مذبحة بيت الضيافة وفظاظات أخرى (1 من 20):

مرحبا Guest
اخر زيارك لك: 04-25-2024, 10:36 PM الصفحة الرئيسية

منتديات سودانيزاونلاين    مكتبة الفساد    ابحث    اخبار و بيانات    مواضيع توثيقية    منبر الشعبية    اراء حرة و مقالات    مدخل أرشيف اراء حرة و مقالات   
News and Press Releases    اتصل بنا    Articles and Views    English Forum    ناس الزقازيق   
مدخل أرشيف الربع الثالث للعام 2012م
نسخة قابلة للطباعة من الموضوع   ارسل الموضوع لصديق   اقرا المشاركات فى شكل سلسلة « | »
اقرا احدث مداخلة فى هذا الموضوع »
07-18-2012, 12:33 PM

Elmoiz Abunura
<aElmoiz Abunura
تاريخ التسجيل: 04-30-2005
مجموع المشاركات: 6008

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
مذبحة بيت الضيافة وفظاظات أخرى (1 من 20):



    الرجاء ابداء الملاحظات والتعقيب على مقالات د. عبدالله على ابراهيم بعد
    اكمالى نشر المقالات
    وعددها 21 مقاله' ساضيف مقاله عن المرحوم محمد سليمان الخليفه'
    وشكرا



    مذبحة بيت الضيافة وفظاظات أخرى (1 من 20):

    عبد الله علي إبراهيم

    كنت أريد الانتظار بهذه المقالات عن بيت الضيافة حتى تصدر في سلسلة "كاتب الشونة: دراسات في الفكر النقدي" التي أقوم عليها. وسبق لي نشرها مسلسلة في "الرأي العام" في 2009. وبعضها الذي تناول رد الاعتبار لضحايا 22 يوليو من الشيوعيين جرى نشرها في تواريخ أسبق. ولكن رأيت التعجيل بنشر مسودة المقالات هنا بعد أن رأيت الاضطراب العظيم أخيراً حول كشف تقرير علوب عن المقتلة وكيف عُدنَا به أعداء كما كنا لا أخواناً في الوطن توثق أواصرنا المعرفة التي جاء بها إلى دائرة الحوار. وجدد ظهور القاضي علوب في برنامج "مراجعات" للأستاذ الطاهر حسن التوم الدعوة القائمة في وجوب أن نتنادى في الحقل السياسي والأكاديمي وأسر الشهداء إلى وجوب قيام الدولة بتحقيق مستحق لحادثة بيت الضيافة نطوي به صفحتها للابد. فقد أزعجني قول القاضي إن دولة نميري، التي كلفتهم بالتحقيق في انقلاب 19 يوليو 1971، هي نفسها التي حجبت عنهم وقائع محاكم الشجرة بأمر عال من نميري. وكان القاضي من الأمانة فلم يشمل مذبحة بيت الضيافة في تقريره لتعذر الوثائق. وهذا ما يجعل قيام الدولة بالتحقيق وفتح أرشيفها على مصراعية للمحققين ضربة لازب. وبالطبع فالتحقيق ينبغي أن يفتح في وقائع لعنف الدولة والعنف المضاد لها خلال تاريخ الحكم الوطني كله طلباً للتعافي الوطني وأن ننهض بعده لشغل الوطن أخوة فيه.

    ولا أُمني أحداً بجديد في الموقف في هذه المقالات.. فأنا من حملة نظرية "القوة الثالثة" الشيوعية ما في ذلك شك. ومفادها أن من ارتكب مذبحة الضيافة قوة ثالثة نزلت حلبة الصراع وأردت أن تقضي على الشيوعيين والمايويين بضربة واحدة وتمسك بزمام الأمور. ما ستجده طريفاً مع ذلك هو تقعيد دعوتي فوق نهج تاريخي استوفى المصادر الأولية والثانوية ما استطاع. وهو مما يعين صاحب الرأي الآخر على تكييف دعوته على بينة. ورأيي صواب يحتمل الخطأ ورأيك خطأ بحتمل الصواب. ومهما كان فأنا اعتقد أن الشيوعيين موزرون، حتى لو كانوا براء من مقتلة بيت الضيافة، لموت هؤلاء الضباط وهم في ذمتهم في الحبس. قولاً واحداً ولا لجاج. كان أقله أن يطلقوا سراح أسراهم لبتدبروا أمرهم كما تدبر ضباط شيوعيون أمرهم في ذلك الوقت العصيب.

    لنطوي صفحة بيت الضيافة وكل دفتر عنف للدولة وعنف مضاد لها ليسلم لنا الوطن القبيح المضرج بالدماء. كفاية.

    1- طي السجل



    والعقول أيضاَ شواهد. تحدث إلي الأستاذ كمال الجزولي (2009) عن متاعبه الروحية حيال تجدد ذكرى انقلاب 19 يوليو وطائر شؤمه، مأساة مذبحة بيت الضيافة، التي راح ضحيتها 16 ضابطاً و 3 صف ضابط علاوة على مواجهات خارج القصر قضت على 17 مدنياً فيهم نساء ثلاث (هجوة أبكر محمد وخديجة الأمين طه و بدوية إدريس) وجرحي عديدين. وقد اصطرع كمال مع هذه العاطفة بعد مكالمات تلفونية من الدكتور عثمان، ابن المرحوم العميد صالح أورتشي الذي لقي حتفه في قصر الضيافة ومن أماني بنت المرحوم الرائد فاروق حمد الله الذي أعدمه نظام نميري العائد في 22 يوليو 1971. فكلاهما يتيم معجل لأب طواه عنف السياسة المستفحل عندنا. وقد رأيت صورة لعثمان وهو ابن ثلاث من عمره أو نحوه على حجر جده في تحقيق في الرأي العام (7-9-1971). وما درى بريء الصورة عثمان وحشة العمر التي ستكتنفه وتنغص عليه. ولم يجد عثمان وأماني سوى جولة تنابذ بالاتهامات كلما حلت ذكرى هذا اليوم المهول منذ 38 عاماً. وهي جولة برعت فيها أطراف الخصومة في تدبيج التهم للخصم جزافاً. وقد أحسن كمال حين وصف حرقة هؤلاء البناء والبنات بالعطش لمعرفة من قتل الاباء على وجه التحديد طياً للسجل. فعثمان وأماني كلاهما صاد "ومن ينقع غلة الصادي" كما قال.

    أرجو ان نجعل من الذكرى القادمة ل 19 يوليو (صعوداً إلى ذكراها الخمسين في 2011) مناسبة لطي سجل مذبحة بيت الضيافة. وذلك بتحر تاريخي علمي على يد لجنة اقترح لقيادتها المؤرخ الذرب الحكم (الترضى حكومته) البروفسير يوسف فضل حسن. وأن تنظر في كل وثائق الدولة من حصيلة لجان التحقيق ومضابط تحريات قسم القضاء العسكري وسجلات المحاكم العسكرية الإيجازية. وأن توضع تحت تصرفها تسجيلات الإذاعة والتلفزيون وقسم التصوير الفوتغرافي وصحف تلك الأيام الصعبة. وأن تستمع للشهود الأحياء وكل راغب في الحديث للجنة في الشأن. وبهذا "نقطع دابر" هذه الواقعة التي جعلت الخصوم أسرى رواياتهم الخاصة عنها يجترونها كل ما حل يوم الثاني والعشرين من يوليو. لقد اكتنفنا هذا التظاهر بالتاريخ بدلاً عن الامتثال للتاريخ بوحي خبراء ينظرون إلى ما بعد هذه التظاهرات ويركبونها وينهون القطيعة بينها للاحاطة بهذا الحادث الجلل من جوانبه كلها.

    وما استغربت من شيء مثل استغرابي كيف فات علينا هذا النهج الخلاق نحو نصف قرن من الزمان وكان أول من دعا إليه هو الرئيس السابق المرحوم جعفر محمد نميري. ففي لحظة لا تشبه المنتصر (الذي يكتب التاريخ كما شاء) ولا نميري (الذي اتصف بشيء من الاندفاع) دعا نميري إلى تدوين تاريخ 19 يوليو لا ككتاب "اتهام إنما كتاب تاريخ". فقد خاطب نميري ضباط وصف ضباط وجنود سلاح المدرعات يوم 29 يوليو 1971. وكرس كلمته القصيرة لتدوين تاريخ واقعة 19 يوليو. فقال إن أحداث ذلك اليوم هي وقائع غير مربوطة. ولكي نستنبط منها الدروس للمستقبل وجب أن نكتبها بامانة وإخلاص وصدق. وطالبنا بالتجرد من كل عاطفة وشماتة على الآخرين في كتابتها. وقال إن العملية صعبة شوية ووجه قادة الوحدات للتنسيق لتسجيل وقائع تلك الأيام بعقد حلقات جماعية يدونون من أفراد قوتهم ذلك التاريخ. ونبه كذلك إلى أن يكف رواة الأخبار عن التعليق وأن يتركوا ذلك لغيرهم. وسأل الرواة ان لا يظلموا أحداً من زملائهم الجنود والضباط في إفاداتهم. كما نبه إلى ذكر المدنيين وحسن معاملتهم للعسكريين. فهذا العرفان جميل لقصة جميلة في جوانب هامة منها.

    ولكن صبر نميري على الحكمة نافد كما علمنا. فقد عين بأمر جمهوري في أوائل أغسطس 1971 لجنة لتقصي حوادث 19 يوليو أصبحت تعرف بلجنة القاضي علوب. وكلفها بإجراء تحقيق شامل بغرض معرفة طبيعة الانقلاب ودوافعه وغير ذلك من الظروف والملابسات التي واكبته. ولم يصبر نميري على موضوعيته الغراء التي أظهرها في حديثة بسلاح المدرعات. فقد قطع التحقيق قول كل خطيب عن موضوعيته لمَّا سمى موضوع التحقيق في تشكيل اللجنة "تآمراً" للحزب الشيوعي وآخرين على الدولة. فهذا هو الجس بعد الذبح. فالبحث عن دور الحزب الشيوعي وغيره فيه لم تكن فرضية بل حقيقة تقررت للمحققين بواسطة الجهة التي جمعتهم في صعيد واحد.

    ولم نغادر بعد محطة التنابذ الطويلة إما بالتآمر الشيوعي أوالردة النميرية ناسين أن مذبحة بيت الضيافة دم وله أولياء. لقد شب عن الطوق الجيل الثاني من هؤلاء الأولياء. ولن يظنوا بنا خيراً ومصرع أجدادهم نهب هذا "البق بونق" السياسي.

    وفي حديثنا القادم أعرض لنظرية الشيوعيين عن "القوة الثالثة" التي حملوها وزر مذبحة بيت الضيافة بما توفر من الوثائق التي نظرت فيها بعد عودتي من الولايات المتحدة. ولا أعرضها كحق لا يأتيه باطل بل مساهمة في تركيب شتات الإفادات بصورة تساعد حتى الخصم على تمييز ضربه.

    رحم الله أموات قصر الضيافة ودرو الشجرة وكل أموات المسلمين.
                  

07-18-2012, 07:09 PM

Elmoiz Abunura
<aElmoiz Abunura
تاريخ التسجيل: 04-30-2005
مجموع المشاركات: 6008

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مذبحة بيت الضيافة وفظاظات أخرى (1 من 20): (Re: Elmoiz Abunura)

    " 2 "
    -صحاً جاء وكذباً راح: القوة الثالثة
    عبد الله علي إبراهيم

    التمست في كلمة الاسبوع الماضي أن نطوي سجل مذبحة بيت الضيافة (1971) بوضعه أمام لجنة خبراء من علماء الأدلة والبراهين حتى يقرروا من قتل الضباط الذين تحفظ عليهم مدبرو انقلاب 19 يوليو 1971 في ذلك البيت. فقد أنكر الشيوعيون قتلهم وحمَّلوا الوزر ل"قوة ثالثة" خططت للخلاص من المنقلبين ونميري معاً ليخلو لها الجو. ومبعث دعوتي لهذا التحقيق في المذبحة هو تطاول الزمن بنا ونحن نتجادل في الأمر بينما بقي أولياء الدم (الذين كاد جيلهم الثالث يعي مقتل الجدود) على هامشه. وهذا إسراف في التسيس ملحاح وسقيم لن تشفينا منه سوى كتابة تحقق في المذبحة من كل وجوهها ومن كامل إرشيفاتها. وصحاً جاء وكضباً راح.
    لم يجف حبر حديثي عن شفاء الكتابة حتى طفح للسطح تسيس رديء أخر. فقد مرت علينا منذ أيام الذكرى الرابعة للموت المروع للعقيد جون قرنق والفتنة الذميمة التي أعقبت فقده الجلل (3 اغسطس 2005). وتماسكت أطراف منا الحزز حول مغازي ذلك اليوم. فاستعصمت كل منها برؤيتها لذلك اليوم عمياء عن رؤاه الأخرى. وهذا تشبث بالتاريخ الأصاغر (تاريخ حقائق الجماعة وضغائنها) الذي لا تجتمع روافده في التاريخ الأكابر وهو تاريخ حقائق ذلك اليوم ووقائعه جميعاً. فقد وجدت جريدة الإنتباهة، منبر السلام العادل، احتفت بوقائع الفتنة التي حمَّلت وزرها للحركة الشعبية. وسَّمت فعائلها الدموية المزعومة ب "النصل الخؤون". ورتبت على ذلك مطلبها المعلوم بالضرورة عن انفصال السودان بغير إحسان. أما جريدة أجراس الحرية، منبر الحركة الشعبية، فركزت على فقد قرنق ولم تذكر حرفاً عن الفتنة. بل وصف مقال فيها قرنق بأنه "الريس الذي جلب المرح من قرونه". ومعروف حس قرنق الفكه بالطبع. ولكن هل هذا وقته؟
    قلت في كلمة أسبوعنا الماضي إنني سأعرض لنظرية الشيوعيين عن "القوة الثالثة" التي حمَّلوها وزر مذبحة بيت الضيافة بما توفر من وثائق. ولا أعرضها كحق لا يأتيه باطل بل مساهمة في تركيب شتات الإفادات بصورة تساعد حتى الخصم على تمييز ضربه.
    روج الشيوعيون لنظرية القوة الثالثة في كتيب كان من أول ما صدر عنهم في نحو سبتمبر 1971 برغم الضربة الموجعة التي أنزلها بهم نميري. وقد قرأته في تلك الأيام ولم أره بعد أو أسمع عنه حتى بدا لي أنه اضغاث فكرية انتابتني. وعرض الكتاب بصورة وثقي لحجتهم في أن المقتلة في بيت الضيافة نجمت عن ضرب الدبابات التي هاجمت القصر بزعم تحرير نميري بعد أن اتضح لهم أن انقلابهم المستقل قد تبخر بعد نجاة الرجل والتفاف جماهيره حوله. وأتمنى ان نعثر على هذا الكتيب حتى لو كان في خزائن جهاز الأمن لنضعه أمام اللجنة المقترحة للتحقيق في واقعة بيت الضيافة.
    ثم تواترت إفادات قوَّت من معقولية وجود هذه القوة الثالثة قامت بالمذبحة أو لم تقم. وارتبطت هذه الشهادات بالمحاكمات التي انعقدت في سلاح المدفعية بمدينة عطبرة لإنقلابيّ سبتمبر 1975 المعروف لنظام نميري ب "المؤامرة العنصرية". وهو الانقلاب الذي تزعمه المرحوم حسن حسين عثمان. وكان أول عهدي بهذه الشهادة هو ما قرأته للأستاذ محمود إدريس. فكتب بعد الإنتفاضة في 1985 عن ليلة قضاها كمحرر سهرة بإحدى صحف النظام المايوي. فقد اتصل به مكتب وزير الإعلام يطلب منه ألا ينشر ما ورد في شهادة قدمها أحد ضباط أو صف ضباط الانقلاب مفادها أنهم اشتركوا في هزيمة انقلاب 19 يوليو لصالحهم هم ولم تكن عودة نميري للحكم قصدهم. ولكن عمر الشقي بقي. فخرج نميري للناس وجَيَّرت القوة الثالثة انقلابها لصالح القائد العائد.
    لم تكن مقالة محمود بيدي وأنا أكتب هذه الكلمة. وهذا سبب التعميم الذي أصابها. وسيصعب جرح شهادة محمود لأنه أنصاري له موجدة مؤكدة من الشيوعيين. ولكن الشهادة التالية ستوضح ما خفي. فقد كتب العميد أ.ح هاشم الخير إلى قائمة "سودانيات" على الإنترنت في إحدى مناسباتها لتجديد ذكرى انقلاب 19 يوليو 1971. وكان عنوان تلك المناسبة: "مذبحة بيت الضيافة بين الأسطورة وأحلام العسكر ومكر السياسة". قال العميد إنه تابع أقوال الملازم المرحوم شامبين أحد أميز إنقلابي 1975 وأشجعهم، خلال محاكمته لدوره في ذلك الانقلاب. وكانوا يذيعون وقائع المحاكمة بعد نشرة الثانية والنصف من راديو هنا أم درمان.
    قال شامبي في أقواله أمام المحكمة إنه عضو تنظيم سياسي بدأ العمل منذ منتصف الستينات والتزم به منذ عهده كطالب بالثانوية. وقال إنه التحق بالقوات المسلحة وكان هدفه من ذلك الاستيلاء على السلطة بالانقلاب العسكري. وهو بالتالي تنظيم بدأ قبل مايو واستمر خلالها. ولما قامت 19 يوليو اعتقد شامبي ومن معه أنها سانحة للقضاء على المايويين المحتجزين في قصر الضيافة والشيوعيين في برنامج واحد. وقال شامبي إن ما أفسد الأمر هو خروج نميري سالماً فرجحت كفته وخابت خطتهم.
    وعلق العميد: "هذا ملخص ما سمعته أذني من شهادة الملازم شامبي كما أذاعتها الإذاعة السودانية". وأضاف "وللمفاجأة في اليوم التالي تم إيقاف إذاعة المحاكمات عن طريق الإذاعة السودانية".
    لنظرية القوة الثالثة وجاهة في البادي حتى تثبت أو تسقط تحت مجهر التحري التاريخي. وسيكون سجل الإذاعة لمحاكمة انقلابي 1975، ووقائع المحكمة العسكرية الخطية بالقضاء العسكري، وإفادات شهود المحكمة والإعلاميين مما تثبت به تلك النظرية أو تروح أدراج الرياح. صحاً جاء وكضباً راح. وسنتطرق لجانب آخر من نظرية القوة الثالثة في حديثنا القادم.

    (عدل بواسطة Elmoiz Abunura on 07-18-2012, 07:10 PM)

                  

07-19-2012, 01:41 PM

Elmoiz Abunura
<aElmoiz Abunura
تاريخ التسجيل: 04-30-2005
مجموع المشاركات: 6008

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مذبحة بيت الضيافة وفظاظات أخرى (1 من 20): (Re: Elmoiz Abunura)

    3-بيت الضيافة: التحقيق الذي يكذب الغطّاس

    عبد الله علي إبراهيم

    أسعدني ظهور الأستاذ على شمو على برنامج الأستاذ الطاهر حسن التوم "مراجعات" على النيل الأزرق ليتحدث عن مذبحة بيت الضيافة في ذكراها في يوليو ا2010. فشمو ذاكرة إعلامية وسياسية معروفة. واختط الطاهر عادة التعريج على ذكرى المذبحة منذ 2008 يستدعي الموافقين من شهود العيان ليدلو بدلوهم. وهمة الطاهر موجبة الثناء ل"الباشون" الذي من ورائها. والباشون من passion ونعربها إهمالاً ب "عاطفة" ولكن "الحمية" أقرب إلى المعني الإنجليزي. وللطاهر فيض منها جعله يتعقب واقعة بيت الضيافة. فتاريخه هو ذاته منطو فيها لتسميته على عمه الضابط "الطاهر" التوم شهيد تلك المذبحة، صغير وجاهل. ومما يحمد للطاهر التزامه الأمانة في برنامجه بعرض طيف الآراء والذكريات. فالحيدة مستحيلة ولكن الأمانة واجب.

    وصيد الطاهر هذه المرة ثمين. فما أن جاء شمو حتى فتّح أراشيفاً وذخائر لدراسة انقلاب 19 يوليو وذيوله الفاجعة لم تخطر على قلب بشر قبله. مثلاً: نبه إلى أن الصحفية المصرية مريم روبين غطت الانقلاب على أوسع نطاق. ولن يستغني الباحث فيه عن الرجوع إلى رسائلها إلى جريدة "الأخبار" المصرية. ولم تأت روبين على بالي رغم انشغالي بالتأرخة لانقلاب يوليو. ثم دلنا شمو على تقريرين عن الانقلاب أنجزتهما الحكومة. أما الأول فتقرير شارك فيه وهو رصد وقائع تلك الأيام بلا تحليل. وقال إنه لابد موجود بمجلس الوزراء. ثم تقرير مولانا حسن علوب الذي تقصي المسئولية السياسية عن الانقلاب. ووافق شمو الطاهر في أنه اختفى. وليس هذا بصحيح. فنسخ منه متداولة وقد لخصه المرحوم القدال وعلقت أنا على بعض مسائله. أما أميز ما جاء عند شمو من الوثائق فهو الفلم الذي حمضه الضابط بالتوجيه المعنوي محمد جاد الله جبارة (ابن السينمائي المعروف). وكان عن محاكمات الشجرة وإعدامات الدورة. ورآه شمو وقال إن ذلك أسهده. ورجح شمو أن الصور لابد أنها بخزائن الاستخبارات.

