كتاب الرؤية : من انتاج الفشل الى رؤية المستقبل (1)

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 05-04-2024, 04:05 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثالث للعام 2012م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى صورة مستقيمة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
07-27-2012, 07:48 PM

د. عمرو محمد عباس


للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
كتاب الرؤية : من انتاج الفشل الى رؤية المستقبل (1)

    كتاب فى حلقات

    مقدمات
    مقدمة ضرورية
    تمهيد
    الجزء الاول: الرؤى السودانية
    الفصل الاول: المحددات الاقتصادية الاجتماعية للرؤي السودانية
    الفصل الثانى: مدخل منهجى لرؤى السودان
    الفصل الثالث: الرؤية الاولى: المهدية
    الفصل الرابع: الرؤية الثانية: رؤية 1924
    الفصل الخامس: الرؤية الثالثة: رؤية مؤتمر الخريجين (رؤية الرواد)
    الفصل السادس: - فشل مشروع رؤية الرواد (1942-1969)
    الفصل السابع: الرؤية الرابعة: رؤية القومية العربية
    الفصل الثامن: الرؤية الخامسة: رؤية الحزب الشيوعي السوداني
    الفصل التاسع: الرؤية السادسة: رؤية تيار الدولة الدينية
    الفصل العاشر: فشل رؤية تيار الدولة الدينية
    الفصل الحادى عشر: الدساتير الديمقراطية المؤقتة والعسكرية الدائمة الرائحة
    الفصل الثانى عشر: الرؤية السابعة: رؤية السودان الجديد
    الفصل الثالث عشر: احزاب خارج سياق ما بعد الاستقلال
    الجزء الثانى: محاولات الحل السياسى
    الفصل الاول: التجمع الوطنى الديمقراطى
    الفصل الثانى: الطريق الى الدولة الديمقراطية المدنية
    الفصل الثالث : سؤال البديل
    الفصل الرابع: دعاة الشعب يريد اسقاط النظام
    الجزء الثالث: نحو رؤية سودانية جديدة
    الفصل الاول: الثورات العربية
    الفصل الاخير: رؤية سودان المستقبل


    الاهداء

    متخيرا وعر الدروب وسائرا فوق الرصاص منافحا
    جيل العطاء لك البطولات الكبيرة والجراح الصادحة
    ولك الحضور هنا بقلب العصر فوق طلوله المتناوحة
    ولك التفرد فوق صهوات الخيول روامحا
    جيلي أنا ..
    من اغنيات ثورة اكتوبر فى الستينات شعر: محمد المكى ابراهيم

    كاكى بقيت شماتـــــه
    خـجل لـى سراتـــه
    نــادوا لى صـاحبـاتة
    يلقـطـن حجبــاتــة
    مقطع من اغنـــية لقبيلة الزيادية فى شمال دارفور فى السبعينات

    رجعـلك قليبى المهضــلم يراجع صنوف الغناوى العصية
    يراجع معاك الكلام القبيل استباك الكـــــــلام المغطغط وخاوى
    الكـــــــلام المزيف الكــــــــلام المبهرج وخمج
    من اغنيات نقد الذات فى التسعينات: للشاعر محمد طة القدال

    وكتين يضيع عرق الجباه الشم شمار فى مرقه .. يا نوره اه
    يا أم عوارض مو دعاشه ماها شبوره وتقيف
    جاى ليك يا نوره غيمه تملا ماعونك خريف
    يملا عينيك ويفضل ... يروى جواك العطاشه
    يا نفس فجر القصائد ... يــــــا بـــــــــلادى
    من قصيدة: نورة للراحل محمد الحسن سالم حميد

    الثورة السودانية: من لا لا للغلاء الى اسقاط النظام

    لفهم هذا الوضع الذى نجد انفسنا فية جادت قرائح الالاف المثقفين من ابناء الشعب وحللوا فية الماضى لفهم الحاضر والانطلاق الى المستقبل. اود ان اتشرف بان اكون احد هؤلاء الذين يستطيعون ان يضيفوا شيئا فى ذاكرة الوطن ويصنعون التغيير

    الوضع الحالى بسيط فى ان كافة طوائف ومكونات الشعب السودانى قد وصلت حد القطيعة مع النظام وهناك سخط غير معتاد يعبر عن نفسة يوميا فى عشرات المواجهات فى كافة ارجاء الوطن وينشر فى وسائل الاعلام ويشمل تنظيمات، ومدن ومجموعات سكانية وغيرها. قضايا الفساد المنشورة اصبحت راتبة وتوثق يوميا فى الشبكة العنكبوتية وتنتشر. القيادة عاجزة عن الحكم لذلك تلجأ الى القبضة الامنية المتشددة حتى فى تعطيل الصحف، تطلق الوعود عن اكتشافات بترولية جديدة وذهب وافر والهروب للامام بتفجير الحروب الاهلية. لقد انزنق النظام واصبح هستيريا يطلق الشتائم النابية من شذاذ الافاق، الفئة المنبتة، المخربون، فئة محدودة واطلقت حملة اعتقالات تطال وطالت الالاف الان ظنا من انة قادر على ايقاف السيل الهادر واطفاء مراجل الغضب. لقد وقف النظام الفاسد المستبد عاجزا امام شعبة وغريبا وبدا افرادة فى القفز من السفينة الغارقة.

    الوضع الحالى ايضا معقد ويثير الخيال فمن ناحية هناك حرب مشتعلة بين الهامش (جنوب كردفان، دارفور، النيل الازرق والبحر الاحمر) والمركز. الهامش هنا افتراضى لان داخل المركز هناك هامش ممتد من شمالة الاقصى الى مناصيرة وغيرهم. الاشكالية هنا ان الهامش الاول ينظر للمهمشين داخل المركز كمركز (اى جلابة، اولاد بحر او مندكرو). ليس هناك تواصل مكتمل بين هذين العالمين خاصة بين الحركات الشبابية. اسباب هذا التفاصل متعددة ولكن اخطرها اثرا الآلة الاعلامية الانقاذية فى الترويج للقبلية والجهوية والمناطقية و"تخويف" المجموعات السكانية الاسلاموعربية من هجمة الزرقة. الالية الاخرى هى التكتيكات الامنية من تخويف وارهاب المتقاطعين من المنطقتين بالعمالة والطابور الخامس واخيرا قوانين التجسس وكذلك المفاضلة فى المعاملة فهى تعتقل ابناء وبنات الجلابة لمدد تآديبية قليلة ولكنها تعتقل ابناء الهوامش وتعذبهم لمدد طويلة.

    حالة محمد ادريس جدو نموذجية فمنذ 31/12/2011 تم اعتقال محمد ادريس جدو رئيس رابطة دارفور جامعة الخرطوم وهو احد طلاب جامعة الخرطوم وعضو مؤتمر الطلاب المستقلين ورئيس رابطة دارفور في الجامعة وكان من قادة عمليات الاعتصام بجامعة الخرطوم حتي تم اغلاقها وشارك في اعتصامات المناصير باسم الرابطة وأطلق سراحه في نفس اليوم وهو مصاب بكدمات في مفصل الركبة. وبعدها فى الأول من يناير الماضي اعتقل مرة اخرى بعد مشاركته في مؤتمر صحفي لطلاب الجامعة يخص قرار إخلاء الداخليات، وكان يستغل مركبه مواصلات عامة قطعت عليها الطريق عربتا (بوكس ) بهما 17 فرد من جهاز الأمن يحملون أسلحة كلاشنكوف، وقاموا بضرب ( الكمساري) وتهديد بقية الركاب، واقتادوا محمد ادريس (جدو). ومنذ اعتقاله منعت عنه الزيارة، واكتنف الغموض حالته الصحية ومكان اعتقاله حتى بعد اكثر من عام.

    لقد تساءلت والدة جدو السيدة مريم ترايو عن عدم اطلاق سراحة بعد اكثر من عام وقد اطلق سراح كل من اعتقلوا معة. وقالت مريم ان اخبار ولدها انقطعت عنهم منذ اعتقاله، وهى لا تعلم مكان اعتقاله وصحته، وإنها تعيش فى حزن وعوز دائمين منذ اعتقالة. السيدة مريم والدة جدو نزيلة معسكر زمزم- معسكر لايواء النازحين بالقرب من مدينة الفاشر حاضرة ولاية شمال دارفور من بين اكثر من مائة معسكر تضم حوالى المليونين- مناضلة بطريقتها فهى "بناءة" لكى تعول نفسها وتدفع ابنها لمستقبل افضل. ان جدو هو ابنها الاكبر والعائل الوحيد لهم بعد فقد زوجها، و كان يرسل لهم المصاريف من خلال عمله فى الاجازات والفترات المسائية. وقد قام وفد من حزب المؤتمر السوداني وممثلين لـ موتمر الطلاب المستقلين بزيارة أسرة المعتقل الماجد/ محمد إدريس جدو في معسكر زمزم .

