قصير، والموت يأتي بغتة وبعده الحساب، فإما إلى الجنة وإما إلى النار، حاسبوا أنفسكم، وانظروا في أموركم وواقعكم هل أنتم مستقيمون على شريعة الله، في كل صغيرٍ وكبير، وجليل عندكم وحقير حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا في يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء:88-89].

    واعلموا أن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين؛ فإن يد الله مع الجماعة، وصلوا وسلموا على أفضل نبيٍ وأعظم هادٍ يقول الله سبحانه وتعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56]0

    اللهم صل وسلم وبارك على إمامنا ونبينا وقدوتنا محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه.

    اللهم ارض عن الخلفاء الراشدين، وعن الصحابة والتابعين، وعن أمهات المؤمنين، اللهم اغفر لمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم ارض عنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.

    اللهم أعز الإسلام والمسلمين،

    اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل اللهم إمامتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.

    اللهم استعمل علينا وعلى جميع المسلمين خيارهم يا أرحم الرحمين!

    اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، وألِّف بين قلوبهم، وأصلح ذات بينهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم، واهدهم سبل السلام، وجنبهم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، اللهم أعذنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن.

    الله وفق ولاة المسلمين جميعاً للعمل بما يرضيك، اللهم حبِّب إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم، وكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان، واجعلهم من الراشدين، اللهم ارزقهم البطانة الصالحة، اللهم أبعد عنهم بطانة السوء.

    اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان واليقين، وأغث بلادنا بالخيرات والأمطار يا رب العالمين.

    رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.......

    * منقول بتصرف محدود
                  

11-19-2010, 11:17 AM

بدر الدين اسحاق احمد
<aبدر الدين اسحاق احمد
تاريخ التسجيل: 03-29-2008
مجموع المشاركات: 17127

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: كمال حسن)

    انا لله ...

    يعلم الله لو علمت وقع خطبة جمعتك على افئدة القراء لاستكثرت من الخطب وجعلتها كل يوم ولتفرغــت وتركت ما دونها من البوستات

    نفع الله بك وبعلمك وبنقلك

    هــى باب من ابواب الذكرى واقامة الحجــة على المسلم


    جزاك الله خيراً ...
                  

11-19-2010, 05:19 PM

كمال حسن
<aكمال حسن
تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 1352

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: بدر الدين اسحاق احمد)

    الأخ بدر الدين جُزيت خير الجزاء
    أسأل الله أن يتقبل هذا العمل القليل وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم وينفعنا به يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم
    وأسأل الله أن يجعلني عند حسن ظنك بي
    وأتمنى أن تشاركني والقراء الكرام في تحرير هذه الخطب وجعلها دائما في المتناول
                  

11-19-2010, 06:57 PM

عثمان نواي
<aعثمان نواي
تاريخ التسجيل: 07-04-2010
مجموع المشاركات: 1656

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: كمال حسن)

    فوق
                  

11-26-2010, 10:57 AM

كمال حسن
<aكمال حسن
تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 1352

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: عثمان نواي)

    الأخ عثمان
    بارك الله فيك على المرور
    وجعله في ميزان حسناتك
                  

11-26-2010, 11:54 AM

كمال حسن
<aكمال حسن
تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 1352

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: كمال حسن)

    الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا .. من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمد عبده ورسوله :
    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ (102 سورة آل عمران) .
    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1 سورة النساء)
    . يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا
    أيها الأحبة .. القرآن الكريمُ، يصحح المفاهيم الخاطئة ، ويدعم القيمَ الإيحابية، ويقوِّمُ في المرء طريقة التفكير، و يُربي في الإنسان خلقَ التقويم الذاتي، كما وأنه يعلمه أن ينظر في أخطائه ، فيصححها ويستفيدَ منها..
    يعمد القرآنُ إلى عقلونا، فيضبطها، بميزان وقسطاس مستقيم، ويكسبها النورَ والفهم العميقين، فتستحيلُ نفوسنا قرآنًا يمشي على الأرض . فكيف يقوم القرآن بتصحيح المفاهيم الخاطئة ؟ سؤالٌ نجيبٌ في رحاب آيات من سورة آل عمران، إحدى الزهراوين اللتين تأتيان يوم القيامة تظللان على أصحبهما، نسألَ أن نكون من أهلهما :
    (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لإخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الأرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (156) وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (157) وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ (158) فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ (159) إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ (160) وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (161) أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (162) هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (163) هاكم تلك الآياتِ المختارةَ – أيها الأحبة -، التي تعمد إلى مجموعة من المفاهيم الخاطئة فتصححها، وإلى طائفة من الأفكار المغلوطة فتقومها، فلطالما أوتي الإنسانُ من مفهوم خاطيء درج عليه، أو من معتقدٍ باطل، أفنى عمره في الذود عنه، وهو يظن أنه الحقُ الصراح الذي لا مرية فيه، وهو مسكينٌ لا يعلم أنه كالنملة التي سُئلت كيف ترين الذبابة َ فقالت : هذا فيل عظيم

    . "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لإخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الأرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ "

    يا أيها الذين آمنوا بالله، وآمنوا بقدره، خيره وشره، إن كنتم مؤمنين كما تقولون، فلا تتشبهوا بالكفار في قول بعضهم عن بعض – إذا ضربوا في الأرض بقصد التجارة أو كانوا غزاةً في قتال فماتوا أو قُتلوا- : لو كانوا عندنا وادعين في ديارهم ولم يخرجوا ما ماتوا وما قُتلوا . لا تقولوا مثل تلك الكلمات مثل هذا الذي يرى ميتًا في سفر، أو شابًا مات في حادث من حوادث الطرق، أو آخر مات في الطائرة، فيقول الغافلون : لو كان في بيته قريرًا ما مات وما قُتل .. فلا تكونوا على هذا الاعتقاد الباطل، ليجعل الله عز وجل هذا الاعتقادَ حسرةً وألمًا نفسيًا في قلوب الكافرين خاصة، فالإيمان بقضاء الله وقدره، والرضى به، يملأ القلبَ سكينةً وأمنًا، يسكبُ في النفس الطمأنيةَ والسعادة كالمطر الهاطل، و"مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ، وَمَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ " . والشكُ في قدر الله عز وجل يصيبُ النفس بالقلق والحسرة، وعدم الرضا به يجعل الإنسانَ جزعًا هلعًا خوارًا . فطهروا عقائدكم من تلك الترهات أما والله إن اللَّهُ وحده، هو الذي يُحْيِي وَيُمِيتُ، ولا دخل بالسفر ولا الإقامة في تعجيل الأجل، فقد يصيبُ الموتُ النائمَ الوادع، ولا يصيب المقاتلَ الثائر، ولو كنتم في بيوتكم لخرج الذي قُضي عليهم الموتُ إلى مصارعهم . وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ من أعمال، وما تعتقدون من معتقادت بَصِيرٌ، يراقبها، ويكتبها، فراقبوا أعمالكم، فإن الناقد بصير.
    ولا يزال القرآن يصحح ذلك المفهوم، ويبني في النفس العقيدةَ الصحيحة :

    "وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ"

    ولئن قُتلتم في سبيل الله في ساح الوغى، أو متم على الإسلام في أي مكان؛ ليغفرن الله لكم سيئاتكم، وليشملنكم برحمته الواسعة، وذلك الفضلُ العظيم – من المغفرة والجنة – خيرٌ للناس مما يجمعون من حطام الدنيان من مال وعقار .

    "وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ "

    ولئن مُتُّمْ حتف أنوفيكم أو قتلتم بأسنة الصوارم، متم على الفُرش، أو قُتلتم في الميدان، متم في السفر أو في الحضر، في الصحة أو في مرض، في الغنى أو في الفقر، في القوة أو في الضعف، على أيه حال سنموت ، لإلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ في مشهد واحد، وتُجمعون في موقف واحد، فيحاسبكم ويجازيكم كما لو كان يُحاسب نفسًا واحدًا. وبحضرة كتابٍ لا يغادر صغيرةً ولا كبيرة إلا أحصاها

    : ثم ينتقل القرآن إلى مفهوم آخر، فبعضُ الناس، يظنون أن الإدارةَ شدةٌ وقسوة، وأن القدوة غلظةٌ وفظاظة . فيبين اللهُ تبارك تعالى المثال الأعظم في ذلك، ويصححُ المفهوم:

    "فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ "

    كان من رحمة الله تعالى بك وبأصحابك؛ أنْ لنت لهم، فكنت رفيقًا حنونًا، ولم يجعلك جبارًا شقيًا ، نفسٌ كريمة ملأها الحبُ والتحنان، " لنت لهم " قال الحسن البصري: هذا خُلُقُ محمد صلى الله عليه وسلم بعثه الله به. بل كان النبي – صلى الله عليه وسلم - رفيقًا، ويحث على الرفق، ويقول
    : " إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِى الأَمْرِ كُلِّهِ"، وقال :
    " يَا عَائِشَةُ ! إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ وَيُعْطِى عَلَى الرِّفْقِ مَالاَ يُعْطِى عَلَى الْعُنْفِ ، وَمَا لاَ يُعْطِى عَلَى مَا سِوَاهُ ". وقال :
    "إِنَّ الرِّفْقَ لاَ يَكُونُ فِى شَىْءٍ إِلاَّ زَانَهُ وَلاَ يُنْزَعُ مِنْ شَىْءٍ إِلاَّ شَانَهُ ". وقال:
    " اللَّهُمَّ مَنْ وَلِىَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِى شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَلِىَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِى شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ" – كل هذا في الصحيحين -
    ولو كنتَ عنيفًا خشنًا، قاسي القلب، لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ متفرقين، ولما جلسوا إليك، ولكن من فضل الله عليك وعليهم، أنْ جعلك حريصًا عليهم، رؤوفًا رحيمًا بهم. فالرائد الصادق الذي لا يكذب أهله، كما القلب ُ للجسد، عطوفًا، ينبض لسائر الرعية بالقوة والحياة . فانتهجْ سبيل العفو معهم، فإن أخلاق العفو والصفح أدعى لفتح مغاليق القلوبِ المقفلة .. فإن الإنسانَ إذا ما استطاع أن يحَيل الماء دما؛ فلن يلج إلى قلوب الناس إلا بسلطان الرفق والحنو، وقد كانت صفةُ النبي – صلى الله عليه وسلم – في بعض الكتب السابقة : " لَيْسَ بِفَظٍّ وَلاَ غَلِيظٍ وَلاَ سَخَّابٍ بِالأَسْوَاقِ وَلاَ يَدْفَعُ السَّيِّئَةَ بِالسَّيِّئَةِ وَلَكِنْ يَعْفُو وَيَصْفَحُ " . وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ ذنوبهم، واحرص على الدعاء دومًا لهم بالمغفرة والرحمة . اخفض جناحك لهم، وارفق بهم، وألن لهم جنابك، ثم أشركهم قضيتك، وَشَاوِرْهُمْ فِي الأمر، من الأمور، - مما لا نصح فيه - ، فاستخرج منهم الآراء السديدة، واعلم ما عندهم من المقترحات الطيبة، واستفد من اجتهاداتهم الموفقة.
    ولعمري إن رسول الله – صلى الله عليه وسلم -، هو أغنى الناس عن استشارة أحد، فهو النبي الذي يأته الوحي من السماء، فماذا عساها أن تفعلَ مشورتنا عند نبي الله .. ومع ذلك فقد حضه اللهُ على الشورى، ليستن الناسُ من بعده، وليقتدوا به . والسنة مَلْيئة بمواقف الشورى، والسيرةُ مترعة بأمثلة الشورى، وقد أطنب الإمام ابن حجر في " الفتح " أيما إطناب، في أدلة الشورى سردًا وشرحًا،
    ومن ذلك أنهُ شاور النبي – صلى الله عليه وسلم – الصحابةَ قُبَيْل بدر، قال أنس: شَاوَرَ – صلى الله عليه وسلم – حِينَ بَلَغَهُ إِقْبَالُ أَبِى سُفْيَانَ، فَتَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ تَكَلَّمَ عُمَرُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ، فَقَامَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، فَقَالَ : إِيَّانَا تُرِيدُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَوْ أَمَرْتَنَا أَنْ نُخِيضَهَا الْبَحْرَ لأَخَضْنَاهَا وَلَوْ أَمَرْتَنَا أَنْ نَضْرِبَ أَكْبَادَهَا إِلَى بَرْكِ الْغِمَادِ لَفَعَلْنَا. نخيضها البحر، الإخاضة: الإدخال في الماء والكناية ههنا للخيل والإبل، وكذا في قوله " أكبادها " . و الموقف هذا في الصحيحين . وفي مسند الإمام أحمد بسند صحيح قال – صلى الله عليه وسلم -« أَشِيرُوا عَلَى النِّسَاءِ فِى أَنْفُسِهِنَّ ». فَإِذَا عَزَمْتَ على أمر ما بعد البحث والتحري، وقطعت الرأي عليه بعد الشورى؛ فامض فيه متوكلاً على الله، في عزم وحزم، ولا تتوانى طرفة عين في التطبيق بعدما شرح الله صدرك، إن الله يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ عليه، يُحب منهم أن يجتهدوا في دراسة القرار، ويحب منهم أن يتداولوه في الشورى، " وأمرهم شورى بينهم " هذه أخلاق الشورى أيها الأخوة الأماجد، فأين نحن من هذه السنة في بيوتنا وأعمالنا، ولقد علمت أنه ما خاب من استشار، وإذا ما استشرت رجلاً فإنما تضيف عقلاً إلى عقلك، وإذا ما استشرت رجلين، فقد أضفت عقلين إلى عقلك. وهكذا. ويمين الله إن الشورى نور للعقل وُحجة للمرء .

    بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، ونفعنا بهدي سيد المرسلين، وبقوله القويم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.

    الخطبة الثانية

    الحمد لله وحده والصلاة و السلام على من لا نبي بعده. الحمد لله الواحد الأحد، الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، أحمد ربي وأشكره على نعمه وآلائه التي لا تحصى ولا تعد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الإله الصمد، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمداً عبده ورسوله الداعي إلى سنن الرشد، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه ذوي الفضل والسؤدد.

    أما بعد:

    ثم ينتقل القرآن إلى مفهوم آخر، بحاجة إلى مزيد من الضبط .

    "إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ"

    أَرَأَيْتُكُم إن كان الله معكم، فمن ذا يقف أمام قدرة الله، إن يكن الله معكم فلا غالب لكم ما دمتم أنصار الله، وقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة، لكنْ كنتم ثابتين، متحدين، مُطيعين . وإن يكلكم إلى أنفسكم، فمن هذا الذي ينصركم من بعد الله، وقد فشلتم وتنازعتم وعصيتم يومَ أُحد فكانت الهزيمة. ألا أيها الأفاضل لوذوا بمن بيده النصرُ والهزيمة وعلى الله وحده فليتوكل المؤمنون، فمنه يُستنزل الرزق والنصرُ.

    ولا يزال القرآنُ يصححَ المفاهيم :

    "وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ "

    عجبًا .. عجبًا ..! ما ينبغي لنبي أن يخون أصحابه في الغنيمة، بأن يخص لنفسه شيئًا بغير حق - و الغُلول : أخذ شيء من المغنم خُفيةَ، ثم صار الغلول في أي مال عام - فاحذروا الظنَ السيء بنبيكم، وويلٌ للفاسقين الذين يؤذون رسول الله، ويُسيئون إليه : إن نبيكم كان أزهدَ الناس في هذه الدار، أو حاله كما وصف أديب القرآن مصطفى صادق الرافعي في كتابه المساكين : هو و الدنيا خصمان في ميدان الحياة، بيد أنها لم تقهره لأنه لم يطمح إليها، و قهرها هو لأنها لم تظفر به . ومن يغلل منكم من المال العام يأت بما أخذ يوم القيامة، يحمله على عنقه مغلولاً به . قال ابن عبد البر : " الغلول من حقوق الآدميين ولا بد فيه من القصاص بالحسنات والسيئات "
    ثم تُعطى كل نفس جزاء ما عملت، وهم لا يُظلمون ولا يُنقصون من قطمير. وفي حرمة الغُلول، الذي"هُوَ عارٌ ونَارٌ وشَنَارٌ عَلَى أَهْلِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ". ورد غيرُ ما حديث، ومن ذلك قولُ النبي - صلى الله عليه وسلم -: « مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ فَكَتَمَنَا مِخْيَطًا فَمَا فَوْقَهُ كَانَ غُلُولاً يَأْتِى بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ». وقال :« وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لاَ يَأْتِى بِشَىْءٍ إِلاَّ جَاءَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَحْمِلُهُ عَلَى رَقَبَتِهِ، إِنْ كَانَ بَعِيرًا لَهُ رُغَاءٌ ، أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ ، أَوْ شَاةً تَيْعَرُ ».
    ـ وعن عَبْد اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ قَالَ : حَدَّثَنِى عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ أَقْبَلَ نَفَرٌ مِنْ صَحَابَةِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالُوا فُلاَنٌ شَهِيدٌ، فُلاَنٌ شَهِيدٌ، حَتَّى مَرُّوا عَلَى رَجُلٍ، فَقَالُوا : فُلاَنٌ شَهِيدٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « كَلاَّ إِنِّى رَأَيْتُهُ فِى النَّارِ فِى بُرْدَةٍ غَلَّهَا أَوْ عَبَاءَةٍ ». ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « يَا ابْنَ الْخَطَّابِ اذْهَبْ فَنَادِ فِى النَّاسِ إِنَّهُ لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلاَّ الْمُؤْمِنُونَ ».كل هذا في الصحيحين.

    وتالله إن أولى الناس بهذه النصوص، كلُّ موظف في مصلحة عامة، وكل عامل في مؤسسة معنية بطائفة من الناس، فإياك والأموالَ العامة، فإنما هي قطعٌ من النار، وليحذرْ هؤلاء الذين يتذرعون البدلات، ويصطنعون الأغطية التي يأكلون من تحتها أموالاً ليست لهم، من رشوة واختلاس ونصب ، ولله من هؤلاء الناس الذين عشقوا أكل أموالِ الناس بالباطل، عشق زليخا يوسفَ بن يعقوب. صبرًا فلقمة الحلال قليلة، ولكنها مترعة بالبركة، بيد أن المال الحرام كثير، ولكن سرعان ما يبدأ في الزوال عند أول جلسة بالعلاج الكيماوي . .

    ألا فلتعلمي يا نفسُ أن لقمة الحرام، تحجبُ دعوتك عن الإجابة، وتحجب الإجابة عن دعوتك . "أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَ اللَّهِ كَمَنْ بَاءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ" أفمن اتبع ما يوجبُ رضوان الله من الإيمان والعمل والأمانة، كمن عاد بغضب من الله بسبب الكفر والفسوق والغلول ؟ لا يستويان في حكم الله، ولا يستوي الأمين بالسارق، أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقًا ؟ لا يستوون ! وهؤلاء مستقرهم في جنهم، وبئس ذلك المرجع، الذي سيصيرون إليه . "هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ " ليت شعري ! لا تظنن أن الناس سواء عند الله، بل هم درجات أو دركات .. ولايستوي الظالم لنفسه والمتقصد والسابق بالخيرات. والمؤمنون لهم درجات في الجنة على حسب ما كسبوا، والظالمون لهم دركات في النار على حسب ما اكتسبوا. والله بصيرٌ يرى ما يعمله الجميعُ، ويراقب ما يصنعُ الناس بالأمانات، يعرفُ الغال من الصادق الأمين، ويكتب مَا قَدَّمُوا، وَآثَارَهُمْ، وكل شيء أحصاه في كتاب وإمام مبين.

    أحيوا ضمائركم، وتأسوا بالنبي – صلى الله عليه وسلم - في أمانته، وسائر أخلاقه، بل اذكروا نعمة الله عليكم إذ بعث محمدًا فيكم

    : واخيرًا أوصيك أخي الحبيب أن تقرأ القرآن قراءةً جديدة، قراءة قلب متدبر، وفكرٍ متقد، ووجدان خاشع، وأن تحرص وأنت تقرأ القرآن أن يضيف لك شيئًا جديدًا في قاموسك، وبرنامج حياتك .. راجع أفكارك وأنت تنظر في كتاب الله .. اطر ح ما يدور بخلدك عن ما يدور في الآيات. أن تتحسسْ من آيات القرآن الكريم ما تُصلح به قلبك، وتقوم به ذاتك، وأن تبحث فيها عما تطور به نفسك نحو الأفضل، تعبديًا وأخلاقيًا وفكريًا .
    ومثال ذلك أن تعمد إلى نفسك فتُكسبها أخلاق الشورى والمشورة، وقد سمعت قول الله تعالى: " وشاورهم في الأمر "، فتستشير ذويك وأهل الفضل والعلم مستحضرًا النية في ذلك، مستشعرًا حلاوة تلك الطاعة.

    يقول المولى عز وجل في محكم تنزيله(إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما) اللهم صلي على محمد كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد كما باركت على إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد ، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين ..واخذل الشرك والمشركين، اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين ونفث كرب المكروبين ، واقض الدين عن المدينين ، واشف مرضانا ومرضى المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها . اللهم آمنا في أوطاننا ، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا ، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.. اللهم وفق ولاة أمورنا لما تحبه وترضاه من الأقوال والأعمال يا حي يا قيوم ، اللهم أصلح لهم بطانتهم يا ذا الجلال والإكرام. اللهم أنت الله لا إله إلا أنت .. أنت الغني ونحن الفقراء توفنا مسلمين وألحقنا بالصالحين . ربنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار .. سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلامٌ على المرسلين ،و الحمد لله رب العالمين


    منقول بتصرف
                  

11-26-2010, 11:00 AM

رانيه محمد الشيخ

تاريخ التسجيل: 10-18-2010
مجموع المشاركات: 3700

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: كمال حسن)

    جزاك الله خير
    بووووووووست غايه فى الفائده
                  

11-26-2010, 12:01 PM

كمال حسن
<aكمال حسن
تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 1352

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: رانيه محمد الشيخ)

    بارك الله فيك أختي رانيه
    وأفاد الله بك المسلمين جميعهم
                  

11-26-2010, 12:58 PM

بدر الدين اسحاق احمد
<aبدر الدين اسحاق احمد
تاريخ التسجيل: 03-29-2008
مجموع المشاركات: 17127

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: كمال حسن)

    اليوم كانت لنا سياحــة فى خطبة الجمعـة ..

    حين بكى الرجال ..

    حين نزل الدمع غزيراً من المقــل ..

    حين تسمع صوت النحيب يخرج عنوة من صدور الرجال ..

    ما اعظــم القران الكريم ..

    ما ابلــغ سورة ( قـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ! ) ..

    ثمانية مواقــف تجعل من صاحب ذرة ايمان يسمو ويحلق فى سماوات اللقاء مع رب العزة يوم الحساب ..

    وددت ان اجعل من ذلك بوســت لوحده ( لكن استجابة لدعوتك اتشارك هذه الخطبة معك هنــا عسى ان ينفع الله بها ويزيد من اجر السنة التى سننتها )

    ....

    سورة ( ق ) مكيــة

    عدد اياتها ( 45 ) اية

    * الموت ( حقيقة ) يواجهها كل حــى .
    *السموات والارض ( عظمة خلقهن ) ..
    * الامم السابقة ( عبرة ودروس ) ..
    * الانسان ( تكوينه / الملائكة المرافقين لــه / ..) .
    * القرين ( الشيطان الملازم لكل انسان ) ..
    * جهنــم ( تلك الحقيقة الرهيبة ) .
    * الجنة ( وعد الله للمتقين ) .
    * الذكرى ( للانسان ) هذا البوســت خير دليل .
    * التسبيح ( لا اله الا الله ) ..خير الذكر .
    * النفخ فى الصور ( يوم القيامة ) .
    * الحشــر ( من الاجداث ) .
    * صفات الداعيــة .
    * القران الكريم ( وعد ووعيد )

    لا حول ولا قوة الا بالله .

    الخطبة الثانية ..

    حق المسلم على المسلم ( اذا دعاك فاجبــه ) ..

    الدعاء سلاح المؤمـن .ز
                  

11-26-2010, 02:18 PM

جمال محمود
<aجمال محمود
تاريخ التسجيل: 07-24-2010
مجموع المشاركات: 3248

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: بدر الدين اسحاق احمد)

    الاخ كمال حسن

    جمعتك مباركة
                  

11-26-2010, 11:45 PM

كمال حسن
<aكمال حسن
تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 1352

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: جمال محمود)

    الأخ بدر الدين بارك الله فيك وجزاك الله خير الجزاء
    وأما سورة (ق) فيكفي أن المصطفى صلى الله عليه وسلم كان يكثر من قراءتها على المنبر في خطبة الجمعة
    بل ذهب بعضهم إلى أبعد من ذلك حيث قالوا بمشروعيتها في كل جمعة وممن ذهب إلى ذلك النووي و الصنعاني وغيرهما .
    ثبت عند مسلم في صحيحه من حديث أم هشام بنت حارثة رضي الله عنها قالت : (( ما أخذت (ق و القرءان المجيد) إلا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرؤها كل جمعة على المنبر إذا خطب الناس )) .
    وهي كما قلت أنت أنها خطبة كاملة متكاملة تأخذك في سياحة معها.
    نفعنا الله بالقرآن الكريم، ونسأل الله العظيم أن نكون من حفظة كتابه

    أتمنى عليك أن لا تحرمنا من مشاركاتك النافعة، وأن تعتبر نفسك صاحب البوست
    نفعنا الله بك وبأئمة المسلمين
                  

11-27-2010, 12:55 PM

كمال حسن
<aكمال حسن
تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 1352

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: كمال حسن)

    الأخ جمال محمود
    جعل الله أيامك كلها مباركة
    وأشكر لك هذا الحضور الأنيق، الذي أتمنى أن يستمر ومعك من فيض علمك ما تفيدنا به
                  

11-27-2010, 01:01 PM

كمال حسن
<aكمال حسن
تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 1352

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: كمال حسن)

    الأخ جمال محمود
    جعل الله أيامك كلها مباركة
    وأشكر لك هذا الحضور الأنيق، الذي أتمنى أن يستمر ومعك من فيض علمك ما تفيدنا به
                  

12-10-2010, 03:35 PM

كمال حسن
<aكمال حسن
تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 1352

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: كمال حسن)

    الحمد لله رب العالمين، نحمده حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وكما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته. اللهم! صل وسلم وبارك على سيدنا محمد عدد ما ذكره الذاكرون الأخيار، وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد ما اختلف الليل والنهار، وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى المهاجرين والأنصار.
    أما بعد: أيها الإخوة الكرام! في هذا الدرس -إن شاء الله- نتناول طرفاً من سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بهجرته المباركة التي كانت انتقالاً من دار الكفر إلى دار الإسلام، وانتقالاً من مرحلة الاستضعاف والقلة إلى مرحلة العزة والكثرة، كما قال الله عز وجل في معرض الامتنان على نبيه عليه الصلاة والسلام وعباده المؤمنين: وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [الأنفال:26] . ......

    لقد أرسل الله نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق، فمكث في مكة ثلاثة عشر عاماً يدعو إلى الله، وكان يقول: (يا أيها الناس! قولوا: لا إله إلا الله تفلحوا، قولوا: لا إله إلا الله تملكوا بها العرب والعجم، قولوا: لا إله إلا الله كلمة أشهد لكم بها عند الله)، ولكن القوم: جَعَلُوا أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ وَاسْتَغْشَوْا ثِيَابَهُمْ وَأَصَرُّوا وَاسْتَكْبَرُوا اسْتِكْبَارًا [نوح:7]، وكانوا يسخرون من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقولون: أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ [ص:5]، وكانوا يقولون: (أَهَذَا الَّذِي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ [الأنبياء:36]، وكانوا يقولون: أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا [الإسراء:49] و نحو ذلك من أنواع السخرية والاستهزاء بالنبي عليه الصلاة والسلام. ولم يكتفوا بذلك فحسب، بل سلطوا على النبي صلى الله عليه وسلم وعلى أصحابه رضوان الله عليهم نوعين من الحروب المؤذية الفتاكة: النوع الأول: الحرب الاقتصادية، وذلك حين كتبوا تلك الصحيفة الظالمة الخاطئة، وعلقوها في جوف الكعبة: ألا يبيعوا للمسلمين ولا يبتاعوا منهم، وألا يزوجوهم ولا يتزوجوا منهم، فحوصر رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام في شعب بني هاشم ثلاث سنوات حتى اضطروا إلى أن يأكلوا أوراق الشجر، يقول سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: كان أحدنا يضع كما تضع الشاة! فإذا أراد أحدهم أن يقضي حاجته فإنه يخرج منه كالبعر الذي يخرج من الشاة من شدة الجوع وقسوة العيش التي كانوا يعانونها، وكل ذلك من أجل أن يردوهم عن دينهم! النوع الثاني: حرب التصفية الجسدية، فقد كانوا يأتون بالرجل ويجوعونه ويعطشونه، يلقونه في حر الشمس، ويضعون على صدره الصخرة العظيمة، ويضربونه بالسياط، ويدفعونه إلى صبيان مكة يتقاذفونه، ويقولون له: واللات والعزى! لا ندعك حتى تكفر بمحمد وإله محمد، حتى إن بعض الصحابة فقد بصره من شدة التعذيب والأذى، مثل زنيرة جارية رومية فقدت بصرها، فقال المشركون: أذهب بصرها اللات والعزى، فقالت رضي الله عنها: كذبتم وبيت الله! ما تنفع اللات والعزى وما تضر، ما أذهب بصري إلا الله وهو قادر على أن يرده إلي، فرد الله عليها بصرها وهكذا كان حال كثير من الصحابة رضوان الله عليهم، فقد كانوا يعانون الأذى الشديد والتعذيب من هؤلاء الكفار الفجار، ولم يسلم من ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا النبي الكريم الذي ما آذى أحداً، ولا منه الناس كلمة لاغية، ولا لفظة فاحشة، فقد ناله عليه الصلاة والسلام شيء عظيم من الأذى، ومن ذلك: أنه كان ساجداً عند الكعبة، فقال المشركون بعضهم لبعض: من ينطلق إلى جزور بني فلان فيأتي بسلاها فيطرحه على رأس محمد، فانبعث أشقاهم وهو: عقبة بن أبي معيط ، فأتى بالقذر والنتن وطرحه على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ساجد. وأحياناً يكون ساجداً فيأتي المشركون بالتراب فيضعونه على رأسه. وأحياناً يكون ساجداً صلوات ربي وسلامه عليه فيأتي أحد المشركين فيضع رجله على عنق رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى كادت عيناه تندران، أي: تخرجان. ومرة أخرى يأتي الطارق إلى أبي بكر ويقول له: أدرك صاحبك فإن القوم قاتلوه، فيخرج أبو بكر رضي الله عنه الله عنه يجر إزاره، فيجد المشركين قد أحدقوا برسول الله صلى الله عليه وسلم: فهذا يشتمه، وذاك يصفعه، وهذا يجذبه، فجاء أبو بكر مسرعاً فقال: أَتَقْتُلُونَ رَجُلًا أَنْ يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ وَقَدْ جَاءَكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ رَبِّكُمْ [غافر:28]، فردد الكلمات التي قالها مؤمن آل فرعون، فترك القوم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقبلوا على أبي بكر يصفعونه ويضربونه، حتى كان عتبة بن ربيعة يضرب أبا بكر بالنعل على وجهه، حتى دمى وجه أبي بكر ، وأغشي عليه رضي الله عنه، وحمل إلى بيته وهو لا يعقل شيئاً، فلما أفاق فتح عينيه فقُرب إليه طعام، فكان أول كلام نطق به أن قال: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: هو بخير يا أبا بكر ! قال: والله! لا أذوق ذواقاً ولا أطعم طعاماً، حتى آتيه فأنظر إليه. هكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه في مثل هذا الجو المشحون بالأذى والكيد والمكر، فأذن النبي عليه الصلاة والسلام لأصحابه بأن يخرجوا إلى الحبشة، فخرجوا رضوان الله عليهم بالهجرة الأولى، ثم خرجوا بالهجرة الثانية، وما زال الأذى يشتد ويتفاقم، وما زال الكيد يعظم حول رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ الأمر مداه، وذلك حين اجتمع القوم ليقتلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم: وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ [الأنفال:30] . ومكر الله عز وجل هو بطشه وأخذه: وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ [هود:102-103]. فلما بلغ الأمر بالنبي عليه الصلاة والسلام ذلك المبلغ، أذن لأصحابه بأن يخرجوا إلى المدينة، وإلى خير دار مع خير جيران، وهذا كله بوحي وبأمر وبتدبير الله، فإن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم التي في التوراة والإنجيل هي: عبدي ونبيي محمد، سميتك المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ، ولا صخاب في الأسواق، ولا يجزي السيئة بالسيئة، ولكن يعفو ويصفح، ولن أميته حتى أقيم به الملة العوجاء، وأفتح به أعيناً عمياً، وآذاناً صماً، وقلوباً غلفاً. ومن صفته صلى الله عليه وسلم أنه مهاجر إلى أرض سبخة، كثيرة الحجارة بين حرتين. وهذا الوصف ينطبق على المدينة المنورة التي كانت تسمى يثرب، فقد قيض الله عز وجل لبنيه صلى الله عليه وسلم جماعة أخياراً من الأوس والخزرج، فبايعوه البيعة الأولى وهي التي تسمى ببيعة النساء، والتي فيها الأمور الستة: ألا يشركوا بالله شيئاً، ولا يسرقوا، ولا يزنوا، ولا يقتلوا أولادهم، ولا يأتوا ببهتان يفترونه بين أيديهم وأرجلهم، ولا يعصون رسول الله صلى الله عليه وسلم في معروف، هكذا كانت البيعة الأولى. ثم كانت البيعة الثانية التي شهدها ثلاثة وسبعون رجلاً وامرأتان، وهي بيعة العقبة الثانية، وهي التي طلبوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخرج مهاجراً إليهم على أن يمنعوه ما يمنعون منه نساءهم وأولادهم، وأن يدافعوا عنه بكل ما أوتوا. فلما ذهب النبي عليه الصلاة والسلام ليبايع القوم حرص عمه العباس أن يشهد تلك البيعة رضي الله عنه، وكان إذ ذاك على دين قومه، فقال للأنصار: (يا معشر الأوس والخزرج! إن محمداً ابن أخي منا حيث قد علمتم، قد فارق ديننا وعاب آلهتنا، لكنه منا بمقام عظيم، فإن كنتم مسلميه إن عضتكم الحرب فمن الآن فدعوه، فالتفت القوم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا له: يا رسول الله! اشترط لنفسك ولربك، فاشترط صلى الله عليه وسلم لربه أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، واشترط لنفسه أن يمنعوه مما يمنعون منه نساءهم وأولادهم، قالوا: فما لنا إن وفينا؟ قال: لكم الجنة، قالوا: ربح البيع، لا نقيل ولا نستقيل). فبايعوا النبي صلى الله عليه وسلم تلك البيعة العظيمة التي ترتبت عليها الهجرة المباركة. أسأل الله أن ينفعني وإياكم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. ......


    الخطبة الثانية


    الحمد لله رب العالمين، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وكما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، الحمد لله عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد عدد ما ذكره الذاكرون الأخيار، وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد ما اختلف الليل والنهار، وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى المهاجرين والأنصار. أما بعد: فقد سبق أن ذكرنا أن نبينا عليه الصلاة والسلام ما خرج مهاجراً إلى المدينة، ولا أمر أصحابه بالهجرة إلا إنفاذاً لأمر الله عز وجل، وعملاً بقوله سبحانه: يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ [العنكبوت:56]. وعملاً بقوله سبحانه: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا * إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا * فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا [النساء:97-99]. ورسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا أن المسلم لا يدع عبادة ربه، ولا يرضى بالذل، ولا يرضى بالضيم، بل يخرج من أرض إلى أرض، ويهاجر من بلد إلى بلد، ويلتمس مكاناً يعبد فيه ربه، ويقيم فيه شعائر دينه، ويجاهد في سبيله، وهذا هو الذي نتعلمه من حادثة الهجرة النبوية المباركة ، وخرج صلى الله عليه وسلم من مكة، ثم نظر إليها وقال: (والله إنك لأحب البلاد إلي، ولولاء أن قومك أخرجوني ما خرجت)، وأنزل الله عز وجل قوله: إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ [القصص:85]، فالله عز وجل يبشره بأنه سيرجع إلى مكة فاتحاً منتصراً، وسيمكنه الله عز وجل من البلاد والعباد. إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما خرج في تلك الرحلة المباركة إلا ليفتتح عهداً جديداً، وليقيم دولة، وليربي أمة، ولينشر ديناً. فخرج النبي صلى الله عليه وسلم في هذه الرحلة مهاجراً، ولو تأملنا فيها لرأينا فيها دروساً عظيمة ينبغي للمؤمنين أن يتأملوا فيها. ......

    الدرس الأول: أن الله عز وجل كاف عبده، فهو لا يسلم أوليائه للأعداء، ولا يخذل الصالحين من عباده، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاط المشركون ببيته إحاطة السوار بالمعصم، وفي يد كل رجل منهم سيف صلت، يريدون أن يضربوه ضربة رجل واحد، فيتفرق دمه في القبائل، فيخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والقوم هكذا حالهم قد أحاطوا به ووقفوا على بابه، فيخرج ثابت القلب، رابط الجأش، مطمئن النفس، وهو يتلو صدر سورة ياسين، إلى قوله تعالى:( وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ)
    وحادثة سراقة بن مالك ذلك الفارس المغوار الذي خرج في طلب الرسول صلى الله عليه وسلم، وكلنا يعلم ما حدث لفرسه بأمر الله الذي منعه أن يسلم إلى قريش فالمؤمن المقيم على طاعة الله العامل بأمر الله يطمئن إلى أن الله ناصره؛ لأنه لا يخلف الميعاد، وقد قال: (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ) [غافر:51]. فنصر الله للمؤمنين في الدنيا والآخرة.
    الدرس الثاني: ما قام به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأخذ بالأسباب، ومن هذه الأسباب: أنه أمر أبا بكر رضي الله عنه أن يبتاع راحلتين قبل الهجرة. وأنه صلى الله عليه وسلم أخذ بعوامل السِّرِّية، حتى أنه لما جاء ليخبر أبا بكر بأمر الهجرة جاءه في ساعة منكرة متنكراً بردائه فقال: (يا أبا بكر ! أخرج من عندك. فقال: يا رسول الله! إنما هو ابنتاي) فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن الله قد أمره بأن يهاجر. وعبد الله بن أريقط هاديا ثم أسماء بنت أبو بكر في إعداد الزاد.
    الدرس الثالث من دروس الهجرة النبوية: طمأنينة القلب، وسكينة النفس التي يرزقها الله عز وجل عبده المؤمن عند الشدائد،
    فقال الله تعالى : ( إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)
    الدرس ارابع: اتخاذ الرفيق الصالح الطيب المؤمن التقي، كما قال صلى الله عليه وسلم: (لا تصاحب إلا مؤمناً، ولا يأكل طعامك إلا تقي).
    الدرس الخامس: أن العبد الصالح يدعو إلى الله عز وجل بأقواله وفعاله وسمته وهيئته، وهذا الأمر نستدل عليه من مرور النبي صلى الله عليه وسلم بخيمة أم معبد الخزاعية ، وكيف أنها وصفته فيما بعد لزوجها حين سألها عنسر اللبن الذي وجده عندها وهي ليس في بيتها غير شاة مجهدة هزيلة، فوصفت الرسول (صلوات ربي وسلامه عليه) وصفا جميلا ولكن ما يهمنا هنا في آخر قولها عنه أنه ( إذا تكلم علاه البهاء، وإذا سكت علاه الوقار، كأن منطقه خرزات نظم ينحدرن، غصن بين غصنين، فهو أنضر الثلاثة منظراً، وأحسنهم قدراً، له أصحاب يحفون به، إن قال أنصتوا لقوله، وإن أمر ابتدروا أمره، محفود محشود، غير عابس ولا مفنَّد)، فقال لها زوجها: والله! إنه لصاحب قريش الذي تطلب، ولأجهدن حتى ألحق به، ولأتابعنه على دينه.
    إخوتي هذه هي بعض الدروس المستفادة من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، يجب علينا أن نتذاكرها ونعمل بما إستفدناه في حياتنا ليكون النصر هو حليفنا وتكون العزة لدينه ولرسوله وللمؤمنين
    عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون


    * منقولة بتصرف
                  

12-10-2010, 05:21 PM

بدر الدين اسحاق احمد
<aبدر الدين اسحاق احمد
تاريخ التسجيل: 03-29-2008
مجموع المشاركات: 17127

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: كمال حسن)

    بعد حضورنــا الجمعة ... اليوم عملنــا على تطبيــق ما جاء بهـا من صلـة الارحــام فكان المسجد نقطة انطلاقنــا لتحقيق هذه القيمــة
                  

12-10-2010, 05:33 PM

كمال حسن
<aكمال حسن
تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 1352

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: بدر الدين اسحاق احمد)

    الأخ العزيز بدر الدين إسحق نسأل الله العظيم أن يصلك كما وصلت رحمك
    أليس هو القائل للرحم كما ورد في حديث أصله في البخاري عن أنس-رضي الله عنه- قال: قال رسول الله : (( إن الرحم شُجْنةُ متمِسكة بالعرش تكلم بلسان ذُلَق ، اللهم صل من وصلني واقطع من قطعني ، فيقول ـ تبارك وتعالى ـ : (أنا الرحمن الرحيم ، و إني شققت للرحم من اسمي ، فمن وصلها وصلته،ومن نكثها نكثته)
    فلنداوم على صلة الأرحام ولو بقدر الإمكان، فإذا كان أحدنا في الغربة ربما إتصال هاتفي يكون فيه صلة للرحم ومرضاة للرب
    نسأل الله أن يتقبل أعمالنا جميعها إنه ولي ذلك والقادر عليه
                  

12-17-2010, 03:25 PM

كمال حسن
<aكمال حسن
تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 1352

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: كمال حسن)

    الحمد لله رب العالمين، نحمده حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وكما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم! صل وسلم وبارك على سيدنا محمد عدد ما ذكره الذاكرون الأخيار، وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد ما اختلف الليل والنهار، وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى المهاجرين والأنصار
    يقول رب العزة سبحانه: قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون [الأعراف:33].

    اعلم أن الله ما أحل إلا طيبا وما حرم إلا خبيثا.

    سئل أعرابي لماذا أسلمت؟ قال: لم أر شيئا من قول أو فعل يستحسنه العقل وتستطيبه الفطرة إلا وحث عليه الإسلام وأمر به وأحله رب العزة سبحانه، ولم أجد شيئا يستقبحه العقل وتستقذره الفطرة إلا ونهى الله عنه وحرمه على عباده.

    فما الحرام؟ وما هي آثاره؟ وما هي أنواعه؟ ولماذا الوقوع في الحرام؟ وما موقف المسلم من الحرام؟

    أما الحرام لغة: فكما عرفه الإمام الرازي في كتابه مختار الصحاح فقال: الحرام هو ضد الحلال وهو ما لا يحل انتهاكه.

    وأما اصطلاحا فكما عرّفه علماء الأصول، فقالوا: هو ما طلب الشارع تركه على سبيل الإلزام والجزم بحيث يتعرض من خالف أمر الترك إلى عقوبة أخروية أي في الآخرة، أو إلى عقوبة دنيوية إن كان شرع الله مطبقا في الأرض.

    وينبغي أن تعلم:

    أولا: أن التحليل والتحريم من حق الله عز وجل وحده فلا يحل لأحد أبدا أن يحلل أو أن يحرم، فذلك من خصائص الربوبية لله عز وجل.

    دخل عدي بن حاتم وكان نصرانيا على النبي عليه الصلاة والسلام، وسمعه يقرأ قول الله تعالى: اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله .

    قال: يا رسول الله ما اتخذناهم أربابا، لم نسجد لهم، قال: ((ألم يحلوا لكم الحرام ويحرموا عليكم الحلال فأطعتموهم؟ قال: بلى، قال: فذلك عبادتكم إياهم))([1]).

    فكل من أطعت في أمر فيه معصية لله عز و جل فقد جعلته ربا وإلها من دون الله عز وجل.

    ثانيا: وينبغي أن تعلم أن السنة النبوية هي المتممة لكتاب الله عز وجل والشارحة لكتاب الله سبحانه ولا يمكن الاستغناء بالكتاب عن السنة كما يدعي من لا دين عنده، فالسنة متممة لكتاب الله عز وجل وشارحة له، وكلاهما من وحي الله عز وجل فالكتاب لفظه ومعانيه من الله عز وجل والسنة: المعنى من الله واللفظ من رسول الله عليه الصلاة والسلام، وصدق الله العظيم: وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى [النجم:3-4]. بل إن في السنة من الأحكام ما لم ترد في كتاب الله عز وجل، لذا قال تعالى: وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا [الحشر:7].

    ثالثا: وينبغي أن تعلم أيضا أن ما أدى إلى الحرام فهو حرام، الزنى حرام، ورب العزة يقول: ولا تقربوا الزنى [الإسراء:32]. ولم يقل: ولا تفعلوا الزنى، أي ينبغي أن تبتعد عن السبل التي تؤدي إلى الزنى، النظرة الخائنة حرام، الخلوة الآثمة حرام، الصورة العارية حرام، اللمسة الآثمة حرام، فكل ما أدى إلى الحرام فهو حرام.

    رابعا: وينبغي أن تعلم أيضا أن الحلال بيّن لا لبس فيه وأن الحرام واضح لا لبس فيه، وما اشتبه عليك أمره أهو من الحلال أم من الحرام فعليك أن تتقيه خشية الوقوع في الحرام .

    يقول النبي عليه الصلاة والسلام: ((الحلال بيّن، الحرام بيّن، وبينهما أمور مشتبهات، فمن اتقى الشبهات، فقد استبرأ لدينه وعرضه؟ ومن وقع في الشبهات فقد وقع في الحرام))([2]).

    لذا يقول أحد السلف: كنا ندع تسعة أعشار الحلال مخافة أن نقع في الحرام.

    خامسا: وينبغي أن تعلم أيضا أن المحرم لا يجوز بيعه لقول النبي عليه الصلاة والسلام: ((إن الله إذا حرّم شيئا حرم ثمنه))([3]) فلا يجوز بيع الخنزير ولا بيع الخمر ولا بيع أوراق اليانصيب فكلها حرام لا يجوز للمسلم أن يبيعه ولا يجوز إهداؤه.

    جاء رجل إلى النبي وذكر للنبي عليه الصلاة والسلام أن عنده خمرا، وأنه يعلم بتحريم الله عز وجل له فقال: يا رسول الله أفلا أكارم بها اليهود (أي أهديها إلى اليهود) فاليهود يشربون الخمر، فقال عليه الصلاة السلام: ((إن الذي حرمها حرم إهداءها))([4]).

    وأما ما هو أثر الحرام؟ فإن للحرام آثارا:

    أن العبد لا تقبل منه طاعة لقول النبي عليه الصلاة والسلام: ((وأعلم أن اللقمة الحرام إذا وقعت في جوف أحدكم لا يتقبل عمله أربعين ليلة))([5]).

    ويقول النبي عليه الصلاة والسلام: ((وإذا خرج الحاج حاجا بنفقة خبيثة (أي حرام) ووضع رجله في الغرز ونادى: لبيك اللهم لبيك، ناداه مناد من السماء: لا لبيك ولا سعديك زادك حرام وراحلتك حرام وحجتك مأزور غير مبرور))([6]). وترجع بالإثم ولا أجر لك.

    من أثر الحرام أيضا أن المتصدق من الحرام لا أجر له بل يأثم على صدقته لقول النبي عليه الصلاة والسلام: ((من جمع ما لا ثم تصدق منه فلا أجر له وإصره عليه))([7]). إصره عليه: أي إثمه عليه.

    من أثر الحرام أيضا أن آكل الحرام لا يستجاب له دعاء.

    سأل سعيد بن أبي وقاص النبي عليه الصلاة والسلام فقال: يا رسول الله ادعُ الله أن أكون مستجاب الدعوة، فقال عليه الصلاة والسلام: ((يا سعد أطب مطعمك تستجب دعوتك))([8]).

    ومن أثر الحرام أيضا أن العبد لا يقوى على طاعة، يقول أحد السلف: من أكل الحرام عصت جوارحه شاء أم أبى علم أم لم يعلم.

    ومن أثر الحرام أيضا أن مآل هذا الجسد إلى النار.

    لقول النبي عليه الصلاة والسلام: ((كل لحم نبت من حرام فالنار أولى به))([9]).

    ذكر أن جنيد البغدادي رحمه الله جاء يوما إلى داره فرأى جارية جاره ترضع ولده، فانتزع ولده منها، وأدخل أصبعه في فيه (أي في فمه) وجعله يتقيأ كل الذي شربه، فلما سئل، قال: جاري يأكل الربا، يأكل الحرام، وجارية جاري تعمل عنده فهي تأكل الحرام، وجارية جاري ترضع ولدي فهي ترضع ولدي الحرام، ورسول الله عليه الصلاة والسلام يقول: ((كل لحم نبت من حرام فالنار أولى به))([10]).
    أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
    الخطبة الثانية
    الحمد لله ولي الصالحين وأشهد أن محمدا خاتم الأنبياء والمرسلين والصلاة والسلام عليه إلى يوم الدين
    أما بعد
    وأما ما هي أنواع المحرمات؟
    أولا: فمن المحرمات ما يتعلق بالمطعم، قال رب العزة سبحانه: حرمت عليكم الميتة وهو: ما مات حتف أنفه، والدم وهو: الدم المسفوح ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به ما ذكر عليه اسم غير الله عز وجل ثم ذكر أنواع الميتة فقال: والمنخنفة وهي: التي تموت خنقا والموقوذة وهي: التي تموت بسبب الضرب أي تُضرب حتى تموت والمتردية وهي: التي تسقط من شاهق فتموت، والنطيحة وهي: التي تنطحها غيرها فتموت ثم استثنى فقال: إلا ما ذكيتم [المائدة:3].

    يقول علي بن أبي طالب : (فما أدركته من المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وفيه حركة من رجل أو عين أو جسد، فذبحته فقد حل لك أكله. واستثنى النبي عليه الصلاة والسلام من الميتة ميتتان ومن الدم دمان، يقول النبي عليه الصلاة والسلام: ((أحلت لنا ميتتان ودمان أما الميتتان فالسمك والجراد، وأما الدمان فالكبد الطحال))([11]).

    من حديث النبي عليه الصلاة والسلام: ((أنه نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع)) كالقطة وال###### والأسد والنمر والسبع فكلها من ذوات الأنياب فلا يجوز أكلها ((وكل ذي مخلب من الطير))([12])، كالنسر والصقر والحدأة وما إلى ذلك فكلها محرمة في إسلامنا.

    ثانيا: وأما من الأشربة فأولها الخمر وتلحق بها البيرة أيضا لقول النبي عليه الصلاة والسلام: ((ما أسكر كثيره فقليله حرام))([13])، ولعن النبي عليه الصلاة والسلام، كل من له صلة بالخمر لقول النبي عليه الصلاة والسلام: ((لعن الله الخمر وشاربها وساقيها ومبتاعها وحاملها والمحمولة إليه وآكل ثمنها))([14]). فكل من له صلة بالخمر ملعون عن لسان النبي عليه الصلاة والسلام، ومن المشروبات أيضا المخدرات كالحبوب والحشيش والأفيون والكوكايين والهيروين.

    ابن تيميه رحمه الله تعالى يقول: هذه الحشيشة يتناولها الفجار لطلب النشوة والطرب وفيها ذهول عن الواقع وخدر في الجسد وإتلاف للمال والبدن وعقوبتها عقوبة شارب الخمر (عقوبة شارب الخمر في إسلامنا أربعون جلدة).

    ابن تيميه رحمه الله تعالى يذكر أن كل ما يخامر العقل فعقوبته عقوبة شارب الخمر، لأن عمر بن الخطاب وقف على منبر رسول الله عليه الصلاة والسلام، فعرف الخمرة فقال: هو كل ما خامر العقل هو كل ما أذهل العقل عن الواقع.

    ثالثا: ومن المحرمات أيضا ما يتعلق بالملبس والزينة، رفع النبي عليه الصلاة والسلام الذهب والحرير وقال: ((هذان حرام على ذكور أمتي حل لإناثها))([15]). واستثنى النبي عليه الصلاة والسلام ما كان تحكمه الضرورة.

    فقد أذن الرسول عليه الصلاة والسلام للزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف أن يلبسا الحرير لحكة أصابتهما وأذن لصحابي أن يتخذ أنفا من ذهب لأنه قد ذهب أنفه في إحدى المعارك.

    رابعا: من الزينة المحرمة على النساء:

    ((لعن النبي عليه الصلاة والسلام الواشمة (والوشم معروف وهو غرز الإبرة في الجسد أو البدن أو اليد أو الوجه ووضع الكحل في مكانه) والمستوشمة (وهي التي تطلب ذلك) والواشرة (وهي التي تقصر أسنانها وتحد فيما بينها حتى تبدوا صغيرة السن، والمستوشرة (وهي التي تطلب ذلك)، والنامصة (وهي التي ترقق حاجبها) والمتنمصة (وهي التي تطلب ذلك) )).

    واستثنى العلماء إزالة الشعر الذي يكون في الوجه أو اليدين أو الرجلين لأن النص قيد الأمر في الحاجب فقط، والواصلة (وهي التي تصل شعرها بشعر غيرها سواء كان شعرا حقيقيا أو مستعارا كباروكة) والمستوصلة وهي التي تطلب ذلك))([16]).

    ومن الحرام على النساء هو أن تتعطر لغير زوجها، لقول النبي عليه الصلاة والسلام: ((أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم فوجدوا ريحها فهي زانية))([17]).

    خامسا: ومن المحرم أيضا فما يتعلق بالكسب:

    الرشوة حرام لعن النبي عليه الصلاة والسلام: ((الراشي والمرتشي والرائش))، وهو الوسيط بين آخذ الرشوة ومعطيها، والمال المأخوذ مقابل إخراج الإقامة حرام.

    وأفتت لجنة الأوقاف بأن ما يأخذ من مال على عمل إقامة حرام لأنها من العقود التعاونية فلا ينبغي أخذ المال عليها.

    وخلو الرجل حرام، أو القفلية، والقفلية ما يدفعه المستأجر الجديد للمستأجر القديم لقاء إخلاء العين حرام وهذا مما استحدثناه من المعاملات المحرمة في واقعنا.

    وأخيرا من المحرم ما يتعلق بمجال الغريزة، والمتعة حرام. سئل الإمام جعفر الصادق، ، عن المتعة، فقال: هي الزنا بعينه، لأنه لا طلاق فيها ولا عدة ولا ميراث ولا نسب، فهي الزنا بعينه، ولقول النبي عليه الصلاة والسلام: ((والله أعلمن أن رجلا تمتع وهو محصن إلا رجمته))([18]).

    التبني حرام، وإذا كان بقصد الرعاية والاهتمام فالأجر عظيم: ((أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة))([19]). أما أن تلحق نسبه بنسبك فقد لعن النبي عليه الصلاة والسلام، من نسب إلى غير والديه

    .

    وأما لماذا الوقوع في الحرام؟ فإن لذلك أسباب منها:


    أولا: هو أن يفتقد العبد الحياء من الله تعالى بضعف إيمانه، وبضعف يقينه وبوجود النار يقول النبي عليه الصلاة والسلام: ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمرة حين يشربها وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن))([20]).

    ثانيا: من أسباب الوقوع في الحرام: التقليد، والتقليد داء يصيب الأفراد كما يصيب الأمم، قول النبي عليه الصلاة والسلام: ((لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو كان فيهم من أتى أمه لكان في أمتي من يفعل ذلك))([21]).

    ثالثا: من أسباب الوقوع في الحرام هو الرغبة في الربح العاجل فلقد أصبحت أعراض الأمة وأخلاقها ودينها في مهب ريح التجار، والمجال فيها فسيح من أراد أن يتاجر بالحبوب أو الخمرة أو المخدرات فليفعل، بالأسلوب المشروع أو غير المشروع رغم الأنوف تدخل، وهذا مشاهد واضح موجود.

    رابعا: من أسباب الوقوع في الحرام أيضا هو انعدام الرقابة في الأسرة.


    وأما ما هو موقف المسلم من الحرام ؟

    أولا: فعلى الأمة أن تتربى وتربي على مخافة الله عز وجل: ألم يعلم بأن الله يرى [العلق:14]. ذكر أن عمر بن الخطاب مر على غلام يرعى غنمه قال: يا غلام بعني واحدة، فقال الغلام: هي ليست ملكي إنما هي لسيدي وأنا الوكيل عنها فقال له عمر بن الخطاب مختبرا: يا غلام بعني واحدة وخذ ثمنها وقل لسيدك الذئب أكلها. (يرسم له طريق الحرام مختبرا له) فقال الغلام: فأين الله (أين أكون من الله إن قلت هذا)؟ ويهتز عمر بن الخطاب للكلمة ويشتري العبد من سيده ويعتقه ويقول له: هذه كلمة أعتقتك في الدنيا أسأل الله تعالى أن يعتق بها رقبتك يوم القيامة.

    ثانيا: ثم ينبغي أن تعلم أن الله تعالى قد جعل في الحلال ما يغني عن الحرام، النكاح بدل الزنى، التجارة بدل الربا، المشروبات اللذيذة التي لها الفائدة للبدن والروح بدل الخمرة.

    ثالثا: ولابد أن تعلم أيضا كيف يكون حال صاحب المعصية يوم القيامة المتمتع بالحرام يقول النبي عليه الصلاة والسلام: ((يؤتي بأنعم أهل الدنيا من أهل النار (أمضى حياته في حرام) فيُغمس غمسة في النار فيقال له: هل رأيت خيرا قط؟ هل مر بك خير قط؟ فيقول: لا والله ما رأيت خيرا قط ولا مر بي خير قط))([22]).

    ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة [الروم:55].


    * منقولة بتصرف محدود
                  

12-17-2010, 08:51 PM

بدر الدين اسحاق احمد
<aبدر الدين اسحاق احمد
تاريخ التسجيل: 03-29-2008
مجموع المشاركات: 17127

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: كمال حسن)

    الحمد لله ...

    حين انتهاء الخطبــة سلت نفســى عن ماذا كان يتحدث الامام ؟
    فأجبت نفســى ان يتخير الانسان خطيب الجمعة الذى يجب ان يصلى خلفــه ..
                  

12-17-2010, 10:41 PM

saif massad ali
<asaif massad ali
تاريخ التسجيل: 08-10-2004
مجموع المشاركات: 19127

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: بدر الدين اسحاق احمد)


    سلام

    الاخ كمال حسن

    عليك الله الخطبة الجاية تكلم لينا عن الزني وحدق القذف

    وجلد النساء

    وولاية الزاني هل جازية اذا لم يحد


    بارك الله فيك
                  

12-24-2010, 12:39 PM

كمال حسن
<aكمال حسن
تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 1352

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: saif massad ali)

    الحمد لله علام الغيوب. الحمد لله الذي تطمئن بذكره القلوب. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أعز مطلوب وأشرف مرغوب. وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، الذي أرسله بين يدي الساعة بشيرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بأذنه وسراجا منيرا. صلوات الله وسلامه وبركاته عليه إلى يوم الدين، وعلى جميع من سار على نهجه وأتبع سبيله إلى يوم الدين…….أما بعد أخواني في الله:
    إن رقة القلوب وخشوعها وانكسارها لخالقها وبارئها منحة من الرحمن وعطية من الديان تستوجب العفو والغفران، وتكون حرزا مكينا وحصنا حصينا من الغي والعصيان. ما رق قلب لله عز وجل إلا كان صاحبه سابقا إلى الخيرات مشمرا في الطاعات والمرضاة. ما رق قلب لله عز وجل وانكسر إلا وجدته أحرص ما يكون على طاعة الله ومحبة الله، فما ذُكّر إلا تذكر، ولا بُصّر إلا تبصر. ما دخلت الرقة إلى القلب إلا وجدته مطمئنا بذكر الله يلهج لسانه بشكره والثناء عليه سبحانه وتعالى. وما رق قلب لله عز وجل إلا وجدت صاحبه أبعد ما يكون عن معاصي الله عز وجل، فالقلب الرقيق قلب ذليل أمام عظمة الله وبطش الله تبارك وتعالى.
    ما انتزعه داعي الشيطان إلا وأنكسر خوفا وخشية للرحمن سبحانه وتعالى. ولا جاءه داعي الغي والهوى إلا رعدت فرائص ذلك القلب من خشية المليك سبحانه وتعالى. القلب الرقيق صاحبه صدّيق وأي صدّيق. القلب الرقيق رفيق ونعم الرفيق.
    ولكن من الذي يهب رقة القلوب وانكسارها؟
    ومن الذي يتفضل بخشوعها وإنابتها إلى ربها ؟
    من الذي إذا شاء قلَبَ هذا القلب فأصبح أرق ما يكون لذكر الله عز وجل، وأخشع ما يكون لآياته وعظاته ؟
    من هو ؟ إنه هو سبحانه لا إله إلا هو، القلوب بين إصبعين من أصابعه يقلبها كيف يشاء، فتجد العبد أقسى ما يكون قلبا، ولكن يأبى الله إلا رحمته، ويأبى الله إلا حلمه وجوده وكرمه. حتى تأتي تلك اللحظة العجيبة التي يتغلغل فيها الإيمان إلى سويداء ذلك القلب بعد أن أذن الله تعالى أن يصطفى ويجتبى صاحب ذلك القلب.
    فلا إله إلا الله، من ديوان الشقاء إلى ديوان السعادة، ومن أهل القسوة إلى أهل الرقة بعد أن كان فظا جافيا لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلا ما أشرب من هواه، إذا به يتوجه إلى الله بقلبه وقالبه.
    إذا بذلك القلب الذي كان جريئا على حدود الله عز وجل وكانت جوارحه تتبعه في تلك الجرأة إذا به في لحظة واحدة يتغير حاله، وتحسن عاقبته ومآله، يتغير لكي يصبح متبصرا يعرف أين يضع الخطوة في مسيره.
    أحبتي في الله: إنها النعمة التي ما وجدت على وجه الأرض نعمة أجل ولا أعظم منها، نعمة رقة القلب وإنابته إلى الله تبارك وتعالى. وقد أخبر الله عز وجل أنه ما من قلب يُحرم هذه النعمة إلا كان صاحبه موعودا بعذاب الله، قال سبحانه:
    (أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ). ويل، عذاب ونكال لقلوب قست عن ذكر الله، ونعيم ورحمة وسعادة وفوز لقلوب انكسرت وخشعت لله تبارك وتعالى.
    لذلك – أخواني في الله – ما من مؤمن صادق في إيمانه إلا وهو يتفكر كيف السبيل لكي يكون قلبي رقيقا؟

    كيف السبيل لكي أنال هذه النعمة ؟ فأكون حبيبا لله عز وجل، وليا من أوليائه، لا يعرف الراحة والدعة والسرور إلا في محبته وطاعته سبحانه وتعالى، لأنه يعلم أنه لن يُحرم هذه النعمة إلا حُرم من الخير شيئا كثيرا.
    ولذلك كم من أخيار تنتابهم بعض المواقف واللحظات يحتاجون فيها إلى من يرقق قلوبهم فالقلوب شأنها عجيب وحاله غريب. تارة تقبل على الخير، وإذا بها أرق ما تكون لله عز وجل وداعي الله. لو سُألت أن تنفق أموالها جميعا لمحبة الله لبذلت، ولو سألت أن تبذل النفس في سبيل الله لضّحت. إنها لحظات ينفح فيها الله عز وجل تلك القلوب برحمته.
    وهناك لحظات يتمعر فيها المؤمن لله تبارك وتعالى، لحظات القسوة، وما من إنسان إلا تمر عليه فترة يقسو فيها قلبه ويتألم فيها فؤاده حتى يكون أقسى من الحجر والعياذ بالله.
    وللرقة أسباب، وللقسوة أسباب :
    الله تبارك وتعالى تكرم وتفضل بالإشارة إلى بيانها في الكتاب. فما رق القلب بسبب أعظم من سبب الإيمان بالله تبارك وتعالى. ولا عرف عبد ربه بأسمائه وصفاته إلا كان قلبه رقيقا لله عز وجل، وكان وقّافا عند حدود الله. لا تأتيه الآية من كتاب الله، ويأتيه حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قال بلسان الحال والمقال: (سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ).
    فما من عبد عرف الله بأسمائه الحسنى وتعرف على هذا الرب الذي بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه إلا وجدته إلى الخير سباق، وعن الشر محجام.
    فأعظم سبب تلين به القلوب لله عز وجل وتنكسر من هيبته المعرفة بالله تبارك وتعالى، أن يعرف العبد ربه. أن يعرفه،
    فالله يقول ( وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ) لا حول ولاقوة إلا بالله
    وما من شيء في هذا الكون إلا ويذكرك أخي بذلك الرب. يذكرك الصباح والمساء بذلك الرب العظيم. وتذكرك النعمة والنقمة بذلك الحليم الكريم.ويذكرك الخير والشر بمن له أمر الخير والشر سبحانه وتعالى. فمن عرف الله رق قلبه من خشية الله تبارك وتعالى.
    والعكس بالعكس فما وجدت قلبا قاسيا إلا وجدت صاحبه أجهل العباد بالله عز وجل، وأبعدهم عن المعرفة ببطش الله، وعذاب الله وأجهلهم بنعيم الله عز وجل ورحمة الله. حتى إنك تجد بعض العصاة أقنط ما يكون من رحمة الله، وأيئس ما يكون من روح الله والعياذ بالله لمكان الجهل بالله. فلما جهل الله جرأ على حدوده، وجرأ على محارمه، ولم يعرف إلا ليلا ونهارا وفسوقا وفجورا، هذا الذي يعرفه من حياته، وهذا الذي يعده هدفا في وجوده ومستقبله.