    وبالطبع اختلفت معشمو في نفيه نظرية صدف أن كنت من مروجيها تقول إن الذي قتل ضباط بيت الضيافة هي قوة ثالثة من صف الضباط أرادت بانقلابها أن تزيح دولة النميري وهاشم العطا بضربة واحدة. ووصفها بأنها "نسج خيال غير مقبول". ولم يأت مع ذلك ببينة مٌفسِدة لنظريتنا. بل أثبت كغيره أن دبابة من هذه القوة (التي نسميها الثالثة) بلغت دار الضيافة ودار "ضرب عنيف جداً" حولها كما خبَّرهالسيد حسني حواش بالتلفون من وكالة السودان للأنباء المطلة على بيت الضيافة. وضرب الدبابة العنيف ذاك هو ما نستدل به على وجود القوة الثالثة في نظريتنا. فقد جاءت دبابات للقصر (الذي صورة الضرب والمضروب فيه أوضح لتوافر الروايات عنه) من نفس القوة المناهضة للانقلاب وضربت مبناه ياستهتار لا يدل على أنها حرصت على حياة من فيه بما فيهم نميري الذي يريدون استعادته للحكم في المزعوم. فقد حكى نميري نفسه عن هذا الاستهتار واضطراره للرقاد أرضاً لتفادي الرصاص الذي نفذ إلى حجرته.

    أما حجة شمو الأخرى في نسبة نظريتنا إلى "نسج الخيال" فهي مجرد قياس منطقي منبت عن "هرجلة" التاريخ. فقال إنه من العسير تصور مايوياً مثل اللواء خالد حسن عباس يقتل أخاه الشهيد. ولم نقل نحن بذلك. قلنا إن قوة أخرى هي التي فعلت ذلك طمعاً في الحكم الذي كان ملقياً على قارعة الطريق.

    بغض النظر فكلنا على قلب رجل واحد أن نخضع المذبحة إلى تحقيق سابغ نفرغ منهفي ذكراها الأربعين في 2011
                  

07-20-2012, 09:55 PM

Elmoiz Abunura
<aElmoiz Abunura
تاريخ التسجيل: 04-30-2005
مجموع المشاركات: 6008

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مذبحة بيت الضيافة وفظاظات أخرى (1 من 20): (Re: Elmoiz Abunura)

    " 4"
    -هل كان هناك تنظيم سرى بالمدرعات للجنود وصف الضباط؟
    عبد الله علي إبراهيم



    أسعدني أن دعوتي لطي سجل مذبحة 22 يوليو 1971 قد استجاب لها بعض كبار أهل الرأي عندنا. قرأت منهم لزميلنا القديم أحمد محمد شاموق وللدكتور عبد اللطيف البوني. وقد وسع الأخير الدعوة لتشمل مذابح أخرى ووقاحات. بل أطربني أن أسمع عن طريق البوني أن الدكتور عثمان ابن المرحوم مصطفى أورتشي أبدى استعداده لدعم بعض نشاط اللجنة الأهلية التي اقترحها البوني لطي ذلك السجل متى لم تنهض الحكومة بالأمر. وهذا مستصغر شرر المآثر التي تبني الأمة على جادة التراضي عن بينة. نسأل الله أن يوفقنا فيه حتى تخرج البغضاء من عروقنا وتنسكب السكينة في الوطن.

    أحاول منذ أسابيع عرض نظرية القوة الثالثة الشيوعية. فحجة الشيوعيين لتبرئة أنفسهم من تهمة قتل ضحايا بيت الضيافة (الذين وضعهم الانقلاب المحسوب عليهم في الحبس بالقصر الجمهوري وذلك البيت) قائمة في أنه كانت ثمة قوة انقلابية ثالثة حزمت أمرها على التخلص من دولة نميري ومن الانقلاب الذي أزاحها من الحكم في 19 يوليو 1971. ونهضت بالزمن بينات ربما رجحت هذه النظرية في اعتقادي. وعرضي لها هو محاولة منى ليقف عليها حتى خصوم الشيوعيين بصورة نسيقة متى أرادوا دحضها.

    غلبت روايات الضباط الناجين من المذبحة وغيرهم في تدويننا لوقائع ذلك اليوم الدامي في تاريخنا. وغابت عن السجل روايات الجنود وصف الضباط المعلوم أنهم هم وحدهم تقريباً الذين استردوا نميري للحكم. فحتى اللواء سعد بحر أسرع بعد نجاته من الموت ببيت الضيافة إلى الشجرة ليلتقي باللواء الأول مدرعات (هل هو كتيبة جعفر؟) الذي يقوده ليتمم عليهم ويعترف لهم ولمشاة الخرطوم بدورهم في العودة بنميري للحكم. وقال لهم إنهم كان لهم "الضلع الكبير" في إنجاح العملية ضده المتمردين "ومعاهم بعض الضباط المؤمنين بوحدة البلد وثورة البلد".

    وقد نبه إلى دور الجنود والصف بقوة رفيقنا صلاح إدريس محمد (آخر لحظة 6-8-2009) حين طلب الرجوع إلى شهاداتهم لأنهم هم القوة التي صنعت ذلك اليوم. فقال يزكي طلب شهاداتهم بقوله "والذين أعادوا نميري للسلطة وللأمانة والتاريخ كلهم من صف الضباط والجنود (من اللواء الثاني مدرعات). هم الذين كانوا القادة وكانوا المنفذين ومعظمهم على قيد الحياة".

    متى التفتنا لروايات من نفذوا يوم 22 يوليو سيَعرَض مشهده. فضحاياه (سواء قتلهم الشيوعيون أو القوة الثالثة) كانوا محصورين في الغرف حصراً فقصر المبحث التاريخي عن اليوم الدامي في الجماعة المعتقلة تضييق لواسع. ولن يخرجنا من هذا الانحصار في تحري طبيعة المجرم القاتل في ذلك اليوم غير الإصغاء الشديد لرواية الجنود وصف الضباط. فسيفيدنا هذا الاستماع للوقوف على طبيعة تحركهم ودوافعه ورموزه.

    وفي واقع الحال تعاملت الصحافة (وربما الإذاعة والتلفزيون) مع روايات الجند والصف على قدم المساواة مع روايات الضباط في الأيام التي أعقبت يوم 22 يوليو. فقد سعت جريدة الصحافة للضباط والصف والجنود لتعرف "ماذا حدث يوم الخميس الماضي (22 يوليو)؟ ضباط وجنود قوات الشعب المسلحة يجيبون على السؤال". واهتم الأستاذ حامد احمد عثمان المحرر بجريدة الصحافة بالذات بتدوين شهادات الجنود والصف لدورهم يوم 22 يوليو. وكان عنوان قصته الصحفية: (أعضاء التنظيم السري لصف وجنود المدرعات يحكون كيف تمت عمليات الانتصار على عصابة يوليو" (30 يوليو 1971).

    تحدث للمحرر ثلاثة من أعضاء هذا التنظيم للجنود وصف الضباط الموصوف "بالسري". وسأعيد صياغة شهاداتهم التي وردت بالصحيفة في هذا المقال والذي يليه ثم أعلق على جدواها لنظرية القوة الثالثة التي أحاول عرضها عليك أيها القاريء.

    تحدث للصحافة العريف أبو القاسم التجاني من الكتيبة الأولى، اللواء الأول دبابات بمعسكر الشجرة عن اجتماعهم الأول يوم 22 يوليو في عربة كومر مع العريف على الزين والعريف السنوسي النعيمة. فقرروا تحريك الدبابات التي تحت تصرفهم بمدرسة القوات المدرعة. ولما اتضح أنها بلا جبخانة أرشد على الزين إلى جبحانة قدرها 100 طلقة كبيرة و300 رشاشة بمخزن تلك المدرسة. وزاد العريف قاسم بأن هناك 3 دبابات استولى عليها المتمردون من شيعة هاشم العطا ويمكن سلبها منهم. ثم ذهبوا إلى الكتيبة الثالثة وتحدثوا إلى وكيل العريف محمد الحاج الذي أخبرهم بأن دباباتهم على استعداد. ثم دعوا لاجتماع لطاقم المدرسة والكتيبة الأولى والثالثة. حضره، إلى جانب من ذكرنا، الرقيب أحمد بلال والرقيب محجوب. وانسحب على الزين لأنه كان مٌراقباً ومعه الرقيب أول يوسف حسن. وكلفوه بمهام إدارية. وضَمِن الرقيب محجوب لحركتهم مدرعتي استطلاع. ولما وضح للمجتمعين أن رقيباً من زملائهم قد سلطوه عليهم للتجسس انسحبوا وذهبوا لمنزل الرقيب أحمد بلال بالشجرة, فلحق الجاسوس بهم فأنسحبوا إلى منزل الرقيب طه محمد أحمد بقشلاق الشجرة. وانتدبوا وكيل عريف عبد العزيز خير الله ليستطلع عن موقف دبابات كوبري أم درمان لمعرفة موقفها من حركتهم ومن عليها من الجنود. وجاءهم ليقول إن الدبابات يقودها طلاب هم بعد في مدرسة المدرعات ولا خبرة لهم كما أنه لا تنسيق بين مواقع الدبابات المختلفة للمتمردين. ثم جاءهم المساعد الشريف سعد النور وضمن لهم الدبابات ولكنه أشار إلى استعداد المشاة للوقوف بجانبهم إلا أنهم بدون سلاح. فذهب العريف يوسف التجاني إلى المدرسة وقابل السنوسي ثم قابلا العريف يوسف عبد الباقي من المظلات الذي جمع لهم 400 جندي يرتدون الزي الملكي. ووضعوا خطة باحتلال مواقع معينة بالدبابات بتعزيز من هؤلاء الجنود في الزي الملكي. وحددوا الساعة الثالثة من يوم الخميس 22 يوليو للتحرك.

    ثم أخذ العريف الزين حبل الحديث إلى المحرر ليفصل في مخطط التحرك. ونواصل هذا في مقال الأسبوع القادم إن شاء الله.

    (عدل بواسطة Elmoiz Abunura on 07-23-2012, 03:02 PM)

                  

07-21-2012, 01:36 PM

Elmoiz Abunura
<aElmoiz Abunura
تاريخ التسجيل: 04-30-2005
مجموع المشاركات: 6008

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مذبحة بيت الضيافة وفظاظات أخرى (1 من 20): (Re: Elmoiz Abunura)

    5
    Quote: -في تصريح للعريف أبو القاسم
    عبد الله علي إبراهيم


    أسعدني أن ينضم الأستاذ الفاتح سيد أحمد حمودي، ابن المرحوم العقيد (العميد) سيد أحمد حمودي قائد سلاح المظلات وذبيح بيت الضيافة، إلى ركب الداعين لطي سجل مذبحة 22 يوليو 1971. فقد بعث إلىّ برسالة عرفني بنفسه ورقم تلفونه. فأتصلت به ووجدته كما صورت حال أولياء دم المذبحة في كلمتي الأولى عن هذا الأمر: أول من لا يعلم عن مرتكبيها شيئاً. ولم يعثر على خيط يسوق إلى قتلة والده حتى بعد سؤال بعض أعضاء مجلس قيادة انقلاب 25 مايو المنحل. وأحدهم ولي دم. ولا أعرف إن كان جهل هؤلاء الضباط بالقتلة حقاً أم غير ذلك بالنظر إلى انني لم أقع بعد على ذكر لجنة تكونت للتحقق عن قتلة بيت الضيافة. ولم يسمع الفاتح نفسه بهذه اللجنة (أنجزت ما وعدت أو لم تنجز) بعد سؤالي له عنها. ولو ثبت أن النظام لم يعين لجنة للتحقيق في المذبحة لكان هذا من ثالثة الأثافي. وهو أن النظام المايوي علم عن القتلة ما لم يرض لنفسه أن يذيعه. وهذا تجهيل عمد.

    كتب لي الفاتح يقول: "شكراً لاتصالك فيَّ بعد رسالتي لكم. إننا لنثمن جهودك الكريمة لجهة مساعدتنا جميعاً للحصول على حقائق مذبحة بيت الضيافة من جهة معرفة القتله علماً لا يحدونا فيه القصاص أو الجزاء. إننا لنطمع في الحصول على الوقائع والحقائق لنقف على تاريخ عشنا بدون دقائقه ل39 عاماً مضت. إننا نتطلع إلى تحقيق رسمي عن مذبحة بيت الضيافة. ونسألك أن تبذل قصارى جهدك نحو هذه الغاية. وستجد منا كل عون ودعم. إن مهمتنا الآن هي الوقوف على حقيقة ما جري في بيت الضيافة ولا غير ذلك. شكراً مع أطيب الأمنيات.

    قلت في حديث الأسبوع الماضي أن الذي غلب في تدوين واقعة المذبحة هي روايات الضباط الناجين منها وغيرهم بينما غابت عن السجل روايات الجنود وصف الضباط المعلوم أنهم هم وحدهم تقريباً الذين استردوا نميري للحكم. وقد رأينا أن الصحافة دونت بعض تلك الشهادات في الأيام العاقبة للمذبحة ثم لم يعد إليها أحد. وأصبحنا نعيد شهادة الضباط ونستعيدها. وانحصرنا بذلك في حقائق جرت في بيت الضيافة وانحجبنا عن مقاصد وطبيعة القوة التي خرجت في عصر 22 يوليو إلى مسرح السياسة بقوة وربما كانت المذبحة من عملها كما يعتقد بعض الناس.

    متى نظرت في شهادة الجنود والصف في وقتها وجدتهم شديدي الإعتزاز بدورهم في عودة نميري. فروايتهم لملحمة عودة نميري لا تتسع لضابط فحسب بل تجدهم كرهوا ما رأوه من إدعاء بعض الضباط لعب أدوار في تثبيت نميري من نسج خيالهم. فقد تحدث العريف ابو القاسم تجاني للصحافة كناطق رسمي لحركة الجنود والضباط، التي نشتبه أنها القوة الثالثة، التي وطنت نفسها على القضاء على نميري ومن انقلبوا عليه عصفورين بحجر واحد ثم استلام زمام الحكم. ولكن نميري شقي وعمره بقي. فأضطرت القوة الثالثة أن تجير نصرها لصالحه والذي في القلب في القلب. فأنظر لهجة أبي القاسم تجدها واثقة احتفالية تنسب الفضل له ولزملائه الصف والجنود لا غير. فقد تحدث للصحافة:"نيابة عن تنظيم حركة التحرير" مؤكداً "بأنه لا يوجد أي ضايط بهذه الحركة إذ أنهم فروا هاربين تحت طلقات مدافعنا. وأقول للضابط الذي تكلم من إذاعة أم درمان مدعياً أنه عمل وعمل (هل عمل وعمل كناية عن الإدعاء فالنص غير واضح) أنه كان معتقلاً بالبيت (الضيافة؟ غير واضح) نسبة (لعدم وجود، من عندي النص غير واضح) من يحرسه أطلقنا سراحه. ولم نر سوى الملازم فتحي محمد عبد الغفور "الذي أيد حركة التحرير من البداية وركب دبابته وأدى دوره كاملاً". وهنأ ابو القاسم جند المظلات وشكرهم لنجدتهم وتعزيزهم الموقف وعلى رأسهم العريف يوسف عبد الباقي. وهنأ كذلك رجال كتيبة المشاة الذين أيدوهم في أحلك اللحظات وساندوهم. وشكر الجمهور على تعاطفه معهم وكذلك الحرس القومي وكتائب مايو وبوليس القسم الجنوبي الذين ساعدهم في إلقاء القبض على هاشم العطا "ولم يناموا حتى الآن". وشكر جريدة الصحافة. ووجه الحديث لجماهيرهم بأنهم بخير ما دام التلاحم العسكري الشعبي قائماً.

    كان هذا حديث عريف بعد نحو 8 أيام من عودة نميري إلى الحكم (الصحافة 30 يوليو 1971). فإلي أي طموح انتسب؟ نواصل شهادة تنظيم الصف والجنود التي جاءت بها جريدة الصحافة ثم نعلق على حركتهم من جهة نظرية القوة لثالثة في يوم 22 يوليو التراجيدي.


                  

07-22-2012, 02:30 PM

Elmoiz Abunura
<aElmoiz Abunura
تاريخ التسجيل: 04-30-2005
مجموع المشاركات: 6008

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مذبحة بيت الضيافة وفظاظات أخرى (1 من 20): (Re: Elmoiz Abunura)


    6

    -مذبحة بيت الضيافة: دم تاير
    عبد الله علي إبراهيم


    كنت أريد تقديم الشهادة الأخيرة لجندي ممن اشتركوا في استعادة نميري عصر 22 يوليو 1971 إلى الحكم بعد أن خلعه انقلاب 19 يوليو لثلاثة أيام. وهي شهادة نشرتها الصحافة بعد نحو أسبوع من الواقعة نفسها. وعَرَضتُ شهادات أولئك الجنود في سياق بياني لنظرية القوة الثالثة التي يزعم الشيوعيون أنها هي التي قتلت الضباط الذين حجزهم انقلاب 19 يوليو تحفظياً ببيت الضيافة. فمسئولية مذبحة الضباط التراجيدية، حسب هذه النظرية، معلقة بهذه القوة الثالثة. وعرضت لشهادات الجند أيضاً في محاولة لبيان ضرورة تقصي المنشور منها وجمع ما في صدور الأحياء لأنها شهادات ناهضين بفعل سياسي عسكري بينما شهادات الضباط في الغالب شهادات من نجوا من المذبحة ولا علم لهم بالمحيط الأوسع الذي وقعت فيه.
    وأجلت تقديم هذه الشهادة الأخيرة بالنظر إلى تعليقات على مقالاتي عن مذبحة بيت الضيافة لا يمكن إرجاء مناقشتها. فقد كتب الأستاذ علي إسماعيل العتباني (الرأي العام 17 أغسطس 2009) يزكيني لفتحي هذا الملف المفصلي في حياتنا السياسية. ثم تواترت مآخذه عليَّ. فهو يعتقد أن قولي بإن القوة الثالثة هي التي ربما ارتكبت المذبحة محاولة مني لرفع الحرج عن الحزب الشيوعي وربما تاريخي أنا الخاص. فكأني أريد حجب الملامة عن مذبحة بيت الضيافة عن حزب ظلت تهمة المذبحة معلقة به وعن شخصي كمنتم سابق بالحزب. وولج العتباني بهذا المأخذ منطقة النوايا. ولا أدري لماذا أورط نفسي والحزب الشيوعي بإثارة هذه "الفتنة النائمة" التي يئس حتى أهل الدم من الحصول على رد رسمي شاف عن من قتل أبناءهم وأولادهم. لقد أضربت ذاكرة الأمة عن استرجاع هذه الحادثة بأي صورة حتى استنامت إلى تناسيها وواصلنا ارتكاب المذابح كأنها حلال محض.
    لقد كان بوسعي ألا أثير مسألة المذبحة جرياً على التواطؤ العام الحادث. ولكني آثرت غير ذلك. ولم يتفق لي ذلك بالنظر إلى أنني مرشح لرئاسة الجمهورية وقد ألاقي من ذكرى المذبحة العنت بين الناخبين. فهذه ليست مرتي الأولي للخوض في مثل هذه "الفتن النائمة". فقد ظللت أدعو منذ 1987 للكشف عن قبور ضحايا العنف السياسي والحكومي من غير فرز ألوان سياسية في مقالات عديدة منها ورقة قدمتها للجمعية الأنثربولجية الأمريكية عام 1996. وكان دافعي إلى ذلك هو ما اسميته "روحانية الصلح أو التعافي الوطني". وأصلٌ هذه الروحانية في الأثر: "لو تباينتم ما تدافنتم" أي لو تكاشفتم الأمر لما احتقنتم.
    وقد رأيت فشو الاحتقان في الأمة ونزعات فش الغبينة حتى هدمنا المدينة. لقد اتفق لي أنه لن نصلح وكل فريق منا منكفيء على تاريخ جراحه الخاصة. ووطنت نفسي على إخراج هذا "الدم التاير او الثائر" من عروق الأمة لتطوي صفحة أمسها وتبدأ ليومها. وقد بلغت بي هذه الروحانية أن خصصت لها محوراً في موقعي على الشبكة الدولية باسم "الشهداء" أتلقى بواسطته بلاغات ومعلومات عن مواقع محتملة للدفن الجائر لضحايا العنف السياسي. بل إنني حليف قوي للأستاذ مكي محمد مكي ابن المرحوم محمد مكي محرر حريدة "الناس" الذي اختطفه نظام نميري في آخر 1969 من بيروت وعاد به خلسة للخرطوم وتخلص منه. وكانت حادثته الفاجعة موضوع تحقيق جيد للصحافية هويدا سر الختم في جريدة السوداني. وأقف بشدة مع مشروعه لإحياء ذكرى والده في مناسبة مرور 40 عاماً على اختفائه ومحاقه. كما أقرأ بقوة مقالات الأستاذ محمد سعيد محمد الحسن التي تعرض لملابسات موت الزعيم إسماعيل الأزهري بين أيدي إنقلابي 25 مايو وأتمنى أن يكون مصرع الزعيم موضوع تحقيق آخر. وأرجو أن يجد العتباني في هذه الخلفية سبباً ليرفع عني سوء ظنه في نواياي. فالنية عندي كمسلم زاملة سيدها. ويحرص المسلم ويأمل ألا تعلق شائبة بنيته التي هي صندوق شفافيته "الأبيض".
    وددت لو أن العتباني تقيد بمصطلحي في معالجة نظرية القوة الثالثة ولم يذهب بها مذاهبه البعيدة. فقد قلت إن بعض الأدلة عن هذه القوة الثالثة نهضت خلال محاكمة الضباط الذين اشتركوا في انقلاب المرحوم حسن حسين عثمان في سبتمبر 1975. ولما كان هذا الإنقلاب قد اشتهر في الأدب السياسي الحكومي ب"الإنقلاب العنصري" فقد صاغ العتباني (أو اعاد صياغة) فكرتي عن القوة الثالثة في مصطلح العنصرية الحكومي. فقد وافقني جدلاً في فرضية من إنشائه زعمت أنا فيها أن المذبحة من فعل حركة عنصرية. بل توسع في الأمر لينتقد الشيوعيين عامة لإستثارتهم النزعات العنصرية في السياسة. ولست أرغب في الخوض في كل ذلك. ولكن ما أنا بصدد توضيحه هو أنني لم أصف انقلاب حسن حسين بالعنصرية حتى تكون العنصرية مدار كلمة العتباني. فقد درجت على النأي بكتاباتي عن المصطلح السياسي "الحكومي المركزي أو النيلي" في وصف مقاومة القوميات السودانية غير الشمالية للدولة الوطنية. فإذا استخدمت مصطلح "تمرد" نصصته لأفرز كومي عن كوم أدب الحكومة السياسي النيلي. وفي سياق عرضي لنظرية القوة الثالثة حرصت أيضاً على هذا الفرز. فقلت في وصف حركة حسن حسين عثمان بأنها المعروفة لنظام نميري ب "المؤامرة العنصرية". وصفوة الأمر أنني لم أجيء بنظرية القوة الثالثة لأحمل حركة تلك القوة في 22 يوليو أي محامل عنصرية. ولذا لا أتفق مع العتباني أن جوهر المسألة (سواء قتل الشيوعيون ضباط بيت الضيافة أم لم يقتلوهم) هو مسؤولية الحزب الشيوعي في تغذية الحركات العنصرية والجهوية والعرقية. فجوهر المسألة كما أردت في مقالاتي هو جلاء الحقيقة عن غموض (أو تغميض) ما جرى في بيت الضيافة منذ نحو 40 عاماً. ومتى كانت المسألة هي دور الشيوعيين في نهوض الحركات الموصوفة فلكل حادث حديث.
    بالطبع اتفق مع العتباني أن إنقلابيّ 19 يوليو سيتحملون قدراً غير واضح حجمه عن المذبحة في أي تحقيق قادم عنها بقرينة أنهم هم الذين حبسوا الضحايا ولم تواتهم الحيلة في حمايتهم من الخطر المباغت كما هي سنة القيادة وفرضها. وفي هذا المعنى أيضاً كتب لي الدكتور عثمان أورتشي رسالة رقيقة يقول فيها إنه يتابع بشغف ما أكتب لفض الغموض عن مأساة بيت الضيافة التي فقد فيها والده. وقال إن التحقيق المؤدي لتعيين القتلة حق للسودانيين قاطبة ولأسر الضحايا ليعرفوا جميعاً وقائع ذلك اليوم الدامي. وقال إنه يزكي دعوتي بحماسة لأنه كان صغيراً ولا ذاكرة له مطلقاً عن صورة أبيه. وأضاف أنه مع ذلك (ومهما كان من أمر التحقيق) فإن ضباط الانقلاب في 19 يوليو ملامون ملامة تتراوح من الوزر الكامل عن المذبحة إلى بعض الوزر. فهم الذين اعتقلوا الضحايا وعينوا الحرس للإشراف عليهم وضبطهم. ولا سبيل بناء على ذلك لإعفائهم من التبعة طالما أصاب المكروه ضيوفهم بالإكراه. وكتبت له أقول إن مسؤولية رفاقي في الانقلاب وفي المأساة مما لايحتاج إلى بيان. فهم موزورون طالما كان الضحايا في عهدتهم.
    رحم الله أمواتنا وأموات المسلمين. وليسبل الله الطمأنينة على ضحايا عنف الدولة السودانية وليخرجنا من كيد الإحتقان وحواريه إلى رحاب الوطن. وبدا لي وجوب أن نتناصر جميعاً لفتح ملف مذبحة بيت الضيافة وغيرها. كفانا وحشة عن الحق والدين. ولنستأصل دم التاير السياسي الذي عضنا بنابه ففسدنا.