    لقد بدأت الحركات الشبابية وضع الحلول لمحاولات النظام منع تشبيك هوامش المركز داخلها وخارجة. ان الحملة التى بدأتها مجموعات الشباب المختلفة من اجل التضامن مع محمد ادريس جدو، وادت فعلا لاطلا ق سراحة، ارسلت الرسائل المفيدة لوحدة الحركة السودانية للتغيير وان الشعب يرفض ان يعامل ابناء الهوامش ككم مهمل لا احد يعتنى بهم. ان هذة اول الطريق نحو مشروع قومى على هدى المناضل على عبد اللطيف. فلا خيار لها سوى ان تبتدع مشروعها القومى اى الذى يتعامل مع امال واحلام اقوام السودان المتباينة والمتنوعة والشريكة فى هذا الوطن لان المشروع الوطنى يعنى لدى كافة "الاخرين" مشروع الجلابة فى وطن الجلابة ولايتسع لهم.

    لقد وجدت نفسى منخرطا فى عشية الثورة السودانية بعد هذا الموقف، وكنت قد زرت الفاشر كجزء من تحضيرات اعادة اعمار دارفور كمستشار لمنظمة الصحة العالمية، مكتب السودان لتحضير وثيقة استراتيجية اعادة اعمار دارفور. زرت دارفور بعد اكثر من عشرين عاما وقد تحولت الى ملجأ ضخم للنازحين وتحولت من اقليم غنى ومنتج الى مكب للاغاثات الدولية والابنية الفاخرة لاثرياء الحرب. جعلنى منظر مبانى قوات اليوناميد والاف السيارات التى تحمل عنوان الامم المتحدة والابنية المهترئة لمعسكرات النازحين، امتلىء بحزن عميق وغضب على مصير الملايين من ابناء هذا الاقليم الوادعين والمكافحين.
    منذ 16 يونية 2012 تصاعدت الاحتجاجات فى السودان وانتقلت من تحركات طلابية ضد الغلاء، وبفعل عزيمة واصرار الشابات والشبان فى كل بقاع الوطن، تحولت هذة التحركات الطلابية الى تحركات شعبية فى جمعة الكتاحة 22 يونيو وشاركت فيها احياء ومدن وقرى وبدات تتضح شعاراتها باسقاط النظام. التحرك المنظم والمخطط لة جاء فى جمعة لحس الكوع 29 يونيو 2012 ، وهى بداية النهاية لنظام الفساد والاستبداد والاقصاء والافقار. حضرت الى القاهرة فى بداية يونيو 2012 للعمل على انجاز الكتاب و تهيئتة للنشر وهكذا حرمت من المشاركة فى الثورة بين ابنائى وبناتى ولكنى احاول ان اساعد كغيرى من الملايين الذين دفعهم النظام للخارج دفعا.

    سيناريو تغيير النظام غير مجد ولم يثمر طوال الاعوام الاثنان والعشرين وكافة الحوارات والهدف منها تفتيت وحدة القوى المعارضة وجذب بعض الاحزاب للتعامل مع المؤتمر الوطني. اذا ارادت اى قوى ان يستجيب المؤتمر الوطنى لما يشبة تفكيك الدولة العنصرية فى جنوب افريقيا فعليها حشد وسائل ضغطها الجماهيرية، لا المذكرات او اعلان المواقف والندوات العامة ..الخ مفيدة. فقد حددت السلطة خيارات اجبارها على التنازل، البندقية كما حدث مع الحركة الشعبية او التحركات الشعبية السلمية العارمة.
    هذا الكتاب ليس من اجل كيفية اسقاط النظام فهذا فعل الشعب السودانى لكنة محاولة للنظر فى كامل التجربة السودانية فى الحكم والثورات، نجاحاتها واخفاقاتها ومن ثم تلمس الطريق لكيفية التوصل الى رؤية جديدة تستطيع ان تعبر بنا الى سودان المستقبل.
    اهدى هذا الكتاب لشابات وشباب الوطن الذين يتصدون ببسالة لمرتزقة النظام ورباطتة والى كل بنى وطنى الذين يصنعون المستقبل.
    اهدى هذا الكتاب الى نساء السودان اللواتى يشاركن بفعالية كبيرة ويرعبن النظام.
    واهداء خاص للسيدة مريم ترايو مناوى الام السودانية بطلة من طراز خاص واللواتى يصنعن لفلذات اكبادهم مستقبلا افضل ويضحين بلا ضجيج او من.

    مقدمة ضرورية

    اعود الى الكتابة عن الشأن العام فى المجال السياسى بعد حوالى العشرين عاما منذ كتبت ورقة بعنوان " ديمقراطيات السودان منذ الاستقلال وحتى اعلان نيروبى" ضمن ندوة تقييم الديمقراطية في السودان التى نظمها مركز الدراسات السودانية فى القاهرة 4-6 يوليو 1993. وعندما اقول الشان العام فلا اعنى اننى لم اكن مساهما فيه، ولكن كنت مساهما فى حقل السياسات الصحية بحكم عملى فى السودان ثم ليبيا ودولة قطر والامارات العربية المتحدة واخيرا مستشارا اقليميا فى الادارة الصحية فى منظمة الصحة العالمية حتى المعاش فى نهاية ابريل 2011. وكان سبب النأى عن الكتابة فى الشان العام فى اغلبة اننى كنت نصف هذا الوقت موظفا فى دول خليجية والنصف الاخر موظفا دوليا، تمنع قوانين و تقاليد هذة المؤسسات الكتابة فى الشان العام خارج حدود هذة المنظمات. وبما اننى عائد بعد كل هذة السنين فاظن من حق القارئ ان يكون ملما بشكل جيد عن الكاتب الذى يقرأ لة، لذلك فقد كرست هذا المدخل لتقديم نفسى وتوضيح بعض التاريخ الذى صنع وشكل كثيرا من ارائى.

    اود بداية ان انطلق من احداث مربكة كان لها دور كبير فى حياتى وتركت اثارا عميقة على حياتى العلمية والعملية والسياسية والاجتماعية. فمنذ بدء عملى فى وزارة الصحة السودانية عام 1976، وقد كنت من نشطاء العمل النقابى طالبا وطبيبا، بدأت احالتى للصالح العام مبكرا فى حياتى (لا ادرى اذا كنت واحدا من قلة تم الاستغناء عنها هذة المرات – مجموعها اربعة قرارات وزارية وثلاثة اخرى جمهورية). فقد احلت الى المعاش للصالح العام - بعد اقل من ثلاثة اعوام من عملى - فى عهد المغفور لة جعفر نميرى بعد اضرابات الاطباء فى اعوام ما بعد المصالحة. احلت للصالح العام اول مرة بقرار وزارى فى 16 سبتمبر 1979، ثم بقرار جمهورى رقم 587 فى 11 اكتوبر 1979 ثم اعدت الى الخدمة بقرار جمهورى رقم 697 بتاريخ 3 سبتمبر 1980 ثم احلت للصالح العام مرة اخرى بقرار وزارى فى 14 ابريل 1981 ضمن مجموعة كبيرة فيما عرف بمجزرة ابريل 1981. عدت الى الخدمة الحكومية بعد االانتفاضة بقرار وزارى 1985 ثم احلت للصالح العام مرة اخرى فى عهد الانقاذ وانا اشغل منصب المدير العام للخدمات الصحية لاقليم دارفور فى 19 مارس عام 1990 بالقرار الجمهورى رقم 496.
    ولان الرزق بيد الرزاق فقد تقاذفتنى امواج الحياة العارمة من استاذ فى كلية التقنية الطبية فى مدينة مصراتة فى ليبيا، وزارة الصحة القطرية حيث عملت مع الدكتور العالم عبد الرحمن الكوارى بقطر ومن ثم وزارة الصحة فى مدينة العين الجميلة فى الامارات العربية المتحدة، الدولة التى استطاعت المزاوجة الدقيقة بين الاصل والمعاصرة وبنت انجح تجارب الوحدة القطرية، حيث نعمت بافضل سنوات حياتى حيث زملونى ودثرونى واعانو عيالى واستقريت اخيرا مستشارا اقليميا فى منظمة الصحة العالمية فى المكتب الاقليمى لشرق المتوسط بالقاهرة. كان من ضمن عملى ان حررت مسودة الجزء الخاص بالصحة فى السودان المقر فى ورشة عمل فى الخرطوم والتى اعتمدتها البعثة المشتركة لتحديد احتياجات السودان
    عقب اتفاقية نيفاشا وساهمت باشياء اخرى لصالح الوطن من مواقعى المختلفة.