    لذلك – أحبتي في الله – المعرفة بالله عز وجل طريق لرقة القلوب، ولذلك كل ما وجدت الإنسان يديم العبرة، يديم التفكر في ملكوت الله، كلما وجدت قلبه فيه رقة، وكلما وجدت قلبه في خشوع وانكسار إلى الله تبارك وتعالى.
    السبب الثاني الذي يكسر القلوب ويرققها، ويعين العبد على رقة قلبه من خشية الله عز وجل النظر في آيات هذا الكتاب،
    النظر في هذا السبيل المفضي إلى السداد والصواب. النظر في كتاب وصفه الله بقوله:
    (الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ) .
    ما قرأ العبد تلك الآيات وكان عند قرأته حاضر القلب متفكرا متأملا إلا وجدت العين تدمع، والقلب يخشع والنفس تتوهج إيمانا من أعماقها تريد المسير إلى الله تبارك وتعالى، وإذا بأرض ذلك القلب تنقلب بعد آيات القرآن خصبة طرية للخير ومحبة الله عز وجل وطاعته. ما قرأ عبد القرآن ولا استمع لآيات الرحمن إلا وجدته بعد قرأتها والتأمل فيها رقيقا قد اقشعر قلبه واقشعر جلده من خشية الله تبارك وتعالى:
    (كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم، ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله، ذلك هدى الله يهدي به من يشاء، ومن يضلل الله فما له من هاد).
    هذا القرآن عجيب، بعض الصحابة تُليت عليه بعض آيات القرآن فنقلته من الوثنية إلى التوحيد، ومن الشرك بالله إلى عبادة رب الأرباب سبحانه وتعالى في آيات يسيرة.
    فانظر لهذا التابعي الجليل الفضيل بن عياض الفضيل بن عياض هو أحد الصالحين الكبار كان يسرق ويعطل القوافل في الليل، يأخذ فأساً وسكيناً ويتعرض للقافلة فيعطلها، كان شجاعاً قوي البنية، وكان الناس يتواصون في الطريق إياكم والفضيل إياكم والفضيل ! والمرأة تأتي بطفلها في الليل تسكته وتقول له: اسكت وإلا أعطيتك للفضيل . أتى الفضيل بن عياض فطلع سلماً على جدار يريد أن يسرق صاحب البيت، فأطل ونظر إلى صاحب البيت فإذا هو شيخ كبير، وعنده مصحف، ففتحه واستقبل القبلة على سراج صغير عنده ويقرأ في القرآن ويبكي فمر الشيخ بقوله سُبحَانَهُ وَتَعَالَى: ( أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنْ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمْ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) [الحديد:16] . فنظر الفضيل إلى السماء وقال ( بل آن بل آن): يا رب! أني أتوب إليك من هذه الليلة، ثم نزل فاغتسل ولبس ثيابه وذهب إلى المسجد يبكي حتى الصباح، فتاب الله عليه، فجعله إمام الحرمين في العبادة، هذا السارق أولاً أصبح إمام الحرمين الحرم المكي، والحرم المدني.
    هذا القرآن إخوة الإسلام موعظة رب العالمين وكلام إله الأولين والآخرين، ما قرأه عبد إلا تيسرت له الهداية عند قراءته، ولذلك قال الله في كتابه في سورة القمر أربعة مرات: (وَلَقَدْ يَسرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ ) .
    هل هناك من يريد الذكرى ؟ هل هناك من يريد العظة الكاملة والموعظة السامية ؟… هذا كتابنا.
    ولذلك – أحبتي في الله- ما أدمن قلب، ولا أدمن عبد على تلاوة القرآن، وجعل القرآن معه إذا لم يكن حافظا يتلوه آناء الليل وآناء النهار إلا رق قلبه من خشية الله تبارك وتعالى.
    ومن الأسباب التي تعين على رقة القلب وإنابته إلى الله تبارك وتعالى تذكر الآخرة، أن يتذكر العبد أنه إلى الله صائر.
    أن يتذكر أن لكل بداية نهاية، وأنه ما بعد الموت من مستعتب، وما بعد الدنيا من دار إلا الجنة أو النار.
    فإذا تذكر الإنسان أن الحياة زائلة وأن المتاع فان وأنها غرور دعاه ذلك إلى أن يحتقر الدنيا ويقبل على ربها إقبال المنيب الصادق وعندها يرق قلبه.
    ومن نظر إلى القبور ونظر إلى أحوال أهلها انكسر قلبه، وكان قلبه أبرأ ما يكون من القسوة ومن الغرور والعياذ بالله.
    ولذلك لن تجد إنسان يحافظ على زيارة القبور مع التفكر والتأمل والتدبر، إذ يرى فيها الأباء والأمهات والإخوان والأخوات، والأصحاب والأحباب، والإخوان والخلان.
    يرى منازلهم ويتذكر أنه قريب سيكون بينهم
    ما تذكر عبد هذه المنازل التي ندب النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذكرها إلا رق قلبها من خشية الله تبارك وتعالى.
    ولا وقف على شفير قبر فراءه محفورا فهيأ نفسه أن لو كان صاحب ذلك القبر، ولا وقف على شفير قبر فرأى صاحبه يدلى فيه فسأل نفسه إلى ماذا يغلق ؟ أيغلق على مطيع أم عاصي ؟ أيغلق على جحيم أم على نعيم ؟ فلا إله إلا الله هو العالم بأحوالهم وهو الحكم العدل الذي يفصل بينهم.
    ما نظر عبد هذه النظرات ولا استجاشت في نفسه هذه التأملات إلا اهتز القلب من خشية الله وانفطر هيبة لله تبارك وتعالى، وأقبل على الله وإلى الله تبارك وتعالى إقبال صدق وإنابة وإخبات.
    أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم


    الخطبة الثانية


    الحمد لله ولا نعبد إلا إياه، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون. أحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون. وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله حَمى حِمى التوحيد وسدَّ كل طريق يوصل إلى الشرك، فأظهر الله به دينه على الدين كله ولو كره المشركون صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
    أما بعد:
    أحبتي في الله:
    أعظم داء يصيب القلب داء القسوة والعياذ بالله، ومن أعظم أسباب القسوة بعد الجهل بالله تبارك وتعالى:
    الركون إلى الدنيا والغرور بأهلها، وكثرة الاشتغال بفضول أحاديثها، فإن هذا من أعظم الأسباب التي تقسي القلوب والعياذ بالله تبارك وتعالى. إذ اشتغل العبد بالأخذ والبيع، واشتغل أيضا بهذه الفتن الزائلة والمحن الحائلة، سرعان ما يقسو قلبه لأنه بعيد عن من يذكره بالله تبارك وتعالى.
    فلذلك ينبغي للإنسان إذا أراد أن يوغل في هذه الدنيا أن يوغل برفق، فديننا ليس دين رهبانية، ولا يحرم الحلال سبحانه وتعالى، ولم يحل أو يمنع بيننا وبين الطيبات. ولكن رويداً رويدا فأقدار قد سبق بها القلم، وأرزاق قد قضيت يأخذ الإنسان بأسبابها دون أن يغالب القضاء والقدر.
    يأخذها برفق ورضاء عن الله تبارك وتعالى في يسير يأتيه وحمد وشكر لباريه سرعان ما توضع له البركة، ويكفى فتنة القسوة، نسأل الله العافية منها.
    فلذلك من أعظم الأسباب التي تستوجب قسوة القلب الركون إلى الدنيا، وتجد أهل القسوة غالبا عندهم عناية بالدنيا، يضحون بكل شيء، يضحون بأوقاتهم. يضحون بالصلوات.ولكن لا تأخذ هذه الدنيا عليهم، لا يمكن أن يضحي الواحد منهم بدينار أو درهم منها، فلذلك دخلت هذه الدنيا إلى القلب.

    والدنيا شُعب، الدنيا شُعب ولو عرف العبد حقيقة هذه الشُعب لأصبح وأمسى ولسانه يلهج إلى ربه:
    ربي نجني من فتنة هذه الدنيا، فإن في الدنيا شُعب ما مال القلب إلى واحد منها إلا استهواه لما بعده ثم إلى ما بعده حتى يبعد عن الله عز وجل، وعنده تسقط مكانته عند الله ولا يبالي الله به في أي واد من أودية الدنيا هلك والعياذ بالله.
    هذا العبد الذي نسي ربه، وأقبل على هذه الدنيا مجلا لها مكرما، فعظّم ما لا يستحق التعظيم، واستهان بمن يستحق الإجلال والتعظيم والتكريم سبحانه وتعالى، فلذلك كانت عاقبته والعياذ بالله من أسوء العواقب.
    ومن أسباب قسوة القلوب، بل ومن أعظم أسباب قسوة القلوب، الجلوس مع الفساق ومعاشرة من لا خير في معاشرته.
    ولذلك ما ألف الإنسان صحبة لا خير في صحبتها إلا قسي قلبه من ذكر الله تبارك وتعالى، ولا طلب الأخيار إلا رققوا قلبه لله الواحد القهار، ولا حرص على مجالسهم إلا جاءته الرقة شاء أم أبى، جاءته لكي تسكن سويداء قلبه فتخرجه عبدا صالحا مفلحا قد جعل الآخرة نصب عينيه.
    لذلك ينبغي للإنسان إذا كان ولابد معاشرا للأشرار أن يعاشرهم بحذر، وأن يكون ذلك على قدر الحاجة حتى يسلم له دينه، فرأس المال في هذه الدنيا هو الدين.
    اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلا أن تهب لنا قلوبا لينة تخشع لذكرك وشكرك.
    اللهم إنا نسألك قلوبا تطمئن لذكرك. اللهم إنا نسألك السنة تلهج بذكرك.
    اللهم إنا نسألك إيمانا كاملا، ويقينا صادقا، وقلبا خاشعا، وعلما نافعا، وعملا صالحا مقبولا عندك يا كريم.
    اللهم إنا نعوذ بك من الفتن ما ظهر منها وما بطن.

    عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون، أذكرو الله العظيم يذكركم، واشكروه على جزيل نعمائه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون
    سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين و الحمد لله رب العالمين.


    * منقول بتصرف
                  

12-24-2010, 01:15 PM

المر
<aالمر
تاريخ التسجيل: 11-08-2007
مجموع المشاركات: 2265

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: كمال حسن)

    كمال ازيك

    والله ماقصرت

    وضرورة مهمة جدا
                  

12-24-2010, 03:16 PM

كمال حسن
<aكمال حسن
تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 1352

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: المر)

    المر السلام عليكم والرحمة والبركة
    وبارك الله فيك
    كيف اخبارك واحاويلك
    Quote: كمال ازيك

    والله ماقصرت

    وضرورة مهمة جدا

    نسأل الله أن يتقبل كل أعمالنا على قلتها
    ويقدرنا على فعل الخيرات
    و أن ينفع بنا
    ولا يجعلنا فتنة للقوم الظالمين
                  

12-24-2010, 09:00 PM

بدر الدين اسحاق احمد
<aبدر الدين اسحاق احمد
تاريخ التسجيل: 03-29-2008
مجموع المشاركات: 17127

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: كمال حسن)

    متأخرين عن الخطبة .. نسأل الله المغفرة ...











    خطيب المنبر جزاك الله خيراً
                  

12-25-2010, 01:10 AM

كمال حسن
<aكمال حسن
تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 1352

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: بدر الدين اسحاق احمد)

    الأخ بدر الدين
    السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
    أن تأتي متأخرا خير من أن لا تأتي

    غفر الله لنا ولك
    وبارك الله فيك
                  

12-28-2010, 06:31 AM

تبارك شيخ الدين جبريل
<aتبارك شيخ الدين جبريل
تاريخ التسجيل: 12-04-2006
مجموع المشاركات: 13936

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: كمال حسن)

    Quote: وصاحوا في صوت واحد: بل إياك نختار يا أمير المؤمنين، فبكي عمر.


    ودا كلام الخطيب ولاّ المؤرخ؟











    ... المهم ....
                  

12-30-2010, 03:51 PM

كمال حسن
<aكمال حسن
تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 1352

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: تبارك شيخ الدين جبريل)

    السلام عليكم والرحمة والبركة

    ثم حتى يمكنني الرد للأخ تبارك عليَّ أولا أن أبحث في هذا البوست عن النقطة التي إقتبسها هو في أي خطبة من الخطب أعلاه
    فصبر جميل والله المستعان
                  

12-31-2010, 02:01 AM

كمال حسن
<aكمال حسن
تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 1352

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: كمال حسن)

    الحمد لله الذي أنشأ خلقه وبرى ، وقسم أحوال عباده غناً وفقرا ، وأنزل الماء وشق أسباب الثرى ، أحمده سبحانه حمداً يوافي نعمه ، ويكافئ مزيده ، واشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمد عبد الله ورسوله ، وخاتم أنبيائه فلا نبي بعده ، فصلي اللهم وسلم وبارك على هذا النبي الكريم ، صاحب الخلق العظيم ، الذي أرسلته رحمة للعالمين ، وعلى آله واصحابه ومن سار على نهجه الى يوم الدين .
    اوصيكم عباد الله بتقوى الله ، فمن رغب في سنة محمد وصل ، ومن رغب عن سنته غوى وخسر وضل وانفصل ،
    أيها السادة :
    فقد وروى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من مولد يُولد إلا والشيطان يمسه حين يولد فيستهل صارخاً من مس الشيطان إلا مريم وابنها" ثم قال أبو هريرة: اقرؤوا إن شئتم قول الله عز وجل " إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35) فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ( " آل عمران 36 .
    الى أين ومع من ولماذا ، مع اللقاء 45 الى أين الى مدينة القدس الى بيت لحم ، ومع من مع الصديقة مريم بنت عمران ، ولماذا لنتحدث من مولد السيد المسيح عليه السلام .
    ففي مثل هذه الايام ينشغل المجتمع المسيحي باعياد الميلاد وما يرتبط بها من ايام ، حيث كل شيء يحدثك ويذكرك بمولد السيد المسيح / في الشارع ، في العمل في المدرسة ، واجد هنا ان من حقنا ايضا نحن المسلمين ان نحتفي بميلاد السيد المسيح كما قال النبى المصطفى عليه الصلاة والسلام ليهود المدينة عندما وصلها مهاجراً فوجد اليهود يصومون يوم عاشوراء فسأل عن ذلك فقالوا هذا يوم صالح ، يوم نجى الله فيه موسى من فرعون ، فقال عليه الصلاة والسلام أنا أولى بموسى منكم فصامه ، قياسا عليه اجدنا نحن المسلمين اولى بعيسى منهم وقد كان المصطفى يكثر من قوله { أنا أولى الناس بعيسى ابن مريم } كما رواه البخاري ، وان كانت لنا طريقة في الاحتفاء بالسيد المسيح فهي ان نتذاكر سيرتة العطرة وما خصه به الدين الاسلامي الحنيف ، وأن نتدارسا ذلك مع ابنائنا خصوصا وهم يتلقون كل يوم معلومات مغلوطة عن هذا النبي الكريم .
    فمع مريم البتول العفيفة الطاهرة ، لما حملت بابنها عيسى ووضعته رأها ابن عمها يوسف النجار ، فلما رأى ابنها محمولاً على كتفها قال لها بلسان الأدب الرفيع : يا مريم إن في النفس شيئاً ، الرجل يريد أن يول بكلام التلميح ما يغني عن التصريح ، يا مريم إن في النفس شيئاً ، قالت وما هو يا يوسف ، قال لها أينبت زرع من دون ماء ، قالت له مريم : يا يوسف من الذي خلق الماء ، قال : الله ، قالت ومن الذي خلق الزرع يا يوسف ، قال لها: الله ، قالت له : يا يوسف إن الذي خلق الزرع والماء قادر على أن يخلق الزرع من دون ماء .
    معشر السادة : انقسم الناس في سيدنا عيسى عليه السلام الى أربعة أقسام .
    أما المذاهب المادية كالشيوعية الحمراء ، فقدت أنكرت وجحدت شيئاً أسمه المسيح ، وقالوا لا شيئ في هذا الوجود يسمى المسيح ، ولذلك لما قامت الثورة الحمراء في اكتوبر1917 قضت على القيصرية المسيحية ، لأن المادية السيوعية انكرت كل شيئ حتى وجود الله خالق الخلق ، ولذلك كانت أول كلمة قالها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم : لا إله إلا الله ، وأول كلمة قالها ماركس ولينين وستالين وكتب ذلك في قاموس الشيوعية ودستورها ، لا إله والحياة مادة ، والقرآن الكريم قد فند هذه المذاهب وتلك الترهات عندما رد على جميع هذه المذاهب بكلمات نورانية يقول فيها الحق جل جلاله (وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكَافِرِينَ عَرْضًا * الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَنْ ذِكْرِي وَكَانُوا لا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا [الكهف:100-101].
    جاء رجل الى الإمام أبي حنيفة النعمان بن ثابت وقال له يا امام : هل رأيت ربك ، قال الإمام سبحان ربي لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ (103) ، قال السائل ك فهل سمعت ربك ، هل لمست ربك ، هل احسست بربك ،قال الإمام : سبحان ربي لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ (11) ، فقال السائل فمن أين تثبت بأن ربك موجود يا أبا حنيفة ؟ ، فنظر الإمام الى السائل وقال له : هل رأيت عقلك ، قال لا ، قال فهل سمعت عقلك ، قال لا ، قال هل لمست عقلك هل احسست عقلك ، قال لا ، فقال له الإمام ، فهل انت عاقل أم مجنون ، قال عاقل يا إمام ، فقال الإمام أين عقلك ، قال موجود فقال الإمام كذلك الله موجود ، آمن به المؤمن ولم يرى ذاته ، وجحد به الجاحد ووجوده في ملك الله دليل على وجود الله .
    الشيوعية المادية جحدث المسيح ابن مريم ، أما اليهودية فقد رموا السيدة العفيفة الطاهرة مريم بالزنا ، قال الله تعالى عنهم :( وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَانًا عَظِيمًا ) [النساء:156] ، وذكر المولى المحاكمة التي حاكمتها بنو اسرائيل فقال عز وجل (فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا - قومها هم بنو اسرائيل - تَحْمِلُهُ قَالُوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا - أي عجيباً وعظيماً - * يَا أُخْتَ هَارُونَ - إنها أخوة شبه وليست أخوة نسب لأن بين هارون أخي موسى وبين السيدة مريم بنت عمران ما يزيد ألف عام ، فالإخوة هنا أخوة شبه في الصلاح والتقوى وليست اخوة نسب ودم - مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ - رجل سيئ الطباع - وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا - أي زانية فمن أين أتيتي بهذا المولود كيف يحصل هذا منك وأنت شبيهة بهارون - * فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا ) مريم 27-28 ، كيف نتكلم ونتحاور مع طفل صغير رضيع ، والسبب في إشارة السيدة مريم عندما سألت عن المولود اشأرة الى عيسى ، السبب في إشارتها أن السيد المسيح عندما ولد ورأى أمه تبكي وحزينة بسبب ما علمت ما سيقوله قومها عنها نادى عليها المسيح ولما يمضي على مولده دقائق استغفر الله بل ثواني ( فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا - وفي قراءة صحيحة مَنْ تَحْتِهَا- أَلَّا تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا- جدول ماء صاف - * وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا- يا عيسى كيف تأمرها بهز النخلة وانت تعلم أن بعد ساعة الولادة قد تفككت اوصالها وتعبت عضامها ، إنه يأمرها أن تقوم فهز النخلة ليعلن ويعلم العالم أن الرزق لا ينزل ونحن قاعدون وجالسون في بيوتنا ، إنما لا بد من السعي والعمل والأخ> بالأسباب - * فَكُلِي - من الرطب الجني - وَاشْرَبِي - من جدول الماء العذب - وَقَرِّي عَيْنًا- بالغلام الزكي - -- ولكن يا سيدنا المسيح هل الأكل من الرطب والشرب من الماء وقرة العين تستقيم إذا كان القلب حزينا والنفس مكسورة لذلك اكمل عيسى عليه السلام كلامه لأمه فقال --- فَإِمَّا تَرَيْنَ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا [مريم:24-26] ، إذا كنتي تخافين من كلام قومك فلا تتكلمي انت وأشير إلي بالكلام فإذا أشرتي إلي فسوف أكون مدافعا عنك فأشارت إليه كيف نكلم طفلا صغير في المهد رضيع ، وإذا بسيدنا عيسى عليه السلام يخرج البطاقة العائلية فإذا مكتوب فيها
    الإسم : قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ ، أول كلمة لم يقل أنا الله أو أنا ابن الله ، إنما قال عبدالله .
    المؤهلات العلمية : آتَانِيَ الْكِتَابَ
    المهنة والوظيفة : وَجَعَلَنِي نَبِيًّا
    المنح الإلهية : وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ
    التكاليف الشرعية : وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا
    الصفات الخُلقية : وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا
    الجوائز الربانية : وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا
    قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ ?وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا * وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا [مريم:27-33].
    ومع كل هذا اتهم اليهود الصديقة مريم بالزنا وابنها المسيح عيسى بابن الزنا . أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

    الخطبة الثانية
    الحمد لله ولا نعبد إلا إياه، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون. أحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون. وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله
    أحبتي في الله
    إذا فإن المادية انكرت ، واليهودية اتهمت ، أما القسم الثالث فهم النصارى فإنهم انحرفوا عن جادة الصواب فقالوا إن المسيح هو ابن الله .
    اما القسم الرابع فهو الإسلام الحنيف ، الشريعة الخاتمة شريعة الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام ، فقد جاءت وأبدت من خلال مصادره الأساسية القرآن الكريم والسنة النبوية اهتماما بالغاً بالسيد المسيح عيسى عليه السلام ، الى درجة أن المرء لا يعد مسلماً إذا لم يؤمن برسالة المسيح عيسى عليه السلام ، وقد كان من اهتمام الاسلام بالمسيح أن ورد ذكره في 93 آية من القرآن ، تناولت شخص السيد المسيح وعائلته ، ابتدأ بولادة أمه ، ونشأتها نشأة الطهر والعفاف والعبادة والتبتل ، مروراً بإكرام الله تعالى لها بأن رزقها غلاما بدون أب مع حفظ ورعاية الله لها أثناء حملها وولادتها ، مرورا بصفات السيد المسيح ومعحزاته ، و تعليماً من القرآن الكريم للمسلمين، كيف يحبون سيدنا عيسى ويكرمونه ويؤمنون به كما يؤمنون بكافة الأنبياء والرسل، سميت ثاني اطول سورة في القرآن باسم عائلته - سورة آل عمران - كما سميت سورة ثانية بمعجزته - سورة المائدة - واخرى باسم امه الطاهرة العفيفة - سورة مريم - اضافة الى ذكره في كثير من السور .
    وردت على كل الترهات السابقة من انكار الماديين وتهم اليهود وتحريف النصارى وجاءت بالتمجيد الصحيح

    اولاً : الرد على الماديين واستحالة وجود مولود من انثى دون اب :
    الله هو رب العالمين وهو خالق كل شيئ وهو على كل شيئ قدير ، لا تحكمه عادة ، ولا يعجزه أمر ، فالله يخلق بأب ، ومن غير أب ، ومن غير أب وأم ، قال سبحانه وتعالى : { إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } (آل عمران:59) ، فالمسيح هو الشخص الوحيد الذي وُلد من عذراء، ولقد أوضح النص القرآني الحوار الذي دار بين الملك والعذراء مريم عند بشارتها بولادة المسيح والمراد والسبب من هذا الحمل ، فذكر في سورة مريم: " وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا مريم 21) وأوضح في آية أخرى طريقة الحمل المبارك المعجز ، قال تعالى : { وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِيّاً فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَاباً فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيّاً قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لأهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيّاً }( مريم:16- 19) ، فالمسيح آية للعالمين لولادته من عذراء دون أن يمسها بشر.
    ثانياً: المنبت الطيب والرد على تهم اليهود :
    و جاء الاسلام ليرد على تهم اليهود لأن من عظيم فضل الله على أنبيائه اختيار المنبت والبيت الطيب لانبيائه ، فالقرآن الكريم ينظر الى السيدة مريم أم المسيح عيسى على أنها رمزاّ من رموز الطهر والعفاف ، تفرغت للعبادة ، اختارها الله لتكون موضع عجيب قدرته فأرسل اليها جبريل ليفخ في جيب السيدة الطاهرة لتحمل بالسيد المسيح ، قال سبحانه في بيان ذلك :{ وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ } (التحريم:12).
    وقال عنها المصطفى صلى الله عليه وسلم ( كمل من الرجال كثير ولم يكمل من النساء إلا أربع ، أسية زوج فرعون ومريم بنت عمران وخديجة زوج محمد وفاطمة بنت محمد)
    ثالثاً : الرد على النصارى :
    ورد القرآن العظيم على دعوة النصارى أن المسيح ابن الله أو هو الله بل قرر أن المسيح عيسى ابن مريم عبد من عبيد الله كرمه الله واختاره واصطفاه ليجعله نبيا رسولا فقال مولى جل في علاه (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (72) لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (73) أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (74) مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (75) سورة المائدة .

    رابعاً: المسيح مبارك في حياته ومحمي بحفظ الله له :
    اختار الله المسيح لنفسه واختاره نبيا ورسولا له فحفظه من كل شر وذنب ، فهو محاط بعناية الله وحفظه ، وحفظه وأمه الطاهرة من مس الشيطان ، فقد وروى أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من مولد يُولد إلا والشيطان يمسه حين يولد فيستهل صارخاً من مس الشيطان إلا مريم وابنها" ثم قال أبو هريرة: اقرؤوا إن شئتم قول الله عز وجل " إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (35) فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ( " آل عمران 36 .
    خامساً:اختصاصه بالمعجزات العظام :
    لما كان السيد المسيح عيسى عليه السلام أحد أولي العزم من الرسل الكرام الذين بعثهم الله لتبليغ دينه ، فقد آتاه الله من الآيات المعجزات العظام منها ما هي من خواص رب العزة جل جلاله اهداها المولى لنبيه عيسى بإذن منه دليلا على صدق دعوته ، فمن ذلك إحياء الموتى بإذن الله ، وشفاء المرضى بإذن الله ، وتكليم الناس في المهد صغيراً بإذن الله ، وخلق الطير من الطين بإذن الله ، وغير ذلك من المعجزات مما هو مذكور في قوله تعالى : { إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإنْجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنْفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الأكمه وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إلا سِحْرٌ مُبِينٌ }( المائدة:110) ، ومن معجزاته عليه السلام ، استجابة الله عز وجل لدعائه في إنزال مائدة من السماء تلبيةً لطلب الحواريين - أصحابه - حتى يزدادوا يقيناً بنبوته ، قال تعالى مبينا هذه المعجزة :{ إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيداً لأوَّلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ }(المائدة:112- 114)
    وبهذه الأسلوب الرائع الذي حدَّث به القرآن عن شخصية عيسى - عليه السلام- تتشكل في ذهن كل مسلم صورة واضحة المعالم ، صورة - على روعتها - سهلة في فهمها واستيعابها ، ويمكن تلخيصها بكلمات يسيرة ، فعيسى - عليه السلام- وإن كانت ولادته معجزة من أمٍّ بلا أبٍ ، إلا أنه كسائر الرسل فيما سوى ذلك ، فهو بشر أرسله الله عز وجل داعية إلى بني إسرائيل ، وأنزل عليه الإنجيل ، وأيده بالآيات والمعجزات ليكون دليلا وبيانا على صدق نبوته ، وحجة على من خالف وعاند وكفر ،{ ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ }(مريم :34 ).



    اقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم .

    *خطبة منقولة بتصرف
    التعديل لجعل الخطبة مناسبة للحدث،وتأجيل الخطبة الأخرى للجمعة القادمة إن مد الله في آجالنا

    (عدل بواسطة كمال حسن on 12-31-2010, 02:49 AM)

                  

12-31-2010, 03:08 PM

كمال حسن
<aكمال حسن
تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 1352

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: كمال حسن)

    نسأل الله المغفرة
    وحسن القصد
    ونعوذه من الرياء
                  

01-07-2011, 00:15 AM

كمال حسن
<aكمال حسن
تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 1352

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: كمال حسن)

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه.

    ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

    أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.

    وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان.

    (يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله حق تقاته، ولا تموتنا إلا وأنتم مسلمون).

    أما بعد: عبد الله:

    اتقوا الله عباد الله، واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله، يومَ ينفخ في الصورِ، ويبعث من في القبورِ، ويظهرُ المستورُ، يومَ تبلىَ السرائرَ، وتُكشَفُ الضمائرُ ويتميزُ البرُ من الفاجر.

    ثم أعلموا أن هناك حقيقةً وأيُ حقيقة! حقيقةٌ طالما غفلَ عنها الإنسانُ، ولحظةٌ حاسمةٌ ومصيرٌ ومآل.

    إنها لحظةُ ملاقيكُم إلى أين من هذه اللحظةِ المهرب، وإلى أين منها المفر ؟ إلى الأمام ملاقيكُم. إلى الوراءِ ملاقيكُم.

    إلى اليميني والشمالِ ملاقيكُم. إلى أعلا إلى أسفل ملاقيكُم، إلى الوراء ملاقيكم.

    لا تمنعُ منه جنود، ولا يُتَحصنُ منه في حصون، مدركُكم أينما كنتم.
    إنه واعظُ لا ينطق، واعظ صامت يأخذَ الغنيَ والفقير، والصحيحَ والسقيمَ، والشريفَ وال########، والمقرَ والجاحدَ، والزاهدَ والعابد، والصغيرَ والكبيرَ، الذكرَ والأنثى، كلُ نفسٍ ستذوقهُ شاءت أم أبت. لعلَكم عرفتموه، لا أظنُ أحداً يجهلُه، أما حقيقتُه فالكل يجهله، إنه الموت.
    ( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ).
    الموتُ ما الموت ؟ أمرُ كبار وكأسُ يدار، في من أقامَ وسار، يخرجُ بصاحبه إلى الجنةِ أو إلى النار.
    ما زالَ لأهلِ اللذاتِ مكدرا، ولأصحابِ العقولِ مغيرا ومحيرا، ولأرباب القلوبِ عن الرغبةِ فيما سوى اللهِ زاجرا.
    كيفَ وورائُه قبرٌ وحساب، وسؤالٌ وجواب، ومن بعدهِ يومٌ تدهشُ فيه الألبابُ فيعدمُ الجواب.
    السكرات، ما أدراكم ما السكرات ؟
    عانى منها رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فكان يقول: لا إله إلا الله إن للموت سكرا، اللهم هون علينا سكرات الموت.
    سكرات أي سكرات ؟ يقول العلماء كل سكرة منها أشد من ألف ضربة بالسيف.
    ملك الموت، ما ملك الموت؟ الدنيا بين يديه كالمائدة بين يدي الرجل يمد يده إلى ما شاء منها بأمر الله فيأخذه.
    وإن له لأعوانا ما يعلم عددهم إلا الله، ليس منهم ملك إلا لو أذن الله له أن يلتقم السماوات السبع والأراضين في لقمة واحدة لفعل.
    فلا إله إلا الله من لحظة حاسمة لو لم تعتقل الألسنة، وتخدر الأجسام وقت الاحتضار لما مات أحد إلا في شعف الجبال ألما، ولصاح الميت من شدة ما يعاني حتى تندك عليه جدران الغرفة التي هو فيها ولما إستطاع أن يحضر ميتا أحدا أبدا، فنسأل الله العافية والسلامة، وأن يهون علينا السكرات.
    روي عن الحسن أنه قال: رأي أحد الصالحين بعد موته فقيل له كيف وجدت طعم الموت؟
    قال أواه أواه وجدته والله شديدا، والذي لا إله إلا هو لهو أشد من الطبخ في القدور والنشر بالمناشير، أقبل ملك الموت نحوي حتى استل الروح من كل عضو مني فلو أني طُبخت في القدور سبعين مرة لكان أهون علي.
    كفى بالموت طامة وما بعد الموت أطم وأعظم.
    فالله المستعان على تلك اللحظات، و اللهم هون علينا السكرات وأجعلها لنا كفارات وآخر المعاناة، وهي كذلك بأذن الله للمؤمنين والمؤمنات، ولغيرهم بداية المعاناة.
    عبادَ الله، وفي تلك اللحظاتُ الحرجةُ ينقسمُ الناسُ إلى قسمين، إلى فريقين شقي وسعيد:
    فريقُ السعداء حالُهم ما حالُهم:
    ( تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي ْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلاً مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ).
    ها هيَ أسماءُ بنتُ عميسٍ رضي اللهُ عنها تقول كما روي عنها:

    إنا لعند علي رضي اللهُ عنه وأرضاه بعدما ضربَه ابن مُلجِم عليه من الله ما يستحق. إذ بعليٍ يشهقُ شهقةً فيغمى عليه، ثم يفيقُ ثانيةً وهو يقول: مرحباً مرحبا، الحمدُ لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الجنةَ، الحمد لله الذي أذهبَ عنا الحزن، لمثلِ هذا فليعملِ العاملون، وليتنافسِ المتنافسون.
    فيالها من موعظة ومصير لو وافقت من القلوب حياة. من ظفر بثواب الله فكأنما لم يصب في دنياه.
    وأسمع إلى هذا الحدث الذي ذكره صاحب كتاب "يا ليت قومي يعلمون)، قال حدثني أحد الصالحين قائلا:
    كان هناك رجل صالح من أهل الطائف، كان عابدا فاضلا، نزل مع بعض أصحابه إلى مكة محرما، ودخلوا الحرم بعد أن انتهت صلاة العشاء، فتقدم ليصلي بهم، وهو محرم قد خرج لله عز وجل كما يحسب، فقرأ سورة الضحى، فلما بلغ قول الله عز وجل ( وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى)، شهق وبكى وأبكى، فلما قرأ ( وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى) ترنح قليلا ثم سقط ميتا. فعليه رحمة الله، ليبعث يوم القيامة بأذن الله مصليا، فمن مات على شيء بُعث عليه كما ورد عن المصطفى (صلى الله عليه وسلم).
    يا لها من خواتم طيبة، ملائكةٌ بيضُ الوجوه يتقدمُوهم ملكُ الموت، يخاطبُ تلك الأرواح الطيبة:
    أيتها النفسُ الطيبةُ أخرجي إلى مغفرةٍ من الله ورضوان وربٍ راضٍ غيرِ غضبان، فتخرجُ تسيل كما تسيلُ القطرةُ من فم السقاء، وتفتحُ لها أبوابُ السماء، وتحملُ الجنازةُ على الأكتاف وهي تصيح وتقول قدمونيَ، قدموني، تسألُ فتجيبُ وتثبتُ، ويفرشُ لها من الجنة، ويفتحُ لها بابٌ إلى الجنة، قد استراحت من تعبِ هذه الدار، وإلى راحةٍ أبديةٍ في دار القرار.
    وفريقٌ آخر:
    في تلك الساعة يشقى، حسبَ أن الحياة عبثٌ ولهوٌ ولعب، وإذا به يعاني أول المعاناة.
    نزلت عليه ملائكةٌ سودُ الوجوه يتقدمهم ملكُ الموت –نعوذ بالله من ختام السوء وساعة السوء- يقول أيتها النفسُ الخبيثةُ أخرجي إلى سخطٍ من الله وغضب.
    فتنتزَعُ نزعاً بعد أن تُفرقَ في الجسد، ثم ترفعُ فلا تُفتحُ لها أبوبُ السماء، تحملُ الجنازةُ على الأكتافِ وهي تصيح: يا ويلها أين تذهبون بها، ثم تسألُ فلا تجيب، ويفرشُ لها من النار، ويفتحُ لها بابٌ إلى النار، فنعوذ بالله من النار ومن سوءِ الختامِ وغضبِ الجبار.
    ذكر صاحب قصص السعداء والأشقياء أنه وقع حادث في مدينة الرياض على إحدى الطرق السريعة لثلاثة من الشباب، كانوا يستقلون سيارة واحدة، توفي اثنان منهما في الحال، وبقي الثالث في آخر رمق، يقول له رجل المرور الذي حضر الحادث قل لا إله إلا الله، فأخذ يحكي عن نفسه ويقول:
    أنا في سقر، أنا في سقر أنا في سقر حتى مات على ذلك، فلا إله إلا الله.
    رجل المرور يسأل ويقول ما هي سقر، فوجد الجواب في كتاب الله عز وجل: ( مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ * قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ). ( سَأُصْلِيهِ سَقَرَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا سَقَرُ * لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ * لَوَّاحَةٌ لِلْبَشَرِ). نسأل الله السلامة والعافية.
    أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

    الخطبة الثانية

    الحمد لله ولا نعبد إلا إياه، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون. أحمده سبحانه وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، له الحمد في الأولى والآخرة وله الحكم وإليه ترجعون. وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبد الله ورسوله حَمى حِمى التوحيد وسدَّ كل طريق يوصل إلى الشرك، فأظهر الله به دينه على الدين كله ولو كره المشركون صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
    أما بعد:
    أحبتي في الله: فريقان لا ثالث، شقي وسعيد: فريق في الجنة وفريق في السعير.
    فريق استراح، وفريق استراح منه العباد والبلاد ومضى إلى جهنم وبئس المهاد.
    ألا ترون ألا تتفكرون ألا تنظرون، تشيعون كلَ يومٍ غادياً إلى الله قد قضى نحبه وانقضى أجلَه، حتى تغيبوه في صدعٍ من الأرضِ،تركَ الأحباب، وسكنَ الترابَ، وواجهَ الحسابَ، انتهى أجلُه وأملُه، تبعَه أهلُه ومالُه وعملُه، فرجع الأهلُ والمال وبقي العمل.
    فارق الأحبةَ والجيران، هجرَه الأصحابُ والخلان، ما كأنَه فرِحَ يوما
    ولذلك كان الرسول (صلى الله عليه وسلم) أرحم الناس بالأموات، يقول عوف ابن مالك:
    صلى بنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) على جنازة رجل من الانصار، يقول فتخطيت الصفوف حتى اقتربت منه، فسمعته يبكي ويقول: اللهم أغفر له، اللهم أرحمه وعافه واعف عنه، وأكرم نزله ووسع مدخله، واغسله بالثلج والماء والبرد.
    يقول عوف والذي لا إله إلا هو لوددت أني أنا الميت من حسن دعائه (صلى الله عليه وسلم) له.
    ومن رحمته بالأموات (صلى الله عليه وسلم) كان يذهب في الليل ليقف على مقبرة البقيع فيدعو لهم طويلا ويترحم عليهم طويلا (صلوات الله وسلامه عليه)، فما أرسله الله إلا رحمة للعالمين.
    وأصحابه كذلك، أبن عمر كان إذا قرأ قول الله : (وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ ) بكى وأبكى ودعا للأموات وقال: اللهم لا تحل بيني وبين ما أشتهي، قالوا وما تشتهي؟ قال أن أقول لا إله إلا الله.
    فلا إله إلا الله.. ما من ميت إلا ويود أن يسجل في صحيفته لا إله إلا الله، ولكن هيهات حيل بينهم وبينها، وبقي الجزاء والحساب.
    فرحم الله امرأ قدم من الصالحات لتلك الحفر، ورحم الله من حاسب نفسه قبل ذاك اللحد الذي لا أنيس فيه ولا صاحب إلا العمل، وكفى بالموت واعظا.
    روي أن عمر أبنُ عبد العزيز رحمَه الله يقول لجلاسه يوما ما:
    أرقتُ البارحةَ فلم أنم حتى طلعَ الفجر، قالوا ما أسهرك، قال لما أويتُ إلى فراشي ووضعتُ عليَ لحافي تذكرتُ القبرَ، وتذكرتُ الميتَ بعد لياليٍ تمرُ عليه، حينما تركَه أهلُه وأحبتُه وخلانه، تغير ريحُه وتمزقَ كفنُه وسرى الدودُ على خدودِه فليتك ترى تلك الرائحةَ المنتنةَ، وتلك الأكفانَ الممزقةَ، إذا لرأيتَ أمراً مهولا، ثم أنفجر يبكي ويقولُ لا إله إلا الله ولسانُ حالِه:
    واللهِ لو قيل لي تأتي بفاحشةٍ ......... وأن عُقباكَ دنيانا وما فيها
    لقلتُ لا والذي أخشى عقوبَتَه ...... ولا بأضعافِها ما كنتُ آتيها
    كفى بالموت واعظا لمن كان له قلب أو ألقى السمع.
    يمر عمرو ابن العاص رضي الله عنه بالمقبرة فيبكي ثم يرجع فيتوضأ ويصلي ركعتين، فيقول أصحابه:
    لم فعلت ذلك ؟
    قال تذكرت قول الله : (وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ ) وأنا أشتهي الصلاة قبل أن يحال بيني وبينها.
    عمر الذي حضرته الوفاة فبكى، فقال له ابنه يا أبتاه صف لنا الموت.
    قال يا بني الموت أعظم من أن يوصف، لكأن على كتفي جبل رضوى، وكأن في جوفي شوكة عوسج، وكأن روحي تخرج من ثقب إبرة، وكأن السماء أطبقت على الأرض وأنا بينهما.
    ثم حول وجهه إلى الحائط ليبكي بكاء مرا فيقول ابنه محسنٌ ظنه:
    أنت من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، أما فتحت مصرا، أما جاهدت في سبيل الله!
    فيقول يا بني لقد عشت مراحل ثلاث:
    لقد كنت أحرص الناس على قتل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فيا ويلتاه لو مت في ذلك الوقت.
    ثم هداني الله فكان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أحب الناس إلي، والله ما كنت أستطيع أن املأ عيني من وجهه حياء منه، والله لو سألتموني أن أصفه الآن ما استطعت، والله ما كنت أملأ عيني إجلالا له، فيا ليتني مت في ذلك الوقت لأنال دعاء النبي (صلى الله عليه وسلم).
    يقول ثم تخلفت بعد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فلعبت بنا الدنيا ظهرا لبطن، فما أدري أيؤمر بي إلى الجنة أو النار، لكن عندي كلمة أحاج بها لنفسي عند الله هي لا إله إلا الله محمد رسول الله.
    ثم قبض على لا إله إلا الله:( يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ).
    يقول أبن عوفٍ رضي الله عنه:
    خرجتُ مع عمرَ رضي الله عنه إلى المقبرة، فلما وقفنا عليها، ارتعد وأختلس يدَه من يدي، ثم وضع خده على الأرض وبكى بكاءً طويلاً.
    فقلت ما لك يا أميرَ المؤمنين ؟ قال يا ابن عوف ثكلتك أمك أنسيت هذه الحفرة.
    حاله يقول: لمثل هذا فاستعد.
    شد حيازيمك للموت فإن الموت لاقيك ........ لأن لا تجزع للموت إذا حل بواديك.
    كفى بالمـوت واعظا، وبسير الصالحين عنده عبرا.
    أحبتي في الله إن الله أمركم بأمر إبتدر فيه نفسه ثم ثنى بملائكته فقال (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلّوا عليه وسلموا تسليما، اللهم صلي على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد
    اللهم إنا نعوذ بك فتنة المحيا والممات، ونعوذ بك من سكرات الموت، واجعل نفوسنا وارواحنا مطمئنة وأدخلها جناتك العلى
    اللهم إنا نعوذ بك من عذاب جهنم وعذاب القبر واجعل آخر قولنا (لا إله إلا الله محمد رسول الله)
    عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون، أذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على جزيل نعمائه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون
    سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين و الحمد لله رب العالمين.


    * خطبة منقولة بشيء من التصرف

    التعديل لخطأ في تنزيل الخطبة

    (عدل بواسطة كمال حسن on 01-07-2011, 03:30 PM)

                  

01-07-2011, 03:33 PM

كمال حسن
<aكمال حسن
تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 1352

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: كمال حسن)

    كفى بالموت واعظا
                  

01-14-2011, 11:54 AM

كمال حسن
<aكمال حسن
تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 1352

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: كمال حسن)

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه.
    ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا.
    من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.
    أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.
    شهادة عبده وابن عبده وابن أمته، ومن لا غنى به طرفة عين عن رحمته.
    أشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، أرسله الله رحمة للعالمين فشرح به الصدور وأنار به العقول، وفتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان وسلم تسليما كثيرا.
    (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون)
    (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما)
    أما بعد عباد الله:
    أوصيكم ونفسي بتقوى اللهِ جل وعلا، وأن نقدمَ لأنفسِنا أعمالاً تبيضُ وجوهَنا يوم نلقى اللهَ
    (يومَ لا ينفعُ مالُ ولا بنونَ إلا من أتى اللهَ بقلبٍ سليم).
    (يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا).
    (يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها وتوفى كل نفس ما عملت وهم لا يظلمون)
    (يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت وتضع كل ذات حمل حملها وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد)
    يوم يبعثر ما في القبور، ويحصل ما في الصدور،
    (يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا).
    (ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلا)
    يوم الحاقة يوم الطامة يوم القارعة يوم الزلزلة يوم الصاخة
    (يوم يفر المرء من أخية * وأمه وأبيه * وصاحبته وبنيه* لكل امريء منهم يومئذ شأن يغنيه)
    ثم أعلموا يا عباد اللهِ أن رقابةَ البشرِ على البشرِ قاصرة، وأن رقابةَ المخلوقاتِ على بعضها قاصرة.
    البشرُ يغفل، والبشرُ يسهو، ينام، يمرض، يسافر، يموت
    إذا فلتسقطُ رقابةَ المخلوقين ولتسقط رقابة الكائنات جميعَها، وتبقى الرقابةُ الكاملة، الرقابةُ المطلقة آلا وهي رقابةُ اللهِ جل وعلا. علمُ البشرِ ما علمُهم، علمُ قاصر، ضعيف قليل ما وراءَ هذه الجدران نجهلُ منه الكثيرُ لا نعلمه، بل لا نعلمُ أنفسَنا التي بين جنبينا. لكن الله يعلم ذلك ويعلم ما هو أعلى من ذلك.
    (وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين)
    (إن الله لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء) يعلم ما تسره الآن في سريرتك ومن بجوارك لا يعلم ذلك.
    يعلم ما ينطوي عليه قلبك بعد مأئة عام، وأنت لا تعلم ما ينطوي عليه قلبك بعد دقائق أو ساعات.
    إنه العلم الكامل، إنه العلم الكامل المطلق، علم الله السميع العليم، العليم الخبير.
    (يعلم ما تسرون وما تعلنون)
    (يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور)
    (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم)
    رجلان من قريش: يجلسان في جوف الليل، تحت جدارِ الكعبة، قد هدأت الجفون ونامت العيون، أرخى الليلُ سدوله، واختلط ظلامُه، وغارت نجومُه، وشاع سكونُه. قاما يتذاكران، ويخططان ويدبران وظنا أن الحي القيوم لا يعلمُ كثيرا مما يعملون.استخفوا من الناس ولم يستخفوا من الله الذي يعلم ما يبيتونَ مما لا يرضى من القول. تذاكرا مصابهم في بدر فقال صفوان وهو أحدُهم: والله ما في العيش بعد قتلى بدر خير.
    فقال عمير: صدقت والله لولا دينُ علي ليس له قضاء، وعيالُ أخشى عليهم الضيعة لركبتُ إلى محمد حتى أقتله.
    (صلى الله على نبينا محمد) اغتنم صفوان ذلك الإنفعال، وذلك التأثر وقال: علي دينُك، وعيالُك عيالي لا يسعُني شيءُ ويعجزُ عنهم.
    قال عمير: فأكتم شأني وشأنك لا يعلم بذلك أحد. قال صفوانُ أفعل. فقام عمير وشحذ سيفَه، وسمَه، ثم انطلقَ به يغضُ السير به إلى المدينة. وصل إلى هناك وعمرُ أبنَ الخطاب في نفرٍ من المسلمين.أناخَ عميرُ على بابِ مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم متوشحا سيفه. فقال عمر: عدو الله، والله ما جاء إلا لشر. ودخل عمر على رسولُ الله صلى الله عليه وسلم وأخبره بخبره. فقال النبي صلى الله عليه وسلم أدخلُه علي.
    فأخذ عمرُ بحمائل سيفِ عُمير وجعلها له كالقلادة ثم دخل به على النبي صلى الله عليه وسلم، فلما رأه صلى الله عليه وسلم قال لعمر أرسله يا عمر. ثم قال ما جاء بك يا عمير. وكان له أبنُ أسير عند رسولِ صلى الله عليه وسلم قال جئت لهذا الأسير، فأحسنوا به. قال صلى الله عليه وسلم فما بالُ السيفِ في عنقك ؟ قال قبحها اللهُ من سيوف وهل أغنت عنا شيء .
    فقال صلى الله عليه وسلم وقد جاءه الوحيُ بما يضمرُه عمير، اصدقني يا عمير ما الذي جاء بك؟ قال ما جأت إلا لذاك.
    فقال صلى الله عليه وسلم بل قعدت مع صفوان في الحجر في ليلة كذا، وقلت له كذا، وقال لك كذا وتعهد لك بدينك وعيالك واللهُ حائلُ بين وبينك. قال عمير أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أنك رسول الله صلى الله عليه وسلم.
    هذا أمرُ لم يحضُره إلا أنا وصفوان، وللهِ إني لأعلم أنه ما أتاك به الآن إلا الله، فالحمد لله الذي ساقني هذا المساق والحمد لله الذي هداني للإسلام.
    جاء ليقتلَ النور ويطفىء النور، فرجعَ وهو شعلةُ نور أقتبسَه من صاحب النور صلى الله عليه وسلم.
    عباد الله سمعتم المؤامرة تحاك تحت جدار الكعبة، في ظلمة الليل لا يعلمُ بها أحد حتى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم لأنه لا يعلم الغيب. حُبكت المؤامرةُ سرا. من الذي أعلنها ؟ من الذي سمعهما ؟ وهما يخططان، ويدبران ويمكران عند باب الكعبة.
    إنه الذي لا يخفى عليه شيءُ في الأرض ولا في السماء. كم تأمر المتأمرون في ظلام الليل، كم من عدو لإسلام جلس يخطط لضرب الإسلام وحدَه أو مع غيره سرا، ويظن أنه يتصرفُ كما يشاء، متناسيا أن الذي لا يخفى عليه شيءُ يسمع ما يقولون ويبطل كيدَهم فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين.
    يا أيها العبدُ المؤمن: إذا لقيت عنتا ومشقة وســخرية واستهزاء فلا تحزن ولا تأسى إن الله يعلم ما يقال لك قبل أن يقالُ لك وإليه يرد كل شيء لا إله إلا هو. يا أيها المؤمن إذا جُعلت الأصابع في الآذان: واستغشيت الثياب، وزاد الأصرار والإستكبار، وكثر الطعن وضاقت نفسك فلا تأسى ولا تحزن، إن الله يعلم ويسمع ما تقول وما يقال لك.
    (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير) (يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور)
    يا أيها الشاب الذي وضع قدمَه على أو طريق الهداية: فسمع رجلا يسخر منه، وآخر يهزء به، وثالثا يقاطعه، أثبت ولا تأسى وأعلم علم يقين أنك بين يدي الله يسمع ما تقول ويسمع ما يقال لك، وسيجزي كل أمرء بما فعل (لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين)
    يا مرتكبَ المعاصي مختفياً عن أعينَ الخلق أين الله ؟ أين الله ما أنت واللهِ إلا أحدُ رجلين: إن كنتَ ظننتَ أن اللهَ لا يراك فقد كفرت. وإن كنت تعلمُ أنه يراك فلمَ تجتريَ عليه، وتجعلَه أهونَ الناظرينَ إليك ؟
    (يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطا)
    فيا منتهكاً حرماتِ الله في الظلمات، في الخلوات، في الفلوات بعيداً عن أعين المخلوقات أين الله ؟
    هل سألت نفسكَ هذا السؤال. في الصحيح من حديث ثوبان رضي الله عنه قال قالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم :
    (لأعلمنَ أقواماً من أمتي يومَ القيامةِ يأتون بحسناتٍ كأمثالِ الجبال بيضاً، يجعلُها اللهُ هباءً منثورا).
    قال ثوبان صفهم لنا جلّهم لنا أن لا نكون منهم يا رسول الله قال: (أما إنهم إخوانُكم ومن جلدتِكم ويأخذون من الليلِ كما تأخذون، لكنهم إذا خلوا بمحارمِ اللهِ انتهكوها).إلى من يملأ ليله عينَه وأذنه الذنوب ويضيعُ وقتَه حتى في ثُلث اليل الآخر، يملىء ذلك بمعاصي الله، أين الله ؟
    إن اللهَ لا يخفى عليه شيء فهلا اتقيتَه يا عبد الله.
    عمرُ أبن الخطاب رضي اللهُ عنه، يعسُ ليلةً من الليالي ويتتبع أحوال الأمة، وتعب فاتكاءَ على جدارٍ ليستريح، فإذا بمرأةٍ تقولُ لأبنتها: أمذقي اللبنَ بالماءِ ليكثرَ عند البيع. فقالت البنت:ُ إن عمرَ أمرَ مناديه أن ينادي أن لا يشابُ اللبنَ بالماء.
    فقالتِ الأم:ُ يا ابنتي قومي فانكي بموضعٍ لا يراكِ فيه عمرُ ولا مناديه. فقالتِ البنتُ المستشعرةُ لرقابةَ الله: أي أماه فأين الله ؟ وللهِ ما كنتُ لأطيعَه في الملا، واعصيه في الخلاء.
    ويمرُ عمرُ أخرى بأمرة أخرى تغيبَ عنها زوجها منذ شهور في الجهاد في سبيل الله عز وجل، قد تغيبت في ظلمات ثلاث، في ظلمة الغربةِ والبعد عن زوجها، وفي ظلمة الليل، وفي ظلمة قعر بيتها، وإذا بها تنشد وتقول وتحكي مأساتها:
    تطاول هذا الليل وازور جانبه….وأرقني أن لا حبيبُ إلاعبه
    فوالله لولا الله لا رب غيره…….لحرك من هذا السريري جوانبه
    ما الذي راقبته في ظلام الليل وفي بعد عن زوجها، وفي هدأت العيون ؟
    والله ما راقبت إلا الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.
    أنعم بها من مراقبة وأنعم بها من امرأة.
    أتستخفي من الناس ولا تستخفي من الله وهو معك إذ تبيت ما لا يرضى من القول.
    أخيرا أسمع لهذا الحدث ولم يقع في هذا الزمن وإنما وقع في زمن مضى لتعلم ثمرة مراقبة الله عز وجل، واستشعار ذلك الأمر.
    رجل أسمه نوح أبن مريم كان ذي نعمة ومال وثراء وجاه، وفوق ذلك صاحب دين وخلق، وكان له ابنة غاية في الجمال، ذات منصب وجمال. وفوق ذلك صاحبة دين وخلق. وكان معه عبد أسمه مبارك، لا يملك من الدنيا قليلا ولا كثيرا ولكنه يملك الدين والخلق، ومن ملكهما فقد ملك كل شيء. أرسلَه سيده إلى بساتين له، وقال له أذهب إلى تلك البساتين وأحفظ ثمرها وكن على خدمتها إلى أن آتيك. مضى الرجل وبقي في البساتين لمدة شهرين. وجاءه سيده، جاء ليستجم في بساتينه، ليستريح في تلك البساتين. جلس تحت شجرة وقال يا مبارك، أتني بقطف من عنب. جاءه بقطف فإذا هو حامض.
    فقال أتني بقطف آخر إن هذا حامض. فأتاه بآخر فإذا هو حامض. قال أتني بآخر، فجأءه بالثالث فإذا هو حامض.
    كاد أن يستولي عليه الغضب، وقال يا مبارك أطلب منك قطف عنب قد نضج، وتأتني بقطف لم ينضج. ألا تعرف حلوه من حامضه ؟ قال والله ما أرسلتني لأكله وإنما أرسلتني لأحفظه وأقوم على خدمته. والذي لا إله إلا هو ما ذقت منه عنبة واحدة.
    والذي لا إله إلا هو ما رقبتك ، ولا رقبت أحدا من الكائنات، ولكني راقبت الذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء.
    أعجب به، وأعجب بورعه وقال الآن أستشيرك، والمؤمنون نصحة، والمنافقون غششه، والمستشار مؤتمن. وقد تقدم لأبنتي فلان وفلان من أصحاب الثراء والمال والجاه، فمن ترى أن أزوج هذه البنت ؟ فقال مبارك: لقد كان أهل الجاهلية يزوجون للأصل والحسب والنسب. واليهود يزوجون للمال. والنصارى للجمال. وعلى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، يزوجون للدين والخلق. وعلى عهدنا هذا للمال والجاه. والمرء مع من أحب، ومن تشبه بقوم فهو منهم. أي نصيحة وأي مشورة ؟
    نظر وقدر وفكر وتملى فما وجد خيرا من مبارك، قال أنت حر لوجه الله (أعتقه أولا). ثم قال لقد قلبت النظر فرأيت أنك خير من يتزوج بهذه البنت. قال أعرض عليها. فذهب وعرض على البنت وقال لها: إني قلبت ونظرت وحصل كذا وكذا، ورأيت أن تتزوجي بمبارك. قالت أترضاه لي ؟ قال نعم. قالت فإني أرضاه مراقبة للذي لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء. فكان الزواج المبارك من مبارك. فما الثمرة وما النتيجة ؟ حملت هذه المرأة وولدت طفلا أسمياه عبد الله، لعل الكل يعرف هذا الرجل. إنه عبد الله أبن المبارك المحدث الزاهد العابد الذي ما من إنسان قلب صفحة من كتب التاريخ إلا ووجده حيا بسيرته وذكره الطيب.إن ذلك ثمرة مراقبة الله غز وجل في كل شي.
    أما والله لو راقبنا الله حق المراقبة لصلحة الحال، واستقامة الأمور. فيا أيها المؤمن، إن عينَ اللهِ تلاحقُك أين ما ذهبت، وفي أي مكان حللت، في ظلامِ الليل، وراء الجدران، وراء الحيطان، في الخلوات في الفلوات، ولو كنتَ في داخلِ صخورٍ صم، هل علمتَ ذلك، واستشعرتَ ذلك فاتقيتَ اللهَ ظاهراً وباطنا، فكانَ باطنُك خيرُ من ظاهرِك.
    إذا ما خلوت الدهرَ يوما فلا تقل……خلوتُ ولكن قل علي رقيبُ
    ولا تحسبنَ اللهَ يغفلُ ساعةً………..ولا أن ما تخفيه عنه يغيبُ
    عباد الله، اتقوا اللهَ في ما تقولون، واتقوا الله في ما تفعلون وتذرون
    اتقوا الله في جوارحكُم، اتقوا اللهَ في مطعمِكم ومشربِكم، فلا تدخلوا اجوافَكم إلا حلالاً فإن أجوافَكم تصبرُ على الجوعِ لكنها لا تصبرُ على النار.
    اتقوا اللهَ في ألسنتِكم، اتقوا اللهَ في بيوتِكم، في أبنائِكم في خدمكم، في أنفسكم.
    اتقوا اللهَ في ليلِكم ونهارِكم، اتقوا اللهَ حيثما كنتم.
    ( واتقوا يوماً ترجعونَ فيه إلى الله ثم توفى كلُ نفسٍ ما كسبت وهم لا يظلمون).
    أقول ما تسمعون واٍستغفر الله فأستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

    الخطبة الثانية
    الحمد لله رب العالمين
    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.
    وأشهد أن محمدا عبده ورسول صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان وسلم تسليما كثيرا.
    أما بعد عباد الله:
    أعلموا علم يقينٍ أن اللهَ هو الرقيب، وأن الله هو الحسيب، وأنه لا ملجىء منه إلا إليه، ولا مهرب منه إلا إليه.
    هو الشهيدُ وكفى به شهيدا، ومن حكمتِه سبحانه وبحمده أن جعل علينا شهوداً آخرين لإقامةِ الحجُةِ حتى لا يكون للناس حجة، وتعدد الشهودُ علينا وكفى باللهِ شهيدا، من هؤلاءِ الشهودِ: رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، حيثُ يقول اللهُ عز وجل:
    (وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا).
    (فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا، يومئذ يود الذين كفروا وعصوا الرسول لو تسوى بهم الأرض ولا يكتمون الله حديثا).
    فرسولُ الله صلى الله عليه وسلم سيشهدُ على الأممِ وعلى هذه الأمة. والملائكةُ أيضاً يشهدون وكفى باللهِ شهيدا، قال اللهُ عز وجل: (وإن عليكم لحافظينَ، كراما كاتبين، يعلمون ما تفعلون).
    ويقول جل وعلا : (إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد، ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد).
    فالملائكة أيضا ستشهد. والكتابُ سيشهد: والسجلات ستفتح بين يدي الله فترى الصغيرَ والكبيرَ والنقيرَ والقطميرَ، تنظرُ في صفحةِ اليومِ الثامنُ من هذا الشهر فإذا هي لا تغادرُ صغيرةً ولا كبيرة،:
    (ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا).
    (وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا، اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا ).
    والأرضُ التي ذللها الله عز وجل لنا ستشهدُ بما عمل على ظهرها من خيرِ أو شر:
    (إذا زلزلت الأرضُ زلزالها، وأخرجت الأرض أثقالها، وقال الإنسان مالها، يوم إذا تحدث أخبارها، بأن ربك أوحى لها).
    ستحدث بما عمل على ظهرها من خير أو شر، بل إن هذه الأرض تحمل عاطفة، إذا مات المؤمن بكاه موضع سجوده، وبكاه ممشاه إلى الصلاة، وبكاه مصعد عمله إلى السماء.
    وأما الذين أجرموا وكفروا ونافقوا:
    (فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين).
    والخلقُ أيضا سيشهدون وكفى باللهِ شهيدا: لطالما تفكهُ الإنسانُ بين هؤلاءِ الخلقِ بالوقوعِ في أعراضِ المسلمينَ بذكرِ ما سترَه اللهُ عليه. وما علم أن الخلق سيشهدونَ.
    في الصحيح أن جنازة مرت على الرسول صلى الله عليه وسلم وهو في نفر من أصحابه فيثني عليها الناس خيرا فيقول صلى الله عليه وسلم وجبت. وتمر أخرى فيثني عليها الناس سوء فيقول صلى الله عليه وسلم وجبت. فيتسأل الصحابة ؟
    فيقول صلى الله عليه وسلم أثنيتم على الأولى بخير فوجبت لها الجنة، وعلى الثانية بسوء فوجبت لها النار، أنتم شهداء الله في أرضه، أنتم شهداء الله في أرضه. وسيشهدُ ما هو أقربُ من هذا: ستشهدُ الجوارحُ فأيدٍ تشهد، وأرجلٍ تشهد، وألسنٍ تشهد، وجوارح تشهد: (اليومَ نختمُ على أفواههم، وتكلمُنا أيديِهم، وتشهدُ أرجلُهم بما كانوا يكسبون).
    (ويوم يحشر أعداء الله إلى النار فهم يوزعون، حتى إذا ما جاءوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون)
    (وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون)
    (وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون، فإن يصبروا فالنار مثوى لهم وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين)
    فاتقوا الله يا باد واجعلوا هؤلاءِ الشهودِ جميعهم لكم لا عليكم. وبادروا أنفسَكم وأعمارَكم بالأعمالِ الصالحةِ قبل حلولِ الآجالِ وبقاءِ الحسراتِ. أيا من يدعّي الفهم، إلى كم يا أخَ الوهم، تعبي الذنبَ بالذنب، وتخطي الخطاءَ الجم. أما بان لك العيب، أما أنذرك الشيب، وما في نصحه ريب، ولا تنعُ فقد صم.
    الهم صلي على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد
    اللهم يا من لا تراه العيون، ولا تخالطهُ الظنون، يا من دبر الدهور، وقدر الأمور، وعلم هواجسَ الصدور، يا من عليه يتوكل المتوكلون، أقلِ العثرةَ، وأغفرِ الزلةَ، وجُد بحلمِك على من لا يرجُ غيرَك ولا قصدَ سواك، اللهم هب لنا فرجاً قريبا، وصبراً جميلا، وكن لنا ولا تكن علينا، وأمكر لنا ولا تمكر بنا، وتولى أمرنا لا إله إلا أنت أنتَ حسبُنا.
    اللهم لا تجعل بيَننا وبينَك في رزقنا أحداً سواك، اللهم اجعلنا أغنى خلقِكَ بك، وأفقرَ عبادِكَ إليك، وهب لنا غناً لا يطغينا، وصحةً لا تلهينا، وأغنناً اللهم عن من أغنيته عنا.
    اللهم أصلح من في صلاحه صلاح للإسلام والمسلمين، وأهلك من في هلاكه صلاح للإسلام والمسلمين.
    اللهم من أراد الإسلام والمسلمين بسوء فأشغله بنفسه، وأجعل تدبيره تدميره يا حي يا قيوم يا عزيز.
    اللهم أنت خلقتَ أنفسَنا، وأنت تتوفاها، فزكِها أنت خيرُ من زكاها، أنتَ وليها ومولاها لك مماتَها ومحياها.
    اللهم إنا عبيدُك بنو عبيدِك بنو إيمائك، في حاجةٍ إلى رحمتِك وأنت غنيُ عن عذابنا، اللهم فجازِنا بالإحسانِ إحسانا وبالإساءةِ عفوا وغفرانا.
    اللهم آنس وحشتنا في القبور، وآمن فزعنا يوم البعثِ والنشور، وأغفر لنا ولجميعِ موتى المسلمين يا أرحم الراحمين. الهم صلي على محمد
    سبحان ربك رب العزة عن ما يصفون.
    وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.


