كتاب الرؤية: من انتاج الفشل الى رؤية المستقبل (5)

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-04-2024, 04:26 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثالث للعام 2012م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
07-31-2012, 03:52 PM

د. عمرو محمد عباس


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
كتاب الرؤية: من انتاج الفشل الى رؤية المستقبل (5)

    كتاب الرؤية: من انتاج الفشل الى رؤية المستقبل على الرابط (1)
    كتاب الرؤية : من انتاج الفشل الى رؤية المستقبل (1)
    ‎كتاب الرؤية: من انتاج الفشل الى رؤية المستقبل (2) على الرابط
    كتاب الرؤية: من انتاج الفشل الى رؤية المستقبل (2)
    كتاب الرؤية: من انتاج الفشل الى رؤية المستقبل (3) على الرابط
    كتاب الرؤية: من انتاج الفشل الى رؤية المستقبل (3)
    كتاب الرؤية: من انتاج الفشل الى رؤية المستقبل (4) على الرابط
    كتاب الرؤية: من انتاج الفشل الى رؤية المستقبل (4)

    الفصل السابع: الرؤية الرابعة: رؤية القومية العربية (5)

    اصبح الصبح في اليوم الخامس والعشرين من شهر مايو عام 1969م والعالم كله يستمع الى موسيقى القوات المسلحة من اذاعة جمهورية السودان بام درمان، وتكرر تنبيه توقع البيان الهام الرسمي من القيادة العامة للقوات المسلحة. اذاع البيان العقيد انذاك جعفر محمد نميري مُعلنا استلام السلطة بواسطة القوات المسلحة، انتهت مرحلة الديمقراطية الثانية في السودان لتبدا مرحلة الحكم الدكتاتوري الثاني باسم القوات المسلحة. كان ذلك تتويجا لسنوات من البناء الطويل لتنظيم الضباط الاحرار والذى كان قد بدا مسيرتة فى اول خلية في سلاح الاشارة بزعامة البكباشي يعقوب كبيدة ، البكباشي محمد عيسى و البكباشي محمود حسيب واخرين واشتركت فى عدة انقلابات.

    ونتابع مع الامام الصادق المهدى الصورة انذاك: " في الستينات كانت الحركة الاسلامية عالميا في انحسار...كانت الحركة السياسية السودانية بصدد وضع دستور البلاد الدائم، ووجد الطرح الاسلامي تجاوبا واسعا من كل القوى السياسية حتى التي لم تكن تقول بفكر اسلامي. ووضعت مسودة لدستور البلاد ونصت على قيام نظام اسلامي ملتزم بالتشريع الاسلامي. ولكن رغم قوة ذلك الاتجاه والسند الشعبي المؤيد له فان تلك المحاولة الجادة قد اجهضت للاسباب الاتية: اقترن وضع الدستور بتنافس حاد على رئاسة الجمهورية فقامت تيارات صراع حزبي هزت النظام السياسي كله؛ لم تستوعب الاحزاب الكبيرة المتغيرات التي طرات على الساحة السودانية منذ حكم الفريق ابراهيم عبود وما تلاه من ثورة شعبية هائلة. وبدا كان الاحزاب الكبيرة تستغل اغلبيتها العددية لترجع بعجلة البلاد للوراء". "عندما صوتت الجمعية التاسيسية في عام 1965 لابعاد نواب الحزب الشيوعي من عضويتها تعاطف معهم جزء من الراي العام في القطاع الحديث لا انتماءا للشيوعية ولكن لاعتبارهم رمزا لدعاة عدالة وتجديد في جسم سيطرت عليه في نظرهم الوصاية والمحافظة: لقد توجس قطاع هام في الراي العام السوداني في القطاع الحديث خيفة من الدستور المزمع وظن ان ذلك الدستور سوف يضفي على القديم وعلى المظالم الاجتماعية صبغة الاسلام ويكرس السلطة في يد قيادة سياسية محافظة. هذه المخاوف هي التي خلقت المناخ السياسي الذي سبق حركة الخامس والعشرين من مايو. هذا المناخ صحبته ثلاثة عوامل خلقت تحالفا تولى قيادة الحركة والغى مشروع الدستور المزمع.(الامام الصادق المهدى: النظام السوداني وتجربته الاسلامية www.umma.org )

    ويقدم معاوية الزبير الطيب قراءة اخرى: " حكومات الائتلاف بين الحزبين الكبيرين الاتحادي والامة لم تول اهتماما لقضايا السلام وايقاف الحرب بقدر اهتمامها بالصراع على كراسي الحكم بين الحزبين. وقد دفع هذا الصراع اطرافه للاستعانة بالاخوان المسلمين القوة الناهضة انذاك، التي كانت تطالب بالشريعة الاسلامية والدستور الاسلامي، ولكسب ودهم والاستقواء بهم في مواجهة الاخر انعقدت سوق مزايدة حول الدستور الاسلامي انتقلت الى اروقة البرلمان وهناك نشب سجال بين دعاة الدستور الاسلامي والنواب الجنوبيين المنادين بالعلمانية". " المناداة بالدستور الاسلامي كان من ادوات الصراع التي حاولت بها القوى الحاكمة القضاء على المعارضة اليسارية وتحجيم الرفض الجنوبي. هذه القوى التقليدية تناست مشكلة السودان الاولى الحرب في الجنوب ووجهت الضربة القاضية لتوصيات مؤتمر المائدة المستديرة، ما ادى الى توتر سياسي واحتقان في الجنوب هيآ الاوضاع لاستيلاء القوات المسلحة على السلطة في مايو/ ايار 1969م ما عرف بانقلاب جعفر محمد النميري.( معاوية الزبير الطيب: من الاستقلال الى السلام: موقف الحكومات السودانية المتعاقبة من مشكلة الجنوب http://www.aljazeera.net )

    اصدر الانقلاب الامر الجمهوري رقم 1 الصادر في 25 مايو 1969م الذي اعطي البلاد لقبا جديدا: جمهورية السودان الديمقراطية وحل مجلس راس الدولة (السيادة) ومجلس الوزراء والجمعية التاسيسية ولجان الخدمة المدنية والانتخابات وخول الحكومة الجديدة جميع السلطات التنفيذية والتشريعية ، وجعلها مسئولة مع مجلس قيادة الثورة عن جميع شئون الدولة. واصبح من سلطات مجلس قيادة الثورة ان يقيل ويعين الوزراء علي ان يمارس هذه السلطة بعد التشاور مع رئيس الوزراء. كما صدر الامر الجمهوري رقم 2 (قانون الدفاع عن السودان) الذي نص علي الاعدام اوالسجن عشر سنوات لكل من يحاول اثارة معارضة في وجه نظام الحكم او يخطط لمهاجمة اعضاء مجلس قيادة الثورة وذمهم، لان ذلك يعتبر مثيرا للفتن ، وسواء كانت هذه الاعمال عن طريق رفع الشعارات او المواكب او المظاهرات او المطبوعات او الصحف او الكراريس او الاذاعة والتلفزيون، ويطال هذا القانون كل من يحاول الدعاية لحزب من دون اذن مسبق من مجلس قيادة الثورة، والذين يشتركون في اضطرابات تنظم من اجل عرقلة الاقتصاد، علي ان يحال المخالفون علي المحاكم العسكرية، وتطبق عليهم النصوص المناسبة في القانون الجزائي، واعلن المرسوم ان جميع اعمال مجلس قيادة الثورة هي اعمال سيادة، وبالتالي فهي غير قابلة للطعن والاستئناف امام المحاكم، ومن حق مجلس قيادة الثورة ان يسرح من يشاء من الدوائر الحكومية من دون ان يكون خاضعا لللاجراءات التاديبية، وفي وسع الحكومة، بناء علي توصية وزير الداخلية ولاسباب تتعلق بالامن العام ان تقيد حرية اى شخص وتحصره في اى مكان داخل الاراضي السودانية، من دون ان يحق للشخص المعني استئناف اى قرار كهذا صادر بحقه. وتم اعتقال قادة الحكومة والاحزاب السابقين: تم اعتقال الصادق المهدى، وادخل اسماعيل الازهري السجن، ووضع محمد احمد المحجوب قيد الاقامة الجبرية .. الخ. كما وجهت الاتهامات الي ثلاثة وزراء سابقين : احمد السيد حمد، عبد الماجد ابوحسبو، احمد زين ( وزراء التجارة والداخلية والمواصلات)، وقدموا لمحاكمات.

    جاء الانقلاب ليقطع الجدال حول الدستور الدائم فى السودان والذى هو حال الديمقراطيات فى كل العالم والذى كانت النقاشات حولة قد قطعت اشواطا كبيرة. ونود هنا ان نوضح هذة النقطة لاننا كسودانيين لابد ان نصل الى وضوح كامل حول آليات العمل الديمقراطى والتى نعتقد ان كافة الاطراف لم تصل اليها بعد. الديمقراطية هى فى الحلول الوسط والتراضى والحدود الادنى من الاتفاق- او كما اشتهر القول ان الديقراطية فن الممكن- ونظن ان مكونات المجتمع السودانى اثبتت مرارا وتكرارا قدرتها على فاعلية هذة الخاصية منذ بداية حركتة السياسية فى مؤتمر الخريجين و مؤتمر جوبا والاستقلال والعمل المشترك ضد انقلاب عبود وتجربة اكتوبر. حتى عندما تطرفت الديمقراطية بحل الحزب الشيوعى، لم تستطع نفى الحزب من الوجود او نفية من الخارطة السياسية وجاء الى الجمعية التاسبسية من باب الانتخابات وظلت منظماتة وجرائدة وتاثيرة السياسى على النقابات لان هذة هى الاليات التى تفرضها الديمقراطية.

