كفى تزييفا لحقوق الموتى يا حسين خوجلي

Quote: حسين عثمان منصور.. صورة من قريب الخلفية السياسية لحسين عثمان منصور تقول إنه ولد في منزل يقع في وسط الخرطوم وكانت الأسر السودانية في هذه المنطقة تمثل قلة قليلة من الناس، فقد كان معظم السكان من الإنجليز وبالتالي فإن رواد المقاهي والأندية وأماكن اللهو كانوا من الإنجليز، وفي المساء كانت الخرطوم تتحول إلى مدينة إنجليزية وثكنة لجنود الاحتلال بينما ينسحب أولاد البلد إلى ديوم الخرطوم وأحيائها الجنوبية أو يعودون إلى أم درمان وبحري. وتظل أسرة حسين عثمان منصور كالأغراب في ديارهم لذلك كان إحساسه بالغربة في وطنه إحساساً عميقاً وإحساسه بوطأة الاستعمار أشد وأعمق، ولعل هذا الإحساس هو ما قاد حسين لدنيا الصحافة وأول ما بدأ كان في صحيفة (المؤتمر) الناطقة باسم مؤتمر الخريجين، وهو التجمع السوداني الذي كان يضم جميع التيارات قبل قيام الأحزاب. وبعد قيام الأحزاب اتجه لصحيفة (الأشقاء) وكتب فيها مقالاته الأولى قبل سفره للأسكندرية عام 1948م. ظل حسين يواصل نشاطه السياسي من هناك حتى كاد يفصل بسببه. ثم شارك بعد عودته إلى السودان في صحيفة (الاتحاد) التي كانت لسان حال الحزب الوطني الاتحادي. ومن ثم أصدر مجلته الشهيرة (الصباح الجديد) التي نقلت الصحافة السودانية نقلة كبيرة في شكلها ومضمونها وطريقة إخراجها، إلا أنها أوقفت بوصول مايو للحكم في 1969م. عندها هاجر حسين إلى لندن وواصل إصدارها من هناك وكانت عودتها للصدور في 1975م. وقد أصدر حسين عثمان منصور بجانب (الصباح الجديد) دوريات أخرى مثل ملحق أخبار السودان الأسبوعي، ومجلة (النور) التي كانت تعنى بالشؤون الدينية. ومهما اختلف الناس مع حسين منصور إلا أنهم كانوا يتفقون على شجاعته في الدفاع عن المبادئ التي كان يؤمن بها. ///////////// حسين عثمان الشاعر.. بين سقاة الكأس وأجراس المعبد ربما كانت جرأة حسين عثمان منصور السياسية وشجاعته كصحفي قد طغت في فترة ما على شهرته كشاعر.. ولعل (أجراس المعبد) أشهر الأغنيات السودانية الخالدة التي تغنى بها الراحل عبد العزيز داوود هي من عيون الشعر السوداني. وطبع له ديوان شعري بعنوان (أجراس المعبد) قتطف منه: دقت الأجراس في معبد الحب ونادت وإذا أردنا أن نتحدث عن حسين عثمان منصور الشاعر فإن المجال قد يطول وربما لن نحيط بكل جوانب هذا الشاعر الفذ، ولكنا سنكتفي ببعض الإضاءات عن حياته الشعرية التي تدور في ثلاثة محاور. جانب الشعر الوطني والشعر العاطفي والشعر الصوفي. وبحكم صفته كصحفي غيور على وطنه نجد أن القصائد الوطنية قد احتلت مساحة كبيرة من حياته. وقبل ذلك يجب أن نلقي الضوء على مدى حب حسين للشعر والشعراء. (الصباح الجديد) هو الاسم المأخوذ من قصيدة الشاعر المعروف أبوالقاسم الشابي، وكان حسين يحب هذا الشاعر حباً كبيراً حتى أنه سمى أحد أبنائه بأبي القاسم الشابي، وسمى ابنته عذبة وهي مطلع قصيدة الشابي التي تقول: عذبة أنت كالطفولة كالأحلام كاللحن كالصباح الجديد وهكذا نرى أن البيت بدأ بـ(عذبة) وانتهى بـ(الصباح الجديد) وسمى أحد أبنائه (كثير) على أبن كثير العالم المعروف، والآخر (سموأل) ولعله مسمى على السموأل بن عاديا الذي يضرب به المثل في الوفاء فيقال أوفى من السموأل، وللتاريخ لابد أن نذكر أن حسين عثمان منصور كان أول رئيس لاتحاد شعراء السودان. من كل ما تقدم يتضح لنا مدى حبه للشعر والشعراء. من بواكير إنتاجه قصيدة تغنى بها الفنان الراحل حسن عطية وكانت لوناً جديداً مزجت بين العاطفة والحماسة وهي أغنية (فتاتي وبلادي): بلادي أنت فانتشي سلاماً سلاماً متيم بك مستهاما سلام فيه تباريخ وشوق وشوق الحر تعشقه المداما وبينما كان أبناء جيله من الشعراء ينصرفون إلى القصائد العاطفية تجده قد انصرف إلى القصائد الوطنية، وكان ذلك في مطلع الأربعينيات عندما غنى له حسن عطية أمير العود: هيا يا ثريا نحن للجهاد وأنشدي الحرية كان منزله الواقع شمال مستشفى الخرطوم الملكي، وخلف سينما كلوزيوم يعج بأصدقائه من الوزاراء والشعراء والفنانين فنجد من بينهم الفنان الخالد