                  

07-23-2012, 02:09 AM

Elmoiz Abunura
<aElmoiz Abunura
تاريخ التسجيل: 04-30-2005
مجموع المشاركات: 6008

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مذبحة بيت الضيافة وفظاظات أخرى (1 من 20): (Re: Elmoiz Abunura)
                  

07-23-2012, 06:12 AM

Ashraf el-Halabi
<aAshraf el-Halabi
تاريخ التسجيل: 10-08-2006
مجموع المشاركات: 5508

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مذبحة بيت الضيافة وفظاظات أخرى (1 من 20): (Re: Elmoiz Abunura)

    رمضان كريم أستاذ أبو نورة
    متابعين
                  

07-23-2012, 02:54 PM

Elmoiz Abunura
<aElmoiz Abunura
تاريخ التسجيل: 04-30-2005
مجموع المشاركات: 6008

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مذبحة بيت الضيافة وفظاظات أخرى (1 من 20): (Re: Ashraf el-Halabi)


    7- محاكمات الشجرة (يوليو 1971) في يد القوة الثالثة

    كانت أيام انقلاب 19 يوليو هي التي بانت فيها شوكة الجنود وضباط الصف وهم الطاقة المجهولة خلف كل الانقلابات. فلا يظهر بعد الانقلاب إلا رأس جبل جليد الطافح وهم صفوة الضباط. ولكن المسكين جضل (جذل) وجاء يومه. ومن المهم لمعرفة ديناميكية القوة الثالثة (التي أزعم، ولا أقطع، أنها قامت باسترداد نميري للحكم في 22 يوليو 1971 وربما ارتكبت مذبحة بيت الضيافة) وجب علينا دراستها في خلفية مصائر الضبط والربط في القوات المسلحة بعد قيام انقلاب 25 مايو 1969. وهو الانقلاب الأول الذي أعلن لفظاً رد الاعتبار للجند والضباط وإعفائهم من بعض صور الخدمة المهينة للضباط. وعناصر هذا الضبط والربط شملت ثلاث جهات هي الضباط العظام وصغار الضباط من مثل رواد الانقلاب ثم الصف والجنود.

    مر بي ذكران لشوكة الجند والصف خلال الأسبوع الماضي أتطرق لهما قبل إيراد الشهادة الأخيرة لصف ضابط من المدرعات عن وقائع يوم مذبحة بيت الضيافة. وهي شهادة أدلى بها لمحرر جريدة الصحافة (30 يوليو 1971 ) كواحد من أعضاء التنظيم الموصوف بالسري لصف وجنود المدرعات. تحدث العريف للجريدة و 19 يوليو ما يزال يجرجر ذيوله. فمن بين من ذكروا سطوة الجند هؤلاء الرائد محمد مصطفى الجوكر، صديق المرحوم عبد المنعم الهاموش الانقلابي في 19 يوليو ، في لقائه بالرأي العام (30 أغسطس 2009). فخلال محاكمته بالشجرة رأى الجوكر "هياج الجند وصف الضباط" حتى سماهم ب "الكلاب الجائعة". فنزعوا عنه علامة الرتبة التي لا تخلع إلا بقانون. وهذا إلحاد في القوى النظامية عظيم. وأخذ على الضباط الحاضرين للمشهد عدم تدخلهم من فرط شوكة الصف والجند ومغبة إغضابهم. وزاد بأن الإعدام لم يكن يجري على أصوله المتعارف عليها. فقد كان حفلاً للتشفي ومعرضاً للارتجال الفالت. وزاد بأنه كان يقف طابور عسكر وما أن يجيء الضابط المحكوم عليه بالإعدام حتى تنهال عليه الجبخانة "وأي عسكري يسمع بالميكرفون أنه تم الحكم على الخائن فلان يجي جاري وبندقيته فوق ثم يطلق كمية من الرصاص".

    وفي نفس السياق إتصل فيّ قبل يومين زملينا الصحافي المخضرم محمد عبد السيد. فحكى نقلاً عن مرويات المرحوم عقيد مظلي عزت فرحات الذي تحاكم بالشجرة وبرأه قضاتها. وعمل بعد استيداعه في وكالة أنباء السودان (سونا) ورافق عبد السيد. ووثق بينهما جامع "من عندنا" لأنهما من النوبة وعلى لغتها. ووضح لعزت من خلال محاكمته أن الجنود والصف هم الذين استولوا على المشهد القضائي. كانوا يصوتون فرحاً بحكم الإعدام ويحتجون بوضوح إذا بدا لهم الحكم ليناً. وهم الذين يسوقون الضباط إلى المحاكم ويخلعون شارات الرتبة منهم.

    يكفينا هذا عن سطوة الضباط والصف حتى نفرغ من الشهادة الأخيرة مما نشرته الصحافة. وهي من العريف عبد الله أحمد هنقر. قال إنه لما تبين له أن هناك انقلاباً عصر 19 يوليو حمل لبسه العسكري وذهب بجلابيته للواء الثاني مدرعات بالشجرة. ووجد مدرعة إسكوت بها بعص الضباط وصف الضباط. فأقنعهم بأنه يسكن الإشلاق لما صدوه وقالوا له أن يأتي في الصباح. فذهب إلى مكتب الكتيبة الأولى ليلتقي بالرقيب محمد جاي الذي حدثه عن انقلاب قاده هاشم العطا. فسأله عن الكتيبة. فقال استلمها الملازم أبو شمة. ووصفه ب "الخائن". فأتجه إلى الجراج ووجد أبوشمة وبقى هناك لمدة ساعة. فألتقى مع الرقيب أول فقير وحثه على عمل مضاد للانقلاب لأنه لابد للبعض أن يضحي. فحذره فقير أن لا يعيد كلامه بالنظر إلى سيطرة الإنقلابيين. فخرج إلى أهله بأبي روف بامدرمان.

    وعاد إلى الشجرة في اليوم التالي فحجزوه بالبوابة حتى الثامنة صباحاً ثم أذنوا له بالدخول. فتجمعت الكتيبة وهي عزلاء من السلاح. قال لهم قائد الكتيبة المقدم زيادة صالح أن يذهبوا إلى الجراج ليواصلوا عملهم الروتيني. فزملاؤهم بالخدمة قاموا باللازم (الانقلاب) وأيدناهم. واتضح تضعضغ الروح المعنوية للجنود غير الإنقلابيين في الجراج بعد صرف أوامر نظافة السلاح. فلم يقوموا بالنظافة. وفي الخامسة مساء عينوا هنقر على دبابة ما حكمداراً. وقال إن خطة الانقلاب المضاد التي تلقاها أن يبقى بالدبابة لا يغير عليها أحداً. وكلفوه باستلام مخزن الذخيرة ليمون بقية الدبابات. وكان موعد انقلابهم هو يوم 21 يوليو ولكن جمعوهم في الساعة المحددة لمحاضرة من العقيد عبد المنعم الهاموش قائد السلاح وعضو مجلس قيادة ثورة الرائد هاشم. ووصفه ب "الخائن" أيضاً. فسأله العريف هنقر سؤالاً كانت إجابة العميد عليه إنه سيحدث تغيير في مجلس قيادة الثورة.

    فواصل الخدمة حتى يوم 22 يوليو وغيروه بطاقم آخر في حوالي الساعة الثانية ظهراً. فذهب العريف هنقر إلى الجراج ليلتقي بالرقيب أحمد بلال الذي أبدى يأسه من خطة الانقلاب المضاد وقال إنه خارج من المعسكر. فجمعهم الإنقلابيون حوالي الساعة الثانية والنصف. فانقسمت القوة إلى قسمين. الجزء الأول أذنوا له بالخروج وبقي القسم الثاني بالجراج. فأخذ العريف هنقر الجندي أحمد سرالختم من وراء دبابة. وقال له إن ساعة الصفر بقي لها خمس دقائق. وكانت علامة التحرك ضرب مجموعة رشاش على الأرض. وحدث. فركب هنقر دبابة على أن طاقمها كان ناقصاً فرداً. فأتجه بالدبابة بشارع الحرية فوصل القصر فلقي دبابتين صلاح الدين. فلما اقترب منهما رفع سائق واحدة منهما يديه مستسلماً. ولما فتح هنقر الباب ليجردهم من السلاح أطلقوا عليه طلقة كبيرة ومجموعة رشاش. فرد عليهم بطلقة كبيرة ومجموعة رشاش. وأراد تعمير الطلقة الثانية ليجد أن السائق وكيل عريف عباس سليمان قد اصطدم بالدبابتين. وهد ركيزة في القصر عليهما. ولم يكن معهم مشاة لتفتيش المنطقة وتعزيز الموقف فأنسحب بعد أن تأكد أن المنطقة قد تدمرت تدميراً شاملاً. فجاء للقصر عن طريق ميدان الشهداء وضرب طلقة كبيرة ومجموعة من الرشاش. وفي الحال جاءت دبابتان تبادلتا النيران مع دبابات القصر. وشاهد الجندي فضل الله علي زميلاً له في السرية في زي مدني فصاح فيه أن يركب معه. فقال فضل الله له إن كوبري بحرى بغير وجود للانقلاب المضاد. فتحركوا نحوه. فوجدوا عليه دبابة صلاح الدين فر طاقمها عنها حالما شاهدوهم. فاستلموها وغطاها بدبابته تي 55 وسيطر على المنطقة ليومين حتى أمره الملازم عمر عجب بالإنسحاب إلى قاعدة الشجرة.

    ونعود لهذه الطاقة من أسفل القوات المسلحة في حديث الأربعاء القادم إن شاء الله.






















                  

07-23-2012, 02:59 PM

Elmoiz Abunura
<aElmoiz Abunura
تاريخ التسجيل: 04-30-2005
مجموع المشاركات: 6008

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مذبحة بيت الضيافة وفظاظات أخرى (1 من 20): (Re: Elmoiz Abunura)

    اخى اشرف

    رمضان كريم ولك جزيل الشكر على المرور
                  

07-23-2012, 04:15 PM

بدر الدين الأمير
<aبدر الدين الأمير
تاريخ التسجيل: 09-28-2005
مجموع المشاركات: 22959

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مذبحة بيت الضيافة وفظاظات أخرى (1 من 20): (Re: Elmoiz Abunura)

    ابورة كيفك ورمضان كريم
    كم هى عسيرة ولكنها ليست مستحيلة مهمة
    ان نميط الغموض عن مذبحة بيت الضيافة
                  

07-23-2012, 04:41 PM

Elmoiz Abunura
<aElmoiz Abunura
تاريخ التسجيل: 04-30-2005
مجموع المشاركات: 6008

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مذبحة بيت الضيافة وفظاظات أخرى (1 من 20): (Re: بدر الدين الأمير)


    اخى بدرالدين
    رمضان كريم

    Quote: كم هى عسيرة ولكنها ليست مستحيلة مهمة


    شكرا على المتابعه. وكما ذكرت فالوصول للحقيقه ليس مستحيل.
    ولابد من صنعاء ولو طال السفر
                  

07-24-2012, 01:55 PM

Elmoiz Abunura
<aElmoiz Abunura
تاريخ التسجيل: 04-30-2005
مجموع المشاركات: 6008

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مذبحة بيت الضيافة وفظاظات أخرى (1 من 20): (Re: Elmoiz Abunura)

    8
    -طي سجل بيت الضيافة: حزب الشفيع خضر الشديد ولضيض
    عبدالله على ابراهيم


    كنت قد نبهت إلى غيبة طالت للوثيقة التي حملت أول عبارة صدرت عن الحزب الشيوعي عن "القوة الثالثة" في معرض تبرئة نفسه من مذبحة بيت الضيافة في 22 يوليو 1971. وصفوة قول تلك العبارة إن الذي قتل الضباط الذين تحفظ عليهم انقلاب 19 يوليو 1971 (الموصوف بالشيوعي) في بيت الضيافة هي قوة ثالثة في القوات المسلحة أرادت تقلد الحكم بالقضاء على دولة نميري وسلطة انقلاب 19 يوليو بضربة واحدة. وتطوع بتوفبر الوثيقة السيد أبو بكر خيري من هولندا. فبعث لي بصورة منها جاءت ضمن دورة اللجنة المركزية للحزب الشيوعي الشجاعة التي انعقدت في سبتمبر 1971 أي بعد أقل من شهرين من الضربة المظنونة أنها القاضية. ولو احتفل الحزب بشيء لاستحقت هذه الدورة أن تكون في أسبقياته القصوى. وواضح أن أبابكر استعار كتاب الوثيقة من مكتبة بمدينة لايدن بهولندا. والكتاب صادر في يوليو 1973 عن دار ابن خلدون ببيروت بعنوان "الثورة المضادة في السودان". ولم أجد رواجاً له في السودان. ولم أر أن هناك من أعاد طبعه حتى من الشيوعيين.

    وأنقل لكم أدناه نص هذه العبارة الشيوعية الأولى عن القوة الثالثة كما وردت في الكتاب:

    111
    لم يوال الحزب الشيوعي نظريته حسنة التأسيس عن القوة الثالثة منذ أذاعها قبل نحو 40 عاماً. فقد عطل التفكر فيها حين قالت اللجنة المركزية للحزب إنها وحدها التي ستتولى كِبَر تحري 19 يوليو وذيوله. ولم تفعل ذلك إلا في 1996 في كتاب لم يتطرق لواقعة بيت الضيافة. وهذا تضييق شديد كنت احتججت عليه وأنا رهن الحزب في منتصف السبعينات. ولما منع الحزب المجتهدين بالنظر والمتفننين بالإبداع التوثيقي من أعضائه من "الاقتراب أو تصوير" 19 يوليو وذيوله بقيت نظرية القوة الثالثة (على وجاهتها وقابليتها للتطوير) في حالتها الأولى كجنين مجهض. وبقى وزر مذبحة بيت الضيافة معلقاً على جنب الشيوعيين لا يعرفون لدفعه عنهم صرفاً ولا عدلاً. وهذه هي الحزبية البغيضة. تجتمع أفضل العقول وأذكى المواهب في حركة للتغيير ثم يقوم فيهم "ألفة" يوريهم نجوم القايلة. وأكثرهم يقبل بهذه الغلظة ويتبخر الخير والإبداع فيهم إلى الأبد.

    واستغربت للدكتور الشفيع خضر لوصفه هذه الحزبية الكأداء قصيرة النظر ب"الشدة والصرامة" تسم حزبه الشيوعي (التيار 3 سبتمبر 2009). فقال الشفيع إن هذه الشدة اللضيضة هي سبب نزيف المثقفين في الحزب الشيوعي. فهي تصادم المثقف الذي يبحث عن أرض يبذر فيها بذرة التغيير. وقال إن الحزب يوفر للمثقف هذه البيئة ولكن "وفق شروط النشاط السياسي التنظيمي الصارمة". وهكذا تصطدم أفكار المثقف التي تشبه الأحلام بأعراف منظمته الشيوعية الواقعية التي شاغلها العمل السياسي اليومي. ولا أذكر أن شروط الشفيع هذه هي ما حدثني به أستاذنا عبد الخالق محجوب حين "قسسني" للتفرغ للعمل الثقافي في الحزب في 1970. ولم أجدها في ما خط يراعه في "قضايا ما بعد المؤتمر الرابع" (1968). وقال فيه إن حزب الشفيع "الشديد" هو حزب الكادر المنبري التنظيمي الذي لا مستقبل له بدون أن يستوعب المثقف ككادر "شديد" على الحق ووكد البحث. ومن الواضح أن نظرية الشفيع عن المثقف والحزب مما اتفق للحزب بآخرة ليغطي عورته مع المثقفين. فهي تراب الميري الذي فاته.

    "ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك" وتركوك قائماً مثقلاً بذنب بيت الضيافة الذي عمره أربعين عاماً. وهو ذنب يلقي بغائلة من الشك على نشاط الحزب اليومي (المزعوم أنه صارم شديد) فيجعله أوهى من خيط العنكبوت.

















                  

07-24-2012, 01:57 PM

Elmoiz Abunura
<aElmoiz Abunura
تاريخ التسجيل: 04-30-2005
مجموع المشاركات: 6008

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مذبحة بيت الضيافة وفظاظات أخرى (1 من 20): (Re: Elmoiz Abunura)


    9
    القوة الثالثة أم الفالتة
    عبدالله على ابراهيم

    أسعدتني الكلمة التي نشرها الأستاذ عثمان الكودة في الرأي العام موجهة إلى الدكتور عثمان ابن المرحوم العميد أورتشي قتيل بيت الضيافة في يوم 22 يوليو 1971. فقد أطلع الكودة ابن المرحوم بأن جنود والده في سلاح الذخيرة، وعلى رأسهم الشيوعيون، كنوا لوالده تقديراً جزيلاً بالنظر لمهنيته العالية بعيداً عن خلاف السياسة. وكان الكودة من بين جنده الشيوعيين وشارك في تهريب أستاذنا عبد الخالق محجوب من معتقله في سلاح الذخيرة وكتب كتاباً حسناً عن هذا الأمر وملابساته وذيوله. بل حرص الكودة على معنى التعافي هذا بأخذي إلى زميله الرقيب (مفصول) صديق أحمد علي الذي كان صلة الوصل بين فرع الحزب الشيوعي بمصنع الذخيرة ومجلس ثورة انقلاب 19 يوليو ليحدثني عن بر هؤلاء الجنود بقائدهم أورتشي.

    قال صديق إنه زار المقدم محجوب ابراهيم (طلقة) سلاح الذخيرة في ليلة 19 يوليو. ووجده اجتمع بالضباط. ووقف صديق عند الباب. ولما خرج محجوب اختلى صديق به وأطلعه على بؤس فكرة اعتقال بعض ضباط السلاح مثل النقيب عبد الحي محجوب والعميد أورتشي بالذات. فوجه محجوب صديقاً ليلتقي بالمرحوم هاشم العطا في صباح 20 يوليو. واجتمع به بالفعل بالقصر الجمهوري بعد أن "نوّر" فرع الحزب بالجاري وحصل على موافقتهم. واقتنع هاشم برأي صديق وأمر بإطلاق سراح أورتشي. ولم يحدث هذا إلا صباح 22 يوليو. وكان صديق وراء ذلك الترتيب وصحب المرحوم إلى بيته في شارع 17 أو 19 في العمارات. وقد أعيد اعتقاله ظهر نفس اليوم في ملابسات قد نأتي عليها في ما بعد. وسألت دكتور عثمان، ابن المرحوم أورتشي، إن كانت هذه الواقعة مما تذكره الأسرة. وقال إنه لم يسمع بها. وكلمة الكودة وذاكرة صديق مما ينبغي أن يستحضرا في مشهد التعافي الذي نطوي به سجل مذبحة بيت الضيافة. فانشغال الإنقلابيين من أدناهم حتى أعلاهم، وهم قلة أحاطت بها الخطوب، بمصير معتقل بطرفهم جدير بالإعتبار من الزاوية الإنسانية.