    كان هذا العصر – منتصف الستينات- قمة بروز الناصرية وقد لجمت احزابها الليبرالية منذ قيامها وتخلصت من الاخوان المسلمين وحلت الاحزاب الشيوعية المصرية وخلا لها الجو السياسى الداخلى و بدأت فى ثوبها التوسعى الاقليمى، فهى بلا منازع - سوى السعوديين- تقود العالم العربى، تحارب فى اليمن وتنظر لبوابتها الجنوبية التى كانت بين يديها لقرون مضت، مصدر حياتها المائية و حديقتها الخلفية. وفى الخلفية الحزب الذى يرتبط بها تاريخيا وذخيرتها لوحدة مرتقبة - الحزب الوطنى الاتحادى-لا يستجيب لاطروحاتة لبناء الدولة العربية القومية. وقد جاء فى كثير من الوثائق والكتابات السودانية تاريخ نشاة تنظيم الضباط الاحرار ولكن هناك اتفاق على تاثير الثورة المصرية على كل منطقة الشرق الاوسط وافريقيا وخاصة السودان. (جريدة الوطن: مذكرات العميد (م) منير حمد http://www.alwatansudan.com/ "

    وجاء فى وثائق " السفارة الاميركية، الخرطوم الى: وزارة الخارجية، واشنطن: الموضوع: خلايا سرية مصرية بتاريخ: 15-5-1954 اوضح النميري فى اخر لقاء اجراة الصحفي الصحفي حسن الخندقاوي بالاذاعة الاقتصادية وردا على سؤال : هل كان هناك دعم خارجي ساند قيام الثورة؟ " فكرة الثورة كانت موجودة اساسا عند اغلب الضباط وقد انتقلت لهم هذه الفكرة من مصر وثبتت في عقولهم عندما شاهدوا نجاح ثورة يوليو الباهرة واهتزاز عروش الملوك والرؤساء بالطرح القوي لثورة الضباط الاحرار في مصر. على العموم فالدعم الخارجي الذي كنا نشعر به تجسد في عقد المقارنة ما بين القوات المسلحة القوات المسلحة السودانية والجيوش الاخرى التي استقلت دولها حديثا نتيجة للوضع الضعيف للجيش السوداني وقتها."

    كانت الصورة المرجوة واضحة فى ذهن الاطراف التى صعدت للسلطة صبيحة ذلك الصباح، وادى الصراع الذى اندلع بعد ذلك الى نهاياتة المنطقية والتى تكررت فى التاريخ منذ ابو جعفر المنصور وابو مسلم الخراسانى والرشيد والبرامكة فى بداية الدولة العباسية حتى مثالهم الحى عبد الناصر. اعتمد النظام الجديد منهجا متكررا فى التاريخ – تمسكن حتى تتمكن- سيسير علية حتى سقوطة فى ابريل 1985 وان كان سيزداد خبرة وفاعلية اعطتة ستة عشر عاما من الحكم ، نهج ابرزة تاج السر عثمان: " واجه الحزب الشيوعي بعد انقلاب مايو، ظروفا معقدة وصعبة، لم يواجهها من قبل، فكان هناك الصراع المركب او المزدوج: ضد السلطة الانقلابية والصراع الفكري داخل الحزب، وزاد من تعقيد هذا الصراع تبني الانقلابيين لاجزاء كبيرة من برنامج الحزب وتعيين شيوعيين في مجلس قيادة الثورة صبيحة الانقلاب وتعيين وزراء شيوعيين بصفتهم الشخصية ودون اعطاء الحزب الحق في تحديد من يمثلونه، مما يعني نسف استقلال الحزب تمهيدا لتصفيته، هذا فضلا عن فرض ديكتاتورية عسكرية صادرت كل الحقوق والحريات الديمقراطية باسم التقدم والاشتراكية!! اى - اذا جازاستخدام لغة اليوم - ان الانقلابيين اخترقوا اجندة الحزب الشيوعي وتبنوها وافرغوها من مضمونها" . ( تاج السر عثمان: وثائق معاوية ابراهيم(سورج) حول الحزب الشيوعي السوداني: الاربعاء, 13 ايار/مايو 2009 19:25sudanile .

    ويرى الامام الصادق نفس الراى " وفي حالتي الشرعية الشيوعية والشرعية الناصرية تبنى النظام سياسيات اقتصادية اشتراكية اكثر تطرفا من برنامج الحزب الشيوعي السوداني نفسه مزايدة علية وتنافسا معه في كسب تاييد الشارع اليساري السوداني. هذه المزايدة نصح بها المنشقون على الحزب الشيوعي لاحراج حزبهم وتجريده من ملابسه". (النظام السوداني وتجربته الاسلامية)

    وانتهى الصراع فى 19 يوليو 1971 وقادة الحزب الشيوعى معلقين على المشانق وحزبهم مطارد، حلقة من الصراع انتهت بالحزب خارج الحلبة لوقت سيطول ونفتة من القوات المسلحة ليعيد النظر لاحقا فى هذا التواجد عام 1977 ويتخذ احد اهم واخطر القرارات وهى الابتعاد عن القوات المسلحة. هذا القرار من ما يسمى القرارات الصائبة تقنيا واخلاقيا ولكن خاطئة سياسيا لانها ستفتح الطريق لاستيلاء مجموعة ذات نفوذ محدود عسكريا معظمهم من اسلحة غير قتالية ومدنيين وتختطف خطة تحرك جيش المذكرة وتستولى على السلطة بسهولة و ببساطة كقطعة الكيك. (عصام ميرغنى: مرجع سابق)

    تحولات العروبية الى الاسلاموعروبية

    ونتابع مع الامام الصادق المهدى والذى استطاع من خلال تجربة مريرة وقاسية وطويلة دعمها بالدراسة والتحصيل والزام النفس بالتآمل المعمق فى التجربة السودانية من تطوير مفهوم كامل ومتقدم النظر فى دور الاسلام فى حياة المسلمين في ضوء اجتهاد جديد يراعي تغيرات الزمان والمكان والانسان والذي يجمع بين الاصالة - رغم ان لدى تحفظات على المنهج العام فى تحرك الامام السياسى ومنهجهة التوفيقى جدا والمضر احيانا والتى اوردت قبلا انها قد تكون قرارات صائبة تقنيا واخلاقيا ولكن خاطئة سياسيا. يقول الامام " وفي عام 1982 بعد اخر انتفاضة شعبية وقعت في يناير 1982م اصدر النظام قانونا قمعيا جائرا اسماه قانون الطمانينة اضافة الى قانون امن الدولة لتقوية القبضة القانونية على الشعب. وقانون الطمانينة هذا شبيه بقانون العيب الذي استنه الرئيس المصري انور السادات وهو قانون فضفاض ويمكن في نظره ان يكون اي عمل مهما كان بريئا جريمة تستحق العقاب ". ورغم التعديلات الدستورية المتشددة والقوانين القمعية المتعددة فان تطبيق القوانين بواسطة الهيئة القضائية يضعف من قبضة النظام على الشعب اذا كانت الهيئة القضائية تؤثر عليها مفاهيم العدالة وكرامة المواطنين . وبدا للنظام ان الهيئة القضائية تشكل عائقا في سبيل فرض استحكاماته الامنية خاصة بعد ان دخلت الهيئة القضائية في نزاع مطلبي مع النظام وخرجت منه منتصرة في عام 1981م. كان من بين قضاة الهيئة القضائية السودانية لجنة نظمت مواجهة في نزاع مطلبي مع النظام في عام 1981م. بدات المواجهة في يونيو 1982م عندما هاجم رئيس الجمهورية في خطاب علني القضاة وحملهم مسئولية تعطيل مصالح الناس وعدم الفصل في القضايا والانغماس في الشهوات. لم تمتثل الهيئة القضائية لهذه الاساءة ولا للطرد وواجه القضاة النظام موحدين فاضربوا عن العمل ثم قدموا استقالات جماعية وصمدا على موقفهم لمدة ثلاثة شهور.. ووقف الراي العام السوداني مع القضاة وايدتهم القوى السياسية ودعمتهم نقابة المحامين ادبيا وماديا. وصار لموقف القضاة اعلام قوي داخل السودان خارجه وعقدوا ندوات مفتوحة ومستمرة في دار نقابة المحامين فاقبل القانونيين السودانيين عليها واقبل معهم جماعات من المواطنين … هكذا تكونت نواة نشاط متزايد فصار الناس يتوقعون اتساعه حتى يؤدي لاضراب سياسي شامل.

    مع ظهور احتمالات الاضراب السياسي قرر النظام ان يتراجع ولكن لكيلا يظهره التراجع بمظهر الضعف فتتحرك ضده النقابات الاخرى قرر النظام ان يغطي تراجعه بافتعال موقف هجومي. كان رئيس الجمهورية قد التقى بقانوني اسمه النيل عبد القادر ابو قرون في احدى المناسبات الصوفية، وعرف ان له توجها اسلاميا دون ارتباط باي تنظيم فارسل في طلبه وكلفه بوضع تشريعات اسلامية واصلاحات قانونية ليصدرها رئيس الجمهورية باوامر مؤقتة .معلنا بذلك " ثورة قضائية " لتحقيق العدالة الناجزة ومعلنا تطبيق الشريعة الاسلامية ومتخذا من التطبيق الاسلامي والعدالة الناجزة منبرا لمحاربة الفساد. عكف السيد النيل عبد القادر ابو قرون على مهمته العاجلة وطلب الاستعانة بصديق له وصفه بانه اقدر منه على هذه المهمة هو السيد عوض الجيد فسمح له بالاستعانة به . فاعدا القوانين اللازمة ووضعا ما اعتبراه خطة لتطبيق الشريعة الاسلامية. وابلغا رئيس الجمهورية بما انجزا ووضع توقيتا مناسبا لاعلان قبول توصيات لجنة القضاة واعلان الثورة القانونية الجديدة التي ستغطي تراجعه امام القضاة وتضعه في موقف المبادرة والهجوم – عصا موسى التي تلقف ما يآفكون. هذه القرارات التي كشفنا عن ظروفها هنا فاجأت السودانيين جميعا بل فاجأت اعوان النظام انفسهم. ورغم هذه الحقيقة حاولت اجهزة الاعلام ان تدعي ان ما حدث كان متوقعا وكامنا في وثائق النظام وسياساته المعلنة ولم يكن وليد لحظاته وظروفه ". ( لمراجعة تفاصيل اكثر ونقد مفصل لقوانين سبتمبر 1983 راجع: الامام الصادق المهدى: النظام السوداني وتجربته الاسلامية www.umma.org )

    الانهيار الكامل للاقتصاد وصعود فئة الراسمالية الطفيلية

    تسارع فى مايو تحويل الاقتصاد من اقتصاد انتاجى الى اقتصاد ريعى وخدمى. فكيف تمت هذة العملية؟ سوف نتناول هنا الملامح العامة والتى لن نفصل فيها، اذ ان هذا المجال هو من اكثر المجالات التى تم تناولها فى الكتابات الدارجة والكتب والاصدارات السودانية سواء العامة منها او المتخصصة. ادى تطور الاقتصاد السودانى فى بلد متُخلف نشا في احضان الاستعمار القديم واستجاب لكل الروشتات الراسمالية فى استسلام كامل الى وجود خلخلات هيكلية فى بنيتة: من توزيع جغرافى مختل لايراعى العدالة وتطوير الهوامش، والزراعة الالية – وملاكها الجدد من البرقراطية المدنية والعسكرية- والتى شهدت توسعا عشوائيا واقصاءا للسكان المحليين وقضت على الزراعة المعيشية وادت لتحولات بيئية مدمرة. (يمكن الرجوع للاستزادة الى موقع (http://www.sudaneseeconomist.com ).