    انتميت للحزب الشيوعى منذ منتصف السبعينات وحتى اوائل التسعينات حيث تقدمت باستقالتى منة بهدوء عملا بالقول الجارى الذى اوجزه المرحوم الخاتم عدلان عند استقالتة من الحزب الشيوعي. " لذلك نتركه، كما دخلناه، بصدق كامل مع الذات. ونفعل ذلك دون ندامة، و لكن ليس دون حزن." ان ما تقدم ضرورى ليس بغرض تحسين الصورة او تبرئة الذمة او غسيل الاحوال او التنصل من الماضى فذلك جزء مهم من تكوينى ونضجى ولربما كان هو المسار الذى كان لابد ان اسير فية حتى اصل الى ما اؤمن بة اليوم وهو امتداد لما جذبنى فى البدء للحزب من موقع المثقف التنويرى و النوبى الذى لدية مظالم تاريخية و تراث ممتد فى عمق السودان. وقد جاهدت عبر السنوات ان ابتعد بنفسى عما وصفة بدقة الدكتور محمد جلال هاشم (الدّيموقراطيّة واليّات العمل السّياسي ، محمد جلال هاشم، صحيفة اجراس الحرية بتاريخ : الاربعاء 30-12-2009 07:59 ) " صعوبة الانعتاق من ربقة التّنظيم الذي انضووا اوّل امرهم في صفوفه باختياريّة تامّة؛ فاذا بالايّام تتقلّب بهم، فيضعف انتماؤهم للتّنظيم او الرّغبة في الاستمرار فيه، ولكن مع ذلك يعجزون عن مغادرة صفوفه اذ يكونون قد فقدوا مزية الاختيار التي لولا فضلها لما اختاروا الانضمام للتّنظيم في المقام الاوّل. وحتّى الذين يخرجون عن مثل هذه التّنظيمات، كثيرا ما ينتهي بهم الامر الى الدّوران في فلكها، او تجدهم قد انضمّوا الى نقيض تلك التّنظيمات فكريّا، وذلك في سبيل تحقيق انعتاقٍ زائف منها". وكان هدفى كما واصل الدكتور محمد جلال هاشم "هناك قلّة من ذوي الشّكيمة الفكريّة والنّفسيّة الذين ينجحون في كسر جاذبيّة الدّوران في فلك تنظيمات اختلفوا معها وغادروا صفوفها. من المؤكّد ممّا تواترت به التّجارب ملاحظة سلسلة من الحالات السّالبة، والتي في افضلها يتحوّل النّاس الى انشقاقيّين، وبهذا تصبح المجموعة التي خرج منها وعليها محورا لمجمل انشطته التّنظيميّة والفكريّة. فالذين يكسرون هذا الطّوق الحديدي شجعان ما في ذلك شكّ؛ ولكن الذين ينجحون بعذ هذا في ان يعاودوا سيرة حياتهم الاولى دونما ايّ بواقي اذويّة عظماء بغير شكّ ". ولا ادعى اى بطولة او عظمة فقد ترعرعت فى مؤسسة عريقة ومناضلة واخذت منها الكثير واعطيت ثم رأيت بعد ذلك ان قناعاتى الفكرية لم تعد تلائم المطروح داخلها فغادرت.

    فى بداية تسعينات القرن الماضى قذفت بنا الدائرة الجهنمية الى القاهرة كجزء من النخبة التى قصدتها الانقاذ باسلحة قطع سبل العيش والارزاق والتى شملت فى طياتها كل الاطياف السياسية خارج حلبة المشروع الحضارى. وكجزء من احساسنا بحجم الفجيعة والكارثة من الدائرة الجهنمية و كبداية لتصدى صديقنا د. حيدر ابراهيم للتعامل معرفيا مع هذة الظاهرة المستدامة فقد عملنا معة لتنظيم ندوة تقييم الديمقراطية في السودان، 4-6 يوليو 1993 مركز الدراسات السودانية فى القاهرة، وقد شرفنى د. حيدر ابراهيم ان اقدم ورقتى بعنوان " ديمقراطيات السودان منذ الاستقلال وحتى اعلان نيروبى" كاول متحدث.

    وكانت المغصة من اننا شعب شفاهى قد قادت د. حيدر ابراهيم لانشاء مركز الدراسات السودانية فى القاهرة لعل وعسى، وارى انة حرك كثيرا من الرواكد وكان رائدا للنهضة الثقافية فى توجهها الى النسخه السودانوية بعد مدارس المستعربة الاوائل من جمعية ابوروف وجماعة الهاشماب (اولاد الموردة) والتى عرفت فيما بعد بمدرسة الفجر ولاحقا طبعتها الافروعروبية بتجلياتها الادبية في مدرسة الغابة والصحراء ومن ثم اخيرا السودانوعروبية (انظر الدراسة المحكمة للدكتور محمد جلال هاشم: السودانوعروبية، او تحالف الهاربين:المشروع الثقافي لعبد الله على ابراهيم في السودانsudan for all ). ودفر المسعى النبيل بعد ذلك مشاريع رائدة اخرى من دار عزه ومدارك وتولت القيادة فى نهاية القرن الماضى الانترنت ووليداتها من المواقع الاسفيرية ( واشهرها سودانيزاون لاين، الراكوبة، Sudan for all ، سودنايل وحريات، مسارات كامثلة فقط) و كتاب الوجوة ( فيس بوك) وتويتر وهلماجرا.

    المبحث عن الديقراطية كسؤال معرفى، قديم فى ذهنى، كان عارضا فى سنوات الشباب كجزء من الانهماك فى العمل السياسى اليومى ومؤثرا موضوعيا على حياتنا، وذلك لاننى كنت ابتدر السؤال، وانا فى خضم العمل الجماهيرى ونحن نهتف بسقوط عبود الى ان احلت الى المعاش للصالح العام فى عهدى نميرى والانقاذ، كجزء فاعل فى حركة اليسار. اى اننى داخل اللعبة منذ ان خرجت وانا لم ازل غضا غريرا فى الثالثة عشر وحتى هرمنا.. هرمنا..!!

    كان تساؤلى الاكبر – والذى لم تعكسة الورقة المنشورة فى الكتاب جيدا انذاك- عن الديقراطية داخل الاحزاب ودورها فى تخريب الديمقراطية فى السودان وان البدء بالاصلاح يبدا من دمقرطة الحياة السياسية السودانية وفى مقدمتها الاحزاب. وقد تناوبنى قادة الاحزاب الحاضرة جميعهم انذاك بالهجوم الشرس ولعلهم كانو يقولون لى الناس فى شنو والحسانية فى شنو، فهذا زمن العمل المتكاتف واعداد العدة للاطاحة بهذا الجريو كما كانوا يظنون انذاك. وقد اصابنى رعب شديد و دبرسة محكمة وكنت اظن اننى احد حملة مصباح ديوجين و مرشد خارطة الطريق – قبل ان تشهرها كوندليزا رايس فيما بعد- ولكن قاد النقاش الى الاتفاق بين الاحزاب ان تقدم نقدا ذاتيا لمسيرتها وقد ابتدر ذلك الاتفاق المغفور لة المناضل التجانى الطيب وقدم ورقة الحزب الشيوعى هاءوكم اقرءوا كتابيا وتلتة الاحزاب كافة ( حزب الامة، وشهادتان من الاتحادى الديقراطى وتساؤلات من د. عبد الوهاب الافندى) . وقد اعادنى ذلك للجادة وابعد عنى الدبرسة و الوسواس الخناس. وهذا تاريخ الان ولكن المسالة الجوهرية فى نظرى لم تظل قائمة وان اختلفت نظرتى لها بعيدا عن الحماس الطاغى علينا انذاك. (تحرير د. حيدر ابراهيم: الديمقراطية فى السودان: البعد التاريخى والوضع الراهن وافاق المستقبل، مركز الدراسات السودانية، ابحاث ندوة تقييم التجارب الديمقراطية فى السودان، القاهرة 4-6 يوليو 1993)

