في شأن قتل الرعايا واجتياح السفارات والاعتداء على ممتلكات دول الغرب

Quote: معاملة الرسل والسفراء في الإسلام كان الرسول عليه الصلاة والسلام يحترم السفراء وكان يساويهم بنفسه ويبسط عليهم حمايته، ويمنع أن تصل إليهم يد بسوء. وهذه المعاملة التي اتسم بها الإسلام، وانعكست من بعد الرسول في تصرف المسلمين في معاملتهم للرسل الأجانب في مختلف العهود للتاريخ الإسلامي. ولقد سار المسلمون على خطى الرسول الكريم في سياسته واقتفوا نهجه في حسن معاملة السفير وإكرامه واحترامه حتى أنهم قد أعفوه من دفع الضرائب والمكوس عما يحمله من الأمتعة على نحو ما يجري تقريبا في العصر الحاضر، وكانوا يعرفون ما يسمى اليوم " بالحقيبة الديبلوماسية " فما كانوا يمسون أشياء السفير ولا وثائقه، وعرفوا أيضا " الحصانة الديبلوماسية " للسفراء التي تجعلهم يؤدون مهمتهم في أمن وحرية ويعيشون في ديار الإسلام وكأنهم في بلادهم، ويبدو ذلك واضحا في أن قوانين الإسلام لا تطبق عليهم إلا في حدود ضيقة، فإذا أكل السفير حراما أو شرب خمرا فسكر أو ارتكب فاحشة فلا يقام عليه الحد، وقد كان الخلفاء المسلمون يستقبلون السفراء ويجعلونهم موضع احترام المسلمين منذ أن تطأ أقدامهم أرض الديار الإسلامية حتى يغادروها. وقد وصف المستشرق الفرنسي الكبير غوستاف لوبون في كتابه حضارة العرب استقبال العباسيين للسفراء فقال : أن بغداد عندما بلغت ذروة الرخاء في عصر هارون الرشيد وابنه المأمون وصارت أهم مدن الشرق داع صيت الرشيد فطبق الأفاق فأرسلت بلاد التتر والهند والصين رسلا إلى قصره وأرسل الإمبراطور شارلمان وفدا ليبلغ الرشيد أطيب تحياته ويلتمس منه الحماية لحجيج القدس وقد أجابه الرشيد إلى سؤله ورد إليه وفده مع ثمين الهدايا.ووصف المؤرخ العربي أبو الفداء استقبال أحد العباسيين لسفير قيصر الروم عام 305 ه فقال : قدم رسل ملك الروم إلى بغداد، فلما استحضروا عبئت لهم العساكر المصفوفون حينئذ مائة وستين ألف ما بين راكب وواقف، ووقف الغلمان ذووا الزينة الحجرية والمناطق المحلاة، ووقف الخدام الخصيان كذلك وهم حينئذ سبعمائة حاجب وألقيت المراكب والزوارق في دجلة بأعظم زينة، وزينت دار الخلافة، فكانت الستور المعلقة عليها ثمانية وثلاثين ألف ستر، منها عشر ألف وخمسمائة ستر من أعظم الديباج المذهب، وكانت البسط اثنين وعشرين ألفا، وكان في جملة الزينة، شجرة من ذهب وفضة تشتمل على ثمانية عشر غصنا، وعلى الأغصان والقضبان، والطيور والعصافير من الذهب والفضة، وكذلك أوراق الأشجار من الذهب والفضة، والأغصان تتمايل بحركات موضوعة، والطيور تصفر بحركات مرتبة، وشاهد الرسل من العظمة ما يطول شرحه، وأحضروا بين يدي المقتدر، وصار الوزير يبلغ كلامهم إلى الخليفة، ويرد الجواب عن الخليفة... وكان خلفاء الأندلس لا يقلون عن العباسيين روعة في استقبال السفراء واحترامهم، فكانت قصورهم العظيمة مقصد الرسل من سائر بلاد العالم، وخاصة من بلاد الفرنجة، فلما تأزمت العلاقات الدولية بين عبد الرحمن الناصر خليفة قرطبة وبين ملوك أوربا على أثر احتلال المسلمين لمقاطعات " البروفانس " و " الدوفينية " وجزء كبير من جبال الألب وقيام المسلمين في هذه الربوع بالدعوة إلى دينهم، خشي إمبراطور جرمانيا أوتون الأول الكبير على ملكه وأخذ يتقرب من عبد الرحمان الناصر ويسعى لتوطيد علاقاته