    شهدت سنوات نميري (69- 1985) تقلبات سياسية عاصفة، كان لها تأثيرها الكبير في إحداث تغيرات أساسية في تركيبة الفئات الرأسمالية وفي تطوراتها حتى الان. منذ عام 1977 دخلت البلاد فى أزمة هيكلية ويرجع ذلك، بشكل رئيسي، إلى طبيعةالطبقة الرأسمالية المايوية المرتبطة بالفئات الطفيلية وعلاقاتها الإقليمية والدولية في تلك الفترة. الفئات الطفيلية تقوم بتخريب وتقويض عمليات الانتاج والتبادل من أجل الحصول على أرباح ضخمة، كما في حالة السوق الأسود وتخريب الأراضي الزراعية وتخزين السلع الضرورية وغيرها- المهم كانت مراكز النفوذ الغربي وشركاتها المتعددة الجنسية تركز جهودها في امتصاص الفوائض المالية الخليجية والسعودية الناتجة من ارتفاع أسعار البترول بعد 1973، تحت غطاء الاستثمار المشترك في السودان. ووجدت في الفئات المايوية الأداة المناسبة، بحكم طبيعتها الطفيلية وتطلعاتها الشرهة. ولهذا السبب لم تنجح تلك الخطط الطموحة إلا في تدمير القوى المنتجة وإضعاف القاعدة الانتاجية للاقتصاد السوداني وتنمية الفئات الرأسمالية الطفيلية على حساب الفئات المنتجة وتمكين رأس المال الأجنبي من السيطرة على مواقع هامة في مختلف القطاعات الاقتصادية ، كل ذلك يمثل عاملاً هاماً في تنمية الفئات الرأسمالية في مختلف المجالات، وخاصة في مجالات التجارة والعقارات والمقاولات وغيرها. وإذا كانت هذه المجالات قد ظلت تشكل المجالات التقليدية لفئات الرأسمالية السودانية، فقد شهدت توسعاً كبيراً في الفترة المايوية.

    في ظروف مصادرة الديمقراطية وتفشي الفساد وسط الطبقة الحاكمة وجهاز الدولة وتطلع أركانها إلى الثراء ودخول عالم البرجوازية، تبلورت فئات البرجوازية البيروقراطية وتداخلت علاقاتها مع الفئات التجارية والطفيلية المحلية والخارجية. لكن هذا التطور ظل يسير في اتجاه غلبة النشاط الطفيلي والتجاري والارتباط برأس المال الأجنبي وعجز هذه الفئات عن الارتكاز إلى عمود فقري زراعي صناعي ثابت. وهو تطور شاذ، استند إلى سلطة الدولة ويتناقض تماماً مع تطورات الخمسينيات والستينيات ولا يرتبط بجذور حقيقية وسط المجتمع السوداني وفئاته التجارية. ومع محدودية هذه الطبقة الجديدة فقد كان تأثيرها واسعاً، بحكم استنادها على السلطة والإفساد وعلى علاقات قوية مع رأس المال الدولي. ومع تدفق القروض والتسهيلات الخارجية، ظل نفوذها يتسع ويزداد في كافة المجالات، وخاصة في مجالات الزراعة الآلية والمصارف والتجارة. شهد قطاع الزراعة المطرية الآلية نمواً واسعاً في عهد الحكم المايوي، مقارنة بالقطاعات الاقتصادية الأخرى. ففي عام 1968 انشئت مؤسسة الزراعة الآلية بدعم مباشر من البنك الدولي. معظم المستفيدين من هذه الحيازات كانوا من الفئات المرتبطة بالنظام الحاكم، وتشمل كبار التجار والموظفين والعسكريين وقيادات الاتحاد الاشتراكي وأعضاء المجالس التشريعية وأعيان الإدارة الأهلية. كان لهذا التوسع آثاره السلبية المباشرة وغير المباشرة. وذلك لانه ترافق مع موجات الجفاف والتصحر الجارية منذ بداية السبعينات. وأيضاً لان عدم الالتزام بالأساليب الزراعية السليمة والتوسع العشوائي غير المخطط، كل ذلك أدى إلى نتائج خطيرة، تمثلت في فقدان مناطق واسعة من الإراضي لخصوبتها خلال سنوات قليلة وتدني الانتاجية، تبديد الموارد الطبيعية، خاصة الغابات والمراعي وأراضي الزراعة التقليدية، تقويض اقتصاديات القطاع التقليدي وتحويل أقسام كبيرة من سكانه إلى أجراء وعمال موسميين وادت الى مجاعات كماحدث في مجاعة 83/ 1984. ) محمد على جادين-مرجع سابق)

    مع تدافع تيار الدولة الدينية للتحالف مع نظام نميرى 1977 بدأ عهد جديد فى تطور الاقتصاد السودانى اذ شهدت بروز ما اسمى فئة الراسمالية الطفيلية الاسلامية وبدات فعليا فى اقامة اقتصاد موازى خاص بها. تم انشاء نظام بنكى ( بنك فيصل الاسلامي ، التضامن الاسلامي و عددا من شركات التامين والمؤسسات التجارية والعقارية) ثم اقاموا منظمات بديلة للسيطرة على العمل الاجتماعى والخيرى(منظمة الدعوة الاسلامية ، الوكالة الاسلامية للاغاثة ، جمعية رائدات النهضة ، جمعية شباب البناء ، جمعية الاصلاح والمواساة ، مؤسسة دان فوديو)، السيطرة على مؤسسات تعليمية مثل (المركز الاسلامي الافريقي، وكلية القران الكريم، الجامعة الاسلامية) كما اقتحموا مجال المدارس ورياض الاطفال. سهل النظام المصرفي الاسلامي الذى يتعامل بالمرابحة والمشاركة والتى بالضرورة تجعلة يمول المعاملات قصيرة المدى لنشاط الفئات الطفيلية العاملة فى هذة المجالات (اغلبها النشاط التجارى والخدمى). الخطورة الاخرى كمنت فى عدم خضوع النظام المصرفي الاسلامي لشروط الضمانات المعروفة في الانظم البنكية وبالتالى امكانية تقديم اى تسهيلات بناءا على الانتماء السياسي. وعندما احس النظام بالتهديد المباشر وتناثر المجموعات التى كانت تناصرة (فحرب الجنوب اشتعلت من جديد وفى صفوفها احد اعمدتة السابقين - د. منصور خالد- والمصالحة مع الاحزاب التقليدية وصلت الى طريق مسدود ولم يبق لة سوى حزب خفيف الوزن ولكن الاعلى صوتا والنقابات قد تحالفت ضد النظام) استدعى القوانين التى رفض الشعب السودانى سوى ان يطلق عليها " قوانين سبتمبر" وجاءة سادة المشروع الحضارى يباركون ويبايعونة اماما.

    عندما خرج الملايين لاسقاط نظام نميرى كان الشعب السودانى عاقدا عليها الامال لتخرجة من الحكم العشوائى فاقتعد قادة العسكر موقع الرئاسة، عقدت المؤتمرات ونظمت ورشات العمل ونشرت البرامج الانتخابية الجميلة. لم تقدم الاحزاب المتصارعة رؤية ملهمة ودارت فى فلك المشروع السياسى من جمهورية اسلامية، فكر الصحوة وتحكيم الشريعة. وعندما تكونت الحكومة وتلتها اخرى وثالثة لم يكن الجدل فى اى منها حول رؤية، عن الغابة، ولكن غرقت فى الاشجار. وبتدخل العسكر بمذكرتهم الشهيرة كان المآمول ان يهىء الاتفاق الذى توصلت الية الاحزاب السياسية -عدا الجبهة الاسلامية القومية- الى طريق جديد وانهاءا لحرب مدمرة. لكن المذكرة التى نزعت الشرعية من النظام الحاكم جعلت انقلاب الانقاذ مجرد تحصيل حاصل. وتاخر ذلك الاتفاق 15 عاما سقط فيها اكثر من مليون قتيل وهجرات ومآسى وبشاعات خلفت اثارها على الجانبين.

    واخيرا

    بسقوط النظام العراقى والليبى وانحسار النظام الناصرى ودخولة التاريخ كمؤسس لديكتاتورية العلمانية الاقصائية والسقوط الوشيك للنظام السورى، فقد تمزقت الافكار القومية وفقدت مرجعياتها الرئيسية. هذا لايعنى ان الاتجاهات القومية سوف تتلاشى او تموت، فقد بدأت فى التوهج فى مصر بتبنيها الليبرالية السياسية والاقتصادية والتمسك بالعدالة الاجتماعية الاجتماعية وتوجهها الى الطبقات الكادحة. تواجة الحركات القومية المرتبطة بالعروبية مأزقا شائكا بعد ان حولتها تيارات الدولة الدينية الى مستنقعات آسنة من القهر السياسى، العرقى والعنصرى.