    هذا المبحث عن الديقراطية اتخذ فى حياتى مسارب متنوعة والتزامات متعارضة ولكن وصلت الى طريق مسدود و معضلة فكرية حقيقية على اثر قفز الجبهة الاسلامية القومية على السلطة فى الثلاثين من يونيو 1989 ضاربة عرض الحائط بالتزاماتها نحو الديمقراطية ووجدنا انفسنا امام ديكتاتورية عقائدية وشمولية. برغم المسار المختلف والاخلاقيات والمبادىء بين تيار الدولة الدينية والحركة الشيوعية ولكن بافصاح السلطة الجديدة عن برنامجها و خطواتها التنفيذية، فقد تواردت الى الذهن المقارنة العقلية والتاريخية مع برنامج الحزب الشيوعى الذى كان من المفترض تطبيقة فيما بعد 19 يوليو 1971، فكلاهما قائم على تغيير المجتمع، تيار الدولة الدينية الى صورة مثالية قبلية مفترضة والشيوعى الى صورة مثالية بعدية مفترضة. وكانت ورقتى فى ندوة تقييم الديمقراطية في السودان عام 1993 موجها للحزب الشيوعى كغيرة من الاحزاب. وفيما بعد عزز اقترابى من الحزب الشيوعي فى سنوات اخر الثمانينات ومعرفتى الصيقة بكيفية ادارتة وقطعا تهاوى النموذج السوفيتى ، اغترابى من الحزب الشيوعي وبرغم وجودى الفعلى فى الحزب الشيوعي فقد بدا هذا يعمل على تطورى التكوينى والفكرى وعندما تركت الحزب كنت قد انتقلت الى بنيان فكرى مختلف.

    عاودنى الاهتمام بالمسالة بعد ان حضرت اندلاع الثورة المصرية فى القاهرة والثورة الليبية فى طرابلس واتاح لى وجودى فى خارج السودان الزمن فى متابعة احداث الثورات العربية بدقة. مدخلى الى هذة الثورات هو النظر للغابة وليس الاشجار، اى النظر لها من خارجها وليس من داخلها لان هذة تتيح النظرة العامة التى تعطى مجالا ارحب فى استخلاص الدروس والعبر. النظر الى الاشجار سياتى فى تناولى للسودان باعتبارى متاثرا بها واحيانا مشتركا فيها.

    رغم حماسى منذ البداية مع الثورات العربية ومتابعة مصائر ثوراتها والمنحى الذى اخذتة بالذات الثورتان التونسية والمصرية، مما يعيد الى الذاكرة فشل الثورات والانتفاضات السودانية المريع الذى ترك لنا ذكريات الانهيار الكامل والوطن المقسم والمتنازع والسائر فى اللاطريق. نفس الاطروحات التى زلزلت ثورات السودان وانتفاضاتة مطروحة على الساحات العربية ونزاعاتها من سؤال الهوية، الدولة الدينية والمدنية، الدستور وهكذا من اسئلة السلطة. وقد تابعت الاتفاق العام فى غالب الكتابات والمتحدثين فى مختلف وسائل الاعلام على افتقاد الرؤية وقد تبلور هذا فى بدء ورودها بكثرة فى المنتديات والمحاولات الدائبة لتقديم رؤى مختلفة لبناء الاوطان.

    كتقديم للولوج فى هذه المراجعة من مدخل مصطلحي محكم ، نوضح فيه اطارنا النظري والمعرفي الذي نناقش فيه رؤى السودان لبناء الوطن هو جماع ما تعارفت عليه الانسانية – بمختلف اديانها وثقافاتها واوطانها وظروفها الاجتماعية والاقتصادية ونظرياتها الاقتصادية في هذا الوقت من التاريخ واودعته في وثائق اساسية وهو عقد اجتماعي بين اطراف الامة يرتكز علي المواطنة، الديمقراطية التمثيلية (النيابية) بكافة اشكالها، حرية القضاء، الاعلام وحقوق الانسان . هذه القيم الحاكمة والمبادئء الاساسية لنظرية السلطة تستوعب بداخلها منظور التنوّع والاختلاف كبديل لبوتقة الانصهار. هذة المبادىء التي اتفقت عليها البشرية خاصة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وسقوط الديكتاتورية في اصلها البروليتاري او المستبد العادل الطائفي او العسكري، ولكن هذا لا يمنع تباينات النظريات الاقتصادية من الاقتصاد الحر في شكله الامريكي او انظمة الرفاة في اشكالها الاوربية ومفاهيم العدالة الاجتماعية والتفاوتات السياسية من المكونات الطائفية والاحزاب الليبرالية والاشتراكية والديمقراطية والمحافظين في مختلف الاشكال. وقد تناول هذة الاشكاليات من مختلف جوانبها كتاب الدين والديمقراطية، اعداد د. حيدر ابراهيم صدر عن مركز الدراسات السودانية 2009 ، وتناول فية عدد من الكتاب البارعين هذة المصطلحات بشرح واف وشاف.

    هذا الاطار النظرى الذى تتفق بة كافة الاطراف ليس كافيا، فما يعلن فى الوثائق والاتفاقيات وبيانات الاحزاب والمنظمات والتحالفات السياسية هى مجرد اعلان حسن نوايا لان الوثائق تعالجها من وجهة النظر البرنامجية وليس من وجهة نظر رؤيوية. اننا نظن، وبناء على تجربة طويلة وتعرف على المجتمعات الديمقراطية المستقرة، ان بناء الديمقراطية عملية طويلة ومعقدة وجزيئاتها مكونة من تفاعل قطاعات عديدة من الاسرة، التعليم، الصحة، الاعلام، ملكية القطاعات الاستراتيجية لتأمين العدالة الاجتماعية، ادارة التنوع واللامركزية..الخ. لامندوحة لنا ان وددنا ان نرد الامر بشكل منهجى ان نطرح بادى ذى بدء الاسئلة التى تساورنا وتقلق منامنا وتطير النوم منا، ونعالجها من جوانبها العديدة مستعينين باكبر قدر من الوثائق المحققة و الروايات المتفق عليها - مع الوضع فى الاعتبار ان السودان ليس لدية توثيقا مؤطرا وقانونا لكشف المستور. ورغم ان حبرا كثيرا سال و اصدرت كتب وعقدت ندوات و محاضرات مما يجعلنا نظن انة لم يعد فى الكنانة سهم او لباحث متردم او قول لقائل، لكن رغم ذلك فلنخض مع الخائضين عل وعسى نوقف هذة الدائرة ان تنداح.

    سوف ننحو فى خوضنا لهذا الامر ان نحاول مراجعة وتقديم المتوفر من الاراء عن السؤال الحائر والمستمر لماذا عجزت الرؤى التى طرحت لبناء الوطن عن تحقيق التطور الاقتصادى- الاجتماعى فى السودان؟ سوف نتعرض لاراء القوى السياسية المختلفة والمنظمات الاقليمية سواء ماجاء فى وثائقها الحزبية او اسهامات زعمائها وكتاباتهم، وسوف نعتمد فى تحليلنا على الايتاء بالجديد الذى لم يقل او قيل فى معرض مناقشة قضايا اخرى وان متصلة بالموضوع. وكذلك سوف نهتم بايراد المراجع كافة ونشير احيانا لكتابات تناولت الزاوية المعينة بالتفصيل لفائدة المستزيد والحشرى فى المعرفة. ثم نحرص ان نورد اشهر الكتابات فى هذا االشان من النخبة المثقفة علها تعين فى استكناة هذا السر الذى حير البشر فى السودان وذاع وعم القرى والحضر فى انحاء العالم العربى والافريقى والعالم ثالثى. سوف تحاول هذة الدراسة قدر جهدها ان تخضع كل المسلمات لفحص دقيق، موضوعى وغير متحيز.