    * نقلت بتصرف
                  

01-14-2011, 05:21 PM

كمال حسن
<aكمال حسن
تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 1352

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: كمال حسن)

    قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في رده على جبريل عليه السلام حينما جاء يسأل الرسول صلوات ربي عليه وسلامه أمام الصحابة ومنهم عمر بن الخطاب رضوان ربي عليه ( ليعلمهم أمور دينهم ) عن ماهو الإسلام ثم الإيمان ثم الإحسان فقال الرسول صلى الله عليه وسلم في الرد على الإحسان ( أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك) أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
                  

01-14-2011, 09:53 PM

بدر الدين اسحاق احمد
<aبدر الدين اسحاق احمد
تاريخ التسجيل: 03-29-2008
مجموع المشاركات: 17127

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: كمال حسن)

    ببركة الجمعة الجامعة ربنا يغفر للمسلمين
                  

01-14-2011, 11:50 PM

كمال حسن
<aكمال حسن
تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 1352

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: بدر الدين اسحاق احمد)

    اللهم آمين أخي بدر الدين
                  

01-21-2011, 09:53 AM

كمال حسن
<aكمال حسن
تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 1352

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: كمال حسن)

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله الذي يُطعم ولا يطعم، منّ علينا فهدانا وأطعمنا وسقانا وكل بلاء حسن أبلانا.
    الحمد لله الذي أطعم من الطعام، وسقى من الشراب، وكسا من العري، وهدى من الضلالة، وبصّر من العمى، وفضل على كثير ممن خلق تفضيلا.
    الحمد لله رب العالمين، اللهم صلي وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
    أما بعد أيها الأحبة في الله السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
    يا سامعا لكل شكوى.
    يا خالق الأكوان أنت المرتجى...... وإليك وحدك ترتقي صلواتي
    يا خالقي ماذا أقول وأنت تعلمـــني وتعلم حاجتي وشكاتــي
    يا خالقي ماذا أقول وأنت........... مطلع على شكواي والأناتي
    اللهم يا موضع كل شكوى، ويا سمع كل نجوى، ويا شاهد كل بلوى، يا عالم كل خفية، و يا كاشف كل بلية، يا من يملك حوائج السائلين، ويعلم ضمائر الصامتين ندعوك دعاء من أشدت فاقته، وضعفت قوته، وقلت حيلته دعاء الغرباء المضطرين الذين لا يجدون لكشف ما هم فيه إلا أنت.
    يا أرحم الراحمين أكشف ما بنا وبالمسلمين من ضعف وفتور وذل وهوان.
    يا سامعا لكل شكوى أعن المساكين والمستضعفين وأرحم النساء الثكالى والأطفال اليتامى وذي الشيبة الكبير، إنك على كل شيء قدير.
    إخوتي المسلمين:
    إن في تقلب الدهر عجائب، وفي تغير الأحوال مواعظ، توالت العقبات، وتكاثرت النكبات، وطغت الماديات على كثير من الخلق فتنكروا لربهم ووهنت صلتهم به. اعتمدوا على الأسباب المادية البحتة، فسادت موجات القلق والاضطراب، والضعف والهوان، وعم الهلع والخوف من المستقبل، خافوا على المستقبل، تخلوا عن ربهم فتخلى الله عنهم:
    ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ).
    جميعُ الخلق مفتقرون إلى الله، مفتقرون إلى الله في كل شؤونِهم وأحوالِهم، وفي كلِ كبيرةٍ وصغيره، وفي هذا العصرُ تعلقَ الناسُ بالناسِ، وشكا الناسُ إلى الناس، ولا بئسَ أن يُستعانُ بالناس في ما يقدرون عليه، لكن أن يكونَ المُعتمَدُ عليهم، والسؤال إليهم، والتعلقُ بهم فهذا هو الهلاكُ بعينه، فإن من تعلق بشيٍ وكلَ إليه.
    إن الفرار إلى الله، واللجوء إليه في كلِ حالٍ وفي كل كربٍ وهم، هو السبيلُ للتخلصَ من ضعفنا وفتورنا وذلنا و هواننا.
    إن في هذه الدنيا مصائبَ ورزايا، ومحناً وبلايا، آلامُ تضيقُ بها النفوس، ومزعجاتُ تورث الخوفَ والجزع، كم في الدنيا من عينٍ باكيةٍ ؟ وكم فيها من قلب حزين؟ وكم فيها من الضعفاءِ والمعدومين، قلوبُهم تشتعل، ودموعُهم تسيل ؟ هذا يشكُ علةً وسقما. وذاك حاجةً وفقرا. وآخر هماً وقلقا.
    عزيزٌ قد ذل، وغنيٌ افتقر، وصحيحٌ مرض، رجل يتبرم من زوجه وولده، وآخرُ يشكُ ويئنُ من ظلمِ رئيسه ومديره في العمل. وثالثٌ كسدت وبارت تجارته، شباب أو فتيات يبحثون عن زواج، وطالب يشكو صعوبة الامتحانات والدروس.
    هذا مهموم وذاك مدين ،وأخر ابتليَ بالإدمان والتدخين، ورابعُ أصابه الخوفُ ووسوسةُ الشياطين. تلك هي الدنيا، تضحكُ وتبكي، وتجمعُ وتشتت، شدةُ ورخاءُ وسراءٌ وضراءُ.
    وصدق الله العظيم: (لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ).
    أيها الأخوة، السؤال الذي يجب أن يكون، هؤلاء إلى من يشكون، و أيديَهم إلى من يمدون؟
    يجيبك واقعُ الحال على بشرٍ مثلُهم يترددون، وللعبيدِ يتملقون، يسألون ويلحون وفي المديح والثناء يتقلبون، وربما على السحرة والكهنة يتهافتون. نعم والله تألمنا شكاوي المستضعفين، وزفراتُ المساكين، وصرخاتُ المنكوبين، وتدمعُ أعُينَنا - يعلم الله- لآهات المتوجعين، وأناتُ المظلومين، وانكسارِ الملذوعين، لكن أليس إلى اللهِ وحدَه المشتكى ؟ أين الإيمان بالله ؟ أين التوكلُ على الله ؟ أين الثقةُ و اليقينُ بالله ؟
    يا أصحابَ الحاجات.
    أيها المرضى. أيها المدينون. أيها المكروب والمظلوم. أيها المُعسرُ والمهموم. أيها الفقيرُ والمحروم.
    يا من يبحث عن السعادة الزوجية. يا من يشكو العقم ويبحث عن الذرية. يا من يريد التوفيق بالدراسة والوظيفة.
    يا من يهتم لأمر المسلمين. يا كلُ محتاج، يا من ضاقت عليه الأرضُ بما رحبت. لماذا لا نشكوُ إلى اللهِ أمرنا وهو القائل: (ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ).
    لماذا لا نرفعُ أكفَ الضراعة إلى الله وهو القائل: ( فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ).
    لماذا ضُعفُ الصلةِ بالله، وقل الاعتمادِ على الله، وهو القائل: ( قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ ). لولا دعاؤكم.
    أيها المؤمنون، أيها المسلمون يا أصحابَ الحاجات، ألم نقرأ في القرآنِ قول الحق عز وجل:
    ( فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ) لماذا ؟ ( لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ).
    فأين نحن من الشكوى لله، أين نحن من الإلحاح والتضرعِ الله؟ سبحان الله، ألسنا بحاجةٍ إلى ربنا؟
    أنعتمدُ على قوتنا وحولِنا، والله ثم واللهِ لا حول لنا ولا قوةَ إلا بالله. واللهِ لا شفاء إلا بيد الله، ولا كاشفَ للبلوى إلا الله، لا توفيق ولا فلاح ولا سعادةَ ولا نجاح إلا من الله.
    يا من نزلت به نازلة، أو حلت به كارثة. يا من بليت بمصيبةٍ أو بلاءٍ، ارفع يديك إلى السماء وأكثر الدمعَ والبكاء، وألحَ على اللهِ بالدعاء وقل: يا سامعاً لكلِ شكوى.
    إذا استعنت فأستعن بالله، وإذا سألت فأسأل الله، وقل يا سامعاً لكل شكوى.
    توكل على الله وحده، وأعلن بصدقٍ أنك عبده واسجد لله بخشوع
    إن الأنبياء والرسلَ، وهم خيرُ الخلق، وأحبُ الناسَ إلى الله، نزل بهم البلاء واشتدَ بهم الكرب، فماذا فعلوا وإلى من لجئوا.
    أخي الحبيب، أختصرُ لك الإجابة، إنه التضرعُ والدعاء، والافتقارُ لربِ الأرضِ والسماء، إنها الشكايةُ لله وحُسنُ الصلةِ بالله.
    هذا نوحٌ عليه السلام يشكو أمرَه إلى الله ويلجأُ لمولاه:
    قال تعالى: (وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ * وَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ).
    كانتِ المناداة، كانتِ المناجاة، فكانتِ الإجابةُ من الرحمن الرحيم.
    وقال تعالى: ( وَنُوحاً إِذْ نَادَى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ).
    وقال عز من قائل: (فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ * فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ).
    هذا أيوبُ عليه السلام، ابتلاهُ اللهُ بالمرضِ ثمانيةَ عشر عاماً حتى أن الناسُ ملوا زيارته لطولِ المدة، فلم يبقى معه إلا رجلانِ من إخوانهِ يزورانه، لكنه لم ييئس عليه السلام، بل صبرَ واحتسب، وأثنى الله عليه: ( إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ)، أواب أي رجاعٌ منيبٌ إلى ربه، ظل على صلتِه بربِه وثقتِه به، ورضِاهُ بما قُسم الله له، توجه إلى ربه بالشكوى ليرفع عنه الضراء والبلوى قال تعالى:(وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ). فماذا كانتَ النتيجة ؟
    قال الحقُ عز وجل ، العليمُ البصيرُ بعباده، الرحمنُ الرحيم قالَ: (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ).
    هذا يونسُ عليه السلام، رفع الشكاية لله فلم ينادي ولم يناجي إلا الله قال تعالى:
    ( وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ). فماذا كانتَ النتيجة ؟ (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ).
    وزكريا عليه السلام قال الحق عز وجل عنه: (وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ). ماذا كانت النتيجة ؟ (فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ). الذين يشكون العقم وقلة الولد.
    إذا لماذا استجاب الله دعاءهم؟ لأنهم كانوا يسارعون في الخيرات، وكانوا لا يملون الدعاء، بل كان القلب متصل متعلق بالله، لذلك قال الله عنهم: (وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ). خاشعين متذللين، معترفين بالتقصير، فالشكاية تخرج من القلب قبل اللسان.
    يعقوبُ عليه السلام قال: (قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ)، انظروا لليقين، انظروا للمعرفة برب العالمين: (وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ). فاستجاب اللهُ دعائَه وشكواه وردَ عليه يوسفَ وأخاه.
    وهذا يوسف عليه السلام ابتلاه الله بكيد النساء، فلجأ إلى الله، وشكى إليه ودعاه فقال: ( وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجَاهِلِينَ)، إنه التضرع والدعاء، والافتقار لرب الأرض والسماء، إنها الشكاية لله، وحسن الصلة بالله.
    (فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).
    وأخبر الله عن نبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وأصحابه فقال تعالى: (إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ). استغاثة لجأت إلى الله، شكوى وصِلة بالله سبحانه وتعالى.
    وهكذا أيها الأحبةِ حينما نستعرضُ حياةَ الرسلِ جميعاً، كما قصها علينا القرآن الكريم، نرى أن الابتلاء والامتحان كان مادتُها وماُئها، وأن الصبرَ وحسنُ الصلةِ بالله ودوام الالتجاءِ وكثرةُ الدعاءِ وحلاوة الشكوى كان قوَمُها.
    وما أشرنا إليه إنما هي نماذج من الاستجابة للدعاء، ومن في كتب السير والتفاسير وقف على شدةِ البلاء الذي أصاب الأنبياء، واعلم أن الاستجابةَ جاءت بعد إلحاحٍ ودعاء، واستغاثةٍ ونداء.
    إنها آياتُ بينات وبراهينُ واضحات، تقول بل وتعلن أن من توكلَ واعتمد على الله، وأحسن الصلة بمولاه استجاب الله دعاه، وحفظه ورعاه، فإن لم يكن ذلك في الدنيا كان في الآخرة: ( وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلا تَعْقِلُونَ).
    أنها صفحاتٌ من الابتلاء والصبر معروضةٌ للبشرية، لتسجل أن لا اعتماد إلا على الله، وان لا فارجَ للهمِ ولا كاشفَ للبلوى إلا الله.
    هذا هو طريق الاستعلاء أن تنظرَ إلى السماء، وأن نلحُ بالدعاء، لأن الشكوى إلى الله تشعرك بالقوةِ والسعادة، وأنك تأوي إلى ركنٍ شديد.
    أما الشكوى إلى الناس، والنظرِ إلى ما في أيدي الناس فيشعرك بالضعف والذل والإهانةِ والتبعية.
    أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

    الخطبة الثانية
    الحمد لله ولي الصالحين ولا إله إلا هو عليه توكلنا وهو أرحم الراحمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
    أما بعد إخوة الإسلام إن من أصول التوحيد أن تتعلق القلوبُ بخالقها في وقت الشدةِ والرخاء والخوفِ والأمن، والمرضِ والصحة، وفي كل حالٍ وزمان.
    وما نراه اليومَ من تعلقِ القلوب بالمخلوقين، وبالأسباب وحدها دون اللجأ إلى الله، لهو نذيرُ خطرٍ يزعزعُ عقيدةِ التوحيدِ في النفوس.
    أيها الأحبة :
    إن الشكوى لله، والتضرعَ إلى الله، وإظهارَ الحاجة إليه، ولاعتراف بالافتقار إليه من أعظمِ عرى الإيمانِ وثوابتِ التوحيد، وبرهانُ ذلك الدعاء والإلحاح بالسؤال، والثقةُ واليقينُ بالله في كلِ حال.
    ولقد زخرت كتبُ السنةِ بأنواعٍ من الدعاءِ تجعلُ المسلمَ على صلةٍ بربه، وفي حرزٍ من عدوه، يقضي أمره ويكفي همه.
    في كلِ مناسبةٍ دعا، في اليقظةِ والمنام، والحركة والسكون، قياماً وقعودا، وعلى الجنوب، ابتهالٌ وتضرعٌ في كل ما أهم العبد، وهل إلى غيرِ الله مفر، أم هل إلى غيره ملاذ.
    ففي المرض مثلا الأحاديث كثيرة، والأدعية مستفيضة، إليك على سبيل المثال ما أخرجه البخاري ومسلم من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها: ( أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كان إذا اشتكى يقرأ على نفسه المعوذات، وينفث، فلما أشتد وجعه كنت اقرأ عليه وأمسح عليه رجاء بركتها.)
    وأخرج البخاري ومسلم أيضا من حديث عائشة قالت: كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا اشتكى منا إنسان مسحه بيمينه ثم قال: أذهب البأس رب الناس، وأشفي أنت الشافي لا شفاء إلا شفائك، شفاء لا يغادر سقما، أي لا يترك سقما.
    وفي صحيح مسلم عن عثمان أبن أبي العاص رضي الله تعالى عنه: أنه شكى إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وجعا يجده في جسده منذ أسلم، فقال له (صلى الله عليه وآله وسلم): ضع يدك على الذي تألم من جسدك.
    انظروا لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، قدوتنا وحبيبنا يربي الناس، ويربي أصحابه على الاعتماد واللجوء إلى الله، ضع يدك، الإرشاد أولا لله، التعلق أولا بالله، لم يرشده أولا لطبيب حاذق ولا بأس بهذا، لكن التعلق بالله يأتي أولا.
    ضع يدك على الذي تألم من جسدك وقل بسم الله، بسم الله ثم يقول سبعا أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر.
    وفي رواية أمسحه بيمينك سبع مرات، وفي رواية قال عثمان فقلت ذلك فأذهب الله ما كان بي، فلم أزل آمر بها أهلي وغيرهم.
    سبحان الله، اسمعوا لحسن الصلة بالله، والتوكل على الله، فلم أزل آمر بها أهلي وغيرهم.
    أيها المريض، أعلم أن من أعظم أسباب الشفاء التداوي بالرقى الشرعية من القرآن والأدعية النبوية، ولها أثر عجيب في شفاء المريض وزوال علته، لكنها تريد قلبا صادقا وذلا وخضوعا لله.
    رددها أنت بلسانك، فرقيتك لنفسك أفضل وأنجح، فأنت المريض وأنت صاحب الحاجة، وأنت المضطر، وليست النائحة الثكلى كالنائحة المستأجرة، وما حك جلدك مثل ظفرك، فتوكل على الله بصدق وألح عليه بدون ملل، وأظهر ضعفك وعجزك، وحالك وفقرك إليه، وستجد النتيجة العجيبة إن شاء الله ثقة بالله.
    فإلى كل مريض مهما كان مرضه أقول: شفاك الله وعافاك، اعلم أن الأمراض من جملة ما يبتلي الله به عباده، والله عز وجل لا يقضي شيئا إلا وفيه الخير والرحمة لعباده، وربما كان مرضك لحكمة خفيت عليك، أو خفيت على عقلك البشري الضعيف، وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم.
    أيها الحبيب شفاك الله، هل علمت أن للأمراض والأسقام فوائد وحكم أشار أبن القيم إلى أنه أحصاها فزادت على مائة فائدة (انظر كتاب شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل صفحة 525).
    أيها المسلم أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك وأن يعافيك، هل سمعت قول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه، إلا حط الله به سيئاته كما تحط الشجرة ورقها.
    وهل سمعت أنه (صلى الله عليه وآله وسلم): زار أم العلاء وهي مريضة فقال الله ابشري يا أم العلاء فإن مرض المسلم يذهب الله به خطاياه كما تذهب النار خبث الذهب والفضة.
    قال أبن عبد البر رحمه الله: الذنوب تكفرها المصائب والآلام، والأمراض والأسقام، وهذا أمر مجتمع عليه.
    والأحاديث والآثار في هذا مشهورة ليس هذا مقام بسطها، لكن المراد هنا أننا نرى حال بعض الناس إذا مرض فهو يفعل كل الأسباب المادية من ذهاب للأطباء وأخذ للدواء وبذل للأموال وسفر للقريب والبعيد، ولا شك أن هذا مشروع محمود، ولكن الأمر الغريب أن يطرق كل الأبواب وينسى باب مسبب الأسباب، بل ربما لجأ للسحرة والمشعوذين، نعوذ بالله من حال الشرك والمشركين.
    ألم يقرأ هذا وأمثاله في القرآن:( وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ).
    أيها المريض أعلم أن الشافي هو الله، ولا شفاء إلا شفائه.
    أيها المريض، بل يا كل مصاب أيا كانت مصيبته، هل سألت نفسك لماذا ابتلاك الله بهذا المرض، أو بهذه المصيبة ؟ ربما لخير كثير ولحكم لا تعلمها ولكن الله يعلمها،ألم يخطر ببالك أنه أصابك بهذا البلاء ليسمع صوتك وأنت تدعوه، ويرى فقرك وأنت ترجوه، فمن فوائد المصائب استخراج مكنون عبودية الدعاء.
    قال أحدهم: سبحان من استخرج البلاء بالدعاء.
    وفي الأثر أن الله ابتلى عبدا صالحا من عباده وقال لملائكته لأسمع صوته.
    يعني بالدعاء والإلحاح.
    أيها المريض، المرض يريك فقرك وحاجتك إلى الله، وأنه لا غنى لك عنه طرفة عين، فيتعلق قلبك بالله، وتقبل عليه بعد أن كنت غافلا عنه، وصدق من قال: فربما صحت الأجسام بالعلل.
    فأرفع يديك وأسل دمع عينيك، وأظهر فقرك وعجزك، واعترف بذلك وضعفك.
    في رواية عن سعيد ابن عنبسة قال: بينما رجل جالس وهو يعبث بالحصى ويحذف به إذ رجعت حصاة منه عليه فصارت في أذنه، فجهدوا بكل حيلة فلم يقدروا على إخراجها، فبقيت الحصاة في أذنه مدة وهي تألمه، فبينما هو ذات يوم جالس إذ سمع قارئ يقرأ: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ).
    فقال الرجل: يا رب أنت المجيب وأنا المضطر فأكشف عني ما أنا فيه، فنزلت الحصاة من أذنه في الحال.
    لا تعجب، إن ربي لسميع الدعاء، إذا أراد شيئا قال له كن فيكون.
    أيها المريض، إياك وسوء الظن بالله إن طال بك المرض، فتعتقد أن الله أراد بك سوء، أو أنه لا يريد معافاتك، أو أنه ظالم لك، فإنك إن ظننت ذلك فإنك على خطر عظيم.
    أخرج الإمام أحمد بسند صحيح من حديث أبي هريرة أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: إن الله تعالى يقول أنا عند ظن عبدي بي، إن ظن خيرا فله، وإن ظن شرا فله. يعني ما كان في ظنه فإني فاعله به، فأحسن الظن بالله تجد خيرا إن شاء الله.
    هذا في المرض، وأطلنا فيه لكثرة المرضى، وحاجة الناس إلى مثل هذه التوجيهات، وهي تحتاج إلى دروس ومحاضرات، ولكن حسبنا ما ذكرناه الآن لأن الموضوع عام في المصائب والآلام.
    ومن المصائب والآلام التي يحتاج الناس فيها إلى الشكوى إلى الله تراكم الديون وكثرة المعسرين.
    كم من مدين عجز عن الوفاء، وكم من معسر يعيش في شقاء، هم في الليل وذل في النهار، أحزان وآلام لا يغمض في منام، ولا يهنأ في طعام، طريد للغرماء، أو مع السجناء، صبية صغار، وبيت للأجار، وزوجة مسكينة لا تدري أتطرق أبواب المحسنين أو تسلك طرق الفاسقين.
    إلى هؤلاء وأمثالهم أقول: لماذا طرقتم الأبواب كلها ونسيتم باب من يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرا خائبتين. وسنده جيد.
    قال السري السبطي: كن مثل الصبي إذا اشتهى على أبويه شهوة فلم يمكناه قعد يبكي عليهما، فكن أنت مثله إذا سألت ربك ولم يعطك، فأقعد وأبكي عليه.
    ولرب نازلة يضيق بها الفتى....... ذرعا وعند الله منها مخرج
    كملت فلما استحكمت حلقاتها..... فرجت وكان يظنها لا تفرج
    ومن الأدعية في قضاء الدين ما أخرجه أبو داوود في سننه من حديث أبي سعيد الخدري قال: دخل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) المسجد ذات يوم فرأى فيه رجلا من الأنصار يقال له أبو أمامه، فقال له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إن أراك جالسا في المسجد في غير وقت صلاة، قال هموم لزمتني، وديون يا رسول الله. قال (صلى الله عليه وآله وسلم) أفلا أعلمك كلاما إذ قلته أذهب الله همك وقضى عنك دينك، قلت بلى يا رسول الله، قال قل إذا أصبحت وإذا أمسيت: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال.
    قال ففعلت ذلك فأذهب الله تعالى همي وغمي وقضى عني ديني.
    يعلق القلوب بالله صلوات الله وسلامه عليه.
    وروى البيهقي في فضائل الأعمال عن حماد ابن سلمة أن عاصما ابن أبي إسحاق شيخ القراء في زمانه قال: أصابتني خصاصة -أ ي حاجة وفاقة - فجئت إلى بعض إخواني فأخبرته بأمري فرأيت في وجهه الكراهة، فخرجت من منزله إلى الصحراء ثم وضعت وجهي على الأرض وقلت يا مسبب الأسباب، يا مفتح الأبواب، يا سمع الأصوات، يا مجيب الدعوات، يا قاضي الحاجات اكفني بحلالك عن حرامك وأغنني بفضل عن من سواك. يلح على الله بهذا الدعاء.
    قال فوالله ما رفعت رأسي حتى سمعت وقعت بقربي، فرفعت رأسي فإذا بحدأة طرحت كيسا أحمر فأخذت الكيس فإذا فيه ثمانون دينارا وجوهرا ملفوفا بقطنة، فبعت الجواهر بمال عظيم، وأبقيت الدنانير فاشتريت منها عقارا وحمدت الله تعالى على ذلك.
    لا نعجب أيها الأخوة، إن ربي لسميع الدعاء، ومن يتوكل على الله فهو حسبه.
    ومن الأدعية عند الهم والقلق ما أخرجه أحمد في المسند من حديث عبد الله ابن مسعود رضي الله عنهما قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ما أصاب أحدا قط هم ولا حزن فقال اللهم إني عبدك، ابن عبدك أبن أمتك نصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل في قضائك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي، إلا أذهب الله همه وحزن وأبدله مكانه فرجا، وفي رواية فرحا، قال فقيل يا رسول الله ألا نتعلمها، قال بلى ينبغي لمن سمعها أن يتعلمها.
    أيها الأخوة، إن الإنسان منا ضعيف، ضعيف فكيف إذا اجتمعت عليه الهموم والأحزان، وشواغل الدنيا ومشاكلها فزادته ضعفا، وجعلته فريسة للهم والقلق والتمزق النفسي.

    وأبشر أخي الحبيب فإن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه.
    ومن الأدعية عند النوازل والفتن والخوف ما أخرجه أبو داوود والنسائي عن أبي موسى أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان إذا خاف قوما قال: اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم.
    وكان يقول (صلى الله عليه وآله وسلم) عند لقاء العدو: اللهم أنت عضدي وأنت ناصري، بك أصول وبك أجول وبك أقاتل.
    وفي صحيح البخاري من حديث ابن عباس قال: (حسبنا الله ونعم الوكيل) قالها إبراهيم حين القي في النار، وقالها نبينا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) حين قال له الناس إن الناس قد جمعوا لكم. فإذا كان المحيي والمميت والرزاق هو الله، فلماذا التعلق بغير الله؟ لماذا الخوف من الناس و(صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء كتبه الله عليك.
    أيها الأخوة والأخوات، إن من أعظم البلايا وأشد الرزايا ما يصيب المسلمين في كل مكان من غزو واجتياح وتعديات ومظالم وفقر وتجويع حتى أصاب بعض النفوس الضعيفة اليأس والقنوط والإحباط وفقدان الثقة والأمل.
    لماذا أيها الأخوة ؟ أليس الأمر لله من قبل ومن بعد، أليس حسبنا الله وكفى بالله حسيبا، أليس الله بقادر، أليس هو الناصر وكفى بالله نصيرا، ألا يعلم الله مكرهم، ألم يقل:
    ( وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ).
    أليس الله بكافي عبده: (أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ).
    ألم يقل: (إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئينَ).
    ألم يقل: (فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ).
    فيا سامعا لكل شكوى، ويا عالما بكل نجوى.
    يا سابغ النعم، ويا دفع النقم، ويا فارج الغمم، ويا كشف الظلل، ويا أعدل من حكم، ويا حسيب من ظلم، ويا ولي من ظُلم.
    يا من لا تراه العيون، ولا تخالطه الظنون، ولا يصفه الواصفون، ولا تغيره الحوادث ولا الدهور، يعلم مثاقيل الجبال، ومكاييل البحار، وعدد قطر الأمطار، وعدد ورق الأشجار، وعدد ما يظلم عليه الليل ويشرق عليه النهار.
    كم من نعمة أنعمت بها علينا قل لك عندها شكرنا، وكم من بلية ابتليتنا بها قل عندها صبرنا، فيا من قل عند نعمته شكرنا فلم يحرمنا، ويا من قل عند بلائه صبرنا فلم يخذلنا أقذف في قلوبنا رجائك، اللهم اقذف في قلوبنا رجائك، اللهم اقذف في قلوبنا رجائك حتى لا نرجو أحدا غيرك.
    اللهم إنا نسألك إيمانا ثابتا، ويقينا صادقا حتى نعلم أنه لن يصيبنا إلا ما كتبت لنا، اللهم لا نهلك وأنت رجائنا، اللهم لا نهلك وأنت رجائنا احرسنا بعينك التي لا تنام وبركنك الذي لا يرام.
    يا سامعا لكل شكوى، ويا عالما بكل نجوى، يا كاشف كربتنا، ويا مستمع دعوتنا، ويا راحم عبرتنا، ويا مقيل عثرتنا.
    يا رب البيت العتيق أكشف عنا وعن المسلمين كل شدة وضيق، واكفنا والمسلمين ما نطيق وما لا نطيق، اللهم فرج عنا وعن المسلمين كل هم غم، وأخرجنا والمسلمين من كل حزن وكرب.
    يا فارج الهم، يا كاشف الغم، يا منزل القطر، يا مجيب دعوت المضطر، يا سامعا لكل نجوى احفظ إيمان وأمن بلادنا، ووفق ولاة الأمر لما فيه صلاح الإسلام والعباد.
    يا كاشف كل ضر وبلية، ويا عالم كل سر وخفية نسألك فرجا قريبا للمسلمين، وصبرا جميلا للمستضعفين، يا ذا المعروف الذي لا ينقضي أبدا، ويا ذا النعم التي لا تحصى أبدا، أسألك أن تصلي على محمد وعلى آلي محمد أبدا.
    اللهم صلي وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
    سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك

    * منقول بتصرف
                  

01-21-2011, 05:43 PM

كمال حسن
<aكمال حسن
تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 1352

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: كمال حسن)

    يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه، إلا حط الله به سيئاته كما تحط الشجرة ورقها.






    إلى الأعلى
                  

01-21-2011, 06:14 PM

كمال حسن
<aكمال حسن
تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 1352

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: كمال حسن)

    يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه، إلا حط الله به سيئاته كما تحط الشجرة ورقها.






    إلى الأعلى
                  

02-04-2011, 11:24 AM

كمال حسن
<aكمال حسن
تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 1352

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: كمال حسن)

    إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه.
    ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا.
    من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له.
    أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.
    شهادة عبده وابن عبده وابن أمته، ومن لا غنى به طرفة عين عن رحمته.
    أشهد أن محمدا عبد الله ورسوله، أرسله الله رحمة للعالمين فشرح به الصدور وأنار به العقول، وفتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان وسلم تسليما كثيرا.
    (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون)
    (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما)
    أما بعد عباد الله:
    أوصيكم ونفسي بتقوى اللهِ جل وعلا، وأن نقدمَ لأنفسِنا أعمالاً تبيضُ وجوهَنا يوم نلقى اللهَ
    (يومَ لا ينفعُ مالُ ولا بنونَ إلا من أتى اللهَ بقلبٍ سليم).
    إن وضعَ هذه الأمة وما تعانيه من فواجعَ ومواجعَ، وما تعايشُه من نكباتٍ وإحباطات، والتعثرُ الذي يصاحبُ خطاها، كلُ ذلك أمرُ يشرَحُه الحالُ بأبلغِ من كلِ مقال، ويحسُه كلُ من يعرفُ حقيقةَ هذه الأمةَ وهويتَها ورسالتَها والموقعَ الذي بوئها اللهُ إياه بين الأمم.
    أما من كان التقويمُ عندَه متعةَ الأكلِ ولذةُ الرفاهية فله حساباتُه الخاصةَ ونتائجُه الخاصةُ من هذه الحسابات.
    وبكلِ حالٍ فإن الحاجةَ إلى تغيير هذا الوضع، وزحزحةَ الأمةَ عن هذه الهاوية، مطلبُ حقُ مُلح لا يحتملُ الانتظارَ ولا التأخير، ولكن هذا التغييرَ لا يهبطُ من السماء، ولا يستوردُ من الأرض ولا يتمُ في أروقةِ الأممِ المتحدة، ولا يستجدىَ بالمساوماتِ التنازلات.
    إن التغييرَ خاضعُ لقانونِ إلهي : ( إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ).
    فالذي يريدُ التغييرَ، ويريدُ إحداثَ التغيير عليه أن يغيرَ هو من داخلِه، عليه أن يغيرَ من نفسه حتى يغير اللهُ ما به.
    إن التغيير المطلوبَ في ذواتِ الأنفسِ هو انقلاب، انقلابُ يعيدُ بناء النفوسِ بالإيمان ليحدثَ هذا الإيمانُ أثرَه في التغيير.
    ولنُشرف على مثلينِ خالدينِ يريانِ ما يصنع التغييرُ بالإيمانِ في واقعِ الحياة:
    أما المثلُ الأول فالقصةُ العجب في قصةِ السحرةِ مع فرعون:
    هذه القصةُ التي لا تفنى عجائبُها، السحرةُ الذينَ أتوا إلى فرعونَ باستجداءٍ يقولونَ له:
    (أَإِنَّ لَنَا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ).
    ويخاطبونَ فرعونَ بعبوديةٍ فيقولون: (وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ).
    فلما استبانَ لهم الحقَ وأشرقت لهم الرسالةَ، وآمنت قلوبُهم بعبوديةِ الله، فخالطَ الإيمانُ بشاشةَ القلوب حدثَ تغيرُ عجيبُ وانقلابُ غريبُ فإذا الذين كانوا يقولون بعزةِ فرعون إنا لنحنُ الغالبون، إذا بهم يقولون: (قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ).
    وإذا الذينَ كانوا يقولونَ باستجداءٍ: (أَإِنَّ لَنَا لَأَجْراً إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ).
    إذا بهم يقولون لفرعونَ باستعلاء : ( فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا).
    وإذا بهم يستقبلونَ تهديدَه ووعيدَه: ( لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ).
    إذا بهم يستقبلونه قائلين: (قَالُوا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنْقلِبُونَ * وَمَا تَنْقِمُ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِآياتِ رَبِّنَا لَمَّا جَاءَتْنَا رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْراً وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ).
    ما الذي نفخ في هذه الروح فاشرأبت واستعلت؟
    بل ما المطرُ الذي نزلَ على هذه الأرضِ الهامدةِ فاهتزت وربت وأنبتت من كلِ زوجٍ بهيج؟ إنه الإيمان، الإيمانُ الذي لا يفزعُ ولا يتزعزعُ، الإيمانُ الذي لا يخضعُ ولا يخنعُ، الإيمانُ الذي يطمأنُ إلى النهايةِ فيرضاها، ويستيقنُ من الرجعةِ إلى ربهِ فيطمأنُ إلى جواره، ويقفُ الطغيانُ عاجزا أمام الإيمان، وأمام الوعي، وأمام الاطمئنان.
    يقفُ الطغيانُ الفرعونيُ عاجزا أمام القلوبُ التي خُيّل إليه أنه يملكُ الولايةَ عليها كما يملكُ الولايةَ على الرقاب، وأنه يملكُ التصرفَ فيها كما يملكُ التصرفَ في الأجسام، فإذا هي مستعصيةُ عليه.
    وماذا يملكُ الطغيانُ إذا رغبتِ القلوبُ في جوارِ الله، وماذا يملكُ الجبروت إذا اعتصمتِ القلوبُ بالله.
    واما المثالٍ الآخر:
    ثم لننظر لمثالٍ خالدٍ يبينُ لنا ماذا يحدثُه التغيرُ الإيمانيُ في القلوبِ والنفوس والأممِ والشعوب.
    قبلَ بعثةِ النبي (صلى الله عليه وسلم) بثلاثً وستينَ سنةً أرسلَ القيصرُ من الشامِ إلى عملائِه في الحبشة يكلفُهم أن يكلفوا عملائَهم في اليمن بهدمِ الكعبة.
    اليمن كانت دولةً عميلةً للحبشة، والحبشةُ كانت دولةً عميلةً للروم، ومر الأمرُ من القيصرِ بهذا المسار كلِه، وسارت الأفيالُ من اليمنِ إلى مكةَ تطأُ أوديةَ العربِ و وِهادَها وشعوبَها وبلادَها لا يردُها رادُ ولا يصُدوها صاد حتى وصِلت إلى منى.
    أما أهلُ مكةَ فاستجمعوا كلَ قواهم للفرار إلى رؤؤسَ الجبالِ إلا رجلاً واحدا جاء إلى أبرهةَ يقول: إبلي، أعطوني إبلي، أنا ربُ الإبل وللبيتِ ربُ يحميه.
    وبعد سبعين سنةً من هذا الحادثِ انتفضت مكةُ برجالٍ غيروا الجزيرةَ كلَها، فإذا بهم يسيرونَ من الجزيرةِ لا إلى اليمن، فاليمنُ قد فُتحت برسالة، ولا إلى الحبشةَ، ولكن ذهبوا إلى القيصرِ ذاتهِ في بلاده في الشام ليدكوا عرشَه ويقوضوا قوتَه.
    ما الذي تغيرَ؟ هل اكتشفَ العربُ سلاحا جديدا؟ أم هل دخلوا في حلفٍ جديد؟
    ما الذي جعل الذينَ كانوا يفرونَ أمامَ عملاءَ القيصرِ يغزونَ القيصرَ في عقرِ داره ويقوضونَ قوتَه، وإذا مكةَ التي أنقذتها من أقدامِ الفيلَة معجزةُ إلهيةُ تصبحُ أمنعَ مدينةُ في العالم، ما الذي تغيرَ ؟
    لقد تغير العربُ فمات ذلك الإنسانُ الجاهليُ وولد ذاك الإنسانُ المسلمُ، فتغير كلُ شيء
    غيّر العربُ ما بأنفسِهم فغّير اللهُ ما بهم.
    إن الوضوحَ في هذين المثلين الخالدين لا يحتاجُ إلى إسهابٍ وشرح.
    ولكن ما مدى هدايتِنا نحن إلى هذا التغييرِ على مستوى الأمة ليس على مستوى دولةٍ ولا على مستوى إقليم.
    لقد أنهكتِ الأمةُ وهي تجُرجرُ بين إحباطاتِ التجاربُ الشرقيةِ والغربية حتى أصيبتُ الشعوبُ الإسلاميةُ بالدوار دون أن يظهرَ في الأفقِ توجه جادُ ليحدثَ التغييرَ في الأنفسِ وليكونَ التغييرُ إلى الإسلام:
    ( أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبّاً عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيّاً عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ).
    جُرجرتِ الأمةُ وامتُحِنت وسُخِرت وقهِرت لتطبقَ عليها أنواعا من النظرياتِ والأيديولوجيات المستوردةَ التي ليست على مقاسِها أبدا.
    إنها –أمتي- متاهاتُ من المساراتِ المعوجة، والحلولِ المفلسة، والآمالِ الدنيويةِ ال########ة، وصدق الله: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ).
    هذا التذبذبُ في إيديولوجيةِ الحياة أنتجَ تخبطاً وتذبذبا في إستراتيجيةِ التعاملِ مع الأعداء.
    وإن الإحباطَ والتقلباتِ في التعاملِ مع العدو هي نتيجةُ تلقائيةُ للتخبطِ في مناهجِ الحياةِ للأمة.
    هُزمتِ الأمةُ في المواجهاتِ العسكرية، لأنهَا كانت مهزومةً في داخلِها، مهزومةً في فكِرها، مهزومةً في وجدانِها، أمةُ مضللةُ مغرّبة.
    كانت أحلامُ الأعداءِ تقصر عن الواقعِ الذي تحقق، نعم إن الأممَ لا تهزمُ عند خط النار، ولكن تعلنُ هزيمتَها هناك لأنها هُزمت قبل الصدامِ المسلح، هزمت قبلَه بسنوات وبعيدا عن ميدانِ القتال. ( وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ).
    إن إنسانَ الهزيمة لا يقوى إلا على وضعِ المزيدِ من الهزائمِ مهما تمنى ومهما ادعى.
    إن إنسانَ الهزيمة الذي يتحدثُ عن التغييرِ في كلِ شيء إلا في ذاتِه لا يغيرُ شيئا على الإطلاق، وإن الأمةَ التي تفتشُ عن الخلاصِ في كلِ مكان إلا في ذاتِها تهوي من هزيمةِ إلى هزيمة.
    ولذا فإن الحاجةَ ماسةُ إلى الجديةِ في التحولِ إلى منهجٍ إسلاميٍ حقٍ حي، يعيدُ بناءَ الذات، وترميمَ النفسِ، ورصدُ منهجٍ متكاملٍ للحياة له خصوصيتُه وله شموليتُه حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ.
    وعندما توجدُ الدعوةُ للإسلام والعودةُ إليه وتحقيقه وتحكيمه فليست تلك دعوةً إلى الدروشةِ والعزلة والسلبيةِ في مواجهةِ الحياةِ والناس، ولكنها الدعوةُ إلى أن نعيشَ حيتَنا ونحنُ نمدُ أعينَنا لمصيرٍ نؤمنُ به يقينا وهو الخلودُ بعد الموت، فإذا هذا الإيمانُ يضبطُ حياتَنا وسلوكياتِنا ومعاملاتِنا.
    وأن تعيشَ الأمةُ كي تكونَ على مستوى دينَها، وكي تنجحَ في المحافظةِ عليه، وكي تستطيعَ إفهامَه للآخرين وتقديمَه للأمم.
    فلا بد أن تكونَ راسخةَ القدمِ في شؤون الحياةِ كلِها، بل سباقةُ في كل الميادين مسموعةَ الكلمةِ في آفاقِ العلم.
    إن الدعوةَ إلى العودةِ إلى الإسلام حقيقةً تعني الدعوةَ إلى التخلصِ من إرثِ التخلفِ الذي تعيشُه الأمة، والذي هو خطيئةُ ترتكبُها الأمةُ في حق نفسِها وحقِ دينِها.
    إن أي دعوةِ لإعادةِ بناءِ الذات والعودةِ إلى الهويةِ وتحكيمِ الشريعة، والشموليةَ في تناولِ الدين بعيدا عن أخذِه انتقاءً، وإنما أخذُه كلا، إن الدعوةَ حينئذٍ ينبغي أن يحتفى بها وأن ينظرَ لها على أنها دعوةُ لعصمةِ الأمةِ من الهلاك، وعلى أنها دعوةُ لانتشالِ الأمةِ من الهاوية.
    ينبغي أن تسمى الأمورُ بمسميتِها، فهي دعواتُ للإصلاح وليست دعواتِ لزعزعتِ الأمنِ، وليست دعواتِ تنتجُ القيامَ بالأعمالِ التخريبية.
    إن الإرجافَ بهذا النوعِ من المسميات هو إرجافُ فرعونيُ سبق إليه فرعونُ يومَ اتهمَ موسى قائلاً: ( إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ).
    موسى الذي يأتي بالفساد، ما الفسادُ الذي يعنيه فرعون، إنه فسادُ كيانِه وطغيانِه واستبدادِه وجبروتِه.د
    أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
    الخطبة الثانية
    الحمد لله رب العالمين
    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.
    وأشهد أن محمدا عبده ورسول صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان وسلم تسليما كثيرا.
    أما بعد عباد الله:
    يجبُ أن ينظرَ إلى دعواتِ الإصلاح، ودعواتِ تحكيمِ الشريعةِ على أنها دعواتُ تمد طوقَ النجاةِ للأمة، وينبغي أن ينتهيَ ترديدُ العباراتِ الساذجةِ التي استُهلِكت يومَ يُنظرُ إلى كلِ دعوةِ إصلاحٍ أو حركةٍ إلى تحيكمِ الشريعة على أنه اكتُشفت محاولةُ لقلب نظامِ الحكم.
    الدعوةُ إلى تحكيمِ الشريعة يعبرُ عنها باكتشافِ محاولةُ لقلب نظام الحكم، لقد اسُتهلكت هذه الدعاوى، انتهت مدةُ صلاحيتِها، ملتُ الأذنُ من ترديدِها، مجتها الآذانُ وعافتها النفوس، ولكن الخزيَ أن تروجَ هذه التهمٌ الكاسدةِ الفاسدةِ في صحافتنا.
    خزيُ تصفعنا به صحافتُنا يوم تكرر ُ التهمةَ الفرعونيةَ مرةً أخرى التي قال فيها فرعونُ لموسى: ( أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا عَمَّا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا وَتَكُونَ لَكُمَا الْكِبْرِيَاءُ فِي الْأَرْضِ ).
    جئتَ يا موسى لقلبِ نظام الحكم، هذه التهمةُ سنظل نرددُها إلى متى، إلى متى توصفُ التوجهاتُ في البلادِ الإسلامية لتحكيمِ الشريعةَ على أنها محاولاتُ لقلب نظامِ الحكم.
    إن الدعواتَ إلى تحكيمِ الشريعةَ ينبغي أن تكونَ محل الحفاوة، ومحل الاحترام، وكلُ محاولةٍ بتحكيمِ شرعِ الله ينبغي أن تكون صادرةً من كل قلب، وناطقا بها كلُ لسان:
    ( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً).
    أما هذه السلسلةُ من التهمِ الفاسدةُ الكاسدة، والتي بدأت صحافتُنا تقطرُها علينا تارةً وتغمُرَنا بها حينا، فإننا نردُها إلى الصحافةِ مع التحيةِ ونقولُ انتهت مدةُ صلاحيتِها، فقد جُربت في الستينات والخمسينات أما اليومُ فالناسُ غير الناس والوعي غير الوعي.
    اللهم أبرم لهذه الأمةِ أمر رشدٍ يعزُ فيه أهلُ طاعتِك ويذلُ فيه أهلُ معصيتِك ويؤمرُ فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكرِ وتقالُ فيه كلمةُ الحقِ لا يخشى قائلُها في اللهِ لومةَ لائم
    الهم صلي على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد
    اللهم يا من لا تراه العيون، ولا تخالطهُ الظنون، يا من دبر الدهور، وقدر الأمور، وعلم هواجسَ الصدور، يا من عليه يتوكل المتوكلون، أقلِ العثرةَ، وأغفرِ الزلةَ، وجُد بحلمِك على من لا يرجُ غيرَك ولا قصدَ سواك، اللهم هب لنا فرجاً قريبا، وصبراً جميلا، وكن لنا ولا تكن علينا، وأمكر لنا ولا تمكر بنا، وتولى أمرنا لا إله إلا أنت أنتَ حسبُنا.
    اللهم لا تجعل بيَننا وبينَك في رزقنا أحداً سواك، اللهم اجعلنا أغنى خلقِكَ بك، وأفقرَ عبادِكَ إليك، وهب لنا غناً لا يطغينا، وصحةً لا تلهينا، وأغنناً اللهم عن من أغنيته عنا.
    اللهم أصلح من في صلاحه صلاح للإسلام والمسلمين، وأهلك من في هلاكه صلاح للإسلام والمسلمين.
    اللهم من أراد الإسلام والمسلمين بسوء فأشغله بنفسه، وأجعل تدبيره تدميره يا حي يا قيوم يا عزيز.
    اللهم أنت خلقتَ أنفسَنا، وأنت تتوفاها، فزكِها أنت خيرُ من زكاها، أنتَ وليها ومولاها لك مماتَها ومحياها.
    اللهم إنا عبيدُك بنو عبيدِك بنو إيمائك، في حاجةٍ إلى رحمتِك وأنت غنيُ عن عذابنا، اللهم فجازِنا بالإحسانِ إحسانا وبالإساءةِ عفوا وغفرانا.
    اللهم آنس وحشتنا في القبور، وآمن فزعنا يوم البعثِ والنشور، وأغفر لنا ولجميعِ موتى المسلمين يا أرحم الراحمين. الهم صلي على محمد
    سبحان ربك رب العزة عن ما يصفون.
    وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

    * منقولة ببعض التصرف
                  

02-11-2011, 00:25 AM

كمال حسن
<aكمال حسن
تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 1352

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: كمال حسن)

    الحمدُ للهِ ثم الحمدُ لله، الحمدُ لله الواحدِ الأحدِ الفردِ الصمدِ الذي لم يلِدْ ولم يُولَدْ ولم يكن له كفواً أحد. الحمدُ لك رَبَّنَا على ما أنعمتَ عَلينا، الحمدُ للهِ الذي هدانا لِهذا وما كنَّا لنهتديَ لَوْلا أنْ هدانا اللهُ والصلاةُ والسلامُ على سَيدِنَا وحبِيبِنَا وعَظيمِنَا وقائدِنا وقرةِ أعينِنَا محمد، أرسلَهُ اللهُ رحمةً للعالمينَ هادياً ومبشراً ونذيراً وداعياً إلى اللهِ بإذنِهِ سراجاً وهاجاً وقمراً منيراً فَهَدَى اللهُ به الأمَّةَ وكشفَ بِهِ عنها الغُمَّة وبلَّغَ الرسالةَ وأدَّى الأمانةَ ونصحَ الأمةَ فجزاهُ اللهُ عنا خيرَ ما جزى نبياً من أنبيائِهِ، وأشهدُ أن لا إلهَ الا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ تنزَّهَ عن الأينِ والزمانِ والمكانِ، تنزّهَ عن مُشابَهَةِ المخلوقينَ ومماثَلَةِ المصنوعينَ حيٌّ قيّومٌ لا ينامُ لا يفنى ولا يبيدُ ولا يكونُ إلا ما يريدُ فعّالٌ لما يريدُ.

    و القائلُ في كتابهِ المبين ِ( لقد مَنَّ اللهُ على المؤمنينَ إذ بَعَثَ فيهم رسولا ًمِن أنفسهم يتلوا عليهم آياتِهِ ويُزكيهم ويُعلمُهُمُ الكتابَ والحِكمة َوإن كانوا من قبلُ لفي ضلال ٍمبين {164}) آل عمران .

    أحمَدُهُ تعالى وأستَهْديهِ وأسترشِدُهُ وأتوبُ اليهِ وأسْتِغفِرُهُ وأعوذُ باللهِ من شُرورِ أنفُسِنَا وسيِّئاتِ أعمالِنَا من يهْدِهِ اللهُ فهوَ المُهتد ومن يُضْلِلْ فلنْ تجدَ لَهُ ولياً مُرشِداً
    الصّلاةُ والسّلامُ عليكَ يا سيّدي يا رسولَ اللهِ يا من بَشَّرَ بمولِدِكَ وبِعْثَتِكَ الكُتُبُ السَّماويَّةُ أرسَلَ الله رسولَهُ بالهُدى ودينِ الحقِ ليُظهِرَهُ على الدّينِ كُلِّهِ ولو كره الكافرون وبَعَثَهُ اللهُ رحمةً مُهداةً للعالمينَ أقامَ صُرُوحَ العدلِ وحاربَ الظُّلمَ دَعَا الى عبادَةِ اللهِ الملكِ الديانِ وحارَبَ الشِّركَ وحطَّمَ الأوثانَ نَشَرَ الاخلاقَ الحميدَةَ وحارَبَ الرّذيلَةَ دَعَا الى مكارِمِ الاخلاقِ ونبذَ التباغُضِ والتَّحاسُدِ والتَّدابُرِ والتَّنَافُرِ بينَ المؤمنينَ، تَحولَتِ الجزيرةُ العربيَّةُ بمولِدِهِ وازدانَتْ بِبِعثَتِهِ فصارتْ مركزَ إشعاعِ نورٍ وهدْيٍ وبركةٍ وأسرارٍ عمَّ على العالمينَ.

    صلواتُ ربّي وسلامُهُ عليكَ يا سيّدي يا أبا القاسِمِ صَلَوَاتُ ربي وَسَلامُهُ عليكَ يا سيّدي يا رسولَ اللهِ.

    يا خـير من دُفِنَتْ بالقاعِ أعظُمُهُ, فطـاب من طيبِهِنَّ القاعُ والأكَمُ
    , نـفسي الفداء لقبٍر أنت سـاكِنُهُ, فيه الـعفافُ وفيه الجودُ والـكرمُ,
    أنت الشفيعُ الذي تُرجى شفاعَتُهُ, عِندَ الـصراطِ إذا ما زلَّت القـدمُ
    , وصـاحِباك لا أنسـاهـُما أبدا, مني السـلامُ عليكُم ما جرى القلمُ

    صلى عليكَ اللهُ يا علمَ الهُدى ، وإمامَ التقى، ما هبتِ النسائمُ، وما ناحت على الأيكِ الحمائمُ
    وبعدُ أيُّها المُسلمونَ : يا أمَّة َالهادي محمدٍ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ أَصغوا بقلوبـِكم، واحفظوا بصدورِكُم قولَ ربكم : ( لقد جاءَكم رسولٌ مِنْ أنفسِكُم عزيزٌ عليهِ ما عنِتـُّم حريصٌ عليكم بالمؤمنينَ رؤوفٌ رحيم{128}) التوبة .

    أما بعدُ أيُها الأحبةُ المسلمونَ، نحنُ اليومَ فيِ شهرِ ربيعٍ الأولِ الذي ولِدَ فيهِ سيدُ العالمينَ محمدٌ، نحنُ اليومَ نستقبلُ مناسبةً عظيمةً وذكرىً طيبةً عطرةً، ذكرى ولادَةِ فخرِ الكائناتِ سيدِنا محمدٍ عليه الصلاةُ والسلامُ.

    اللهُ عظّمَ قدرَ جَاهِ محمــدٍ وَأَنَالَهُ فَضلاً لديهِ عَظِيما

    في مُحكَمِ التنزيلِ قَالَ لِخَلقِهِ صَلُّوا عليهِ وَسَلِمُوا تَسْلِيما

    بَعدَ أن رُفِعَ عيسى بنُ مريمَ عليهِ السلامُ إلى السَّماءِ إلى محلِ كرامَةِ اللهِ بأقلَ من ستِمائةِ سنةٍ ولدَ مُحمدُ ابنُ عبدِ اللهِ الهاشميِ القرشيِ في مكَّةَ المكرمةِ وَسَبقَتْ ولادَتَهُ البشائرُ في الكتبِ السَّماويةِ وعلى لِسانِ الأنبياءِ كما روى غيرُ واحدٍ من المحدثينَ رواياتٍ تدعَمُ ثبوتَ هذه البَشائرِ.
    ومِنها ما رواهُ الحاكِمُ النيسابوريُّ في المستدرَكِ من أنَّه لمّا اقترفَ آدمُ الخطيئةَ أي أكلَ من الشجرةِ وقد نهاهُ اللهُ عن أن يأكلَ منها قال: يا ربِ اسألُكَ بحقِ محمدٍ إلا غَفَرتَ لي، وهذا قبلَ أن يولدَ محمدٌ صلى الله عليه وسلم فقالَ الله الذي لا تخفى عليه خافية ولا يغيب عن علمه شئ: وكيفَ عرفتَ محمداً ولم أخلقْهُ بعدُ، قالَ: رفعتُ رأسي إلى قوائِمِ العرشِ فوجدتُ مكتوباً لا إلهَ إلا اللهُ محمدٌ رسولُ اللهِ فعرفتُ أنكَ لم تُضِفْ إلى اسمِكَ إلا أحبَّ الخلقِ إليكَ.

    الصلاةُ والسلامُ عليكَ يا سيدي يا رسولَ اللهِ بشّرَ بك ءادمُ عليهِ السلامُ وَعَرِفَتِ الملائكةُ بِنُبُوتِكَ وبِعْثَتِكَ قَبلَ أن تَكْتَمِلَ خِلْقَةُ ءادمَ عليهِ السلامُ وهذا معنى كلامِ النبيِ صلى الله عليه وسلم كنتُ نبياً وءادمُ بينَ الروحِ والجسدِ، أي عُرِفتُ بِوصفِ النبوةِ بينَ الملأِ الأعلى سكانِ السماءِ الملائكةِ ولم تَكتَمِلْ خِلْقَةُ ءادمَ عليه السلامُ وكذلك بَشَّرَ به نبيُ اللهِ إبراهيمُ كما أخبرَنَا اللهُ تَعَالى في القرءانِ الكريمِ عن ابراهيمَ أنَّهُ قالَ: {ربَّنَا وابعَثْ فيهم رَسُولاً منهم يَتلُو عليهم ءاياتِكَ وَيُعلِمُهُمُ الكتابَ والحكمةَ ويزكِيهم إنك أنتَ العزيزُ الحكيمُ} وفي هذا روى الإمامُ أحمدُ عن أبي أمامةَ قُلتُ يا رسولَ اللهِ ما كانَ بدءُ أمرِكَ قَالَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "دعوةُ أبي إبراهيم" أَلَيسَ قالَ اللهُ تعالى إخباراً عن عيسى بنِ مريمَ عليه السلامُ {ومبشراً برسولٍ يأتي من بعدي اسمُهُ أحمد} أَلَيسَ قالَ رسول الله: "ورأت أمّي انه يخرُجُ منها نُورٌ أضاءت لَهُ قُصورُ الشامِ".