    الفصل الثامن: الرؤية الخامسة رؤية الحزب الشيوعي السوداني

    عند التصدى لمناقشة رؤية الحزب الشيوعى نواجة اشكالية ضاغطة على الباحث، اذ ان تحليل هذة الرؤية و تفحصها ليست شانا داخليا فقط واسباب نجاحها او فشلها ليست فشلا محليا. فنهوضها كان عالميا وكانت نتاج نظرية حاولت تقديم تحليل شامل للتطور البشرى ووضعت التجربة العملية (اللينينية) آليات تغييرة. على مدار حوالى القرن اثرت النظرية على وسائل تحليل التطور ويعتبر مفهوم التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية أهم مفهوم قدمتة في الماركسية في تشخيص وتحليل تطور المجتمع البشري. ما يحدد طبيعة وخصائص كل تشكيلة منها، أو كل مرحلة من مراحل تطور المجتمع البشري، هو " أسلوب الانتاج " الخاص بها، الذي هو شكل معين ومحدد لنشاط الناس المعيشي ونمط حياتهم، ويتألف من وحدة قوى الانتاج ( أدوات ووسائل الانتاج والبشر المنتجين) وعلاقات الانتاج ( التي تنشأ بين الناس في نشاطهم الانتاجي). تعتبر الماركسية ان المجتمع البشري في تطوره مر بخمس مراحل أو تشكيلات اقتصادية اجتماعية، تنقسم إلى مجموعتين كبيرتين، الأولى هي التشكيلات الطبقية المتناقضة، وهي تشكيلة الرق أو العبودية، والإقطاعية، والرأسمالية. وهذه التشكيلات تقوم على أساس علاقات السيطرة واستغلال الانسان للانسان، لانها قائمة على الملكية الخاصة لوسائل الانتاج. كما ان المشاكل الاجتماعية فيها خلال عملية التطور تحل بالنضال الطبقي المرير، وعن طريق الثورات. والمجموعة الثانية هي التشكيلات اللاطبقية القائمة على علاقات التضامن والمساواة الاجتماعية، وتضم مرحلة المشاعية البدائية والمرحلة الشيوعية التي اعتبرتة أعلى مراحل تطور المجتمع البشري.

    عند ورود النظرية للسودان كانت قد تأسست دولا ومنظومة ولها منظماتها العالمية وقنواتها التمويلية، وواجة الرعيل الاول تحدى سودنة النظرية وجعلها قادرة على التصدى للقضايا المحلية وان تقدم حلولا عملية مقبولة سياسيا، اجتماعيا، اخلاقيا وحساسة تجاة الثقافة السائدة. ان مدخلنا للنظر فى رؤية الحزب الشيوعي السوداني ستحاول ان ترى مدى النجاح الذى تحقق فى توطين الماركسية وقدرتها على التوائم مع الاخرين وتعاملها معهم، قدرتها على تقديم حلول للازمات السودانية المتوالية. المدخل سيحاول ان يستنطق اهم الوثائق التى تتوفر فى النظر من زاوية الرؤية، نجاحها واخفاقاتها. ربما يصعب هذة العملية، السرية التى طبعت عمل الحزب واتجاهاتة وظروف التضييق المستمر من الانظمة المتعاقبة. لقد انكسر هذا الحاجز مع الثورة المعلوماتية التى وفرت الوثائق واكثر من ذلك شهدت تناول قضاياة فى المجال العام بواسطة افراد اختلف مدى قربهم وبعدهم من مركز القرار ولكنهم عرضوا بنية الحزب من زوايا مختلفة.

    في مقاربتنا تقابلنا عبارة شهيرة فى كتاب الترابي والحركة الاسلامية، تذكر ان الحركة الاسلامية اخذت شيئا من منهج التنظيم والحركة من الحركة الشيوعية (بناء الخلايا السرية وتربية العناصر الحركية والتحالفات والواجهات ). ان هذة ليست الحقيقة كاملة فالاسلام السياسي لم يتأثر بالشيوعيين في اطار المنافسة السياسية او لوجود اسلاميين كانوا منظمين في الحركة الشيوعية ( مثل يس عمر الامام واخرون) ونقلوا التجربة من والي . ان ما يجمعهما ليس فقط ما ذكر ولكن في عناصر مشتركة فى نظرية السلطة ( نظرية الثورة السودانية للشيوعيين ونظرية التمكين لدي الاسلاميين). ان مقاربتى تقوم على ان الطبيعة ذات التفسير الخاص لماهية الديمقراطية التى تبناها الحزبان طوال سنوات طويلة من تطورهما هى التى سببت سلوكهما طريقا متشابها ومتقاربا والتأثر المتبادل بينهما فى وسائل العمل الجماهيرى والنشاط السياسى العام. لايعنى هذا انهما يتماثلان فى الوسائل والمنظومة القيمية فهما يعبران عن مصالح قوى اجتماعية مختلفة ولكن كلاهما تنظيم عقائدى وبنيت استراتيجيتهم على تغيير الوطن جذريا.

    فطبيعة الاحزاب العقائدية التي ترتكز علي نظرية شاملة لتفسير وتغيير العالم (الشيوعي او الاسلامي) تنحو للانتظام في حزب حلقي ضيق له شروط عديدة وله مداخل محددة سلفا. انه اتحاد طوعي تدخله بطوعك ودخولك فيه يستدعي تغييرات ثقافية، اجتماعية واخلاقية وسلوكية محددة. علي عكس الاحزاب الليبرالية او ما تسمي بالتقليدية، اذ ان الانتساب لهذة الاحزاب لا يستدعي سوي اعلان النوايا ثم المساهمة بشكل او باخر في انشطة الحزب والانتظام ايضا في تيار داخل الحزب ومن ثم المغادرة حينما تشاء، فدخول الاحزاب العقائدية محروس بلوائح وتربية ثقافية ومدارس الكادر والخروج اما سهل وهو يعني الصمت والانعزال عن اي عمل سياسي اخر او صعب يعرضك للحرب الشعواء.

    يعطى د. صدقي كبلو لمحة متحدثا عن الايام الثلاث من 19 يوليو 1971 " ولكنها ما زالت تعمل في نطاق نظرية الديمقراطية للشعب و الحكم العسكرى ضد اعداء الشعب، فلاحظ مثلا ان اطلاق السراح لم يتم لكل المعتقلين (وهذا ما عاد وانتقده الحزب في عام 1977). وان الغاء قرار الحل لم يشمل الاحزاب المحلولة، وفي هذا النطاق لم يشمل حتى الاحزاب اليسارية او حتى الاعلان عن حق تكوين الاحزاب. او الوعد بصدور قانون لتنظيم تكوين الاحزاب، ولعل من الايجابي الحديث عن تشاور لتكوين الحكومة. ولعل المثير للدهشة الاعلان عن ان السلطة في كل المستويات في البلاد ستمارسها الجبهة الوطنية الديمقراطية والتي لم تكن موجودة كتنظيم، مما يعني انه سيتم تكوينها. ولا يستطيع احد الان الحديث عن كيف كان سيتم ذلك لان التصور الموجود حينها كان قائما على اساس بنائها قبل استلام السلطة وليس بعدها، وان المناقشات التي جرت بعد انقلاب مايو كانت مرتكزة في بناء الجبهة على تعدد الفئات والطبقات المشكلة للجبهة وعلى حرية الفصائل الثورية في تكوين والاحتفاظ بتنظيماتها المستقلة. ان ايام 19 يوليو الثلاث لتثير من التساؤلات حول مسالة الديمقراطية اكثر مما تعطي من اجابات، ولكن ما جرى من بعدها احدث تحولا عميقا في نظرية الحزب الشيوعي حول الديمقراطية". (الدكتور صدقي كبلو فى الحوار المتمدن - العدد: 1205 و 2010 بعنوان: الشيوعيون السودانيون بجزئية الاول والثانى).

    وسنبدا في هذا المجال بتناول قضية المرتكزات الايدلوجية للحزب الشيوعي السوداني باعتباره كان هاديا ودليلا ومرجعا للحركة الاسلامية لاحقا ولكن الاهم من ذلك فان الجبهة الاسلامية القومية استفادت من كل تكتيكات و اخطاء الشيوعيين عند تنفيذها انقلابها فى 1989. لم يكن الحزب الشيوعي منبتا من فراغ تاريخي، فهنالك حركة شيوعية عالمية وضخمة تحكم في دول عديدة وهنالك تاريخ طويل حول طبيعة التنظيم ووسائله وقضاياه، لكن كان لدية رؤية كاملة وشاملة لكيفية بناء الوطن.

    دائرة التاثير

    واجه الحزب الشيوعي عند تصديه للعمل السياسي في السودان سوالا مفصليا حول طبيعة التنظيم والبرنامج السياسي والقوي التي يعمل وسطها. نشا الحزب الشيوعي في بداياتة من تحالف فضفاض باسم الحركة السودانية للتحرر الوطني (حستو) علي غرار حدتو المصرية والذي كان اقرب لمفهوم الجبهة من الحزب. واجة اليسار السودانى واقعا مختلفا عن الواقع المصرى الذى تربى فية معظم قادتة، ففى مصر كانت الثورة البرجوازية قد بدات منذ عصر محمد على وخلقت تيارا اساسا محسوسا من نمو راسمالى (وان كان تابعا) وبالتالى طبقة عاملة مقدرة ومجتمع زراعى تسودة علاقات شبة اقطاعية. كان الموقف لدى حدتو واضحا فى السعى لخلق اوسع اشكال التحالف مع حزب الوفد كممثل لجماهير الوسط الليبرالى بشكل عام. اما فى السودان فقد واجة اليسار الشيوعى تشكيلات متعددة تتراوح من قطاع حديث بة حركة عمالية ضعيفة وقطاع تقليدى تسودة انماط انتاج قبل راسمالية تصل لحدود المجتمعات البدائية.