    أعود هنا للأسباب الكامنة لتحرك القوة الثالثة التي قلنا إنها التي أعادت نميري للحكم في 22 يوليو 1971 سهواً. فهي لم ترغب في عودته بل كانت تريد القضاء عليه وعلى انقلاب الشيوعيين في برنامج واحد ثم اعتلاء سدة الحكم. ولكن تجري الرياح بما لا تشتهي السفن. وسَلِم نميري. عمر الشقي بقي. وأسقط في يد القوة الثالثة وركبت موجة العودة. أتوقف هنا قليلاً أحاول استنباط سبب أو أسباب لحركة القوة الثالثة طالما لم تكن عودة نميري للحكم هدفاً من أهدافها.

    جاء قسيم صبا عطبرة اللواء ركن (م) يوسف محمد عبد الغني (الرأي العام 5 سبتمبر 2009) بما يلقي ضوءاً مفيداً على تحركات القوة الثالثة في سلاح المدرعات وطموحاتها في 22 يوليو 1971. قال يوسف إن وصفي للقوة من الجنود وصف الضباط التي سادت يوم 22 يوليو ب "القوة الثالثة" هي تسمية متأدبة. فالمصطلح المعروف هو "الجندية المنفلتة" التي أفرخها انقلاب مايو. فهو يعد ما وقع في مايو 1969 ويوليو 1971 نموذجين كلاسيكيين للتدخل العسكري في السياسة بما يجره من تخريب للضبط والربط. فقد كانت غاية صف ضباط وجنود القوة الثالثة هي الترقي بعد أن علموا أن الانقلاب هو "التخريمة" إلى سلك الضباط والسعادة في الدارين.

    قال يوسف إن انقلاب مايو خلخل "أعمدة معبد الانضباط العسكري" بترقية كل ضباط الصف من المدرعات والمظلات "الذين نفذوا الانقلاب إلى رتب الضباط بغض النظر عن تأهيلهم وتعليمهم ضرباً باللوائح والنظم بعرض الحائط". وزاد الطين بِلة أن أصبح هؤلاء الضباط من الصف موضع تدليل من النافذين في الانقلاب على حساب الآخرين. وخرج الأمر من اليد كلية حين انتسب أعضاء هذه الطبقة الحظية إلى خلايا تأمين ثورة مايو. ولم يعش اللواء يوسف هذه الأجواء الفالتة لأنه كان بعيداً بالمدفعية عطبرة. ولكن كان صديقنا المشترك الفريق فيصل سنادة يحكي ليوسف تحلل العسكرية في المدرعات ويحسده لأنه تبقت هذه العسكرية في المدفعية. وقد تأكد ليوسف هاجس سنادة يوم اعتقل الجند والصف كل ضباطهم بمدينة جوبا بعد فشل انقلاب 19 يوليو. ولم ينقذ ضباط المدفعية هناك إلا فتوة جنودهم الذين أخرجوه من المعتقل بالقوة.

    لم تمر هذه الترقيات بغير اعتراض من الضباط بما فيهم اثنين من قادة انقلاب 19 يوليو. ففي لقاء غاية في القوة تحدث الملازم مدني محمد مدني، من ضباط 19 يوليو، إلى الأستاذ مؤيد الشريف (الوفاق أبريل 2008) عن اعتراض كل من المقدم عثمان حاج حسين ( أبو شيبة) والعقيد عبد المنعم الهاموش، من انقلابيّ 19 يوليو، علي الترقيات الاستثنائية التي قام بها نميري خاصة ترقيات صف الضباط إلي ضباط. وكان الهاموش يرى أن مثل هذا السلوك يكرس للانقلابات العسكرية ، فبإمكان أي ضابط أن يغري صف ضباطه بالترقيات ليخاطر بانقلاب علاوة على تأثير هذه الترقيات السلبي علي الضبط والربط في القوات المسلحة. فالرقيب الذي يٌرقى فجأة لضابط سيثير الغيرة في زملائه لاسيما الأقدم منه.

    ولكن نميري يداوي بالتي كانت هي الداء. ففي محاولة باكرة لإرباك الخصم (عٌرفت عن نميري بكثرة لاحقاً في وصف السيد منصور خالد له) فرض نميري على أبي شيبة والهاموش الترقية. فرقى الهاموش استثنائياً من مقدم الي عقيد في 15مايو 1971 في يوم احتفال المدرعات. وهو نفس اليوم الذي اعتقل فيه الرئيس السادات الجماعة الناصرية بقيادة علي صبري وشعراوي جمعة التي أطلق عليها "مراكز القوى" في الدولة وصرح أنه "سيفرمهم فرم ". وقال مدني إن رياحاً عاتية ضربت ساحة الاحتفال في ميدان اللواء الأول مما أجبر القائمين بالحفل علي تحويله الي " الميز " وعودة العوائل إلى دورها. وفي ذات اليوم أصدر النميري أوامره، وهو في حالة من عدم الوعي معروف سببها، بترقية عبد المنعم الهاموش وعلي علي صالح من مقدم الي عقيد. كما تمت ترقية جميع أفراد فرقة الجاز التابعة للمدرعات الي رقباء اوائل وصولات. وفي اليوم التالي مباشرة نشبت أزمة في سلاح المدرعات وحدثت فوضي وانحل الضبط والربط بسبب تلك الترقيات الاستثنائية. وانجبر نميري لاحالة أمر تنفيذ الترقيات الي وزير الدفاع خالد حسن عباس. واستخدم الوزير خطاباً عاطفيا أمام الجنود استطاع من خلاله تمرير الترقيات المزعجة.

    ولأجل التحقيق المؤدي لطي سجل مذبحة بيت الضيافة لابد أن تضع الدولة الوثائق عن هذه الترقيات وصداها للحكم بصورة أفضل على أحداث ذلك اليوم المأساوي.















                  

07-25-2012, 00:40 AM

Elmoiz Abunura
<aElmoiz Abunura
تاريخ التسجيل: 04-30-2005
مجموع المشاركات: 6008

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مذبحة بيت الضيافة وفظاظات أخرى (1 من 20): (Re: Elmoiz Abunura)

    10
    -الجندي المجهول أحمد إبراهيم
    عبدالله على ابراهيم

    لعل أكثر الفصول في مذبحة بيت الضيافة غموضاً وحزناً هو مصير الجندي أحمد إبراهيم المعروف ب "سفاح بيت الضيافة". وقد جرى إعدامه في آخر أغسطس 1971 أي بعد نحو شهر وأكثر من مجازر الشجرة ومشنقة كوبر التي ذهبت بصفوة جيل الأربعينات الشيوعي. ويكفي من غموض الرجل أننا لا نعرف عنه سوى "الجندي أحمد إبراهيم". فحتى الحكومة (التي تثلث الإسم) توقفت عند اسم والده دون جده. ومع اعتراف الشيوعيين، من الجهة الأخرى، بنبل الرجل وقوة عزيمته في الحق، فهم لا يذكرونه ضمن قائمة شهدائهم. وسقط الرجل من الذاكرة بلا اسم ثالث تغاضاه حتى الفريق الذي مات عند عتبته المقدسة.

    للتعريف بهذا القتيل الغامض أعرض على القاريء نصين. النص الأول مأخوذ من كتاب "حقائق وقائع مجزرة بيت الضيافة" الذي صدر عن الشيوعيين في سبتمبر 1971 ثم دار الفكر الجديد في بيروت عام 1974. أما النص الثاني فهو جزء من وقائع محاكمة الجندي نشرته جريدة الرأي العام في 27 أغسطس 1971. وما يستفز في هذا النشر بالصحيفة أنه مبتسر ومجغمس يخرق أعراف العدالة في الصميم. وهو نشر لاتقدم عليه صحيفة تتأدب بالمهنة.

    وصف الشيوعيون في كتابهم الجندي أحمد إبراهيم ب"الشهيد". وقالوا إنه "اعتقل مع عدد من جنود الحرس الجمهوري والذخيرة ومدرسة المشاة كانوا يحرسون منطقة بيت الضيافة وسلموا أسلحتهم بكامل ذخيرتها. وخلال المحاكمات قضى فترة في معسكر الشجرة. وقد تعرض مع زملائه الجنود لضغط وتهديد من جنود المظلات ليشهدوا ضد الضابط مدني علي مدني بأنه أطلق النار على الضباط المعتقلين ببيت الضيافة. ولكنه في المحكمة وفي كل التحقيقات أصر هو وزملاؤه على أن الدبابات المهاجمة هي التي أطلقت مدافعها على بيت الضيافة وأن ضباط يوليو لم يقتلوا المعتقلين. وبعد ذلك أرسل إلى كوبر حيث قضى قرابة أسبوعبن. ثم أعلن وأشيع أن أحد الضباط تعرف عليه وبدأ معه تحقيقاً لم يصل إلى نتيجة. وعندما زار السفاح (نميري) سجن كوبر سأل عنه وحاول تهديده وقال له: "إنت سفاح بيت الضيافة". فغضب الشهيد وهاجم السفاح وقال له: "إنت السفاح والقاتل وتتحمل مسئولية كل ما حدث." فأمر السفاح بتقديمه للمحاكمة. وتعرض الشهيد لتعذيب قاس وضغط ليعلن أنه مع بقية الجنود تلقى أوامر بقتل الضباط أو شاهد أحد الضباط يطلق النار على المعتقلين ليضمن النجاة من حكم الإعدام. فرفض. ومن أبشع صور الاستهتار والتلفيق أن زمرة السفاح أخذت الشهيد لتعرضه على العقيد سعد بحر (قائد المدرعات الثاني الذي نجا من بيت الضيافة وكان جريحاً في المستشفى العسكري). وعندما أحضروا الشهيد أمامه قال له قول" "ود ال######". وكان القصد من ذلك ما ذكره سعد بحر من قبل أنه خلال اطلاق النار على بيت الضيافة سمع أحد الجنود ينطق هذه العبارة بلهجة أبناء غرب السودان حيث يدغمون حرف اللام فتصبح "ود الكب". وبما أن الشهيد من أبناء الغرب فقد نطق هذه الكلمات بكل براءة بلهجته. وهنا قال سعد بحر هذا هو الجندي. وهكذا وبلا أدنى جهد حكموا على الشهيد بالإعدام. وأعدموه شنقاً حلافاً للعرف والتقليد والقانون العسكري.

    وعندما اقتيد الشهيد للمشنقة ضرب على لوحتها الخشبية بقدمه وقال: "يا مشنقة جاك راجل. أنا ما قتلت زول وحقي ما بروح".

    ننتقل الآن إلى نص وقائع المحكمة المجزؤ. ففي تدوين نادر لوقائع أي محكمة عسكرية لعسكريين من محاكمات الشجرة بعد سقوط انقلاب 19 يوليو جاءت الرأي العام (27 أغسطس 1971) بجزء من محاكمة الجندي أحمد إبراهيم "سفاح بيت الضيافة". جاء في أقوال شاهد الاتهام الملازم عبد العزيز محمد محمود (الناجي من بيت الضيافة والضابط بالقوات المدرعة) إن الرصاص جاءهم من جهة الحرس على البيت. وكان أحد الحرس يلبس علامة الهجانة. ضٌربنا في المرة الأولى وأعادوا الضرب للمرة الثانية للخلاص من أي أحد من المعتقلين. (وذكر الشاهد عن محاولته الخروج من بيت الضيافة). فوجئنا بوجود الجندي الذي يلبس علامة الهجانة وجندي أخر من الحرس الجمهوري. وصار يهددنا بالسلاح. وفي هذا الأثناء أنا كنت خلف الملازم محمد زين (معتقل آخر) بالحمام المجاور بالأودة. حاولت فتح الأبواب. اتجهت لشارع الجامعة ومن خلفي الملازم محمد زين. ووجدت الحراسة الخارجية من القوة الموالية لثورة مايو وعرَّفناهم بأنه لا زال يوجد جنود بمنزل الضيافة. (فذهب عساكر مايو) واعتقلوا خمسة جنود أحدهم من الهجانة وواحد من الحرس الجمهوري وواحد من كتيبة القيادة وواحد من مدرسة المشاة.

    وقال الشاهد إنه قال للجندي من الحرس الجمهوري: قَتَلتونا. (وكان ببندقيته 13 طلقة من 150 طلقة).قال نعم قتلناكم.

    وهنا سأله المتهم الجندي أحمد إبراهيم: أريتني أضرب نار داخل الغرف؟

    جواب: نعم. شفتك مرتين. المرة الأولى في إعادة الضرب للتخلص. وقد رأيته يضرب والمرة الثانية حضر وهددنا وقال لنا أرجعو داخل الحجرة.

    سؤال من أحمد إبراهيم: عندما حضرنا سوياً أنا قلت ليكم لو داير اضربكم أهه دي الخزنة مليانة. هل تذكر؟

    إجابة: لا.

    وانتهى المحضر. وأغتيل الجندي أحمد إبراهيم .

    من هذا الجندي المجهول؟ من هو أحمد إبراهيم الغامض الذي استعصى على شهادة الزور وشهد لسانه ضده؟ على أي مصدر في التاريخ والثقافة "تحربس"؟ كيف سام الروح ولماذا؟








                  

07-25-2012, 02:29 PM

Elmoiz Abunura
<aElmoiz Abunura
تاريخ التسجيل: 04-30-2005
مجموع المشاركات: 6008

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مذبحة بيت الضيافة وفظاظات أخرى (1 من 20): (Re: Elmoiz Abunura)

    11

    -أبو شيبة: التعليمات شنو يا خاطر؟
    عبدالله على ابراهيم

    انطباعي عن حملة 22 يوليو 1971 ،التي أنهت انقلاب 19 يوليو، أن دباباتها تي 55 التي انطلقت من عقالها كانت تضرب من غير هدى. اصطدمت بها عند مبتدأ شارع القصر عند محطة السكة حديد. واستدارت الدبابة عند معمل استاك عند قبر الجندي المجهول بصورة منفلتة لا ضابط لها. وأرعبني هذا الكم الهائل من الحديد والجنزير والموت الذي يتخبط طرق وسط الخرطوم.

    لم يكن انقلابيو 22 يوليو في البادي يريدون استرداد نميري للحكم. فهذه الإرادة غير واضحة مثلاً في ضربهم كيفما اتفق أماكن بها القادة الذين زعموا أخيراً أنهم جاؤوا لتحريرهم. بل لم يسمعوا لمن نصحهم لفساد طريقتهم في قذف حممهم. فقد روى العقيد مظلي عزت فرحات لزميلنا محمد عبد السيد عن تجربته مع جند الدبابات الذين أصلوا القصر نارا. قال إنه كان يسكن الخرطوم شرق عند القيادة العامة. فسمع ضرب مدافع الدبابات جهة القصر. فتحرك بسيارته إلى القصر لابساً مدنياً. فوجد دبابة ترابط أمام القصر وتطلق مدفعيتها صوب مبانيه. عَرِف بعض جنود الدبابة لأنه كان يسكن في المدرعات وعرفوه. فقال لهم إن بالقصر بشراً والأفضل اقتحام القصر واحتلاله لإنقاذهم بدلاً عن هذه الطريقة. فقالوا له:" جنابك خليك بعيد وأحسن تنسحب من هنا". ففعل.

    قبل أن نتناول هجوم انقلابييّ 22 يوليو على بيت الضيافة سنقف اليوم عند نهجهم الهجومي غير المكترث كما تجلى في معركتهم للإستيلاء على القصر الجمهوري. ولعل أفضل شهادة عن هذا النهج هو ما رواه الرئيس النميري نفسه عن هروبه من محبسه في القصر إلى الشارع الكبير. وكان روى هذه القصة في مؤتمر صحفي بتاريخ 26 يوليو 1971. ويخرج القاريء بانطباع أن نميري كان يريد أن ينفد بجلده ممن أصبحوا منقذيه بآخرة. فقد كان حرسه بقيادة النقيب محمد خاطر(لا يمت للانقلاب بصلة سياسية ولكنه موضع ثقة المقدم عثمان حاج حسين عضو مجلس قيادة الانقلاب) أحفى به من منقذيه المزعومين. فلم يبق مع النقيب في القصر سوى نفر قليل من الحرس أما الآخرون فقد ولوا الأدبار من فرط الحمم التي كانت تتلفظها الدبابة على القصر بغير وازع أو بصيرة. وبقي المقدم ابو شيبة وحده بمكتبه بالقصر. ونقل له خاطر خبر انسحاب الحرس وهروب نميري فلم يزد أن قال:

    -ياخاطر التعليمات شنو؟

    وفهم خاطر أن التعليمات كانت قتل كل معتقل يحاول الخروج. فقال خاطر:

    -الحصل حصل.

    ولم يحرك ابو شيبة ساكناً. لقد أدرك أن تلك بداية النهاية. وخرج خاطر ليلحق بنميري وليؤيد في أحاديثه العامة معظم ما رواه نميري في مؤتمره الصحفي (آخر لحظة 19-7-2009). قال نميري:

    حوالي الساعة الرابعة والدقيقة 14 سمعت طلقة من دبابة. وقد انزعجت للغاية لأنه تخيلت أن الجماهير خرجت في مظاهرات وتغلبت على قوات الأمن الأمن فضربوا عليها بواسطة الدبابات. ولكن لم تمض ثلاث دقائق إلا وسمعت طلقة أخرى وكانت في منطقة القصر. وهنا تأكدت بأن هذه الدبابة آتية لحمايتنا. وبعد دقيقة كان هناك ضرب مكثف بالأسلحة الصغيرة على جميع منطقة القصر. وكانت الطلقات (تنفذ) داخل الشبابيك إلى حجرتي فاستلقيت على الأرض وبدأت أراقب من فتحة شباك. ورأيت دبابة تي 55 تضرب برشاشها على القصر. وأنا على هذه الحالة فٌتح الباب فجأة ودخل الضابط الذي كان مسئولاً عن حراستي شاهراً طبنجيته ومعه 5 جنود استعداداً للضرب. وسألتهم ماذا بكم؟ قالوا جيئنا للإطمئنان عليك. قلت لهم أنا بخير ولكن أرجو أن تتصل بمن عيَّنك لحراستي ليحضر فوراً لكي أخطره أن نذهب سوياً لإيقاف هذا الهجوم من الدبابات لأنه سوف يدمركم كلكم: أي شخص كان في القصر.

    عندما سمعوا كلامي هذا أنزلوا اسلحتهم وخرجوا. بعد دقيقتين حضروا مرة أخرى وكان الضرب أشد. وأعتقد أن هناك طلقة أو اثنين من مدفع مائة ملمتر ضربت على بعض الأجسام الصلبة. وكان دويها عال للغاية. وقالوا لي لم نجد مسؤولاً في القصر. قلت لهم إذن أخرجوني لأوقف هذا الضرب لكي لا تموتوا من غير سبب. فقالوا لي إذن تقدم أمامنا وتعلقوا بي من خلف. وقالوا لي لن نتركك وحدك ونخرجك للدبابات. وعندما يرونك سيوقفون الضرب. قلت هذا غير ممكن لأنه سيٌضرب عليكم بلباسكم هذا. قالوا ما ممكن. فدخلت حجرتي وأعطيت قائدهم بشكير وقلت له أٌمر جندي ليرفعه من الشباك للدبابة. فأمر أحد الجنود رفع البشكير فأوقفت الدبابة الضرب. ولكن لم يظهروا لها ولم يتركوني أصل إليها. فقلت لهم يجب أن أذهب إلى هذه الدبابة. بدأت أسير للباب الرئيسي. ولما كنا على قرب من الباب بدأت الدبابة تضرب مرة أخري, وهنا استطعت أن أقاوم وأرمي سبعة منهم (أي الحرس) على الأرض وأرقد خلف ساتر. وقد كنت محظوظاً لأني أخذت الساتر في الوقت المناسب إذ انطلقت مجموعة من الرشاشات في محلنا وخرج (جرح؟) بعض الجنود. بعدها بدأت أجري في أزقة القصر من الناحية الغربية. فحضر ضابط وبعض الجنود فجروا خلفي فأخطرتهم أن يرجعوا ويفتحوا الحجرات إن كان فيها بعض المقبوض عليهم لأنهم سوف يموتوا إن لم يٌفتح لهم. وفعلاً رجع أحدهم وفتح أول غرفة وكان بها فاروق أبو عيسى وأحضره معي وكانت حالته ضعيفة للغاية إذ أنه مريض بالقرحة والأكل كان قليل. فقلت له يا فاروق يجب أن تنتظر هنا وقلت للجنود انتظروا معه وأنا أقفز فوق الحائط. وفعلاً سرت إلى أن قفزت من فوق الحائط ووجدت دبابة تضرب على القصر تفاديتها وجريت على وزارة المالية.

    (ودخل نميري بعد هروبه من القصر في مظاهرة مؤيدة له. فجاءت دبابة من جهة الشجرة وظنت الجمع مؤيداً للانقلاب فصوبت رشاشاتها وضربت فأخذ الجمع ساتراً ولوحوا لها بأنهم أصدقاء).

    واضح أن نميري نفذ في ذلك المساء العصيب هروباً مزدوجاً: لقد هرب من سجانه ومن منقذه. والمفارقة أن خطر المنقذ كان أقرب إليه من خطر السجان. فتأمل.









                  

07-25-2012, 10:20 PM

Elmoiz Abunura
<aElmoiz Abunura
تاريخ التسجيل: 04-30-2005
مجموع المشاركات: 6008

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مذبحة بيت الضيافة وفظاظات أخرى (1 من 20): (Re: Elmoiz Abunura)

    12

    "يمه معجونك الكتل أورتشي"

    عبدالله على ابراهيم


    ربما لخصت رواية العقيد سعد بحر رواية الناجين من مذبحة بيت الضيافة (الصحافة 26-7-1971) لأحداث عصر يوم 22 يوليو 1971. ذكر أنه سمع في ذلك العصر ضرب جبخانة صغيرة ثم صوت أسلحة ثقيلة عرف أنها من جنود اللواء الثاني دبابات الوحيدين الذين تدربوا على هذا النوع من السلاح. فأمر الضباط بالانبطاح على الأرض. وبعد قليل سمعوا واحداً يصرف الأوامر ويقول "بيدو الناس الجو". فدخلوا وبداؤوا في إطلاق الرصاص عليهم. واستمر الضرب لمدة طويلة وأخذوا يقلبون السرائر ويضربون. وكانت إبادة غير مسموع بها في تاريخنا. وقد هرب الجناة حين سمعوا صوت الدبابات.

