السطحية و الانفعال في تناول توطين 5 مليون مصري

Quote: عثمان ميرغني كُتب في: 2008-05-30 [email protected] أرسل لي أحد القراء يسألني بكل قلق.. هل صحيح أن الحكومة تفكر في توطين (5) ملايين مصري في مشروع الجزيرة... وتمنحهم (5) ملايين فدان.. بواقع فدان لكل فلاح مصري.. لم يكن الأمر ليحتاج مني لحظة لمراجعة مصادر الأخبار أو البحث عن (معلومات).. لسبب بسيط للغاية.. هو السر في حكاية العدد (5) ملايين بالتحديد.. فمنذ أكثر من عشر سنوات حوالى نهاية التسعينيات سمعتها في تصريح للدكتور حسن الترابي.. وكان وقتها الأمين العام لتنظيم المؤتمر الوطني (حينما كان تنظيماً جامعاً مع حظر بقية الأحزاب).. قدَّم الترابي اقتراحاً باستقدام (5) ملايين فلاح مصري للإقامة في السودان.. فكتبت في عمودي (حديث المدينة) وكان وقتها في صحيفة (الرأي العام).. وقلت رداً على الترابي (ومن أين ستجدون قطارات وطائرات كافية لنقلهم إلى مصر.. عندما تغيروا رأيكم وتقرروا طردهم من البلاد؟؟).. وذكَّرته بطرد أساتذة جامعة القاهرة فرع الخرطوم.. وتساءلت في العمود.. إذا لم تحتملوا حفنة أساتذة جامعيين مصريين.. فكيف تحتملون (5) ملايين فلاح مصري؟؟ قلت للقارئ رداً على سؤاله.. ألم تلاحظ أن هذا الخبر يتردد كل بضع سنوات.. وبذات الرقم (5) ملايين فلاح مصري.. لماذا ليس (3) ملايين فلاح .. أو (4).. أو (6).. لماذا دائماً مطلوب (5) ملايين فلاح مصري.. وعلى رأي كمساري البص (يعني مافيش فكة!!).. لماذا بالتحديد العدد خمسة.؟؟ ثم.. وهو الأهم.. هل يتصوَّر أحد أن الفلاحين المصريين مثلهم والأسمنت المصري.. يمكن استصدار رخصة استيراد (5) ملايين فلاح.. وفي الحال تبدأ الحكومة المصرية في (تعبئة وشحن) الكمية المطلوبة وارسالها إلى السودان.. مثل هذه الأخبار (لا تحتاج إلى بطل) لإدراك سطحيتها.. وسذاجة مصدرها والعقل الذي يصدقها.. لنفترض أن فلاحاً مصرياً توكل على الله ونوى السفر إلى السودان بصدد العمل فيه.. والإقامة الدائمة.. هل يحتاج إلى (رخصة صادر) من الحكومة المصرية.. فهناك أصلاً اتفاق الحريات الأربع بين السودان ومصر التي تمنح مواطني البلدين حق الدخول بلا تأشيرة والإقامة والعمل والتملك.. وحالياً في السنوات الأخيرة وصل عدد العاملين المصريين في السودان إلى تخوم الـ(100) ألف ويتزايد عددهم بصورة مضطردة.. وعندما زرت القاهرة قبل حوالى شهر لفت اتباهي أنني كلما ركبت تاكسيا.. كان محور الحديث عن رغبة سائقه في السفر للعمل في السودان.. وإذا كان عدد المغتربين المصريين في الخليج عدة ملايين.. فمن اليقين أنهم لم يسافروا لا بأمر الحكومة المصرية ولا بطلب من حكومات الخليج.. هي حركة عادية تفرضها اتجاهات الريح الاقتصادية.. فحيثما وجد الإنسان فرصة كسب أوفر للرزق اتجه لها.. ويذكر السودانيون جيداً الأغاريق والشوام (سوريا ولبنان) الذين استقروا في السودان في منتصف القرن الماضي وأقاموا أكبر المشروعات الاقتصادية مثل كافوري ومعلوف وكونتو مخلص وغيرهم.. إذا كانت مصادر الأخبار (مجنونة).. فالأوجب أن يكون السامعون عقلاء..