    ومنذ البداية نشات الحركة سرية واستمرت الي عام 1956 حيث تم تغيير الاسم الي الحزب الشيوعي السوداني في مؤتمره الثالث. واجهت حستو مبكرا اول معاركها الايدولوجية والتي سوف تعرف لاحقا في ادبيات الحزب بالانقسامات او التصفيات اليمينية واليسارية. وفي الحقيقة اننا عند النظر الي هذه الانقسامات، او التصفيات نجد ان الخط الناظم لها هو دور الحزب في القيادة والريادة. لنوضح هذه النقطة اكثر ورغم ان الدارج في تفسير الانقسام الاول والذي حدث في المؤتمر الثاني عام 1951 اما ارجاعه للمنافسة بين عوض عبدالرازق وعبدالخالق محجوب، او كما سماها الخاتم عدلان قتل اشقاء الملك او القتل الطقسى او ان هذا مثل تيارا دراسة النظرية والعمل الجماهيري واسماها د. عبد اللة على ابراهيم صراعا بين طائفة الدعويين التربويين وطائفة الجهاديين الثوريين. (د. عبد اللة على ابراهيم 85 عاماً على ميلاد عبد الخالق محجوب (1927-2011) الترابي البولشفيكي ، عوض عبد الرازق المنشفيكي، http://www.sudaneseonline.com ). كان مسرح المواجهة يتم فى القطاع الحديث ذات ثقل الوعى، اى اساسا مع الاحزاب الاتحادية. وقد تبلور الموقف انذاك ان اليسار الشيوعى كان فكريا ضد الحزب الوطنى الاتحادى وسياسيا ضد حزب الامة. كان الحزب الاتحادى هو ممثل البرجوازية المحتمل او العدو التاريخى الذى سيشكل الصراع معة عصب تطور اليسار، من جهة اخرى فان جماهير الاتحادى تتكون اساسا من المثقفين، عمال المدن، مزارعى القطاع الحديث وهى نفس الجماهير التى تعمل وسطها وتمثل مصالح بعضها. كان اول انقسام فى الحزب حول هذة النقطة الجوهرية’ صراعا حول كيفية الوصول للجماهير والتحول لحزب كبير ومن ثم الوصول للسلطة ان تعمل ضمن اطروحات عامة لتجميع القوى الحديثة فى الحزب الاتحادى او العمل بشكل مستقل فى حزب شيوعى.
    وأدهشنى (الأستاذ نقد) عندما قال لى أنه هو والمرحوم عبد الخالق محجوب قد قادا معركة شرسة ضد عوض عبد الرازق عندما نادى بدمج الحزب الشيوعى فى حزب الوسط الوطنى الأتحادى لخلق الأستقرار السياسى. وقال لى أنهم قاما بأتهامه بالبرجوازية الصغيرة ولكن دلت التجارب أن عوض عبد الرازق قد كان متقدماً فى رؤياه من الجميع فى الحزب الشيوعى. وقال لى لو طرحت هذه الفكرة الآن فى أوساط الشيوعيين لن تجد من يعارضها ولكن لا سبيل لطرحها والحزب الأتحادى يعانى من الكثير من نقاط الضعف أولها تشرذمه وأنقساماته وهيمنة الطائفية على مقدراته ونموئه الديمقراطى الطبيعى. (بروفيسور محمد زين العابدين عثمان: ورحل نقد مانديلا السودان ، جريدة الجريدة، 7 ابريل 2012 )

    ان طبيعة الاحزاب الشيوعية وخبرتها السابقة في الثورة البلشفية وما تلاها من خبرات توصل الى ان الدول تم بنائها بحزب مستقل، حديدي ومتحد فكرا وارادة وهو الذي يستطيع انجاز الثورة ولكن لكى يستطيع ان يلف حوله المؤيدين، فان هنالك دائرة تاثير الحزب واطروحاته. وحول هذه الدائرة وكيف تشارك مع الحزب دارت كل المعارك الفكرية داخل الحزب وادت لكافة الانقسامات ( 1951-1964-1970-ثم 1994 ). وقد صدق السيد تاج السر عثمان عندما لاحظ: لم تخرج وثيقة الخاتم عدلان عن وثيقة عوض عبدالرازق ووثيقة معاوية ابراهيم. هذا حقيقى لان الصراع كان وما زال حول السؤال نفسه . ( تجربة الحزب الشيوعي في الصراعات ضد الاتجاهات اليمنية والتصفوية 1989-2007)

    هنالك دائرة للتاثير لكل الاحزاب فكيف تعامل الحزب الشيوعي السوداني مع دائرة تاثيره: هناك دائرة التنظيمات الفئوية (مثل المهنيين والنقابات) والفئات النوعية (الشباب والنساء) ثم هناك دائرة العمل السياسي العام (التحالفات السياسية). لم يواجه الحزب الشيوعي اي اشكاليات نظرية في التعامل مع المنظمات الفئوية فهذه بحكم تكوينها ذات طابع محدود ومجال نشاطها يمس مجموعات محددة (روابط مهنية) وكذلك الفئات النوعيه كان لها نشاطات نوعيه ومجال نشاط محصور ولذلك فقد قبل الحزب تكوين منظمات واتحادات للنساء والشباب والروابط المهنية باشكالها العمودية الرأسية ( اى لها لجنة مركزية وفروع ..الخ). جاءت الاشكالات النظرية عند التصدي للتكوينات السياسية العامة. نفس القضايا التى اودت بالمغفور لة عوض عبدالرازق، عادت للمناقشات عام 1956 حول تكوين حزب واسع للعمال والمزارعين في صفحات مجلة الشيوعي والتى قطعها انقلاب 17/ نوفمبر/ 1958 م. وازعم هنا ان تراوح الحزب بين تكوين حزب واسع للعمال والمزارعين فى العهد الديمقراطى الاول والتحول الى الحزب الاشتراكى اثناء الديمقراطية الثانية كان استجابة لعوامل الضغط الجماهيرى فى تحول الحزب ديمقراطيا واستيعاب دوائر التاثير السياسية العامة فى عضوية حزب اكثر اتساعا وديمقراطية واقل حديدية وسوف تطرح المسالة فى بساط البحث عند مشارف الديمقراطية الثالثة .

    الديمقراطية الجديدة

    سوف اعتمد فى تناولى نظرية الثورة السودانية على عدة اعمال لكتاب متميزين بدقة التحليل والصرامة المنهجية الموثقة بالمراجع والادلة اولهما دراسة للدكتور صدقي كبلو فى الحوار المتمدن - العدد: 1205 و 2010 بعنوان: الشيوعيون السودانيون بجزئية الاول والثانى المفكر المرحوم الخاتم عدلان والاعمال المتميزة بالحذق الفكرى والاجتهاد للاستاذ تاج السرعثمان. وبالطبع سيكون التحليل من جانب الكاتب.

    فيما بين ثورة اكتوبر وانقلاب مايو 1969 تبلورت نظرية السلطة لدي الحزب الشيوعي بشكل واضح ، بالقوي المسماة قوي الثورة الوطنية الديمقراطية ( الجبهة الديمقراطية للطلاب، الجبهة النقابية، اتحادات الشباب والنساء، الروابط الاشتراكية، التنظيم الديمقراطي وسط المزارعين والضباط الاحرار) وكانت فى رأية حركة ذات مجري عام ولا يمكن لها ان تقوم في شكل تنظيم عمودي ثابت ومحدد المعالم مثله مثل الحزب السياسي ويقوم الحزب الشيوعي بتمثيل كافة فئاتها وتوجيهها وقيادتها وتحديد اجندة اجتماعاتها (اسماها الخاتم عدلان ديمقراطية الفراكشنات: "نتج ذلك اساسا من تمتع الشيوعيين بحقوق تنظيمية - وبالتالى سياسية - اكثر من الديمقراطيين - فمن المعروف ان جدول الاعمال المطروح على الجبهة الديمقراطية قد نوقش مسبقا داخل فرع الحزب الشيوعى ، او داخل الفراكشن، والفراكشن هم الجزء من الشيوعيين العامل وسط المنظمات الديمقراطية. ومعنى ذلك ان الشيوعيين يتبنون رايا موحدا ازاء كل القضايا المطروحة بما فى ذلك الاقلية التى رفضت اراؤها داخل الحزب . ويعرف كل ديمقراطى انه يقف ازاء مجموعة لا تغيّر موقفها الا وفق آلية تقع خارج التنظيم الذى ينتمى اليه" (الخاتم عدلان اعداد طلعت الطيب: ان اوان التغيير: الحوار المتمدن - العدد: 2570 - 2009 / 2 / 27 ، تلخيص للافكار الاساسية للورقة التى نشرتها مجلة الشيوعى السودانية - العدد ١٥٧ ، الطبعة الثاني ة فبراير ١٩٩٤)

    شكل حل الحزب الشيوعى السودانى 22 نوفمبر 1965 مرحلة مفصلية للانتقال من قبول الديمقراطية التمثيلية وتوسيع الحريات العامة والعمل على تخفيف انعكاسات الليبرالية الاقتصادية الى التوجة نحو ما عرف بالديمقراطية الجديدة. لم يكن الانتقال فجائيا، لكن تمرحل الى ثلاثة مراحل.

    اولا: ادي حل الحزب الشيوعي السوداني وطرد نوابه من البرلمان عام 1965 وتكوين الهيئة القومية للدفاع عن الديمقراطية والقضية الدستورية، لطرح مسالة الوجود المستقل للحزب على بساط البحث ودور قوى الجبهة الوطنية الديمقراطية في توسيع عمل وتاثير الحزب، ادي هذا الي ان يتبني الحزب لافكار حل نفسه وتكوين ما عرف باسم الحزب الاشتراكي فيما عرف بمؤتمر الجريف 1966 وهو اكثر المؤتمرات التداولية التباسا وغموضا وقد تقرر فيه تشكيل الحزب الاشتراكي باندماج الحزب الشيوعي مع قوي اشتراكية اخري ( وصدر لها مشروع برنامج وعين لها المرحوم امين الشبلي رئيسا للجنة التحضرية كما اذكر) ثم تم التراجع عن القرار في اجتماع لجنة مركزية وهنالك جدل كثير في تفسير هذا التراجع ( اوسع النظريات انتشارا ان السوفيات فرضوا التراجع علي الشهيد عبد الخالق).