    هَذا النبيُ العظيمُ الذي سَبَقَتْ ولادتَهُ البشائرُ وُلِدَ يتيماً قد كانَ ماتَ أبوهُ قبلَ ذلك ولما كانَ ابنَ سِتِ سنين مَاتَتْ أُمُه بالأبواءِ بين مكةَ والمدينةِ المنّورةِ ولما صارَ عُمرُهُ ثَماني سنين مَاتَ جدُهُ عبدُ المطلبِ وشبَّ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ونشأَ صلى الله عليه وسلم حتى بلغَ أن كانَ رجلاً أفضلَ قَومِهِ مُروءةً وأحْسَنَهُم خُلُقاً وأكرمَهُم مخالطَةً وأحسَنَهُمْ مُجاورةً وأعظَمَهُمْ حِلماً وأمانةً وأبعَدَهُمْ عن الفحشاءِ والأذى والرذائِلِ. لَمْ يُعرَفْ عليه رذيلةٌ واحدةٌ لا قبلَ النبوةِ ولا بعدَهَا، تَزوجَ وكانَ أولَ ما تزوجَ وكانَ ابنَ خمسٍ وعشرينَ تزوجَ امرأةً شريفةً في قومِهَا عَفيفةً، خديجةَ بِنتَ خويلِدْ، كانتْ تاجرةً وهُنَا يُردُّ على الذينَ يكيلُونَ التُّهَمَ إلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بأنَّهُ كانَ ولُوعَ القلبِ بالنساءِ، فإنَّ أصغرَ نسائِهِ سناً عائشةَ رضي الله عنها لما كانَ دورُ المبيتِ عِندَهَا في بيتها كَانَ النبيُ صلى الله عليه وسلم يستأذِنُهَا ويذهبُ ليلاً إلى البقيعِ مدفَنِ المسلمين يَدعُو اللهَ تعالى للمسلمينَ ويتركُ أصغرَ زوجاتِهِ وأجملهنَّ وما عدَّدَ النساءَ إلا لِحِكَمٍ منها أنَّه صلى الله عليه وسلم تزوجَ من قبائِلَ مُتعددةٍ وفي هذا تأليفٌ لما بينَ قبائلِ العربِ، ثمَّ إنَّ تعليمَ أحكامِ الإسلامِ المتعلقةِ بالنساءِ أسرعُ انتشاراً من النساءِ إلى النساءِ ولم يكن صلى الله عليه وسلم ولوعَ القلبِ بالنساءِ بل كان عليه الصلاة والسلام شديدَ الخشيةِ من اللهِ تعالى يبكي جوفَ الليلِ.

    يقولُ اللهُ تباركَ وتعالى: {الذِينَ يَتَّبِعُونَ الرسولَ النبيَ الامّيَ الذي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ في التَّوراةِ والإنجِيلِ يَأمُرُهُمْ بِالمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ المُنْكَرِ وَيُحِلُ لَهُمُ الطيِبَاتِ وَيُحَرّمُ عَلَيهِمُ الخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إصْرَهُمْ والأغْلالَ التي كانَتْ عَلَيْهِم، فَالذينَ ءامَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ واتَّبَعُوا النُورَ الذي أُنْزِلَ مَعَهُ أولئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ).

    اللهُ عظّمَ قدرَ جاهِ محمدٍ وأنالَهُ فضلاً لديهِ عَظيماً
    واللهُ تَعَالى أخذَ العهدَ والميثاقَ على جميعِ النبيينَ أن يؤمنوا بنبيِ ءاخرِ الزمانِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم.

    قال اللهُ تعالى: {وإذْ أخذَ اللهُ ميثاقَ النبيين لمَا آتيتُكُم من كتابٍ وحكمةٍ ثم جاءَكُم رسولٌ مصدقٌ لما معكم لتُؤمِنُنَّ به ولَتَنصُرنَّه قال أأقررتم وأخذتم على ذالكمْ إصري قالوا أقررنا قالَ فاشهدوا وأَنَا معكم من الشاهدين} مَا من نبيٍ إلا واخذَ اللهُ عليهِ العهدَ والميثاقَ أنْ يؤمنَ بنبيِ آخرِ الزمانِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم وما من نبيٍ إلا وبلّغَ قَومَهُ "من أدرَكَ منكم محمداً صلى الله عليه وسلم فَليُؤمِنْ بِهِ وليناصِرْهُ وليؤازِرْه".

    اليمنُ كانَ حكامُهَا يُسمَّوْنَ التبابعةَ، وَتبَّعُ الأوسَطُ أسعدُ الحميريُ كان أحدَ حكامِ اليمنِ قبل ستِمائةِ عامٍ وشىءٍ من بِعثَةِ ومولِدِ النبيِ عليهِ الصلاة والسلام ما بينَ موسى وعيسى، صُفَّتْ له الجيادُ من بلادِ اليمنِ إلى بلادِ الشامِ، تَوجَّهَ اليها ليكسِرَهَا وليجعَلَهَا تحتَ سلطانِهِ فَمرَّ وهو بطريقِهِ من اليمنِ إلى بلادِ الشامِ، مَرَّ بالمدينةِ المنورةِ يثربَ فالتقى بِحَبرينِ من أحبارِ اليهودِ المسلمينَ الذينَ كانوا على دينِ موسى عليه السلام وقد قَرَأا في التوراةِ البشرى بِبعثةِ نبيِ آخِرِ الزمانِ محمدٍ عليه الصلاة والسلام فقالا لأسعدَ الحميريِ تبَّعَ الاوسطِ الذي ذكَرَهُ اللهُ تعالى في القرءانِ الكريمِ في سورةِ الدخانِ بقوله :{أهُمْ خيرٌ أم قومُ تُبَّع}، أسعدُ الحميريُ هذا قالا له هذهِ المدينةُ أي يثربُ أي التي صارت فيما بعدُ المدينةَ المنورةَ مُهَاجَرُ نبيِ آخِرِ الزمانِ أحمد، أي سيهاجر اليها نبيُ آخرِ الزمانِ أحمدٌ صلى الله عليه وسلم كما قرأ كلاهُمَا في التوراةِ فأنشدَ يَقُولُ:

    شَهدتُ على أحمدٍ أنَّه رسولٌ من اللهِ باري النَّسمْ
    ولو مُدَّ عُمري إلى عُمْرِهِ لكُنْتُ وزيراً له وابنَ عَمْ
    وَجَاهَدتُ بالسيفِ أعداءَهُ وفرّجتُ عن صَدرِهِ كُلَّ غَمْ

    فَصارَ أهلُ المدينةِ المنورةِ منذ ذلك الحينِ يحفظونَ هذه الأبياتِ التي قالَهَا أسعدُ الحميريُ تبَّعُ الاوسطُ حتى صاروا يحفظونَهَا خلفاً عن سلفٍ وكان مِمَّنْ حَفِظَهَا أبو أيوبٍ الأنصاريُ الذي نزلَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أوَّلَ ما نزلَ يومَ وصلَ المدينةَ مُهاجِراً، نَزلَ في بيتِ أبي أيوبٍ الأنصاريِ وكانَ يُسَمَّى خالدَ بن زيدٍ.

    هكذا البشائرُ على لسانِ الأنبياءِ وفي الكتبِ السماويةِ المطهَّرةِ ببعثةِ خيرِ الأنبياءِ وأفضلِ العالمينَ محمدٍ وأحمدٍ والماحي والعاقبِ والحاشِرِ، لَهُ صلى الله عليه وسلم خمسةُ أسماءٍ: محمدٌ واحمدٌ والماحي أي الذي يمحو اللهُ به الذنوبَ والخطايا والعاقِبُ أي الذي لا نبيَ بَعدَهُ والحاشِرُ أي الذي يُحشرُ الناسُ عندَ قدمِهِ يومَ القيامةِ.

    هذه بعضٌ من أخبارِ البشائرِ ببعثةِ ومولدِ خيرِ الانبياءِ محمدٍ عليه الصلاة والسلام وفي الصحيحِ أنَّ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم مرَّ بنبراسِ اليهودِ فقالَ لهم: "يا مَعْشَرَ اليهودِ، أسلِمُوا فوالذي نفسي بيدِهِ إنكم لَتَجدونَ صِفتي في كُتُبِكُم" ولكنهم حرّفوا التوراة.
    أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

    الخطبة الثانية

    الحمدُ للهِ ذي الطـَّول ِوالإنعام،أكرَمَنا بالإيمان ِ، وأنعمَ علينا بالإسلام ِ.
    والصلاة ُوالسلامُ على خيرِ الأنام، وخاتم ِالأنبياءِ والرسل ِالكِرام، صلاة ًدائمة ًطيبة ً مباركاً فيها، تليقُ بصاحبِ الذكرى . صلى اللهُ على مُحمدٍ ، صلى اللهُ عليهِ وسلم .
    وبعدُ أيُّها المُسلمون: ها أنتم وقد تلبَّستم بالصلاةِ والزكاةِ والصوم ِوالحجِّ وهي فرائضُ فردية ٌ، وتقاعستم عن فرائضَ شموليةٍ لا يَـقتصِرُ على الفردِ الواحدِ تعطيلـُهَا، بل يتعدى أمَّة َالإسلام ِ بمجموعِهَا وبوصفِها أمَّة . كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر
    لم تكن هذهِ إلاَّ بعضٌ من وصايا العزيزِ الرؤوفِ الرحيم . فلا تخالفوا أمَرَهُ, ولا تحيدوا عن هداهُ, فقد كانَ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ اأحرصَ الناس ِعليكُم في حياتِهِ وأرشَدَكُم لخيرِ أمركُم بعدَ مماتهِ،
    فاجعلوا من هذهِ الذكرى توبة ًإلى اللهِ وأوبَة ً, لِتـُحشروا مَعَ صاحبِ الذكرى
    يقولُ الرسولُ الأكرمُ صلى اللهُ عليهِ وسلمَ: ( تركتُ فيكم ما إن تمسكتم بهِ فلن تضلوا بعدي أبداً، كتابَ اللهِ وَسُنتي) وكتابُ اللهِ هو الفرقانُ الذي أنزلهُ على عبدِهِ ليكونَ للعالمينَ نذيراً. وسنتي أيّ طريقتي .

    ويقولُ أيضاً: (من رَغبَ عن سنتي فليسَ مني) أيّ : من حادَ عنها وتركها. وسُنـَّتـُهُ عليهِ السلامُ هي كُلُّ ما صَدَرَ عنهُ من قول ٍأو فعل ٍأو إقرارٍ . ومنها الواجبُ والمندوبُ والمباحُ . ومنها نهيُهُ الجازمُ وهو الحرامُ، وغيرُ الجازم ِوهو المكروهُ .
    وكانت مواقِفهُ مبدئية ً، فمَا هادنَ , ولا داهنَ, ولا تنازلَ , ولا زلَّ, كانَ محلَّ الأسوةِ، وصاحبَ القدوةِ , وهذا موقفٌ عظيمٌ لصانع ِالمواقفِ العظيمةِ في الأوقاتِ العصيبةِ فالتزموا هُدَاهُ ( يا عَمُّ، واللهِ لو وضعوا الشمسَ في يميني والقمرَ في يساري على أن أتركَ هذا الأمرَ ما تركتـُهُ حتى يُظهرَهُ اللهُ ،أو أهلـَكَ فيهِ ما ترَكتهُ). وأيُّ أمرٍ هذا إنهُ نفسُ الأمرِ الذي قالَ فيهِ ( سَيَبلغ ُهذا الأمرُ ما بلغ َالليلُ والنهار) والأمرُ هنا هو الإسلامُ، وأيُّ إسلام ٍ إنـَّهُ الإسلامُ بمجموعِهِ بعقيدتهِ المُتميزَةِ , المُتفردَةِ بالوحدانيةِ والربوبيةِ والتدبير، وما انبثقَ منها وعنها من أفكارٍ وأنظمةٍ مُجتمِعَةٍ ومعالجاتٍ محددةٍ ، غيرِ مجزأةٍ ولا أنصافِ حلول.
    جاءنا الهادي عليهِ السلامُ بالإسلام ِالتامِّ والكامل ِ, منَ الكامل ِكمالاً مطلقاً جلَّ وعلا .
    وصدق الله: (اليومَ أكملتُ لكم دينـَكُم، وأتمَمتُ عليكُم نعمتي، ورضيتُ لكُمُ الإسلامَ دينا{3}) المائده .
    فهل ِالتامُّ بحاجةٍ لإتمام، أوِ الكاملُ بحاجةٍ لإكمال لا وربِّي فلا تزيدوا عليهِ ما ليسَ منهُ، ولا تنسِبُوا إليهِ ما ليسَ فيه
    فكونوا منَ الغرباءِ الذينَ وجدوا كتاباً عَطـَّلهُ الناسُ وسُنـَّة ًأماتوها، فعَمِلوا على إحياءِ الكتابِ وإظهارِ السُّنةِ، لِتعُزُّوا
    وتسُودوا، وبهذا تكونونَ بحق ٍقد أحييتم ذكرى نبيِِّكـُم صلى اللهُ عليهِ وسلمَ
    عِبادَ اللهِ اتّقُوا اللهَ في السّرِ والعَلَنِ، واعْلَمُوا بأنّ اللهَ أَمَرَكُم بأَمْرٍ عَظيمٍ، أَمَرَكُم بالصّلاةِ على نبيِّهِ الكريمِ فَقَالَ: ﴿إنّ اللهَ وملائِكَتَهُ يُصلّونَ على النّبيِ يا أيُّها الذينَ ءامَنُوا صلّوا عَلَيْهِ وَسلِّمُوا تَسْليماً﴾ اللّهُمّ صلّ على محمدٍ وعلى ءالِ محمدٍ كما صلّيْتَ على إبراهيمَ وعلى ءالِ إبراهيمَ إنّكَ حميدٌ مجيدٌ اللّهُمَّ بارِكْ على محمدٍ وعلى ءالِ محمدٍ كَمَا بَاركْتَ على إبراهيمَ وعلى ءالِ إبراهيمَ إنّكَ حميدٌ مجيدٌ . اللّهُمّ يا ربّنا إنّا دَعَوْناكَ فاستجِبْ لَنَا دُعاءَنَا فاغفِرِ اللّهُمّ لنا ذُنُوبَنَا وإسْرَافَنَا في أمْرِنَا وَكَفِّرْ عنّا سيّئاتِنَا وَتَوَفَّنَا بِرَحمتِكَ مُؤمنينَ يا ربَّ العالمينَ. اللّهُم اغفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا اللّهُم اغفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا اللّهُم نَقِّنَا من الذُّنوبِ والخَطَايَا كَمَا يُنَقَّى الثَّوْبُ الأبيَضُ مِنَ الدّنَسِ يا ربَّ العالمينَ اللّهُمّ عَلِّمْنَا ما جَهِلْنَا وذَكِّرْنَا ما نَسِينَا واجعَلِ القُرءانَ ربيعَ قُلُوبِنَا ونُوراً لأبْصارِنَا وَجَوَارِحِنَا وَتَوَفَّنَا على هَدْيِهِ وأكْرِمْنَا بِحِفْظِهِ واحْفَظْنَا بِبَرَكَتِهِ وَبَرَكَةِ نَبيِّكَ مُحمدٍ عليهِ الصّلاةُ والسّلامُ، اللّهُمّ ارْحَمْنَا بِرَحْمَتِكَ الوَاسِعَةِ، اللّهُمَّ ارْحَمْنَا بِنَبِيِّكَ والقُرْءانِ، اللّهُمَّ مَنْ أَحْيَيْتَهُ مِنّا فَأَحْيِهِ عَلَى الإسْلامِ وَمَنْ تَوَفَّيْتَهُ مِنَّا فَتَوَفَّهُ عَلَى الإيمانِ يَا رَبَّ العَالمَينَ. اللّهُمَّ ارْزُقْنَا قَلْباً خَاشِعاً وَلِسَاناً ذَاكِراً وَجَوارِحَ طَائِعَةً يَا رَبَّ العَالَمينَ وَعَيْنَينِ هَطَّالَتَينِ بِالدَّمْعِ تَبْكِيانِ مَنْ خَشْيَتِكَ يا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ. اللّهُمَّ ءاتِ نُفُوسَنَا تَقْواهَا. وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيرُ مَنْ زَكَّاهَا. اللّهُمَّ صَلِّ عَلَى حَبِيبِكَ مُحَمَّدٍ صَلاةً تُفَرِّجُ بِهَا الكُرُبَاتِ عَنْ أُمَّتِهِ يَا رَبَّ العَالمَينَ. اللّهُمَّ صَلِّ عَلَى حَبِيبِكَ مُحَمَّدٍ صَلاةً تُؤتِي بِهَا كُلاًّ مِنَّا سُؤْلَهُ يَا أَكْرَمَ الأَكْرَمِينَ. اللّهُمَّ شَفِّعْهُ فِينَا، اللّهُمَّ شَفِّعْهُ فِينَا، اللّهُمَّ شَفِّعْهُ فِينَا، اللَّهُمَّ اسْقِنَا شُرْبَةً بِيَدِهِ مِنْ حَوْضِهِ الطَّاهِرِ المُبَارَكِ يَا رَبَّ العَالمَينَ. اللَّهُمَّ وَاعْفُ عَنْ زَلاتِنَا اللَّهُمَّ وَارْحَمْ ضَعْفَنَا يَا رَبَّ العَالَمِينَ بِجَاهِ حَبِيبِكَ وَرَسُولِكَ وَنَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ. واغفِرِ اللّهُمَ للمُؤمنينَ والمؤمناتِ الأحْياءِ مِنهُم والأمواتِ إنّكَ سميعٌ قريبٌ مجيبُ الدّعواتِ عِبادَ اللهِ إنّ اللهَ يأمُرُ بالعدلِ والإحسانِ وإيتاءِ ذي القُربى ويَنْهى عنِ الفَحْشاءِ والمُنكَرِ والبغْيِ يَعِظُكُمْ لعلّكُم تَذَكّرُونَ أُذكُرُوا اللهَ العظيمَ يَذْكُرْكُمْ واشكُرُوهُ يَزِدْكُمْ واسْتَغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ واتّقُوهُ يَجْعَلْ لَكُمْ مِنْ أمْرِكُمْ مَخْرَجاً



    * منقولة بتصرف
                  

02-11-2011, 10:14 AM

كمال حسن
<aكمال حسن
تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 1352

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: كمال حسن)

    صلوات ربي وسلامه على المصطفى صلى الله عليه وسلم
    وعلى آله و أصحابه وأذواجه الطاهرين
                  

02-11-2011, 02:46 PM

كمال حسن
<aكمال حسن
تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 1352

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: كمال حسن)

    فلنكن منَ الغرباءِ الذينَ وجدوا كتاباً عَطـَّلهُ الناسُ وسُنـَّة ًأماتوها، فعَمِلوا على إحياءِ الكتابِ وإظهارِ السُّنةِ،
    وبهذا نكون بحق ٍقد أحيينا ذكرى نبيِّنا صلوات ربي وسلامه عليه
                  

02-18-2011, 11:17 AM

كمال حسن
<aكمال حسن
تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 1352

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: كمال حسن)

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً، ولم يكن له شريك في الملك، وما كان معه من إله، الذي لا إله إلا هو، فلا خالق غيره، ولا رب سواه، المستحق لجميع أنواع العبادة، ولذا قضى ألا نعبد إلا إياه، ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ [الحج:62]. هو الواحد الذي لا ضد له، وهو الصمد الذي لا منازع له، وهو الغني الذي لا حاجة له، وهو القوي الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، هو جبار السماوات والأرض، فلا رَادَّ لحكمه ولا معقب لقضائه وأمره. وأشهد أن حبيبنا محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، أدى الأمانة، وبلغ الرسالة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، اللهم اجزه عنا خير ما جازيت نبياً عن أمته ورسولاً عن دعوته ورسالته، وَصَلِّ اللهم وسلم وزد وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين. أما بعد: فحيا الله المحبين للعلم والعلماء، حياكم الله جميعاً وطبتم وطاب ممشاكم، وتبوأتم من الجنة منزلاً، وأسأل الله جل وعلا أن ينظر وجوهكم، وأن يزكي نفوسكم، وأن يشرح صدوركم، وأن يجمعني وإياكم في الدنيا دائماً وأبداً على طاعته وفي الآخرة مع سيد الدعاة وإمام النبيين وسيد المرسلين في جنته ومستقر رحمته، إنه ولي ذلك ومولاه وهو على كل شيء قدير.
    الأحبة في الله! إننا الليلة على موعد مع محاضرة في الرقائق، والحق أقول: إننا نعيش عصراً طغت فيه الماديات والشهوات وغفل كثير من الناس عن طاعة رب الأرض والسماوات؛ أن القلوب تصدأ، وأن هذه القلوب تحتاج من آن إلى آخر إلى من يذكرها بعلام الغيوب، فتعالوا بنا الليلة؛ لنعيش مع كلام الحق، مع قول الصدق، مع أصل العز والشرف، مع نبع الكرامة والهدى، مع القرآن الكريم، مع القرآن الذي ضيعته الأمة فضاعت، مع القرآن الذي هجرته الأمة فأذلها الله ، مع القرآن الذي ظنت الأمة أنه ما أنزل إلا ليكتب على الجدران، أو ليوضع في علب القطيفة الفخمة الضخمة، ويهدى إلى سادة القوم وَعِلْيَةِ الناس في المناسبات الرسمية والوطنية وغيرها. تعالوا لنعيش الليلة مع آيات من القرآن الذي قال الله عز وجل فيه: (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا * وَأَنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا)الإسراء

    سنعيش الليلة مع آيات من كتاب الله عز وجل، فأعيروني القلوب والأسماع أيها الأخيار! أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ * وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ * وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ * لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ [ق]. (وجاءت سكرة الموت بالحق) والحق: أنك تموت والله حي لا يموت. (وجاءت سكرة الموت بالحق) والحق: أن ترى عند موتك ملائكة الرحمة أو ملائكة العذاب. (وجاءت سكرة الموت بالحق) والحق: أن يكون قبرك روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النيران. (وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد) ذلك ما كنت منه تفر، ذلك ما كنت منه تهرب، ذلك ما كنت منه تجري، تحيد إلى الطبيب إذا جاءك المرض، وتحيد إلى الطعام إذا أحسست بالجوع، وتحيد إلى الشراب إذا أحسست بالظمأ، ولكن أيها القوي الفتي! أيها الذكي العبقري! يا أيها الوزير! ويا أيها الأمير! ويا أيها الكبير! ويا أيها الصغير! اعلم أن: كـل باك سيبكى وكـل نـاع سينعى كل مذكور سيفنى كل مذكور سينسى ليس غـير الله يبقى من عـلا فالله أعلـى (وجاءت سكرة الموت بالحق) إنها الحقيقة الكبرى التي تعلن على مدى الزمان والمكان في أذن كل سامع، وعقل كل مفكر، ورأس كل طاغوت: البقاء لله الحي الذي لا يموت، إنها الحقيقة الكبرى التي تصبغ الحياة البشرية كلها بصبغة الذل والعبودية لقهار السماوات والأرض، إنها الحقيقة الكبرى التي تسربل بها طوعاً أو كرهاً العصاة والطائعون، بل والأنبياء والمرسلون، إنها الحقيقة التي أمرنا حبيبنا ونبينا وقدوتنا وقرة أعيننا محمد صلى الله عليه وسلم أن نذكرها ولا ننساها، كما في الحديث الذي رواه الترمذي بسند حسن من حديث فاروق الأمة عمر أنه صلى الله عليه وسلم قال: (أكثروا من ذكر هادم اللذات)، وفي لفظ: (أكثروا من ذكر هاذم اللذات، قيل: وما هاذم اللذات يا رسول الله؟! قال: الموت)، إنه الموت أيها الأحباب! ......

    يا من عشت للدنيا! يا من عشت للكرسي الزائل! يا من عشت للمنصب الفاني! يا من ظننت أن كرسيك لا يزول! ويا من ظننت أن منصبك لا يفنى! أين الحبيب رسول الله؟! أين سيد الخلق؟! أين حبيب الحق؟! أين من قال له ربه: وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ أَفَإِينْ مِتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ [الأنبياء:34] ؟! . أيا عبـد كم يراك الله عاصياً حريصاً على الدنيا وللموت ناسيا نسيت لقاء الله واللحد والثرى ويوماً عبوساً تشيب فيه النواصيا إذا المرء لم يلبس ثياباً من التقى تجرد عرياناً ولو كان كاسيا ولو كانت الدنيا تدوم لأهلها لكان رسول الله حيَّاً وباقياً ولكنها تفنى ويفنى نعيمها وتبقى الذنوب والمعاصي كما هيا كم ستعيش؟ إن عمرك في حساب الزمن لحظات، وما هي النتيجة؟ وما هي النهاية؟ يا أيها الإنسان! يا أيها الكبير! ويا أيها الصغير! يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ [الانشقاق:6]، وقال تعالى: كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ * وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ * وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ * وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ [القيامة:26-30]. ويفتح سِجِلُّكَ يا مسكين! ويفتح ملفك يا غافل! وإذا به فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى * وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى [القيامة:31-32]، سمع الأذان وسمع النداء يقول: حيَّ على الصلاة، حيَّ على الفلاح، وهو ما زال جالساً على المقهى في معصية الله جل وعلا، لم يُجِبْ نداء الحق جل وعلا. تأتي للصلاة في فتور كأنك قد دعيت إلى البلاء وإن أديتها جاءت بنقص لما قد كان من شرك الرياء وإن تخلو عن الإشراك فيها تدبر للأمور بالارتقاء ويا ليت التدبر في مباح ولكن في المشقة والشقاء وإن كنت المصلي يوماً بين خلقٍ أطلت ركوعها بالانحناء وتعجل خوف تأخير لشغل كأن الشغل أولى من لقاه وإن كنت المجالس يوماً أنسا قطعت الوقت من غير اكتفاء أيا عبد لا يساوي الله معـ ك أنساً تناجيه بحب أو صفاء يا غافل! يا لاهي! أيها الساهي! يا من نسيت حقيقة الدنيا ونسيت الآخرة! يا من تركت الصلاة! يا من ضيعت حقوق الله! يا من عذبت الموحدين لله! يا من بارزت رسول الله بالمعصية! يا من عق أباه! يا من عق أمه! يا من قطع رحمه! يا من ضيع حقوق الله! دع عنك ما قد فات في زمن الصبا واذكر ذنوبك وابكها يا مذنب لم ينسه الملكان حين نسيته بل أثبتاه وأنت لاه تلعب والروح منك وديعة أودعتها ستردها بالرغم منك وتسلب وغـرور دنيـاك التي تسعى لهـا دار حقيقتها متاع يذهب الليل فاعلم والنهار كلاهما أنفاسنا فيهما تعد وتحسب ......

    كَلَّا إِذَا بَلَغَتِ التَّرَاقِيَ [القيامة:26] أي: إذا بلغت الروح الترقوة وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ [القيامة:27] من الذي سيرقيه؟! من الذي سيبذل له الرقية؟! من الذي سيبذل له العلاج؟! فهو من هو؟! هو الملك .. هو الحاكم .. هو الوزير .. هو الأمير، صاحب الجاه .. صاحب المنصب .. صاحب السلطان، احضروا الأطباء، احضروا الطائرة الخاصة؛ لتنقله على الفور إلى أكبر المستشفيات وأكبر الأطباء، ولكن إذا اقتربت ساعة الصفر وانتهى الأجل لا تستطيع قوة على ظهر الأرض، ولا يستطيع أهل الأرض ولو تحولوا جميعاً إلى أطباء أن يحولوا بينك وبين ما أراد رب الأرض والسماء، ولو كنتم في بروج مشيدة، انظر إليه: الأطباء من حول رأسه وقد حان الاحتضار، فاصفر وجهه وشحب لونه وبردت أطرافه وتجعد جلده، وبدأ يحس بزمهرير قارس يزحف إلى أنامل يديه وقدميه، يحاول جاهداً أن يحرك شفتيه بكلمة التوحيد فيحس أن الشفة كالجبل لا يتزحزح! إلا لمن يسر الله له النطق بكلمة التوحيد، فينظر إلى الأطباء من حول رأسه، وينظر إلى زوجته، وإلى أولاده وإلى أحبابه وإلى إخوانه نظرة استعطاف، نظرة أمل، نظرة تمنٍّ، فهو يقول لهم بلسان الحال، بل وبلسان المقال: يا أحبابي! يا أولادي! أنا أخوكم، أنا أبوكم، أنا حبيبكم، أنا الذي بنيت القصور، وأنا الذي عمرت الدور، وأنا الذي نَميْتُ التجارة، فمن منكم يزيد في عمري ساعة أو ساعتين؟! وهنا يعلو صوت الحق: فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ * وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ * وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ * فَلَوْلا إِنْ كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ * تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ * فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ * وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ * وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ * فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ * وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ * إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ * فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ [الواقعة:83-96]. سبحانك يا من ذَلَلْتَ بالموت رقاب الجبابرة سبحانك! يا من ذَلَلْتَ بالموت رقاب الأكاسرة، سبحانك! يا من ذللت بالموت رقاب القياصرة! فنقلتهم بالموت من القصور إلى القبور، ومن ضياء الغرف والمهود إلى ظلمة اللحود، ومن ملاعبة الجواري والغلمان إلى مقاساة الهَوَامِّ والديدان، ومن التنعم بالطعام والشراب إلى التمرغ في الوحل والتراب، سبحانك!......


    وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ [القيامة:27] من يرقيه؟! من يكتب له الرقية؟ من يعطيه العلاج؟! من يحول بينه وبين الموت؟! لا أحد، (وَقِيلَ مَنْ رَاقٍ) وقيل فيها تفسير آخر: من يرتقي بروحه بعدما فارقت جسده إلى الله جل وعلا؟! (من راق) من الذي سيرتقي بها من الملائكة؟ وَظَنَّ أَنَّهُ الْفِرَاقُ * وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ [القيامة:28-30]. سَفرِيْ بعيد وزادي لـن يبلغني وقوتي ضعفت والموت يطلبـني ولي بقايا ذنوب لست أعلمهـا الله يعلمهـا في السـر والعلـنِ أنا الذي أغلق الأبواب مجتهـداً على المعاصي وعين اللـه تنظرني ما أحلم الله عني حيث أمهلـني وقد تماديت في ذنبي ويستـرني كأنني بين جل الأهل منطرحـاً على الفراش وأيديهـم تقلبـني وقد أتوا بطبيب كـي يعالجـني ولم أر الطِّب هذا اليـوم ينفعـني واشتد نزعي وصار الموت يجذبهـا من كل عـرق بلا رفق ولا هون وقام من كان حِـبَّ النـاس في عجل نحـو المغسل يأتيني يغسلني فجاءني رجل منهم فجـردني من الثيـاب وأعـراني وأفـردني وأودعوني على الألواح منطـرحاً وصار فوقي خرير الماء يُنْظِفُـنِي وأسكب الماء من فوقي وَغَسَّلَـنِي غسلاً ثلاثاً ونادى القوم بالكفنِ وَحَمَّلُوني على الأكتاف أربعة من الرجال وخلفـي من يشيعني وقدموني إلى المحراب وانصرفــوا خلف الإمام فصلـى ثم ودعني صلوا علي صلاة لا ركوع لهــا ولا سجود لعـل الله يرحمـني وأنزلوني إلى قبري علـى مَهَــلٍ وَقَدَّمُوْا واحداً منهـم يُلَحِّـدُنِي فَكَشَّفَ الثوب عن وجهي لينظرني فأسكب الدمع من عينيه أغرقنـي وقال هلوا عليه التُّرْب واغتنمـوا حسن الثواب من الرحمن ذي اِلمنَنِ وتقاسم الأهل مالي بعدما انصرفـوا وصار وزري على ظهري فأثقلني يا نفس كفي عن العصيان واغتنمي حسن الثواب من الرحمن ذي المنن وقال آخر: أيامن يدعي الفهـم إلى كم يا أخا الوهم تعبي الذنب والذم وتخطي الخطأ الجـم أما بان لك العيب أما أنذرك الشـيب وما في نصحه ريب أما نادى بك الموت أما أسمعك الصوت أما تخشى من الفوت فتحتاط وتهتــم فكم تسير في الزهو وتنقـض إلى اللهو كأن الموت ما عم كـأني بك تنحط إلى اللحـد وتنغــط وقد أسلمك الرهط إلى أضيـق مــن سَمْ هناك الجسم ممـدود ليستأكلــه الــدود إلى أن ينخر العـود ويمســي العظم قد رَمْ فزود نفسك الخـير ودع مـا يعقب الضـير وهيء مركب السير وخــف من لجة اليـم بذا أوصيك يا صاح وقـد بحتك من بـاح فطـوبى لفتى راح بـآداب محمــد يأتم ......


    قال الله: وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ [ق:19]، فالموت حق أيها الأحبة! ولو كان الأمر ينتهي عند الموت لاسترحنا كثيراً، ولكن بعد الموت بعث، وبعد البعث حساب، وفي الحساب سؤال، والسؤال بين يدي ملك الملوك وجبار السماوات والأرض. إن الموت حقيقة لا تنكر، ورحم الله الفضيل بن عياض إذ لقيه رجل فسأله الفضيل عن عمره فقال الرجل: عمري ستون سنة، قال الفضيل : إذاً أنت منذ ستين سنة تسير إلى الله، يوشك أن تصل. فقال الرجل: إنا لله وإنا إليه راجعون، قال الفضيل : هل عرفت معناها؟ قال: نعم، عرفت أني لله عبد، وأني إلى الله راجع، فقال الفضيل : يا أخي! إن من عرف أنه لله عبد وأنه إلى الله راجع عرف أنه موقوف بين يديه، ومن عرف أنه موقوف عرف أنه مسئول، ومن عرف أنه مسئول فَلْيُعِدَّ للسؤال جواباً، فبكى الرجل وقال: يا فضيل ! وما الحيلة؟ قال الفضيل : يسيرة. قال: ما هي يرحمك الله؟ قال: أن تتقي الله فيما بقي، يغفر الله لك ما قد مضى وما قد بقي. ورضي الله عن هارون الرشيد الذي يوم أن نام على فراش موته قال: أريد أن أرى قبري الذي سأدفن فيه، فحملوا هارون إلى قبره، هارون الذي كان يخاطب السحابة في كبد السماء ويقول لها: أيتها السحابة! في أي مكان شئت فأمطري فسوف يُحْمَلُ إلي خراجك هاهنا إن شاء الله، حمل ليرى قبره فنظر هارون إلى قبره وبكى، ثم التفت إلى أحبابه من حوله، وقال: مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ [الحاقة:28-29]، أين المال؟! أين الدولارات؟! أين السيارات؟! أين العمارات؟! أين الأراضي؟! أين السلطان؟! أين الجاه؟! أين الوزارة؟! أين الإمارة؟! أين الجند؟! أين الحرس؟! أين الكرسي الزائل؟! أين المنصب الفاني؟! مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ [الحاقة:28-29]، وبكى هارون وارتفع صوته ونظر إلى السماء وقال: يا من لا يزول ملكه! ارحم من قد زال ملكه، لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ [غافر:16]، أين الفراعنة؟! أين الأكاسرة؟! أين القياصرة؟! أين الظالمون؟! أين الطواغيت؟! أين الظالمون؟! وأين التابعون لهم في الغي؟! بل أين فرعون و هامان ؟! أين من دوخوا الدنيا بسطوتهم وذكرهم في الورى ظلم وطغيان هل أبقى الموت ذا عـز لعزته أو هل نجا منه بالسلطان إنسان لا والذي خلق الأكوان من عدم الكل يفنى فلا إنس ولا جـان وقال آخر: يا نفـس قـد أزف الرحيــل وأظلـك الخطـب الجليــل فتأهبـي يا نفــس لا يلـعب بــك الأمــل الطـويـل فلتـنزلـن بمــنزل ينســى الخـليــل بــه الخـليـل ولـيركـبن فيــه عليـ ـك مــن الثـرى ثقـل ثقيـل قرن الفنــاء بنـا فمــا يبقى العزيز ولا الذليل من الباقي؟ إنه الحي الذي لا يموت، كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ [الرحمن:26-27]، كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ [القصص:88]. فيا أيها الحبيب! يا أيها الكريم! هل ذكرت نفسك بهذه الحقيقة؟ هل تذكرت الموت؟ هل أعددت ليوم سترحل فيه عن هذه الدنيا؟ من منا كتب وصيته ووضعها تحت رأسه في كل ليلة؟! يا من شغلك طول الأمل! أنسيت يوماً سترحل فيه عن دنياك؛ لتقف بين يدي مولاك، وليس الموت هو نهاية المطاف، ولكنني أقول: إننا سنبعث؛ لنسأل بين يدي ملك الملوك وجبار السماوات والأرض، سنعرض على هذه المحكمة الكبيرة التي قال الله عز وجل عنها: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه [الزلزلة:7-8]، سينادى عليك باسمك واسم أبيك: أين فلان بن فلان؟ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ [ق:20]، إنه يوم القيامة يوم الحسرة والندامة، يوم الصيحة، يوم الحاقة، يوم القارعة، يوم الآزفة، إنه يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ [الحج:2]. إنه يوم الوعيد، وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ [ق:21]، عن عثمان بن عفان -كما نقل ذلك عنه الحافظ ابن كثير- أنه قال في خطبته: سائق يسوق العبد إلى الله، وشهيد يشهد على أعمال العبد بين يدي مولاه. ستساق إلى الله جل وعلا وسينادى عليك يا مسكين! ليكلمك ملك الملوك بغير ترجمان! تفكر الليلة، لو عدت إلى بيتك ووجدت شرطياً يقدم لك رسالة فيها: إنك مطلوب غداً؛ للوقوف أمام قاضٍ من قضاة الدنيا الحقراء الفقراء الضعفاء الأذلاء، أتحداك أن تنام الليلة، ولكن ستفكر كثيراً، فهل فكرت في موقف ستسأل فيه من ملك الملوك وجبار السماوات والأرض؟ أين الإمارة والسلطان؟! أين الجاه؟! أين الكراسي؟! أين الجند؟! تذكر وقوفك يوم العـرض عريانا مستوحشاً قلق الأحشـاء حيرانا والنار تلهب من غيظ ومن حنـق على العصاة ورب العرش غضبانا اقرأ كتابك يا عبدي على مَهَــلٍِ فهل ترى فيه حرفاً غير مـا كانا فلما قرأت ولم تنكر قــراءته وأقررت إقرار من عرف الأشياء عرفانا نادى الجليل خذوه يا ملائكـتي وامضوا بعبد عصـى للنار عطشانا المشركون غداً في النار يلتهبــوا والمؤمنون بدار الخلد سكـانا ......

    جاء في الصحيحين من حديث عدي بن حاتم أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (ما منكم من أحد إلا وسيكلمه ربه يوم القيامة، ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر عن يمينه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أَشْأَم منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة). يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6]. اتقوا النار، فإن حرها شديد، وإن قعرها بعيد، وإن مقامعها حديد. هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الْحَمِيمُ * يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالْجُلُودُ * وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ [الحج:19-21]. اللهم حَرِّمْ جلودنا على النار، ووجوهنا على النار، وأبشارنا على النار، اللهم إنا ضعاف لا نقوى عليها فَنَجِّنَا، اللهم إنا ضعاف لا نقوى عليها فنجنا، اللهم أدخلنا الجنة مع الأبرار برحمة منك يا عزيز يا غفار!
    أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

    الخطبة الثانية


    فتسأل بين يدي الله، ويكلمك الله ليس بينك وبينه ترجمان، انظر أيها الموحد! انظر أيها المؤمن! واسجد لربك شكراً أنك من أتباع الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم. وممـا زادني فخـراً وتيهـاً وكدت بأخمصي أطأ الثريا دخولي تحت قولك يا عبادي وأن أرسلت أحمـد لي نبيا اسجد لربك شكراً يا من وحدت الله! اسمع ماذا قال إمام الموحدين وقدوة المحققين وسيد المرسلين محمد صلى الله عليه وسلم ففي الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر أنه صلى الله عليه وسلم قال: (يدنى المؤمن من ربه يوم القيامة، حتى يضع رب العزة عليه كَنَفَهُ)، والكنف لغة -لا تأويلاً للصفة-: هو الستر والرحمة، ونحن لسنا ممن يؤول صفات الحق جل وعلا، وإنما نؤمن بأسماء الجلال وصفات الكمال من غير تحريف لألفاظها ولا لمعانيها، ومن غير تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل؛ لأن الله جل وعلا جل عن الشبيه وعن النظير وعن المثيل، لا ند له، ولا كفؤ له، ولا شبيه له، ولا مثيل له، ولا نظير له، ولا والد له، ولا ولد له، قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1]، لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]. (يُدْنى المؤمن من ربه يوم القيامة حتى يضع رب العزة عليه كَنَفَهُ ويقرره بذنوبه، يقول له ربه جل وعلا: لقد عملت كذا وكذا في يوم كذا وكذا، فيقول المؤمن: رب أعرف -يقولها مرتين- فيقول الله جل وعلا: ولكني سترتها عليك في الدنيا وأغفرها لك اليوم). أسأل الله أن يجعلنا وإياكم ممن ينادى عليهم بهذا النداء: (ولكني سترتها عليك في الدنيا وأغفرها لك اليوم)، من الذي يقال له هذا؟ إنه الموحد المؤمن. أسأل الله أن يجعلني وإياكم من أهل الإيمان، وأن يختم لي ولكم عند الموت بالتوحيد. اللهم ارزقنا قبل الموت توبة، وعند الموت شهادة، وبعد الموت جنة ورضواناً، اللهم استرنا فوق الأرض، واسترنا تحت الأرض، واسترنا يوم العرض، برحمتك يا أرحم الراحمين! ......

    يوم القيامة ينادى عليك لِتُسْأَلَ بين يدي الله جل وعلا: أين فلان بن فلان؟ أَقْبِلْ للعرض على الله جل وعلا، فتجد نفسك واقفاً بين يدي الحق فتعطى صحيفتك، هذه الصحيفة التي لا تغادر بلية كتمتها، ولا مصيبة ومعصية أسررتها، فكم من معصية قد كنت أخفيتها أظهرها الله لك وأبداها! وكم من مصيبة كنت قد أخفيتها ذكرك الله إياها؟! فيا حسرة قلبك وقتها على ما فرطت في دنياك من طاعة مولاك، فإن كنت من المؤمنين أعطاك الله كتابك باليمين، وأنارت أعضاؤك وأشرق وجهك، وانطلق النور من بين يديك وعن يمينك، كما قال الله جل وعلا: (يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا وَاغْفِرْ لَنَا إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) التحريم:8]. أما أهل النفاق -أهل الظلمات- فينادون أهل الأنوار كما قال الله حاكياً عن المنافقين والمنافقات قولهم للذين آمنوا: (انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ * يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ ) الحديد:13-14] ألم نحضر معكم الجماعات والجمعات؟ (أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ )الحديد:14]. ينطلق وكتابه بيمينه بعدما سعد سعادة لن يشقى بعدها أبداً، ينطلق في أرض المحشر مع إخوانه وأحبابه وأترابه ومن هم على شاكلته والنور يشرق من وجهه وأعضائه! كما قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (منهم من يكون نوره كالجبل، ومنهم من يكون نوره كالنخلة، ومنهم من يكون نوره كالرجل القائم، ومنهم من يكون نوره على إبهامه يَتَّقِدُ مرة ويطفأُ مرة)
    وفي البخاري ، ينطلق والنور يشرق من وجهه وأعضائه وكتابه بيمينه، والله لقد سعد سعادة لن يشقى بعدها أبداً، ينطلق إلى إخوانه وأحبابه من الموحدين في أرض المحشر ويقول لهم: شاركوني السعادة! شاركوني الفرحة! شاركوني البهجة! اقرءوا معي كتابي! انظروا: هذا كتابي بيميني! اقرءوا: هذا توحيدي، وهذه صلاتي، وهذا صيامي، وهذا حجي، وهذا بري، وهذه صدقتي، وهذه دعوتي، وهذا عملي، اقرءوا معي: (هَاؤُمُ اقْرَءُوا كِتَابِيَهْ * إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسَابِيَهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الأَيَّامِ الْخَالِيَةِ )* (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيَهْ * وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيَهْ * يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيَهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيَهْ * خُذُوهُ فَغُلُّوهُ * ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ * ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعًا فَاسْلُكُوهُ * إِنَّهُ كَانَ لا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ [الحاقة:19-33]. هل أعددت لهذا اليوم جواباً أيها الحبيب! تعال إلى فلاح الدنيا والآخرة، أيها الشاب! أيها الوالد الكريم! أيها الابن الحبيب! أيها الأخ الفاضل! أيتها الأخت الفاضلة! هَيَّا جميعاً لِنَتُبْ إلى الله جل وعلا في هذه الليلة الكريمة المباركة التي دمعت فيها العيون، وخشعت فيها القلوب لعلام الغيوب، تعالوا بنا لنجدد التوبة والأوبة والعودة، ولنكن على يقين جازم بأن الله جل وعلا لا يغلق باب التوبة في وجه أحد طرقه في ليل أو نهار: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [الزمر:53]. يا من أسرفت على نفسك في المعاصي! أَقْبِلْ إلى الله جل وعلا، ولا يَصُدَّنَّكَ الشيطان عن الله، واعلم بأن الله كريم، واعلم بأن الله رحيم، واعلم بأن الله سيغفر لك أي ذنب ما دمت موحداً لله جل وعلا. وفي صحيح مسلم وسنن الترمذي من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله تعالى: يا بن آدم! إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا بن آدم! لو بلغت ذنوبك عَنَانَ السماء، ثم استغفرتني غفرت لك، يا بن آدم! لو أتيتني بِقُرَابِ الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة). وأختم بقول الله عز وجل: وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ * لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ [ق:31-35]. هل عرفت المزيد أيها الحبيب! إن نعيم الجنة ليس في لبنها ولا في خمرها ولا في قصورها ولا في ذهبها، ولا في حريرها، ولا في حورها، ولكن نعيم الجنة في رؤية وجه الله جل جلاله، وهذا هو المزيد، لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ [يونس:26]، وقال سبحانه: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة:22-23]. أسأل الله جل وعلا أن يمتعني وإياكم بالجنة، وبالنظر إلى وجهه الكريم، وأن يرزقني وإياكم الإخلاص في القول والعمل،.
    فيا سامعا لكل شكوى، ويا عالما بكل نجوى.
    يا سابغ النعم، ويا دفع النقم، ويا فارج الغمم، ويا كشف الظلل، ويا أعدل من حكم، ويا حسيب من ظلم، ويا ولي من ظُلم.يا من لا تراه العيون، ولا تخالطه الظنون، ولا يصفه الواصفون، ولا تغيره الحوادث ولا الدهور، يعلم مثاقيل الجبال، ومكاييل البحار، وعدد قطر الأمطار، وعدد ورق الأشجار، وعدد ما يظلم عليه الليل ويشرق عليه النهار.كم من نعمة أنعمت بها علينا قل لك عندها شكرنا، وكم من بلية ابتليتنا بها قل عندها صبرنا، فيا من قل عند نعمته شكرنا فلم يحرمنا، ويا من قل عند بلائه صبرنا فلم يخذلنا أقذف في قلوبنا رجائك، اللهم اقذف في قلوبنا رجائك، اللهم اقذف في قلوبنا رجائك حتى لا نرجو أحدا غيرك. اللهم إنا نسألك إيمانا ثابتا، ويقينا صادقا حتى نعلم أنه لن يصيبنا إلا ما كتبت لنا، اللهم لا نهلك وأنت رجائنا، اللهم لا نهلك وأنت رجائنا احرسنا بعينك التي لا تنام وبركنك الذي لا يرام. يا سامعا لكل شكوى، ويا عالما بكل نجوى، يا كاشف كربتنا، ويا مستمع دعوتنا، ويا راحم عبرتنا، ويا مقيل عثرتنا. يا رب البيت العتيق أكشف عنا وعن المسلمين كل شدة وضيق، واكفنا والمسلمين ما نطيق وما لا نطيق، اللهم فرج عنا وعن المسلمين كل هم غم، وأخرجنا والمسلمين من كل حزن وكرب.
    يا فارج الهم، يا كاشف الغم، يا منزل القطر، يا مجيب دعوت المضطر، يا سامعا لكل نجوى احفظ إيمان وأمن بلادنا، ووفق ولاة الأمر لما فيه صلاح الإسلام والعباد.
    يا كاشف كل ضر وبلية، ويا عالم كل سر وخفية نسألك فرجا قريبا للمسلمين، وصبرا جميلا للمستضعفين، يا ذا المعروف الذي لا ينقضي أبدا، ويا ذا النعم التي لا تحصى أبدا، أسألك أن تصلي على محمد وعلى آلي محمد أبدا. اللهم صلي وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
    سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك ، عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان

    * منقول بتصرف
                  

02-18-2011, 12:43 PM

Frankly
<aFrankly
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 35211

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: كمال حسن)

    اخي الحبيب كمال حسن

    بارك الله فيك وفي أهلك ومن تحب وجعل عملك البديع هذا في ميزان حسناتك يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم


    فكرة رائعة ومبتكرة

    بوست كالواحة ذات الماء العذب والظل البارد والثمر اليانع في صحراء جدباء في يوم قائظ الحر


    سأعود للقراءة المتأنية كلما سنحت لي الفرصة
                  

02-18-2011, 09:48 PM

كمال حسن
<aكمال حسن
تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 1352

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: Frankly)

    الأخ العزيز كمال فرانكلي
    جزيت خير الجزاء
    أتمنى أن تساهم وتعتبر هذا البوست بوستك
    والله إن هذا البوست هو لتذكير نفسي وإخوتي إنطلاقا من قوله تعالى (وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ)
    وعملا نسأل الله أن يسبب به الهداية للذين رضي الله عنهم لحديث رسولنا الكريم (لإن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم ) أو كما قال صلى الله عليه وسلم
                  

02-25-2011, 10:36 AM

كمال حسن
<aكمال حسن
تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 1352

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: كمال حسن)

    الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمّىً عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ [الأنعام:1 - 3]، أحمد ربي وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، قائم على كل نفس بما كسبت، يُحصي على الناس أعمالهم ثم يُوفّيهم إياها جزاءً وهم لا يظلمون، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله، المبعوث رحمة للعالمين، اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، صلاة وسلامًا دائمين إلى يوم يُبعثون.

    أما بعد:

    فاتقوا الله تعالى وأطيعوه، واخشوا يومًا ترجعون فيه إلى الله، ثم توفى كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون.
    عباد الله، إن كبائر الذنوب هي سبب كل شقاء وشر وعذاب في الدنيا وفي الآخرة، وشر الذنوب والمعاصي ما عظم ضرره، وزاد خطره، وإن من كبائر الذنوب والمعاصي: الغيبة والنميمة، وقد حرمها الله في كتابه وعلى لسان رسوله ؛ لأنها تُفسد القلوب، وتباعد بينها، وتزرع الشرور، وتُورث الفتنة، وتَجر إلى عظيم من الموبقات والمهلكات، وتُوقع بصاحبها الندم في وقت لا ينفع الندم، وتوسِّع شُقة الخلاف، وتنبت الحقد والحسد، وتجلب العداوات بين البيوت والجيران والأقرباء، وتنقص الحسنات، وتزيد بها السيئات، وتقود إلى الهوان والمذلة.

    فالغيبة والنميمة عار ونار، صاحبها ممقوت، وعلى غير الجميل يموت، تنفر منه القلوب، وتكثر فيه العيوب، قد نهى الله عنها في كتابه تبارك وتعالى بقوله: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱجْتَنِبُواْ كَثِيراً مّنَ ٱلظَّنّ إِنَّ بَعْضَ ٱلظَّنّ إِثْمٌ وَلاَ تَجَسَّسُواْ وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ إِنَّ ٱللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ [الحجرات: 12].

    وهذا النهي في غاية التنفير من الغيبة، فقد شبه الله المغتاب للمسلم بمن يأكل لحمه ميتًا، وإذا كان المغتاب يكره أكل لحم أخيه وهو ميت، وينفر منه أشد النفور، فلا يأكل لحمه وهو حي بالغيبة والنميمة، فإن الغيبة كأكل لحمه حيًا. ولو تفكر المسلم في هذا التشبيه لكان زاجرًا عن الغيبة كافيًا في البعد عنها.

    ومعنى الغيبة: ذكرك المسلم بما يكره في حال غيبته، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله قال: ((أتدرون ما الغيبة؟)) قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ((ذكرك أخاك بما يكره)) قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: ((إن كان في أخيك ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته)) [رواه مسلم]، أي إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته بأن وقعت في الغيبة المنهي عنها، وإن كان بريئًا مما تقول فيه فقد افتريت عليه.

    وعن أبي بكر -رضي الله عنه- أن رسول الله قال يوم النحر بمنى : ((إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا هل بلغت)) [رواه البخاري ومسلم].

    فاحفظوا -أيها المسلمون- ألسنتكم من هذه الغيبة الشنيعة، ومن هذه المعصية ال########ة، فقد فاز من حفظ لسانه من الزلات، وألزم جوارحه الطاعات، عن سهل بن سعد -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله : ((من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة)) [رواه البخاري].
    وعن أبي موسى -رضي الله عنه- قال: قلت يا رسول الله، أي المسلمين أفضل؟ قال: ((من سلم المسلمون من لسانه ويده)) [رواه مسلم].

    وعن عقبة بن عامر -رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله، ما النجاة؟ قال: ((أمسك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك)) [رواه الترمذي وقال حديث حسن].

    واحذروا عثرات اللسان، ولا تُفلِتوا له العنان؛ فإن اللسان يوقع في الموبقات والدركات، ويورث الحسرات والآفات.

    عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- عن النبي قال: ((إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء تُكفِّر اللسان تقول: اتق الله فينا؛ فإنما نحن بك، فإن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا)) [رواه الترمذي].

    وعن معاذ -رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله، أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار، قال: ((لقد سألت عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله عليه، تعبد الله لا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً)) ثم قال: ((ألا أدلك على أبواب الخير: الصوم جُنَّة، والصدقة تُطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل من جوف الليل)) ثم تلى: تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ ٱلْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَـٰهُمْ يُنفِقُونَ فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِىَ لَهُم مّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [السجدة: 16، 17] ثم قال: ((ألا أخبرك برأس الأمر، وعموده وذروة سنامه؟)) قلت: بلى، يا رسول الله، قال: ((رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله))، ثم قال: ((ألا أخبرك بمِلاك ذلك كله))، [أي بما يجمع هذا كله] قلت: بلى، يا رسول الله، فأخذ بلسانه، وقال: ((كفّ عليك هذا)) قلت: يا رسول الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به، فقال: ((ثكلتك أمك، وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم؟!)) [رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح].

    وعن أنس -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله ((لما عرج بيّ مررت بقوم لهم أظفار من نحاس، يخمشون وجوههم وصدورهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس، ويقعون في أعراضهم)) [رواه أبو داود].

    فلا تستسهل -أيها المسلم- إثم الغيبة، ولا تستصغر شأنها، ولا تحتقرها، فذنبها عظيم، وخطرها جسيم.

    قال الله تعالى: وَتَحْسَبُونَهُ هَيّناً وَهُوَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِيمٌ [النور: 15].

    وقد كان أبو بكر -رضي الله عنه- في منزلته في الإسلام يأخذ بلسان نفسه، ويقول: (هذا الذي أوردني المهالك)؛ لتواضعه، وشدة محاسبته لنفسه رضي الله عنه.

    فالغيبة فشا ضررها، وكثر خطرها، وصارت مائدة المجالس، وفاكهة المسامرة، وتنفيس الغيظ والغضب والحقد والحسد، وقد يظن المغتاب أنه يستر بالغيبة عيوبه وأنه يضر من اغتابه، وما علم أن أضرار الغيبة وشرورها على صاحبها، فإن المغتاب ظالم، والمُتَكلَّم فيه مظلوم، ويوم القيامة يوقف الظالم والمظلوم بين يدي الله الحكم العدل، ويناشد المظلوم ربه مظلمته، فيعطي الله المظلوم من هذا المغتاب الظالم حسنات بقدر مظلمته، أو يضع من سيئات المظلوم فيطرحها على المغتاب بقدر مظلمة الغيبة، في يوم لا يُعطي والد ولده حسنة، ولا صديق حميم يعطي صديقه حسنة، كلٌ يقول: نفسي نفسي.

    وفي الحديث ((الربا نَيِّف وسبعون بابًا، أيسرها مثل أن ينكح الرجل أمه، وإن أربى الربا: استطالة المسلم في عرض أخيه المسلم)).

    عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- عن النبي قال: ((من رد عن عرض أخيه رد الله عن وجهه النار يوم القيامة)) [رواه الترمذي وقال: حديث حسن].

    فانهوا المغتابين عن أعراض المسلمين؛ لئلا يُسيئوا إلى أنفسهم وإلى غيرهم، قال الله تعالى: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَـٰلَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً [الأحزاب: 70، 71]

    بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، ونفعنا بهدي سيد المرسلين وقوله القويم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.



    الخطبة الثانية:

    الحمد لله ذي الجلال والإكرام، والعزة التي لا ترام ولا تضام، أحمد ربي وأشكره وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له عزيز ذو انتقام، وأشهد أن نبينا وسيدنا محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى دار السلام، اللهم صلِّ وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه الأئمة الأعلام.

    أما بعد: فاتقوا الله -أيها المسلمون- فمن اتقى الله وقاه العذاب وضاعف له الثواب.

    قال الله تعالى: وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلإِنسَـٰنَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ ٱلْوَرِيدِ إِذْ يَتَلَقَّى ٱلْمُتَلَقّيَانِ عَنِ ٱلْيَمِينِ وَعَنِ ٱلشّمَالِ قَعِيدٌ مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ق: 16 ـ 18].

    عباد الله، إن الغيبة والنميمة كبيرة من الكبائر، زيَّنها الشيطان للإنسان، ووقع بها في شِرَاكِه ومكره، وظلم المسلم بها نفسه.

    فالنميمة فهي أشد خطرًا من الغيبة؛ لأنها نقل الحديث من قوم إلى قوم على جهة الإفساد والفتنة، وهي تورث الفتنة والضغينة وتفرق بين المتآلفين، وتفضي إلى كثير من المفاسد والشرور، والنمام بنميمته يباعد ويفرق بين المتآلفين، ويفصم عقدة النكاح بين الزوجين، ويسبب الحرب بين الأهلين، ثم إن النمام يجمع إلى قبح النميمة قبح الغيبة؛ لأنه يهتك ستر أخيه ويذكر عيوبه، وهو حين يسعى بين الناس بالإفساد يقترف جريمة الغدر والخيانة.
    ولقد حذر الله عز وجل المؤمنين شر النمام، ونهاهم عن تصديق قوله، وصرح لهم بفسقه فقال جل شأنه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ [الحجرات:6] .
    فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أن المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه، واعلم ـ أخي المسلم ـ أن من نَمَّ لك نَمَّ عليك، ومن نقل لك خبر سوء سينقل عنك مثله.

    وإن النميمة نوع خبيث من أنواع الغيبة، فالنميمة: نقل كلام الناس بعضهم إلى بعض للإفساد بينهم، قال الله تعالى في ذم النَّمام: وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ [القلم: 10، 11].

    وعن حذيفة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله : ((لا يدخل الجنة نمام)) [رواه البخاري ومسلم].

    فاتقوا الله أيها المسلمون، وحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وزنوها قبل أن توزنوا.

    عباد الله، لما عَلِمَ سلفُنا الصالح حرمة الغيبة وأدركوا خطرها على المجتمعات وخطورتها على المغتاب في يوم العرض على الله تعالى أمسكوا ألسنتهم عن التكلم في عرض أحد أو طعنه أو شتمه، وشغلوها بذكر الله وطاعته والأمرِ بالمعروف والنهي عن المنكر، وإذا جاءهم فاسق بنبأ لامُوهُ على نقله الحديث، وحذروه من مغبة سوء فعله، فقد جاء رجل إلى عمرو بن عبيد فقال له: إن الأسواريَّ ما زال يذكرك في مجالسه بشرٍّ، فقال عمرو: يا هذا، ما راعيت حقَ مجلس الرجل حين نقلت إلينا حديثه، ولا أديتَ حقي حين أعلمتني عن أخي ما أكره، ولكن قل له: إن الموت يعمّنا، والقبر يضمّنا، والقيامة تجمعنا، والله يحكم بيننا، وهو خير الحاكمين. ورُوِيَ أن رجلاً قال لعبد الملك بن مروان: إني أريد أن أُسِرَّ إليكَ حديثًا، فأشار الخليفة إلى أصحابه بالانصراف، فلما أراد الرجل أن يتكلم قال الخليفة: قِفْ، لا تَمْدحني، فأنا أعلم بنفسي منك، ولا تَكْذِبْني فأنا لا أعفو عن كذوب، ولا تَغْتَبْ عندي أحدًا فلستُ أسمع إلى مغتاب. فقال الرجل: هل تأذن لي في الخروج؟ فقال الخليفة: إن شئت فاخرج. هذه مخاطر الغيبة وطرقُ علاجها.
    أيها المسلمون، ولا تباح الغيبة إلا لغرض شرعي كأن يعلن المظلوم عن ظلمه، أو يُدعى إنسان للشهادة، أو يشهدَ من غير أن يُدعى لإثبات حق قد يضيعُ، قال تعالى: وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ [البقرة:283]. فإحقاق الحقوق والسعيُ في إيصالها لأهلها مما هو مطلوب ومأمور به شرعًا، فقد سألتْ هِنْدُ زوجة أبي سفيان رضي الله عنهما رسول الله قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أَبَا سُفْيَانَ رَجُلٌ شَحِيحٌ، وَلَيْسَ يُعْطِينِي مَا يَكْفِينِي وَوَلَدِي، إِلاَّ مَا أَخَذْتُ مِنْهُ وَهْوَ لاَ يَعْلَمُ، فَقَالَ: ((خُذِي مَا يَكْفِيكِ وَوَلَدَكِ بِالْمَعْرُوفِ)). كما تجوز الغيبة عندما يسألك إنسان عن مصاهرة إنسانٍ أو مشاركته أو معاملته، فإنه يجوز لك أن تبين مِنْ حاله وواقِعه بقدر الحاجة وبنية النصيحة لا التشفي. كما أن المجاهر بالمعاصي لا تحرم غيبته إن أُمِنَ شَرُّهُ، وكذا الفاسق والمنافق والمارق من الدين؛ كي يجتَنب الناس شرورهم.
    فانهوا المغتابين عن أعراضِ المسلمين، وذكِّروهم بالله تبارك وتعالى أن يتمادَوا في معصيته، فإن لكلِّ قولٍ حسابًا عند الله عز وجل، قال الله تعالى: يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيدًا يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَـٰلَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70، 71]..

    عباد الله إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً [الأحزاب: 56]، فصلوا وسلموا على سيد الأولين والآخرين وإمام المرسلين، اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وسلم تسليم كثيرًا. اللهم وارض عن الصحابة أجمعين وعن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن سائر أصحاب نبيك أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم وارض عنا برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم وارض عنا برحمتك يا أرحم الراحمين.

    اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذِلّ الكفر والكافرين، يا رب العالمين. اللهم احفظ الإسلام وأهله في كل مكان، اللهم احفظ الإسلام وأهله في كل مكان. اللهم أعز الإسلام وأهله في كل ومكان، برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح اللهم ولاة أمورنا، ووفقهم لما فيه الخير للإسلام والمسلمين، يا رب العالمين. اللهم أحسن عاقبتنا في الأمور كلها وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة. اللهم إنا نعوذ بك من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر. اللهم فرِّج هم المهمومين من المسلمين، ونفس كرب المكروبين من المسلمين، واقض الدين عن المدينين من المسلمين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم نوّر على أهل القبور من المسلمين قبورهم، اللهم زد في حسناتهم، اللهم وتجاوز عن سيئاتهم وأعذهم من عذاب القبر، برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم يسِّر أمر كل مسلم ومسلمة، برحمتك يا أرحم الراحمين، ويسِّر أمر كل مؤمن ومؤمنة، إنك على كل شئ قدير. اللهم إنا نعوذ بك من إبليس وشياطينه، اللهم إنا نعوذ بك من إبليس وشياطينه، اللهم أعذنا وذرياتنا والمسلمين من إبليس وشياطينه، يا رب العالمين، إنه لا يُعيذ إلا أنت، أنت على كل شئ قدير.
    . اللهم اجعل ولاة أمور المسلمين عملهم خيرًا لشعوبهم وأوطانهم، يا أرحم الراحمين. اللهم يا ذا الجلال والإكرام ارفع عن المسلمين المظلومين الذين اضطهدوا في دينك، اللهم ارفع عنهم الظلم الذي وقع عليهم من أعدائهم يا رب العالمين، إنك على كل شئ قدير. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. اللهم احفظ لنا أمننا واستقرارنا، إنك على كل شئ قدير. اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين.

    عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ . [النحل:90 ، 91]

    واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.


    * منقولة بتصرف
                  

02-25-2011, 12:45 PM

كمال حسن
<aكمال حسن
تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 1352

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: كمال حسن)

    في واقع إنتشرت فيه الغيبة والنميمة
    نسأل الله أن يعافينا منهما
                  

02-25-2011, 06:31 PM

كمال حسن
<aكمال حسن
تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 1352

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: كمال حسن)

    عن معاذ -رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله، أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني عن النار، قال: ((لقد سألت عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله عليه، تعبد الله لا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً)) ثم قال: ((ألا أدلك على أبواب الخير: الصوم جُنَّة، والصدقة تُطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل من جوف الليل)) ثم تلى: تَتَجَافَىٰ جُنُوبُهُمْ عَنِ ٱلْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَـٰهُمْ يُنفِقُونَ فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِىَ لَهُم مّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [السجدة: 16، 17] ثم قال: ((ألا أخبرك برأس الأمر، وعموده وذروة سنامه؟)) قلت: بلى، يا رسول الله، قال: ((رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله))، ثم قال: ((ألا أخبرك بمِلاك ذلك كله))، [أي بما يجمع هذا كله] قلت: بلى، يا رسول الله، فأخذ بلسانه، وقال: ((كفّ عليك هذا)) قلت: يا رسول الله، وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به، فقال: ((ثكلتك أمك، وهل يكب الناس في النار على وجوههم إلا حصائد ألسنتهم؟!)) [رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح].





    جمعة مباركة للجميع
                  

03-04-2011, 00:12 AM

كمال حسن
<aكمال حسن
تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 1352

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: كمال حسن)

    الحمدُ للهِ الَّذي أكرمَ بالإسلامِ أولياءَهُ ، وشرَّفَ بالإيمانِ أصفياءَهُ ، وأقامَ بالميزانِ والعدْلِ أرضَهُ وسماءَهُ ، أحمدُ ربِّي حمداً كثيراً طيِّباً مُباركاً فيهِ يَستَنْـزِلُ وابلَ نَعَمائِهِ ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ شهادةً أدَّخِرُها ليومِ لقائِهِ ، وأشهدُ أنَّ نبيَّنَا محمداً عبدُ اللهِ ورسولُه المختومُ به ديوانُ رسُلِ اللهِ وأنبيائِهِ ، صلَّى اللهُ وسلَّم عليهِ وعلى آلِهِ وأزواجِهِ وأصحابِهِ الذين اصطفاهمُ اللهُ لنُصْرَةِ نبيِّهِ واقتفائِهِ .

    أما بعدُ :

    فأُوصيكمْ ونفسيَ بتقوى اللهِ تعالى أيُّها المؤمنونَ ، فاتَّقُوا اللهَ : { وابْتَغُوا إِلَيْهِ الوَسِيلَةَ وجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } ( المائدة : 35 ) .

    عبادَ اللهِ :

    لـمَّا كانَ الظُّلمُ والعُدوانُ : مُنافِيَينِ للعدْلِ والحقِّ الذي اتَّصفَ بهِ الملِكُ الديَّانُ ، ومنافِيَينِ للميزانِ ؛ الذي قامتْ بهِ الأرضُ والسماواتُ ، وحُكِمَ بهِ قِسطاً وعدلاً بيْنَ جميعِ المخلوقاتِ ، كانَ الظُّلمُ والعُدوانُ عندَ اللهِ تعالى مِنْ أكبرِ الكبائرِ والـمُوبقاتِ ، وكانتْ درَجتُهُ فِي الـجُرْمِ والإثمِ بحسَبِ مفسدتِهِ فِي الأفرادِ والمُجتمعاتِ .

    قالَ اللهُ تباركَ وتعالى في الحديثِ القدسيِّ :" يَا عبادِي إنِي حرَّمتُ الظُّلمَ على نفْسِي ؛ وجعلتُهُ بينَكُمْ مُحرَّماً : فَلا تَظالَمُوا " [ أخرجَهُ مسلمٌ مِنْ حديثِ أبي ذرٍّ الغفاريِّ ] ، وإنَّ مِنْ أشنعِ البريَّةِ ظُلماً ؛ وأَبْشعِها جُرْماً : أئِمةَ الظُّلمِ والبَغْيِ والضَّلالِ ؛ ووُلاةَ الجَوْرِ والبطْشِ والنَّكالِ ، الذينَ طالَـما رَوَّعُوا العبادَ ، وهَتَكوا حرمةَ البُيوتِ والبلادِ ، وأهدروا حقوقَ البهائمِ والجَمادِ ، فرَفَعُوا أعلامَ البَغيِ والفَسَادِ ، ونكَّسُوا راياتِ العدْلِ والرَّشادِ .

    فيَا لَلَّهِ ، كمِ استنصرَ بهمْ مِنْ قويٍّ جائرٍ فأعزُّوهُ ؛ وكمْ استصرخَهمْ مِنْ ضعيفٍ حائرٍ فأذلُّوهُ ، قدْ سَامُوا شعوبَهُمْ سُوءَ العذابِ والبَلاءِ ، فقتلُوا الرِّجالَ والوِلدانَ والنِّساءَ ، هُمْ أبغضُ الخلقِ إلى اللهِ تعالى وأبعدُهُمْ مِنهُ منْـزِلــةً يومَ القيامـةِ ، يومَ يَبْـدُو لهُمْ مِنَ اللهِ تعالى مَالا يَحتسـبونَ مِنَ الملامَةِ النَّدامةِ ، فهُمْ على مَافَرَّطُوا يَتحسَّـرونَ : { هُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزَارَهُمْ عَلَى ظُهُورِهِمْ أَلا سَــاءَ مَا يَزِرُونَ } ( الأنعام : 31 ) .

    والظَّلَمَةُ والطُّغاةُ ؛ يلعنُهُمْ مَنْ فِي الأرضِ ومَنْ فِي السَّماواتِ ، بَلْ تلعنُهُمْ جميعُ المخلوقاتِ ، حتَّى الحيتانُ فِي البحارِ ؛ والطيورُ فِي الأَوْكارِ ؛ والنَّمْلُ فوقَ ظُهورِ الأحجارِ ، قدْ نَامَ الظالمُ وأعينُ العبادِ ساهرةٌ فِي جُنَحِ الأسحارِ ، تدعُو عليهِ الواحدَ القهَّارَ ، فإذا بدعوتِهِمْ تصعَدُ إلَى السَّماءِ كأنَّها شَرارةٌ مِنَ النَّارِ ، قدْ كُشِفَ الحجابُ بينَها وبينَ العزيزِ الغفَّارِ ، فإذا بخطابِ الفرَجِ والحنينِ ، يُخالِطُ بَشاشةَ قلوبِ الـمُوقِنينَ : وعِزَّتِي وجلالِي لأنْصُرَنَّكِ ولَوْ بعدَ حينٍ : ﴿ فَقُطِعَ دَابِرُ القَوْمِ الذِينَ ظَلَمُوا وَالحَمْدُ للهِ ربِّ العَالمَيِنَ ﴾ ﴿ الأنعام : 45 ﴾ .

    لا تَظْلِمَـــــنَّ إذَا مَـا كُنْتَ مُقْتَدِراً فالظُّلْمُ آخِـرُهُ يُفْضـــي إلى النَّــدَمِ

    واحْذَرْ أُخَيَّ مِنَ المَظْلُومِ دَعْوَتَهُ لا تَأْخُذَنْكَ سِـهَامُ الليلِ فِي الظُّلَمِ

    تَنَـامُ عَيْنَاكَ وَالـمَظْلُـــــومُ مُنْتَبِهٌ يَدْعُــــــو عَلَيْـكَ وَعَيْنُ اللهِ لَمْ تَنَمِ

    لا شَكَّ دعوةُ مظلومٍ تَحِـــــلُّ بِهَا دارَ الهَـــــــوانِ ودارَ الذُّلِ والنِّقَـمِ

    . وقال سبحانه: (إنا أعتدنا للظالمين ناراً أحاط بهم سُرادِقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا). وقال تعالى: ( ما للظالمين من حميم ولا شفيع يُطاع) وقال جلّ شأنه: (وسَيَعلم الذين ظَلَموا أيّ مُنقَلَبٍ ينقلبون) . وقال عزّ وجل: ( ولو ترى إذِ الظالمون في غَمَرات الموت والملائكة باسطوا أيديهم أخرجوا أنفسكم اليوم تُجزَوْن عذاب الهُون بما كنتم تقولون على الله غير الحقّ وكنتم عن آياته تستكبرون) . وقال تعالى: (ولا تَحْسَبنّ الله غافلاً عما يَعمَل الظالمون) . هذا بعض ما جاء في القرآن الكريم في حق الظالمين. وأمّا السُنّة فهِي حافلةٌ بالأحاديث التي تُرَهِّب من الظلم وما أعدّه الله للظالمين، فمِن ذلك ما جاء عن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الظُلم ظُلُمات يوم القيامة)) وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((اتقوا الظلم فإنّ الظلم ظُلُمات يوم القيامة.))

    وظُلم الناس عباد الله صور كثيرة جَمَعَها النبي صلى الله عليه وسلم في خطبة حجة الوداع حين قال: ((إنّ دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم)). وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي أنّه قال: ((من كانت عنده مَظْلَمة لأخيه من عرض أو شيء فلْيَتَحلّله منه اليوم من قبل أن لا يكون دينار ولا درهم إن كان له عمَل صالح أُخِذ منه بقدر مَظْلَمته وإن لم تكُن له حسنات أُخِذ من سيّئات صاحبه فحمل عليه))
    وعن أبي ذر رضي الله عنه عن النبي فيما يرويه عن ربه أنه قال: ((يا عبادي إنّي حرَّمتُ الظلم على نفسي وجعلتُه بينكم مُحرَّماً فلا تظالموا)). واحذر يا عبد الله من الظلم فإنّ للمظلوم عند ربه دعوةً مستجابة لا تُرَد. فعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله بعَث معاذاً إلى اليمن فقال له: ((اتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب)). وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((ثلاثة لا تُردّ دعوتهم الصائم حتى يُفطِر والإمام العادل ودعوة المظلوم يرفعها الله فوق الغمام ويَفتح لها أبواب السماء ويقول الرب: وعزّتي لأنصُرنّكِ ولو بعد حين)). بل إن الله ليستجيب لدعوة المظلوم وإن كان فاجراً فاسقاً ذلك لقوله عليه الصلاة والسلام: ((دعوة المظلوم مستجابة وإن كان فاجرا ففجوره على نفسه)).

    فهلْ عَمِيَتْ أبصارُ الظَّالمينَ ؛ وهلْ طُمِسَتْ بصائِرُ المُجرمينَ ؛ عنْ رُؤيةِ مَا فَعَلَهُ اللهُ تعالى بالأُمَمِ السَّالفينَ : { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ العِمَادِ * التِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي البِلَادِ * وثَمُودَ الذِين َجَابُوا الصَّخْرَ بِالوَادِ * وفِرْعَوْنَ ذِي الأوْتَادِ * الذِينَ طَغَوْا فِي البِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إنَّ رَبَّكَ لَبِالمِرْصَادِ } ( الفجر : 6 - 14 ) .

    وهلْ صُمَّتْ آذانُ الملوكِ الجبابرَةِ عَنْ معرفةِ مصيرِ الطُّغاةِ الوَخِيمِ ؛ ومُنقلَبِ العُتَاةِ الذَّميمِ ، الذي أَخْبَرَ اللهُ تعالى عنهُ فِي مُحْكَمِ الذِّكرِ الحكيمِ : { فَكُلاً أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلِيهِ حَاصِباً وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ ولَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ } ( العنكبوت : 40 ) .

    فاسْألِ النَّاسَ والأوطانَ ، أينَ آثارُ المُلْكِ والسُّلطانِ ، تجِدِ الجوابَ مُسطَّراً في القرآنِ : { كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * ونَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْمَاً آخَرِينَ * فَمَا بَكَتْ عَلِيْهِمُ السَّمَاءُ والأَرْضُ ومَا كَانُوا مُنْظَرِينَ } ( الدخان : 25 - 29 )

    قدْ أزَّتْهُمُ الكِبرياءُ إلى الطُّغيانِ أزاً ، ولَبِسُوا ثوبَ الـخُيَلاءِ ليكونَ لهُمْ عِزاً ، ولمْ يَعْتَبِرُوا بِمَنْ أهلكَ اللهُ تعالى قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ ؛ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزَاً .

    فالعبيدُ ؛ ليسَ بينهُمْ وبينَ الحميدِ المجيدِ : حَسَبٌ ولا نَسَبٌ ؛ إلا مَا كانَ مِنْ صالحِ العمَلِ والسَّببِ ، ألمْ يَسمعُوا إلَى قولِ ربِّ العالمينَ : { أَهُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ والذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ } ( الدخان : 37 ) .

    وواللهِ ؛ ثُمَّ واللهِ ؛ ثم والله؛ إنَّ مَا حلَّ بالأُمَمِ السَّالِفةِ ؛ ومَا نَزَلَ بالقُرونِ الهالِكةِ التَّالفةِ : قريبٌ مِمَّنْ شـــاكَلَ أوصافَهُمْ ؛ ومُوشــــِكٌ أنْ يَحِلَّ بِمَنْ حَاكَى أعرافَهُــــمْ ، كمَا قالَ اللهُ تعالَى : { فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا ســــَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ * مُســَوَّمَةً عِنْـدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّلِمِينَ بِبَعِيدٍ } ( هود : 82 - 83 ) .

    باركَ اللهُ لِي ولَكُمْ فِي القرآنِ العظيمِ ، ونَفَعَنا بهديِ النَّبيِّ الكريمِ ، الهادِي إلى الصِّراطِ الـمُستقيمِ ، والدَّاعي إلى الدِّينِ القويمِ، فاستغفرُوا الله إنَّهُ هو الغفورُ الرحيمُ .

    الخطبة الثانية

    الحمدُ للهِ غافِرِ الذُّنوبِ ، وقابلِ التـَوْبِ وساترِ العُيوبِ ، ومُفرِّجِ الهمِّ وكاشفِ الكُروبِ ، سبحانَهُ وبحمدِهِ : يُؤتي المُلكَ مَنْ يشاءُ ، ويَنْـزِعُ المُلكَ مِمَّنْ يَشاءُ ، ويُعِزُّ مَنْ يَشاءُ ، ويُذِلُّ مَنْ يَشاءُ ، بيدِهِ الخيرُ ، إنـَّهُ عَلَى كُلِّ شيءٍ قديرٌ ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له السَّميعُ البصيرُ ، وأشهدُ أنَّ محمَّداً عبدُ اللهِ ورسولُهُ البشيرُ النَّذيرُ ؛ والسِّراجُ المنيرُ ، صلَّى اللهُ وسلَّمَ عليهِ وعلى آلِهِ وأزواجِهِ وأصحابِهِ ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحسانٍ إلى يومِ المصيرِ .

    أما بعدُ : فأُوصيكمْ عبادَ اللهِ تعَالى بالتَّقوى الَّتي بها تنتفعُون ، فاتَّقوا اللهَ { ولْتنظُرْ نَفسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ واتَّقوا اللهَ إنَّ اللهَ خَبيرٌ بما تَعْملَونَ * ولا تكُونوا كالذِينَ نَسُوا اللهَ فأَنْساهُمْ أَنْفُسَهم أُولئِكَ هُمُ الفَاســــــــِقُونَ } ( الحشر : 18 - 19 )

    أيُّها المؤمنونَ : ما أشبهَ الليلةَ بالبارحةِ ، ومَا أقربَ ساعاتِ البَطَرِ والأشرِ مِنَ الليالِي التَّرِحَةِ ، فهَا هَيِ القارعةُ تُصِيبُ طُغاةَ اليومِ وتَحِلُّ بدارِهِمْ وضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ ، كمَا قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الـمَثُلاتُ وَلا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ المُجْرِمُونَ ، فأهْلَكَهُمُ اللهُ تعالى كمَا أهلكَ القُرُونَ الأُولَى بَصَائِرَ لِلنَّاسِ وهُدَىً وَرَحْمَةً لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ .

    وهَا هِيَ عاقبةُ رموزِ الطُّغيانِ ؛ فِي هَذا الزَّمانِ ؛ ومَا جَاوَرَنَا مِنَ البُلدانِ ، يجعلُها ربُّ العالمينَ : { نَكَالاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ } ( البقرة : 66 ) .

    وصدقَ النَّبيُّ الكريمُ ؛ عليهِ أفضلُ الصَّلاةِ وأتمُّ التَّسليمِ ؛ فِي قولِهِ القويمِ : " إنَّ اللهَ لِيُملِي للظَّالِمِ حتَّى إذا أخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ" ثُمَّ قَرَأ النَّبِيُّ : { وَكَذَلِكَ أَخْـــذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شـــَدِيدٌ } ﴿ هود : 102 )
    [ أخرجَهُ البُخاريُّ مِنْ حديثِ أبي موسى الأشعريِّ ]

    فالمظلوم في حقه أو ماله يَدفعُ عنه الظلمَ أخوه المسلم بكل ما يستطيع من الوسائل. فعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله : ((انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً فقال: رجل يا رسول الله أنصُره إذا كان مظلوماً، فكيف أنصره إذا كان ظالماً؟ قال: تحجزه أو تمنعه عن الظلم، فإن ذلك نصره)). والقصد أن تكون اليد مع يد المظلوم حتى يأخذ حقّه. وأما نصر الظالم فمنعه عن الظلم، فإذا أراد أخْذَ مالٍ حُلت بينه وبينه، وأخذت بيده، وإن أراد البطش ببريء ضربت على يده، وإن كانت النصيحة تنفعه فاسلكها معه حتى ينتهي ويرجع عن ظُلمه

    ولا يختص الظلم بأصحاب الوظائف والمناصب بل إن الظلم يشمل هؤلاء وكل من كانت له سُلطة على بيت أو على أُسرة, ففي الأسرة: الكبير والصغير والقوي والضعيف والرجل والمرأة، لكلّ واحد من هؤلاء حقوق في أعناق المسؤول عليهم , بل إن الإنسان لَيُعَدّ ظالماً إذا تعدى على حقّ نفسه. كأن يُبذِّر ويُسرف في الإنفاق عليها. ومن ظُلم الإنسان لأهله أن يُعاملهم بالقسوة والشدة أو يَبخل عليهم فلا يُنفق النفقة الواجبة أو لا يُحسن معاشرتهم فقد ذكر أن عمر رضي الله عنه كان ذات يوم مُستَلقياً على ظهره في بيته وصبيانه يلعبون حوله فدخل عليهم أحدُ وُلاته فأنكر عليه ذلك، فقال له عمر: كيف أنت مع أهلك؟ فقال: إذا دخلت سكت الناطق. فعَزَله عمر من ولايته وقال له: إنك لا ترفق بأهلك وولدك فكيف ترفق بأمة محمد .

    ومن أعظم ظلم الرجل لأولاده أن يتركهم بلا أمر ولا نهي ولا يُؤَدّبهم ولا يُوجّههم، ولربما وجدته يأمر وينهى الناس البعيدين عنه. ومن ظُلم الرجل لجيرانه أن لا يقوم بحقّ الجوار لهم, فلا يواسيهم بل لا يَكُفّ عنهم شره وشر أولاده وأهله، ولقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن تلك المرأة التي لم تنفعها صلاتها بالليل ولا صيامها بالنهار لأنها كانت تَظلِم جيرانها وتؤذيهم بلسانها قال فيها رسول الله : ((لا خير فيها، هي من أهل النار)) نعوذ بالله من النار ومن الظلم والظالمين


    فحَذَارِ ثُمَّ حَذَارِ يَا عبادَ اللهِ الأخيارِ، مِنْ سُلوكِ سبيلِ الظَّلَمَةِ الفُجَّارِ ، فهَا هِيَ لذَّاتُهُمْ قَدْ ذَهَبَتْ وبَقِيَ لهُمْ العَارُ ، ومَلَكَ غيرُهُمْ قُصُورَهُمُ التِي شيَّدُوهَا ومَلَؤُوا بِهَا الأقْطَارَ ، فَتُرِكُوا بالعذَابِ مِنْ وَرَاءِ الأسْتَارِ ؛ بَيْنَ أطباقِ الثَّرى والأحْجَارِ ، فَلا مُغِيثَ ولا مُعِينَ ولا جَارَ ، قدْ شَيَّدُوا بُنيانَ أمَلِهِمْ وطَمَعِهِمْ على شَفَا جُرُفٍ هَارٍ ، فإذا قَامُوا إلى القِيامَةِ وَبَرَزُوا للهِ الوَاحِدِ القَهَّارِ : زادَ البَلاءُ على المِقْدارِ ، فإذا سَــرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَــى وُجُوهَهُـــمُ النَّارُ ، فعزاءُ المظلومينَ ؛ تعزيةُ ربِّ العالميـــنَ : { َلا تَحْسَبَنَّ اللهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِرُّهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ } ( إبراهيم : 42 )

    ولْيَكُنْ مِسْكُ الخِتَامِ ، معشرَ الإخوةِ الكِرامِ : ترطيبَ ألسنتِكم بالصَّلاةِ والسَّلامِ ، على خيرِ الأنامِ ، امتثالاً لأمرِ الملِكِ القُدُّوسِ السَّلامِ ، حيثُ قالَ في خيرِ كلامٍ : { إنَّ اللهَ وملائِكتَهُ يُصَلُّونَ علَى النبيِّ يا أيُّها الَذينَ آمنُوا صَلُّوا عليهِ وسَلِّمُوا تَسْلِيماً } ( الأحزاب : 56 ) .

    اللَّهمَّ صلِّ على محمَّدٍ وعلى آلِ محمَّدٍ ، كما صلَّيتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ ، وباركْ على محمَّدٍ وعلى آلِ محمَّد ، كمَا باركتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ ، في العالمينَ ، إنَّك حميدٌ مجيدٌ .

    وارضَ اللَّهمَّ عن الأربعةِ الخُلفاءِ الراشدينَ ؛ والأئمةِ الحنفاءِ المهديِّينَ ، أولي الفضْلِ الجَليِّ ؛ والقَدْرِ العليِّ : أبي بكرٍ الصديقِ ؛ وعمرَ الفاروقِ ؛ وذي النُّورينِ عُثمانَ ؛ وأبي السِّبطينِ عليٍّ ، وارضَ اللَّهمَّ عنْ آلِ نبيِّك وأزواجِهِ المُطَهَّرِينَ مِنْ الأرجاسِ ؛ وصحابتِهِ الصَّفوةِ الأخيارِ من النَّاسِ .

    اللَّهمَّ اغفرْ للمسلمينَ والمسلماتِ ؛ والمؤمنينَ والمؤمناتِ ، الأحياءِ منهم والأمواتِ ، اللَّهمَّ إنَّكَ سميعٌ عليمٌ لا يخْفَى عليكَ حالُ إخوانِنَا المُسلمينَ المُستضعفينَ في مشارقِ الأرضِ ومغاربِها ، اللَّهمَّ أعِنهُمْ ولا تُعِنْ عليْهِمْ ، وانْصُرْهُمْ ولا تَنْصُرْ عليْهم ، وامْكُرْ لهم ولا تَمْكُرْ بِهم ، ويَسِّرِ الهُدى لَهُم ، وانْصُرْهُمْ على مَنْ بَغَى عليْهم .

    اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أُمُورِهِمْ شيئاً فَرَفِقَ بِهِمْ : فَارْفُقْ بِهِ ، ومَنْ وَلِيَ مِنْ أُمُورِهِمْ شيئاً فَشَقَّ عَلَيْهِمْ : فَاشْقُقْ عَلَيْهِ ، الَّلهُمَّ ولِّ عليهِمْ خِيارَهُمْ ؛ واكْفِهِمْ شِرارَهُمْ ، واجعلْ وِلايَتَهُمْ فيمَنْ خافَكَ واتَّقاكَ ؛ واتَّبعَ دينَكَ والْتَمَسَ رِضَاكَ ، الَّلهمَّ وفِّقْ ولاة أمورِنا لحملِ الأمانةِ ، وارزقْهم صلاحَ البِطانةِ ، وادْفعْ عنهما أهلَ الكيْدِ والبَغْي والخِيانةِ .

    عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون.


    * منقولة بتصرف
                  

03-04-2011, 03:21 PM

كمال حسن
<aكمال حسن
تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 1352

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: كمال حسن)

    لا تَظْلِمَـــــنَّ إذَا مَـا كُنْتَ مُقْتَدِراً فالظُّلْمُ آخِـرُهُ يُفْضـــي إلى النَّــدَمِ

    واحْذَرْ أُخَيَّ مِنَ المَظْلُومِ دَعْوَتَهُ لا تَأْخُذَنْكَ سِـهَامُ الليلِ فِي الظُّلَمِ

    تَنَـامُ عَيْنَاكَ وَالـمَظْلُـــــومُ مُنْتَبِهٌ يَدْعُــــــو عَلَيْـكَ وَعَيْنُ اللهِ لَمْ تَنَمِ
                  

03-04-2011, 06:55 PM

كمال حسن
<aكمال حسن
تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 1352

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: كمال حسن)

    نسأل الله العلي القدير أن يجعل جمعتنا هذه مباركة على الجميع
    وينصر المظلومين أينما كانوا
    ويهزم الظلم والظالمين
    إنه ولي ذلك والقادر عليه
                  

03-04-2011, 08:47 PM

Frankly
<aFrankly
تاريخ التسجيل: 02-05-2002
مجموع المشاركات: 35211

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: كمال حسن)

    بارك الله فيك أخي وسميي كمال حسن
    جزاك الله خير الجزاء وجعل بوستك هذا في ميزان حسناتك وصدقة جارية إلى يوم القيام ونسأل الله أن يوفق الأخوة والأخوات بنشر الفكرة في المواقع والمنتديات الأخرى

    Allah beschütze, segne und behüte Dich
                  

03-11-2011, 11:49 AM

كمال حسن
<aكمال حسن
تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 1352

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: Frankly)

    الحمد لله معز من أطاعه واتقاه، ومذل من أضاع أمره وعصاه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا إله غيره ولا رب لنا سواه، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه، ومن أقام أمره واجتنب نهيه ودعا بدعوته واهتدى بهداه إلى يوم الدين.

    يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ (102 سورة آل عمران) .
    يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1 سورة النساء)
    . يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا
    أما بعد عبادَ الله فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله العليِّ القدير الذي أرسلَ محمدًا بالهدى ودينِ الحقِّ لِيُظهرَه على الدِّينِ كلِّه وكفى بالله شهيدًا.
    أما بعد:

    يقول المولى عز وجل في محكم تنزيله
    (إذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلا تَنِيَا فِي ذِكْرِي * اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى * فَقُولا لَهُ قَوْلا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى)
    ويقول جل من قائل (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ)
    ويقول (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)
    ولهذا يقول الغزالي رحمه الله :فالذي هجر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خارج عن هؤلاء المؤمنين.
    أيها الإخوة المؤمنون: بارتفاع راية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يعلو أهل الحق والإيمان، ويندحر أهل الباطل والفجور. يورث القوة والعزة في المؤمنين المستمسكين، ويذل أهل المعاصي والأهواء.
    يقول سفيان رحمه الله: إذا أمرت بالمعروف شددت ظهر أخيك، وإذا نهيت عن المنكر أرغمت أنف المنافق.
    ويقول الإمام أحمد: إن المنافق إذا خالط أهل الإيمان فأثمرت عدواه ثمرتها، صار المؤمن بين الناس معزولاً، لأن المنافق يصمت عن المنكر وأهله فيصفه الناس بالكياسة، والبعد عن الفضول، ويسمون المؤمن فضولياً.
    لا تكون ضعة المجتمع، ولا ضياع الأمة، إلا حين يترك للأفراد الحبل على الغارب، يعيشون كما يشتهون، يتجاوزون حدود الله، ويعبثون بالأخلاق، ويقعون في الأعراض، وينتهكون الحرمات من غير وازع أو ضابط، ومن غير رادع أو زاجر.
    إن فشو المنكرات يؤدي إلى سلب نور القلب، وانطفاء جذوة الإيمان، وموت الغيرة على حرمات الله، فتسود الفوضى، وتستفحل الجريمة، ثم يحيق بالقوم مكر الله. حتى إن كثرة رؤية المنكرات يقوم مقام ارتكابها في سلب القلب نور التمييز وقوة الإنكار. لأن المنكرات إذا كثر على القلب ورودها، وتكرر في العين شهودها، ذهبت من القلوب وحشتها، فتعتادها النفوس، فلا يخطر على البال أنها منكرات، ولا يميز الفكر أنها معاصي.
    يقول نبيكم محمد وهو الصادق المصدوق: ((كلا والله لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يد الظالم، ولتأطرنه على الحق أطراً (أي تلزمونه به إلزاماً) أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض، ثم ليلعنكم كما لعنهم، يعني بني إسرائيل))
    وفي الحديث أيضا يقول صلوات ربي وسلامه عليه : ( إنَّ الناس إذا رأوْا الظالم فلم يأخذوا على يديه ، أوشك أن يعمَّهم الله بعقاب من عنده ) رواه احمد وأصحاب السنن.
    وفي الترمذي من حديث حذيفة رضي الله عنه مرفوعاً : ( والذي نفسي بيده لتأمرنّ بالمعروف ، ولتنهونّ عن المنكر ، أو ليوشكنّ أن يبعث عليكم عقاباً منه ، ثم تدعونه فلا يستجاب لكم ) .
    وقال صلّى الله عليه وسلّم : ( من أعان ظالما ليدحض بباطله حقـّا ، فقد برأت منه ذمّة الله ، وذمّة رسوله ) رواه الحاكم وغيره
    وكما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : ( ولهذا كان أولوا الأمر هم العلماء والأمراء إذا صلحوا صلح الناس ، وإذا فسدوا فسد الناس ،ولما سألت الأحمسيّة أبا بكر الصديق ما بقاؤنا على هذه الأمـر ، قال : ما استقامت لكم أئمتكم ) انتهى ،
    وإنما عنت السائلـة بقولها : (الأمر ) ، استقامة الحال ، وصلاح الأحوال ، واجتماع الشمل ، وانتشار العدل ، خلاف ما كانوا عليه في الجاهلية ، فبيـَّن لها أنَّ ذلك مرهون باستقامة السلطة ، وهو أمرمعلوم بضرورة العقل ، وشهادة الواقع ، والحس ،
    إخوة الإسلام إنه من الخطأ الشائع الظن أنَّ فساد السلطة نتيجة لفساد الرعية ، والعكس أولى بالصواب ، غير أنّ الرعيـّة تعاقب على سكوتها عن ظلم السلطــان ، ورضاها به ، باستدامة ذلك الظلم عليهم جـزاء وفاقـاً ، ولا يظلم ربك أحداً .
    روى النسائي عن طارق بن شهاب البجلي أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم وقد وضع رجله في الغرز .. أي الجهاد أفضل ؟ قال : ( كلمة حق عند سلطان جائر ) ، وعن جابر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (سيد الشهداء حمزة ، ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتلـه ) رواه الحاكم ، والضياء في المختارة .
    ومعلوم أنَّ الجهاد أفضل متطوع به ، وفي هذا الحديث أن أفضله ، هو كلمة الحقِّ الناقدة لجور الحاكم ،
    فهذا نص واضح في أنَّ جهود إصلاح الأنظمة المنحرفة ، بالوسائل المشروعـة المعتبرة ، أفضل الجهاد في سبيل الله تعالى

    فأنظر أخي المسلم لتحقيق ذلك على المستوى العملي عبر المواقف التالية
    لما كانت دولة الإسلام الأولى وهي دولة العدل المطلق، وحكمها بكتاب الله وسنة رسوله صلوات ربي وسلامه عليه، إلا أن الرعاة لم يستكينوا لذلك كلما أحسوا أو توهموا بإنحراف للولاة أو حياد عن الحق، بل إنبرأوا مجاهرين بالحق صادعين به دونما مداهنة أو تملق أوخوف، وهذا لعمري أحد الأسباب التي بها بلغت تلكم الدولة آفاق الأرض، وبقيت على ذلك مابقي فيها العدل، حتى إذا ما ظهر الظلم وإنتشر البغي وسط ولاتها، وإعتمدوا أساليب القهر والعدوان في تسيير شئون الدولة، أمر الله حينها أن يزول سلطانهم وتتقلص الدولة ثم تتفكك فيما بعد وتصير إلى دويلاتنا الحالية.

    فانظر لموقف الصحابة عندما أتت ثياب من اليمن، فوزعها أمير المؤمنين عمر على الناس، كل مسلم له ثوب، وبقي ثوب لأمير المؤمنين فلبسه، فوصل الثوب إلى ركبتيه، فقال لابنه عبد الله: يا عبد الله، أعطني ثوبك الذي هو حصتك، فأعطاه ثوبه، فوصل عمر ثوبه بثوب ابنه عبد الله ولبسهما.
    وصعد الخليفة يخطب في الناس، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أيها الناس اسمعوا لما سوف أحدثكم عنه.
    لكن سلمان له رصيد من الإيمان، فهو ليس بقرشي، ولا هاشمي، ولا عربي، ولا هو من قرابة الخليفة حتى ينال حصانة دبلوماسية لئلا تناله الأيدي، فهو فارسي أوصله الإسلام إلى شرف: ((سلمان منا آل البيت))[5]. فيصرخ سلمان: والله لا نسمع، ولا نعي، قال عمر : ولم؟ قال: لأنك تلبس ثوبين، وتلبسنا ثوباً واحداً، أين العدالة؟ قال عمر : يا عبد الله: قم فأجب، فقام عبد الله والناس سكوت، فقال: إن أبي رجل طوال لا يكفيه ثوب، فأعطيته ثوبي، فوصله بثوبه ولبسهما. وهنا قال سلمان: يا أمير المؤمنين الآن قل نسمع، وأمر نطع.

    إن هذا هو الإسلام الذي حرّر الناس من عبادة العباد، إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا، إلى سعة الدنيا والآخرة، ومن جور الأديان، إلى عدل الإسلام.

    وثاني المواقف: أن عمر أراد أن يختبر جرأة الناس في الحق، أراد أن يُشطّب على سجلات النفاق والمجاملة والكذب والمدح بغير حق، فوقف على المنبر، ثم قطع الخطبة وقال: ما أنتم قائلون لو رأيتموني حدتُ عن الطريق هكذا.. ماذا ستفعلون لو انحرفت عن المنهج الرباني؟ ما موقفكم لو ظلمت وطغيت؟

    لو كان هؤلاء غير رعية عمر لقالوا: أنت لا تخطئ، أنت لا تضل ولا تنسى. .أنت الرئيس الملهم، والقائد المفدى. الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه كيف تخطئ والغيث ينزل بسببك من السماء! كيف تخطئ وأنت الذي أعيدت ولايتك صوت الناس لك ب 99% بنعم!

    أما رعية عمر فليسوا من هذا النوع من البشر فيقف أعرابي في آخر المسجد، ويأخذ سيفه من جانب السارية، ويرفعه إلى السماء ليراه أمير المؤمنين، ويقول: والله يا أمير المؤمنين، لو رأيناك حدت عن الطريق هكذا.. لقلنا بالسيوف هكذا، قال عمر وعيناه تذرفان فرحاً: الحمد لله الذي جعل في رعيتي من إذا حدت عن الطريق هكذا قاموا عليّ بالسيوف هكذا.

    إن الأمة الممسوخة، هي التي لا تبدي الرأي البناء الصادق، الذي لا يهدّم أمناً، ولا يثير فتنة، ولا يلعب بمقدرات الناس، أما الأمة الواعية فهي التي تقوّم الانحراف، وتقول للمخطئ أخطأت، وللظالم ظلمت، وللمصيب أصبت، وللعادل عدلت. يقول عليه الصلاة والسلام: ((إذا تهيبت أمتي أن تقول للظالم فقد تُودع منها))[6].

    أي سقطت من عين الله، فلا يرضاها أمة شاهدة، ولا يرضاها أمة رائدة، ولا أمة وسطاً.

    فواجب على كل مسلم ومسلمة : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على حسب الاستطاعة، وبخاصة فيما تحت قدرتهم ومكنتهم من منكرات البيوت وما في حكمها، وعلى كل صاحب علم وقلم وقدرة على البيان، وكل ذي أثر في المجتمع - مع العلم والحكمة - أن يقوم بالإرشاد والتوجيه، والنصح في الأمر والنهي، والسعي في إفشاء المعروف وزوال المنكر.
    ولا يضعف المسلم أو يتوانى بدعوى أنه غير كامل في نفسه، فقد قرر أهل العلم أنه لا يشترط في منكر المنكر أن يكون كامل الحال، ممتثلاً لكل أمر، مجتنبا لكل نهي، بل عليه أن يسعى في إكمال حاله مع أمره ونهيه لغيره. ومما استدل به أهل العلم على ذلك قوله سبحانه في بني إسرائيل: كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه [المائدة:79]. مما يدل على اشتراكهم في المنكر ومع هذا حصل عليهم اللوم بترك التناهي فيه.ومن ذلك أيضا قوله : ((إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر))
    أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

    الخطبة الثانية

    الحمد لله الذي كان بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفةً لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً، والصلاة والسلام على من بعثه ربه هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين. فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

    أما بعد:

    فاتقوا الله رحمكم الله، واعلموا أنه لو طوي بساط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأهمل علمه وعمله، لتعطلت الشريعة، واضمحلت الديانة،وعمت الغفلة، وفشت الضلالة، وشاعت الجهالة، واستشرى الفساد، واتسع الخرق وخربت البلاد، وهلك العباد، وحينئذ يحل عذاب الله وإن عذاب الله لشديد.
    أخرج النسائي وأبو داود واللفظ له من حديث أبي بكر رضي الله عنه عن النبي قال: ((ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي، ثم يقدرون على أن يغيروا فلا يغيروا، يوشك أن يعمهم الله بعقاب))(4)
    وأخرج أبو داود من حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول: ((ما من رجل يكون في قوم يعمل فيهم بالمعاصي يقدرون أن يغيروا عليه فلم يغيروا إلا أصابهم الله بعقاب قبل أن يموتوا))(5).


    وروى عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي قال : ((يا أيها الناس مروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر، قبل أن تدعوا الله فلا يستجيب لكم، وقبل أن تستغفروه فلا يغفر لكم. إن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يدفع رزقا، ولا يقرب أجلا، وإن الأحبار من اليهود والرهبان من النصارى لما تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لعنهم الله على لسان أنبيائهم ثم عموا بالبلاء))(7).
    رواه الأصبهاني وسكت عنه المنذري.

    اللهم صلي على محمد كما صليت على إبراهيم وبارك على محمد كما باركت على إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد ، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك وعبادك المؤمنين ..واخذل الشرك والمشركين، اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين ونفث كرب المكروبين ، واقض الدين عن المدينين ، واشف مرضانا ومرضى المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم آت نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها .
    اللهم آمنا في أوطاننا ، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا ، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.. اللهم وفق ولاة أمورنا لما تحبه وترضاه من الأقوال والأعمال يا حي يا قيوم ، اللهم أصلح لهم بطانتهم يا ذا الجلال والإكرام.
    اللهم أنت الله لا إله إلا أنت .. أنت الغني ونحن الفقراء توفنا مسلمين وألحقنا بالصالحين . ربنا آتنا في الدنيا حسنةً وفي الآخرة حسنةً وقنا عذاب النار ..
    اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك، ويذل فيه أهل معصيتك، ويؤمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر. إنك على كل شيء قدير.
    نفعني الله وإياكم بهدي كتابه وبسنة نبيه محمد

    سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلامٌ على المرسلين ،و الحمد لله رب العالمين


    * مجمعة بتصرف كبير
                  

03-11-2011, 02:59 PM

كمال حسن
<aكمال حسن
تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 1352

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: كمال حسن)

    Quote: بارك الله فيك أخي وسميي كمال حسن
    جزاك الله خير الجزاء وجعل بوستك هذا في ميزان حسناتك وصدقة جارية إلى يوم القيام ونسأل الله أن يوفق الأخوة والأخوات بنشر الفكرة في المواقع والمنتديات الأخرى

    Allah beschütze, segne und behüte Dich


    الأخ العزيز وسميي المقدر كمال فرانكلي
    بارك الله فيك، وزادك من فضله،
    ومن شارك في هذا البوست اسأل الله أن يجزل له العطاء والأجر، وأن لا يحرمنا منه، ويمكن لجميع الإخوة أن ينقلوا هذه الخطب ومن قبلها الفكرة ثم ينشروها في المنتديات علها تكون من العلم الذي ينفع صاحبه في حياته وبعد موته
    وأسأل الله أن يجعل هذا الأمر مرجوّا منه وجه الله تعالى وحده

    Lieber Bruder
    Möge Allah's Barmherzigkeit, Großzügigkeit, Segen und Gnade dich und deine Familie beschützen
    und hoffe dass du auch hier ab und zu vorbei schaust, und Khutba mitbringen kannst
                  

03-11-2011, 11:30 PM

كمال حسن
<aكمال حسن
تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 1352

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: كمال حسن)

    يقول نبي الهدى محمد وهو الصادق المصدوق: (كلا والله لتأمرن بالمعروف، ولتنهون عن المنكر، ولتأخذن على يد الظالم، ولتأطرنه على الحق أطراً (أي تلزمونه به إلزاماً) أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض، ثم ليلعنكم كما لعنهم، (يعني بني إسرائيل))
                  

03-18-2011, 02:39 PM

كمال حسن
<aكمال حسن
تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 1352

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: كمال حسن)

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً، ولم يكن له شريك في الملك، وما كان معه من إله، الذي لا إله إلا هو، فلا خالق غيره، ولا رب سواه، المستحق لجميع أنواع العبادة، ولذا قضى ألا نعبد إلا إياه، ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ [الحج:62]. هو الواحد الذي لا ضد له، وهو الصمد الذي لا منازع له، وهو الغني الذي لا حاجة له، وهو القوي الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، هو جبار السماوات والأرض، فلا رَادَّ لحكمه ولا معقب لقضائه وأمره. وأشهد أن حبيبنا محمداً عبده ورسوله، وصفيه من خلقه وخليله، أدى الأمانة، وبلغ الرسالة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، اللهم اجزه عنا خير ما جازيت نبياً عن أمته ورسولاً عن دعوته ورسالته، وَصَلِّ اللهم وسلم وزد وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه، وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين.
    أما بعد: يقول تعالى في محكم تنزيله
    (وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ)
    ويقول تعالى (وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ)
    فيا أيها المسلمون: جبلت النفوس على حب من أحسن إليها، وتعلقت القلوب بمن كان له فضل عليها، وليس أعظم إحساناً ولا أكثر فضلا بعد الله سبحانه وتعالى ورسوله من الوالدين.
    حيث قرن الله حقهما بحقه، وشكرهما بشكره، وأوصى بهما إحساناً بعد الأمر بعبادته: وَاعْبُدُواْ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْسَاناً [النساء:36].
    لله سبحانه نعمة الخلق والإيجاد، وللوالدين بإذنه نعمة التربية والإيلاد. يقول ابن عباس رضي الله عنهما: ثلاث آيات مقرونات بثلاث: لا تقبل واحدة بغير قرينتها: وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ [المائدة:92]. فمن أطاع الله ولم يطع الرسول لم يقبل منه. وَأَقِيمُواْ الصلاةَ وَاتُواْ الزكاةَ [النور:56]. فمن صلى ولم يزك لم يقبل منه. وأن اشكر لي ولوالديك فمن شكر الله ولم يشكر لوالديه لم يقبل منه.
    فرضى الله في رضى الوالدين، ######ط الله من سخط الوالدين.
    أيها المؤمنون: إحسان الوالدين عظيم، وفضلهما سابق، تأملوا حال الصغر، وتذكروا ضعف الطفولة: رَّبّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِى صَغِيرًا [الإسراء:24]. حملتك أمك في أحشائها تسعة أشهر، وهناً على وهن، حملتك كرهاً، ووضعتك كرهاً، ولا يزيدها نموك إلا ثقلاً وضعفاً.
    وعند الوضع رأت الموت بعينها. ولكن لما بصرت بك إلى جانبها سرعان ما نسيت آلامها، وعلقت فيك جميع آمالها. رأت فيك البهجة والحياة وزينتها، ثم شغلت بخدمتك ليلها ونهارها، تغذيك بصحتها .طعامك درها. وبيتك حجرها. ومركبك يداها وصدرها وظهرها.
    تحيطك وترعاك، تجوع لتشبع أنت، وتسهر لتنام أنت، فهي بك رحيمة، وعليك شفيقة. إذا غابت عنك دعوتها، وإذا أعرضت عنك ناجيتها، وإذا أصابك مكروه استغثت بها. تحسب كل الخير عندها، وتظن أن الشر لا يصل إليك إذا ضمتك إلى صدرها أو لحظتك بعينها.
    أما أبوك فما زال يكد ويسعى، ويدفع عنك صنوف الأذى، ينتقل في الأسفار. يجوب الفيافي والقفار، ويتحمل الأخطار بحثاً عن لقمة العيش، ينفق عليك ويصلحك ويربيك. إذا دخلت عليه هش وإذا أقبلت إليه بش، وإذا خرج تعلقت به ، وإذا حضر احتضنت حجره وصدره، هذان هما والداك، وتلك هي طفولتك وصباك، فلماذا التنكر للجميل؟ وعلام الفظاظة والغلظة، وكأنك أنت المنعم المتفضل؟!.
    أخرج الشيخان وغيرهما واللفظ لمسلم، عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: أقبل رجل إلى رسول الله فقال: أبايعك على الجهاد والهجرة أبتغي الأجر. قال: ((فهل من والديك أحد حي))؟ قال: نعم بل كلاهما. قال: ((فتبتغي الأجر من الله؟)). قال: نعم. قال: ((فارجع إلى والديك فأحسن صحبتهما))
    وفي حديث سنده جيد عند الطبراني: أن رجلا جاء إلى النبي يستشيره في الجهاد، فقال عليه الصلاة والسلام: ((ألك والدان؟)) قال: نعم؟ قال: ((الزمهما فإن الجنة تحت أقدامهما))
    أيها الإخوة في الله: إن حق الوالدين عظيم، ومعروفهما لا يجازى، وان من حقهما المحبة والتقدير، والطاعة والتوقير، والتأدب أمامهما، وصدق الحديث معهما، وتحقيق رغبتهما في المعروف، وتنفق عليهما ما استطعت : ((أنت ومالك لأبيك)).
    ادفع عنهما الأذى فقد كانا يدفعان عنك الأذى. لا تحدثهما بغلظة أو خشونة أو رفع صوت. جنبهما كل ما يورث الضجر: فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا [الإسراء:23]. تخير الكلمات اللطيفة، والعبارات الجميلة والقول الكريم.
    تواضع لهما، واخفض لهما جناح الذل رحمة وعطفاً وطاعة وحسن أدب، لقد أقبلا على الشيخوخة والكبر، وتقدما نحو العجز والهرم بعد أن صرفا طاقتهما وصحتهما وأموالهما في تربيتك وإصلاحك. تأمل حفظك الله قول ربك: إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ [الإسراء:23]. إن كلمة (عندك) تدل على معنى التجائهما واحتمائهما وحاجتهما، فلقد أنهيا مهمتهما، وانقضى دورهما، وابتدأ دورك، وها هي مهمتك: ( فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا [الإسراء:23].
    قال رجل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: إن لي أماً بلغ منها الكبر أنها لا تقضي حوائجها إلا وظهري لها مطية، فهل أديت حقها؟ قال: لا. لأنها كانت تصنع بك ذلك وهي تتمنى بقاءك، وأنت تصنعه وأنت تتمنى فراقها، ولكنك محسن، والله يثيب الكثير على القليل.
    نعم إن حقهما عظيم ولكن الجأ إلى الدعاء لهما في حال الحياة وبعد الممات اعترافاً بالتقصير، وأملاً فيما عند الله (رَّبّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِى صَغِيرًا) (الإسراء)
    أيها الإخوة في الله: إن العار والشنار والويل والثبور أن يفجأ الوالدان بالتنكر للجميل، كانا يتطلعان للإحسان، ويؤملان الصلة بالمعروف، فإذا بهذا المخذول قد تناسى ضعفه وطفولته، وأعجب بشبابه وفتوته، وغره تعليمه وثقافته، وترفع بجاهه ومرتبته، يؤذيهما بالتأفف والتبرم، ويجاهرهما بالسوء وفحش القول ،يقهرهما وينهرهما، بل ربما لطم بكف أو رفس برجل يريدان حياته، ويتمنى موتهما، وكأني بهما وقد تمنيا أن لو كانا عقيمين. تئن لهما الفضيلة، وتبكي من أجلهما المروءة.
    يا أيها المخذول: هل حينما كبرا فاحتاجا إليك جعلتهما أهون الأشياء عليك؟! قد عممت غيرهما بالإحسان، وقابلت جميلهما بالنسيان. شق عليك أمرهما، وطول عمرهما. أما علمت أن من بر بوالديه بر به بنوه، ومن عقهما عقوه، ولسوف تكون محتاجاً إلى بر أبنائك، وسوف يفعلون معك كما فعلت مع والديك، وكما تدين تدان، والجزاء من جنس العمل. يقول عليه الصلاة والسلام: ((ما من ذنب أجدر أن تعجل لصاحبه العقوبة في الدنيا مع ما يدخر له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم))
    وإن أكبر الكبائر الشرك بالله وعقوق الوالدين، بهذا صح الخبر عن الصادق المصدوق .
    وفي حديث عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله : ((ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة: العاق لوالديه، ومدمن الخمر، والمنان عطاءه. وثلاثة لا يدخلون الجنة العاق لوالديه، والديوث، والرجلة من النساء))
    وفي حديث آخر عن جابر رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول الله فقال: ((يا معشر المسلمين إياكم وعقوق الوالدين، فإن ريح الجنة توجد من مسيرة ألف عام، والله لا يجد ريحها عاق)) ، واعلموا أن بر الوالدين فريضة لازمة، وأمر محتم، وهو سعة في الرزق، وطول في العمر، وحسن في الخاتمة. عن علي رضي الله عنه عن النبي قال: ((من سره أن يمد له في عمره ويوسع له في رزقه ويدفع عنه ميتة السوء فليتق الله وليصل رحمه)). والوالدين أقرب الناس إليك رحماً.
    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِى صَغِيرًا رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِى نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلاْوَّابِينَ غَفُوراً ) الإسراء
    قال ذو النون ثلاثة من أعلام البر : بر الوالدين بحسن الطاعة لهما ولين الجناح وبذل المال ، وبر الولد بحسن التأديب لهم والدلالة على الخير ، وبر جميع الناس بطلاقة الوجه وحسن المعاشرة (3) ، وطلبت أم مسعر ليلة من مسعر ماء فقام فجاء بالكوز فصادفها وقد نامت فقام على رجليه بيده الكوز إلى أن أصبحت فسقاها
    وعن محمد ابن المنكدر قال : بت أغمز ( المراد بالغمز ما يسمى الآن بالتمسيد) رجلي أمي وبات عمي يصلي ليلته فما سرني ليلته بليلتي) ،
    ورأى أبو هريرة رجلا يمشي خلف رجل فقال من هذا ؟ قال أبي قال : لا تدعه باسمه ولا تجلس قبله ولا تمش أمامه (
    عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا يجزي ولدٌ والداً ، إلا أن يجده مملوكاً فيشتريه فيُعتقه ) رواه مسلم .
    -------------------------
    الخطبة الثانية
    الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على نبيه المصطفى، وعلى آله وصحبه، ومن سار على نهجه واقتفى.
    أما بعد:
    إن البر بالوالدين أدعى أن يزيل عن المكروب منا كربه كما في قصة الثلاثة الذين أطبق عليهم الغار فلم يستطيعوا الخروج منه، فقال بعضهم لبعض: انظروا أعمالاً عملتموها لله صالحة، فادعوا الله بها لعله يفرجها فقال أحدهم: ((اللهم إنه كان لي والدان شيخان كبيران، ولي صبية صغار، كنت أرعى عليهم، فإذا رجعت إليهم، فحلبت، بدأت بوالدي أسقيهما قبل ولدي، وإنه قد نأى بي الشجر (أي بعد علي المرعى) فما أتيت حتى أمسيت، فوجدتهما قد ناما، فحلبت كما كنت أحلب، فجئت بالحلاب، فقمت عند رؤوسهما أكره أن أوقظهما، وأكره أن أبدأ بالصبية قبلهما، والصبية يتضاغَون عند قدمي (أي يبكون)، فلم يزل ذلك دَأْبي ودأبهم حتى طلع الفجر، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج لنا ففرّج الله لهم حتى يرون السماء).
    فاتقوا الله أيها المؤمنون، واعلموا أن من البر أن يتعهد الرجل أصدقاء والديه، ويحسن كرامتهم، ويفي بحقهم، فقد قال عليه الصلاة والسلام: ((إن من أبر البر صلة الولد أهل ود أبيه))(6)[1].
    وجاء رجل إلى رسول الله وقال: هل بقي علي من بر أبوي شيء أبرهما به بعد وفاتهما؟ قال : ((نعم الصلاة عليهما، وإنفاذ عهدهما، وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، وإكرام صديقهما من بعدهما))(7)[2].
    فاستيقنوا هذا رحمكم الله، فالبر بجميع وجوهه: زيادة في العمر، وكثرة في الرزق، وصلاح في الأبناء، فمن بر والديه بره أبناؤه. والعقوق خيبة وخسارة وخذلان. وقد قيل: إن الله ليعجل هلاك العبد إذا كان عاقاً ليعجل له العذاب، وإن الله ليزيد في عمر العبد إذا كان باراً ليزيده براً وخيراً.

    أسأل الله جل وعلا أن يمتعني وإياكم بالجنة، وبالنظر إلى وجهه الكريم، وأن يرزقني وإياكم الإخلاص في القول والعمل،.
    فيا سامعا لكل شكوى، ويا عالما بكل نجوى.
    يا سابغ النعم، ويا دفع النقم، ويا فارج الغمم، ويا كشف الظلل، ويا أعدل من حكم، ويا حسيب من ظلم، ويا ولي من ظُلم.يا من لا تراه العيون، ولا تخالطه الظنون، ولا يصفه الواصفون، ولا تغيره الحوادث ولا الدهور، يعلم مثاقيل الجبال، ومكاييل البحار، وعدد قطر الأمطار، وعدد ورق الأشجار، وعدد ما يظلم عليه الليل ويشرق عليه النهار.كم من نعمة أنعمت بها علينا قل لك عندها شكرنا، وكم من بلية ابتليتنا بها قل عندها صبرنا، فيا من قل عند نعمته شكرنا فلم يحرمنا، ويا من قل عند بلائه صبرنا فلم يخذلنا أقذف في قلوبنا رجائك، اللهم اقذف في قلوبنا رجائك، اللهم اقذف في قلوبنا رجائك حتى لا نرجو أحدا غيرك. اللهم إنا نسألك إيمانا ثابتا، ويقينا صادقا حتى نعلم أنه لن يصيبنا إلا ما كتبت لنا، اللهم لا نهلك وأنت رجائنا، اللهم لا نهلك وأنت رجائنا احرسنا بعينك التي لا تنام وبركنك الذي لا يرام. يا سامعا لكل شكوى، ويا عالما بكل نجوى، يا كاشف كربتنا، ويا مستمع دعوتنا، ويا راحم عبرتنا، ويا مقيل عثرتنا. يا رب البيت العتيق أكشف عنا وعن المسلمين كل شدة وضيق، واكفنا والمسلمين ما نطيق وما لا نطيق، اللهم فرج عنا وعن المسلمين كل هم غم، وأخرجنا والمسلمين من كل حزن وكرب.
    يا كاشف كل ضر وبلية، ويا عالم كل سر وخفية نسألك فرجا قريبا للمسلمين، وصبرا جميلا للمستضعفين، يا ذا المعروف الذي لا ينقضي أبدا، ويا ذا النعم التي لا تحصى أبدا، أسألك أن تصلي على محمد وعلى آلي محمد أبدا. اللهم صلي وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
    سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك ، عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان

    * مُجَمَّعةٌ
                  

03-18-2011, 11:51 PM

كمال حسن
<aكمال حسن
تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 1352

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: كمال حسن)

    عن جابر رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول الله فقال: ((يا معشر المسلمين إياكم وعقوق الوالدين، فإن ريح الجنة توجد من مسيرة ألف عام، والله لا يجد ريحها عاق))
                  

03-25-2011, 09:34 AM

كمال حسن
<aكمال حسن
تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 1352

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: كمال حسن)

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، خصنا بخير كتاب أنزل وأكرمنا بخير نبي أرسل ، وجعلنا بالإسلام خير أمة أخرجت للناس نأمر بالمعروف وننهى عن المنكر ونؤمن بالله ، وأشهد أنا سيدنا وإمامنا وأسوتنا وحبيبنا ومعلمنا محمداً عبدالله ورسوله ،أرسله ربه بالهدى ودين الحق بشيراً ونذيراً ، ففتح الله برسالته أعين عمياً وآذاناً صماً وقلوبا غلفا وأخرج به الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد ، اللهم صلي وسلم وبارك على هذا الرسول الكريم وعلى آله وصحابته وأحينا اللهم على سنته وأمتنا على ملته واحشرنا في زمرته مع الذين أنعمت عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً .
    أما بعد ،،،
    فيا أيها الأخوة المسلمون ، يستقبل الناس في الأيام القليلة القادمة أول شهر نيسان أو إبريل وقد تعود الناس في هذا اليوم عادة قبيحة لم تنبت في أرضنا ولم تخرج من ديارنا ، إنما اقتبست من بيئة غير بيئتنا ومن بلاد غير بلادنا ، هذه العادة القبيحة السخيفة هي ما سموه كذبة إبريل أو كذبة أول نيسان ، يكذب الناس بعضهم على بعض في هذا اليوم ، يتصل أحدهم بصاحبه أو تتصل إحداهن بصديقتها وتبلغها نبأ لا أصل له ، قد يكون نبأ مفرحاً مهماً جداً ثم يظهر أن هذا شيء لا أساس له ، وكثيراً ما يكون النبأ مزعجاً مروعاً مفزعاً يجزع الإنسان له ويضطرب له قلبه وفؤاده ثم بعد مدة يتصل الشخص مرة أخرى ويقول لا لم يحدث شيء إنها كذبة إبريل ، وكأن هذا أمر سهل هين ، أن يكذب الإنسان الكذبة ليروع بها صاحبه ثم يقول هذه كانت مزحة وهزلاً ، وللأسف شاع الكذب في حياتنا كلها ، ليس هذا الأمر وحده ، هذا الأمر محرم من وجوه عدة محرم لأنه كذب والكذب ليس من أخلاق المؤمنين وإنما هو من أخلاق المنافقين، يقول الرسول الكريم صلوات ربي وسلامه عليه"آية المنافق ثلاث ، إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خان" وفي حديث آخر "أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً" وفي بعض الروايات "وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم ، إذا حدث كذب وإذا اؤتمن خان وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر" ،
    وفي بعض الأحاديث "سئل النبي صلى الله عليه وسلم ، أيكون المؤمن جـباناً يا رسول الله ، قال نعم ، قيل أيكون المؤمن بخيلاً يا رسول الله ، قال نعم ، قيل أيكون المؤمن كـذاب يا رسول الله ، قال لا" ،
    ولذلك فالقول في (كذبة إبريل) إنها حرام لأنها كذب وكذب صريح ، ثم أنها تفزع وتروع الإنسان بغير حق والنبي صلى الله عليه وسلم قال "لا يحل لمسلم أن يروع مسلما" ولو كان ذلك بالمزاح والدعابة ، جاء في الحديث أن الصحابة كانوا في مسيرة في سفر وكان أحدهم على راحلته فخفق ، أي نعس ، فلحظ ذلك بعض أصحابه فأخذ سهماً من كنانته حتى يبحث عنه فلا يجده فيفزعه ، فانتبه الرجل ففزع ولاحظ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال "لا يحل لمسلم أن يروع مسلماً" أي يدخل عليه الفزع ولو كان مازحاً معه وهذا وجه آخر من وجوه الحرمة .
    ووجه ثالث ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "كبرت خيانة ، كبرت خيانة ، أن تحدث أخاك بحديث هو لك مصدق وأنت به مكذب" الرجل الذي يسمعك طيب القلب مسالم يسمع لك أن هذا كلام صحيح ويأخذ الأمر مأخذ الجد وأنت تكذب عليه ، أنت تخون صاحبك بهذا فهذا وجه ثالث من أوجه الحرمة في هذه القضية.
    وجه رابع هو أن هذه العادة تقليد لغيرنا ، تقليد أعمى ننقل عن الغربيين الغث والسمين والهزل والجد والطيب والخبيث وما يليق وما لا يليق ، وهذا لا يناسب أمة جعلها الله أمة وسطا وجعلها شهيدة على الناس ، بوأها مكان الأستاذية للبشرية ، ولذلك جاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "لتتبعن سنن من قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه" لا ينبغي أن يشيع الكذب في الحياة الإسلامية ، الحياة الإسلامية تقوم على الصدق ولا تقوم على الكذب والزيف ، المسلم صادق هو صادق في نفسه وصادق مع أهله وصادق مع الناس أجمعين ، صادق مع من يسالم وصادق مع من يحارب ، هو صادق في كل حالاته ، فإن الصدق خصلة من خصال الإيمان ، كان محمد صلى الله عليه وسلم مشهوراً بالصدق في الجاهلية والإسلام وحينما جمع الناس عند الصفا وقال لهم "أرأيتم لو أخبرتكم أن خيلاً بالواد تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي" قالوا نعم ما جربنا عليك كذبا) ، لم يكذب قط ، وقال هرقل (ما كان ليدع الكذب على الناس ثم يكذب على الله)
    الإسلام لم يجز الكذب إلا في حالات معينة ، مثل ما ذكره العلماء أن يكون هناك رجل ظالم يبحث عن إنسان بريء يريد أن يقتله بغير حق وجاء واختبأ عندك فلا يجوز لك أن تصدق إذا سألك هذا الظالم أرأيت فلاناً ؟ لا تقل له رأيته ، لأنك بذلك تتسبب في قتله بغير حق ، وروت أم كلثوم بنت عتبة عن النبي صلى الله عليه وسلم قالت ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يرخص في الكذب إلا في أمور ثلاثة ، الرجل يريد الإصلاح – أي بين المتخاصمين – والرجل يتحدث في الحرب فإن الحرب خدعة ، والرجل يحدث امرأته والمرأة تحدث زوجها ، في هذه الأمور الثلاثة يجوز الكذب فيها ، في الإصلاح بين الناس لا ينبغي أن ينقل المرء وهو يحاول أن يقرب بين متباعدين أو يصلح بين متخاصمين أن ينقل ما يسمع من الكلام من هذا في حق هذا ، بل يكتم ما سمع أو يزوقه ، يحذف البعض ويزيد على البعض بحيث يقرب المسافة بينهما ، كما جاء في الحديث الآخر " ليس بكذاب من أصلح بين اثنين فقال خيراً أو أنمى خيراً" فإن فساد ذات البين هي الحالقة ، لا تحلق الشعر ولكن تحلق الدين فمن أجل هذا أجيز هذا التزيين والتزويق للتقريب بين هذين المتجافين أو المتقاطعين.
    والموضع الثاني في الحرب، كذلك علاقة الرجل مع زوجته وعلاقة المرأة مع زوجها ، ليس من الضروري أن يصارح الرجل امرأته بحقيقة ما عنده ، حتى لو كان ينفر منها ، لا يقول لها أنني أنفر منك ، بالعكس يحاول أن يتودد لها فتتودد إليه فربما هذا التودد يزيل هذه النفرة ، وذلك حينما جاء رجل إلى سيدنا عمر وأخبره أنه طلق امرأته لأنه سألها هل تبغضه فلم تجب فحلف عليها أن تجيبه فقالت له أنا لا أحبك ، فجاءت المرأة إلى سيدنا عمر فكلمها فقالت يا أمير المؤمنين ناشدني الله أفيسعني أن أكذب ؟ ، قال لها (نعم إذا كانت إحداكن لا تحب أحدنا فلا تحدثه بذلك ، فإن أقل البيوت ما بني على الحب ، وإنما يتعاشر الناس بالإسلام والأحساب) بالدين والأخلاق يتعاشر الناس ، هذه هي المواضع التي رخص فيها الإسلام في الكذب ، ذلك لأن هذا الدين دين واقعي ، هناك بعض الفلاسفة المثاليين دعاة فلسفة الواجب مثل الفيلسوف الألماني الشهير (كانت) لا يسمح بالكذب في أي حال من الأحوال ولكن الإسلام دين واقعي يعالج الواقع بما يلزم له ، فإنما حرم الكذب لما يترتب عليه من أضرار وخبائث فإذا كان الصدق نفسه يترتب عليه أضرار فالصدق في هذه الحالة ضار ولذلك قالوا هناك صدق قبيح مذموم منه نقل الكلام الذي يسمعه الإنسان وهذه هي النميمة ، النميمة أن تنقل الكلام الذي سمعته بالحرف من شخص إلى شخص أو من فئة إلى أخرى لتفسد ما بينهما
    أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
    -------------------------
    الخطبة الثانية
    الحمد لله ، غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، يسبح له ما في السماوات وما في الأرض له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، وأشهد أن سيدنا وإمامنا وأسوتنا وحبيبنا محمد عبدالله ورسوله البشير النذير والسراج المنير صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه ومن دعا بدعوته واهتدى بسنته وجاهد جهاده إلى يوم الدين .