    اما التحديات التى كانت ولازالت مطروحة على قيد البحث وتم نقلها من محاضر الانظمة الديمقراطية الى محاضر الانظمة العسكرية لتكون قاصمة ظهر الانظمة جميعها وسبب احتلال البلاد هذا الوضع المتدنى فى كافة مؤشراتة، اذا قارناة بالدول التى نالت استقلالها معنا مثل ماليزيا والهند وكوريا و الفيتنام، فيمكن ان نحصرها فى قصور الرؤى السودانية التى وضعت موضع التنفيذ فى التوصل الى مشتركات نخبوية ومجتمعية لنظام الحكم والدستور، الهوية الوطنية، سياسات التطور الاقتصادي وعدالة اقتسام الموارد. ورغم ان الوان الطيف السياسي السوداني من نخبه سياسية، احزاب وتنظيمات مجتمع مدني قد تواضعت فى اكثر من مناسبة بدأ من مؤتمر الخريجين، مقررات اسمرا، اتفاق نيفاشا واتفاق القاهرة على عناصر رؤيوية مشتركة لبناء الوطن الا ان عائقها الدائم كان عدم القدرة على العمل المشترك عند تنفيذ ما اتفق علية او التنصل من الوعود ونقض العهود.

    وعند متابعتنا لامكانية تقديم تحليل موضوعى مانع لتوافق الوان الطيف السوداني، فاننا سنبدأ من ما توصلت الية هذة القوى من عقد اجتماعي اساسه الديمقراطية السياسية القائمة علي دولة المواطنة المدنية وكافة الحريات المدنية بعد استيعاب كافة التحليلات العميقة والمستفيضة التى تبلورت فى ارجاء العالم الاسلامى لدور الدين فى المجتمع وتخليص مفاهيم فصل الدين عن الدولة من اسقاطاتها الفقهية ووصلها بالمجتمع المعاصر وقضاياة وتجاربة. وفى هذا برز فى السودان طائفة من السلف والخلف من النخبة رواد الاستنارة و السماحة على جانبى النهر من العلمانيين و الاسلاميين. وقد لخصت هذة القضايا فى البرنامج الذي اقره التجمع في مؤتمر القضايا المصيرية، والتى شكلت اقترابا شاملا من قضايا السودان التي ظلت تُرحَل من نظام الى نظام، ومن عهد الى عهد. وسوف نخضع ما قالة د. منصور خالد مرارا، ان فصائل التجمع كانت قد عقدت العزم على ان تعالج مجتمعة الاخطاء التي ارتكبتها فرادى، لتفحص شامل لنستبين اذا كان هذا عن ايمان حقيقي ام احدى عزومات المراكبية اللفظية.

    ان الفكرة المركزية التى احاول ايصالها عبر هذا الكتاب هى الاجابة عن السؤال المنطقى: لماذا عجزت القوى السياسية والنخب المثقفة فى السودان التى تناوبت على حكم السودان عن بناء وطن ديمقراطى متطور. ان اطروحتى ستناقش المسألة من تحليل الرؤى التى طرحت على المستويات الاقتصادية الاجتماعية، قضايا الحكم وبناء الامة.

    تمهيد

    هذا ليس كتابا فى التاريخ، الجغرافيا، السياسة، الاقتصاد او الثقافة وان كان يبحث فيها كلها. والكتاب سيستفيد من كل كتابات العقول السودانية الرائعة المتخصصة فى هذة المجالات وغير السودانيين الذين تعمقوا فى تفاصيلها. هذا كتاب يطمح بتواضع ان يتابع اثر كل هذة المجالات حين تتداخل وتتشابك وتفرز السياسات التى تؤثر فى حياة البشر ومن ثم فى مصير الوطن. هذا كتاب عن تطور، تداخل ومصائر الرؤى السودانية التى حملتها اجزاء من النخبة السودانية، كل لتحقيق الصورة المرتجاة فى اذهانهم. لقد حاولت فى هذة الصفحات ان التزم باقصى الموضوعية فى ايراد الحقائق المتفق عليها من اكبر عدد من الباحثين داخل كل مجال وكذلك اقصى درجات الموضوعية عند التحليل.

    لايهدف هذا الكتاب الى النظر فى تحولات السلطة، او كيفية اسقاط النظام وكل ما هو تكتيكى والذى لدى الشعب السودانى تجارب عديدة من ثورة 1924 والتى طرحت لاول مرة هوية السودان من مدخل رؤيوى. تلتها ثورة اكتوبر التى كانت مدرسة قائمة بذاتها وادت الى تغيير النظام بالكامل باقل قدر من الخسائر وعودة العسكر الى ثكناتهم ونشوء ثانى منظمة سودانية مثلت الشعب السودانى ، بعد مؤتمر الخريجين، من القطاعات المدينية المتعلمة فى التاريخ المعاصر " جبهة الهيئات". كان هذا ابداعها وفى نفس الوقت قاتلها. فعدم الاتفاق بين اطراف ومكونات الفضاء السياسى، عجلة القطاعات المدينية المتعلمة فى تحقيق برنامجها بالكامل،غياب الرؤية عن كيفية ادارة السودان وفق توافق سياسى عام، انتهت الثورة الى افراز اسوأ فترة ديمقراطية حدثت فيها كل الاخطاء التاريخية من الاقصاء الجزئى (حل الحزب الشيوعى السودانى)، عودة الطائفية للاستيلاء على حزب الليبرالية والذى فقد منذاك المبادرة واصبح حزبا للانشقاقات والعمى الرؤيوى، تسعير حرب الجنوب واكثر بلاويها كارثية مزايدة احزاب الليبرالية على تيار الدولة الدينية فى الدفع بالشريعة الاسلامية والهوية العربية للدولة الى صدارة المشهد، اقصاءا كاملا لسكان السودان الاصليين منذ بدء التاريخ.

    عندما خرج مليون شهيد لعهد جديد فى نهاية مارس 1985 كانت هذة اخر انفاس القطاعات المدينية المتعلمة المنتمية للطبقة الوسطى، قاطرة الثورات، التى كانت اما فى المهاجر المختلفة او دمرها النظام المايوى، افقارا وسلبا لحقوق التنظيم. لم تستطع االانتفاضة ان تنجز ما وصلتة اكتوبر من مجد، تغيير النظام بالكامل وعودة العسكر الى ثكناتهم. اكتفت االانتفاضة ببرنامج صيغ على عجل، ومجلس عسكري من قادة العهد البائد ومجلس وزراء بلا صلاحيات سيدشن ما عرف فى الادبيات السياسية بحكومة تسيير الاعمال. هذة الفترة الانتقالية هى التى وضعت الاساس لصعود تيار الدولة الدينية عن طريق قانون انتخابات مفصل لها، حماية انصارها واستثماراتها من المحاسبة وتسعير حرب الجنوب. لم تكن الفترة التى تلتها افضل حالا من الفترات الديمقراطية السابقة، ورغم الجهد الكبير للوصول الى رؤية ما حول السلام والاقتصاد، فان ما انجز قليل ومحبط. فالفقرات الجميلة التى صيغت فى الدستور الانتقالى من شعارات عامة من تصفية اثار النظام المايوي، انقاذ الاقتصاد الوطني وحمايته ومحاسبة الذين تسببوا في تخريبه، انقاذ المواطنين وحمايتهم من جشع الطبقات الطفيلية واصلاح اجهزة الخدمة العامة، كانت الروشتة القاتلة للسلطة. لقد اثبتت هذة الفترة انة رغم النوايا الطيبة والسلوك المستقيم لمعظم قادتها ففقدان الرؤية وغياب خارطة طريق مفصلة، ذات جدول زمنى ومحددة المسئوليات حرث فى البحر. النظام الديمقراطى تنافسى وسهل ان يغيب التناقض الاساسى فى الثانوى، لكن الرؤية هى التى تؤمن ان خط السير واحد مهما اختلف المنفذون. ولا اود هنا ان يفهم ان الرؤية وحدها هى الحل، هذا قصر نظر وتبسيط مخل، ان الرؤية النافعة هى الشاملة التى تلف اكثر الشعب الفاعل حولها ويتفق قادتها على مفصلها الاساسى " ادارة الحكم".