    ثانيا: انعقد المؤتمر الرابع في 1967 واصدر تقرير الماركسية وقضايا الثورة السودانية والتى جاءت كمحاولة علمية جادة فى توطين الماركسية واستعمالها كاداة فى تحليل المجتمع السودانى من وجهة نظر الماركسية وليس مجرد" يكفينا لبلوغ أوسع الجماهير مجرد عموميات الماركسية ، ثم نغتني منها بالممارسة علماً ودربة ، " نعلم الجماهير ونتعلم من الجماهير" (د. عبد اللة على ابراهيم، مرجع سابق). في هذا المؤتمر تحددت الموجهات الاساسية في توجة الحزب نحو الديمقراطية الجديدة (ابتدأت تتضح الفرص لتطبيق ديمقراطية جديدة في البلاد لتضمن استمرار بلادنا في الطريق الوطني الديمقراطي والاشتراكية....فالقضية لم تعد ديمقراطية او لا ديمقراطية بل اصبحت تسير كل يوم لتكون كالاتي: اي نوع من الديمقراطية؟" و الديمقراطية الجديدة تعني "تمتع الجماهير الشعبية بالحقوق الأساسية وتقييد نشاط الفئات المعادية للثورة الديمقراطية: اطلاق طاقات الطبقات والفئات الوطنية والديمقراطية من مزارعين وعمال ومثقفين وطنيين، وعناصر رأسمالية وطنية غير مرتبطة بالاستعمار، وتقييد ومصادرة نشاط الطبقات ذات الروابط مع الاستعمار والتي ليست لديها مصلحة في البعث الوطني" "تمتع الجماهير الشعبية بالحقوق الاساسية وتقييد نشاط الفئات المعادية للثورة الديمقراطية: اطلاق طاقات الطبقات والفئات الوطنية والديمقراطية من مزارعين وعمال ومثقفين وطنيين، وعناصر راسمالية وطنية غير مرتبطة بالاستعمار، وتقييد ومصادرة نشاط الطبقات ذات الروابط مع الاستعمار والتي ليست لديها مصلحة في البعث الوطني". ويقدم صدقى تحليلا ثاقبا يوضح تباين الحزب انذاك بين مفاهيم الديمقراطية الجديدة والتحول الى الحزب الاشتراكى وفي تقديرة ان ذلك له علاقة مع نظرية القوى الحديثة والتي ادت عند تبنيها بشكل كامل بعد ثورة اكتوبر الى اهمال عمل الحزب الشيوعي ونشاطه وسط القطاع التقليدي والذي كان قد خطا خطوات متقدمة قبل عبود. (د. صدقي كبلو: حول نظرية الثورة السودانية، دار عزة للنشر والتوزيع، الخرطوم ، السودان، 2008)

    عرفت نظرية الثورة السودانية بالديمقراطية الجديدة حينا والثورية احيانا وكانت فى بدايتها نقدا للديقراطية الليبرالية. جاء فى الماركسية وقضايا الثورة السودانية "لن تستطيع انجاز مطالب الشعب الوطنية و الديمقراطية بدون تنمية الحركة الجماهيرية النشطة وتعهدها" . وبالتالى كان عمل الشيوعيون وحلفاؤهم يتمحور حول تكتيكين اساسيين: العمل وسط الجماهير وتنظيمها لانتزاع حقوقها الاقتصادية والاجتماعية وحقها في التنظيم المستقل، والسعي في نفس الوقت للعمل داخل البرلمان. ان العمل الديمقراطي اذن يرتكز على العمل الجماهيري الشعبى والنضال البرلماني والفشل الذى واجهة اليسار فى هذا الطريق والذى انتهى الى حل الحزب، ادى لتبنية لديمقراطية جديدة وتعنى "تمتع الجماهير الشعبية بالحقوق الاساسية وتقييد نشاط الفئات المعادية للثورة الديمقراطية: اطلاق طاقات الطبقات والفئات الوطنية والديمقراطية من مزارعين وعمال ومثقفين وطنيين، وعناصر راسمالية وطنية غير مرتبطة بالاستعمار، وتقييد ومصادرة نشاط الطبقات ذات الروابط مع الاستعمار والتي ليست لديها مصلحة في البعث الوطني". ويرى د. صدقي كبلو ان " المسالة ببساطة ان الديمقراطية للشعب وضد اعداء الشعب تتحول في النهاية لديكتاتورية شاملة. "(د. صدقي كبلو، مرجع سابق) .

    ثالثا: لم يكن الانتقال من العمل ضمن شروط الديمقراطية التمثيلية الى الديمقراطية الجديدة سهلا، فقد كانت تقاليد هذا التوجة راسخة منذ نشوء الحزب. ادى هذا الى اعادة النظر فى هذا الترابط فى وثيقة قضايا ما بعد المؤتمر ( اى بعد المؤتمر الرابع). (عبد الخالق محجوب: قضايا ما بعد المؤتمر، دار عزة للنشر والتوزيع، الخرطوم ، السودان، 2004) بعد ان طرحت الماركسية وقضايا الثورة السودانية الديمقراطية الجديدة، ورغم ان الدكتور عبد اللة على ابراهيم يرى ان وثيقة قضايا ما بعد المؤتمرنسخت توجة الديمقراطية الجديدة (الطاهر حسن التوم: مراجعات 1، عبد اللة على ابراهيم ، سنوات فى دهاليز الحزب الشيوعى، الدينونة للنشر، 2011 )، الا اننى ارى انة كانت هناك مراوحة لم تحسم " فالقوى المغامرة واليائسة من البرجوازية الصغيرة ترى النضال من اجل الحقوق الديمقراطية البرجوازية لايقود الى شىء وان الطريق هو الدعوة من فوق راس البيوت للديمقراطية الجديدة وحدها، متناسية ان هناك هذا الارتباط العضوى وانة لكى تصل الجماهير الى نقطة الاقتناع بالديمقراطية الجديدة ذات المحتوى الاجتماعى، عليها وقبل كل شىء ان تكتسب حقوقها". وعمليا فقد خاض الحزب انتخابات 1968 وفاز فيها عبد الخالق محجوب فى الدائرة 31 امدرمان الجنوبية والحاج عبد الرحمن الحاج فى دائرة عطبرة. ( احمد ابو شوك و الفاتح عبد اللة عبد السلام: الانتخابات البرلمانية فى السودان 1953-1986 ، مركز عبد الكريم ميرغنى ، امدرمان ، السودان، 2008 ).

    وهكذا اصطدمت مع الانقلاب الجديد في مايو 1969 بصيغة لا يهم ان يكون الحزب الشيوعي مشاركا اولم يكن فهذه مسالة تاريخية ولكن المهم ان السؤال حول القوي المنفذة لبرنامجه السياسي طرح بشدة وبقوة والان تحت قعقعة السلاح والاقدام الحديدية للعسكر. هذه المرة لم ينحصر الصراع داخل الحزب الشيوعي وليس هنالك طريق لتصنيف وطرد العناصر المناوئة، فقد تدخلت في الامر قوي اخري هي التي قامت بالانقلاب ولها تصورات اخري ومتطلبات سياسية ورؤي مختلفة ولن تقبل هذه القوي ان تحافظ علي كيان الحزب وتنظيماته المتفرعة عنه لتشكل عامل ضغط علي الدولة . تجاوبا مع هذا التحدي ادي هذا الي اضخم واقسي انقسام في تاريخ الحزب مع الذين تبنوا نفس الاجابة لنفس السؤال التاريخي.

    لقد واجه الطرفان نفس المازق فالحزب الشيوعي تنظيم صغير رغم تاثيره السياسي والجماهيري ولكن يفتقد الي اي غطاء منظم فكل تنظيماته الجماهيرية هي اجساد بلا راس وافراد بلا وحده سياسية. ويسبر الخاتم عدلان هذه الاشكالية: " فاستبعاد قيام قيادة مركزية للجبهة الديمقراطية قد جعل القوى الديمقراطية تتحوّل الى جسد بلا راس، بكل ما يعنيه ذلك من احباط وبوار..... انعدام القيادة الواحدة منع هذه التنظيمات من رؤية نفسها كجزء من بناء وطنى شامل ، ورؤية برامجها كجزء من فعالية وطنية عامة، ترمى الى تغيير المجتمع. .... بدلا من ان تتفاعل وتتكامل ، وتوحد افعالها واهدافها وارادتها ، ظلت اسيرة للتشرزم والغربة بل والتناقض والتصادم فى بعض الاحيان. (الخاتم عدلان: مصدر سابق).

    حول البرنامج

    من محبسه بمصنع الذخيرة فى الشجرة بمدينة الخرطوم عام 1971 انجز الشهيد عبد الخالق محجوب وثيقته القيمة التي اشتهرت في ادبيات الحزب الشيوعى السودانى ب (حول البرنامج) الذى كان من المفترض تقديمها للمؤتمر الخامس. برغم صغر حجمة جاء كاسطع رؤية استراتيجية للحزب الشيوعى السودانى فى تأريخة والاخيرة فى مسارة الطويل منذ منتصف الاربعينات عالج فيها الكثير من القضايا التي تتعلق بمستقبل التنمية ( الثورة الاقتصادية، توفير الفائض فى الزراعة ، الصناعة الراسمالية، التوزيع والخدمات واحتل هذا الجزء نصف حجم الوثيقة) والثقافة (محو الامية، تغيير المناهج). حول القوى المنفذة لمرحلة مهام الثورة الوطنية الديمقراطية أشار إلى ً ان الحزب الواحد ، بما في ذلك الحزب الشيوعي ، لا يصلح أداة للتحالفات المطلوبة لانجاز مهام المرحلة الديمقراطية . ولكن من الذين سينفذون؟ هي التحالف السياسي والتنظيمي بين الطبقة العاملة وجماهير المزارعين والمثقفين الثوريين والرأسمالية الوطنية والجنود والضباط الثوريين، اى الحزب ودوائر تاثيرة. لذلك عارضت الوثيقة حل التنظيمات المنبثقة عن الحزب ودوائر تاثيرة ( النقابات) وتقنين الحرية السياسية للجماهير الثورية : من حقوق في التنظيم والتعبير وشرعية منظماتها الثورية وبينها الحزب الشيوعي السوداني .... الخ.

    رغم ان الوثيقة مبنية على نمط التراث السوفيتى فى التنمية الذى انتهى الى متاحف التاريخ الا ان اننا اذا اعتبرنا الجزء الخاص بنظرية السلطة والديمقراطية من الماضى وخلصنا الوثيقة من الحمولة الايديولوجية الثقيلة وتوجة الديمقراطية الجديدة فقد استطاعت الوثيقة تلمس مجمل القضايا العالقة فى الوطن التى لازالت فى الاجندة الوطنية ويمكن ادراجة كاحد المراجع المهمة فى صياغة مشروع الرؤية السودانية وتطورة الوطني والديمقراطي. (عبد الخالق محجوب: حول البرنامج، دار عزة للنشر 2000م).

    ان نظرية القوى الحديثة تقوم على اساس معطيات نضال جماهير المدن والقطاع الزراعي المروي وقدرتها على اسقاط الحكومة المركزية او احداث عدم استقرار سياسي. ولكن لان هذه الجماهير تمثل اقلية عند اجراء اي انتخابات، فالديمقراطية البرلمانية تؤدي لانتخاب الاحزاب التقليدية نسبة لاستمرار نفوذها وسط جماهير القطاع المسمى بالتقليدي. فهذه النظرية باهتمامها بتنظيم القوى الحديثة واعطائها الثقة في نفسها (اي بناء ايديولجية لها وبرنامج تعتقد انها قادرة على تنفيذه وانه قادر على حل مشاكلها ومشاكل البلاد كلها) تدعو تلك القوى لتصعيد نضالها حتى االانتفاضة الشعبية والتي سيتم حسم قضية السلطة فيها لا بالمفاوضات كما حدث في ثورة اكتوبر ولكن بتدخل الجناح العسكري للقوى الحديثة في القوات المسلحة لوحده او بدعم ميليشيا تعدها القوى الحديثة لذلك.