    أما بعد ،،
    إخوة الإسلام
    الإسلام أباح الكذب في مواضع معينة لضرورات والأصل أن المسلم لا يلجأ إلى الكذب الصريح ما استطاع إلى ذلك سبيلا فقد جاء عن الصحابة رضي الله عنهم (إن في المعاريض لمنذوحة عن الكذب) ومقصود بالمعاريض أن تلوح ولا تصرح وأن توري بالكلام ، أن تقول بالكلام تقصد معنى ويفهم السامع معنى آخر والمعنى الذي قصدته صحيح ، كما سئل النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بدر سأله بعض الناس قابلوه في الطريق وكان النبي لا يريد أن يعرف سألوه من أين جئتم ؟ فقال "من الماء" ففهم الرجل أنهم قادمون من العراق أو من هذه البلاد التي فيها الأنهار والنبي صلى الله عليه وسلم يقصد الآية الكريمة (فلينظر الإنسان مم خلق ، خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب) ، (ألم نخلقكم من ماء مهين) وسئل أبو بكر من هذا الذي معك ؟ فقال لهم هذا دليلي ، ففهم أنه دليله أي هو الذي يعرف الطريق وأبو بكر يقصد دليلي أي دليلي إلى الله وإلى الجنة وإلى الصراط المستقيم فهذه هي المعاريض.
    مشكلة حياتنا الآن أن الكذب قد شاع فيها ، كما قلت شاع في كل ألوان الحياة ، الاجتماعية والتجارية والسياسية ، في الحياة الاجتماعية نجد الناس سموا الأشياء بغير أسمائها ، زيفوا لها أسماء جديدة ، حتى قال أمير الشعراء أحمد شوقي رحمه الله

    مـا كان في ماضي الزمان محرماً **** للناس في هذا الزمان مـبـاح
    صــاغوا نعوت فضائل لعيوبهم****فتعــذر التمييز والإصـلاح
    فالفتك فن والخداع سياســة ****وغنى اللصوص براعة ونجــاح
    والعري ظرف والفســاد تمدن****والكذب لطف والرياء صـلاح

    هكذا قال شوقي رحمه الله ، كذب الناس على أنفسهم وزيفوا لهم مصطلحات جديدة ، الانحراف يسمونه تطوراً والفساد يسمونه تمدناً والعري يسمونه تحرراً وهكذا
    حياتنا تقوم على الزيف ، وعلى الكذب وهذه الأمة لا يمكن أن يستقيم حالها ولا يمكن أن ترقى وأن تتبوأ مكانتها تحت الشمس وأن تستعيد مجدها المسلوب وتاريخها المغصوب إلا إذا التزمت الصدق ، عليكم بالصدق كما قال ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم "عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا ، وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا" ، يجب أن نتحرى الصدق وإن رأينا فيه الهلكة فإن فيه النجاة وأن نتجنب الكذب وإن رأينا فيه النجاة فإن فيه الهلكة.
    إن الكذب آفة من أعظم الآفات ورذيلة من أقبح الرذائل ولكن الكذب ألوان وأنواع ، هناك كذب يعتبر من الصغائر وهناك كذب يعتبر من الكبائر الموبقة مثل الكذب في الشهادة ، شهادة الزور ، ولذلك الرسول صلى الله عليه وسلم قال "ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ، قالوا بلى يا رسول الله ، قال الشرك بالله وعقوق الوالدين – وكان متكئاً فجلس – ثم قال ألا وشهادة الزور ألا وقول الزور ألا وشهادة الزور – وظل يكررها حتى قال الصحابة ليته سكت إشفاقا عليه صلى الله عليه وسلم – " فالكذب في الشهادة ، والكذب في اليمين ، أن يكذب الإنسان في يمينه (إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا ينظر الله إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم) إن والله ذلك لهو الخسار خاب وخسر من يتوعده الله بذلك أسأل الله العلي القدير أن يتجاوز عننا ما أسررناه وما أعلناه إنه هو الغفور الرحيم
    يا كاشف كل ضر وبلية، ويا عالم كل سر وخفية نسألك فرجا قريبا للمسلمين، وصبرا جميلا للمستضعفين، يا ذا المعروف الذي لا ينقضي أبدا، ويا ذا النعم التي لا تحصى أبدا، أسألك أن تصلي على محمد وعلى آلي محمد أبدا. اللهم صلي وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
    سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك ، عباد الله
    (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)


    * منقولة بتصرف
                  

03-25-2011, 09:38 AM

SHIBKA
<aSHIBKA
تاريخ التسجيل: 01-14-2009
مجموع المشاركات: 5759

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: كمال حسن)

    غفر الله لنا ولك ياكمال
                  

03-25-2011, 07:05 PM

كمال حسن
<aكمال حسن
تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 1352

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: SHIBKA)

    أختي العزيزة هند
    نسأل الله لنا ولك المغفرة ولجميع المسلمين
    إنه ولي ذلك والقادر عليه
                  

04-01-2011, 00:11 AM

كمال حسن
<aكمال حسن
تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 1352

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: كمال حسن)

    الحمد لله الذي فرض على عباده الصلوات لحكم عظيمة وأسرار جليلة وجعل هذه الصلوات مكفرات لما بينهن من صغائر الذنوب والأوزار وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو العظمة والعزة والاقتدار وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله إمام المتقين الأبرار صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه البررة الأطهار وسلم تسليمًا.
    يقول ربنا عز وجل (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ* يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ)
    ويقول ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لّا يَجْزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الْغَرُورُ)
    أما بعد أيها الناس: اتقوا الله تعالى واعرفوا ما لله من الحكم العظيمة فيما أمركم به من العبادات وفيما نهاكم عنه من موجبات الإثم والسيئات فإن الله تعالى لم يأمركم بالعبادة لاحتياجه إليكم؛ لأنه سبحانه غني عن العالمين وإنما أمركم. بما أمركم به لاحتياجكم إليه وقيام مصالحكم الدينية والدنيوية عليه فالعبادات التي أمر الله بها كلها صلاح للأبدان وصلاح للقلوب وصلاح للأفراد وصلاح للشعوب وإذا صلحت القلوب صلحت الأبدان قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم: ( ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب) ، أيها الناس: إنكم محتاجون إلى ربكم ومضطرون إليه ليس بكم غنى عنه طرفة عين فاعبدوه واشكروه وأديموا ذكره وشكره ولقد شرع
    الله لكم من العبادات ما يقربكم إليه ويستوجب الأجر والثواب، شرع لكم الصلوات الخمس التي تطهر القلوب من الذنوب، وتوصل العبد إلى غاية المطلوب. الصلوات التي هي صلة بين العبد وبين خالقه وفاطره يطهر ظاهره وباطنه، حين يريد الصلاة فيأتي اليها بطهارة الباطن والظاهر ويقف بين يدي ربه خاشعًا خاضعًا لا يلتفت بقلبه ولا بوجهه، قلبه متصل بالله ووجهه إلى بيت الله فهو متوجه إلى ربه ظاهرًا وباطنًا يتلو كتابه ويتدبر ما يقوله ربه من أوامر ونواهي ويتأمل ما يتلوه من أحسن القصص التي بها المواعظ والاعتبار إذا مرت به أية رحمة طمع في فضل الله فسأل الله من فضله وإذا مرت به أية وعيد خاف من عذاب الله فاستعاذ به منه ثم يركع حانيًا ظهره ورأسه تعظيمًا لله الرب العظيم سبحان ربي العظيم مستحضرًا بذلك عظمة من لانت لعظمته الصعاب وخضعت لعزته الرقاب فيكون معظمًا لله بقلبه ولسانه وجسده بظاهره وباطنه ممتثلًا بذلك أمر ربه ورسوله حيث يقول تعالى }يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا{ ويقول سبحانه }فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ {، وقال النبي ( اجعلوها في ركوعكم) ، ثم بعد أن يقول ما شاء الله من تعظيم يرفع رأسه مثنيا على ربه حامدًا له على إحسانه الكامل وصفاته العليا فإنه المحمود على كل حال المشكور بكل لسان ثم بعد ذلك يخر ساجدًا واضعًا أعلى جوارحه وأشرف أعضائه على الأرض وجميع أعضائه العاملة: الوجه واليدان والرجلان كلها لاطئة في الأرض ليس فيها شيء عالٍ على شيء وحينئًذ يستحضر من تنزه عن السفول يستحضر علو الرب الأعلى فيقول سبحان ربي الأعلى ينزه ربه عن السفول ويصفه بالعلو المطلق فإنه تعالى عال بذاته عال بصفاته فهو فوق كل شيء وصفاته أعلى الصفات وأكملها ومن أجل هذا التواضع الذي يضع الساجد فيه نفسه تعظيمًا لربه كان أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فبعد أن يسبح ربه الأعلى يدعو الله تعالى. مما أحب، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء فَقمِنٌ ( أي حرِيٌ ) أن يستجاب لكم) ، وبعد هذا السجود والذل لله يقوم فيجلس جلسة الخاضع واضعًا يديه على فخذيه يسأل ربه المغفرة والرحمة والعافية ويستمر في صلاته هكذا ما بين قيام وركوع وسجود ثم بعد ذلك يختم صلاته بتعظيم الله ووصفه بما هو أهله: التحيات لله والصلوات والطيبات، ويسلم على نبي الله ثم على نفسه ومن معه ثم على كل عبد صالح في السماء والأرض ثم يعود للصلاة والتبريك على نبي الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثم يستعيذ بالله من مضار الدنيا والآخرة، يقول أعوذ بالله من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيخ الدجال، ويدعو بما شاء، فالمصلي أيها المسلمون متنقل في رياض العبادة ما بين قيام وقعود وركوع وسجود وقراءة وذكر ودعاء، قلبه عند ربه في كل هذه الأحوال فأي نعيم أعظم من هذا النعيم وأي حال أطيب من هذه الحال ولهذا كانت الصلاة قرة عيون المؤمنين وروضة أنس المشتاقين وحياه قلوب الذاكرين فتثمر نتائجها العظيمة ويخرج المصلى بقلب غير قلبه الذي دخل به فيها يخرج بقلب ممتلئ نورًا وسرورًا وصدر منشرح للإسلام فسيحًا فيجد نفسه محبًا للمعروف كارهًا للمنكر ويتحقق له قوله تعالى} إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ{
    عباد الله: إن عبادةً هذه نتائجها وعملًا هذا شأنه لجدير بنا أن نسعى لتحقيقه والعناية به وأن نجعله نصب أعيننا وحديث نفوسنا والله نسأل أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته وأن يعيذنا من نزغات الشيطان وصده وأن يجعلنا ممن حقق قول الله تعالى} حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ{، إنه جواد كريم.
    أيها الناس وحافظوا على الصلوات وأقيموها في الجمع والجماعات، وفي وقتها ولا تضيعوها وتهملوها فتقعوا في المهلكات . قال الله تعالى { فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا } فمن أضاع الصلاة ولم يتب من ذلك لقي الغي في الدنيا والآخرة ، والغي هو الخسران المبين ، قال ابن عباس رضي الله عنهما: ليس معنى أضاعوها تركوها بالكلية ولكن أخروها عن أوقاتها.
    وقال سعيد بن المسيب -إمام التابعين رحمه الله-: هو أن لا يصلي الظهر حتى يأتي العصر، ولا يصلي العصر إلى المغرب، ولا يصلي المغرب إلى العشاء، ولا يصلي العشاء إلى الفجر، ولا يصلي الفجر إلى طلوع الشمس فمن مات وهو مصر على هذه الحالة ولم يتب وعده الله بغي وقال ابن مسعود رضي الله عنه " الغي وادٍ في جهنم بعيد القعر ، خبيث الطعم "
    إخوة الإسلام من كان محافظًا عليها فليحمد الله على نعمته ويسأله الثبات على ذلك ، ومن لم يكن محافظًا عليها فليتب إلى الله من ذنبه وليرجع إلى ربه قبل أن يزيغ قلبه فيكون من الهالكين
    بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
    الخطبة الثانية

    الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له. وأشهد أن سيدنا محمدًا عبد الله ورسوله إمام المرسلين، وخاتم النبيين، وسيد الخاشعين صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه ومن دعا بدعوته إلى يوم الدين.
    أيها الإخوة المؤمنون: يتساءل الكثيرون عن الخشوع في الصلاة وكيف يبلغونه، وما السبيل إلى تحقيقه، فلنستمع أيها الإخوة لكلام إمام من أئمة المسلمين من تدبره وحاول إن استطاع أن يكون - بإذن الله - من الذين هم في صلاتهم خاشعون.
    قال ابن القيم رحمه الله تعالى: وليس حظ القلب العامر بمحبة الله وخشيته والرغبة فيه وإجلاله وتعظمه من الصلاة كحظ القلب الخالي الخراب، فإذا وقف الإثنان بين يدي الله في الصلاة وقف هذا بقلب مخبت خاشع له قريب منه سليم من معارضات السوء، قد امتلأت أرجاؤه بالهيبة وسطع فيه نور الإيمان، وكشف عنه حجاب النفس، ودخان الشهوات فيرتع في رياض معاني القرآن، وخالط قلبه بشاشة الإيمان بحقائق الأحماء والصفات وعلوها وجمالها وكمالها الأعظم، وتفرد الرب سبحانه بنعوت جلاله وصفات كماله.
    فاجتمع همه على الله، وقرت عينه به، وأحس بقربه من الله قربًا لا نظير له ففزع قلبه له، وأقبل عليه بكليته، وهذا الإقبال منه بين إقبالين من ربه فإنه سبحانه أقبل عليه أولا فانجذب قلبه بإقباله، فلما أقبل على ربه حظي منه بإقبال آخر أتم من الأول.
    وههنا عجيبة من عجائب الأسماء والصفات تحصل لمن تفقه قلبه في معاني القرآن وخالط بشاشة الإيمان بها قلبه بحيث يرى لكل اسم وصفة موضعًا من صلاته ومحلًا منها فإذا انتصب قائمًا بين يدي الرب تبارك وتعالى شاهد بقلبه قيوميته وإذا قال " الله أكبر " شاهد كبرياءه. وإذا قال: " سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك "، شاهد بقلبه ربًا منزهًا عن كل عيب، سالمًا من كل نقص، محمودًا بكل حمد، فحمده يتضمن وصفه بكل كمال وذلك يستلزم براءته من كل نقص تبارك الله، فلا يذكر على قليل إلا كثره، ولا على خير إلا أنماه وبارك فيه، ولا على آفة إلا أذهبها، ولا على الشيطان إلا رده خاسئًا داحرًا، وكمال الاسم من كمال مسماه فإذا كان هذا شأن اسمه الذي لا يضر معه شيء في الأرض ولا في السماء فشأن المسمى أعلى وأجل، وتعالى جده أي ارتفعت عظمته وجلت فوق كل عظمة وعلا شأنه على كل شأن وقهر سلطانه كل سلطان فتعالى جده أن يكون معه شريك في ملكه وربوبيته أو في إلوهيته أو في أفعاله أو في صفاته كما قال مؤمنو الجن} وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا { ، فكم في هذه الكلمات من تجل لحقائق الأسماء والصفات على قلب العارف بها وغير المعطل لحقائقها، وإذا قال أعوذ بالله من الشيطان الرجيم فقد آوى إلى ركنه الشديد واعتصم بحوله وقوته من عدوه الذي يريد أن يقطعه عن ربه ويباعده عن قربه ليكون أسوأ حالًا.
    فإذا قال (الحمد لله رب العالمين) وقف هنيهة يسيرة ينتظر جواب ربه له بقوله: { حمدني عبدي} فإذا قال (الرحمن الرحيم) انتظر الجواب بقوله: { أثنى عليّ عبدي} فإذا قال (مالك يوم الدين) انتظر جوابه بقوله { مجدني عبدي}
    فيا لذة قلبه وقرة عينه وسرور نفسه بقول ربه: " عبدي " ثلاث مرات، فوالله لو لا ما على القلوب من دخان الشهوات وغيم النفوس لاستطيرت فرحًا وسرورًا بقول ربها وفاطرها ومعبودها {حمدني عبدي } و { أثنى علي عبدي} و { مجدني عبدي} ثم يكون لقلبه مجال من شهود هذه الأسماء الثلاثة التي هي أصول الأسماء الحسنى وهي " الله " و " الرب " و " الرحمن " فشاهد قلبه من ذكر اسم الله تبارك وتعالى إلها معبودًا موجودًا مخوفًا لا يستحق العبادة غيره ولا تنبغي إلا له، قد عنت له الوجوه وخضعت له الموجودات وخشعت له الأصوات تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهن وإن من شيء إلا يسبح بحمده (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا) وكذلك خلق السموات والأرض وما بينهما، وخلق الجن والإنس والطير والوحش والجنة والنار، وكذلك أرسل الرسل وأنزل الكتب وشرع الشرائع وألزم العباد الأمر والنهي.
    وشاهد من ذكر اسمه رب العالمين قيومًا قام بنفسه وقام به كل شيء، فهو قائم على كل نفس بخيرها وشرها، قد استوى على عرشه وتفرد بتدبير ملكه فالتدبير كله بيديه ومصير الأوامر كلها إليه فالتدبيرات نازلة من عنده على أيدي ملائكته بالعطاء والمنع والخفض والرفع والإحياء والإماتة والتوبة والعزل والقبض والبسط وكشف الكروب وإغاثة الملهوفين وإجابة المضطرين( يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع ولا معقب لحكمه ولا راد لأمره ولا مبدل لكلماته تعرج الملائكة والروح إليه وتعرض الأعمال أول النهار وآخره عليه فيقدر المقادير ويوقت المواقيت ثم يسوق المقادير إلى مواقيتها قائمًا بتدبير ذلك كله وحفظه ومصالحه.
    ثم يشهد عند ذكر اسم " الرحمن " جل جلاله ربًا محسنًا إلى خلقه بأنواع الإحسان متحببًا إليهم بصنوف النعم وسع كل شيء رحمة وعلمًا وأوسع كل مخلوق نعمة وفضلًا فوسعت رحمته كل شيء ووسعت نعمته كل حي فبلغت رحمته ما بلغ علمه فخلق خلقه برحمته وأنزل كتبه برحمته وأرسل رسله برحمته وشرع شرائعه برحمته وخلق الجنة برحمته والنار أيضًا برحمته فإنها سوطه الذي يسوق به عباده المؤمنين إلى جنته ويطهر بها أدران الموحدين من أهل معصيته، وإنها سجنه الذي يسجن فيه أعداءه من خليقته. فتأمل ما في أمره ونهيه ووصاياه ومواعظه من الرحمة البالغة والنعمة السابغة وما في حشوها من الرحمة والنعمة، فالرحمة هي السبب المتصل منه بعباده كما أن العبودية هي السبب المتصل منهم به فمنهم إليه العبودية ومنه إليهم الرحمة.
    أيها الإخوة المسلمون إن الله أمركم بأمر إبتدر فيه نفسه ثم ثنى بملائكته حيث قال (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا).
    عباد الله ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)
    اذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على جزيل نعمائه يزدكم


    * منقولة بتصرف
                  

04-01-2011, 09:59 AM

كمال حسن
<aكمال حسن
تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 1352

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: كمال حسن)

    أسأل الله العلي القدير أن يجعل هذه الجمعة مباركة على جميع المسلمين
                  

04-08-2011, 04:16 AM

كمال حسن
<aكمال حسن
تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 1352

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: كمال حسن)

    الحمدُ للهِ الَّذي أكرمَ بالإسلامِ أولياءَهُ ، وشرَّفَ بالإيمانِ أصفياءَهُ ، وأقامَ بالميزانِ والعدْلِ أرضَهُ وسماءَهُ ، أحمدُ ربِّي حمداً كثيراً طيِّباً مُباركاً فيهِ يَستَنْـزِلُ وابلَ نَعَمائِهِ ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ شهادةً أدَّخِرُها ليومِ لقائِهِ ، وأشهدُ أنَّ نبيَّنَا محمداً عبدُ اللهِ ورسولُه المختومُ به ديوانُ رسُلِ اللهِ وأنبيائِهِ ، صلَّى اللهُ وسلَّم عليهِ وعلى آلِهِ وأزواجِهِ وأصحابِهِ الذين اصطفاهمُ اللهُ لنُصْرَةِ نبيِّهِ واقتفائِهِ .
    أما بعد:
    فيا أيها الناس، أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فاتقوه رحمكم الله، وأحسنوا فهو سبحانه مع الذين اتقوا والذين هم محسنون.
    أيها المسلمون، احترام العدل تقليدٌ تتوارثه الأمم المحترمة، وتقيم له الضمانات، وتبني له السياجات، من أجل أن يرسخ ويستقرَّ.
    وإن الحضارات الإنسانية لا تبلغ أوج عزها، ولا ترقى إلى عز مجدها إلا حين يعلو العدل تاجها، ويتلألأ به مفرقها. تبسطه على القريب والغريب، والقوي والضعيف، والغني والفقير، والحاضر والباد.
    العدل تواطأت على حسنه الشرائع الإلهية، والعقول الحكيمة، والفطر السوية. وتمدح بادعاء القيام به ملوك الأمم وقادتها، وعظماؤها وساستها.
    القسط والعدل هو غاية الرسالات السماوية كلها:( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزْلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِىٌّ عَزِيزٌ) [الحديد:25].
    إن أية أمة تعطلت من هذه الخلة الجليلة إلا أصابها الهلاك والدمار
    بالعدل قامت السموات والأرض، وللظلم يهتز عرش الرحمن. العدل مفتاح الحق، وجامع الكلمة، ومؤلف القلوب.
    إذا قام في البلاد عمَّرت، وإذا ارتفع عن الديار دمَّرت. إن الدول لتدوم مع الكفر مادامت عادلة، ولا يقوم مع الظلم حقٌ ولا يدوم به حكم.
    أيها الإخوة، العدل في حقيقته تمكين صاحب الحق ليأخذ حقه. في أجواء العدل يكون الناس في الحق سواء لا تمايز بينهم ولا تفاضل، بالعدل يشتد أزر الضعيف ويقوى رجاؤه، وبالعدل يهون أمر القوي وينقطع طمعه. (لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ) [البقرة:279].
    أيها الإخوة في الله، وإن أمة الإسلام هي أمة الحق والعدل، والخير والوسط، نصبها ربها قوامةً على الأمم في الدنيا، شاهدةً عليهم في الآخرة، خير أمةٍ أخرجت للناس، يهدون بالحق وبه يعدلون، يتواصون بالحق والصبر، ويتنافسون في ميادين الخير والبر، ويتسابقون إلى موجبات الرحمة والأجر.
    أمةٌ أمرها ربها بإقامة العدل في كتابه أمرًا محكمًا وحتمًا لازمًا: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الامَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً) [النساء:58].
    (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء للَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالاْقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً) [النساء:135].
    لا أعدل ولا أتم ولا أصدق ولا أوفى من عدل شريعة الله، فهي مبنية على المصالح الخالصة أو الراجحة، بعيدة عن أهواء الأمم وعوائد الضلال، لا تعبأ بالأنانية والهوى، ولا بتقاليد الفساد. إنها لمصالح النوع البشري كله ليس لقبيلة أو بلد أو جنس.
    (فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَقُلْ ءامَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لاَ حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ) [الشورى:15].
    إن الإسلام صدقٌ كله، وحكمه عدلٌ: (وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبّكَ صِدْقاً وَعَدْلاً لاَّ مُبَدّلِ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) [الأنعام:115]
    عدل الإسلام يسع الأصدقاء والأعداء، والأقرباء والغرباء، والأقوياء والضعفاء، والمرؤوسين والرؤساء. عدل الإسلام ينظم كل ميادين الحياة ومرافقها ودروبها وشؤونها. في الدولة والقضاء، والراعي والرعية، والأولاد والأهلين. عدلٌ في حق الله. وعدل في حقوق العباد في الأبدان والأموال، والأقوال والأعمال. عدلٌ في العطاء والمنع، والأكل والشرب. يُحق الحق ويمنع البغي في الأرض وفي البشر. ((كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)).
    وفي الحديث الآخر: ((ما من أحد يكون على شيء من أمور هذه الأمة فلم يعدل فيهم إلا كبه الله في النار)) أخرجه الحاكم، وقال صحيح الإسناد من حديث ابن يسار رضي الله عنه.
    وإن من أولى ما يجب العدل فيه من الحق حق الله سبحانه في توحيده وعبادته، وإخلاص الدين له كما أمر وشرع خضوعًا وتذللاً، ورضًا بحكمه وقدره، وإيمانًا بأسمائه وصفاته. وأظلم الظلم الشرك بالله عز وجل، وأعظم الذنب أن تجعل لله ندًا وهو خلقك.
    ثم العدل في حقوق العباد تُؤدى كاملة موفورة، ماليةً أو بدنية، قولية أو عملية. يؤدي كل والٍ ما عليه مما تحت ولايته في ولاية الإمامة الكبرى ثم نواب الإمام في القضاء والأعمال في كل ناحية أو مرفق.
    في الحديث الصحيح: ((إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن – وكلتا يديه يمين – الذين يعدلون في حكمهم وفي أهلهم وما ولوا)).
    وإن ولاة أمور المسلمين حق عليهم أن يقيموا العدل في الناس. وقد جاء في مأثور الحكم والسياسات: لا دولة إلا برجال، ولا رجال إلا بمال، ولا مال إلا بعمارة، ولا عمارة إلا بعدل.
    حكم كله عدل ورحمة في خفض الجناح ولين الجانب، وقوة الحق، عدلٌ ومساواة تكون فيه المسؤوليات والولايات والأعمال والمهمات تكليفًا قبل أن تكون تشريفًا، وتبعات لا شهوات، ومغارم لا مغانم، وجهادًا لا إخلادًا، وتضحيةً لا تحليةً، وميدانًا لا ديوانًا، وأعمالاً لا أقوالاً، وإيثارًا لا استئثارًا. إنصافٌ للمظلوم، ونصرة للمهضوم، وقهرٌ للغشوم، وردع للظلوم، رفع المظالم عن كواهل المقروحة أكبادهم، ورد الاعتبار لمن أذلهم البغي اللئيم، لا تأخذهم في الحق لومة لائم، ولا تعويق واهم، وإن حدًا يقام في الله خير من أن يمطروا أربعين صباحًا.
    وفي مثل هذا صح الخبر عنه أنه قال: ((أهل الجنة ثلاثة: ذو سلطان مقسط متصدق موفق، ورجلٌ رحيمٌ رقيق القلب لكل ذي قربى، ومسلم عفيف متعفف ذو عيال)). والإمام العادل سابع سبعةٍ يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله.
    أما نزاهة القضاء ونقاء ضمائر القضاة فحسبك به من عدل وقسط، صاحب الحق في جو القضاء العادل يشعر بالثقة والأمان، والمتهم بريء حتى تثبت إدانته، ولأن يخطئ الحاكم في العفو خيرٌ من أن يخطئ في العقوبة، هذا تعرفه دنيا الحضارات ودين أهل الإسلام. القاضي العادل يواسي الناس بلحظه ولفظه، وفي وجهه ومجلسه، لا يطمع شريف في حيفه، ولا ييأس ضعيف من عدله، لا يميل مع هوى، ولا يتأثر بود، ولا ينفعل مع بغض. لا تتبدل التعاملات عنده مجاراةً لصهر أو نسب، ولا لقوة أو ضعف، يزن بالقسطاس، وبالعدل يقضي. يدني الضعيف حتى يشتد قلبه وينطلق لسانه، وبتعاهد الغريب حتى يأخذ حقه، وما ضاع حق غريب إلا من ترويعه وعدم الرفق به.
    جاء في الخبر عنه : ((إن الله مع القاضي ما لم يجر فإذا جار تخلى الله عنه ولزمه الشيطان)) ، وفي رواية الحاكم: ((فإذا جار تبرأ الله منه)).
    أيها الإخوة، الإسلام يأمر بالعدلٌ في كل ميدان، وقسط يكفل الحق للناس كل الناس ولو كان من غير المسلمين والأعداء المناوئين: (ياأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ للَّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَانُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى) [المائدة:8].
    هذا هو العدل العالمي الذي جاء به محمد منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا عدلٌ يتم فيه ضبط النفس والتحكم في المشاعر. إنه القمة العليا والمرتقى الصعب الذي لا يبلغه إلا من رضي بالله ربًا، وبالإسلام دينًا، وبمحمدٍ نبيًا ورسولاً، وبدينه دستورًا وحكمًا. إنه عدل محمد ، مكيالٌ واحدٌ وميزانٌ واحدٌ.
    ولقد انتظر بكم الزمان ـ أيها الأخوة ـ وطالت بكم الحياة حتى رأيتم أممًا آتاها الله بسطة في القوة والسيطرة فما أقامت عدلاً، ولا حفظت حقًا، ويلٌ لهم وما يطففون، إذا اكتالوا لأنفسهم يستوفون، وإذا كالوا لغيرهم أو وزنوهم يخسرون. ولكن هدي محمد يأبى إلا الحق: (وَقُلْ ءامَنتُ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ) [الشورى:15]. إن الأمة لا تصل إلى هذا القدر من السمو ونصب ميزان العدل إلا حينما تكون قائمةً بالقسط لله خالصةً مخلصة، قد تلبست بلباس التقوى: (اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) [المائدة:8].
    والفئة الباغية إذا فاءت إلى أمر الله ودخلت في الطاعة فإن حقها في العدل محفوظ: (فَإِن فَاءتْ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُواْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) [الحجرات:9].
    والعدل ـ أيها الأخوة ـ كما يكون في الأعمال والأموال فهو مطلوب في الأقوال والألفاظ: (وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى) [الأنعام:152]. ولعل العدل في الأقوال أدق وأشق. وصاحب اللسان العدل يعلم أن الله يحب الكلام بعلم وعدل، ويكره الكلام بجهلٍ وظلم: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبّيَ الْفَواحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْىَ بِغَيْرِ الْحَقّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) [الأعراف:33].
    تأملوا هذا الإنصاف النبوي في القول حينما أعلن النبي حكمه على كلمة قالها شاعر حال كفره حين قال عليه الصلاة والسلام: ((أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل)). ثم هاهو صاحبه عثمان بن مظعون رضي الله عنه يسمع البيت كاملاً؛ يترسم النهج في نفسه في التقويم والعدل فُيحق الحق ويقول القسط، فقال في شطره الأول صدقْتَ، ولما قال الشطر الثاني: (وكل نعيم لا محالة زائل) قال: كذبت، نعيم الجنة ليس بزائل.
    أيها الإخوة، لم يكن كذب الشاعر في الشطر الثاني بمانع عثمان رضي الله عنه من أن يقر له بالصدق والحق في شطره الأول.
    وهذا علي رضي الله عنه يقاتل من خرج عليه، فلما سئل عنهم: أمشركون هم؟ قال: هم من الشرك فروا. قيل: أفمنافقون هم؟ قال: إن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلاً. قيل: فما هم يا أمير المؤمنين؟ قال: هم إخواننا بغوا علينا فقاتلناهم ببغيهم.
    ومن لغير هذا العدل من القول غير أبي الحسن رضي الله عنه وعن ذريته الطيبين الطاهرين؟! وهل بعد هذا الإنصاف من إنصاف؟!
    والنووي رحمه الله يقول: وينبغي ذكر فضل أهل الفضل ولا يمنع منه شنآن أو عداوة. والعبد إذا رزق العدل وحب القسط علم الحق، ورحم الخلق، واتبع الرسول، واجتنب مسالك الزيغ والبدع، هكذا يقول شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله.
    أيها الأخوة، إذا ساد العدل حُفظت الحقوق، ونصر المظلوم وولت الهموم، وأدبرت الغموم.
    أما حينما يتجافى الناس عن العدل ويقعون في حمأة الظلم ينبت فيهم الحقد والقطيعة والفرقة وذهاب الريح.
    من تجافى عن العدل دخل دائرة الظلم، يأخذ ولا يعطي، ويطلب ولا يبذل، يأخذ الذي يستحق، ويمتنع عما يحق، تغلبه مسالك المنافقين: (قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ) [آل عمران:154]، (وَإِذَا دُعُواْ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مّنْهُمْ مُّعْرِضُونَ وَإِن يَكُنْ لَّهُمُ الْحَقُّ يَأْتُواْ إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ) [النور:48، 49].
    إن الحَيْف وسلب الحقوق وإهدار الكرامات مبعث الشقاء ومثار الفتن. إن قومًا يفشو فيهم الظلم والتظالم، وينحسر عنهم الحق والعدل إما أن ينقرضوا بفساد، وإما أن يتسلط عليهم جبروت الأمم يسومونهم خسفًا، ويستبدون بهم عسفًا، فيذوقون من مرارة العبودية والاستذلال ما هو أشد من مرارة الانقراض والزوال. إن الظلم خراب العمران، وخراب العمران خراب الأمم والدول.
    اللهم إنا نسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وكلمة الحق في الغضب والرضا، ونسألك القصد في الفقر والغني، ونسألك الرضا بعد القضاء، ونسألك برد العيش بعد الموت ونسألك لذة النظر إلى وجهك الكريم في غير ضراء مضرة ولا فتنة مضلة، اللهم زينا بزينة الإيمان، واجعلنا هداةً مهتدين استجب اللهم يا رب العالمين.
    أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم
    -------------------------
    الخطبة الثانية
    الحمد لله شمل الأنام بواسع رحمته، وصرَّف العالم ببالغ حكمته، لا يشغله شأنٌ عن شأن وهو الحكيم الخبير. أحمده سبحانه وأشكره وأتوب إليه وأستغفره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبده ورسوله، أصدق الناس في الأقوال، وأسدهم في الأفعال، وأعدلهم في الأحكام، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه خير صحبٍ وآل، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم المآل.
    أما بعد:
    فاتقوا الله أيها الناس، واستقيموا إليه واستغفروه، وأعدوا من الأعمال الصالحة ما يقرب لديه.
    أيها الإخوة، وكما يكون العدل في الأبعدين فهو في الأهلين والأقربين أحق وأحتم. وأحق الناس بالعدل أبناؤك. فمن ابتغى بر أبنائه وبناته يحبونه في حياته ويترحمون عليه بعد مماته وتصفو قلوبهم فيما بينهم فليتق الله وليقم العدل فيما بينهم، يساوي بينهم في العطية والمعاملة والنظرة والابتسامة. وليتق الله أولئك الذين يحرمون بعض المستحقين من الذرية في عطية أو وصية فذلك حرام وجور وظلم، والوصية به وصية ظلم وجنف، مخالفة للعدل والحق لا يجوز نفاذها، فتلك أفعالٌ شنيعة، وظلمٌ مهلك، تقوم به الخصومات، وتثور به الأحقاد، وتقع به المظالم، وتتقطع به الأرحام.
    عن النعمان بن بشير رضي الله عنه أن أباه أتى به رسول الله فقال: ((إني نحلت ابني هذا غلامًا كان لي. فقال رسول الله : أفعلت هذا بولدك كلهم؟ قال: لا. قال عليه الصلاة والسلام: اتقوا الله واعدلوا في أولادكم. قال: فرجع أبي فردَّ تلك الصدقة)). وفي رواية: ((إن لبنيك عليك من الحق أن تعدل بينهم، فلا تُشهدني على جور)) ؛ ((أيسرك أن يكونوا إليك في البر سواء؟ قال: بلى. قال: فلا إذن)) ، وفي رواية: ((سووا بين أولادكم في العطية كما تحبون أن يسووا بينكم في البر)).
    والعدل في المعاملات الزوجية فرضٌ وحقٌ واجبٌ في النفقة والكسوة والمعاملة والعشرة كما يفعل الكرماء من ذوي العقل والدين والمروءة والكمال. تطعمها مما تطعم، وتكسوها مما تكتسي.
    وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله قال: ((من كانت عنده امرأتان فلم يعدل بينهما جاء يوم القيامة وشقه ساقط)) وفي رواية ((وشقه مائل)).
    أيها الإخوة، حينما تتشرب النفوس العدل فيكون سجية لها فإنه يقودها إلى محاسن الأخلاق ومكارم المروءات، عدل في السلوك كله، وسط بين الإفراط والتفريط، جود ######اء من غير سرف ولا تقتير، وشجاعة وقوة من غير جبن ولا تهور، وحلم وأناة من غير غضب ماحق أو مهانة مردية. وكل تعامل فَقَدَ العدل فهو ضرر وإضرار، وفساد وإفساد ( وَلاَ تَبْخَسُواْ النَّاسَ أَشْيَاءهُمْ وَلاَ تَعْثَوْاْ فِى الاْرْضِ مُفْسِدِينَ) [الشعراء:183].
    وفي ديننا أيها الإخوة، مرتبة فوق العدل قد أمر الله بها مقترنة بالعدل. مرتبة تأتي لتجمل حدة العدل الصارم ووجهه الجازم الحازم، إنها مرتبة الإحسان حين تدع الباب مفتوحًا لمن يريد أن يتسامح في بعض حقوقه إيثارًا لود القلب وشفاء غل الصدور، ليداوي جرحًا، ويكسب فضلاً، ويرتفع عند ربه درجاتٍ عُلا.
    اللهم ندعوك وأنت أحق من دُعي ونرجوك وأنت أحق من رُجي
    اللهم اغفر لنا ذنوبنا كلها اللهم اغفر لنا ذنوبنا كلها اللهم اغفر لنا ذنوبنا كلها تبنا إلى الله ورجعنا إلى الله وندمنا على ما فعلنا
    ربنا اجتمعنا في بيتك ضيوفاً عليك وأنت الملك اللهم إن صاحب البيت يُكرم الضيوف وهانحن نرفع الأكف بالتوبة إلى الله تبنا إلى الله ورجعنا إلى الله اللهم فاقبلنا من التائبين اللهم اقبلنا عندك من التائبين تقبل توبتنا ومحو حوبتنا
    ومحو حوبتنا
    اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل ونعوذ بك اللهم من النار وما قرب إليها من قول أو عمل
    رب أتي نفوسنا تقواها وزكها أنت خير من زكاها أنت وليها ومولاها
    اللهم يا قاضي الحاجات يا قاضي الحاجات اقضي حاجاتنا أجمعين اللهم أنت أعلم بحاجاتنا من أنفسنا اللهم فقضها لنا يا رب العالمين اللهم فرج هم المهمومين من المسلمين ونفس كرب المكروبين وقضي الدين عن المدينين وفك أسر المأسورين وشافي جميع مرضى المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين
    اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح من وليته أمرنا وولي علينا خِيارنا وكفنا شِرارنا برحمتك يا أرحم الراحمين
    سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلامٌ على المرسلين والحمد لله رب العالمين.


    * منقولة بتصرف
                  

04-15-2011, 12:04 PM

كمال حسن
<aكمال حسن
تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 1352

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: كمال حسن)

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله الذي يُطعم ولا يطعم، منّ علينا فهدانا وأطعمنا وسقانا وكل بلاء حسن أبلانا.
    الحمد لله الذي أطعم من الطعام، وسقى من الشراب، وكسا من العري، وهدى من الضلالة، وبصّر من العمى، وفضلنا على كثير ممن خلق تفضيلا.
    الحمد لله رب العالمين، اللهم صلي وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
    أما بعد:
    فيقول الله عز وجل: (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين) الذاريات
    لم يخلق الله الخلقَ ليتقوى بهم من ضعف، ولا ليتعزز بهم من ذلةٍ، ولا ليستكثر بهم من قلة. فهو المنعم المتفضل، وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير.. خلقهم لعبادته وطاعته، ليعبدوه ولا يشركوا به شيئا.
    أيها الإخوة في الله: إن البشر عاجزون عن أن يجلبوا لأنفسهم نفعاً أو يدفعوا ضراً، وعقولهم قاصرة أن تدرك طرق الصلاح وسبل الرشاد إذا لم تكن عناية الله وهدايته وتوفيقه.
    إن الإنسانية حين تضل عن سبيل الله تتخبط في فوضى التدين وتغرق في أوحال الجاهلية.
    ألم يتخذوا لأنفسهم معبودات مزيفة وأصناما خرساء؟ اتخذوها من عجين وتمر، يتوجه إليها عابدها حتى إذا جاع أكلها. جعلوا من دون الله أصناما وأوثانا يقصدونها في الرخاء وينبذونها في الشدة: (واتخذوا من دونه ءالهة لا يخلقون شيئاً وهم يخلقون ولا يملكون لأنفسهم ضراً ولا نفعاً ولا يملكون موتاً ولا حياة ولا نشوراً) الفرقان . اتخذوها فلم يروا إلا سرابا، ولم يزدادوا إلا تبارا.
    كل هذه الفوضى - أيها الإخوة - أبطلها محمد صلى الله عليه وسلم حيث جدد الملة الحنيفيةَ. صدع بكلمة الحق مدوية في المشارق والمغارب، قائلا عليه الصلاة والسلام: (كلمة واحدة تملكون بها العرب، وتدين لكم بها العجم: لا إله إلا الله محمد رسول الله)
    إنها أصل الدين وقاعدته. لأجلها نصبت الموازين، ونشرت الدواوين، وقام سوق الجنة والنار، وانقسم الناس فيها الى فريقين مؤمنين وكفار، ومتقين وفجار. إنها حق الله على العباد، وفي سبيلها تجرد سيوف الجهاد.
    إخوة العقيدة والتوحيد : إن توحيد الله والدعوة إليه وإثباته أفاض فيه كتاب ربنا سوقا في الأدلة، ضربا للأمثال وردا على المبطلين الجاحدين. هو الله الأحد الفرد الصمد، الذي أبدع الأفلاك في ضخامتها والآفاق في سعتها، ووهب العقول إدراكها وذكاءها، وألهم النفوس فجورها وتقواها. في بديع خلق السماوات والأرض وما بينهما دلائل الوحدانية، وبراهين التفرد باستحقاق العبادة.
    (أَمِ اتَّخَذُوا آلِهَةً مِّنَ الأَرْضِ هُمْ يُنشِرُونَ * لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ) الأنبياء
    (قل من رب السموات والأرض قل الله قل أفاتخذتم من دونه أولياء لا يملكون لأنفسهم نفعاً ولا ضراً قل هل يستوى الأعمى والبصير أم هل تستوى الظلمات والنور أم جعلوا لله شركاء خلقوا كخلقه فتشابه الخلق عليهم قل الله خالق كل شيء وهو الواحد القهار) الرعد.
    لا يرتفع الشقاء والعناء عن البشرية إلا حين تستيقن البصائر ويصح في العقول أنه سبحانه الواحد القهار، له الملك كله وله الأمر كله: (ءأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار) يوسف.
    هل يستوى من تتوزعه الأهواء وتتنازعه الشهوات، لا يدري أين يوجه ولا لمن له الرضا والخضوع؟ هل يستوي مع من خضع للإله الحق فنعم براحة اليقين، وبرد الاستقامة ووضوح الطريق؟؟.
    استمعوا إلى المثل المضروب من كتاب الله : (ضرب الله مثلاً رجلاً فيه شركاء متشاكسون ورجلاً سلماً لرجل هل يستويان مثلاً الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون) . الزمر
    إله واحد.. وعقيدة صافية.. وتوحيد نقي تخرج النفس به من الخرافات والأوهام.بالتوحيد الخالص يرتفع ابن آدم بكرامته من أن يخضع لأي مخلوق علت مرتبته أو دنت. فكل الخلائق عبيد لله طوعا وكرها.. كلهم تحت قهره وأمره (إن كل من في السماوات والأرض إلا ءاتى الرحمن عبداً لقد أحصاهم وعدهم عداً وكلهم ءاتيه يوم القيامة فرداً) مريم.
    ليس للقلوب سرور وليس للصدور انشراح إلا في صدق العبادة، وإخلاص المحبة، وتمام الذل والخضوع، وصرف البصر والبصيرة عن الالتفات إلى ماسوى الله ذي الجلال والإكرم.
    فيه يكون الولاء والبراء، والحب والبغض، والمودة والعداء. يضعف كل رباط إلا رباط العقيدة، وتضمحل كل وشيجة إلا وشائج الحب في الله. رابطة الإيمان يتهاوى دونها كل صلة بعرق أو تراب أو لون.
    معاشر الأحبة: وتوحيد الاعتقاد يتبعه توحيد العمل والاستقامة في الاتباع، لا تقوم العقيدة بصفائها إلا حين نقارنها بالعمل الصالح، وإسلام الوجه لله والإحسان في العمل.
    (ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى) لقمان. (ومن أحسن ديناً ممن أسلم وجهه لله وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفاً) النساء.
    الموحد لله تكون مشاعر قلبه وخلجات ضميره مرتبطة بربه مؤتمرة بأوامره، منتهية عن نواهيه، يحل ما أحل الله ويحرم ما حرم الله، يقف عند حدوده منتصب القامة مرتفع الهامة، لا يركع ولا يسجد ولا ينحني إلا لله رب العالمين.
    من نازع الله في الحكم فقد نازعه حقا من حقوق العبادة: (إن الحكم الا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ). يوسف.
    إن الدين القيم لا يتحقق إلا حين يعترف المؤمن باختصاص الله بالحكم كما هو مختص بالعبادة في جميع أنواعها: (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) النساء.
    والغلو في التعلق بالدنيا يصير صاحبه عابدا لها مؤثرا ذلك في توحيده وصحة عبادته..حينما لا يكون غضبه إلا من أجلها، ورضاه في سبيلها.
    (ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون ولو أنهم رضوا ما ءاتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله إنا إلى الله راغبون) التوبة.
    وفي الحديث الصحيح: ((تعس عبد الدينار. تعس عبد الدرهم. تعس عبد الخميصة. تعس عبد القطيفة)).
    ويلتحق بذلك كل أصحاب الأهواء وعبيد الملذات، إن حصل لصاحبه ما يشتهي رضي، وإن لم ينل مراده سخط. ما العبودية إلا عبودية القلب فعبد الله على الحقيقة من كان رضاه في رضا ربه و سـخطه في سخط ربه.
    وهكذا أيها المسلمون يتجلى التوحيد.. طهارة في القلب، وصحة في العقل، ورفعة في السلوك، واستقامة على الفطرة (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) الروم.
    وما لم يتحقق التوحيد وإخلاص العبادة وتمام الخضوع والانقياد والتسليم.. فلا تقبل صلاة ولا زكاة ولا يصح صوم ولا حج، ولا يزكوا أي عمل يتقرب به إلى الله: (ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون) الفرقان.
    إذا لم يتحقق التوحيد ويصدق الاخلاص فلا تنفع شفاعة الشافعين، ولا دعاء الصالحين حتى ولو كان الداعي سيد الأنبياء محمدا . اقرءوا إن شئتم: (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم) التوبة.
    فاتقوا الله عباد الله وحققوا إيمانكم وأخلصوا أعمالكم يهدكم ربكم ويصلح بالكم.
    أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ قُلْ إِنِّيَ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * قُلْ إِنِّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * مَّن يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ
    وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ الأنعام.
    نفعني الله وإياكم بهدي كتابه.أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم


    الخطبة الثانية
    الحمد لله ولي الصالحين ولا إله إلا هو عليه توكلنا وهو أرحم الراحمين، وأصلي وأسلم على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
    إخوة الإسلام
    والتوحيد ضده الشرك والعياذ بالله، أن تجعل مع الله شريكا وهو أظلمُ ، وأقبحُ الجهل ، وأكبرُ الكبائر .
    ولذلك لم تدعُ الرسل جميعاً إلى شيء قبل التوحيد ، ولم تنه الرسل جميعاً عن شيء قبل التنديد ، ولم يتوعد اللهُ على ذنب أكثر مما جاء في الشرك من الوعيد الشديد .
    قال سبحانه: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً } النساء
    وقال سبحانه : { مَن يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ [المائدة
    بل وخاطب الله جل وعلا صفوة خلقه وهم الرسل قائلا : { وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } الأنعام
    بل وخاطب حبيبه وخليله وسيد الأنبياء وإمام اصفيائه وقائد الموحدين وقدوة المحققين محمداً صلى الله عليه وسلم بقوله : {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنْ الشَّاكِرِينَ [الزمر
    ومن ثم ورد في صحيح البخاري من حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي قال : (( من مات يشرك بالله شيئاً دخل النار ))
    قال ابن مسعود : ومن مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة .
    وفي صحيح مسلم من حديث جابر بن عبد الله أن رجلاً أتى النبي . فقال رسول الله ( ثنتان موجبتان)
    قال رجل : ما الموجبتان ؟
    فقال : (( من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة ومن مات يشركُ بالله شيئاً دخل النار))
    وعن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال : كنت رِدْفَ رسول الله ليس بيني وبينه إلا مؤخرة الرحل: (( كور البعير، ومُؤْخرِته: الخشبة التي في آخره يستند إليها الراكب))
    قال : (يا معاذ بن جبل ).
    قلت : لبيك يا رسول الله وسعديك .
    ثم سار ساعة فقال : ( يا معاذ بن جبل ).
    قلت لبيك يا رسول الله وسعديك .
    ثم سار ساعة فقال : يا معاذ بن جبل .
    قال : (( هل تدري ما حق الله على العباد )) ؟
    قلت : الله ورسوله أعلم .
    قال : (( فإن حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً)) .
    ثم سار ساعة ثم قال : (يا معاذ بن جبل) .
    قلت لبيك يا رسول الله وسعديك .
    قال : ( هل تدري ما حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك ) .
    قلت : الله ورسوله أعلم .
    قال : (( حق العباد على الله أن لا يعذبهم (
    وعن أبي ذر رضي الله عنه كما في الصحيحين أن النبي قال : (أتاني جبريل فبشرني : أنه من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة ) فقلت : وإن زنى وإن سرق ؟ قال: ( وإن زنى وإن سرق)

    أحبتي في الله : و الشرك ينقسم إلى قسمين شرك أكبر وشرك أصغر .
    فالشرك الأكبر لا يغفره الله إلا بالتوبة منه .
    وهو أن يتخذ من دون الله نداً يحبه كما يحبُ الله ويخافهُ كما يخافُ الله عز وجل وهذا هو شرك التسوية كما قال الله حكاية عن المشركين لآلهتهم في النار: (تَاللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ* إِذْ نُسَوِّيكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ*) الشعراء.
    نعم فلقد كانت هذه التسوية في المحبة والتعظيم والعبادة !!
    كما أنهم اتخذوهم أرباباً يشرعون لهم من دون الله عز وجل فعظموا تشريعهم وأراءهم أعظم من شرائع الله رب العالمين !!.
    ولذلك لما سأل أبو هريرة رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم قائلاً يا رسول الله : من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة ؟!
    قال: (( لقد ظننت يا أبا هريرة أن لا يسألني عن هذا الحديث أوّل منك ، لما رأيت من حِرصِك على الحديث ، أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال : لا إله إلا الله من قلبه)
    والشاهد هو كيف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جعل أعظم الأسباب التي تُنال بها شفاعته هي تجريدُ وإخلاصُ التوحيد لله العزيز الحميد
    أما القسم الثاني وهو الشرك الأصغر : وقد عَرَّفَهُ النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي رواه أحمد والطبراني في الكبير وصححه شيخنا الألباني في صحيح الجامع من حديث عمران ابن الحصين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( إن أخوفَ ما أخافُ عليكم الشركُ الأصغر ) قالوا : وما الشركُ الأصغر يا رسول الله .
    قال: ((الرياء يقول الله يوم القيامة إذا جازى الناس بأعمالهم اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاءً)
    وفي الترمذي من حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال قال تعالى : (( يا بن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني : غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي ، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني ، غفرت لك ولا أبالي يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقُراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة)
    اللهم إنا نشهدك أننا نؤمن بك ولا نشرك بك شيئا، اللهم يا الله يا واحد يا فرد يا صمد أمتنا على الإيمان بك ولا تجعلنا من المشركين، اللهم أنت ربنا وخالقنا وأعلم بنا من أنفسنا، نسألك بكل إسم هو لك أن تغفر لنا ذنوبنا جميعها ما أسررنا وما أعلنا، اللهم يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلوبنا على دينك
    اللهم يا كاشف كل ضر وبلية، ويا عالم كل سر وخفية نسألك فرجا قريبا للمسلمين، وصبرا جميلا للمستضعفين، يا ذا المعروف الذي لا ينقضي أبدا، ويا ذا النعم التي لا تحصى أبدا، أسألك أن تصلي على محمد وعلى آلي محمد أبدا. اللهم صلي وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
    سبحانك اللهم وبحمدك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوب إليك ، عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان



    * منقولة بتصرف

    (عدل بواسطة كمال حسن on 04-15-2011, 12:05 PM)

                  

04-15-2011, 06:11 PM

كمال حسن
<aكمال حسن
تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 1352

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: كمال حسن)

    (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما) صدق الله العظيم (النساء).
                  

04-22-2011, 11:44 AM

كمال حسن
<aكمال حسن
تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 1352

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: كمال حسن)

    الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونسترحمه ونستهديه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أمرنا بالاستجابة له ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وألزمنا بالاستقامة على شريعته إلى أن نلقاه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفوته من خلقه، ورسوله وحبيبه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن سار على نهجه واستقام على ملته، ودعا بدعوته إلى يوم الدين، وبارك وسلم تسليماً كثيراً.

    أما بعــد:

    فيا إخوة الإسلام! اتقوا الله تبارك وتعالى (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) البقرة

    عباد الله: إن المسلم في الغرب عامة صاحب رسالة عظيمة، وفي عنقه أمانة جسيمة تتمثل في أن يكون سببا في التعريف بالإسلام داخل المجتمع الذي يعيش فيه، خاصة أنه ربما كان الممثل الأوحد للمسلمين عند الكثير من أهل الغرب، ويتحقق ذلك إخوة الإسلام عندما يكون المسلم ملتزما الأخلاق التي أوصى بها سيد الخلق وخاتم الأنبياء والمرسلين، وهو غدوة المؤمنين الذي قال فيه رب العالمين (وإنك لعلى خلق عظيم) وقال هو صلوات ربي وسلامه عن نفسه (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق) إذا فالمسلم -يا عباد الله- ليس كغيره من الخلق، كيف وقد أنعم الله عليه بهذه النعمة العظيمة، ألا وهي نعمة الإسلام، وهداه إليها وقد ضل عنها أكثر الناس، وقد أنعم عليه بنعمة الإيجاد والتكوين، ونعمة الخلق في أحسن تقويم، ونعمة العقل والتفكير، ونعمٍ شتى لا يحصيها إلا الله، على حد قوله سبحانه وتعالى: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا ) النحل
    فعلى المسلم هنا في الغرب أن يستعين بهذه النعم على طاعة الله، ويصرفها في مرضاة الله، خاصة أنه كما قلنا ربما كان المثال الأوحد الذي يرى فيه جيرانه من أهل الغرب مثالا للمسلمين، إذا توجب عليه في مقامه القصير في هذه البلاد أن يحاسب نفسه في كل حركاته وسكناته حتى لا يكون فتنة لأهل الغرب وغير المسلمين على وجه العموم.
    أخي المسلم إعلم أنك سفيرا للإسلام في هذه البلاد، وأعلم أنك لم توجد في هذه البلاد صدفة أوعبثا بل لحكمة يعلمها الله، فغيرك من المسلمين الذين إنتشروا في أفريقيا وشرق آسيا قبل قرون خلت قيض الله على أياديهم نشر الإسلام في تلكم البقاع، ليس بالدعوة التبليغية الشفهية فحسب بل إنما انتشر الإسلام على أيديهم وهم حفنة من التجار الذين أسروا الناس بأخلاقهم ومثلهم وقيمهم العلية التي حينما يسألهم الناس عنها يكون ردهم أنهم إستقوها من كتاب الله وسنة رسوله الكريم صلوات ربي وسلامه عليه، إذا فالواجب إخوتي أن تكون حياتنا في هذه البلاد وفق منهج أخلاقي إسلامي يتزيا بالصدق والأمانة والعفة والإستقامة
    وكما أسلفنا في الجمعة الماضية أن الرسول الكريم أشار إلى أن المسلم لا يكذب دليلا على وجوب الصدق، وفي الحديث المعلوم لأكثرنا (آيات المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا أؤتمن خان) منهاج إذا سرنا عليه في هذه البلاد لفزنا بالدنيا والآخرة، ولربما تحقق على أيدينا وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي صححه الألباني من رواية إبن حبان ( ليبلغن هذا الامر ما بلغ الليل والنهار ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر الا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو ذل ذليل عزا يعز به الله الاسلام وذل يذل الله به الكفر)
    أن تكون سفيرا للإسلام أخي المسلم في هذه البلاد، يعني أن تتخلق بأخلاق القرآن، وهي كل لا يتجزأ، وأخلاق القرآن هذه كانت أخي المسلم أخلاق حبيبك وقدوتك المصطفى صلى الله عليه وسلم فعن سعد بن هشام قال : سألت عائشة رضي الله عنها فقلت أخبريني عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقالت : كان خلقه القرآن) . رواه مسلم فأم المسلمين عائشة رضي الله عنها كأنت أقرب الناس علما برسول الله وكانت كأنها تشير للآيات التاليات (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) وقول الله الكريم (لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) وقوله (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) وما شابه ذلك من الآيات الدالات على إتصافه صلوات ربي وسلامه عليه بمكارم الأخلاق.
    كن أخي المسلم سهلا لينا في تعاملك مع الناس من حولك كما كان رسول الله سهلا لينا، فمن رواية البخاري و ابن ماجة عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (رحم الله عبداً سمحاً إذا باع، سمحاً إذا اشترى، سمحاً إذا اقتضى)، والبيع والشراء والإقتضاء إخوة الإسلام هي التعامل، هذا التعامل الذي تؤلف في فنه الكتب والمجلدات يبسطها لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الكلمات القلائل، فالمسلم المؤمن الحق إنما يسعى لرحمة الله له، فيكون تحقيق ذلك بالتعامل السهل واللين مع الناس، وتتحقق تبعا لذلك المجتمعات السوية والدول المتحضرة النابذة للعنف والعدوانية وشرائع الغاب.
    إن المسلم إخوتي في الله إذا ما اتصف بهذه الأخلاق، كان دافعا للمجتمع الذي يعيش فيه من غير المسلمين أن يسعوا لمعرفة منبع أخلاقه ورافد سلوكه من القيم والمعتقدات، فيصلون للتعرف على الإسلام الذي هذب سلوك صاحبه،ويكون هو داعيا إلى الله بسلوكه القويم، فتكون هجرته أو رحلته لطلب العلم أجرا كلها، وهذا يدعونا جميعا أن نجدد نيتنا في كل حين أن الهدف الأول والمقصد الرئيس لهجرتنا هي نشر رسالة الإسلام المبرأة من ما يوصمها به أعداؤها، وهذا لا ينفي أو يختزل أسباب إقامتنا في بلاد الغرب فقط في ذلك، بل ليتحقق كذلك كل المنافع الدنيوية والمكاسب الحياتية الجائزة، كما أن ذلك إخوة الإسلام لا يتعارض مع الإندماج الإيجابي للمسلم في المجتمعات الغربية
    الإندماج الإيجابي إخوة الإسلام هي حالة الإنسجام والتوافق الذي تتحق للمسلم والمجتمع الذي يعيش فيه، نتيجة لأخذ كلا الطرفين إيجابيات الطرف الآخر وترك سلبياته ولعمري من خلال ذلك فالكاسب هو الإسلام إذ أن كل قيمه ومثله هي إيجابيات ولا يحمل في جيناته أي سلبيات على جميع مستوياته النظرية والعملية.
    إندماج المسلم الإيجابي في مجتمعه الغربي الذي يعيش فيه يعني أن يسعى لتعلم لغة ذلك البلد ومعرفة أعراف مجتمعه ونظمه والإلتذام تبعا لذلك بالقوانين واللوائح الضابطة للمجتمع ذلكم إنطلاقا من قوله تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ) كما يجب على المسلم أيضا أن يشارك في شئون المجتمع وان يحرص على تحقيق الصالح العام، كما ينبغي على المسلم الذي ترمي به الظروف للوقوع في فخ البطالة أن لا يركن لمساعدات الدولة بل أن يسعى جادا لأن يكون فاعلا في المجتمع إقتداءا بهدي رسول الله صلى الله عليه وسلم الوارد في الحديث عن حكيم بن حزام-رضي الله عنه-قال: "سألت رسول الله-صلى الله عليه وسلم-فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم سألته فأعطاني، ثم قال يا حكيمُ: "إنَّ هذاَ المَالَ خَضِرُ حُلْوٌ فَمَنْ أخذَه بسخاوةِ نفسِ بُورِكَ لَهُ فيه، وَمَنْ أخذَه بإشْرَافِ نفْسٍ لَمْ يُبَارَكَ لهُ فِيهِ، وكانَ كالَّذِي يأكلُ ولا يَشْبَع، واليدُ العلْياَ خيرٌ مِن اليدِ السُّفْلىَ". قال حكيم: فقلت يا رسول الله: والذي بعثك بالحق لا أرزأ أحداً بعدك شيئاً. حتى أفارق الدنيا، فكان أبو بكر –رضي الله عنه-يدعو حكيماً ليعطيه العطاء، فيأبى أن يقبل منه شيئاً، ثم إن عمر-رضي الله عنه-دعاه ليعطيه فأبى أن يقبل. فقال يا معشر المسلمين: أشهدكم على حكيم، إني أعرض عليه حقه الذي قسمه الله له في هذا الفيء فيأبى أن يأخذه، فلم يرزأ حكيم أحداً من الناس بعد النبي-صلى الله عليه وسلم-حتى توفي-رضي الله عنه
    أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه إنه ولي ذلك والقادر عليه

    الخطبة الثانية

    الحمد لله معز من استقام على نهجه واتقاه، ومذل من خالف أمره وعصاه، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وصحبه.