    لعل أكثر الروايات تداولاً عن تلك العصرية هي ما صرح به اللواء عبد الحي محجوب. وهي لا تخرج عن هذا الإطار العريض وإن حفلت بتفاصيل تغري بالتحليل. وهو تحليل لا أتعالم به على من كان رأى الموت رأي العين فمطله. وسَلِم الحمد لله. ولا نطمع بهذا كله إلى غير الحق. فقد أصبح القتلى وأكثر القتلة الحقيقين والمزعومين على الضفتين في ذمتنا نتحرى فعلهم التاريخي بحيدة طلباً لطي السجل والتعافي إخواناًًفي الله ولوطن.

    حين سأل الأستاذ الطاهر حسن التوم في "مراجعات" بقناة النيل الأزرق اللواء محجوب إن كان الحرس من ضربهم قال: "لم نتمكن من الرؤية بسبب أننا كنا مستلقين على الأرض وبسبب رائحة الدم الساخن التي انتشرت ورائحة الحريق الذي انتشر في المراتب، لم يكن المرء يعرف ما يحدث". وحين قال له الطاهر أن هناك من زملائه من قال إنهم الحرس قال محجوب: "هناك من تمكنوا من الرؤية". ومن هؤلاء العميد عثمان عبد الرسول الذي تحدث للحرس وقال لهم نحن زملاؤكم بينما كانوا يقلبون الموتى. ولكن اللواء قال رداً على سؤال "تجريمي" من الطاهر:

    -إذاً أنت على يقين أن من نفذوا مذبحة بيت الضيافة كانوا هم الحراس؟

    -نعم. وأنا شاهد عيان وعثمان عبد الرسول. وأتمنى أن تسألوه (نشر نص البرنامج في الخرطوم الجديدة سبتمبر 2009).

    ولم يقل اللواء سوى أنه لم يتبين وجوه القتلة.

    وجاء في رواية اللواء محجوب ما يسطع بضوء أفضل على الملازم الحاردلو الذي إتُهم بالمذبحة. ولم نرد هنا التبرئة بل التفهم للدوافع. فقد وجدت في رواية العميد عبد الرسول عثمان ، من معتقلي بيت الضيافة، أنه سمع ضرب رشاشات اقترب من بيت الضيافة. فهتف سيد مبارك " النميري رجع". فقال العقيد أورتشي للعسكري بالباب أعطيني البندقية فرفض. فجلسنا ننتظر وكان آخر شخص رأيناه هو الحاردلو. بعدها دخلوا غرفتنا وابتدوا ضرب النار. كانوا يطلقون خزانة سلاح كامل على كل فرد ليتأكدوا من موتهم ( الخرطوم الجدبدة سبتمبر 2009 ).

    أخشى ان يرسب ورود اسم الحاردلو، المتهم بالمذبحة، كآخر من مر بالبيت، الإيحاء بأنه الذي صرف أوامر الإبادة. ولكن رواية اللواء عبد الحي لا تعطي زيارة الحاردلو هذه الدلالة الدموية. فقد قال في مراجعات الأستاذ الطاهر حسن التوم أنهم تغدوا بطعام فاخر لأول مرة في ذلك اليوم وجاءه الحاردلو بحقيبة من والدته بسبب الجيرة والمعرفة بجي السجانة بالخرطوم. فوجد في الشنطة جلابية سكروتا ومعجون وفرشاة أسنان وزجاجة عطر. فمنح المعجون لمصطفى أورتشي. ومن طرائف المأساة (لو صحت العبارة) أن عبد الحي لما نجا من المذبحة قالت له والدته إن ذلك بفضل الفقير الذي بث بركته في المعحون. فقال لها: "يمه. إنتي الكتلتي أورتشي!"

    لم يتطوع بتمييز قتلة بيت الضيافة في ما بين يدي من الأوراق سوى الملازم عبد العزيز محمد محمود من القوات المدرعة. فقد شهد في المحكمة ضد الجندي أحمد إبراهيم الموصوف بسفاح بيت الضيافة. وسبق لنا عرض "مجهولية" هذا الجندي على أنه الذي اتفق لنميري نفسه وصفه ب"سفاح بيت الضيافة". وأنكر الجندي التهمة بشجاعة أمام نميري شخصياً الذي مر به حين زار سجن كوبر. وأنكرها بقوة أمام المحكمة. فقال عبد العزيز أمام المحكمة إن الحرس هو الذي ضربهم بالرصاص. وكان من بينهم أحد الجنود يلبس علامة الهجانة. ثم لما خرج من بيت الضيافة فوجيء بجندي الهجانة وآخر من الحرس الجمهوري يهددان المعتقلين الهاربين بالسلاح. ولما نفذ إلى السلامة وجه بعض الجنود الموالين لرجعة نميري باعتقال حرس البيت. فألقوا القبض على جندي الهجانة وثان من الحرس الجمهوري وواحد من كتيبة القيادة وواحد من مدرسة المشاة. ولم يصرح نص شهادة عبد العزيز المجتزء في صحيفة سيارة بتطابق جندي الهجانة وأحمد إبراهيم. ولكن ليس من الصعب بالطبع استنتاج التطابق. وقد رأينا كيف أخضع العقيد سعد بحر الجندي أحمد إبراهيم إلى اختبار لغوي ليكتشف انتماءه باللسان لغرب السودان التي ينخرط أبناؤها في سلاح الهجانة بالأبيض بكردفان.

    وهكذا نعود متى ما أردنا كشف لثام قتلة بيت الضيافة إلى شقي الحال أحمد إبراهيم. وواضح أنه كان بين جماعة من الجند من أسلحة مختلفة لا نعرف إن كانوا من حرس بيت الضيافة أو عن مصائرهم بعد اعتقالهم شيئاً. وغاية ما نعرفه عن الجندي أحمد إبراهيم أنه قد جرى استدراجه ليشهد على ضباط انقلاب 19 يوليو1971. ولم يفعل. وكان آخر من أٌعدم في آخر أغسطس 1971 بعد أن هدأ وحش الثأر بوقت طويل.



                  

07-25-2012, 10:52 PM

Elmoiz Abunura
<aElmoiz Abunura
تاريخ التسجيل: 04-30-2005
مجموع المشاركات: 6008

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مذبحة بيت الضيافة وفظاظات أخرى (1 من 20): (Re: Elmoiz Abunura)

    13
    جيد لي ولدي جرتقو
    عبدالله على ابراهيم

    قدم نادي الخرطوم جنوب الثقافي (أحد أعاجيب الخدمة الثقافية عندنا) في 2009 اللواء (معاش) عبد الحي محجوب ليروي للجمهوره تجربته في الخروج حياً من مذبحة بيت الضيافة التي وقعت في 22 يوليو في أعقاب انقلاب 19 يوليو 1971. وحضرت الجلسة الأولى من القص وتعذر عليّ حضور الثانية برغم حرصي. وسمعت منه رواية عن نفسه غاية في التشويق والعلو. فقلت في تعليقي في نهاية حديثة إنه ينبغي أن نشكر العناية الربانية التي كلأته فخرج حياً. فلو كان من بين ضحايا المذبحة لما استمعنا لحكاية هذا الرجل النادر. لقد شهد اللواء بقصة حياته المميزة له ولغيره ممن قضوا في المذبحة الذين ربما فاقت سيرتهم سيرة اللواء نجابة ووسامة. وهكذا "ودرت" سياسة الطغم وحروبها التي طالت رجالاً كثيراً ونساء أسدوا لأهلهم وبلدهم الكثير وهم في الريعان. فلابد أن نذكر رحمة الله بنا الذي أبقى فينا اللواء ليشهد بفضل من رحلوا منا بغير عبارة تدل عليهم.

    ما أعجبني في رواية اللواء أنها بدأت بأمه. وسبق أن قلت إنك إن قرأت سير صفوتنا حسبت أنهم خرجوا من صلب حنتوب والوادي وطقت وكلية غردون لا من صلب آدميين اباً وأماً من لحم ودم. فهم لا يظنون أن حيوات الوالدين الذين في الغالب قرويين أمين مما يستحق الذكر. فما الذي يسترعي الإنتباه في حياة أمي وأمية؟ وغالباً ما تواضع الوالدين في مقام الرزق. فما الذي يغري بالاستماع إلى حياتهما البسيطة. فلقد أنشأهم التعليم الحداثي الاستعماري على أن حياة السودانيين ستبدأ بهم وأن ما سبقتهم من حيوات ضلال و "تخلف ورجعية وبدائية". وربتهم هذه الحداثة الباطشة على نعرة أنهم الطليعة التي ستنتشل أهلها من الظلمات إلى النور. وهذا جفاء مرموق لثقافة أهلهم وإرثهم لم نقف بعد على فداحته في أزمتنا الوطنية العامة.

    وجدت اللواء شديد الإعتزاز بوالدته الحاجة هدية التي عملت فراشة بمدرسة بنات المايقوما بالسجانة. بل وجدته يرجع لسيرتها بصفاء وقوة في حين لا مغبة إذا تجاوزها. فقد نشأ يعينها في نظافة الفصول ويغسل أزيار المدرسة بالحيمور ويملأها. ولا يذهب لمدرستة هو قبل أن يفرغ من هذا كله. ولما أصبح ضابطاً تحرج أن يطلب منها ترك الخدمة بحسب إلحاح الناس من حوله. فلم يرد أن يقول لها لقد كنت تعيشين حياة لا قيمة لها وها أنا تخرجت وسأعطي لحياتك معنى من هنا وجاي. كيف يجروء أحد على تبخيس حياة إنسان شقي وكدح وربى لتخرج عليه ثمرة جهده لتبطل عمله وتمحقه؟ لا يفعل هذا إلا أناني لا يكترث لحيوات الناس وخبرتهم وعزتهم بعملهم غير المثير ويريد أن يطوي حياتهم البسيطة تحت جناحية الفاخرين يخفيها عن الناس. .

    احترم اللواء عزة أمه. فلم يتقحم حياتها فيفسدها. كان عاد من الجنوب مترقياً إلى رتبة العقيد. فلما نظرت أمه إلى أزبلايط العقيد الحمر خطفت الكسكتة وزغردت له قائلة "جيد لي جيد لي ولدي جرتقو" إشارة إلى جدلة العريس الحمراء. ولم يجروء بعد على الضغط عليها لترك الخدمة كما اتفق للناس من حوله. ولكنه انتهز أول فرصة نهض فيها العذر لتترك الحاجة هدية العمل فاطمأن لحملها على تركه. فقام على الحاجة الضغط مرة فأخذها للسلاح الطبي وكشف عليها المرحوم دكتور بكار ونصحها بالراحة. فاستمعت واتبعت. هكذا لم يهنها بارتجال إنهاء خدمتها كأنها شينة منكورة. فتوجه إلى مكتب التعليم يطلب استعفاءها وحقوقها. فلما دخل مكتب التعليم بدبابيرة لم يصدق الموظف أن أمه هي موضوع المهمة. فقد كان وسيماً ملمعاً تغني له البنات رامزة له بحرف "العين". قال الموظف:

    -الفراشة دي مَرسِالك؟ هي جارتكم؟ .

    -ليه؟

    -والله الفراشات ديل أصلو بيعملو شنو؟ التلميذات ديل ما ينضفن الفصول!

    - الفراشة حاجه هدية دي أمي أنا يا سيد.

    قأضطرب المكتب عن بكرة أبيه. وأنهوا المعاملة مستعجبين كيف تلد الفراشة النكرة هذا الشاب الوسيم المعرف بنجم وأزبلايط حمر.

    ولما توفت الوالدة كان اللواء أسعد الناس بنعمة الحضور. فأدى طقوس تجهيزها للقبر حتى دفنها في مقابر فاروق. وقال إن أكثر ما أسعده أنه عاش حتى أسلمها لصاحب الوداعة. واحتفظ من آثارها بمرحاكة كانت تطحن عليها الكبكبيه لصنع الطعمية لفطور التلاميذ. واحتجت بناته على صنيعه هذا فقال:

    -المرحاكة دي ربتكم يا بنات. تأدبن.

    لم يتعفف اللواء من سرد كل هذا على مسامعنا في ندوة الخرطوم جنوب الثقافية. وهذه شجاعة نادرة بين الصفوة التي تتستر على ماضيها المتواضع وتخبئه عن أولادها وبناتها وعنا جميعاً. ويحتاج المرء إلى جبن عظيم ليفعل ذلك. وهل بنى الجبناء البلاد؟

    هل عرفتم لماذا نتردى في الحضيض بفعل غير فاعل؟

    شكراً لفاطر السماء أن ذاعت فينا حكاية الحاجة الكادحة هدية يوم أنجى ابنها من ذبح عظيم ليعيش ويحكي ويمتع.

                  

07-26-2012, 02:14 PM

Elmoiz Abunura
<aElmoiz Abunura
تاريخ التسجيل: 04-30-2005
مجموع المشاركات: 6008

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مذبحة بيت الضيافة وفظاظات أخرى (1 من 20): (Re: Elmoiz Abunura)

    14



    -شهر أحزاننا يوليو: بين عبد الخالق والترابي

    عبد الله علي إبراهيم



    جاء في رواية للكاتب السوداني محسن خالد وعلى لسان مغربي: "أنتم السودانيون فوضويون ولذا قتلتم عبد الخالق". والمقصود به أستاذنا عبد الخالق محجوب الذي أعدمه النميري بعد فشل انقلاب 19 يوليو 1971. وصدق المغربي. وسبقه إلى المعنى عبد الخالق نفسه. فقال في تحليله لإنقلاب نميري في 25 مايو إن من قام به هو البرجوازية الصغيرة. وقال إنها فئة تلين يوم الزحف فتكبد الثورة الآلام والدم. ونازع أستاذنا نظام مايو نزاعاً مشهوداً. وقتلته الفئة الباغية في النظام وفي الحزب. ومشى تلك الليلة من أواخر يوليو 1971 في طريق الآلام إلى مذبحة كوبر يجأر بالهتاف لحزبه والطبقة العاملة.

    أقرأ حالياً كتاب الأستاذ محبوب عبد السلام المحظور. فأرجعني (يإيعاز من عادل الباز) إلى كلمة قديمة قلت فيها إن انقلاب 1989 لم تقم به الحركة الاسلامية. وكفَّرني اليسار ثلاثاً على هذه الزندقة. ولكنك متى قرأت المحبوب فهمت أن الإنقاذ هو انقلاب أمينها العام الدكتور حسن الترابي. ففي المناقشات التي جرت في أروقة قيادة الحركة (مجلس الشورى والمكتب السياسي) اصطرع الأعضاء حول ما ينبغي فعله بعد مذكرة القوات المسلحة في 1989 التي توجت متاعبهم وعزلتهم. فقد اصطف الناس مثلاً حول اتفاقية قرنق-الميرغني للسلام التي عارضها الإسلاميون لشمولها تجميد الحدود الشرعية. وانقسم الإسلاميون بين مؤيد لعرض الترابي بالانقلاب ومن رفض الفكرة جملة. بل كان من الرافضين من غادر الاجتماع محتجاً. وانتهوا إلى تفويض الترابي ليقوم بما يمليه الظرف والواجب باعتبار لتباين وجهات النظر حول مشروعه الانقلابي. ولم يعرفوا وقتها أنهم إنما حلوا تنظيمهم بهذا التفويض الأخرق المتذبذب وهي صفة للبراجوزاية الصغيرة كما علمونا. فأسرع الترابي يدبر الانقلاب بعون لجنة قائدة من سبعة أعضاء أقسموا بالكتمان. وواصل التحضير مع غلاظه الشداد في التنظيم الخاص يفعلون ما يؤمرون. والمشهور أن تنظيم الحركة الاسلامية انحل بعد الانقلاب في اجتماع توزيع المصاحف "وثانك يو". الصحيح أنه انحل قبل الانقلاب.

    لو أصر يسار الحيرة على تحميل الحركة الاسلامية وزر الانقلاب "أب جزم" لما عرف طريقاً إلى "تبرئة" أستاذنا عبد الخالق من ذنب 25 مايو. فارتكاب الانقلاب لا يقع "مرواد في مكحلة". فهو ممارسة طبقية خلافية معقدة كما رأينا من شقاق الإسلاميين حولها. وكانت خلافية جداً في داخل الحزب الشيوعي نفسه منذ اجتماع مركزيته في مارس 1969 قبل انقلاب مايو. ومن أراد تبسيط عملية الانقلاب ليحرز نقاطاً على خصمه سيعجزه الدفاع عن انقلاب ارتكبته جماعته. وفي مثل هذا التبسيط لعملية الانقلاب (منو العملها؟) إفقار لعلم السياسة السوداني.

    لا غلاط أن جماعتيّ عبد الخالق والترابي اقترفتا انقلاباً عسكرياً. الفرق بينهما، من ناحية، أنه في حين عارض عبد الخالق الانقلاب بصرامة حفاظاً على حزبه كان الترابي هو الذي دبر الانقلاب ونفذه وحلّ تنظيمه لتلك الغاية. ومن المؤسف أن الشواهد على براءة عبد الخالق من انقلاب 25 مايو مهملة. ولهذا سعدت بما جاء في "الأخبار" من ذكريات الأستاذ محجوب عثمان، عضو مركزية الحزب الشيوعي ووزير الإرشاد في أول حكومات نميري في 1969. اعترف محجوب بأن ما سيدلي به مجهول للناس. فقال ما أذاع النميري شيوعيين ضمن وزرائه حتى طلبت سكرتارية الحزب منهم الاختباء حتى تجتمع اللجنة المركزية وتتفق على موقف من الانقلاب. واجتمعت اللجنة ببيت المرحوم د. القدال بحي المزاد بحري. وأزاح محجوب الغموض الذي اكتنف الاجتماع. ففيه وقف عبد الخالق بغير هوادة يدعو ليعتزل الحزب الانقلاب بالكلية بينما مال جماعة (عرفت بجماعة معاوية إبراهيم لاحقاً) إلى التعاون مع الانقلابيين. ورجَّح التصويت خطة جماعة معاوية.





                  

07-27-2012, 01:27 PM

Elmoiz Abunura
<aElmoiz Abunura
تاريخ التسجيل: 04-30-2005
مجموع المشاركات: 6008

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مذبحة بيت الضيافة وفظاظات أخرى (1 من 20): (Re: Elmoiz Abunura)

    15
    -يوليو الأحزان: رحيل البداهة

    عبد الله علي إبراهيم

    لم ترد في سجل انقلاب 25 مايو شهادة في قوة ما شهد به الأستاذ محجوب عثمان في جريدة الأخبار من أن أستاذنا عبد الخالق محجوب كان في الأقلية في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي التي اجتمعت مساء 25 مايو لتتفق على خط حيال الانقلاب الذي وقع صباح ذلك اليوم. ورأيناه في رواية محجوب يقف "ألفاً احمر" ضد الانقلاب يوجه الوزراء الشيوعيين المختارين بواسطة نميري أن يتواروا عن الأنظار ولا يباشروا القسم بغير قرار حزبي. ولكن اتفق للأغلبية في المركزية أن تتعاون مع المنقلبين بوصفهم مثل ناصر أو نكروما ممن عرفوا ب"الديمقراطيين الثوريين" من حملة المشروعات التقدمية المعادية للاستعمار المتحالفة مع المعسكر الاشتراكي.

    وكان رأي عبد الخالق في الاجتماع أن يعتزلوا الانقلاب ويتركوه لشأنه. فقد دعا إلى اجتناب الانقلاب الذي كان يذيع على الملأ المشروع الاشتراكي العبد الخالقي بحذافيره ويعبيء الوزارة بالشيوعيين وشيعتهم. وهذا "خلق وعر" من عبد الخالق. وكان التفاقم الشيوعي في النظام أشد ما أزعج الأحزاب الأخرى حتى أنهم ساوموا نميري مراراً أنهم قد لا يعترضون عليه إذا فض هذه السيرة الشيوعية. بل أزعجت هذه "الزيطة والزمبريطة" الشيوعية عبد الخالق نفسه. فقد استكثرها وسعى للتقليل من عدد الشيوعيين في الوزارة بل التوصية بوزراء من غيرهم مثل السيد إبراهيم دريج. وكان بالطبع حسن الظن بحزبه سيء الظن بالانقلاب. فالانقلاب في نظره بؤرة برجوازية صغيرة تلين ركبها لدى الزحف والصدام. ولذا نصح الانقلابيين ألا يعترفوا بألمانيا الشرقية الشيوعية وقال بالحرف الواحد إن في ذلك استفرازاً للغرب لا تحمد عواقبه. فالاعتراف بذلك البلد خط غربي أحمر ومن تعداه هلك.

    وددت لو أن هذه الرواية عن محجوب عثمان، عضو المركزية الشيوعية والوزير بحكومة نميري الأولى، ما تأخرت هكذا حتى قال هو نفسه إن الكثيرين لا يعرفونها. فقد ظل بعض المشغولين بانقلاب 25 مايو يعرضون نصوصاً لعبد الخالق فيها "تأييد" لنظامه. ومن أهم تلك النصوص خطبته في مؤتمر للأحزاب الشيوعية انعقد بعد وقوع الانقلاب. وهو نص مفحم (بعد قراءة النص من قريب لم أر فيه هذا الافحام وسنتناول المسألة في وقت آخر). ولكنك تجد، من الجهة الأخرى، أن من يعرضون هذه النصوص المختارة لعبد الخالق المؤيدة للانقلاب ممن يعتقدون أن عبد الخالق كان الآمر الناهي في حزبه. وشبهه بعضهم ب"شيخ الطريقة" مثله كالسادات الأولياء . . . البيكم. وأشاعت قصيدة "أنانسي" لصلاح أحمد إبراهيم صورته كشيخ الطريقة والحقيقة يرضخ له "مستسلم بانصياع". بل تواتر عن أستاذنا أنه "كان يوظف عينيه الكبيرتين (لم ألالحظ عليه كٌبر العيون ولا كِبرها) بدهاء للسيطرة على الحاضرين في ندواته" فيصعقون.