    وهذا السيناريو النظري كان المدخل الى الوصول الى 19 يوليو ويطرح حول البرنامج مفهوما قاطعا نحو الديمقراطية لنا وليست لسوانا: " يسخر النظام الديمقراطي كل ما لديه من وسائل وادوات لتحطيم مقاومة الفئات والطبقات الرجعية بما يمنع اي محاولة من جانبها للعودة لمراكز السلطة والنفوذ. لهذا فهو يمثل الديمقراطية الواسعة بالنسبة للجماهير الكادحة، والدكتاتورية الموجهة لقهر مقاومة الفئات والطبقات الرجعية ." ويرى د. صدقي كبلو ان عبد الخالق لتبرير ذلك الموقف يقدم ثلاثة تبريرات، الاول هو "شرعية الدفاع عن الثورة والتقدم في وجه قوى الرجعية والتخلف" والثاني ان تجربة الشعب وفهم الشيوعيين السودانيين لمسالة الديمقراطية قد خلصا الى انه "ليست هناك ديمقراطية "عامة" او "مطلقة"" اذ ان الديمقراطية دائما طبقية. و الثالث وهو الطبيعة المؤقتة لهذه الازدواجية. ودعونا ننقل كلماته كما هي "... ان هذا الازدواج عملي ولا يتعلق بنظريتنا المكتملة عن الديمقراطية، انه اجراء عملي من اجل تهيئة الظروف اللازمة للديمقراطية ومباشرتها بواسطة الاغلبية الساحقة تمهيدا لمباشرتها بواسطة الجميع" . انتهى الامر ان الذين دافعوا عن التنظيم المستقل والوصول للسلطة تحت رايات الثورة الوطنية الديمقراطية والديمقراطية الجديدة ساروا في الطريق الي اخره الي انقلاب 19يوليو 1971 والذي كانت نهاياته الدامية وجرائمه والتصفيات البشعة نهاية لتجربة الاتساع اليساري في السودان وربما نهاية مرحلة وبداية مرحلة التفكك اليساري في العالم .

    ومن ثم يمكن الاستنتاج ان معالم جديدة لنظرية الديمقراطية عند الشيوعيين بدات في التبلور بعد 22 يوليو 1971. فقد بات واضحا ان مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية تتعدد فيها الاحزاب وان الجماهير خلال هذه المرحلة تتمتع بالحقوق السياسية والاساسية...الخ. والاحزاب السودانية موجودة فى الساحة وتقاوم الحكم العسكرى ولكن استمرت السلطة البديلة المطروحة لنظام نميري هو الحكم الوطني الديمقراطي. " يمكننا الان ان نخلص الى ان مسالة البديل خلال النضال ضد نظام مايو بدات بطرح الشعار العام "السلطة الوطنية الديمقراطية" وانتهت من خلال النضال اليومي المثابر والتحليل المستمر للصراع السياسي والاجتماعي الى "جبهة للديمقراطية وانقاذ الوطن" "وحكومة انتقالية" تعيد الحقوق الديمقراطية " . (د. صدقي كبلو: مرجع سابق)

    في يوليو 1977 اصدر الحزب الشيوعى وثيقة الديمقراطية مفتاح الحل للازمة السياسية: جبهة للديمقراطية وانقاذ الوطن". "لن يكتب للسودان الاستقرار والتطور والازدهار الا بتطوير واستكمال الحقوق والحريات التي تحققت مع الاستقلال، وتبوء بالفشل كل محاولة للارتداد على تلك الحقوق والحريات والمكتسبات تحت شعار دستور اسلامي او دستور اشتراكي". "الحزب الشيوعي لا يطرح مبدا الديمقراطية لمكاسب تكتيكية مؤقتة.... لاستعادة الحقوق والحريات الديمقراطية، واستعادة ارادة الشعب مقننة في دستور ديمقراطي علماني، يؤمن حرية التنظيم الحزبي والنقابي، وحق الاضراب، وحرية التعبير والعقيدة والضمير، وحرية النشر والصحافة، ويصون حقوق المواطن الاساسية من اي تغول من جانب الدولة"
    رايت الوثيقة لاول مرة عندما استلمتها من احد الرفاق فى ميدان المحطة الوسطى فى الخرطوم وقد تصفحتها فى مطعم اراك ونحن نتناول وجبة الغذاء ولا ابالغ اذا قلت انها كانت من اكثر الوثائق تاثيرا على طوال وجودى داخل الحزب، فقد كنت قد توصلت من خلال تجربة العمل الجماهيرى فى اتحادات الطلاب ونقابة الاطباء ان السودان فى حاجة الى مشوار طويل مع الديمقراطية التعددية وان الاشتراكية هى افق بعيد قد ياتى مع التطورالسياسى، الاقتصادى والاجتماعى للوطن.

    ما بعد انتفاضة 1985

    اعيد الحوار حول نفس المسالة بعد انتفاضة 1985 وقد اعاد الحزب النظر في كافة تكتيكاته السابقة بدأ من جبهة للديمقراطية وانقاذ الوطن الي تبني التعددية وحقوق الانسان كطريق للاشتراكية في السودان و لكن في استراتجيتة كان الحزب يعض بالنواجز علي عدم السماح بتبلور اي تكوينات برامجية لقوي الجبهة الوطنية الديمقراطية ( لقد كنت مشاركا شخصيا فيما عرف بالتحالف الديمقراطي ببيت المال، فقد كنت عضوا في فرع بيت المال والملازمين وكان فرعا بة عدد مقدر من الرفاق ذوي الخبرة والتجربة والثقافة وقد توصلت حواراتنا وعملنا المشترك مع ما يدعوهم الحزب بالديمقراطيين حول انشاء التحالف الديمقراطي بغرض حشد التأييد والعمل المستمر لانتخابات 1986، ولما كانت هذه الانتخابات ستشمل ممثلي القوي الحديثة والذين يتم التصويت لهم قوميا فقد قادتنا نقاشاتنا الي ضرورة صياغة برنامج يعالج القضايا المحلية والوطنية مما كان سيقود بالضرورة الي تكوين جسم مركزي، وقد انجزنا مسودة للبرنامج وكنت احد اعضاء الحزب في اللجنة المكلفة ثم رفعنا الامر الى تنظيم مديرية الخرطوم وقد صدر توبيخ علني لفرع بيت المال في جريدة الميدان. كانت الاسباب المقدمة نفس الاسباب عدم جواز قيام تنظيم عمودى مواز وباءت محاولاتنا لصياغة برنامج سياسي وطني بالانتكاس. ادي الموقف من التحالف الديمقراطي لبيت المال الي ضياع الفرصة التاريخية الاخيرة لانشاء تحالف حقيقي يعبر عن قيم الديمقراطية التعددية والعدالة الاجتماعية.

    الرد التقليدي علي هذا جاهز ويشهر في وجه كل من تسول له نفسه التعبير عن هذه الحاجة لماذا يريد كل يساري من الحزب الشيوعي ان يتخلي عن مواقفه المبدئية ومبادئه السياسية، اللي داير يعمل حزبه اليسوية، لكن لم تكن هذه الحقيقة . فقد ادت المواقف والظروف والملابسات لحزب اليسار الرئيسي الي تشرزم هذه القوي لانه كان يعمل بلا هوادة علي تفتيت وتمزيق وتحطيم اي اتجاهات لتوحيد هذه القوي في اي اشكال تنظيمية عمودية موازية خاصة القوي التي حوله- فقد احتكر هذه القوي وجعلها سياجا حوله ولا يسمح لاي جهة باقتلاعها منه. هذه الممارسات اوصلت اليسار الي الانتخابات وكل احزابها لديها مرشحين غير قابلين للفوز فى دوائر القوى الحديثة التي كان من الممكن الفوز بها لو اتحد اليسار وفقدها الشيوعيون بالكامل سوي فوز يتيم للسيد جوزيف مديستو في جنوب السودان باصوات متواضعة جدا. رؤية ثاقبة كانت الحاجة اليها ماسة وجراءة في الطرح والاصطفاف الموضوعي للقوي كانت هي مخرج السودان المرجو، لكن تنظيم اليسار الرئيسي بدعاوية ارسل هذا الامل العظيم الي اتون الانقاذ. تبع ذلك ان التحالف الديمقراطي الذي ايقظ للمشاركة في الانتخابات، اختفي من الساحة السياسية الا لماما ولم يكن مستغربا انه عند قيام انقلاب الانقاذ وعندما تلفت الحزب يمنة ويسرة لتنفيذ ميثاق الدفاع عن الديمقراطية وجد هباءا. وعندما تنادت تنظيمات التجمع للعمل العسكري في ارتيريا كان نصيب الحزب فراكشن صغير داخل العمل العسكري.

    برنامج ودستور الحزب الشيوعي السوداني يناير 2009م

    جاء انعقاد المؤتمر الخامس بعد اكثر من اربعين عاما على برنامجه السابق الذي اجازه مؤتمره الرابع في اكتوبر1967، وهو تقليد عادى فى الحياة السياسية فى السودان والمنطقة اى ديمومة القيادة حتى الرحيل. ولا نختلف كثيرا مع تبريرات الحزب حول الظروف التى استمر يتعرض لها من تضييق ومطاردة و تشريد (واكاد اجسم هذا الوضع والذى تعرضت فية للتشريد والاحالة للمعاش بقرارات وزارية وقرارات جمهورية ولم اعمل فى طول حياتى العملية الممتدة لحوالى اثنان وثلاثون عاما سوى ثمانية سنوات فى الصحة السودانية وكلها بدون ارادتى). ولان المتوقع فى حزب طليعى ان يقدم رؤية مستقبلية وافقا جديدا يفتح الطريق للتطور المرجو ( مايسمى التفكير برد الفعل والتفكير الاستباقى) فهذا الغياب الطويل حرم الحزب خاصة والحركة اليسارية ان تقدم فى هذا الوقت الطويل الا تحليلا ورؤية بعدية اى رد فعلية. وفى ظل الظروف العالمية والمحلية كان لا بد ان يستجيب الحزب للتغييرات والضغوط وتجىء اطروحاتة محاولة للتعايش و الاستمرار والتوفيق بين كافة التيارات بين صفوفة. رغم ذلك فقد جاء رد الفعل بتغييرات اراها مهمة دور الحزب، الديمقراطية داخل الحزب، الحزب والديمقراطية كنظام للحكم وبرنامج التطور الاقتصادى الاجتماعى للوطن وسوف نتناولها لاحقا فى عرضنا.