    أما بعــد:

    أيها المسلمون: اتقوا الله تعالى، واستقيموا على شرعه، واسمعوا له وأطيعوا تفلحوا وتفوزوا (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)النور ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ)

    إخوتي في الله إننا في هذه المجتمعات التي نعيش فيها علينا واجبات قبل أن تكون لنا فيه من الحقوق، إن من واجباتنا في هذه المجتمعات أن نقوم بالدور المطلوب منا كما هو الحال تجاه كل عضو صالح في هذا المجتمع، ويتمثل ذلك على سبيل المثال وليس الحصر بالمشاركة في تكوين أو الإنخراط في المؤسسات الإجتماعية الداعمة للمجتمع السوي غير المنحرف، كما ويتوجب علينا المشاركة في العملية الإنتخابية تسجيلا وتصويتا وترشحا، و كذلك مكافحة العادات السالبة مثل المخدرات ومكافحة العنف الجسدي ضد المرأة وضد الطفل وحملات التوعية بمخاطر الإيدز وغير ذلك من الأشياء التي يرفضها كل ذي عقل سليم.

    كما أنه يتوجب علينا إخوة الإسلام كمسلمين أن نساعد على ترسيخ منهجية وثقافة الحوار مع الطوائف الأخرى في المجتمعات الغربية عملا بقول الله تعالى (وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) العنكبوت، وقوله تعالى (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) النحل

    إخوة الإسلام إن هذه المجتمعات التي يعيش المسلمين بين ظهرانيها هي مجتمعات ترتكز على العديد من السمات والقيم والعادات الطيبة التي يجب على المسلم الذي نعيش بينهم أن يتعلمها وأن ينتهجها ومن ذلك إعلاء قيمة العمل والعدل ونصرة الضعيف والرفق بالحيوان وغيرها من القيم التي حض عليها الإسلام و إفتقدتها مجتمعاتنا المسلمة، مما حدا بالكثيرين من المسلمين للهجرة نحو الغرب وان يعيش في سعة الحرية والعدل التي هيأت لنا أن نقيم جمعياتنا الإسلامية وبناء مساجدنا وحرية نسائنا وبناتنا في إرتداء الحجاب بما يحقق لنا هويتنا الإسلامية ويحفظ لنا حرية الإعتقاد.

    نسأل الله العظيم أن تعم نسمات الحرية التي إنتظمت بعض بلداننا العربية بقية بلداننا الإسلامية، وأن تأخذ بلداننا من النماذج الغربية بعض نظمها وقيمها التي لا تخالف كتاب الله وسنة رسوله الكريم، بما يحقق لشعوبنا العزة والعدل في أخذ الحقوق واداء الواجبات، وان تستمر الصحوة الإسلامية، وفق منهاج رسول الله صلى الله عليه وسلم القائم على الوسطية تحقيقا لقول ربنا الكريم (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا) البقرة هذا المنهج القائم على الصراط المستقيم، وهو وسط بين الغلو والجفاء أو الإفراط والتفريط، كما يمثل الخيرية ويحقق معناها
    *
    إخوة الإسلام اتقوا الله واعمروا حياتكم القصيرة بطاعة الله فالعمر قصير، والموت يأتي بغتة وبعده الحساب، فإما إلى الجنة وإما إلى النار، حاسبوا أنفسكم، وانظروا في أموركم وواقعكم هل أنتم مستقيمون على شريعة الله، في كل صغيرٍ وكبير، وجليل عندكم وحقير حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا في يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ [الشعراء
    إخوتي في الله إن الله أمركم بأمر إبتدر فيه بنفسه ثم ثنى بملائكته فقال (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)
    اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد
    وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين، أبوبكر وعمر وعثمان وعلي رضوان الله عليهم وعن الصحابة والتابعين، وعن أمهات المؤمنين، واغفر اللهم لمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم ارض عنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين
    عباد الله إن اله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون
    إذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على جزيل نعمائه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون
                  

05-06-2011, 04:37 PM

كمال حسن
<aكمال حسن
تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 1352

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: كمال حسن)

    بحمد الله ونعمته تجاوزت عملية (ديسك) غضروف عملت لي في أواخر الأسبوع المنصرم
    لكن عاتب علي الشباب يعني لو كان أراد الله أن تكون العملية غير ناجحة مافي واحد جا جاب خطبة جمعة في الأسبوع الماضي ليه
    غايتو في ذمتكم مواصلة هذه الخطبة في كل الأحوال
                  

05-06-2011, 04:38 PM

كمال حسن
<aكمال حسن
تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 1352

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: كمال حسن)

    الحمد لله الذي وعد على مقابلة الإساءة بالإحسان خير الجزاء . أحمده سبحانه على السراء والضراء . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن سيدنا محمدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عبده ورسوله ، خاتم الرسل وأفضل الأنبياء .
    اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه .
    يقول المولى عز وجل في محكم تنزيله (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) البقرة
    ويقول (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ )

    إخوة الإسلام إن الإسلام دين خلقي رفيع ، يدعو إلى مكارم الأخلاق ، ويبعث في النفس مشاعر الفضيلة والخلق الحسن.
    وقد بين رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الغاية من بعثته فقال : « إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق » ، إن الإسلام جاء محاربًا لكل الرذائل والمنكرات ، محرمًا لسائر الفواحش ما ظهر منها وما بطن .
    وغاية الإسلام أن يقيم مجتمعًا فاضلًا ، تنعدم فيه مظاهر الإثم والجريمة وأسباب الفحش والمنكر ، بحيث يغدو هذا المجتمع نظيفًا من كل ما يدعو إلى الوقاحة والدناءة والفجور .
    ولقد كافح الإسلام طويلًا ، في سبيل إقامة هذا المجتمع الطاهر، والمسلم المقتدي برسول الله واجب عليه أن يعمل بكل جهد في مواصلة الكفاح من أجل إقامة هذا المجتمع الطاهر
    إن كل إساءة تقابل بالإحسان سوف يكون له الأثر الطيب في محو أثرها ، ومعالجة ما أحدثته من صدع وجفاء ومن أجل ذلك وجه رب العزة عباده إلى اتباع السيئة بالحسنة فقال عز من قائل : { ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ } وقال أيضًا : { ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ } ولقد جاء في تفسيرها إذا أحسنت إلى من أساء إليك قادته تلك الحسنة إلى مصافاتك ومحبتك حتى يصير كأنه ولي لك حميم أي قريب إليك من الشفقة عليك والإحسان إليك ، ومقابلة السيئة بالحسنة مرتبة عظيمة لا يرتقي إليها من عباد الله إلا من امتلك زمام نفسه وقسرها على ذلك . إذ فيه خيره وسعادته في الآجلة والعاجلة وصلاح مجتمعه .
    ولقد تركز في النفوس غريزة حب الانتقام والتشفي والانتصار للنفس ، فمن خالف هواه وأخذ بتوجيه مولاه وقابل السيئة بالحسنة دخل في إطار من ارتفع به رب العزة إذ يقول في معرض المدح والإشادة { وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا } أي ما يرتقي إلى هذه المرتبة العظيمة إلا من صبر على كظم الغيظ واحتمال المكروه { وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ } أي ذو حظ وافر من السعادة في الدنيا والآخرة .
    أما السعادة في الدنيا فبائتلاف القلوب على محبة صاحب هذا الخلق العظيم ورعاية مصالحه والعطف عليه ؛ فلا يكاد يجد له عدوا يكيد له أو يتربص به الدوائر ، وتلك سعادة يحلم بها كل من عاش على الغبراء في قطع مرحلة الحياة .
    أما السعادة في الآخرة فلقد فسر بعض السلف الحظ العظيم في الآية بالجنة أي لا يرتقي إلى هذا الخلق العظيم إلا من وجبت له الجنة وحسبكم يا عباد الله بالجنة غاية كريمة وسعادة ، وصفها الرب الكريم بعد أن عرض صفات المحسنين وما تخلقوا به من الخلق العظيم فقال : { أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ } وعلى العكس من صاحب هذا الخلق الكريم نجد الفاحش البذيء الذي يتقيه الناس لفحشه وسلاطة لسانه وطعنه فيهم وهمزه ولمزه لهم . إنه لا يستقيم له أمر ولا يصفو له وداد ولا ينطوي على حبه قلب أو ينهض لرعاية مصالحه أو الذب عنه بعيد ولا قريب فيخسر بذلك دنياه إذ يقطع مرحلة الحياة منبوذًا من المجتمع بالإضافة إلى خسارة عقباه ، لقد ورد في الحديث من الوعيد الصارخ لهذا الصنف من الناس في أي وضع يكون فيه بين المجتمع سيدًا أو مسودًا من العظماء أم من الدهماء قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « إن من شرار الخلق منزلة يوم القيامة من تركه الناس اتقاء فحشه » ، وفي رواية أخرى « اتقاء شره » وفي حديث آخر « إن الله يبغض الفاحش البذيء الذي يتكلم بالفحش » ، وفي حديث آخر يشرح فيه رسول الهدى صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واقع المفلس فيقول : « المفلس من أمتي من جاء يوم القيامة بصلاة وزكاة ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا ، فيعطي هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار ».

    وحسبكم بذلك يا عباد الله خسارة ليس لها من تعويض ، فاتقوا الله عباد الله وحذار من التجني على عباد الله في أي لون من ألوان التجني ففي ذلك فساد العاجلة والآجلة ، وقابلوا كل إساءة بإحسان مستشرفين لبلوغ الفضل في ذلك الذي يحفز إليه الملك الديان إذ يقول : { وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ } نفعني الله وإياكم بهدي كتابه أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

    الخطبة الثانية

    الحمد لله رب العالمين ، الرحمن الرحيم ، وأشهد أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله المبعوث رحمة للعالمين ، اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه والعاملين بسنته ، والداعين إلى شريعته ، الرحماء فيما بينهم إلى يوم الدين .
    أما بعد : أيها المسلمون : من الفضائل التي تحلى بها رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، ونادى بها الإسلام ، فضيلة الرحمة ، والرحمة رقة في الطبع تثمر الرفق والرأفة ولين الجانب ، وهي خلق رفيع ، يحرك عاطفة الإنسان بالخير والبر .
    يمدح بها الله رسوله المبعوث بمكارم الأخلاق فيقول : { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ } ، كما - وهو المبعوث رحمة للعالمين - يعز عليه أن يحرم إنسان من نور الإسلام ، وطمأنينة الإيمان .
    يقول الله تعالى : { لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ } ، والرحمة الشاملة الكاملة هي رحمة الله العزيز الرحيم فقد عمت الكائنات جميعها فما من موجود إلا وبرحمة الله يحيا ، وفي ظلالها يعيش . قال تعالى : { وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ } ، وقال سبحانه : { رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا }
    لقد خلقنا الله ولم نك شيئًا ، ويسر لنا أسباب الحياة إلى حين - على أرضه وتحت سمائه - وأجرى لنا الأنهار ، وأنبت لنا الزرع والثمار ، وجعل لنا الليل والنهار ، وأفاض علينا من النعم والخير ما لا يحصى يقول عز وجل { فَانْظُرْ إِلَى آثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } ، { وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } ، وقال تعالى : { وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِنْ بَعْدِكُمْ مَا يَشَاءُ كَمَا أَنْشَأَكُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ } .
    ولقد حمل رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مشاعل الهدى ، وأنوار الإيمان ، وأوضح للناس أسلوب العمل الذي يصلحهم في الدنيا ، ويحقق فيها آمالهم ، ويسعدهم في الآخرة ويؤمن فيها مستقبلهم فكان ذلك فضلًا من الله ، ورحمة للناس من الضياع والضلال . قال تعالى لمريم في شأن ابنها عيسى عليه السلام : { قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا } .
    ولما أراد الله أن يختم رسالاته إلى الناس ، ويكمل لهم الدين ، ويتم عليهم النعمة بعث خاتم المرسلين ، وإمام المهتدين ، فكان ذلك رحمة لمن اهتدى بل كان رحمة للعالمين .
    قال تعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ } .
    وكان القرآن العظيم آية الله الكبرى ، ومعجزة الإسلام الخالدة ، شفاءً لما في الصدور وهدًى ورحمة ، قال تعالى : { وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ }
    ولقد كان الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرحم الصغار ويحنو عليهم ، ويداعبهم ويقربهم ، روى الإمام أحمد عن يوسف بن عبد الله بن سلام قال : « سماني رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يوسف ، وأقعدني في حِجْره ، ومسح على رأسي » . . وكان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع أعدائه ومعانديه جميل الصبر واسع الصدر ، يتحمل أذاهم ويرجو صلاحهم ولو دعا عليهم لأفناهم من الوجود ولكن إذا اشتدوا في عداوته والكيد لدعوته ، لم يزد على أن يقول : " اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون " .
    ولقد دعا الإسلام إلى التحلي بهذا الخلق الكريم حتى تستقر الحياة بالناس ويجد كل فرد في المجتمع مكانه ومكانته وحقه وكرامته .
    فعند الطبراني من حديث رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قوله : « لن تؤمنوا حتى ترحموا " ، قالوا يا رسول الله كلنا رحيم . قال : " إنه ليس برحمة أحدكم صاحبه ولكنها رحمة العامة »
    ويؤكد الإسلام تبادل الرحمة ، إن جاوزت عالم الإنسان إلى أجناس الحيوان ، فلا ينبغي أن يُؤذى حيوان أو يُضرب أو يُجوَّع أو يُظمأ ، فعند أبي داود عن عبد الرحمن بن عبد الله عن أبيه قال : « كنا مع رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في سفر فانطلق لحاجته ، فرأينا حُمّرة معها فرخان فأخذنا فرخيها ، فجاءت الحمرة فجعلت تَفْرُش ، فجاء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال : " من فجع هذه بولدها ؟ ردوا ولدها إليها " ، ورأى قرية نمل قد حرقناها فقال : " من حرق هذه " ؟ قلنا : نحن ، قال : " إنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار » .
    وعند البخاري ومسلم واللفظ له عن ابن عمر أن الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : « عذبت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت جوعًا ، فدخلت فيها النار ، لا هي أطعمتها وسقتها إذ هي حبستها ، ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض » .
    أيها المسلمون : { إِنَّ رَحْمَةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ } ، و « من لا يرحم الناس لا يرحمه الله » كما صح في الحديث .
    ومن أسباب الشقاء في الدنيا وفي الآخرة قسوة القلب ، وجمود العاطفة لما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : « لا تنزع الرحمة إلا من شقي » .

    فليكن لنا في رسول الله أسوة حسنة ، ولنستمسك بتعاليم ديننا وليرحم كل منا نفسه فلا يعرضها لغضب الله ولا يورطها في معصيته . ألا تحب أن يحييك ربك بالسلام على لسان خير الأنام ، وأن يعاملك برحمته وفضله في الدنيا والآخرة ، إن الله تبارك وتعالى يقول : { وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ } ، ويقول جل جلاله عن المتراحمين المتآلفين الذين امتلأت قلوبهم إيمانًا بالله ورسوله ورقت عواطفهم في معاملة الناس : { وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } .

    اللهم وفقنا للتوبة والإنابة وافتح لأدعيتنا أبواب الإجابة ، اللهم أذقنا برد عفوك وحلاوة مغفرتك ونزه قلوبنا عن التعلق بما دونك واجعلنا من قوم تحبهم ويحبونك وعافنا في الدارين من جميع المحن وأصلح منا ما ظهر وما بطن وألحقنا بالصالحين وارحم كافة المسلمين ، اللهم آمين ، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .


    * منقولة
                  

05-13-2011, 11:57 AM

كمال حسن
<aكمال حسن
تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 1352

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: كمال حسن)

    الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونسترحمه ونستهديه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أمرنا بالاستجابة له ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وألزمنا بالاستقامة على شريعته إلى أن نلقاه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفوته من خلقه، ورسوله وحبيبه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن سار على نهجه واستقام على ملته، ودعا بدعوته إلى يوم الدين، وبارك وسلم تسليماً كثيراً.

    أما بعــد:

    فيا إخوة الإسلام! اتقوا الله تبارك وتعالى (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) البقرة

    وصدق الله عز وجل الذي يقول :( فمن تبع هداي فلا يضل ولا يشقى ).
    الذي يتبع هدى الله فهو في أمان من الضلال والشقاء، كيف ؟ بالهداية، بالاستقامة، باتباع هدي الله.
    والشقاء ثمرة الضلال ولو كان صاحبه غارقا في متاع الدنيا بأسرها، فما من متاع حرام إلا وله غصة تعقبه وضيق يتبعه، لذلك قال الله عز وجل بعد هذه الآية مباشرة:(ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ).قال ابن كثير ( أي في الدنيا فلا طمأنينة له، ولا انشراح لصدره، بل صدره ضيق حرج لضلاله وإن تنعم ظاهره، ولبس ما شاء وأكل ما شاء وسكن حيث شاء، فإن قلبه ما لم يخلص إلى اليقين والهدى فهو في قلق وحيرة وشك، فلا يزال في ريبة يتردد، فهذا من ضنك المعيشة) انتهى كلامه رحمه الله.
    فإلى المحرومين لماذا أعرضتم عن ذكر الله ؟ لماذا حرمتم أنفسكم سماع المواعظ ومجالس الذكر ؟ تُدعون فلا تأتون، وتُنصحون فلا تسمعون، تغفلون أو تتغافلون، بل ربما تسخرون وتهزئون. ولكن أسمعوا النتيجة، أسمع للنتيجة المرة، اسمعي للنهاية التي لا بد منها: قال الحق عز وجل: ( ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا) هذا في الدنيا. أما في الآخرة (ونحشره يوم القيامة أعمى، قال ربي لما حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا، قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تُنسى ). فنسيتها، أعرضت عنها، أغفلتها، تناسيتها، إذا فالجزاء من جنس العمل، وكما تدين تدان: ( وكذلك اليوم تنسى ).
    ( فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا ).
    ( فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا، إنا نسيناكم ).
    ( نسوا الله فنسيهم، إن المنافقين هم الفاسقون ).
    أيها المحرومون: لماذا نسيتم لقاء ربكم؟ لماذا هذا الإعراض العجيب؟ إنكم حرمتم أنفسكم فحُرمتم السعادة والراحة والاستقرار النفسي.
    لماذا نسيتم وتناسيتم ما قدمت أيديكم ؟ لماذا غفلتم، ولماذا غفلنا عن المعاصي والذنوب ؟ أسمع لقول الحق عز وجل: ( ومن أظلم ممن ذكر بآيات ربه فأعرض عنها ونسي ما قدمت يداه ). ونسي ما قدمت يداه، أين النفس اللّوامة ؟ أين استشعار الذنب ؟ أين فطرة الخير ؟ أين القلب اللين الرقيق؟ أين الدمعة الحارة ؟ أسمعوا وأعوا :
    ( إنا أنذرناكم عذابا قريبا، يوم ينظر المرء ما قدمت يداه، ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا ). يقسم بعض التائبين أنه ما ركع لله ركعة وما سجد لله سجدة، فأي حرمان بعد هذا الحرمان ؟ أي حرمان بعد هذا الحرمان ؟
    أيها المحرمون:
    لا راحة للقلب ولا استقرار إلا في رحاب الله، إلا في الهداية، إلا في الاستقامة والالتزام بأوامر الله.
    يتصور بعض المحرومين والمحرومات أن الراحة والسعادة في المال والمنصب والسفر إلى الخارج. ذكرت جريدة الشرق الأوسط بتاريخ 21/4/1415هـ نقلا عن مذكرات زوجة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش قالت : ( أنها حاولت الانتحار أكثر من مرة، وقادت السيارة إلى الهاوية تطلب الموت، وحاولت أن تختنق لتخلص من همومها وغمومها )ويذكر التاريخ لنا : ( أن علي أبن المأمون العباسي أبن الخليفة كان يسكن قصرا فخما وعنده الدنيا مبذولة ميسرة، فأطل ذات يوم من شرفت القصر فراء عاملا يكدح طيلة النهار، فإذا أضحى النهار توضأ وصلى ركعتين على شاطئ دجلة، فإذا اقترب الغروب ذهب إلى أهله.
    فدعاه يوما من الأيام فسأله فأخبره أن له زوجة وأختين وأما يكدح لهن، وأنه لا قوت له ولا دخل إلا ما يتكسبه من السوق، وأنه يصوم كل يوم ويفطر مع الغروب على ما يحصل. قال ابن الخليفة: فهل تشكو من شيء ؟ قال العامل لا والحمد لله رب العالمين. فترك ابن الخليفة القصر، وترك الإمرة وهام على وجهه ووجد ميتا بعد سنوات عديدة وكان يعمل في الخشب جهة خراسان) فيا سبحان الله، من الإمارة إلى النجارة لأنه وجد السعادة في عمله هذا، ولم يجدها في القصر.
    المحرومون من الصلاة : إن من المحرومين من قال الله عنهم: ( فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة وأتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا ).
    فأي حرمان بعد إضاعة الصلاة، أقسم شاب أنه لم يسجد لله سجدة إلا مجاملة أو حياء. فنقول له أيها المحروم : إنه الكفر والضلال والشرك، يقول الرسول صلوات ربي وسلامه عليه ( إن العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر) و يقول صلى الله عليه وسلم ( إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة )
    مسكين أنت أيها المحروم يوم أن قطعت الصلة بينك وبين الله، إنها مفتاح الكنز الذي يفيض سعادة وطمأنينة، إنها اللمسة الحانية للقلب المتعب المكدود، إنها زاد الطريق ومدد الروح وجلاء القلوب. إن ركعتين بوضوء وخشوع وخضوع كفيلتان أن تنهي كل هذا الهم والغم والكدر والإحباط. إن من أسباب سعادة المؤمنين ما أخبر الله عنه بقوله: ( ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا ). وقوله ( أمّن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما، يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه ). من أجمل لحظات الدنيا وأسعدها يوما أن يسجد العبد لمولاه، يدعوه ويناديه، يخافه ويخشاه، قيام وسجود، بكاء وخشوع فيتنور القلب وينشرح الصدر وتشرق الوجوه. قال عز وجل ( سيماهم في وجوههم من أثر السجود ).
    أما المحروم فظلام في القلب، وسواد في الوجه، وقلق في النفس. هذا في الدنيا. وفي الآخرة يقول الله عنهم ( يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون ). حُرموا من السجود في الآخرة لأنهم كانوا يدعون إلى السجود في الدنيا فيتشاغلون ويتكبرون ويسخرون. أي فلاح وأي رجاء وأي عيش لمن انقطعت صلته بالله؟ أو قطع ما بينه وبين وليه ومولاه الذي لا غناء له عنه طرفة عين؟ فلا تعلم نفس ما في هذا الانقطاع من أنواع الآلام وأنواع العذاب. مسكين أيها المحروم، كيف تريد التوفيق والفلاح ؟ والسعادة والنجاح ؟ وأنت لا تصلي وقد قطعت الصلة ما بينك وبين الله.
    اسمع إلى قول الله عز وجل ( واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين ). اسمع لقول الحق عز وجل (قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون ). سجود المحراب، واستغفار الأسحار ودموع لمناجاة سيماء يحتكرها المؤمنون.
    ولأن توهم المحروم أن جناته في الدينار والنساء والقصر المنيف، فإن جنة المؤمن في محرابه. إن من المحرومين من إذا ذكر بالصلاة سخر واستهزأ.
    وفي هؤلاء يقول الحق عز وجل ( وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزوا ولعبا، ذلك بأنهم قوم لا يعقلون). ويقول عز وجل (إن الذين أجرموا كانوا من الذين أمنوا يضحكون وإذا مروا بهمم يتغامزون). أي في الدنيا، ولكن السعيد من يضحك في النهاية. ولذلك قال الله ( فاليوم الذين أمنوا من الكفار يضحكون ).
    إن المتهاون في الصلاة حُرم خيرا كثيرا، فقد قال (صلى الله علية وآله وسلم): (من حافظ عليها كانت له نورا وبرهانا ونجاة يوم القيامة، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له برهان ولا نور ولا نجاة، وكان يوم القيامة مع قارون وهامان وفرعون وأبي أبن خلف)

    أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين، فاستغفروه إنه ولي ذلك والقادر عليه


    الخطبة الثانية


    الحمد لله معز من استقام على نهجه واتقاه، ومذل من خالف أمره وعصاه، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وصحبه.
    أما بعــد:
    أيها المسلمون: اتقوا الله تعالى، واستقيموا على شرعه، واسمعوا له وأطيعوا تفلحوا وتفوزوا (إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)النور ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ)
    إخوتي في الله فلنقل للمحروم أيها المحروم: تب إلى الله، تب إلى الله ذق طعمَ التوبةَ، ذق حلاوةَ الدمعةَ، اعصرَ القلبَ وتألم لتسيلَ دمعةُ على الخد تطفئُ نيران المعاصي والذنوب.
    أخلوا بنفسكَ وأعترفِ بذنبك وأدعُ ربك وقل:
    ( اللهم أنت ربي لا إلا أنت، خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، اعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت).
    أبكي على خطيئتكَ،وجرب لذةَ المناجاة، أعترف بالذل والعبودية لله.
    تب إلى الله بصدق، ناجي ربك وقل: ( اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فأغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم ).
    جرب مثل هذه الكلمات، جربها كما كان (صلى الله علية وآله وسلم) يرددها.
    أيها المحروم:
    ( ذاق طعم الإيمان من رضي بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد (صلى الله علية وآله وسلم) رسولا )
    أسمع إلى ملكِ الملوك وهو يناديكَ أنت.
    أسمع إلى جبارِ الأرضِ والسماواتِ وهو يخاطبك أنتَ، وأنت من أنت؟
    أسمع للغفورِ الودود الرحيم الرحمن وهو يقول:
    ( قل يا عباديَ الذين أسرفوا على أنفسِهم لا تقنطوا من رحمةِ الله، إن اللهَ يغفرُ الذنوب جميعاً إنه هو الغفورُ الرحيم ).
    ويقولُ سبحانه في الحديثِ القدسي:
    ( يا عبادي إنكم تذنبونَ في الليلِ والنهار، وأنا أغفرُ الذنوبَ جميعا، فاستغفروني أغفر لكم ).
    يقولُ الله في الحديثِ القدسي الآخر:
    ( يا ابنَ أدم إنك ما دعوتني ورجوتني إلا غفرتُ لك على ما كانَ ولا أبالي، يا أبن أدم لو بلغت ذنوبَك عنانَ السماء، ثم استغفرتني غفرتُ لك على ما كان ولا أبالي، يا أبن أدم لو أتيتني بقرابِ الأرضِ خطايا ثم لقيتني لا تشركُ بي شيئاً لقيتكَ بقراب الأرضِ مغفرةً )
    إذا فيا أيها المحروم:
    ما هو عذركَ وأنت تسمعُ هذه الندائات ممن من ربِ الأرضِ والسماوات.
    إن أسعد لحظات الدنيا يومَ أن تقفَ خاضعاً ذليلاً خائفاً باكيا مستغفرا باكيا، فكلماتُ التائبينَ صادقةُ، ودموعُهم حارةُ، وهممهم قوية.
    ذاقواُ حلاوةَ الإيمانِ بعد مرارةِ الحرمان.
    ووجدوا برد اليقينِ بعد نارِ الحيرةَ.
    وعاشوا حياةِ الأمنِ بعد مسيرةِ القلقِ والاضطراب.
    فلماذا تحرمُ نفسكَ هذا الخير وهذه اللذة والسعادة ؟
    فإن أذنبتَ فتب، وإن أسأت فأستغفر، وإن أخطأت فأصلح فالرحمةُ واسعةٌ والبابُ مفتوح.
    قال أبن القيم في الفوائد :
    ( ويحك لا تحقر نفسك، فالتائب حبيب، والمنكسر صحيح، إقرارك بالإفلاس عين الغنا، تنكيس رأسك بالندم هو الرفعة، اعترافك بالخطاء نفس الإصابة ) انتهى كلامه رحمه الله.
    إذا العبودية لله عزة ورفعة ولغيره ذل ومهانة.
    أيها الحبيب،:
    إنا لنفرح بتوبتك، ونسر لرجوعك إلى الله، وليس لنا من الأمر شيء.
    إخوتي في الله إن الله أمركم بأمر إبتدر فيه بنفسه ثم ثنى بملائكته فقال (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)
    اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد
    وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين، أبوبكر وعمر وعثمان وعلي رضوان الله عليهم وعن الصحابة والتابعين، وعن أمهات المؤمنين، واغفر اللهم لمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم ارض عنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين
    عباد الله إن اله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون
    إذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على جزيل نعمائه يزدكم

    * منقولة بتصرف
                  

05-13-2011, 05:53 PM

كمال حسن
<aكمال حسن
تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 1352

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: كمال حسن)

    يقولُ الله في الحديثِ القدسي:
    ( يا ابنَ أدم إنك ما دعوتني ورجوتني إلا غفرتُ لك على ما كانَ ولا أبالي، يا أبن أدم لو بلغت ذنوبَك عنانَ السماء، ثم استغفرتني غفرتُ لك على ما كان ولا أبالي، يا أبن أدم لو أتيتني بقرابِ الأرضِ خطايا ثم لقيتني لا تشركُ بي شيئاً لقيتكَ بقراب الأرضِ مغفرةً )

    صدق الله العظيم
                  

05-20-2011, 10:20 AM

كمال حسن
<aكمال حسن
تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 1352

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: كمال حسن)

    الحمد لله الذي له الحمد كله ، وله الملك كله ، وبيده الخير كله ، وإليه يرجع الأمر كله . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ذاته وأسمائه وصفاته ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أفضل مخلوقاته ، اللهم صل وسلم على محمد وعلى آله وأصحابه ، المقتدين به في كل حالاته .

    عبادَ اللهِ أُوصِيْ نفسِيَ وإيّاكمْ بتقْوَى اللهِ العَليّ العظيمِ، يقول الله تعالى: (يا أيها الناسُ اتقـوا ربَّكـم إنَّ زلزلةَ الساعةِ شىءٌ عظيمٌ يومَ ترَوْنَها تذْهَلُ كلُّ مُرضعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وتَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وتَرَى النَّاسَ سُكارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللهِ شَديدٌ).

    إخوة الإيمان والإسلام : الله تبارك وتعالى أنعم على عباده بنِعَمٍ شتى لا يحصيها إلا هو، فكان من تلك النعمِ اللسانُ، فإن الله جعل اللسان للإنسان ليعبر به عن حاجاته التي تهمه لتحصيل منافع ومصالح دينه ودنياه، هذا اللسان نعمة من الله تعالى على عباده ليحصلوا به مصالح دينهم ومصالح ءاخرتهم أي ليستعملوه فيما ينفعهم ولا يضرهم ،فمن استعمل هذا اللسان فيما ينفعه ولا يضره فليس عليه حرج وليس عليه مؤاخذة في الآخرة، وأما من استعمله فيما نهاه الله عنه فقد اهلك نفسه ولم يشكر ربه على هذه النعمة العظيمة

    فمن فكر في قول الله تعالى: {ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} عَلِمَ أن كل ما يتكلم به في الجد أو الهزل أو في حال الرضى أو الغضب يسجله الملكان ، فهل يَسُرُّ العاقلَ أن يرى في كتابه حين يعرض عليه في القيامة كلمات خبيثة ؟ بل يسوؤه ذلك ويُحزِنُه حين لا ينفع الندم ، فليعتن بحفظ لسانه بما يسوؤه إذا عرض عليه في الآخرة.

    ولذا عُني الإسلام بأمر اللسان أيما عناية، فحث ربنا جل وعلا في محكم التنزيل وعلى لسان سيد المرسلين صلوات الله وسلامه عليه على حفظ اللسان وصيانة المنطق، ومجانبة الفحش والبذاء، فقال جل وعلا: (وَقُل لّعِبَادِى يَقُولُواْ الَّتِى هِىَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَـانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَـانَ كَانَ لِلإِنْسَـانِ عَدُوّا مُّبِينًا) الإسراء ، ووصف الله عز وجل ذوي الإيمان وأرباب التقى بالإعراض عن اللغو، ومجانبة الباطل من القول، فقال عز شأنه: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِى صَلاَتِهِمْ خَـاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُّعْرِضُونَ) المؤمنون ، وقال سبحانه: (وَإِذَا سَمِعُواْ اللَّغْوَ أَعْرَضُواْ عَنْهُ وَقَالُواْ لَنَا أَعْمَـالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَـالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لاَ نَبْتَغِى الْجَـاهِلِينَ)
    .

    وفي وصف عباد الرحمن يقول الله عز وجل (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا) وقال سبحانه وتعالى أيضا : (لاَّ خَيْرَ فِى كَثِيرٍ مّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَـاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَـاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) النساء.

    واعلم أخي المسلم أنه لكلّ مكلّف أن يحفظَ لسانَه عن جميع الكلام إلا كلاماً تظهرُ المصلحة فيه، ومتى استوى الكلامُ وتركُه في المصلحة، فالسنّة الإِمساك عنه، لأنه قد ينجرّ الكلام المباح إلى حرام أو مكروه، بل هذا كثير أو غالب في العادة، والسلامة لا يعدلُها شيء وليفكر العاقل فيما يريد قوله قبل أن يتكلم، فإن كان خيرًا بادر إليه وإلا ألجم لسانه عنه.
    فقد روى البخاري ومسلم، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: (مَنْ كانَ يُؤْمِنُ باللَّهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْراً أوْ لِيَصْمُتْ).

    فهذا الحديث المتفق على صحته نصّ صريح في أنه لا ينبغي أن يتكلم إلا إذا كان الكلام خيراً، وهو الذي ظهرت له مصلحته، ومتى شكّ في ظهور المصلحة فلا يتكلم

    وقد قال الإِمام الشافعي رحمه اللّه: إذا أراد الكلام فعليه أن يفكر قبل كلامه، فإن ظهرت المصلحة تكلَّم، وإن شكَّ لم يتكلم حتى تظهر.

    وليحفظ لسانه من الغيبة والنميمة والبهتان والكذب والفتوى بغير علم واليمين الكاذبة وألفاظ القذف وشهادة الزور والشتم واللعن ومن كل معصية حرمها الله ولا سيما من أكبر المحرمات وأخطرها وهو الكفر بأنواعه الثلاثة القولي والاعتقادي والفعلي

    فقد روى البخاري ومسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يهوي بها في النار أبعد مما بين المشرق والمغرب).
    وفي رواية الترمذي : ( إن العبد ليتكلم بالكلمة لا يرى بها بأسًا يهوي بها في النار سبعين خريفا).
    وفي رواية ( إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله له بها رضوانه ، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يظن أن تبلغ ما بلغت يهوى بها في النار أبعـد مما بلاد المشرق والمغرب) ،

    عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال : قلت يا رسول الله أخبرني عن عمل يدخلني الجنة و يباعدني عن النار ؟ قال - لقد جئت تسأل عن عظيم وإنه ليسير على من يسره الله تعالى عليه : تعبد الله لا تشرك به شيئاً وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت , ثم قال : ألا أدلك على أبواب الخير ؟ الصوم جُنة والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار , وصلاة الرجل في جوف الليل ثم تلا - (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُون*فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونََ ) . ثم قال ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه ؟- قلت : بلى , يا رسول الله قال " رأسٍ الإسلام , وعموده الصلاة وذروة سنامه الجهاد " ثم قال : ألا أخبرك بملاك ذلك كله ؟ " فقلت بلى يارسول الله , فأخذ بلساني وقال -كف عليك هذا - فقلت : يا نبي الله , و إنا لمؤاخذون بما نتكلم ؟ فقال- ثكلتك أمك , وهل يكب الناس في النار على وجوههم - أو قال - على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم ؟! - رواه الترمذي وقال : حديث حسن صحيح .
    أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم


    الخطبة الثانية


    الحمد لله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه، كما يحب ربنا ويرضى، أحمده سبحانه وأشكره على نعمه العظمى، وآلائه التي تترى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، العلي الأعلى، وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله النبي المصطفى، والخليل المجتبى، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، أئمة الهدى، وبدور الدجى، ومن سار على هديهم واقتفى، وسلم تسليمًا كثيرًا.
    أما بعد:
    أيها الأخ المسلم: اعلم أنه قد وُكِّل بك ملك عن اليمين وعن الشمال فأما الذي عن يمين فيحفظ الحسنات وأما الذي عن الشمال فيحفظ السيئات، فاعمل ما شئت، أقلل أو أكثر، وحسبك أن تستشعر وأنت تهم بأية حركة أو بأية كلمة أن عن يمينك وعن شمالك من يسجل عليك الحركة والكلمة، لتكون في سجل حسابك بين يدي الله الذي لا يضيع عنده فتيل ولا قطمير، ولذلك فإن الإنسان منا يجد كتابه قد حوى كل شيء صدر منه، وعندما يرى الكل كتب أعمالهم يوم القيامة فإنهم يقولون: (يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا) ، فقل خيرا تغنم وإلا فاعلم أنك ستندم على ما تقول إن لم يكن كذلك.

    وأعلم أخي أن الخير هو أن تقول صدقا إن كنت مخبرا، حتى وإن كنت تتسامر مع إخوتك فقد قال (صلى الله عليه وسلم) ( عليكم بالصدق ، فإن الصدق يهدي إلى البر ، وإن البر يهدي إلى الجنة ، ولا يزال الرجل يصدق ويتحـرى الصـدق حتى يكتب عنـد الله صديقا . وإياكم والكذب ، فإن الكذب يهدي إلى الفجور ، وإن الفجور يهدي إلى النار ، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا ).
    وكذلك علينا إخوتي أن نعلم أي أمر هو سبب دخول الجنان وأيها سبب دخول النيران، يقول المصطفى (عليه الصلاة والسلام) : { أتدرون ما أكثر ما يدخل الناس الجنة ؟ تقوى الله وحسن الخلق ، أتـدرون ما أكثـر ما يدخل الناس النار ؟ الأجوفان : الفم والفرج ).


    وقال( صلى الله عليه وسلم) ( إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تكفر اللسان ، وتقول : اتق الله فينا ، فإن استقمت استقمنا ، وإن اعوججت اعوججنا ) ويقول أيضا عليه الصلاة والسلام (ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء ).

    . وقال( صلى الله عليه وسلم) ( اضمنوا لي ستا من أنفسكم أضمن لكم الجنة : أصدقوا إذا حدثتم ، وأدوا إذا ائتمنتم ، وأوفـوا إذا وعـدتم ، واحفـظوا فروجكم ، وغضوا أبصاركم ، وكفوا أيديكم )
    وفي الوعيد الشديد لمن ألقى الكلام جزافا دون التفكر في عاقبته ذكر النبي (صلوات ربي وسلامه عليه)لما سئل عن امرأة كانت تكثر من صلاتها وصيامها وصدقتها، غير أنها تؤذي جيرانها بلسانها فقال عليه الصلاة والسلام: ((هي في النار))
    ، رواه أحمد والبيهقي.

    فهل بعد الذي سمعنا يكون هناك مطمع في كلام أو رغبة في ملام؟ فاحذروا رحمكم الله من ألسنتكم واعلموا أن قبل اللسان شفتان وأسنان فهل يحجزاكم عن الكلام؟ أرجو أن يكون كذلك
    فاتقوا الله رحمكم الله، ولتلتزموا تعاليم الإسلام، وتتأدبوا بآداب أهل الإيمان، ولتحفظوا ألسنتكم عن الحرام، فمن وُقي شر لسانه فقد وُقي شرًا عظيمًا، ومن استعمل لسانه في الخير والطاعة والمباح من الكلام وُفق للسداد والكمال، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.

    ألا وصلوا -عباد الله- على نبي الرحمة والهدى كما أمركم بذلك المولى جل وعلا بقوله: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَـئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىّ يايُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً)الأحزاب
    اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد

    اللهم انفعنا بما سمعنا ووفقنا لحسن القول ولزوم الصمت إنك على كل شيء قدير. اللهم إنا نعوذ بك من شر أسماعنا ومن شر أبصارنا ومن شر ألسنتنا ومن شر قلوبنا ومن شر أَمنيتنا
    اللهم أجعل آخر قولنا أن لا إله إلا الله محمد رسول الله
    عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان و إيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي


    * مُجَمَّعةٌ بتصرف
                  

05-20-2011, 05:52 PM

كمال حسن
<aكمال حسن
تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 1352

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: كمال حسن)

    يقول الله عز وجل (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلامًا)
                  

05-27-2011, 11:32 AM

بدر الدين اسحاق احمد
<aبدر الدين اسحاق احمد
تاريخ التسجيل: 03-29-2008
مجموع المشاركات: 17127

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: كمال حسن)

    سورة الكهف ...
    موضوعات السورة الرئيسية : الايمان / المال / العلم / السلطة
    الفتن التى تواجه الانسان
    كيفية التعامل معها
    الاستقواء عليها
    مع بشارة القران ووعده ( ان الذين امنوا وعملو الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلاً ...)
    سلام مع الدعوات لصاحب البوست وللمشاركين والمشاهدين
                  

05-27-2011, 05:23 PM

كمال حسن
<aكمال حسن
تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 1352

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: بدر الدين اسحاق احمد)

    الأخ بدر الدين بارك الله فيك
    رؤوس المواضيع التي كتبتها كموضوعات رئيسية لسورة الكهف، تحتاج لوقت للكتابة عنها، لأنه موضوع جميل يحتاج لبحث وإطلاع
    أتمنى أن تكتب ( أنت والإخوة الأعضاء)* خطبة بهذا المضمون حتى يوم الجمعة القادم وأنا أيضا من جانبي سأقوم بالكتابة من وحي النقاط التي أثرتها
    اليوم لظروف أسرية قاهرة لم أقم بإنزال الخطبة مبكرا كما ينبغي أن يكون
    ولذلك سأقوم بإنزالها الآن بإذن الله


    * الإخوة من خارج المنبر يمكنهم المشاركة أو المراسلة على الإيميل [email protected]
                  

05-27-2011, 05:24 PM

كمال حسن
<aكمال حسن
تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 1352

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: كمال حسن)

    الحمد لله رب العالمين ، الحمد لله أن جعل لنا يوما نلقاه فيه ، وسماه يوم الدين ، وهو يوم عظيم، الملك فيه لله الواحد القهار ، والأمر فيه لله رب العالمين { يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِّنَفْسٍ شَيْئاً وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} الانفطار19
    أحمدك اللهم حمد من يوقن بلقائك فلك الحمد كله ، وأشكرك شكر من يقر بأفضالك فلك الشكر كله ، يارب لك الحمد حتى ترضى ، ولك الحمد إذا رضيت ، ولك الحمد بعد الرضا {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً } الإسراء111
    اللهم إنا نشهدك ونشهد حملة عرشك ، وملائكتك ، وجميع خلقك،أنك أنت الله،لا إله إلا أنت، وحدك لا شريك لك ، آمنا بكتابك الذي أنزلت، ونبيك الذي أرسلت{ رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ}آل عمران193
    وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له جامع الناس ليوم لا ريب فيه { وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَّا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ } الحج7
    وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله ، أول من تنشق عنه ألأرض يوم القيامة صلوات الله وسلامه عليك يا رسول الله وعلى آلك وصحبك ومن سار على هديك إلى يوم الدين وبعد :
    أيها الأحبة في الله : أشهد الله أني أحبكم في الله وأذكركم بيوم يجمع الله فيه الأولين والآخرين ، اختار الله له اسما من أسمائه فهو الحق وسماه يوم الحق { ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآباً }النبأ39
    وسماه الله يوم القيامة ويوم الدين ويوم الجمع واليوم الآخر واليوم الحق ويوم التلاق ويوم الآزفة ويوم الحساب ويوم التناد ويوم يقوم الأشهاد ويوم الحسرة ، نعم يوم الحسرة { وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ } مريم39
    وقد أوكل الله عز وجل أمر النفخ في الصور لإسرافيل عليه السلام ، وهو من الملائكة العظام ، ومنذ أن أوكل بذلك وهو
    متهيئ للنفخ فيه ، وكلما اقترب الزمان ازداد تهيؤه ، قال صلى الله عليه وسلم : ( كيف أنعم ، وقد التقم صاحب القرن القرن ، وحنى جبهته ، وأصغى سمعه ينتظر أن يؤمر أن ينفخ فينفخ ، قال المسلمون : فكيف نقول يا رسول الله : قال : قولوا حسبنا الله ونعم الوكيل ، توكلنا على الله ربنا ) رواه الترمذي وحسنه
    إن المؤمن إذا صفت نفسه واطمأن قلبه بذكر الله تفكر في يوم موته وتذكر يوم يلقى ربه يوم يبعثه الله من قبره فريدا وحيدا لا أخ هناك ولا أم ولا أب ولا ولد ولا زوجة ولا صديق ولا قريب ويساق إلى أرض المحشر(يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْداً{85} وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْداً{86} ( سورة مريم )
    وحتى لو رأى أخاه أو أمه أوأباه أو زوجه أو ولده فإنه لا يغني عنه شيئا بل سيفر منهم ويفرون منه لأنه بنفسه مشغول وبشأن نفسه مهموم{فَإِذَا جَاءتِ الصَّاخَّةُ{33} يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ{34} وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ{35} وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ{36} لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ{37} (عبس)
    ياله من موقف صعب تنشق الأرض عن العباد فيخرجون كما ولدتهم أمهاتهم حفاة عراة لا فرق يومئذ بين حاكم ولا بين محكوم ولا بين غني ولا بين فقير ولا بين متعلم ولا بين جاهل يساقون إلى أرض المحشر وهم كما وصفهم رب العزة { يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعاً كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ{43} خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ذَلِكَ الْيَوْمُ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ{44}( المعارج)
    إن في الحشر لزفرات، وإن عند الصراط لعثرات ، وإن عند الميزان لعبرات. وإن الظلم يومئذ ظلمات ، والكتب تحوي حتى النظرات ، وإن الحسرة العظمى عند السيئات، فريق في الجنة يرتقون الدرجات ، وفريق في السعير يهبطون الدركات، وما بينك وبين هذا إلا إن يقال فلان مات، وتقول : رب ارجعون لعلي أعمل صالحا . فيقال : فات وقت العمل وجاء وقت الحساب والجزاء .
    { وَتُنذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لَا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ }الشورى » .
    إنه ذلك اليوم المجموع فيه الناس المشهود من قبل خلق الله أجمعين { ذَلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ }هود103
    إنه يوم طويل ، مقداره - كما أخبر رب العزة - خمسون ألف سنة { تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ{4} فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً{5} إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً{6} وَنَرَاهُ قَرِيباً{7}
    يقف الناس طويلا حتى يغلب على ظنهم أن النار قد تكون أهون من وقوفهم هذا لما يرونه من شدة الحر وكثرة الزحام وانتظار العذاب .
    أهل الإيمان في ظل عرش الرحمن ، ومن حوض نبيهم يشربون ، وأهل الفجور والمعاصي في عرقهم يتأففون وفي الحر واقفون وإلى السماء بأبصارهم شاخصون ينتظرون ولا يدرون في أي الدركات يصيرون .
    شتان بين من ينتظر أن تفتح له الجنان ويلقى ربا كريما راضيا غير غضبان في مقعد صدق عند مليك مقتدر مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ، وبين من ينتظر أن يلقى في النيران ليلقى الجبار غاضبا عليه وزبانية ينتظرونه بالعذاب { فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ }غافر72.
    وما أن يقبل الله شفاعة نبينا في أن يأتي ليفصل بين العباد ويرفع رسول الله – صلى الله عليه وسلم – رأسه من السجود حتى يجيء رب العزة والجلال للفصل بين العباد ، نعم مجيء الرب سبحانه { كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكّاً دَكّاً{21} وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً{22} وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى{23} (الفجر)
    تدك الأرض دكا دكا ، ويجيء الرب سبحانه وتعالى ومع مجيء الرب يؤتى بجهنم ، يا لها من لحظات تنخلع لها القلوب ، ومع مجيء الرب سبحانه يأخذ الله بأبصار المجرمين الفجار فلا يرون ربهم لأنهم كانوا بهذا اليوم من المكذبين وبربهم كافرين وبالنار مستهترين وبالحساب مستهزئين فيصرف الله أبصارهم إلى النار فيرون النار ويبصرونها { كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ{15} ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُوا الْجَحِيمِ{16}ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ{17}(المطففين)
    يؤتى يومئذ بجهنم ولكن أتدرون كيف يؤتى بها ؟ روى مسلم في صحيحه أن رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- قال: « يُؤْتَى بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ زِمَامٍ مَعَ كُلِّ زِمَامٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجُرُّونَهَا ».
    المؤمنون يرون ربهم وهم في الغرفات أمنون ، والمجرمون يرون النار ويعاينوها وتنخلع قلوبهم من هولها - نعوذ بالله من النار - والله سبحانه وتعالى يخبرنا عن ذلك المشهد فيقول : { وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُم مُّوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفاً }الكهف53
    واسمحوا لي أيها ألأحبة أن أستعرض لكم مشهدين من مشاهد القرآن الكريم في هذه اللحظات :
    يجيء الرب والكل سكوت ، وفي صمت تام أمام رب الأرض والسماوات ، لا يملك أحد أو يجرؤ أن يخاطب رب العالمين ، إلا أن يأذن له وإذا تكلم أحد فلا يقول إلا صوابا { رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرحْمَنِ لَا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَاباً{37} يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلَائِكَةُ صَفّاً لَّا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرحْمَنُ وَقَالَ صَوَاباً{38} ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَن شَاء اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآباً{39} إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَاباً قَرِيباً يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَاباً{40}
    إذا تكلم عظيم من عظماء الدنيا هابه من حوله واستمعوا له فكيف بمن له الملك اليوم ؟
    { وَخَشَعَت الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْساً } طه108
    من ذا الذي يجرؤ اليوم أن يتكلم اليوم في حضرة رب العزة والجلال ؟
    كل شيء في هذه اللحظات يتلقى أوامره من الله السمع والأبصار والأيد والأرجل لا تطيع أصحابها فهي اليوم تتلقى من الله مباشرة يأمر الله أبصار المجرمين أن تتجه إلى النار فتتجه رغما عن انف أصحابها وفي صمت رهيب يتكلم رب العزة فيسمعه أهل الموقف جميعا :
    { أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ{60} وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ{61} وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلّاً كَثِيراً أَفَلَمْ تَكُونُوا تَعْقِلُونَ{62} هَذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ{63} اصْلَوْهَا الْيَوْمَ بِمَا كُنتُمْ تَكْفُرُونَ{64} الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ{65} وَلَوْ نَشَاء لَطَمَسْنَا عَلَى أَعْيُنِهِمْ فَاسْتَبَقُوا الصِّرَاطَ فَأَنَّى يُبْصِرُونَ{66} وَلَوْ نَشَاء لَمَسَخْنَاهُمْ عَلَى مَكَانَتِهِمْ فَمَا اسْتَطَاعُوا مُضِيّاً وَلَا يَرْجِعُونَ{67} ( يس)
    وماذا يقول رب العزة لأولئك المكذبين بالنار والمستهترين بالعذاب والذين لم يبالوا بغضب الجبار سبحانه وتعالى :
    { انطَلِقُوا إِلَى مَا كُنتُم بِهِ تُكَذِّبُونَ{29} انطَلِقُوا إِلَى ظِلٍّ ذِي ثَلَاثِ شُعَبٍ{30} لَا ظَلِيلٍ وَلَا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ{31} إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ{32} كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ{33} وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ{34} هَذَا يَوْمُ لَا يَنطِقُونَ{35} وَلَا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ{36} وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ{37} هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ{38} فَإِن كَانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ{39} وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ{40} (المرسلات)
    يفضح الله المجرمين ويجعل لكل منهم علامة يعرف بها لقوله تعالى في سورة الرحمن : { يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ{41}
    " قال الحسن: سواد الوجه وزرقة الأعين، قال الله تعالى: { يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً }طه102 وقال تعالى: { يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106) وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } 107 (آل عمران)
    "فيؤخذ بالنواصي والأقدام " أي تأخذ الملائكة بنواصيهم، أي بشعور مقدم رؤوسهم وأقدامهم فيقذفونهم في النار.
    وقال الضحاك: يؤخذ برجلي الرجل فيجمع بينهما وبين ناصية حتى يندق ظهره ثم يلقى في النار.
    يخاطب الله أهل النار ويوبخهم مما يزيد في حسرتهم فيقول كما جاء في سورة المؤمنون :
    { أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ{105} قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ{106} رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ{107} قَالَ اخْسَؤُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ{108} إِنَّهُ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِي يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ{109} فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيّاً حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِي وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ{110} إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ{111}
    أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم والتائب من الذنب كمن لا ذنب له أو كما قال أدعوا الله

    الخطبة الثانية
    الحمد لله حمدا يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله ، صلوات الله سلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين وبعد :
    أيها الأحبة في الله : هنيئا لمن وفق لطاعة الله ومات مسلما موحدا طائعا مؤديا ما عليه من حقوق الله وحقوق عباده ثم بعث وحشر وحوسب وتسلم كتابه بيمينه وفاز برضوان الله والجنة ، ويا تعاسة من خرج من الدنيا والمعاصي بضاعته ومات وقلبه مشغول بالدنيا ######## حقوق ربه وحقوق عباده ثم بعث وحشر مع المجرمين وتسلم كتابه بشماله فخسر والله وخاب بغضب الله عليه والنار مثواه .
    {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنكُمْ خَافِيَةٌ{18} فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ{19} إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ{20} فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ{21} فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ{22} قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ{23} كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ{24} وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ{25} وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيهْ{26} يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ{27} مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ{28} هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ{29} خُذُوهُ فَغُلُّوهُ{30} ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ{31} ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فَاسْلُكُوهُ{32} إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ{33} وَلَا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ{34} فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هَاهُنَا حَمِيمٌ{35} وَلَا طَعَامٌ إِلَّا مِنْ غِسْلِينٍ{36} لَا يَأْكُلُهُ إِلَّا الْخَاطِؤُونَ{37}
    لكأنني بك أخي وقد نودي عليك للحساب وعليك أثر الربا والزنا وشرب الخمر والسرقة والرشوة وعقوق الوالدين وقطيعة الأرحام وأكل أموال الناس بالباطل والكذب وشهادة الزور وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات والغيبة والنميمة
    {فَكَيْفَ إِذَا جَمَعْنَاهُمْ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ} آل عمران25
    بالله عليك كيف ستواجه ربك وأنت تعرف نفسك أيها الظالم المفتري ؟
    يا من ظلمت نفسك وظلمت غيرك يا من ضيعت من تعول من زوجة وأولاد ووالدين وأرحام
    {أَفَمَن يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أَم مَّن يَأْتِي آمِناً يَوْمَ الْقِيَامَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } فصلت40
    أخي الحبيب : ألم تفكر في هذا اليوم ؟ لماذا تظلم غيرك ؟ لماذا تأكل حقوق الناس ؟
    لماذا تمنع شركاءك في الميراث من حقهم ؟ أنت من ظلم أخته أو أخاه أو ولده أو جاره حين ضيعت حقوقهم .
    أنت من ظلم نفسه حين أطعمتها الحرام .أنت من ظلم أولاده حين ورثتهم المال الحرام .
    أتظن أنه يمكنك أن تفلت من عقاب الله يوم القيامة ؟ {وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ }إبراهيم42
    ماذا تقول لربك يا من خلقك الله ورزقك من فضله وجعلك من خير أمة أخرجت للناس ؟
    ماذا تقول لربك يا من تتجرأ على خالقك وتسب دين الله وترفع بها صوتك ولا تستحي من ربك ؟
    ماذا تقول لربك وقد صح بدنك وأكثر مالك وولدك ؟ اعلم أنك عما قليل ستموت { لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ }الرعد38
    { كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ }آل عمران185
    فلا تغرنك الدنيا وزينتها وجهز نفسك ليوم تلقى فيه ربك ويسألك عن كل شيء فجهز للسؤال جوابا قبل أن تسأل فلا تجد جوابا فتلقى في النار وعندها تندم ولا ينفع الندم .
    اللهم ارحمنا فإنك بنا راحم ولا تعذبنا فإنك علينا قادر ، اللهم اغفر لنا ما أسررنا وما أعلنا وما أنت أعلم به منا ، اللهم إنا ضعفاء فقونا ، وفقراء فأغننا ، وجهلاء فعلمنا ، وانفعنا بما علمتنا .
    اللهم اهدنا إليك ووفقنا لطاعتك وارزقنا ووفقنا لعمل صالح قبل الموت تقبضنا عليه وتختم لنا به يا حي يا قيوم برحمتك نستغيث ومن عذابك نستجير ولا حول ولا قوة إلا بك .
    اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات إنك يا موالانا سميع قريب مجيب الدعوات .
    اللهم لا تدع لنا ذنبا إلا غفرته ولا مريضا إلا شفيته ، ولا فقيرا إلا أغنيته ، ولا ضالا إلا هديته ، ولا تائبا إلا قبلته ، ولا مكروبا إلا فرجت كربه . ولا مديونا إلا قضيت دينه ، ولا غائبا إلا بالسلامة إلى أهله رددته .
    عباد الله : { إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ }النحل90
    { وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ } العنكبوت

    * منقولة بتصرف
                  

06-03-2011, 12:52 PM

كمال حسن
<aكمال حسن
تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 1352

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: كمال حسن)

    الحمد لله الذي وعد على مقابلة الإساءة بالإحسان خير الجزاء . أحمده سبحانه على السراء والضراء . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن سيدنا محمدًا صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عبده ورسوله ، خاتم الرسل وأفضل الأنبياء .
    اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه .
    يقول المولى عز وجل في محكم تنزيله (وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) البقرة
    ويقول (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ )

    أما بعد:

    إخوة الإسلام يحيط بابن آدم أعداء كثر من شياطين الإنس والجن. يحسنون القبيح ويقبحون الحسن، ينضم إليهم النفس الأمارة بالسوء والهوى يدعونه إلى الشهوات ويقودونه إلى مهاوي الردى وينحدر في موبقات الذنوب صغائرها وكبائرها وينساق في مغريات الحياة وداعيات الهوى، يصاحب ذلك ضيق وحرج وشعور بالذنب والخطيئة حتى تكاد أن تنغلق أمامه أبواب الأمل ويدخل في دائرة اليأس من روح الله والقنوط من رحمة الله. وهذا غاية ما يريده الشيطان من العبد... وهو أن يصل إلى هذه المرحلة من اليأس. فيترك التوبة والأعمال الصالحة وينغمس في الذنوب والمعاصي لأنه يرى نفسه مجرماً لا يصلح للخير وليس من أهله، يرى نفسه مخادعاً لا يتوب توبة صادقة فيفرح الشيطان بذلك ويشعر بلذة النصر.

    لكن أخي المؤمن اعلم وفقني الله وإياك لكل خير أن الله العليم الحكيم الرؤوف الرحيم الذي يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير فتح لعباده أبواب التوبة ودلهم على الاستغفار وجعل لهم من أعمالهم الصالحة كفارات وفي ابتلائهم مكفرات بل إنه بفضله وكرمه يبدل سيئاتهم حسنات: وَٱللَّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ ٱلَّذِينَ يَتَّبِعُونَ ٱلشَّهَوٰتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً يُرِيدُ ٱللَّهُ أَن يُخَفّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ ٱلإِنسَـٰنُ ضَعِيفاً [النساء:27-28].

    فلماذا أيها الاخوة نجعل للشيطان بعد ذلك علينا سبيلاً؟ لقد جعل الله في التوبة ملاذاً مكيناً وملجأً حصيناً يدخله المذنب معترفاً بذنبه مؤملاً في ربه نادماً على فعله غير مصر على ذنبه. يحتمي بحمى الاستغفار، يتبع السيئة الحسنة فيكفر الله عنه سيئاته ويرفع درجاته.

    فيامن وقعت في الذنوب صغيرها وكبيرها عظيمها وحقيرها نداء الله لك: قُلْ يٰعِبَادِىَ ٱلَّذِينَ أَسْرَفُواْ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُواْ مِن رَّحْمَةِ ٱللَّهِ إِنَّ ٱللَّهَ يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ ٱلْغَفُورُ ٱلرَّحِيمُ [الزمر:53]. هل تأملت قوله تعالى: يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ جَمِيعاً إنه تعميم لجميع الذنوب بلا استثناء، ولو كانت تلك الذنوب كلها كبائر من حيث النوع ولو ملأت عنان السماء وبلغت عدد رمال الدنيا من حيث الكم هذا معنى جَمِيعاً فكيف يتسلل اليأس بعد هذه الآية إلى نفس مؤمن قد أسرف على نفسه في المعاصي يتلو هذه الآية ويسمع أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوبة.