    بدأ الكتاب بالنظر فى مداخلة الاولى عن الدافع لكتابتة ويخلط بين ما هو موضوعى فى الساحة والشخصى المرتبط بها بشكل كبير ومتداخل. واحاول ان ابين باكثر قدر ممكن من الوضوح الارضية التى انطلق منها. ويتناول هذا الفصل تعريف الرؤية والامور المتعلقة بها. ان الفكرة المركزية التى احاول ايصالها عبر هذا الكتاب هى الاجابة عن السؤال المنطقى: لماذا عجزت القوى السياسية والنخب المثقفة فى السودان التى تناوبت على حكم السودان عن بناء وطن ديمقراطى متطور. ان اطروحتى ستناقش المسألة من تحليل الرؤى التى طرحت على المستويات الاقتصادية الاجتماعية، قضايا الحكم وبناء الامة. يتكون الكتاب من ثلاثة اجزاء، الاول فى اثنا عشر فصلا يتناول رؤى السودان جميعها، الجزء الثانى فى اربعة فصول تتناول مختلف اطروحات الحل السياسى والجزء الاخير فى ثلاثة فصول تتناول اثر الثورات العربي فى تشكيل الرؤية السودانية الجديدة.

    الفصل الاول: يشمل المدخل والمحددات الاقتصادية الاجتماعية والتاريخية والادوار التى لعبتها مجموعات متعددة فى تشكيل السلطات التى تناوبت على حكم السودان (المزارعين، الادارات القبلية، الطبقة التجارية والطرق الصوفية) منذ اقدم العصور حتى نشوء رؤية المهدية (الرؤية الاولى)، الى ثورة 1924 (الرؤية الثانية) والذى يمثل السودان المعاصر نتيجة مباشرة لما اتخذ عقبها من سياسات اقتصادية، اجتماعية وثقافية وكذلك نعالج مؤتمر الخريجين (الرؤية الثالثة) باعتبارها رؤية العناصر السياسية النشطة التى تبلورت فى هذا التنظيم الجامع والتى مثلت فيها كافة التيارات والفئات التى جاءت عبر القرون قبل ان تتفرق الى الاحزاب السياسية التى تلت تلك الفترة.

    الفصل الثانى: وهى مداخل للنظريات والمفاهيم حول الرؤية. عندما نحلل رؤي السودان سوف نستعين بثلاثة مجموعات من النظريات والمفاهيم. اولها: مفهوم التيار الرئيسى وفيها ننظر الى تحولات وتنوعات الاتجاهات السياسية الرئيسية التى تسود فى مراحل مختلفة من التطور السياسى فى السودان. الثانى: نظريات ومفاهيم التنمية السياسية واخيرا: نظريات المؤامرة.

    الفصل الثالث: عندما نتعرض لرؤية المهدية فاننا نتعرض لها من واقع الفعل الايجابى الذى طرحتة والافكار والمناهج التى اعتمدتها ولكن يجب رؤيتها فى اطارها التاريخى وقصورها الداخلى. انتصرت المهدية من تحالف ضخم ضم بعض شيوخ الصوفية (الشيخ محمد الخير، العبيد ودبدر...الخ)، الطبقة التجارية والجلابة التى تضررت من تغول التجار الاجانب والغاء الرق والضرائب وحتى موظفى الدولة والكتبة ولكن قبل هؤلاء كان الفقراء والمعدمين الذين طردوا من اراضيهم وارهقتهم الضرائب والاذلال والبطش الوحشى وعند دخولها امدرمان منتصرة كانت قد شكلت التجربة الاولى فى التحرر من الاستعمار. يمكن بلا مواربة ان نقول انة اذا كان السودان صنيعة تركية فان القومية السودانية صنيعة مهدية، ومثلت فى توجهها العام حتى وفاه قائدها الرؤية السودانية الاولى لبناء الوطن فى عصرنا الحديث. ان الملامح الفكرية فى التعامل مع المعطيات المحلية والعثور على حلول عملية لها كانت تنبىء عن عقل استراتيجى بارز وعن رؤية صائبة.

    الفصل الرابع: لا توجد كتابات كثيرة او تفصيلية عن افكار اللواء الابيض وتعرض تاريخها لكثير من التشوية و الخلط ولكن هناك وثائق تنسب الى الزعيمين ومختصر مقالة عبد اللطيف "مطالب الامة السودانية". ان تعاملنا مع هذا الشح الشديد فى المعلومات كرؤية هو الصياغات العامة والمدلولات الفكرية التى تعكسها بعض الذى تيسر. وهكذا نجد اننا لابد ان نبحث عن رؤية ثوره 1924 فى تكوينها وخطابها وبرنامجها . ان ماهو هام فى هذة الرؤية ليس ما كانتة – فهى فى النهاية كانت رؤية فى طور التشكيل- ولكن فى الاضافة الفكرية، البرنامجية والعملية التى قدمتها مما كان يمكن ان تسترشد بة النخب القادمة فى صياغة رؤؤاها، والذى للاسف فانة لم يحدث واكثر من ذلك فانة سار فى الاتجاة المعاكس تماما.

    الفصل الخامس: يتابع رؤية مؤتمر الخريجين الذى وبرغم انه بدأ وانتهى قبل ان يستطيع تحقيق رؤيتة كسلطة حاكمة، الا ان ان المجرى الاساسى للمؤتمر هو الذى شكل رؤية الفئات الحاكمة منذ الاستقلال وحتى انقلاب مايو ( الديمقراطية الاولى، الحكم العسكرى الاول و الديمقراطية الثانية) وامتد فى التاثير فى فترات لاحقة. عند تعرضنا لرؤية الرواد (الرؤي الثالثة (1942-1969 )، فاننا سنتناول الوعاء الحاضن للرؤية انذاك وتشمل الاحزاب الطائفية الليبرالية ونتابع فيها تطور هذة الاحزاب واثرها فى بلورة الرؤية المطروحة وتنفيذها. وسنتناول الانظمة العسكرية الديكتاتورية التى حكمت البلاد ولازالت لاكثر من اربعة عقود، والتى كانت حصان طروادة للرؤى التى لم يستطع دعاتها تحقيقها عبر الآليات الديمقراطية فركبت صهوة الجواد الحديدى الاشتراكى حينا، القومى عربى ثانيا لتصل بنا الى صحارى المشروع الحضارى اخيرا.

    الفصل السادس: فشل مشروع رؤية الرواد (1942-1969): فى هذا الفصل سنتناول وبالتفصيل القضايا التى اثرت بشكل جوهري وحاسم فى رؤية الرواد وعوامل الفشل لمشروعها الوطنى. وسوف يشمل بحثنا عناصر الرؤية التى تبنتها الاحزاب الليبرالية بعد الاستقلال وطرحتها كشعارات ونفذتها كسياسات وما واجهتة من ازمات: اولا: أزمة الهوية: الهوية السودانية وتجذر المفهوم العروبواسلاموى فيها وتداخلات السياسى والدينى؛ ثانيا: أزمة الشرعية: السلوكيات الغير ديمقراطية من اقصاء الخصوم؛ الموقف من القوات المسلحة؛ ثالثا: أزمة المشاركة:الدساتير الديمقراطية المؤقتة والعسكرية الدائمة الرائحة؛ رابعا:أزمة التوزيع: الرؤية الاقتصادية الاجتماعية وقضايا التنمية والخدمات؛ وخامسا: أزمة الاندماج و التغلغل

    الفصل السابع: (الرؤية الرابعة (1969-1985 ): الرؤية القومية العربية ثم تحولات العروبية الى الاسلاموعروبية. جاء التيار القومى العربى متدثرا بثياب اليسار فى اوائل عهد مايو وقد انحسر مشروعها القومى الذى تبنتة الناصرية والبعث واعتلت سدة الحكم وقد تحولت مصر الناصرية الى اليمين الساداتى مدعومة بقوى تيار الدولة الدينية والراسمالية الطفيلية المتوحشة. وبعد صراع دام على السلطة بين اليسار الشيوعى والقومية العربية، انتهى المشهد المايوى الى حكم عابث مفتقد لاى رؤية او ثوابت او حتى انجازات مستبد عادل. وانتهى مآلة الى ارتداء الثوب الاسلامى ومشروع تمكين تيار الدولة الدينية والنمو الكاسح للراسمالية الطفيلية المتوحشة والمدمرة وصولا الى مجاعة 1985 فى اقليم دارفور اكبر اقليم منتج للدخن، الفول السودانى والمواشى.