إبراهيم الكاشف الذي تغنى لحسين عثمان: توبة يا أنّة.. أنّة في هواك جنيت أنا جنوا ما نالوا غير صد وأنة والدموع سالوا وعمره ما حنا وفي الغرام قالوا الجحيم جنة وغنى له سيد خليفة (ليل وكأس وشفاه)، وهي من ألحان برعي محمد دفع الله، كما غنى له أحمد المصطفى (أيام زمان كانت أيام)، وغنى له عثمان حسين وإبراهيم عوض وتبقى بالطبع أغنية (أجراس المعبد) التي تغنى بها عبد العزيز محمد داوود من أجمل قصائده. (غربة الروح) ديوان آخر للراحل حسين عثمان منصور وهو في مجمله نجوى وحب ومدح للمصطفى، وعشق للوطن وذوبان في مجال الروح: رأيت رسولك في خاطري رقيق الحواشي مهاب الجناح يطوي العباب ويطوي السهول وكل الفلاة وكل البطاح فليس بعيد عليه البعيد فكل الدنا مثل كفة راح فأمرك كن فوق كل الحدود فلا يحتويه الدجى والصباح سأدعو وأسجد حتى أراك ويسبح وجهي بسحر ضياك عشقت القيام بوق النشور ويوم الحساب ويوم رضاك فيا ويح قلبي ويا ضيعتي إذا لم تهبني الهبى رؤاك \\\\\\\\\\\\\\\ إبراهيم الرشيد: حسين عثمان كان أول سكرتير لأول اتحاد للشعراء قال الشاعر إبراهيم الرشيد إن بداية علاقته بالراحل حسين عثمان منصور كانت منذ العام 1964 وهي الفترة التي كان فيها حسين السكرتير العام لأول اتحاد للشعراء برئاسة فخرية لإبراهيم العبادي، وكان مبارك المغربي رئيساً له، ونائبه إسماعيل حسن، وعلي محمود التنقاري أميناً للمال، وخالد أبو الروس سكرتيراً ثقافياً، وعضوية سيد عبد العزيز، وعبيد عبد الرحمن، وود الرضي ومحمد علي الأمي. وفي 1976 فترة النكسة عاد حسين لأرض الوطن وتصادف أن جاءت أم كلثوم لإقامة حفلات يعود ريعها لمصلحة المجهود الحربي- واقترح حسين أن تقام حفلات وندوات ومعارض لذات الغرض لدعم المجهود الحربي للجيش العربي. ويشير الرشيد إلى أن حسين عثمان منصور تشبع بالحس الوطني إبان دراسته في مصر وباحتكاكه مع الشعب المصري، حيث كانت الثقافة متاحة والوعي متفتحاً. يحكي إبراهيم الرشيد عن واحدة من الحكايات التي كان يحكيها حسين منصور له خاصة وأنه كان يخصه بأسراره وهمومه فقد ذكر له بالقول: كنت مستغلاً الترماج وجاءت سيدة في غاية الجمال وجلست بجانبي فأخذت أسترق النظر لها، وأثناء تأملي واندهاشي نسيت محطتي وتابعت حتى تحركت السيدة وهمت بالنزول فنزلت خلفها وأخذت أتابعها، وعندئذ التفتت السيدة وحيت مبتسمة وأصرت أن تصطحبه لمنزلها وهناك عرفته على زوجها وأكرمه غاية الإكرام، عندما رجع حسين لمنزله كتب قصيدة (لو قلت ليك) التي تغنى بها إبراهيم عوض. ويبين إبراهيم الرشيد أن حسين كان يطرب جداً لسماع الشعراء، وأذكر أن هناك محلاً أشبه بالمقهى يسمى (سويت روزانا) مطل على منزل حسين كنا نجلس في هذا المحل الساعات الطوال ودائماً ما يطلب مني أن أقرأ له بعض أشعاري، وأثناء قراءتي للقصيدة كان يطرق بأصبعه على المنضدة ليتابع الجرس الموسيقي للقصيدة وسرعان ما يكتشف مكان الخلل فيها ثم يطلب مني أن أعيد وزن هذا البيت أو ذاك. كان حسين كريماً جداً مع أبنائه في حالة غناه، ورغم ذلك كان يتعفف في معيشته لأبعد حد إن ساءت حالته وتعثرت أموره المالية، ولا يطلب مساعدة من أحد أبداً مهما كانت صلته به ويطلب من أولاده أن يعتادوا على هذا. وكانت له علاقة قوية جداً بإسماعيل الأزهري، رغم أنه كان حاداً في نقده إلا أنه كثيراً ما دعى أزهري للغداء بمنزله ليكون الجو أكثر حميمية. ومن آرائه أن الشعب السوداني لم يصل بعد لمرحلة النضج والحكم الذاتي. قال مرة لأزهري: أخشى على الحكم الوطني من الضياع وأتمنى أن ندفع الناس لمستوى الحدث.. كان أزهري يحترمه لمثل هذه الآراء، وهو أول من أبدى تخوفه من اتساع حدود السودان وتخوف أن يدخل الاستعمار مرة أخرى من إحدى دول الجوار الكثيرة. كتب حسين عثمان منصور كتاباً حول الأزهري أسماه (الطريق إلى البرلمان). ويضيف الرشيد: كان حسين عثمان منصور لا يكتب إلاّ عن الرؤساء والملوك وكثيراً ما انتقد الأنظمة العربية في مسألة توريث الحكم، وحذر جمال عبد الناصر من بطانته السيئة أمثال عبد الحكيم عامر. رحلة التغريب من قلب الخرطوم إلى و