معه ثم أخذ يدعي الدفاع عن حقوق المسيحيين ويعمل على أن يصبح حامي المسيحيين في البلاد الواقعة تحت النفوذ الإسلامي، وكان قد تلقى من عبد الرحمان الناصر رسالة بين له فضل الإسلام على سائر الأديان ويدعوه فيها لتسهيل انتشار الإسلام في الربوع المسيحية، فاختار أوتون عام 956 م سفيرا يدعى " جان " وكان راهبا وبعث به إليه فسافر إلى ديار الإسلام وبصحبته راهب آخر وأخذ معه الهدايا وبعض النفائس فلما وصل طرطوشة وكانت أول ثغر للمسلمين أذن له عاملها بالمسير إلى قرطبة، فكان كلما حل وصحبه في مدينة أو قرية استقبلهم العرب وأنزلوهم في ضيافتهم واسبغوا عليهم من كرمهم المعهود حتى وصلوا قرطبة دون أن ينفقوا شيئا في الطريق، فاستقبلوا فيها بالحفاوة والترحيب وانزلوا على مسافة ميلين من قصر الخليفة، وفي اليوم المحدد لاستقبال السفير، اصطفت العساكر على الجانبين ووقف العبيد الصقالبة قابضين على الحراب، وآخرون على القسي وكانت الفرسان تلعب في الميدان، وعلى الحال دخل السفير قصر الخليفة وفرشت أمام مدخل القصر البسيط والديباج فما زال يتقدم حتى وصل إلى البهو الذي فيه الخليفة فوجده على سرير الخلافة متربعا على عادة الشرقيين وعند وصوله أعطاه باطن يده " تمييزا له عن غيره من السفراء، وتقديرا واحتراما لقدر موفده " فقبلها الراهب ثم أمر له بالجلوس وبعد القيام بالمراسم المعتادة في المجاملة أخد الخليفة الناصر يطري بالثناء على أوتون ويبين للسفير ما بلغه من المقام السامي بين الملوك ويثني عليه مزيد الثناء ثم دار الكلام على موضوع الرسالة التي جاء بها الراهب والتي كان منها طلب الحد من غارات العرب على فرنسا وايطاليا وبلاد الجرمان فأجابه الخليفة بالنظر في هذا الأمر، ثم ودع السفير بمثل ما استقبل في حفاوة وتكريم. وقد وصف ابن خلدون استقبال عبد الرحمن الناصر لرسول إمبراطور القسطنطينية فقال " ركبت في ذلك اليوم العساكر في أكمل شكة، وزين القصر بأنواع الزينة، وأصناف الستور، وحمل سرير الخلافة بين مقاعد الأبناء والإخوة والأعمام والقرابة، ورتب الوزارة والخدم في مواقفهم، ودخل الرسل فهالهم ما رأوه، وقربوا حتى أدوا رسالتهم، وأمر يومئذ الإعلام أن يخطبوا في ذلك الحفل، ويعظموا من أمر الخلافة والإسلام، ويشكروا نعمة الله على ظهور دينه وإعزازه وذل عدوه فاستعدوا لذلك، ثم بهرهم هول المجلس فوجموا وشرعوا في القول فارتج عليهم، وكان فيهم أبو علي القالي وافد العراق وكان في جملة الحكم ولي العهد، وندبه لذلك استئثارا فعجز فلما وجموا كلهم، قام المنذر بن سعيد الب########، من غير استعداد ولا روية، ولا تقدم له أحد بشيء من ذلك، فخطب واستحضر، وجلى في ذلك القصد وانشد شعرا طويلا ارتجله في الغرض، ففاز بفخر ذلك المجلس وعجب الناس من شأنه أكثير من كل ما وقع وأعجب به الناصر وولاه القضاء بعدها وأصبح من رجالات المعالم وأخباره مشهورة، وخطبته في ذلك اليوم منقولة في كتب ابن حيان وغيرهم، ثم انصرف هؤلاء الرسل وبعث الناصر معهم هشام بن هذيل بهدية حافلة ليؤكد المودة ويحسن الإجابة، ورجع بعد سنتين وقد أحكم من ذلك ما شاء وجاءت معه رسل قسطنطين ثم جاء رسول من ملك الصقالبة ورسول آخر من ملك الألمان ورسول آخر من ملك الفرنجة من قاصية الشرق واحتفل الناصر بقدومهم وبعث مع الرسول الصقالبة " ربيعا الأسقف " إلى ملكهم ورجع بعد سنتين.