    الفصل الثامن: رؤية الحزب الشيوعي السوداني (الرؤيةالخامسة) عند التصدى لمناقشة رؤية الحزب الشيوعى نواجة اشكالية ضاغطة على الباحث، اذ ان تحليل هذة الرؤية و تفحصها ليست شانا داخليا فقط واسباب نجاحها او فشلها ليست فشلا محليا. فنهوضها كان عالميا وكانت نتاج نظرية حاولت تقديم تحليل شامل للتطور البشرى ووضعت التجربة العملية (اللينينية) آليات تغييرة. على مدار حوالى القرن اثرت النظرية على وسائل تحليل التطور ويعتبر مفهوم التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية أهم مفهوم قدمتة في الماركسية. ويتناول نظرية السلطة عند الحزب الشيوعى السودانى وتطورها من الديمقراطية الجديدة ، رؤية حول البرنامج ثم تحولات الحزب منذ 1977، ما بعد انتفاضة 1985 الى قبول الليبرالية السياسية فى برنامج ودستور الحزب الشيوعي السوداني يناير 2009م .

    الفصل التاسع : رؤية تيار الدولة الدينية (الرؤية السادسة) من يباس الحركة الي انفراط الدولة. سوف نحاول التعرف على الجذور الفكرية للاخوان المسلمين والامساك ببعض المتغيرات التى صاحبت نشوء وتطور حركة الاخوان المسلمين منذ بداياتها فى منتصف الخمسينات لانها ستوضح لنا الاقتراب من سؤال من اين جاء هولاء؟ جاءت الحركة اساسا على نسق جماعة الاخوان المسلمين المصرية، لذا فاننا سنبدا بقراءة جذورها الفقهية، القانونية والفكرية من الاصول. صحيح ان الجماعة السودانية قد اختطت طريقها المستقل، خاصة بعد ثورة اكتوبر وتسلم الدكتور الترابى قيادتها، لكن الجذور التى انطلقت منها يمكن ان توضح لنا كثيرا من افاق تطورها فيما بعد. ونتابع الطريق الى انقلاب الانقاذ يونيو 1989، ونناقش الاسس النظرية للاسلام السياسى " نظرية التمكين لدي الاسلاميين" ومن ثم مقاربة نظرية السلطة لدي الاسلام السياسى . نناقش بتفصيل رؤية تيار الدولة الدينية الاقتصادى، الطريق الى المفاصلة وتفسيراتها المتعددة. الطريق الى دستور جمهورية السودان 1998 وقضايا الانقاذ المعلقة. ومآلات الحركة الاسلامية السودانية.

    الفصل العاشر: : فشل رؤية تيار الدولة الدينية: لا يختلف ما فعلتة الانقاذ عن ماسبق فى الاتجاة العام وان كانت اكثر تسريعا فى تحطيم كافة المشاريع التى كان يقودها القطاع العام ( اما خصخصة، بيعا للقطاع الخاص او مستثمرين اجانب، لاحتمال انشاء شركة مستقبلية او ببساطة سوء الادارة والاهمال)، زيادة الاحتكار والافقار وسوء الادارة وقلة الكفاءة الشاملة، الخروج كليا من الخدمات خاصة التعليم والصحة، اهمال الزراعة بكافة انواعها والرعى، والتوسع فى مشاريع الهدر المائى من زراعة القمح والسكر. وبدلا من تحسين الاداء الضريبى وتطوير كفاءتة تحولت الدولة الى جابى عملاق. لربما من نافل القول ان البحث عن عناصر فشل المشروع الحضارى هى تحصيل حاصل فقد نعاة حداة ركبة قبل معارضية، وانا اوردها هنا بتفاصيلها لانها مهمة فى بناء الرؤية السودانية المستقبلية وتنكب عثرات الرؤى التى مرت على السودان. هناك تعبير شاع فى الادبيات السودانية عن ان كل حكم عسكرى فى السودان اسوأ بمراحل من الذى سبقة وقد دفعت الانقاذ بازمات السودان الى اقصى درجاتها.

    الفصل الحادى عشر: الدساتير الديمقراطية المؤقتة والعسكرية الدائمة الرائحة: لا تنتوى هذة الدراسة فى الخوض فى مسائل الفقة الدستورى فلهذة رجال وعلماء اغنوا السودان و غيره من الدول بعلمهم وهو مجال لا ادعى العلم بة سوى القراءة المعمقة لدراسات الفحول من علماءنا و التسيار فى عالم الانترنت عند تحضير هذة الدراسة. الغرض هنا النظر فى كيف ان الدستور والصراع حولة كان تعبيرا صادقا عن الازمة، فمهام ما بعد الاستقلال من المستعمر (نظام الحكم، الهوية الوطنية ، سياسات التطور الاقتصادي وعدالة اقتسام الموارد) ظلت بلا حلول ومن ثم بقيت من المؤثرات على ديمومة الديمقراطية وان كل وجهات النظر والاراء كانت تتحرى اسر خباء الدستور فى بداية الامر ونهايتة. والامر كذلك فان امر الدستور اخطر من ان نتركة فى ايدى القانونين او السياسيين فقط، فالدستور هو منظم حياة كل البشر فى حيز جغرافى محدد ويهم كل فرد فى الوطن. وسنتناول كيف ولد شعار الشريعة الاسلامية والدستور الاسلامى فى السودان، لماذا تعثر تشريع الدستور الاسلامى فى عهد دعاة الدستور الاسلامى.

    الفصل الثانى عشر: رؤية السودان الجديد (الرؤية السابعة) لايختلف كثيرون مع تحليلات رؤية السودان الجديد حول اسباب المشكلة فكل المداخل تؤدى بنا الى تحكم طبقات وفئات اجتماعية اقتصاديا واجتماعيا على كامل اهل السودان تحت ايديولوجية هيمنة ومركزية الثقافة العربية الإسلامية التي تأخذ فى تجلياتها طابعاً اثنياً وعرقياً، الاختلاف ياتى عندما نبحث عن الحلول. نتناول الجلابة فى رصدنا لرؤية السودان الجديد ليس من واقع النقد المرسل الذى احاط بهذا المصطلح، او الدفاع عنهم وغسل احوالهم. وليس ايضا باعتبارها التاريخى كمؤسسة ذات تعريف ودور محددين، لكن نتناول الجلابة كوصف تدرج عبر التاريخ الى ان اصبح يعنى دولة المركز ذات التوجهات الاسلامية العروبية والتى عملت على فرض هذة الرؤية على كافة ساكنى الوطن وعمقت اشكاليات الهوية وارتبطت فى طرحها الحاد بتيار السودان الجديد. الغرض الرئيسى هو فك الاشتباك بين الكلمة كممثلة لكل الموبقات وبين تنقل ادوارها من اعتبارها احدى وسائل التمازج القومى فى السودان الى تحولها فى ظل الانقاذ الى حادى العنصرية والقبلية وانفراط الدولة.

    الفصل الثالث عشر: احزاب خارج سياق ما بعد الاستقلال: سوف نتناول هنا رؤى الاحزاب والحركات والتنظيمات التى نشأت واستمرت او ماتت او ذابت فى تحالفات وخاصة ماعرف بتنظيمات القوى الحديثة. وقد اعتبرتها كذلك لانها جاءت وستظل تجىء كاشواق النخب – العاجزة هى نفسها هيكليا- لتخطى المأزق التاريخى من هيمنة الطائفية على الاحزاب الليبرالية فى الفضاء السياسى فى سابق عهدها و حاليا محاولة تقديم رؤية لاستنهاض الوطن وتفكيك دولة تيار الدولة الدينية. ان دخولها السياق التاريخى رهين بقدرتها على توحيد صفوفها والتحول الى احزاب حقيقية تنتشر فى رحاب الوطن وتفتح الكوى لمجموعاتة المختلفة للنظر الى مستقبل افضل لها.

    لجزء الثانى فى اربعة فصول تتناول مختلف اطروحات الحل السياسى

    الفصل الاول: التجمع الوطنى الديمقراطى: لم يطرح احد فى السودان سؤال البديل عند مواجهة النظام الانقلابى فقد تجمع كل زعماء الاحزاب السياسية السودانية فى سجن كوبر وفيهم د. حسن الترابى كجزء من استراتيجية اخفاء هويتها السياسية ( عرف فى الادبيات السودانية اذهب الى القصر رئيسا واذهب الى كوبر سجينا). تنادى الزعماء الى طرح اول ميثاق للتجمع كتبه قيادات الاحزاب المعارضة من داخل سجن كوبر العمومي ووقعت علية كافة الاحزاب والقوى الشعبية في 21 اكتوبر 1989م (احد عشر حزبا و51 نقابة).