    رواية محجوب عن اجتماع مساء 25 مايو شاهد على أنه لم تك لعيون عبد الخالق خاصية الإقناع السكوتي. وكل ما قرأه الناس من تائيده للانقلاب هو تنزل عند رأي الأغلبية. وهو تنزل منكور عند عائبيه لأنه في نظرهم من "يلكم" بيسار اليمين ويمين اليسار فيستذل الكل. وهذه حلقة مفرغة. يرمون عبد الخالق بتدبير الانقلاب على ضوء بينة نصوص اضطرته إليها الأغلبية. ثم ينكرون أنه ممن يصدع للأغلبية. فهو عندهم مستبد ولكنه فاشل. فلو قلتم إن عبد الخالق مستبد لا يٌعصى له أمر و"عيونه ترمي الغزال" ففسروا لنا لماذا لم تتساقط له غزلان اللجنة المركزية في ذلك المساء؟ وكيف لمثل متهم بطبع الغرطسة أن يتنزل عند رأي عارضه وسايره خضوعاً ل"المركزية الديمقراطية" التي تلزمك بإتباع رأي الأغلبية تكريساً لوحدة الإرادة والاحتفاظ برأيك والدعوة له تكريساً لحرية الفكر.

    قال احدهم إن العنف في السياسية مثل الانقلاب يذهب أول ما يذهب بالبداهة. صدق.



    16-طٌمام البطن السياسي:بجيب ضقلها يكركب
                  

07-27-2012, 02:23 PM

بدر الدين الأمير
<aبدر الدين الأمير
تاريخ التسجيل: 09-28-2005
مجموع المشاركات: 22959

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مذبحة بيت الضيافة وفظاظات أخرى (1 من 20): (Re: Elmoiz Abunura)

    Quote: لو أصر يسار الحيرة على تحميل الحركة الاسلامية وزر الانقلاب "أب جزم" لما عرف طريقاً إلى "تبرئة" أستاذنا عبد الخالق من ذنب 25 مايو. فارتكاب الانقلاب لا يقع "مرواد في مكحلة". فهو ممارسة طبقية خلافية معقدة كما رأينا من شقاق الإسلاميين حولها. وكانت خلافية جداً في داخل الحزب الشيوعي نفسه منذ اجتماع مركزيته في مارس 1969 قبل انقلاب مايو. ومن أراد تبسيط عملية الانقلاب ليحرز نقاطاً على خصمه سيعجزه الدفاع عن انقلاب ارتكبته جماعته. وفي مثل هذا التبسيط لعملية الانقلاب (منو العملها؟) إفقار لعلم السياسة السوداني.

    لا غلاط أن جماعتيّ عبد الخالق والترابي اقترفتا انقلاباً عسكرياً. الفرق بينهما، من ناحية، أنه في حين عارض عبد الخالق الانقلاب بصرامة حفاظاً على حزبه كان الترابي هو الذي دبر الانقلاب ونفذه وحلّ تنظيمه لتلك الغاية. ومن المؤسف أن الشواهد على براءة عبد الخالق من انقلاب 25 مايو مهملة. ولهذا سعدت بما جاء في "الأخبار" من ذكريات الأستاذ محجوب عثمان، عضو مركزية الحزب الشيوعي ووزير الإرشاد في أول حكومات نميري في 1969. اعترف محجوب بأن ما سيدلي به مجهول للناس. فقال ما أذاع النميري شيوعيين ضمن وزرائه حتى طلبت سكرتارية الحزب منهم الاختباء حتى تجتمع اللجنة المركزية وتتفق على موقف من الانقلاب. واجتمعت اللجنة ببيت المرحوم د. القدال بحي المزاد بحري. وأزاح محجوب الغموض الذي اكتنف الاجتماع. ففيه وقف عبد الخالق بغير هوادة يدعو ليعتزل الحزب الانقلاب بالكلية بينما مال جماعة (عرفت بجماعة معاوية إبراهيم لاحقاً) إلى التعاون مع الانقلابيين. ورجَّح التصويت خطة جماعة معاوية.
                  

07-27-2012, 05:41 PM

Mohamed Omer
<aMohamed Omer
تاريخ التسجيل: 11-14-2006
مجموع المشاركات: 2374

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مذبحة بيت الضيافة وفظاظات أخرى (1 من 20): (Re: بدر الدين الأمير)

    Thank You
                  

07-27-2012, 07:37 PM

Elmoiz Abunura
<aElmoiz Abunura
تاريخ التسجيل: 04-30-2005
مجموع المشاركات: 6008

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مذبحة بيت الضيافة وفظاظات أخرى (1 من 20): (Re: Mohamed Omer)

    16
    -طٌمام البطن السياسي: بجيب ضقلها يكركب
    عبدالله على ابراهيم

    خطر لي لأول مرة المشابه بين انقلاب 1958 وانقلاب 1989 بعد قراءة كتاب الأستاذ المحبوب عبد السلام المحظور. وبدت لي سوءتنا الفكرية جلية لأننا ربما لم نحسن حتى تحليل الأداة الظالمة، الانقلاب، التي حكمتنا لنصف قرن أو يزيد. اكتفينا في علم الانقلاب باللجاج حول من قام به أو لم يقم به نكاية واحدنا بالآخر. وتواضع فريق منا بأن الأحزاب هي التي توسس للجيش "الغافل" به. وبس.

    رأيت في كلا انقلابي 58 و89 سياسياً "طمت بطنه" من اضطراب حكمه (أو الحكم الذي يعارضه) فأوعز لطائفته في الجيش بانقلاب مشروط. واستخدم "طمت بطنو" من عبارة لضابط بالجيش عن حال الفريق عبود حيال دولته في آخر أيامها. وأعني بالانقلاب المشروط أن يفرض "حالة طواريء" في البلد ريثما يعود المدنيون للحكم بصورة أخرى. ولكن كانت المفاجأة أن الجيش عجبه الحال وتغدى بالسياسي الغرير.

    نبدأ بالدكتور حسن الترابي وانقلاب 1989. جاء في كتاب المحبوب أن خطة الترابي كانت أن يستولي الجيش على الحكم لسنوات معلومة ريثما تستقر الأمور وتعود السياسة إلى مجاريها المدنية . . كما كنت. ولكن كانت للعسكريين فكرة أخرى. فقد فوجئت بقول المحبوب إن الإنقاذ مددت سجن الترابي صبيحة الانقلاب (الذي كان تعمية وحركة في شكل وردة) من شهر إلى 6 شهور. ثم تحفظت عليه في منزله بعد خروجه منه. ولما طلب أن يَمثٌل أمامه العسكريون الذين قاموا بانقلابه لم يظهروا. ثم حدث المعلوم من صراع المنشية والقصر واعتقالات الشيخ المتكررة.

    ذلك أو شيء قريب منه حدث للسيد عبد الله خليل البيه مهندس انقلاب 17 نوفمبر 1958. قال البيه للجنة التحقيق في الانقلاب في 1964 إنه لا يدري لماذا قام الجيش به. فقد كانوا في رأيه "مبسوطين وأنا جبتلهم أسلحة." واستغرب البيه للجنة التحقيق أن يُوحي هو بتمرد عسكري يؤدي إلى عزله من الحكم. ومن الجهة الأخرى استنكر الفريق عبود أمام اللجنة تنصل البيه عن فكرة الانقلاب. وقال إنه من المضحكات أن يتملص البيه من فكرته الانقلابية. فلو قال لهم يومها "بلاش" لما وقع الانقلاب.

    وليس في أمر البيه والفريق تناقضاً. فكل فسر الواقعة بحسب مقاصده. فقد تواضعنا جميعاً على فهم الفريق للواقعة بأنها "تسليم وتسلم". ولم نلتفت لرأي البيه عن اتفاقه مع الفريق بتدخل الجيش لفرض حالة "طواريء" يقيم بعدها حكومة وحدة وطنية ومجلس سيادة يمثل فيها الجيش. وقد اتفق معظم قادة الانقلاب أمام لجنة التحقيق بأن هذا بالفعل ما تواضع عليه البيه والجيش. بل قالوا إن الجيش قد حنث بهذا الإتفاق.

    لم نتوقف ملياً عند قول المرحوم أمين التوم في مذكراته إن الجيش لم ينقلب على الحكومة بأمر من البيه فحسب بل انقلب على البيه نفسه. وظل البيه، في قول أمين ، حسيراً ما عاش "يقص قصته بعد الأوان . . ويقول إن الضباط خدعوه." فقد كان داخله الشك في ليلة 16 نوفمبر في ولاء الضباط له. فحضر للقيادة ليطمئن منهم على التزامهم بخطته. فلم يجد سوى الفريق عبود واللواء حسن بشير وطلب منهما استدعاء الضباط الآخرين فتذرعا بأنهم مشغولون بالانقلاب في وحداتهم. خد عندك!

    ولما اجتمع الضباط صباح 18 نوفمبر اتفق رأيهم على "حكم الديش". قال اللواء حسين علي كرار إنهم جاءوا للاجتماع وفوجؤوا بتغير في الموقف حول تشكيل حكومة وطنية ومجلس سيادة مدني عسكري. وجلس بينهم الفريق يقرأ قائمة معدة بأسماء المجلس العسكري والوزراء.

    الدرس: لطمام البطن السياسي عواقب وخيمة. بجيبه ضقلها يكركب.

                  

07-27-2012, 08:33 PM

Elmoiz Abunura
<aElmoiz Abunura
تاريخ التسجيل: 04-30-2005
مجموع المشاركات: 6008

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مذبحة بيت الضيافة وفظاظات أخرى (1 من 20): (Re: Elmoiz Abunura)

    17
    -عمة ليوسف حسين يا رفاق!

    عبد الله علي إبراهيم



    أوقفت قبيل 19 يوليو 1971 بأيام قليلة تاكسي طرحة من بحري إلى أم درمان. كنت في حالة شبه اختفاء من أعين أمن نميري بعد بدء هجومه على الشيوعيين ومنظماتهم في خطاب مارس 1971. فكنت أضع عمامة على رأسي متى وضعتها بان المستور، صلعتي، وانكشفت. ووجدت من ضمن الركاب رفيقنا يوسف حسين وهو في حالة إختباء كامل. طبعاً. سلمت عليه. ويبدو أنني سرحت في الأنس وخرج مني كلام "كبار كبار" في السياسة وغيرها. فقال لي يوسف بطريقته الجافة: "والله حقو تلبس العمة دي فوق خشمك المرة الجاية". وأصاب الرجل.
    وددت لو لبس رفيقنا يوسف، الناطق الرسمي باسم الحزب الشيوعي، عمة فوق فمه قبل تصريحه الأخير لجريدة "آخر لحظة" عن من قام بمذبحة بيت الضيافة في 22 يوليو 1971. فقد صرح للجريدة بأن الذي قام بها هم جماعة المرحوم حسن حسين مدبري انقلاب يوليو 1976 لاحقاً. ولم يستوقفني اتهام يوسف لهؤلاء الضباط لأن هناك نظرية تقول إن هناك "قوة ثالثة" بين الشيوعيين ونميري ذبحت ضباط بيت الضيافة. وقيل إنها انتهزت فرصة نزاعهما لتقوم بانقلاب كانت تعد له. وأرادت في 22 يوليو التخلص من الضباط من شيعة نميري والشيوعيين في برنامج واحد. وهي نظرية صدف أنني من أنصارها حتى يثبت غيرها بعد التحري المسؤول. مع التنبيه بأن يوسف ربما لم يحسن التعبير عن دقائق النظرية في تصريح سيَّار في الصحف.

    تصريح يوسف مما يصفه أهل الإنجليزية بوضع المرء قدمه في فمه كناية عن التخليط. فقد عاد بنا إلى "الفاس مين سرقو؟" أي إلى اللوم واللوم المضاد حول من قتل نفوس قصر الضيافة بغير ذنب. واستمسك يوسف بثابت الشيوعيين وهو براءتهم من المذبحة. وبالفعل استثارت كلمة يوسف عجاج هذا التلاوم على منبر السوانيزأونلاين بالشبكة. فعاد بعض المتناقشين إلى المربع الأول: من القاتل؟ أهم الشيوعيون؟ أم القوة الثالثة، أم حمى الضنك؟

    لا أدري ما مصلحة الشيوعيين في استباب هذه الحلقة العقيمة من اللوم واللوم المضاد ونحن على مشارف الذكرى الأربعين لانقلاب يوليو وللمذبحة؟ وما حصادهم من هذه الحلقة الشريرة؟ فالواضح أن براءتهم لم تثبت وذنبهم ما يزال على جنبهم. فحتى لو صح أن الضباط الشيوعيين لم يقتلوا ضباط بيت الضيافة قتلاً كما يقول خصومهم فكيف للشيوعيين النجاة من تهمة مقتلهم وهم في عهدة الانقلاب. وربما كان اغتيال من في ذمتك في وقته أنكأ وأبرح من قتلك أنت له.

    أتعجب لحركة تاريخية كالحزب الشيوعي تعطل التفكير الرحب في واقعة بيت الضيافة بحرص طفولي على البراءة من ذنب الواقعة. ولسنا نريد لهم أن يتدرعوا التهمة كفاحاً بالطبع. ولكن البي راسو يعرف خلاصو. وقد حاولت ضمن جماعة أن نسترد المذبحة إلى التاريخ بعد ضلال طويل في شح النفس. فدعونا إلى "طي سجلها " بأن يجري تحقيق تاريخي مسؤول حسن القبول والتمويل من الدولة. فتنشأ في طياتها إدارة تقوم لا بالتحقيق في مذبحة بيت الضيافة فحسب بل في كل وقائع عنف الدولة وغير الدولة في السودان المستقل ربما بدء من مذبحة عنبر كوستي 1956 إلى تاريخه. وقد هدانا إلى هذه الخطة اتفاق السودانيين الآن على التراضي على نهج الحقيقة والمصارحة. وآخر من عبر عن هذه الروح هو الأستاذ اتيم قرنق من الحركة الشعبية منذ أيام.

    وسيخيب الحزب الشيوعي الظن فيه كحركة تاريخية إن ظل "يدق جزيمو" في كل ذكرى للمذبحة على الانسلال منها كالشعرة من العجين. وعمة ليوسف يا رفاق!
                  

07-28-2012, 01:13 PM

Elmoiz Abunura
<aElmoiz Abunura
تاريخ التسجيل: 04-30-2005
مجموع المشاركات: 6008

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مذبحة بيت الضيافة وفظاظات أخرى (1 من 20): (Re: Elmoiz Abunura)

    الرحمه والمغفره للخاله الحاجه فاطمه بنت الامير يونس الدكيم, الشهيد محمد سليمان الخليفه, وجميع شهداء يوليو 71

    18
    - يوم انحرق حشا الحاجة فاطمة بت يونس ود الدكيم
    عبد الله علي إبراهيم

    انقلاب 19 يوليو هو بوجه هام قصة طائرتين لم تبلغا ميناء الوصول يوم 22 يوليو الذي انكسر فيه الانقلاب بصورة فاجعة. أما الطائرة الأولى فهي طائرة الخطوط الجوية البريطانية التي أجبرتها ليبيا علي الهبوط بها. وما هبطت الطائرة حتى نزعت السلطات الليبية منها المرحومين بابكر النور وفاروق حمد الله، عضويّ مجلس ثورة الانقلاب الجديد، وسلمتهما لنميري الذي قتلهما شر قتلة. ولم تعتذر ليبيا حتى الآن للسودانيين عن هذا التطفل الأخرق في شأنهم . وربما تفعل في مسلسل تنصلها الحالي عن مواقف عنف أخرى. وقصارى القول إن هذه طائرة عرفنا عنها أشياء وغابت عنا أشياء ما تزال. أما الطائرة الأخرى فعلمنا بها لم يتعد القشور بعد. وهى الطائرة الأنتينوف العراقية التي انفجرت فوق الأجواء السعودية عند جدة. وحملت بين جنبيها وفداً عراقيا للتهنئة بالانقلاب.

    كان من بين مستقبلي الطائرة المرحومة الحاجة فاطمة يونس الدكيم، أمير المهدية المذكور وزوجة المرحوم سليمان الخليفة عبد الله التعايشي، التي توفيت يوم الاثنين الماضي. وكانت آخر من تبقي من ذرية الأمير. ولا يبدو أن للمرأة، وهي بهذا الإرث الأنصاري الساطع، من سبب لتكون في استقبال طائرة حملت وفداً عراقياً للتهنئة بمولد انقلاب منسوب للحزب الشيوعي. ولكنها كانت أحق بمكانها في الاستقبال من كثيرين ربما. فقد كانت والدة رئيس الوفد نفسه وهو المرحوم محمد سليمان الخليفة عبد الله عضو القيادة القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي. وكانت في الاستقبال بين جماعة من أعضاء قيادة البعث السوداني ومنهم الأستاذ شوقي ملاسي. وقال ملاسي إنهم في انتظارهم حين أبلغهم المطار عن تأخر وصول الطائرة. ووجف قلب فاطمة بت الدكيم وانفجرت باكية وقالت لابد إن ابنها قد مات. وباءت مساعي ملاسي ورفاقه هباء وهم يحاولون تهدئتها ناسبين التأخير إلى علل بشرية. ولكنها كانت قد علمت بقرون استشعار الأم منذ ليلة الأمس أن ابنها قد أزف زمان رحيله. وقالت لهم رأيته في "الرويا" يموت. ولم يقتنع أحد بدليلها وهي في حالة النوم حتى ثبت أن الطائرة احترقت بالفعل فوق سماء جدة. وأم أخرى "إنحرق حشاها" في السودان. لا هي الأولى ولن تكون الأخيرة. لم يبق لنا من الأحلام التي تتحقق سوى موت الولد.

    لم أجد لهذه الطائرة، التي قصرت عن مطار الخرطوم، خبراً أوفي مما جاء في تقرير لجنة القاضي علوب التي كلفها النميري في أوائل أغسطس 1971 لإجراء تحقيق شامل بغرض معرفة طبيعة التآمر (الانقلاب) ودوافعه وغير ذلك من الظروف والملابسات التي واكبته. وهو تقرير وقع لنا بفضل بحث مضني عنه قام به، ضمن آخرين، الدكتور عبد الماجد علبوب ( ماجد بوب) الذي يعكف على تحقيقه ونشره في دراسة له عن انقلاب يوليو. وقد سبق للدكتور محمد سعيد القدال عرض هذا التقرير بصورة سائغة لقراء الصحافة في حلقات ثلاث خلال يوليو وأغسطس الماضي.

    وغني عن القول إن التقرير الذي ترتب عن التحقيق ليس وثيقة محايدة. فقد قطع التحقيق قول كل خطيب عن موضوعيته لما سمى أمر تشكيله الجمهوري موضوع التحقيق "تآمراً" للحزب الشيوعي وآخرين على الدولة. فهذا هو الجس بعد الذبح. فالبحث عن دور الحزب الشيوعي وغيره فيه لم تكن فرضية بل حقيقة تقررت للمحققين بواسطة الجهة التي جمعتهم في صعيد واحد. ولم تفارق اللجنة اختصاصها حين شملت بالتحقيق دور العراق، حزباً ودولة، في الانقلاب وكذلك دور حزب البعث في السودان. فمن رأي اللجنة أنه كانت لهؤلاء مساهمة كبرى فيه. وربما أدرك القارئ من غير تحذير أن الصورة التي ستنشأ عن الطائرة والعراق والمرحوم محمد سليمان من مادة هذا التقرير لا بد أن تؤخذ بمنتهى الحيطة والأناة. وصح القول مع ذلك بصورة إجمالية إن أداة الدولة السودانية التي رصدت علاقات العراق والسودان من جهاز أمن وسفارة سودانية بالعراق كانت حاذقة شديدة الحرفية مهما كان الرأي في صدقها أو مراميها.

    أعطى التقرير حيزاً جيدا لمسئولية حزب البعث العراقي في الانقلاب بلغت 36 صفحة من 155 صفحة هي جملة التقرير.وقد اعتمد التقرير علي أدب المخابرات السودانية في رسم لوحة لما سماه تواطوء البعث العراقي مع الانقلابيين. فقد بدأ بمقدمة عن نشأة جماعات الفكرة العروبية في الجامعات في الستينات بمدارسها المختلفة من بعثية عراقية وسورية ومن ناصرية. وقال التقرير عن المرحوم محمد سليمان إنه درس بسوريا وكان شديد النشاط البعثي بها. ولما نشأ الخلاف بين القيادة القومية للحزب وبين القيادة القطرية في سوريا انحاز المرحوم إلى القيادة القومية بزعامة ميشيل عفلق وأحمد حسن البكر. وفر إلى بيروت في 1965 ثم اختير عضواً بالقيادة القومية ببغداد وأسندت إليه أمانة العلاقات الخارجية. وكان نافذ الكلمة ويترأس بعض الوفود العراقية للخارج وفيها وزراء. ورصده تقرير للأمن القومي يزور السودان في أواخر 1970 ليشرح للتنظيم البعثي السوداني معارضة العراق للاتحاد الثلاثي المصري السوداني الليبي ولتوجيههم لمواصلة التنسيق مع المرحوم عبد الخالق وجناحه لقيام جبهة تقدمية تطيح بنظام نميري. وهي إطاحة ربما كان يتدرب لها على أعمال الصاعقة بعض فتية البعث السوداني مع منظمة التحرير العربية الفدائية الفلسطينية.

    كما تطرق التقرير إلى استراتيجيات عراقية زكت لهم إزاحة حكومة نميري. فقد كانت استراتيجية تسويق البترول تقضى على العراق أن يكون السودان في أيد صديقة. فقد كان العراق آنذاك يحرر صناعة البترول فيه من النفوذ الأجنبي واستوجب ذلك أن يؤمن لتصريفه أسواقا مضمونة ليمتص ما توقعه من عقوبات إمبريالية عليه. واستقبل السودان، الذي كان يستورد كل بتروله من الخارج، بالفعل وفود عراقية سوقت لبترول بلدها ومشتقاته.