    عباد الله: التوبة الصادقة تمحو الخطايا مهما كانت حتى الكفر والشرك ... يقول تعالى: (قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغْفَرْ لَهُمْ مَّا قَدْ سَلَفَ) [الأنفال:38]. وتأمل إلى قتلة الأنبياء ممن قالوا: إن الله ثالث ثلاثة، وقالوا: إن الله هو المسيح ابن مريم، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً. ناداهم الله جل وعلا بقوله: (أَفَلاَ يَتُوبُونَ إِلَىٰ ٱللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ) [المائدة:74]. وإلى أصحاب الأخدود الذين قتلوا عباد الله المؤمنين بغير ذنب إلا أنهم آمنوا بالله ربهم، ينبههم الله عز وجل إلى أنهم لو تابوا لتاب عليهم وقبلهم قال تعالى: (إِنَّ ٱلَّذِينَ فَتَنُواْ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُؤْمِنَـٰتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُواْ فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ ٱلْحَرِيقِ) [البروج:10]. قال الحسن البصري في هذه الآية: (قتلوا أولياءه وهو يعرض عليهم التوبة).

    إخوة الإيمان: فتح ربنا أبوابه لكل التائبين، يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل. وقال في الحديث القدسي: ((يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعاً، فاستغفروني أغفر لكم)) [رواه مسلم]. وقال تعالى: وَمَن يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ ٱللَّهَ يَجِدِ ٱللَّهَ غَفُوراً رَّحِيماً [النساء:110]. ومن ظن أن ذنباً لا يتسع له عفو الله فقد ظن بربه ظن السوء. كم من عبد كان من إخوان الشياطين فمنَّ الله عليه بتوبة محت عنه ما سلف فصار صواماً قواماً قانتاًَ لله ساجداً وقائماً يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه.

    أيها المؤمنون: من تدنس بشيء من قذر المعاصي ـ وكلنا ذاك الرجل ـ فليبادر بغسله بماء التوبة والاستغفار فإن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين بل قد ورد في الحديث أن الله يفرح كثيراً بتوبة العبد وتأمل الحديث الذي يقول فيه رسول الله صلي الله عليه وسلم: لله أشد فرحا بتوبه عبده حين يتوب اليه من احدكم كان علي راحلته بأرض فلاه, فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فأيس منها، فأتي شجره فاضطجع في ظلها، وقد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك اذا هو بها قائمه عنده فأخذ بخطامها ثم قال من شده الفرح : اللهم أنت عبدي وأنا ربك ,(أخطا من شده الفرح) رواه مسلم
    الله أكبر رب يفرح هذا الفرح بتوبة عبد فما أرحمه من رب وما أعظمه وما أحلمه!. فماذا يريد العاصي بعد ذلك؟!

    أيها العاصي: ماذا تراك فعلت؟؟ سرقت.. زنيت.. قتلت.. أم أكلت الربا.. والرشوة.. أم فعلت وفعلت..، كل ذلك يصغر في جنب رحمة الله، أليس الله قد قال: وَرَحْمَتِى وَسِعَتْ كُلَّ شَىْء [الأعراف:165]. أوليست ذنوبك شيئاً؟! بلى والله.. إذاً فأبشر فرحمة الله تسعها.




    الخطبة الثانية

    الحمد لله وكفى، وصلاة وسلاماً على النبي المصطفى، وعلى آله وصحبه ممن وفى، ومن اتبع هداهم واستن بسنتهم واقتفى.

    وبعد:

    عباد الله: إن الشيطان ليفرح ويحس بالنصر على من يئس من نفسه أن يتوب وترك التوبة، إنه خطأ عظيم يرتكبه العبد عندما يترك التوبة يأساً من نفسه وقنوطاً من رحمة الله.

    إنه الشيطان الذي يجعل المذنب يشعر بأنه رجل غير صالح وأنه صاحب معاصي، وهذا خطأ، لأننا جميعاً أصحاب معاصي قال صلى الله عليه وسلم: ((كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون)) [رواه الترمذي وابن ماجه].

    فهل يخرج من هذا العموم أحد؟؟ كلا.. فكلنا ذوو خطأ، وعلينا جميعاً أن نتوب.

    إخوة الإيمان: إن من أسباب قنوط بعض الناس من رحمة الله - هداهم الله - أنهم يتوبون ثم يقعون ثم يتوبون ثم يقعون مرة أخرى، ويتكرر ذلك عليهم حتى يرى الواحد منهم أنه غير صادق في توبته، وأن توبته غير مقبولة عند الله.

    والحق أن هذه الخواطر إنما يلقيها الشيطان في روح العبد حتى إذا وقع في ذنب لا يتوب منه وهذا ما يريده عدو الله. لأن توبة العاصي بعد ذنبه تذهب تعب الشيطان هباء منثوراً، فهو لا يريدك أن تتوب، ولذلك يبث اليأس في نفس ذلك العبد. وتأمل هذه الأحاديث.
    عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يحكي، عن ربه عز وجل قال: ((أذنب عبد ذنباً، فقال: اللهم! اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنباً، فعلم أنه له رباً يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب! اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: عبدي أذنب ذنباً، فعلم أنه له رباً يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، ثم عاد فأذنب، فقال: أي رب! اغفر لي ذنبي، فقال تبارك وتعالى: أذنب عبدي ذنباً، فعلم أنه له رباً يغفر الذنب، ويأخذ بالذنب، اعمل ما شئت فقد غفرت لك)) [رواه الشيخان].
    والحديث الثاني: عن عقبة بن عامر الجهني أن رجلاً أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أحدنا يذنب. قال: ((يكتب عليه)). قال: ثم يستغفر منه ويتوب، قال: ((يغفر له ويتاب عليه. ولا يمل الله حتى تملوا)) [رواه الحاكم].

    فإياك إذاً أن تيأس من رحمة الله وتقع في ما هو أكبر من ذنبك. فاليأس من رحمة الله والقنوط من رحمته كفر لا يجوز لمؤمن الوقوع فيه. فالمستفيد الوحيد من هذا اليأس هو الشيطان الرجيم حيث يكسب إلى صفه فرداً جديداً يريحه من عناء إغوائه ودفعه إلى الوقوع في المنكرات، فإن اليائس لا يحتاج إلى كبير جهد ليقع فيما حرم الله حيث أنه يرى أنه لا خلاص له من النار، ولذلك فعليه أن يتمتع كما يظن في هذه الدنيا بكل أنواع الملذات ولو كانت حراماً. وهو لا يدري أنه لا يزداد بذلك إلا شقاء في الدنيا قبل الآخرة.

    اللهم وفقنا للتوبة والإنابة وافتح لأدعيتنا أبواب الإجابة ، اللهم أذقنا برد عفوك وحلاوة مغفرتك ونزه قلوبنا عن التعلق بما دونك واجعلنا من قوم تحبهم ويحبونك وعافنا في الدارين من جميع المحن وأصلح منا ما ظهر وما بطن وألحقنا بالصالحين وارحم كافة المسلمين ، اللهم آمين ، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .


    * منقولة
                  

06-10-2011, 09:46 AM

كمال حسن
<aكمال حسن
تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 1352

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: كمال حسن)

    الحمد لله، نحمده ونستعينه، ونسترحمه ونستهديه، ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أمرنا بالاستجابة له ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وألزمنا بالاستقامة على شريعته إلى أن نلقاه، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وصفوته من خلقه، وخيرته من رسله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن سار على نهجه واستقام على ملته، ودعا بدعوته إلى يوم الدين، وبارك وسلم تسليماً كثيراً.
    فيا إخوة الإسلام! اتقوا الله تبارك وتعالى وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [البقرة:281].
    أما بعد:أحبابنا في الله: الإسلام هو الدين القيم الذي فيه صلاح البلاد والعباد، وهو أعظم المنن التي منّ بها الكريم الوهاب، وقد تكفل الله لمن سلكه بسعادة الدنيا والآخرة، فيه المبادئ السامية، والأخلاق العالية، والنظم العادلة. إنه الدين الذي ينبغي لنا أن نفتخر به، وأن نتشرف بالانتساب إليه، فمن لم يتشرف بهذا الدين ويفخر به ففي قلبه شك وقلة يقين.
    إن الحق يخاطب حبيبه قائلاً: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْـأَلُونَ [الزخرف:44]. أي: شرف لك وشرف لقومك وشرف لأتباعك إلى يوم القيامة.
    وممـا زادني شـرفاً وتيهـاً وكدت بإخمصي أطأ الثريا
    دخولي تحت قولك يا عبادي وأن صيرت أحمد لي نبياً
    إن الشرف أن تكون من عباد الله الصالحين، وأن تعمل الصالحات وتجتنب المحرمات.. وإن الشرف أن تدعو لهذا الدين، وأن تتبع سنة خير المرسلين صلى الله عليه وسلم
    عباد الله، إن اعتزاز المسلم بنفسه ودينه وربه هو كبرياء إيمانه، وكبرياء الإيمان غير كبرياء الطغيان، إنها أنفة المؤمن أن يصغر لطغيان، أو يتضع لإنسان، أو يكون ذنبا لإنسان. هي كبرياء فيها الترفع على مغريات الأرض ومزاعم الناس وأباطيل الحياة، وفيها الانخفاض إلى خدمة المسلمين والتبسط معهم، واحترام الذي يجمعه بهم.. قال تعالى: ( مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ) سورة فاطر10..
    العزة والإباء والكرامة من أبرز الخلال التي نادى بها الإسلام، وغرسها في أنحاء المجتمع وتعهد نماءها بما شرع من عقائد وسن من تعاليم..
    علامَ يصيح المؤذن"الله اكبر" خمس مرات كل يوم مناديا بتكبير الله وحده في بداية الآذان ونهايته؟ ولماذا يتكرر هذا التكبير فيكتنف حركات الصلاة كلها من قيام وقعود؟.. ذلك لكيما يوقن المسلم يقينا لا يهتز ولا يزيغ، أن كل متكبر بعد الله فهو صغير، وأن كل متعاظم بعد الله فهو حقير، فكأنما وكل هذ النداء أن يرد الناس إلى الصواب كلما أطاشتهم الدنيا، وضللتهم متاهاتها الطامسة..
    والإسلام عندما اوصى المسلم بالعزة هداه إلى أسبابها، ويسر له وسائلها، وأفهمه أن الكرامة في التقوى، وأن السمو في العبادة، وأن العزة في طاعة الله تعالى. والمؤمن الذي يعلم ذلك ويعمل به، يجب أن يأخذ نصيبه كاملا غير منقوص في الحياة الرفيعة المجيدة. فإذا اعتدى عليه أحد أو طمع فيه باغ كان انتصابه للدفاع عن نفسه عزة يطلبها دينه وعقيدته.. جاء رجل إلى رسول الله فقال: يا رسول الله، أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي؟ قال: لا تعطه مالك ! قال: أرأيت إن قاتلني؟ قال: قاتله ! قال: أرأيت إن قتلني؟ قال: فأنت شهيد ! قال: أرأيت إن قتلته؟ قال: هو في النار"رواه مسلم
    نعم ! فمن عزة المؤمن ألا يكون مستباحا لكل طامع، أو غرضا لكل هاجم بل عليه أن يستميت دون نفسه وعرضه وماله وأهله..
    إن الشرف أن تدعو لهذا الدين، وأن تتبع سنة خير المرسلين ، لقد أدرك سلفنا الأول عظمة هذا الدين، فقدموا أنفسهم وأموالهم رخيصة لهذا الدين.
    لقد كان الإسلام هو شرفهم الأول وغاية آمالهم، فهذا عبد الله بن أم مكتوم – رضي الله عنه الذي يقول له النبي : ((مرحباً بالذي عاتبني فيه ربي)) – لما أتى داعي الجهاد في سبيل الله، وارتفعت راية الإسلام، ونادى النفير للجهاد، فيقول له الصحابة: إنك معذور، أنت أعمى، وذلك لقوله تعالى: لَّيْسَ عَلَى ٱلاْعْمَىٰ [الفتح:17]. فيجيبهم: لا والله، والله يقول: ٱنْفِرُواْ خِفَافًا وَثِقَالاً [التوبة:41].
    فلما حضرت المعركة أعطوه الراية، وقالوا: إياك أن نؤتى من قبلك فقال رضي الله عنه: بئس حامل القرآن إن أتيتم من قبلي، فوقف مكانه حتى قتل، فكان قبره تحت قدميه رضي الله عنه وأرضاه.
    وهذا فارس آخر من فرسان الإسلام العظام، الذين تربوا على يد محمد ، فقدموا للبشرية الشرف العظيم في انتمائهم للإسلام وتشرفهم به، إنه جليبيب رضي الله عنه، ذلك الصحابي الذي لم يكن يملك من الدنيا إلا الإيمان الذي ملأ قلبه، فأضاء له الدنيا.
    جاء جليبيب إلى رسول الله ، فتبسم عليه الصلاة والسلام لما رآه، وقال: ((يا جليبيب أتريد الزواج))؟ فقال: يا رسول الله، من يزوجني ولا أسرة عندي ولا مال ولا دار ولا شيء من متاع الدنيا؟! فقال عليه الصلاة والسلام: ((اذهب إلى ذلك البيت من بيوت الأنصار، فأقرئهم مني السلام، وقل لهم: إن رسول الله يأمركم أن تزوجوني))، فذهب وطرق عليهم الباب، فخرج رب البيت، ورأى جليبيباً، فقال له: ماذا تريد؟ فأخبره الخبر، فعاد إلى زوجته، فشاورها، ثم قالوا: ليته غير جليبيب، لا نسب ولا مال ولا دار، فشاروا الفتاة، فقالت: وهل نرد رسول رسول الله فتزوج بها.
    وحضر النبي غزوة من الغزوات، فلما كتب لهم النصر قال النبي لأصحابه: ((هل تفقدون من أحد))؟ قالوا: نعم، فلاناً وفلاناً وفلاناً، ثم قال : ((لكني أفقد جليبيباً، فاطلبوه))، فطلب في القتلى، فوجدوه إلى جنب سبعة قد قتلهم، ثم قتلوه، فأتى النبي فوقف عليه، فقال: ((قتل سبعة ثم قتلوه، هذا مني وأنا منه))، ثم وضعه على ساعديه، ليس له إلا ساعدا النبي ، ثم حفر له ووضع في قبره. [المسند: 4/422، مسلم: 4/1918].
    فانظروا – رحمكم الله – إلى هذا الرجل الذي يفتخر به النبي ، ويضع ساعده الشريف وسادة له حتى يحفر له القبر إكراماً له، مع أنه من الفقراء في المال، لكنه من الأعزاء بالإسلام المتشرفين بالانتساب له.إنهم عظماء؛ لأنهم عاشوا في كنف محمد .
    واستمعوا إلى قصة عظيمة، إنها قصة عمر رضي الله عنه حينما خرج إلى القدس ليتسلم مفاتيح بيت المقدس – أسأل الله أن يعيده إلينا – يخرج عمر على حاله المعروفة، فيستعرض الجيش الإسلامي العظيم، ويقول قولته المشهورة: نحن قوم أعزنا الله بالإسلام، ومهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله. ثم يقترب من أبي عبيدة فيعانقه، ويبكي طويلاً، فيقول عمر: يا أبا عبيدة، كيف بنا إذا سألنا الله يوم القيامة ماذا فعلنا بعد رسولنا ؟ فيقول أبو عبيدة: يا أمير المؤمنين، تعالى نتباكى، ولا يرانا الناس، فانحرفا عن الطريق والجيوش تنظر إليهما، فاتجها إلى شجرة، ثم بكيا طويلاً رضوان الله عليهم أجمعين.
    ترى هل سأل أحد منا نفسه ماذا فعلنا بعد رسول الله ؟ هل حافظنا على سنته؟ هل اتبعنا ملته؟ ألم نفرط أو نضيع؟ ومع ذلك لا نرى فينا باكياً. اللهم إنا نشكو إليك قسوة قلوبنا، فارحمنا برحمتك يا أرحم الراحمين.
    إخوة الإسلام أتباع محمد عليه أفضل الصلاة والسلام:
    لقد عرف سلفنا – رضوان الله عليهم – أن الحياة إنما تصرف في مرضاة الله وطاعته، وأن عزهم في دينهم وتمسكهم به، وأن ارتباطهم إنما هو بالله الواحد الأحد.
    حج هشام بن عبد الملك، فلما كان في الطواف رأى سالم بن عبد الله وهو يطوف وحذاؤه في يديه، وعليه ثياب لا تساوي ثلاثة عشر درهماً، فقال له هشام: يا سالم، أتريد حاجة أقضيها لك؟ قال سالم: أما تستحي من الله، تعرض عليّ الحوائج وأنا في بيت من لا يُعوز إلى غيره؟! فسكت هشام، فلما خرجا من الحرم قال له: هل تريد شيئاً؟ قال سالم: أمن حوائج الدنيا أو الآخرة؟ فقال: من حوائج الدنيا. فقال سالم: والله الذي لا إله إلا هو ما سألت حوائج الدنيا من الذي يملكها تبارك وتعالى، فكيف أسألها منك؟
    إنه الإيمان الذي ربى القلوب على التعلق بالله والنزول في حماه والالتجاء إليه والاعتصام به.
    إخوة الإسلام: هذه نماذج رائعة أذكرها لكم لكي يكون لنا فيها الأسوة والقدوة في التشرف بالإسلام، والاعتزاز به، والاعتماد على الله، والتوكل عليه، والسير على نهجه، والالتزام بسنة نبيه ، فاتقوا الله عباد الله، واعرفوا الإسلام حق المعرفة، واسلكوا طريقه تفلحوا وتسعدوا.
    بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بالآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

    الخطبة الثانية

    الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً. .. أما بعد:
    إخوة الإسلام:
    لكي ينشأ أبناؤنا على تعاليم الإسلام وشرائعه، يجب علينا أن نعظم شعائر الله في قلوبهم، يجب أن نربي أبناءنا على تعظيم الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، وأن نشعرهم بأن الخير من الله، ولا يدفع الشر سواه، وأن أمورنا إنما تكون بأمره سبحانه، فهو المتصرف كيف يشاء، وأن ننزل حاجاتنا به فهو المؤمل سبحانه، يأكل باسم الله، يخرج متوكلاً على الله، يدرس ابتغاء مرضاة الله.
    كما يجب أن نعظم في قلوبهم القرآن الكريم حفظاً وتلاوة، ونشعرهم بعظمة هذا القرآن وما فيه من خير وسعادة.
    ومما يجب أن يعظم في نفوسهم حب رسول الله ، وذكر سيرته وجهاده ورحمته وشفقته وشفاعته وإحسانه، وأنه الرحمة المهداة، وذلك بكثرة الصلاة والسلام عليه، وتقديم حبه على كل شيء.
    إن المسئولية في هذا ملقاة على عواتق أولياء الأمور، فليتقوا الله في ذلك، وليحسنوا التربية حتى تخرج الثمار المباركة. اللهم وفقهم لما تحبه وترضى.
    ثم صلوا على الحبيب المصطفى والنبي المجتبى، فقد أمركم بذلك مولانا في محكم التنزيل فقال: إِنَّ ٱللَّهَ وَمَلَـٰئِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىّ يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً [الأحزاب:56].
    اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا ولا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا ولا تجعل مصيبتنا في ديننا..
    عباد الله،(إِنَّ اللَّهَ وَمَلَـائِكَـتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِىّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيماً )).. فصلوا وسلموا على سيد الأولين والآخرين وإمام المرسلين، اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما صليت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم إنك حميد مجيد، وسلم تسليمًا كبيرًا.. وعلى آله وصحابته أجمعين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم انفعنا بمحبتهم، ولا تخالف بنا عن نهجهم يا خير مسؤول..
    اللهم اجعل خير أعمالنا خواتمها، وخير أعمارنا أواخرها، وخير أيامنا يوم نلقاك ..اللهم اغفر لنا ما مضى من ذنوبنا وارزقنا عملاً زاكياً ترضى به عنا وخذ إلى الخير نواصينا واختم لنا بخير واجعل عواقب أمورنا إلى خير وتوفنا وأنت راضٍ عنا..اللهم آمنا في أوطاننا ودورنا وانصر المجاهدين الذين يجاهدون في سبيلك في كل مكان..اللهم اشف مرضانا وارحم موتانا وعليك بمن عادانا وبلغنا بما يرضيك آمالنا واختم بالباقيات الصالحات أعمالنا..اللهم احسن بالمحسنين وتقبل منهم يا ذا الجلال والإكرام..
    عباد الله، (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون) اذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون..وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم، وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.

    * منقولة بتصرف
                  

06-10-2011, 03:34 PM

كمال حسن
<aكمال حسن
تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 1352

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: كمال حسن)

    Quote: حج هشام بن عبد الملك، فلما كان في الطواف رأى سالم بن عبد الله وهو يطوف وحذاؤه في يديه، وعليه ثياب لا تساوي ثلاثة عشر درهماً، فقال له هشام: يا سالم، أتريد حاجة أقضيها لك؟ قال سالم: أما تستحي من الله، تعرض عليّ الحوائج وأنا في بيت من لا يُعوز إلى غيره؟! فسكت هشام، فلما خرجا من الحرم قال له: هل تريد شيئاً؟ قال سالم: أمن حوائج الدنيا أو الآخرة؟ فقال: من حوائج الدنيا. فقال سالم: والله الذي لا إله إلا هو ما سألت حوائج الدنيا من الذي يملكها تبارك وتعالى، فكيف أسألها منك؟


    إذا سألت فاسأل الله
    وإذا إستعنت فاستعن بالله
                  

06-17-2011, 12:16 PM

كمال حسن
<aكمال حسن
تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 1352

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: كمال حسن)

    الحمد لله رب العالمين، نحمده حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وكما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه، عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم! صل وسلم وبارك على سيدنا محمد عدد ما ذكره الذاكرون الأخيار، وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد ما اختلف الليل والنهار، وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى المهاجرين والأنصار
    يقول رب العزة سبحانه: قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون [الأعراف:33].
    من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه ؟!
    قاعدة ذهبية لو وضعها المسلم نصب عينيه لما وجد مشقة في ترك المألوفات من المعاصي إلا أول وهلة وفقط , ولأحس بالربح الدائم مهما بدأ خاسراً .. يترك الحرام وهو أقرب الناس إليه ولكن يتركه لله فيعوضه الله خيراً منه .. يصير الألم لذة بها ..
    قال الله تبارك وتعالى(وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا(2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ). (الطَّلاق). فأخبر الله - سبحانه وتعالى - أنه إذا اتقاه بترك أخذ ما لا يَحلّ له رزقه من حيث لا يحتسب ففتح له الأبواب المغلقة .. وأعطاه من حيث لا يتوقع .. ومنحه من حيث لا يعلم
    فكما ترك يوسف الصديق عليه السلام امرأة العزيز لله وأختار السجن على الفاحشة فعوّضه الله أن مكّنه في الأرض يتبوأ منها حيث يشاء، وأتته المرأة صاغرة سائلة راغبة في الوصل الحلال فتزوجها فلما دخل بها قال: هذا خيرٌ مما كنت تريدين.

    وتأمل كيف جزاه الله سبحانه وتعالى على ضيق السجن أن مكنه في الأرض ينزل منها حيث يشاء، وأذل له العزيز وامرأته، وأقرّت المرأة والنسوة ببراءته، وهذه سُنّته تعالى في عباده قديماً وحديثاً إلى يوم القيامة.

    ولما عقر سليمان بن داود عليهما السلام الخيل التي شغلته عن صلاة العصر حتى غابت الشمس سخر الله له الريح يسير على متنها حيث أراد، ولما ترك المهاجرون ديارهم لله وأوطانهم التي هي أحبُّ شيء إليهم أعاضهم الله أن فتح عليهم الدُّنيا وملكهم شرق الأرض وغربها، ولو أتقى الله السارق وترك سرقة المال المعصوم لله لآتاه الله مثله حلالاً، قال الله تعالى (ومن يتّق الله يَجْعَل لَهُ مَخْرجاً. ويَرْزُقَهُ من حيث لا يَحْتَسب)

    قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( النظرة إلى المرأة سهم من سهام إبليس مسْمومٌ من تَركَه خَوْف الله أثابه الله إيماناً يجد به حلاوته في قلبه) رواه أحمد .. فصاحب النظرة يسع بنظرته هذه إلى اللذة والاستمتاع فيبدل الله تاركها حلاوة ولذة في قلبه لا يجدها سواه .. وسبحان الله العاطي الوهاب .

    وعن أبي قتادة وأبي الدهماء وكانا يكثران السفر نحو البيت قالا أتينا على رجل من أهل البادية فقال لنا البدوي أخذ بيدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل يعلمني مما علمه الله عز وجل وقال: ( إنك لا تدع شيئاً اتقاء الله تعالى إلا أعطاك الله عز وجل خيراً منه ) رواه أحمد والبيهقي

    فاعلم أخي أنه من ترك مسألة الناس وإراقة ماء الوجه أمامهم وعلق رجاءه بالله دون سواه .. وجد حرية قلبه وعزة نفسه والاستغناء عن الخلق
    ومن ترك الاعتراض على قدر الله فسلم لربه في جميع أمره .. وجد الرضا واليقين.

    ومن ترك الذهاب للعرافين والسحرة .. وجد من ربه الصبر وصدق التوكل وتحقق التوحيد.

    ومن ترك الخوف من غير الله .. وجد أمناً الله من كل شيء فصارت مخاوفه برداً وسلاماً.

    ومن ترك التكالب على الدنيا .. وجد جمع الله في أمره وجعل غناه في قلبه وأتته الدنيا وهي خاضعة.

    ومن ترك الكذب ولزم الصدق .. وجد هدي الله له إلى البر وكان عند الله صديقاً.

    ومن ترك المراء وإن كان محقاً .. وجد ضمان الله له بيتاً في ربض الجنة وسلم من شر الخصومة وحافظ على صفاء قلبه .

    ومن ترك الغش وترك الربا .. وجد ثقة الناس به وفتح له أبواب الخيرات والبركات.

    ومن ترك النظر إلى المحرمات .. وجد نوراً وجلاء ولذة في قلبه.

    ومن ترك البخل.. وجد نفسه أحبه الناس واقترب من الله والجنة وسلم من الهم وضيق الصدر وترقى في مراتب الفضيلة.

    ومن ترك الانتقام والتشفي مع قدرته على ذلك .. وجد انشراحاً في الصدر وفرحاً في القلب.

    ومن ترك صحبة السوء التي يظن أن بها منتهى أنسه وسروره .. وجد أصحاباً أبراراً يجد عندهم المتعة والفائدة وينال معهم خيري الدنيا والآخرة.

    ومن ترك الغضب .. وجد عزة نفسه وكرامتها

    ومن ترك سوء الظن بالناس.. وجد سلماً من تشوش القلب واشتغال الفكر .

    ومن ترك حب الشهرة والظهور .. وجد رفع الله لذكره ونشر فضله وأتته الشهرة تجر أذيالها.

    أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه ولي ذلك والقادر عليه

    الخطبة الثانية
    الحمد لله رب العالمين الذي خلق فسوى، والذي قدر فهدى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الأسماء الحسنى، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله بعثه بالدين والهدى وكلمة التقوى، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليما كثيرا في الآخرة والأولى.

    أما بعد: أيها الناس، اتقوا الله تعالى، واعلموا أن الله عز وجل ما أحل إلا طيبا وما حرم إلا خبيثا.

    سئل أعرابي لماذا أسلمت؟ قال: لم أر شيئا من قول أو فعل يستحسنه العقل وتستطيبه الفطرة إلا وحث عليه الإسلام وأمر به وأحله رب العزة سبحانه، ولم أجد شيئا يستقبحه العقل وتستقذره الفطرة إلا ونهى الله عنه وحرمه على عباده.

    فما الحرام؟ وما هي آثاره؟ وما هي أنواعه؟ ولماذا الوقوع في الحرام؟ وما موقف المسلم من الحرام؟

    أما الحرام لغة: فكما عرفه الإمام الرازي في كتابه مختار الصحاح فقال: الحرام هو ضد الحلال وهو ما لا يحل انتهاكه.

    وأما اصطلاحا فكما عرّفه علماء الأصول، فقالوا: هو ما طلب الشارع تركه على سبيل الإلزام والجزم بحيث يتعرض من خالف أمر الترك إلى عقوبة أخروية أي في الآخرة، أو إلى عقوبة دنيوية إن كان شرع الله مطبقا في الأرض.

    وينبغي أن تعلم أن التحليل والتحريم من حق الله عز وجل وحده فلا يحل لأحد أبدا أن يحلل أو أن يحرم، فذلك من خصائص الربوبية لله عز وجل.
    كما إنه ينبغي أن تعلم أيضا أن ما أدى إلى الحرام فهو حرام، الزنى حرام، ورب العزة يقول: ولا تقربوا الزنى [الإسراء:32]. ولم يقل: ولا تفعلوا الزنى، أي ينبغي أن تبتعد عن السبل التي تؤدي إلى الزنى، النظرة الخائنة حرام، الخلوة الآثمة حرام، الصورة العارية حرام، اللمسة الآثمة حرام، فكل ما أدى إلى الحرام فهو حرام.
    وينبغي أن تعلم أيضا أن الحلال بيّن لا لبس فيه وأن الحرام واضح لا لبس فيه، وما اشتبه عليك أمره أهو من الحلال أم من الحرام فعليك أن تتقيه خشية الوقوع في الحرام .
    يقول النبي عليه الصلاة والسلام: ((الحلال بيّن، الحرام بيّن، وبينهما أمور مشتبهات، فمن اتقى الشبهات، فقد استبرأ لدينه وعرضه؟ ومن وقع في الشبهات فقد وقع في الحرام))
    لذا يقول أحد السلف: كنا ندع تسعة أعشار الحلال مخافة أن نقع في الحرام.
    وينبغي أن نعلم أيضا أن المحرم لا يجوز بيعه لقول النبي عليه الصلاة والسلام: ((إن الله إذا حرّم شيئا حرم ثمنه))([3]) فلا يجوز بيع الخنزير ولا بيع الخمر ولا بيع أوراق اليانصيب فكلها حرام لا يجوز للمسلم أن يبيعه ولا يجوز إهداؤه.

    جاء رجل إلى النبي وذكر للنبي عليه الصلاة والسلام أن عنده خمرا، وأنه يعلم بتحريم الله عز وجل له فقال: يا رسول الله أفلا أكارم بها اليهود (أي أهديها إلى اليهود) فاليهود يشربون الخمر، فقال عليه الصلاة السلام: ((إن الذي حرمها حرم إهداءها))

    وأما ما هي أنواع المحرمات؟
    أولا: فمن المحرمات ما يتعلق بالمطعم، قال رب العزة سبحانه: حرمت عليكم الميتة وهو: ما مات حتف أنفه، والدم وهو: الدم المسفوح ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به ما ذكر عليه اسم غير الله عز وجل ثم ذكر أنواع الميتة فقال: والمنخنفة وهي: التي تموت خنقا والموقوذة وهي: التي تموت بسبب الضرب أي تُضرب حتى تموت والمتردية وهي: التي تسقط من شاهق فتموت، والنطيحة وهي: التي تنطحها غيرها فتموت ثم استثنى فقال: إلا ما ذكيتم [المائدة: 3 ].
    يقول علي بن أبي طالب : (فما أدركته من المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وفيه حركة من رجل أو عين أو جسد، فذبحته فقد حل لك أكله. واستثنى النبي عليه الصلاة والسلام من الميتة ميتتان ومن الدم دمان، يقول النبي عليه الصلاة والسلام: ((أحلت لنا ميتتان ودمان أما الميتتان فالسمك والجراد، وأما الدمان فالكبد الطحال)).
    من حديث النبي عليه الصلاة والسلام: ((أنه نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع)) كالقطة وال###### والأسد والنمر والسبع فكلها من ذوات الأنياب فلا يجوز أكلها ((وكل ذي مخلب من الطير))([12])، كالنسر والصقر والحدأة وما إلى ذلك فكلها محرمة في إسلامنا.
    ثانيا: وأما من الأشربة فأولها الخمر وتلحق بها البيرة أيضا لقول النبي عليه الصلاة والسلام: ((ما أسكر كثيره فقليله حرام))([13])، ولعن النبي عليه الصلاة والسلام، كل من له صلة بالخمر لقول النبي عليه الصلاة والسلام: ((لعن الله الخمر وشاربها وساقيها ومبتاعها وحاملها والمحمولة إليه وآكل ثمنها))([14]). فكل من له صلة بالخمر ملعون عن لسان النبي عليه الصلاة والسلام، ومن المشروبات أيضا المخدرات كالحبوب والحشيش والأفيون والكوكايين والهيروين.
    ابن تيميه رحمه الله تعالى يقول: هذه الحشيشة يتناولها الفجار لطلب النشوة والطرب وفيها ذهول عن الواقع وخدر في الجسد وإتلاف للمال والبدن وعقوبتها عقوبة شارب الخمر (عقوبة شارب الخمر في إسلامنا أربعون جلدة).
    ثالثا: ومن المحرمات أيضا ما يتعلق بالملبس والزينة

    وأما لماذا الوقوع في الحرام؟ فإن لذلك أسباب منها:
    أولا: هو أن يفتقد العبد الحياء من الله تعالى بضعف إيمانه، وبضعف يقينه وبوجود النار يقول النبي عليه الصلاة والسلام: ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمرة حين يشربها وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن))
    ثانيا: من أسباب الوقوع في الحرام: التقليد، والتقليد داء يصيب الأفراد كما يصيب الأمم، قول النبي عليه الصلاة والسلام: ((لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو كان فيهم من أتى أمه لكان في أمتي من يفعل ذلك))

    ثالثا: من أسباب الوقوع في الحرام هو الرغبة في الربح العاجل فلقد أصبحت أعراض الأمة وأخلاقها ودينها في مهب ريح التجار، والمجال فيها فسيح من أراد أن يتاجر بالحبوب أو الخمرة أو المخدرات فليفعل، بالأسلوب المشروع أو غير المشروع رغم الأنوف تدخل، وهذا مشاهد واضح موجود.
    رابعا: من أسباب الوقوع في الحرام أيضا هو انعدام الرقابة في الأسرة.
    وأما ما هو موقف المسلم من الحرام ؟
    أولا: فعلى الأمة أن تتربى وتربي على مخافة الله عز وجل: ألم يعلم بأن الله يرى [العلق:14]. ذكر أن عمر بن الخطاب مر على غلام يرعى غنمه قال: يا غلام بعني واحدة، فقال الغلام: هي ليست ملكي إنما هي لسيدي وأنا الوكيل عنها فقال له عمر بن الخطاب مختبرا: يا غلام بعني واحدة وخذ ثمنها وقل لسيدك الذئب أكلها. (يرسم له طريق الحرام مختبرا له) فقال الغلام: فأين الله (أين أكون من الله إن قلت هذا)؟ ويهتز عمر بن الخطاب للكلمة ويشتري العبد من سيده ويعتقه ويقول له: هذه كلمة أعتقتك في الدنيا أسأل الله تعالى أن يعتق بها رقبتك يوم القيامة.
    ثانيا: ثم ينبغي أن تعلم أن الله تعالى قد جعل في الحلال ما يغني عن الحرام، النكاح بدل الزنى، التجارة بدل الربا، المشروبات اللذيذة التي لها الفائدة للبدن والروح بدل الخمرة.
    واعلموا إخوتي أن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين؛ فإن يد الله مع الجماعة، وصلوا وسلموا على أفضل نبيٍ وأعظم هادٍ ‘ستجابة لقول الله سبحانه وتعالى: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56]
    اللهم صل وسلم وبارك على إمامنا ونبينا وقدوتنا محمد بن عبد الله، وعلى آله وصحبه.
    اللهم ارض عن الخلفاء الراشدين، وعن الصحابة والتابعين، وعن أمهات المؤمنين، اللهم اغفر لمن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم ارض عنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين.
    رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ،
    اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل اللهم إمامتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.
    اللهم استعمل علينا وعلى جميع المسلمين خيارهم يا أرحم الرحمين!
    عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون
    أذكروا الله العظيم يذكركم واشكروه على جزيل نعمائه يزدكم ولذكر الله اكبر والله يعلم ما تصنعون

    *مُجَمَّعةٌ بتصرف
                  

06-17-2011, 12:45 PM

بدر الدين اسحاق احمد
<aبدر الدين اسحاق احمد
تاريخ التسجيل: 03-29-2008
مجموع المشاركات: 17127

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: كمال حسن)

    كانت جمعتنــا اليوم ما بين الكهف تلاوة وعبرة وتفسير وبين الضحــى صدقات لامة الحبيب محمد عليه السلام ...

    اقتبسنــا من الكهف حقائق :
    الكنز المخبو داخل الكهف كسياج لحماية للعقيدة
    الشكر ضمان لعدم زوال النعم .. وتمظهر الشكر فى الصدقات
    وتنزلات العلم الالهى دون قانون منتظم على عباده الاتقياء
    وتربية التععند المتصوفــة
    يا لها من جمعــة
    اللهم ببركتها اغفر لمفترع البوســت ومن شارك فيــه ومن قراءه ومن لم يقراءه
    بحولك وقدرتك يا كريــم


    من ابلغ ما قراءة جملة عادل عســزم ...
    هذه الجُمُعة المركوزة في ديننا كبئر ماء لا ينضب!
                  

06-17-2011, 03:07 PM

كمال حسن
<aكمال حسن
تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 1352

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: بدر الدين اسحاق احمد)

    Quote: هذه الجُمُعة المركوزة في ديننا كبئر ماء لا ينضب!

    صدق والله بل هي ينبوع يتدفق معرفة وذكرى، نسأل الله أن يكون كل مسلم من المداومين على حضورها، طهارةً، صلاةً، خشوعاً، آذانا مفتوحات وقلباً مقبلاً

    بارك الله فيك أخي بدر الدين وبارك الله لك في جمعتكم بما إقتبستموه من سورة الكهف ومن كنوزها المخبوءة
                  

06-24-2011, 10:43 AM

كمال حسن
<aكمال حسن
تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 1352

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: كمال حسن)

    الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا .. من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) (آل عمران) . (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) (النساء) . (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) الأحزاب.
    نتحدث في خطبتنا اليوم عن وصية عظيمة وصانا بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث المشهور والذي نكاد نحفظه جميعنا (عن أبي العباس عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: كنت خلف النبي (صلى الله عليه وسلم) يوماً، فقال لي: "يا غلام إني أعلّمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفـظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لـم ينفعـوك إلا بشيء قـد كتبـه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضرّوك بشيء لم يضرّوك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفّت الصحف".(رواه الترمذي وقال: حسن صحيح)
    في هذا الحديث العظيم وصية ستكون موضوع خطبتنا اليوم وهي (إذا سألت فاسأل الله) وهذه الوصية أمر بإفراد الله تعالى بالسؤال، ونهي عن سؤال غيره من الخلق كما قال تعالى: واسألوا الله من فضله [النساء 32]
    وفي الحديث: ((ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى يسأله شسع نعله إذا انقطع))، وقد بايع النبي جماعة من أصحابه على أن لا يسألوا الناس شيئا، منهم الصديق وأبو ذر وثوبان، وكان أحدهم يسقط سوطه فلا يسأل أحدا أن يناوله إياه رضي الله عنهم، فسؤال الله تعالى هو المتعين عقلا وشرعا لوجوه متعددة، منها:
    أن السؤال فيه بذل لماء الوجه وذلة للسائل، وذلك لا يصلح إلا لله وحده، فلا يصلح الذل إلا له بالعبادة والمسألة، وكان الإمام أحمد رحمه الله يقول في دعائه: اللهم كما صنت وجهي عن السجود لغيرك، فصنه عن المسألة لغيرك.
    أما من أكثر المسألة بغير حاجة فإنه يأتي يوم القيامة وليس على وجهه مزعة لحم، كما ثبت ذلك في الصحيحين، لأنه أذهب عز وجهه وصيانته وماءه في الدنيا، فأذهب الله من وجهه في الآخرة جماله وبهاءه الحسي، فيصير عظما بغير لحم ويذهب جماله وبهاؤه المعنوي فلا يبقى له عند الله وجاهة .
    فكما أن سؤال غير الله فيه بذل لماء الوجه وذلة للسائل، ففي سؤال الله تعالى عبودية عظيمة، لأن فيها إظهار الافتقار إليه، واعترافا بقدرته على قضاء الحوائج، وفي سؤال المخلوق ظلم، لأن المخلوق جزما عاجز عن جلب النفع لنفسه، ودفع الضر عنها فكيف يقدر على ذلك لغيره؟!
    والذي بيده خزائن السماوات والأرض، ولا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء أحق من يسأل ويطلب منه قضاء الحوائج، جاء في الحديث القدسي: ((يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني، فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا غمس في البحر))،
    )). لو قام الناس جميعاً في صعيد واحد، إنسهم وجنهم، وسأل كل واحد مسألته وأعطاهم الله جميعاً ما سألوا، ما نقص ذلك من خزائن الله الملأى إلا كما يمكن أن ينقص المخيط "الإبرة" التي تستعمل في خياطة الملابس – إذا كانت تنقص من ماء البحر شيئاً يؤثر في ماءه أو يُحس أو يُرى كذلك تنقص مسائل السائلين من خزائن الله تعالى. ما تنقص مما عند الله إلا كما ينقص المخيط من البحر. فكيف يُسأل الفقير العاجز ويترك الغني القادر إن هذا لأعجب العجب.
    قال بعض السلف: إني لأستحي من الله أن أسأله الدنيا وهو مالكها، فكيف أسأل من لا يملكها؟! وكان بعض السلف يتواصون في طلب الحوائج إلا من الله، قال طاووس لعطاء: إياك أن تطلب حوائجك إلى من أغلق دونك بابه وجعل دونك حجابه ، وعليك بمن بابه مفتوح إلى يوم القيامة، أمرك أن تسأله ووعدك أن يجيبك.
    كما أن الله تعالى يُحب أن يُسأل ويغضب على من لا يسأله كما سبقت الآية من سورة غافر: وقال ربكم ادعوني استجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين فإن الله سبحانه يريد من عباده أن يرغبوا إليه ويسألوه ويدعوه ويلحوا، ويحب سبحانه الملحين في الدعاء لأن في السؤال إظهاراً للافتقار إليه واعترافاً بقدرته سبحانه على قضاء الحوائج.
    وأما المخلوق فإنه غالباً يكره أن يُسأل لفقره وعجزه، أما الله سبحانه فيحب ذلك ويغضب على من لا يسأله، ولهذا قال ابن السمّاك: لا تسأل من يفر منك وأسأل من أمرك بسؤاله:
    وقال أبو العتاهية:
    الله يغضب إن تركت سـؤاله*** وبُني آدم حين يُسأل يغضب
    فاجعل سؤالك للإله فإنمــا *** في فضل نعمـة ربنا تتقلب
    وأنشد بعض الأعراب قال:
    أيا مالكٌ لا تسأل النـاس والتمس***يكفيك فضـل الله فالله أوسـعُ
    ولو يُسأل الناس التراب لأوشكوا*** إذا قيل هاتوا أن يملوا ويمنعوا
    : أنه سبحانه يستدعي من عباده سؤاله. كما ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة عن النبي قال: ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: هل من داع فأستجيب له. هل من سائل فأعطيه، هل من مستغفر فأغفر له.
    وكم أعرضنا والله عن انتظار هذه الساعة المباركة في ثلث الليل الآخر. كم أعرضنا عن انتظارها وترقبها وتحريها فأخذنا النوم عنها، بل ربما أخذنا من الفريضة، صلاة الفجر، ولا حول ولا قوة إلا بالله. هل من داع فأستجيب له، هل من سائل فأعطيه، هل من مستغفر فأغفر له.
    اللهم كما صنت وجوهنا عن السجود لغيرك، فصنها عن المسألة لغيرك.
    أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه ولي ذلك والقادر عليه

    الخطبة الثانية
    الحمد لله ولي الصالحين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا وحبيبنا وقدوتنا وقائد الغر الميامين محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين
    أما بعد
    ولا نزال نواصل الحديث عن وصية رسولنا الأمين (إذا سألت فاسأل الله) يقول سبحانه وتعالى في سورة البقرة: وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعِ إذا دعان فأي وقت دعا العبد فيه ربه وجده سبحانه وتعالى سميعاً قريباً مجيباً ليس بينه وبينه حجاب ولا أبواب، وأما المخلوق فإنه يمتنع بالحجاب والأبواب، ويعسر الوصول إليه في أغلب الأوقات.
    ولهذا قال طاووس لعطاء وكلاهما من التابعين الأجلاء الكرام من السلف الصالح، قال لعطاء: إياك أن تطلب حوائجك إلى من أغلق دونك بابه وجعل دونها حجابه، وعليك بمن بابه مفتوح إلى يوم القيامة، أمرك أن تسأله، ووعدك أن يجيبك.
    وذكر ابن رجب الحنبلي رحمه الله تعالى في شرح هذا الحديث في جزء خاص أفرده لشرح هذا الحديث العظيم وقع في مائة وعشرين صفحة ذكر مجموعة من القصص التي وقعت للسلف الصالح تدل على فضل سؤال الله وحده وإفراده سبحانه وتعالى بذلك اخترت منها قصتين إذ المجال لا يتسع لأكثر من ذلك.
    قال في الأولى:
    كان إسحاق بن عباد البصري نائماً فرأى في منامه من يقول له: أغِث الملهوف. فاستيقظ فسأل هل في جيرانه من هو محتاج؟ قالوا: لا ندري. فنام، فرآه ثانياً وثالثاً يقول له: أتنام ولم تُغث الملهوف؟ فقام وأخذ معه ثلاث مائة درهم وركب بغلهُ فخرج به إلى البصرة حتى وقف به على باب مسجد يصلى فيه على الجنائز فدخل المسجد فإذا رجل يصلي فلما أحس به انصرف. فدنا منه فقال له: يا عبد الله في هذا الوقت في هذا الموضع ما حاجتك؟ قال: أنا رجل كان رأس مالي مائة درهم فذهبت من يدي ولزمني دين مائتا درهم، فأخرج الدراهم وقال له: خذها. أتعرفني؟ قال: لا، قال: أنا إسحاق بن عباد، إذا نابتك نائبةٌ فأتني فإن منزلي في موضع كذا؟ قال له: رحمك الله، إن نابتنا نائبةٌ فزعنا إلى من أخرجك في هذه الساعة حتى جاء بك إلينا.
    وأما القصة الثانية فقال فيها: قال أصبغ بن زيد -وأصبغ ابن زيد توفي سنة سبع وخمسين ومائة من الهجرة وهو صدوق من رواة الترمذي والنسائي وابن ماجه - قال أصبغ: جلست ومن عندي ثلاثاً لا نطعم شيئاً فقامت إلى ابنتي الصغيرة، خرجت إلي وقالت: يا أبتِ الجوع. فخرجت فأتيت الميضأة فتوضأت وصليت ركعتين، وألهمت دعاءً دعوت به في آخرها. أي في آخر الصلاة، فقلت: اللهم افتح علي منك رزقاً لا تجعل لأحد عليّّ فيه منّة ولا لك علي في الآخرة فيه تبعة – أي لا يكون الرزق من حرام – برحمتك يا أرحم الراحمين.
    ثم انصرفت إلى البيت فقامت إلي ابنتي الكبيرة فقالت: يا أبت جاء عمي الساعة وترك هذه الصرة من الدراهم وجاء بحمّال عليه دقيق وحمّال عليه من كل شيء في السوق وقال: أقرؤوا أخي السلام وقولوا له: إذا احتجت إلى شيء فادع بهذا الدعاء تأتك حاجتك.
    قال أصبغ: فوالله ما كان لي أخٌ قط ولا أعرف من هذا القائل، ولكن الله على كل شيء قدير.
    بطبيعة الحال هذه الآثار والحكايات يتلقّاها قومٌ على نحو وقوم آخرون على نحو، فيختلفون في تلقيها، فمن متلق لها على سبيل التواكل وعدم الأخذ بالأسباب الشرعية، ومن متلق آخر لها على سبيل الثقة في فضل الله ومنّه ولطفه ورحمته، فيعمل ويأخذ بالأسباب الشرعية ومن جُملتها سؤال الله تعالى ودعاؤه، وبهذا يسلم الأمر من المآخذ كما قال أصبغ ابن زيد "ولكن الله على كل شيء قدير".
    وهذه الآثار والحكايات كثيرةٌ جداً وهي موجودة في كتب الرقاق والزهد ويطول ذكرها وينبغي أن يُحمل حال هؤلاء الصالحين المعروفين من السلف على الأخذ بالأسباب الشرعية التي من جُملتها سؤال الله عز وجل ودعاؤه فإنهم كانوا متوكلين لا متواكلين.
    وأما إن يظن البعض أن فيها شيئاً من التواكل فلا والله، فإن الإنسان قد يعمل ويسعى ويبذل ما في وسعه ثم تُلم به مُلمة أو شدة أو ضائقة فلا يقوم حاصل سعيه وبذله لوسعه وعمله بكشف هذه الغمة. فمن يسأل إذا لم يسأل خير مسؤول، الكريم الحليم الله تبارك وتعالى. الذي يعطي السائلين على كثرة حاجاتهم واختلاف أصواتهم ولهجاتهم. يعطيهم جميعاً سؤلهم، لا يسأل العبد إلا الله تبارك وتعالى، والله على كل شيء قدير، يسوق إليه من يعطف عليه وعلى حاله ويتفقده، وإن كثيراً من الناس في هذه الأيام في واقع حياتنا ليلمسون ويلاحظون ويشهدون كثيراً من هذه الأمارات التي تدل على صدق هذه القصص.
    اللهم لك الحمد والثناء والشكر اللهم صلى وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم اللهم اغفر وارحم لامة سيدنا محمد اجمعين
    اللهم من اعتز بك فلن يذل، ومن اهتدى بك فلن يضل، ومن استكثر بك فلن يقل، ومن استقوى بك فلن يضعف، ومن استغنى بك فلن يفتقر، ومن استنصر بك فلن يخذل، ومن استعان بك فلن يغلب، ومن توكل عليك فلن يخيب، ومن جعلك ملاذه فلن يضيع، ومن اعتصم بك فقد هدى إلى صراط مستقيم، اللهم فكن لنا وليا ونصيرا، وكن لنا معينا ومجيرا، إنك كنت بنا بصيرا
    اللهم اعط كل سائل سؤله ... ويسر لكل سائل مسألته اللهم آمين ... اللهم ارحم اموات المسلمين فى كل لحظة وحين اللهم اشفى منا كل مريض، واعف عنا واغفر لنا وارحمنا انت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين برحمتك يا ارحم الراحمين
    عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون، أذكروا الله يذكركم واشكروه على جزيل نعمائه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون



    * مجمعة بتصرف
                  

07-01-2011, 10:46 AM

كمال حسن
<aكمال حسن
تاريخ التسجيل: 08-22-2004
مجموع المشاركات: 1352

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: الجمـــــعـــــة (Re: كمال حسن)

    الحمدُ للهِ الْعَلِيِّ الأَعْلَى, رَفَعَ نبيَّهُ محمَّداً إلَى المقامِ الأسْمَى, وعرجَ بهِ إلَى سدرةِ المنتهَى, وأشهدُ أنْ لاَ إِلهَ إلاَّ اللهُ وحدَهُ لاَ
    شريكَ لهُ، لهُ الأسماءُ الحسنَى والصَّفاتُ العُلَى،وأشهدُ أنَّ سيِّدَنَا محمَّداً عبدُ اللهِ ورسولُهُ النَّبِيُّ المجتبَى والحبيبُ المصطفَى, اللهمَّ صَلِّ وسَلِّمْ وبَارِكْ علَى سيِّدِنَا محمَّدٍ وعلَى آلِهِ وأصحابِهِ الأزْكَى مِنَ الخلْقِ والأتْقَى، ومَنْ تبعَهُمْ بِإحسانٍ منْ أهلِ الإيمانِ والتَّقْوَى.
    أمَّا بعدُ: فأُوصيكُمْ عبادَ اللهِ ونفسِي بتقوَى اللهِ وطاعتِهِ، يقولُ عزَّ وجلَّ :( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يحْتَسِب.)
    أيُّها المسلمونَ : قالَ اللهُ تعالَى : ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ
    آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) الآيةِ الكريمةِ يُذَكِّرُنَا اللهُ سبحانَهُ بمعجزةِ الإسراءِ والمعراجِ, وهِيَ معجزةٌ عظيمةٌ حَرِيٌّ بنَا أَنْ نقِفَ عندَهَا بتأَمُّلٍ وتدبُّرٍ وفَهْمٍ صحيحٍ لِكُلِّ دروسِهَا وعِبَرِهَا وعِظَاتِهَا, ونستخلِصَ الْحِكَمَ النَّافعةَ, ونتعلَمَ منْهَا الدُّروسَ الجامعةَ لِكُلِّ فضيلةٍ، إنَّ مُجْمَلَ مَا جاءَ فِي هذهِ المعجزةِ العظيمةِ أنَّ جبريلَ عليهِ السَّلامُ أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بالْبُراقِ,وانطلقَا إلَى بيتِ المقدسِ, حيثُ صلَّى النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بالأنبياءِ إماماً, ثمَّ عُرِجَ بهِ إلَى السَّمواتِ الْعُلَى, ورَأَى صلى الله عليه وسلم مِنْ آياتِ ربِّهِ الكُبْرَى, وفُرِضَتْ عليهِ الصَّلواتُ الخمسُ. وفِي الصباحِ أَخْبَرَ قومَهُ بِمَا حدَثَ فصدَّقَهُ البعضُ وكذَّبَهُ آخرونَ، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضيَ اللهُ عنهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :« لَمَّا كَانَ لَيْلَةُ أُسْرِيَ بِي وَأَصْبَحْتُ بِمَكَّةَ فَظعْتُ بِأَمْرِي) وَعَرَفْتُ أَنَّ النَّاسَ مُكَذِّبِيَّ ». فَقَعَدَ مُعْتَزِلاً حَزِيناً فَمَرَّ أَبُو جَهْلٍ فَجَاءَ حَتَّى جَلَسَ إِلَيْهِ فَقَالَ لَهُ كَالْمُسْتَهْزِئِ: هَلْ كَانَ مِنْ شَىْءٍ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ « نَعَمْ ». قَالَ: مَا هُوَ؟ قَالَ :« إِنَّهُ أُسْرِيَ بِي اللَّيْلَةَ ». قَالَ: إِلَى أَيْنَ؟ قَالَ « إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ ». قَالَ: ثُمَّ أَصْبَحْتَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْنَا. قَالَ :« نَعَمْ
    ». قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ دَعَوْتُ قَوْمَكَ تُحَدِّثُهُمْ مَا حَدَّثْتَنِي؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ :« نَعَمْ ». فَقَالَ: هَيَا يَا مَعْشَرَ بَنِي كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ حَتَّى انْتَفَضَتْ إِلَيْهِ الْمَجَالِسُ وَجَاءُوا حَتَّى جَلَسُوا إِلَيْهِمَا ... فَحَدَّثَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ r صلى الله عليه وسلم فَمِنْ بَيْنِ مُصَفِّقٍ وَمِنْ بَيْنِ وَاضِعٍ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ مُتَعَجِّباً، قَالُوا: وَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَنْعَتَ لَنَا الْمَسْجِدَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :« فَذَهَبْتُ أَنْعَتُ فَمَا زِلْتُ أَنْعَتُ حَتَّى الْتَبَسَ عَلَىَّ بَعْضُ النَّعْتِ فَجِيءَ بِالْمَسْجِدِ وَأَنَا أَنْظُرُ حَتَّى وُضِعَ دُونَ دَارِ عِقَالٍ أَوْ عَقِيلٍ فَنَعَتُّهُ وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهِ ». فَقَالَ الْقَوْمُ: أَمَّا النَّعْتُ
    فَوَاللَّهِ لَقَدْ أَصَابَ وكانَ ذلكَ تأييدًا مِنَ اللهِ تعالَى لرسولِهِ حينَمَا كذَّبَهُ المشركونَ.
    عبادَ اللهِ: فِي ليلةِ الإسراءِ والمعراجِ عدَّةُ وقفاتٍ نقِفُ عندَهَا لنستنبِطَ منْهَا أعظمَ العِبَرِ والدَّلالاتِ, فقَدْ فرضَ اللهُ سبحانَهُ وتعالَى عَلَى
    النَّبِىِّ الصلاةَ, لتكُونَ مِعْراجاً دائماً إلَى اللهِ جلَّ فِي علاهُ، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضيَ اللهُ عنْهُ قَالَ: فُرِضَتْ عَلَى النَّبِىِّ لَيْلَةَ أُسْرِىَ بِهِ الصَّلَوَاتُ خَمْسِينَ ثُمَّ نُقِصَتْ حَتَّى جُعِلَتْ خَمْساً، ثُمَّ نُودِيَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّهُ لاَ يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَإِنَّ لَكَ بِهَذِهِ الْخَمْسِ خَمْسِينَ
    وقد أعطَى اللهُ تعالَى لنبيِّهِ فِي هذهِ الرِّحلةِ المباركةِ المغفرةَ وخَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ, قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بنُ مسعودٍ رضيَ اللهُ عنهُ: لَمَّا أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ انْتُهِىَ بِهِ إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى ... فَأُعْطِيَ رَسُولُ اللَّهِ ثَلاَثاً:
    أُعْطِيَ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسَ، وَأُعْطِيَ خَوَاتِيمَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، وَغُفِرَ لِمَنْ لَمْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ مِنْ أُمَّتِهِ شَيْئاً الْمُقْحِمَاتُ
    وفِي فَضْلِ خَوَاتِيمِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ يقولُ النَّبِيُّ الآيَتَانِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ مَنْ قَرَأَهُمَا فِي لَيْلَةٍ كَفَتَاهُ »
    عبادَ اللهِ: وفِي ليلةِ الإسراءِ والمعراجِ الْتَقَى النَّبيُّ بإبراهيمَ الخليلِ عليهِ السلامُ وبشَّرَهُ ببشارةٍ عظيمةٍ، قالَ رسولُ اللهِ:« لَقِيتُ
    إِبْرَاهِيمَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي فَقَالَ : يَا مُحَمَّدُ أَقْرِئْ أُمَّتَكَ مِنِّي السَّلامَ وَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ الْجَنَّةَ طَيِّبَةُ التُّرْبَةِ عَذْبَةُ الْمَاءِ، وَأَنَّهَا قِيعَانٌ، وَأَنَّ
    غِرَاسَهَا : سُبْحَانَ اللَّهِ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ، وَلاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ»
    فعلينَا أَنْ نُكْثِرَ مِنْ ذِكْرِ اللهِ تعالَى وتَسبِيحِهِ وحمْدِهِ علَى نعمةِ بعثةِ نبيِّهِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم وعلَى مَا أكرَمَهُ بهِ ربُّهُ عزَّ وجلَّ مِنْ معجزاتٍ جليلةٍ، كانَ مِنْ أبرزِهَا معجزةُ الإسراءِ والمعراجِ.
    نسألُ اللهَ تبارَكَ وتعالَى أَنْ يرزُقَنَا حُسْنَ الاتباعِ لنبيِّهِ وأَنْ يوفِّقَنَا لطاعتِهِ وطاعةِ مَنْ أمرَنَا بطاعتِهِ امتثالاً لقولِه ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
    أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ)
    نَفَعَنَا اللهُ وإيَّاكُمْ بالقرآنِ الكريمِ ، وبِمَا فيهِ مِنَ الآيِ والذِّكْرِ الحكيمِ،
    أقولُ قولِي هذَا وأَستغفرُ اللهَ لِي ولكُمْ فاستغفرُوهُ.
    الْخُطْبَةُ الثَّانِيةُ
    الحَمْدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَه، وأَشْهَدُ أنَّ سيِّدَنا محمَّداً عبدُهُ ورسولُهُ، اللهمَّ صلِّ وسلِّمْ
    وبارِكْ علَى سيدِنَا محمدٍ وعلَى آلِهِ الطيبينَ الطاهرينَ وعلَى أصحابِهِ أجمعينَ، والتَّابعينَ لَهُمْ بإحسانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
    أمَّا بعدُ : فاتَّقوا اللهَ عبادَ اللهِ، واعلمُوا أنَّ معجزةَ الإسراءِ والمعراجِ جاءَتْ تكريماً مِنَ اللهِ سبحانَهُ وتعالَى لنبيِّهِ وتثبيتاً لهُ علَى مَا يحملُهُ مِنْ أمانةِ الرِّسالةِ, وتطميناً لهُ علَى أنَّ اللهَ معَهُ بنصرِهِ وتأييدِهِ, وتقويةً لعزيمتِهِ, ونالَ أعْلَى درجاتِ القُرْبِ, وصدَقَ اللهُ حيثُ قالَ (فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى* فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى * مَا كَذَبَ الفُؤَادُ مَا رَأَى)
    عبادَ اللهِ: إنَّ اللهَ أمرَكُمْ بِأَمْرٍ بَدَأَ فيهِ بنفْسِهِ وَثَنَّى بملائكَتِهِ فقَالَ تَعَالَى:]إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا وقالَ رسولُ اللهِ« مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْراً»اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى
    آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، اللهُمَّ إنَّا نسألُكَ مِنَ الخَيرِ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وآجِلِهِ مَا عَلِمْنَا مِنهُ ومَا لَمْ نعلمْ، ونعوذُ بِكَ مِن الشَّرِّ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وآجِلِهِ مَا عَلِمْنَا مِنهُ ومَا لَمْ نَعلمْ، اللهمَّ إنَّا نَسألُكَ مِمَّا سَألَكَ منهُ سيدُنَا مُحمدٌ صلى الله عليه وسلم ونَعُوذُ بِكَ مِمَّا تَعوَّذَ مِنْهُ سيدُنَا مُحمدٌ صلى الله عليه وسلم وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ وسائرِ أصحابِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم اللَّهُمَّ
    اشفِ مَرْضَانَا وارْحَمْ مَوْتَانَا،اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِكُلِّ مَنْ وَقَفَ لَكَ وَقْفًا يَعُودُ نَفْعُهُ عَلَى عِبَادِكَ، اللَّهُمَّ بارِكْ فِي مَالِ كُلِّ مَنْ زَكَّى وزِدْهُ مِنْ فضلِكَ العظيمِ، اللَّهُمَّ إنَّا نَسْأَلُكَ الْمَغْفِرَةَ والثَّوَابَ
    عبادَ اللهِ : ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي القُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ اذْكُرُوا
    اللَّهَ الْعَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ ، وَاشكرُوهُ علَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ



    * منقولة

    (عدل بواسطة كمال حسن on 09-19-2011, 09:31 AM)

                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 2:   <<  1 2  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de