    الفصل الثانى: الطريق الى الدولة الديمقراطية المدنية: لقد تم عبر تطور الدولة السودانية الربط بشكل لا يمكن تبين فواصلها بين رجال الدين والدولة وتصور الدولة للدين والسياسة بحيث اصبح كلاهما فى خدمة الاخر ولذلك فقد استمرت وظائف رجال الدين تنتقل من احتلال تركى الى المهدية الى الاستعمار الى الحكم الوطنى وكانها سلطة واحدة ممتدة. وفى نفس الوقت تبنت القوى المستنيرة والمثقفين الذين يرون الدين فى خدمة الجمهور وبعيدا عن سلطة الدولة دعاويها واسست قضيتها على التنوع العرقى والثقافى والدينى ووجود اقلية كبيرة غير مسلمة والاحتماء وراء رفض الجنوبيون للشريعة وكل الاطروحات التى دارت فى هذا الفلك وهى الغالبة والمزدهرة والمشهورة. ويؤدى هذا الى الافتراض ان عدم وجود هذة التنوعات فى دول مثل الامارات (الاسلام هو الدين الرسمي للاتحاد، والشريعة الاسلامية مصدر رئيسي للتشريع فيه، ولغة الاتحاد الرسمية هي اللغة العربية ) او الاردن (الاسلام دين الدولة واللغة العربية لغتها الرسمية) او تونس (تونس دولة، حرة، مستقلة، ذات سيادة، الاسلام دينها، والعربية لغتها، والجمهورية نظامها) لابد ان يؤدى بالضرورة الى ما يسمى تطبيق شرع اللة على الموديل الانقاذى او الختمى او الصحوى وهو غير حاصل فى كل هذة الدول.

    الفصل الثالث : سؤال البديل: قضايا البديل اشكالية لاتنبرى تطرح فى كل التغييرات السياسية فى كل مكان. والسؤال ليس امرا عابرا او ثانويا ولكنها مخزن التشابكات المحلية والاقليمية والدولية المحيطة بنظام قائم، فالنظام الدولى قائم على الامرالواقع ومهما كانت نظرتة العامة لدولة او نظام. ومع ان طرح المسالة من ناحية منطقية يستدعى اجابات سهلة وبسيطة، فالحكم القائم جاء اثر انقلاب نفذتة مجموعة لم تصل للالف كباقى كافة الانقلابات من تعداد جيوش بعشرات الالاف تمور بتيارات ايديولوجية وتنوعات عرقية، دينية وثقافية متنوعة. جاء الحكم الجديد انقلابا على انظمة ديمقراطية منتخبة يتمتع فيها الشعب بالسيادة والحرية وتقودها النخبة المثقفة والخبراء ومن يتمتعون بالسيرة المستقيمة. تصادر الانظمة الجديدة كافة الحريات ويتصدرها حكام من اطراف النخبة، قليلى التعليم والخبرة السياسية والعلمية ولا نعرف عن سيرتهم الكثير، ويدفعون الى سدة الحكم افرادا وجماعات مجهولة الهوية والسيرة متخذة من الثقة وسيلة اختيار بديلا عن الكفاءة.

    الفصل الرابع: دعاة الشعب يريد اسقاط النظام: مع بدء الربيع العربى وانظار الشباب مشدودة اليها، تتعلم منها وتستلهم عبرها. يلعب الشباب المتأثر بهذة الثورات دورين مختلفين فى دفع شعار اسقاط النظام. الدور الاول الضغط الشديد الذى تواجهة الاحزاب جميعها من قطاعاتها الشبابية وبالتالى تبنيها لهذا الشعار. ثانيا: لان الشباب السودانى ليس منفتحا على تونس وغياب اى اشكال سابقة للثورة فى التجربة الليبية فقد كان النموذج المصرى هو الاقرب لوجدانهم وتجاربهم. وهذا متكرر فى تجاربنا السابقة من صورة 1919 المصرية التى الهمت ثوار 1924 والضباط الاحرار وانقلاب مايو. وهكذا كان التاثير الاضخم – كما نرى- لتجربة كفاية المصرية احد اكثر التنظيمات الفاعلة فى ثورة يناير المصرية واستعمال وسائل التواصل الاجتماعى. على هذا النسق نشأت حركتا قرفنا وشباب من اجل التغيير –شرارة. صاغت قرفنا مطالب الشعب لإستعادة الديمقراطية ودولة الوطن بدلاً عن دولة الحزب:" ‎نطالب بإستقالة حكومة المؤتمر الوطني و تغييرها بحكومة انتقالية، ترأسها شخصيات وطنية و قيادات شبابية، نسوية ومجتمع مدني تمثل مختلف انحاء السودان.

    الجزء الاخير فى فصلين

    الفصل الاول: الثورات العربية مدخلى الى معالجة الطريق نحو رؤية ديمقراطية فاعلة ومستدامة فى السودان هو التأمل فى الثورات العربية التى اكتسحت العالم العربى فى اجزاءة الاساسية والهامشية. مدخلى الى هذة الثورات هو النظر للغابة وليس الاشجار، اى النظر لها من خارجها وليس من داخلها لان هذة تتيح النظرة العامة التى تعطى مجالا ارحب فى استخلاص الدروس والعبر. النظر الى الاشجار سياتى فى تناولى للسودان باعتبارى متاثرا بها واحيانا مشتركا فيها. ورغم حماسى منذ البداية مع الثورة التونسية ثم الثورة المصرية، كان فى داخلى حسابات داخلية لابد من تصفية الحساب معها واقساها التجربة السودانية ومصائر ثوراتها والمنحى الذى اخذتة الثورتان التونسية والمصرية، مما يعيد الى الذاكرة فشلها المريع الذى ترك لنا ذكريات الانهيار الكامل للسودان والوطن المقسم والمتنازع والسائر فى اللاطريق.

    الفصل الاخير: رؤية سودان المستقبل ليس من مهمات هذا الكتاب ان يطرح رؤية، فالرؤية الوطنية هى نتاج حوارات وتفاهمات وحلول وسط بين قوى اجتماعية مختلفة ذات رؤى مختلفة. ولكن يمكن ان نحاول هنا ان نستخرج هنا بعض الدروس المستفادة من كافة الرؤى التى طرحت فى السودان ومن تحليل فشلها نحاول الوصول لمؤشرات تنير لنا الطريق الى المستقبل. سوف نحاول ان نطرح بعض الضوء للذين سيرسمون كيف يحكم الوطن حول عديد القضايا: الطريق الى الدولة الديمقراطية المدنية، اشكالات الهوية، التوجة العام للاقتصاد السودانى وكيفية اعادة العدالة الاجتماعية، الشفافية والنزاهة اليها لان هذا هو المكان الذى يخفى كافة تشابكات الاحزاب والافراد مع النظام، والمطبخ الذى تعيد منة الثورة المضادة تنظيم نفسها ولنا مثال من مصر وتونس. العملية التعليمية ودورها فى الرؤية المستقبلية والاصلاح الصحى، المدخل لاصلاح القوات المسلحة وكافة الاجهزة الامنية، الخدمة المدنية، الاعلام والعلاقة مع الخارج. من حظ السودان ان هناك تقييما كاملا لكل القطاعات الاساسية فى السودان عن طريق البعثة المشتركة لتقييم احتياجات السودان عام 2005 ، واذا ازلنا منها السياسات الاقتصادية المضرة للبنك الدولى خاصة حول الخدمات والحياة المعيشية، فسوف نجد امامنا برنامجا مفصلا لم ينفذ منها الا القليل.

                  

العنوان الكاتب Date
كتاب الرؤية : من انتاج الفشل الى رؤية المستقبل (1) د. عمرو محمد عباس07-27-12, 07:48 PM
  Re: كتاب الرؤية : من انتاج الفشل الى رؤية المستقبل (1) ibrahim fadlalla07-27-12, 11:27 PM
    Re: كتاب الرؤية : من انتاج الفشل الى رؤية المستقبل (1) ibrahim fadlalla07-28-12, 03:33 PM
      Re: كتاب الرؤية : من انتاج الفشل الى رؤية المستقبل (1) nadus200007-28-12, 03:55 PM
        Re: كتاب الرؤية : من انتاج الفشل الى رؤية المستقبل (1) ibrahim fadlalla07-28-12, 11:43 PM
          Re: كتاب الرؤية : من انتاج الفشل الى رؤية المستقبل (1) Dr Salah Al Bander07-29-12, 05:47 AM
            Re: كتاب الرؤية : من انتاج الفشل الى رؤية المستقبل (1) ibrahim fadlalla07-29-12, 10:56 PM


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de