    كما تناول التقرير استراتيجية العراق في بناء قاعدة له بين الصفوة المدنية والعسكرية في السودان عن طريق البعثات العسكرية والمنح الدراسية. فبعد مايو بلغ من أوفدهم السودان من الضباط للتدريب على الدبابات وحدها خمسين عسكرياً. وقيل في التقرير إن محمد سليمان كان من وراء خطة التوسع في استقدام السودانيين للتدريب في مواقع العراق العسكرية بهدف جذبهم لمواقع البعث السياسية. وأكثرت العراق من المنح الدراسية لحزب البعث بينما قبضت يدها عن وزارة التربية. ونبه التقرير إلى أن معظم هؤلاء الطلاب كانوا بالعطلة السنوية حينما قام انقلاب يوليو بما يوحي بتدخل عراقي بعثي في توقيته. كما تناول التقرير استراتيجية العراق في بناء قاعدة له بين النقابات بدعوات توجه لقادتها وتُلبي بغير علم سفارة السودان. وخص التقرير بالذكر استهداف العراق لاتحاد مزارعي جبال النوبة . فقد عاملوا رئيسه الزائر كرأس دولة وأهدوا منظمته سيارة لاندروفر. وكانوا دعوا المرحوم فاروق حمد الله، أقرب قادة مايو إليهم، بغير علم السفارة. وكان محمد سليمان قريباً منه خلال الزيارة وحدد له مقابلة أحمد حسن البكر، رئيس جمهورية العراق، بغير تنسيق مع قسم المراسم بالخارجية. واشتكى السفير من هذا التخطي ووصل مع فاروق إلى حل وسط. وقد ذكرني هذا بزيارة قام بها عبد الله خليل، رئيس الوزراء في 1958، إلى أثيوبيا وسماها خاصة بينما الله وخلقه عرفت أنها رسمية. وخلص السفير والبيه إلى حل وسط. ثم تحدث التقرير عن أنماط من ممارسة العراق وبعثه المعادية للثورة. فكانت صحفهم البيروتية تهاجم نظام مايو وسلقت النميري بألسنة حداد حين جاء لعون الفدائيين في الأردن. كما طلبوا من الروس في مناسبة ما إدانة حكومة النميري لانحرافها عن الخط التقدمي ولم ينجحوا في ذلك.

    وتوسع التقرير في شرح ما قام به العراق بعد قيام انقلاب يوليو. فقد أذاع راديو بغداد خبر الانقلاب بعد ساعات من وقوعه وأصبح هو مصدراً للنبأ تأخذه عنه صحف العالم وإذاعاته. وتشكك التقرير في هذا الإعلام الذي اشتم منه رائحة التواطؤ لا السبق الصحفي. واعترف العراق، قيادة قومية وقطرية ومجلس قيادة ثورة، بالانقلاب في يومه وقررت دعمه. والتقى المرحوم هاشم العطا بدبلوماسي عراقي ليلة إذاعة بيان الانقلاب. ولابد أنه جاء للتهنئة. ونقل الإعلام العراقي تأئيد البعثيين بالسودان للانقلاب ببيان موقع من شوقي ملاسي.وقال سفيرنا نقلاً عن السفير الروسي بالعراق للجنة القاضي علبوب إنه قد بلغه أن العراقيين يقولون أن لهم ثلاثة من بين أعضاء مجلس قيادة الثورة.

    وتطرق التقرير للدعم المادي للانقلاب الذي احترق محمد سليمان في واحدة من طائراته المزعومة. فجاء فيه أن الوفد العراقي، الذي قاده محمد سليمان، لم يتصل بالسفارة للحصول على التأشيرات اللازمة. وأضاف بأن محمد سليمان طلب من البنك المركزي في بغداد تحويل مبلغ مليوني جنيه إسترليني إلى بيروت. وطلبت طائرتان عراقيتان فيهما طائرة الوفد الإذن بالهبوط من مطار الخرطوم يوم 21 يوليو بصورة إلى جدة والقاهرة ودمشق والبحرين. وجاء في الطلب أن واحدة منهما ستتوقف بجدة للتزود بالوقود بينما لن تحتاج الأخرى لهذا التوقف. وتوالت إشارات من بغداد تطلب أذوناً لطائرات أخرى بلغت 4 (أنتنوف لحمل البضائع والمعدات الحربية، والثانية إنجليزية وتستخدم في الخطوط المدنية، والثالثة والرابعة أنتوف تستخدم للحرب وللشوؤن المدنية) ستهبط في مطار الخرطوم تباعاً يوماً بعد يوم.

    حاول مطار الخرطوم من جانبه أن يتصل بالطائرة ليسألها عن مواقيتها فلم يفلح. واضطر ليرسل أسئلته عن طريق طائرة مصرية فوق أجواء السودان. وجاء الرد من الطائرة العراقية من برج المراقبة بالقاهرة بعد أن تلقاه عن طريق الطائرة المصرية المشار إليها. وعلم المطار أن الطائرة العراقية متوقع وصولها في الواحدة من يوم 22|7 . ثم اتصلت جدة بالخرطوم وفصلت لها ما ستكون عليه مواقيت الطائرة عبر جدة وبورتسودان وعن نزولها بجدة للتزود بالوقود. وفعل نفس الشيء برج المراقبة في بغداد. ثم جاءت إشارة من جدة تقول إن الطائرة ستنزل بجدة لتعذر الرؤية. وفي مساء 22 يوليو قطعت العراق إرسال الإذاعة لتنقل للعراقيين استشهاد محمد سليمان ووفده الذي ضم صلاح صالح عضو القيادة القطرية وحمودي العزاوي، سفير العراق المرشح للسودان، الذي لم يستوف أعراف الترشيح الدبلوماسي بعد. وقال السفير السوداني، شاهد اللجنة، عن العزازي إنه من سفاحي العراق وقد دبر اغتيال حردان التكريتي بالعراق. ووفرت السفارة السودانية للجنة قصاصات من صحف العراق عن من ماتوا على متن الطائرة. ووضح من القصاصات أنه كان بالطائرة ضباط صغار وصف ضباط من قادة الدبابات. واستغرب التقرير لوجود صف الضباط هؤلاء في هذا الوفد السياسي. واستنتج التقرير أن الطائرة كانت تحمل معدات ودعماً عسكرياً. وأضاف أن انفجار الطائرة تسبب في حريق كامل في نصفها الخلفي مما يدل علي وجود متفجرات وذخائر من نوع ما بها. وخلص التقرير إلى أن العراق ضالع في الانقلاب بالاتفاق والتحريض والمساعدة.

    ربما كانت حقيقة الطائرة بخلاف ما ذكره التقرير. وقد تكون وجوه الخلاف هذه آخر ما انشغلت به الحاجة فاطمة وهي تجرجر في أذيال أشواقها مدموغة بخضاب الدم إلى الولد الذي انطفأ في الحريق وذر رماده في البلد الحرام. لم تشمه. لم تنشب يديها حول جسده الذي انعقد حوله التاريخ المهدوي ولم تغرس أنفها في طيبه المهاجر. وعاشت الحاجة فاطمة بعد محمد نحو 35 عاماً علمت خلالها أن "رويا" الأم تكشف حجب الحريق في عنان السماء وتقصر "رؤية" رفاق الحزب دونها بكثير.

    ولم تبلغ طائرات أخرى كثير مقاصدها وشقي الوطن وانحرقت حشايا. من ذلك طائرة كلمنت امبورو يوم الأحد الدامي في 6 ديسمبر 1964 وطائرة ملكال في 1986 وطائرة المرحوم الزبير وطائرة الفقيد الأخير قرنق وقس على ذلك. وكلها تفجرت في طلب حثيث وعجول وفطير للشوكة ضرج بلادنا بالدم منذ عقود. وما سمعت عن وهم الشوكة مثل مقالة منسوبة إلى الأمير يونس ود الدكيم، جد محمد سليمان، عن "تنبره" في شرخ المهدية أنه سيشرب ماء البحر كله حتى ينشف مجراه ويكشف عن بلابيطه. والرواية السائدة أن هناك من قال له متهكماً بعد كسرة المهدية أين شرابك للبحر يا ود الدكيم. والرائج أن الأمير أجاب أنه قال ذلك وهو معزز برجال لا يعصون له أمراً وقد تفرق الرجال وأمن البحر. ولكنني أفضل رواية أخري لرد الأمير سمعتها عن الصديق الشاعر شابو. فقد رووا أنه قال لسائله صدقتمونا حين صدرت منا ونحن في شوكة وتنكرونها الآن علينا ونحن في ضعف. لنطلب الشوكة للخير وبغير ثمن باهظ وإلا تورطنا في وهم الشوكة.

    متى تهدأ ثائرة للوطن

    متى تعود إلى وكناتها الطائرات

    فلا ينفذ سهم النبأ

    من حريق عنان السما

    وارفضاض رماد الجني . . . في المدى

    عبر برج المراقبة

    نحو بهو المطار

    إلى كبد الأمهات

    متى يسكن روع الوطن











                  

07-29-2012, 02:21 AM

Elmoiz Abunura
<aElmoiz Abunura
تاريخ التسجيل: 04-30-2005
مجموع المشاركات: 6008

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مذبحة بيت الضيافة وفظاظات أخرى (1 من 20): (Re: Elmoiz Abunura)

    19

    عن 19 يوليو: ردوا ضحايا عنف الدولة إلى أهلها . . . والعنوا أبليسكم
    عبد الله علي إبراهيم




    بلغنا من تخطف الناس لنا مبلغاً عظيماً من السقم الوجودي. فلا غلاط أن أزمة سياسية كبرى تتخبطنا. ولو اقتصرنا عليها لهان الأمر. ولكن ما يكاد يذهب بعقلنا أنها أسقمت الروح منا حتى بدا لنا أن الخطأ في أصل وجودنا لا سياستنا. وهذه من مترتبات محنة السياسة (أو عدمها) حين "تعول" أي تتطاول. وهذا السقم الوجودي غالباً ما يرده الناس إلى "عمائلهم او فعائلهم" بغير استثناء. ولا أعرف "فعلة" أزرت بروحنا وأسقمتها مثل تمثيلنا بجثث ضحايا العنف السياسي (على ضفة الحكم والمعارضة) بدفنها في مقابر مجهولة. فحتى المحكمة العليا قالت في 1987 في قضية أسماء محمود محمد طه ضد حكومة السودان إن مطلب أسماء بالكشف عن قبر والدها الأستاذ محمود محمد طه عصي التحقيق لأن قتلته مكروا عليه وأخفوه بطريقة جعلت استعادته من رابع المستحيلات. وصرفت الدعوى من هذه الجهة.

    وقد أرقني شاغل هذه القبور المجهولة. وكتبت عنها مراراً. فقدمت بحثاً للجمعية الأنثربولجية الأمريكية في 1996 . واستعبرت فيه لانزلاقنا لهذا الدرك من الجاهلية في حين لا تحتفي ثقافتنا بشيء مثل احتفائها بالقبر. فلا يختم ود ضيف الله ترجمة ولي من أولياء الله في كتابه إلا بقوله: "وقبره ظاهر يزار." ولنا في ثقافة القبر "تقاليد الرحيل المسلمة" التي قال ود المكي إن الشاعر المجذوب قد تزمل بها وهو يخطو إلى دار البقاء.

    وفي مناسبة الذكرى السابعة والثلاثين لنكسة انقلاب 19 يوليو 1971، الذي ما تزال مقابر ضحاياه طي الكتمان، أعيد نشر كلمة نشرتها عام 1996 التمس فيها أن نفيق جميعاً من هذا الفجور السياسي الذي لم يكتف بقتل الجسد (وهو أبغض الحلال في السياسة) فحسب بل أرخص بالجثث وهي هشيم. ودعوت فيها إلى قيام هيئة حسنة الإعداد والتمويل من أهل الإحسان والنخوة والتقوى، وبقرار جمهوري، ترد أمانات الجثث إلى أهلها. ومتى أزالت هذه الهيئة الغصة التي في الحلوق ردتنا إلى آدميتنا التي هي مدار وجودنا. وهذا شرط أول في ممارسة السياسة. أما السياسة بغير ذلك فهي من الرزائل وكفى.

    فإلى المقال القديم:



    أرغب أن نرانا في عامنا القادم (1997) قد عقدنا العزم روحياً وسياسياً على كشف المثوى الأخير لضحايا عنف دولة السودان المستقلة. ونريد بهذا الكشف أمرين: أولهما أن تكف الدولة عن ممارستها الوخيمة في التمثيل بجثث الخصوم بدفنها في قبور فردية او جماعية مجهولة في انتهاك صريح لحق أسرهم وأحبابهم في توقيرهم بمواضع مطلولة بصلاة وحصى وزيارة. وثانيهما أن نبدأ في تطهير الممارسة السياسية من درن الخسة والجاهلية وهو درن فاجع وجامع ومانع.

    اصبح الجسد-الجثة في دولتنا المستقلة مسرحاً لعمليات سياسية بلغت الدرك الأسفل من الخلق. فقد رأينا كيف اختنق قبيل من مزارعي مشروع جودة الزراعي بالنيل الأبيض في عنبر للسميات في كوستي (1956). وكيف وقع "نفخ" المرحوم حسنين محمد حسنين في سجن الأبيض (1961)، وكيف اغتيل السيد وليم دينق في سياق حملته الانتخابية في الجنوب (1965)، وكيف جرى خطف الصحافي مكي محمد مكي وتغييب جثته بصورة إنسان رخيصة لو صح وصفها الشائع، وكيف دفن الإمام الهادي جزافاً في 1970 وتلاه الرفيق عبد الخالق محجوب ورفاقه (1971)، والسيد حسن حسين ورفاقه (1975)، والسيد محمد نور سعد وصحبه (1976). ورأينا إعدام الأستاذ محمود محمد طه ودس جثمانه وكذلك فعلوا برهط انقلابي رمضان 1992. وما أردت الحصر ولست أبلغه ولو حاولت لأن ما خفي أعظم. فما يجري في جنوب "الحكومة" و"الحركة" قد لاكته وتلوكه أفواه لوبي حقوق الإنسان. (ولم تكن دارفور يوم كتبت هذا المقال شيئاًً مذكورا في مصفوفة القتل وتغييب الجثث. وقد "سوت فيها ذراعاً" منذ بدأت في 2004 وتواصل العرض التراجيدي).

    منذ تداعى حكم الفريق عبود في 1964 إثر تشييع جنازة طالب جامعي دخل في روع القابضين على الحكم أن الجثة، وجثة الطالب الجامعي (ومن جامعة الخرطوم لو أمكن)، هي الطقس الذي يسبق عاصفة التغيير. ولذا حرصت الحكومة على مصادرة جثث قتلاها وحرصت المعارضة على "عرض" جثث شهدائها. ولقد هانت الجثة حتى أصبحت مفردة سياسية بحتة لها عمر افتراضي قصير الأجل. أذكر موقفي، خلال هبة آخر عام 1988 على ولاية السيد الصادق المهدي الأخيرة، في الميدان الغربي بجامعة الخرطوم، نشيع شهيداً من الطلبة بدعوة من جبهة إنقاذ الوطن. ووقف زعيم من الجبهة خطيباً وسرعان ما تعالت الأصوات منبهة إلى أن الشهيد ليس طالباً بجامعة الخرطوم بعد اتضاح أن الشهيد المظنون حي يرزق. ورأيت يعينيّ التي يأكلها الدود كيف انفض الحراس الأشداء والمشيعون عن الجثة المسجاة. وصاح صائح يخرجنا من لؤم الإنسان لأخيه الإنسان قائلاً: "إن الميت شهيد واجب التقدير وإن لم يكن طالباً."

    الحد الفاصل بين الجسد والجثة هو الذي مايز بين السياسية من جهة والدين والأخلاق من الجهة الأخرى. فبينما ينتمي الجسد للسياسية، وهي باب للخصومة والشره أيضاً، تنتمي الجثة للدين والأخلاق، وهما باب للعفو والطقوس. فقد بعث الله غراباً ليرى قابيل، الذي قتل أخاه هابيل ولم يوار جثته التراب، كيف يستر الغراب سوءة (جثة) أخيه الغراب. كما نهت الشريعة عن "المثلى" من مثل كسر عظم الميت وإهانته بأي صورة. وبلغت من السماحة أن اعطت حتى الكفار حق استرداد جثث قتلاهم في حرب المسلمين بغير مقابل مادي.

    ومن جهة أخرى فجمال مسرحية "أنتقوني" للمسرحي اليوناني القديم سوفوكليس راكز في كدح أنتقوني الشفيف الرشيق المؤدي إلى التهلكة لتواري جثمان أخيها المعارض الذي قتله اخوها الأمير وحظر دفنه وفق المراسيم المقررة.

    شرفني الشاعر الجيلي عبد الرحمن، على قبره شآبيب الاحسان والقبول، بقصيدة مدح قال فيها عني (ونعوذ بالله من الاغترار):

    لم ترهقك طيوف الموتى

    و"كذب" الشاعر الخدن الجميل. فتلك الأطياف تنهكني. وقد شغلتني منذ حين طويل وكتبت عنها مرة ثم مرة. وكنت أرغب في عرض هذه المسألة على الرئيس البشير في إجازتي الصيفية القادمة (1996) لألتمس منه تكوين لجنة قومية من رجال ونساء فيهم دين وانصاف وقوة يتحرون أمر "نبش" هذه القبور وفق سلطات إدارية وقضائية دقيقة. يردون كل جثة مضيعة إلى أهلها وقبيلها وأحبابها لتنعم بالأنس بعد الوحشة وبالدين بعد الجاهلية. ولم اوفق إلى لقاء الرئيس الذي لم يكن في الخرطوم خلال إجازتي المقتضبة.

    وأسأل الله مع ذلك أن يلهمنا ليكون عامنا هذا عام إزالة الدم الفاسد من عروق السياسة السودانية بوضع كشف مقابر عنف الدولة اليساسي في مقدمة أجندتنا جميعاً.

    وعندي أن لا سبيل إلى تأجيل هذا الأمر. فنحن نخسر بالموت شهود عيان وأدلاء علاوة على خشية أي منا من "جيل التضحيات" أن نذهب إلى الآخرة بهذا الخزي—خزي تركنا أجساد أجمل الرفاق وأعزهم نهب وحشة العراء ووحشية الخصومة الفسلة:

    "فبعث الله غراباً يبحث في الأرض ليريه كيف يواري سوءة أخيه" صدق الله العظيم.

                  

07-29-2012, 03:36 PM

Elmoiz Abunura
<aElmoiz Abunura
تاريخ التسجيل: 04-30-2005
مجموع المشاركات: 6008

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مذبحة بيت الضيافة وفظاظات أخرى (1 من 20): (Re: Elmoiz Abunura)

    Quote: متى تهدأ ثائرة للوطن

    متى تعود إلى وكناتها الطائرات

    فلا ينفذ سهم النبأ

    من حريق عنان السما

    وارفضاض رماد الجني . . . في المدى

    عبر برج المراقبة

    نحو بهو المطار

    إلى كبد الأمهات

    متى يسكن روع الوطن
                  

07-29-2012, 03:39 PM

النذير حجازي
<aالنذير حجازي
تاريخ التسجيل: 05-10-2006
مجموع المشاركات: 7159

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مذبحة بيت الضيافة وفظاظات أخرى (1 من 20): (Re: Elmoiz Abunura)

    شكراً يا بروف معز، وحمد لله على السلامة
    وحاجز طوبة في هذا البوست
                  

07-30-2012, 02:18 AM

Elmoiz Abunura
<aElmoiz Abunura
تاريخ التسجيل: 04-30-2005
مجموع المشاركات: 6008

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مذبحة بيت الضيافة وفظاظات أخرى (1 من 20): (Re: النذير حجازي)

    20
    19 يوليو للذكرى: الاقتصاد السياسي للاستشهاد
    د. عبدالله على ابراهيم


    يسود بلادنا منذ عقود تطاولت مفهوم في استرخاص الحياة من أجل القضايا السياسية والعقدية أطلقت عليه "الاقتصاد السياسي للاستشهاد" من فرط ابتذاله. وقلت في كلمة الأسبوع الماضي إنه تأسس بثورة أكتوبر التي عصفت بنظام الفريق إبراهيم عبود (1958-1964) إثر تشييع شهيد اغتاله النظام بجامعة الخرطوم. فأصبحت النظم العسكرية المتعاقبة تحرص على التكتم على جثث قتلاها ودفنهم في البراري القصية خشية العاقبة. ومن الجهة الأخرى أصبح معارضوها يتربصون بها الدوائر ويتحينون سقوط شهيد برصاص النظام يؤذن بذهابه كما حدث في أكتوبر حذو النعل بالنعل. والاستشهاد ضريبة معروفة في الفداء بالطبع. ولكن ما ابتذله عندنا رهان الحكومة والمعارضة معاً على شهيد يشنقل الريكة على بينة دبرية في ثورة أكتوير. فلم يعد الاستشهاد إرادة طرية غراء بل ارتهان لماض. فالمعارضة جعلت من الجسد سنارة لصيد "الحرية" الثمين. بينما ارتعبت منه الحكومة القاتلة ورأت فيه "عملاً" من فكي المعارضة فأبطلت مفعوله بدفنه في البراري الموحشة.

    السياسة هي حقن الدماء. وسمعت شعراء الكبابيش يطرون مشائخهم ل "حدار الدم" أي تلافي الاقتتال وحقن الدم ألا ينحدر، أن لا يسيل. وقال بهذا الفهم المنظر السياسي الإنجليزي هوبز الذي عاش في القرن التاسع عشر. فهو يقول إن سيادة السلطة السياسية لا تقع متى لم يخش الناس الموت. ولم تكن خشية الموت فاشية على عهد هوبز. فأهل عصره كانوا ممن يغامرون بحياتهم فداء لعقائدهم مغامرة أدت إلى حروب أوربا المعروفة بحرب "الثلاثين عاماً" وغيرها. وكانت مهمة هوبز الفكرية أن يجادل قومه ليغرس فيهم خشية الموت طلباً لحكم تراض وطني. وكانت المسيحية هي أكبر عقبة وقفت في وجهه لأنها اعتقدت في خلود الروح. فقد كان استعداد المسيحيين للموت طاغياً وهو ما ينذر بالفتنة المدنية. فليس تقوم للنظام المدني قائمة إذا كانت إراقة الدماء على قفا من يشيل. فلو كان للسياسة من معنى فعليها أن تهمش غرائزنا للموت أو تبطل من مفعولها ما استطاعت. فلابد لنا من توقير الحياة إذا أردنا للمجتمع المدني أن ينشأ ويستتب. ولذا جعل هوبز للدولة وحدها سلطة الحياة والموت على الناس. ومن رموز ذلك أنه لا يُعدم أحد في الدولة بعد حكم القضاء عليه إلا بعد تصديق من الوالي أياً كان. وصار من دارج الحديث قولنا إن عمل السياسة يكف متى ارتكبنا العنف. فالقتل من أجل السياسة هو قتل للسياسة نفسها في نهاية المظاف.