    الديمقراطية داخل الحزب

    برغم التغييرات العديدة التى فرضها الواقع المحلى والعالمى على اكبر حركات اليسار السودانى والتى حاولنا ان نقدم ملخصا تاريخيا وموضوعيا بقدر الامكان، الا ان كل هذة ستصبح اناشيدا جميلة اذا لم ترتبط بحركة دمقرطة داخلية للحزب والالتفاف حول رؤية وطنية تضع البلاد فى طريق المستقبل. ان ميكانزم الخلاص لن يتحقق بمجرد تغيير جملة او التخلص من كلمة او حتى تغيير كل الكادر القيادى، ان طرائق التغيير تمر عبر دراسة عملية للوضع السابق والتى رسم الاستاذ الخاتم عدلان صورة قلمية رائعة عن السلوك القيادي، ولن يختلف الوضع اذا وضعنا الشيخ، الامام او السيد فى هذة الصورة فالمشكلة هى البنية وليس الافراد. " لك ان تنظر في تاريخ الحزب الشيوعي كله وهو اطول من نصف قرن هل جاءت قضية واحدة كمبادرة من الهيئات الدنيا؟ بل هل صوتت السكرتارية المركزية نفسها في كل حياتها، منذ اوائل السبعينات وحتى الان على قضية من القضايا؟ ام انها تستمع الى راي السكرتير العام وتبصم عليه وكفى؟ وثمة خدعة ماكرة ظلت تمارسها القيادة طوال تاريخها، وهي انزال وثائق عمومية" عن الوضع السياسي الراهن " تجيزها العضوية وترفع مناقشاتها حولها. العضوية لا تشارك في رسم سياسة الحزب بهذه الطريقة الموغلة في العمومية، بل تشارك عندما تطرح عليها قضايا محددة: هل نتحالف مع حزب الامة ام مع الوطني الاتحادي ام مع كليهما وما هي حيثيات كل ذلك؟ كيف نتصرف في مالية الحزب، وماهي اولوياتنا؟ ...الخ باختصار: هل اجازت عضوية الحزب، في كل تاريخها، وعلى كل مستوياتها، ورقة عمل سياسية، ام انها ظلت تغرق دائما في العموميات غير الملزمة لاحد بينما تنفرد السكرتارية المركزية باتخاذ المواقف كل هذه القضايا. اي ان سياسة الحزب العملية ترسمها حلقة ضيقة جدا في كل الحزب، وينفرد السكرتير العام باغلبها". ( نقاش مفتوح مع الاستاذ الخاتم عدلان في المنبر الحر، 10-12-2003, http://www.sudaneseonline.info ).

    الرؤية الشيوعية

    لعل من نافل القول ان هذة الرؤية لم تجرب فى حكم السودان ولذلك فان النظر فيها سيكون من واقع الطريق الذى اختطتة للوصول الى السلطة ومن ثم افكارها العامة عندما تستلم السلطة ولحسن الحظ فقد عقد المؤتمر الخامس وتعامل مع اوجة الخلل الكبرى فى هذة الرؤية وهى دور الحزب، الديمقراطية داخل الحزب، الحزب والديمقراطية كنظام للحكم وبرنامج التطور الاقتصادى الاجتماعى للوطن.

    اولا: رافق التغيير فى اتجاة الديمقراطية تغييرات فى المادة (2) حول طبيعة الحزب واهدافه العامة واسسه الفكرية والتى تراجعت عن قيادة الحزب والمجتمع " انه اتحاد طوعي بين مناضلين ثوريين تعاهدوا على انجاز البرنامج الوطني الديمقراطي والاشتراكية بما يتناسب وخصائص الشعب السوداني ويستند الحزب في تكوينه على الطبقة العاملة ويستوعب في صفوفه الطلائع الثورية للجماهير العاملة في المصانع والحقول والمراعي ودور العلم وبين المثقفين وكل الذين يقبلون برنامجه ويناضلون لتنفيذه".

    ثانيا: استبدل المركزية الديمقراطية واسسها على الديمقراطية فى المادة (5) الديمقراطية في الحزب " يقوم تنظيم الحزب على اسس ديمقراطية تُؤَمن حرية اعضائه وهيئاته في المناقشة وابداء الراي والمشاركة في ادارة شؤون الحزب على كافة المستويات، وان علاقة الاعضاء في القاعدة والقيادة علاقة زمالة بين مناضلين اساسها الاحترام المتبادل ونكران الذات والنقد البناء و ليست علاقة وصاية ابوية او رئيس ومرؤوس، وذلك عبر الالتزام بالقواعد والتدابير التالية " (برنامج ودستور الحزب الشيوعي السوداني المجازين في المؤتمر الخامس، يناير 2009م، الحزب الشيوعي السوداني، الحوار المتمدن - العدد: 2619 - 2009 / 4 / 17 ). وكان المرحوم الخاتم عدلان قد قرع المركزية الديمقراطية ووصفها بداء الحزب العضال :" ولكن ثمة عقبة ذاتية، داخل الحزب الشيوعى ذاته، تعيق نموه وتحبط تطوّره . وهى تتمثل فى المبدا التنظيمى الذى يحكم حياته الداخلية والمسمى - المركزية الديمقراطية -. فسيادة هذا المبدا التنظيمى هى المسؤولة عن عقم حياة الحزب الداخلية، وضيقه بالراى، وتبرمه باستقلال الفرد ونمو شخصيته المستقلة، وتوخيه للطاعة المطلقة فى كوادره واعتبارها شرطا اساسيا للترقى الحزبى. الحجج التى تسنده لا تخرج عن اثنين: اما ضمان وحدة الحزب والوقوف فى وجه اية محاولات تكتلية وسحقها فى مهدها او اقامة نظام طاعة حديدى يزعم انه يرتفع بفعالية الحزب الى الدرجة القصوى. ان ممارسات الاحزاب الشيوعية تشهد ان الديمقراطية قد تمت التضحية بها على الدوام لصالح مخدومتها المبجلة : المركزية المطلقة . "

    ثالثا: لعل اكثر صياغة متكاملة لنظرية الديمقراطية الحالية عند الشيوعيين السودانيين قد تم التعبير عنها من خلال مقابلة مجلة النهج مع الاستاذ محمد ابراهيم نقد السكرتير العام للحزب الشيوعي السوداني والتي اعيد نشرها في كتاب الاستاذ نقد ُقضايا الديمقراطية في السودان المتغيرات والتحديات." ان الهجوم على الديمقراطية السياسية والدستور والتعددية الى اخر ما افرزته الثورات البرجوازية، هذا الهجوم لم يكن دقيقا" فرغم المحدودية التاريخية للديمقراطية الليبرالية فان "اي تغيير اجتماعي نقدمه يجب ان يحافظ ويدعم ويحمي ما اكتسبته الجماهير من حريات وحقوق اساسية وان يستكمل ذلك بالتغييرات الاجتماعية، الديمقراطية الاقتصادية، الديمقراطية الاجتماعية" . اننا نقبل التحدي بالحفاظ على الديمقراطية الليبرالية والدفاع عنها. فقد ناضل شعبنا 16 عاما لاستعادة هذه الحريات، واي حديث عرضي عن ان هذه الحريات وهذه الديمقراطية لا تعني شيئا ولابد من المضي قدما لديمقراطية اخرى، فيه كثير من التقدير الخاطئ لتطور الثورة، وفيه استخفاف بما انجزه الشعب السوداني وضحى من اجله، وفيه نزعة لدكتاتورية شريحة اخرى من البرجوازية الصغيرة تسرق رصيد االانتفاضة وتسرق رصيد الجماهير من اجل التغيير وتفرض قيام انقلاب. (د. صدقي كبلو: الشيوعيون السودانيون).

    رابعا: برنامج التطور الاقتصادى الاجتماعى للوطن: انتقل الحزب الشيوعى السودانى من برنامج طى مراحل التخلف عن طريق تخطى الحقبة الرأسمالية وتبنى طريق التطور غير الرأسمالى لهذا الغرض مع التركيز على علاقات الانتاج فى ظل السعى الى بناء دولة مطلقة الصلاحيات، مالكة لكل وسائل الانتاج، اى المطابقة بين ملكية الدولة والملكية العامة لوسائل الانتاج. الى معالجتها بطرح ما اسماة البديل الوطني الديمقراطي وتناول فى صفحات مطولة فى من البرنامج والدستور هذا البديل بالشرح التفصيلى وقد جاء متوازنا وموضوعيا. (برنامج ودستور الحزب الشيوعي السوداني المجازين في المؤتمر الخامس، يناير 2009م). " فى حوارى الفكرى والسياسى مع الأستاذ نقد وجدته يحمل فكراً تجديدياً فى الفكر الماركسى الأشتراكى وتطويعه بما يتلاءم والواقع السودانى والعربى والأسلامى. فقد تغير رأيه فى دور الدين فى المجتمع السودانى وحتى فى الدولة السودانية ويبقى الضابط عنده هو عدم استغلال هذا الدين فى السلطة والسياسة والسبيل الوحيد لكبح استغلال الدين هو الديمقراطية بكل ما تحمل الكلمة من معان. وقد تغير أيضاً فكره فى الديمقراطية المركزية الى الديمقراطية الليبرالية التعددية وضرب لى مثلاً أن حزب العمال البريطانى قد قام بتحسين وجه النظام الراسمالى دون الغائه وذلك بأضافة مضامين النظام الأشتراكى المتمثل فى الضمان الأجتماعى وريادة القطاع العام دونما تغول على القطاع الخاص وأتباع النظام الأقتصادى الحر وصار نظاماً يحتذى للأشتراكية الديمقراطية التى تبنتها معظم دول أوروبا الغربية. (بروفيسور محمد زين العابدين عثمان: ورحل نقد مانديلا السودان ، جريدة الجريدة، 7 ابريل 2012 )

    (عدل بواسطة د. عمرو محمد عباس on 08-01-2012, 00:08 AM)

                  

العنوان الكاتب Date
كتاب الرؤية: من انتاج الفشل الى رؤية المستقبل (5) د. عمرو محمد عباس07-31-12, 03:52 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de