    وقد أرقتني طيوف الموتى من أجل السياسة منذ اغتيال نفر كريم من حزبنا الشيوعي في 1971. ونشرت في الأسبوع الماضي كلمة سبق لي إذاعتها في 1996 طالبت فيها بتكوين هيئة قومية تسترد للأهل والشعب جثامين قتلانا وقتلى المسلمين المتفاقمة في اقتصادنا السياسي للاستشهاد . . . مبتذلاً. ووجدت أنني احتفظ بكلمة أقدم كتبتها عام 1975 حوت نفس مطلب كلمة 1996 وحامت حول معانيها ورموزها ذاتها. وكنت وقت كتابتها سكرتيراً لاتحاد الشباب السوداني مختبئاً في باطن الطاقم المتفرغ بالحزب الشيوعي. وقد صدرت الكلمة الرسالة عن سكرتارية اتحاد الشباب السوداني في مناسبة الذكري الرابعة لنكسة انقلاب يوليو ومصرع أساتذتنا ورفاقنا. وأعيد نشرها أدناه في الذكرى السابعة والثلاثين لتلك المحنة. ولا أقول "لقد أسمعت لو ناديت حياً".لا. فثقتي لا يتطرق إليها شك أننا نقترب حثيثاً من معنى هذه المصالحة مع الجثامين. وذلك من فرط استسهالنا التفريط فيها لمأرب قريب وبلا مردود في الغالب. يكفي قول بعضهم أن من استشهدوا في الجنوب من جهة الحكومة القائمة هم كأن لم يكن تلطيفاً للعبارة الأصلية. إن روح شعبنا ودينه لتتناصر عن قريب بإذن الله لمحو عار غياب جثث أجمل أبناء وبنات السودان في طوايا الاقتصاد السياسي للاستشهاد . . . الجزافي. فإلى كلمة عام 1975:



    مكتب سكرتارية اتحاد الشباب السوداني

    السادة في . . . . .

    السيد . . . . . .. .

    تحية واحتراماً،

    في الفترة بين أواخر يوليو ومنتصف سبتمبر 1971 استشهد نفر كريم من قادة اتحادنا وأعضائه. لعلنا في غنى عن الاتيان على دوافع هبتهم في يوليو أو التوقف عند الملابسات التي جرى فيها استشهادهم. فقد انقضى وقت كاف أصبحت فيه حقائق ذلك جميعاً ميسورة نوعاً ما للمهتمين بشأن الوطن وأهله.

    منشأ هذه الرسالة إليكم هو الحرج القائم في وجدان عضويتنا تجاه تجريد قادتهم وزملائهم من مثوى معروف تطمئن إليه رفاتهم. وباستعصاء هذا الحرج على الوصف فنحن نثق في بداهة تعاطفكم معه ومع الذين غالبوه واكتووا به طوال السنوات الأربع الماضية. فتلك بداهة تنشأ حين تتعرض الحقوق الطبيعية للانسان، ومنها حق المثوى الأخير المعروف، للخرق والكرب. وهي حقوق أصلتها الديانات والإنسانية الكلاسيكية حتى صارت فطرة وغريزة. فما ترك الله القاتل الأول، قابيل، يزري بجثة أخيه الملقاة في العراء نهباً للضواري. فمن رحمة ربه به، رغم اساءته، بعث له الطير يعلمه ستر الأجداث إكراماً للجسد وتوقيراً للموت. وذات البداهة هي التي ساقت "أنيقوني" الإغريقية على طريق الالآم والشهادة لأنها أودعت أخاها المقتول المثوى خلافاً لأمر الطاغية كريون. وعلى هذه البداهة نعول لتقفوا على ذلك الحرج الفطيم الذي تمتلئ به صدور عضويتنا.

    وكان منطقياً أن يصبح نظام 22 يوليو (وهذا فرزنا له من 25 مايو)، الذي دشن نفسه بمجازر الشجرة، سارق جثث متمرس كما لمسنا ذلك في كل الهبات اللاحقة للطلاب والشعب. وبهذا تعذر على أسر وأصدقاء ومعارف الشهداء، الذين سقطوا في تلك الهبات، القيام بما تقتضيه قداسة الموت والأموات، وبما تستوجبه أعراف هي في منزلة الحقوق الطبيعية. فمصادرة تلك الحقوق هي انفلات الشر من عقاله. فكل إثم في ظلها جائز، وكل وقاحة مقبولة، وكل سعار مستحب. واستهانة الحكومة القائمة برفات الشهداء هي صورة أخرى من صور استهانتها بالأحياء. مع أنها، مهما أحاطت نفسها بأسباب الجبروت وبادعاءات السرمدية، نظام في الحكم زائل وسيبقى شعبنا يفتش في صمت الأرض عن عبير زهوره الموؤدة وفتوة جنوده مجهولي القبر.

    إن ما جرى ويجري بالنسبة لرفات الشهداء من بعد يوليو 1971 هي نسخ من بشاعات ردة يوليو. ولهذا صح عندنا التوجه إليكم بهذا النداء لكي تتضامنوا معنا في مطلبنا المشروع الطبيعي من نظام نميري ليكشف عن المثوى الأخير لشهداء يوليو 1971. فعن هذا السبيل تساعدوننا في تخطي حرجنا وتعطون أسر الشهداء فرصة متأخرة، ونبيلة جداً مع ذلك، لتلأم فتوقها العاطفية بأداء شعائر الوداع لأبنائها في مثواهم الأخير المعروف.

    ونأمل أن يأتي تحركنا جميعاً نحو هذه الغاية إشارة أولى وأخيرة بأن شباب السودان قاطبة، باختلاف اجتهاداته للسمو بوطنه، مصمم أن تدار السياسة في بلده وفق سنن الآدمية: بالاقرار الجليل بالحقوق الطبيعية والسياسية.

    وسيسعدنا أن نلم بكل خطوة تتخذونها استجابة لندائنا هذا.

    مع تقديرنا الفائق والشكر.

    1-8-1975

    سكرتارية اتحاد الشباب السوداني





                  

07-30-2012, 05:38 PM

Elmoiz Abunura
<aElmoiz Abunura
تاريخ التسجيل: 04-30-2005
مجموع المشاركات: 6008

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مذبحة بيت الضيافة وفظاظات أخرى (1 من 20): (Re: Elmoiz Abunura)

    21
    Quote: - كمالا بابكر النور: وهذا لسان عربي مبين

    د. عبدالله على ابراهيم

    أسعدني أن الأستاذ محجوب محمد صالح (الأيام 2008-7-20) قد عضد من دعوتي لرد جثامين ضحايا العنف السياسي المغيبة إلى أهلها لترطبها "تقاليد الرحيل المسلمة" المتأخرة ولنتواثق على نبذ العنف إلى الأبد كخطة في السياسة. وقد جاء محجوب إلى تعضيدي (ربما من غير أن يقرأ مما ظللت أكتبه منذ أسبوعين في هذا الباب عن رد تلك الأمانات الجسيمة) بعد لقاء له بالسيدة كمالا ابنة المرحوم بابكر النور رئيس مجلس قيادة انقلاب 19 يوليو 1971 الموؤود. وكانت كمالا قد أطلعتني على مشروعها لإنشاء منظمة تتولى الدعوة لرد تلك الأمانات قاطبة بغير فرز باستثارة الرأي العام نحو تلك الغاية بروحانية قومية وثقافية ودينية نفت عنها درن المرارة وشعواء الثأر. ويبقي في القلب السياسي ما في القلب.

    ووجدت بين أوراقي التي دعوت فيها لرد هذه الأمانات الغراء منذ 1975 كلمة كتبتها معلقاً على مقالة للسيدة منى عوض خوجلي، شقيقة المرحوم نقيب طيار مصطفى عوض خوجلي، الذي أعدمه الإنقاذ وذهب مبكياً على شبابه بعد انقلاب رمضان 1990، عن موكب نظمته مع أسر ضحايا ذلك الانقلاب، مطالبات بالكشف عن مثوى الضحايا الأخير. وتوقفت عند قول منى إن موكبهن توقف أمام قبر الجندي المجهول تيمناً لأن شقيقها وغيره قد باتوا بقبر في مكان قفر مجهول. واستعدت في تلك الكلمة حكاية "أنتقوني" بطلة المسرحية المعروفة بهذا الإسم للدرامي اليوناني القديم سوفكليس. فقد بدت لي في مخاطرة منى: أخت النقيب مصطفى، في تلك المظاهرة مشابه من مأساة أنتقوني التي لم تخش بأس أخيها الملك الذي قتل أخاها الآخر وحجر على الناس دفنه ليبقى عبرة لمن لا يعتبر. وتوسعت في حكاية أنتقوني ولن أعيدها هنا فقد أوفيتها حقها في مقالتين سبقتا. وسأنتقل إلى شاغل آخر حول هذه القبور الطريدة ورد في كلمتي عن منى وأخيها. قلت:

    كنت اقرأ "أنتقوني" وقصة "هابيل وقابيل" القرآنية في محاولة شخصية مستميتة لمقاومة جاهلية ولا آدمية دولة ما بعد الاستعمار (بغض النظر عن النادي السياسي الذي يديرها أو حتى يعارضها) لإهانتها الجسد الأنساني الذي حمته الشرائع والآداب وحفت فراقه الدنيا بولاء الرحم، وحافل الطقوس، وشغف المزار.

    واستلهمت هذه القراءة في نظراتي السياسية خلال مشروع نميري للمصالحة الوطنية عام 1977. فقد وجدت في نفسي ميلاً "فطرياً" لتلك المصالحة. فكنت توصلت بعد لأي إلى أن شرايين الحكومة والمعارضة قد احتقنت بدم "سياسي" فاسد. وأن السبيل إلى تغيير سياسي مأمون العواقب يحتاج إلى روح وجراءة ومخاطرة من طراز جديد. وتقدمت للحزب الشيوعي، الذي كنت أعمل ضمن حلقته الغاطسة تحت الأرض، بمذكرة التمس منهم مراجعة الموقف من المصالحة الوطنية على ضوء مآخذ رأيتها في تقريرهم السياسي الذي رفض تلك المصالحة جملة واحدة. وقد طلبت منهم الدخول في تلك المصالحة بكيان عياني محدود بدون تفريط في آلياتهم السرية. وربما لم يكن هذا بعد مقام الخوض في هذا الشأن (فقد وجدت أنني ربما احتفظت بمذكرتي هذه للرفيق عبد الرحمن) إلا أنني اقترحت عليهم أن يطلب مندوبنا في اجتماعات المصالحة، ضمن أشياء أخرى، الكشف عن مقابر السياسيين الشيوعيين وغيرهم حتى تهدأ خواطر الثأر، وتستوي الجثث على مراسيم ومزارات، وتنعم الأسر بأمن الطقوس. ولم أوفق كما هو واضح في إقناع الشيوعيين بوجاهة رأيي في خطر هذا البعد الرمزي في الأداء السياسي، وفي استرداد الآدمية للاعبين في مسارحه كشرط مقدم لمواصلة اللعبة ذاتها. وخرجت على الحزب الشيوعي في إطار تلك المصالحة محتجاً على أشياء أخرى أهم وأنكى.

    وقعت ثورة ابريل، او انتفاضته، وأنا "طريح" بعثة دراسية بالولايات المتحدة. وتعذر علي متابعة دقائق السياسة في الخرطوم. غير أنه لم يطرق أذني أي مطلب ذي إجماع وكثافة للكشف عن مقابر السياسيين والعسكريين من قتلى نظام نميري. وحتى السيدة فاطمة أحمد إبراهيم، التي رفعت قضية بخصوص كشف مثوى الشفيع أحمد الشيخ الأخير ضمن أشياء أخرى، خاضت تلك المعركة أصالة عن نفسها ونيابة عنها وتعذر المعين أو المؤازر. وذكرت من قبل أن المحكمة العليا آيست السيدة اسماء محمود محمد طه من العثور أبداً على قبر الأستاذ ولم تحكم لها بذلك. واستغربت لتطفل المحكمة على اختصاص الكفاءة في نبش القبور وجدواه الذي لا يقع في دائرة شغلها. وألاحظ عرضاً هنا كيف أن الشهيد متى لفظ النفس من أجل القضية خرج من السياسة فلا بواك عليه إلا الزوجة والأخت والأسرة. اما ذكور السياسة وديكتها فهم في شأن آخر. وحزنت جداً حين رأيت الصادق المهدي، رئيس الوزراء، يكشف عن قبر عمه، المرحوم الإمام الهادي دون قبور الضحايا الآخرين. (وتوسعت في هذه المسألة في كلمتى الأصل. ولكنني تعرضت لها بتفصيل في أحاديث الأيام الماضية فلا داع للإطالة)

    أتيح لي في أوائل التسعينات في الولايات المتحدة إدارة نقاش حول كتاب "الإسلام وحقوق الإنسان: الإتباع والسياسة" للدكتورة آن ماير مع طلاب يدرسون حقوق الإنسان والثقافات الوطنية بجامعة نورثوسترن. وتزامنت قراءتي للكتاب مع الخواطر التي عنت لي بعد قراءة كلمة منى خوجلي عن موكبها الذي طالب برد جثث ضحايا انقلاب رمضان 1990 إلى أهلها. فرأيت الدكتورة ماير تستخف بحقوق الموتى الذين ألهموا أسرهم ذلك الموكب "غير المشروع" عند قبر الجندي المجهول. فهي تتمسك بأن حقوق الإنسان، تعريفاً، هي حقوق للإنسان الحي. وصوَّبت مفهومها (الذي اقتصر حقوق الإنسان على الأحياء) لتنتقد مواثيق إسلامية لحقوق الإنسان استمدها مشرعون مسلمون من القرآن والسنة. وشككت الدكتورة في جدوى تلك المصادر التاريخية إذا أردنا بلوغ فهم معاصر نافذ لتلك الحقوق. وطعنت الدكتور بالذات في حقوق للميت تبنتها تلك المواثيق كفلها القرآن والسنة. فقد شملت هذه المواثيق، ضمن ما للإنسان من حقوق، حق الميت، أو من هو في سبيله للموت، أن لا يوثق، وأن لا يمثل بجثته، وأن تلقى جثته التوقير. وكفلت حق أهله من الكفار في استرداد الجثة من غير مقابل مادي متي مات في حرب مع المسلمين. وعلقت الدكتور ماير بأن تلك حقوق لأموات في حين يَفتَرِض إعلان حقوق الإنسان المعاصر أن الحي هو الذي يتمتع بالحقوق لا الميت.

    وقلت في كلمتي للطلاب إن فصل الدكتورة بين بين حقوق للحي وأخرى للميت مجرد مماحكة. فالجسد، حياً ميتاً، هو مسرح عمليات سياسية واجتماعية متصلة غير منفصلة. وقلت إن الاستهانة بالموتي (وقد فصلتها لهم كما فعلت هنا) في دولة ما بعد الاستعمار الظالمة الكافرة مما يذهل ويفجع لولا أن للمسلمين في أقباس شريعتهم، التي حفت الموتي بالتوقير كما رأينا، ما يوطنهم على الحق ويقيهم شر البأساء والنكد.

    يستغرب المرء لما آل إليه حال البلد حتى من توسمنا فيهم الفطنة. قالوا إنها مسكونة بشيطان من فرط اليأس وقلة الحيلة. والفجور بالطبع مراتع الشيطان. وقد فجرنا في الخصومة حتى دنسنا الجسد بتوريطه في الاستشهاد في مآرب سياسية مغامرة ودفنه بالقفار الموحشة الصحح. والأنكى أننا أضربنا عن استعادة تلك الجثامين المدسوسة إلى ضفة تقاليد الرحيل المسلمة على كثرة الفرص التي أتيحت لنا (أو مما قد يتاح برباطة الجأش والعزيمة). وهذا كفر صريح لا تقوم به سياسة. وغاب عن الذين يتداعون إلى تراض وطني (وحتى الذين استعلوا عليه) أن التراض ميثاق ولا يقع مثل هذا الميثاق بين من أسرفوا في القتل ولم يطرف لهم جفن ندامة ولا استهدوا أو استغفروا أو ثابوا أو تابوا. فما أبطل مواثيق مضت أو ستأتي إلا هذه الكفرانية والعتو الشديد في طلب السلطان. فلا عهد لحاقن أو متربص أو مذعور أو ذا قلب مغطى. ولذا كانت الدعوة الغراء التي تنشط فيها كمالا بابكر النور ورفاقها ورفيقاتها لرد الأمانات الذبيحة إلى أهلها هي طقس سياسي من الدرجة الأولي نغسل به السياسية عندنا من درن العقوق ونستعيدها لسكة الإيمان من غواية الإلحاد ونتوب بها إلى رب غفور . . . ونلعن إبليسنا.




    يظل انقلاب 19 يوليو 71 ومارافقه من انقلاب مضاد فى 22 يوليو,وتدخل اجنبى واضح فى الاحداث,واحده من اهم الاحدات فى تاريخنا الحديث. ويكتنف الغموض
    العديدمن الاحداث فى انقلابات يوليو مثل مذبحة بيت الضيافه ودور MI6 فى اجهاض انقلاب 19 يوليو.
    هذه المقاله هى أخر مقالات د. عبدالله على ابراهيم " 21 مقاله'عن احداث انقلابات يوليو 71 , كتبت قبل اعوام ونشرت فى الصحف السودانيه. قصدت بنشرها هناتسليط الضؤ على كثير من الرؤى والافكار التى ذكرها مثل" القوة الثالثه' لاسيما واننا تابعنا العديد من الخيوط والمقابلات مع مولانا حسن علوب فى هذا المنبر.
    اجدد الدعوة لقيام لجنه وطنيه مستقله مكونه من قانونيين, مؤرخين,خبراء عسكريين متقاعدين,خبراء الطب الشرعى, متخصصين فى العلوم السياسيه, والمستندات,وممثلين لاسر شهداء بيت
    الضيافه,والشجرة للقيام بتحقيق وافى وشامل لمذبحة بيت الضيافه ومحاكمات الشجره.

    والباب مفتوح للاراء والتعليقات على مقالات الاستاذ عبدالله على ابراهيم.

    مع ودى وتقديرى
    المعز ابونوره
    30/7/12
    ,

    (عدل بواسطة Elmoiz Abunura on 07-30-2012, 05:47 PM)

                  

07-31-2012, 01:54 PM

Elmoiz Abunura
<aElmoiz Abunura
تاريخ التسجيل: 04-30-2005
مجموع المشاركات: 6008

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مذبحة بيت الضيافة وفظاظات أخرى (1 من 20): (Re: Elmoiz Abunura)

    Quote: روج الشيوعيون لنظرية القوة الثالثة في كتيب كان من أول ما صدر عنهم في نحو سبتمبر 1971 برغم الضربة الموجعة التي أنزلها بهم نميري. وقد قرأته في تلك الأيام ولم أره بعد أو أسمع عنه حتى بدا لي أنه اضغاث فكرية انتابتني. وعرض الكتاب بصورة وثقي لحجتهم في أن المقتلة في بيت الضيافة نجمت عن ضرب الدبابات التي هاجمت القصر بزعم تحرير نميري بعد أن اتضح لهم أن انقلابهم المستقل قد تبخر بعد نجاة الرجل والتفاف جماهيره حوله. وأتمنى ان نعثر على هذا الكتيب حتى لو كان في خزائن جهاز الأمن لنضعه أمام اللجنة المقترحة للتحقيق في واقعة بيت الضيافة.

    فى سعى للكتابه عن انقلابات يوليو 71 بحثت عن هذا الكتاب ولم أجده. قرأت
    الكتاب عند صدوره, وهو كتيب من الحجم الصغير. اثق فى إن عدد من قراء الخيط يمتلكون هذا الكتاب او يعرفون من يحتفظون بنسخ من هذا الكتاب. الرجاء استعراض الكتاب او
    نقل مقتطفات منه فى هذا الخيط.
                  

08-01-2012, 00:21 AM

Elmoiz Abunura
<aElmoiz Abunura
تاريخ التسجيل: 04-30-2005
مجموع المشاركات: 6008

للتواصل معنا

FaceBook
تويتر Twitter
YouTube

20 عاما من العطاء و الصمود
مكتبة سودانيزاونلاين
Re: مذبحة بيت الضيافة وفظاظات أخرى (1 من 20): (Re: Elmoiz Abunura)

    وهناك كتاب أخر صدر من دار ابن خلدون فى بيروت عام 73او 74 بإسم" الثوره والثوره
    المضاده فى السودان" تطرق لدورات اللجنه المركزيه للحزب الشيوعى عقب الانقلاب المضاد فى 22 يوليو.
                  


[رد على الموضوع] صفحة 1 „‰ 1:   <<  1  >>




احدث عناوين سودانيز اون لاين الان
اراء حرة و مقالات
Latest Posts in English Forum
Articles and Views
اخر المواضيع فى المنبر العام
News and Press Releases
اخبار و بيانات



فيس بوك تويتر انستقرام يوتيوب بنتيريست
الرسائل والمقالات و الآراء المنشورة في المنتدى بأسماء أصحابها أو بأسماء مستعارة لا تمثل بالضرورة الرأي الرسمي لصاحب الموقع أو سودانيز اون لاين بل تمثل وجهة نظر كاتبها
لا يمكنك نقل أو اقتباس اى مواد أعلامية من هذا الموقع الا بعد الحصول على اذن من الادارة
About Us
Contact Us
About Sudanese Online
اخبار و بيانات
اراء حرة و مقالات
صور سودانيزاونلاين
فيديوهات سودانيزاونلاين
ويكيبيديا سودانيز اون لاين
منتديات سودانيزاونلاين
News and Press Releases
Articles and Views
SudaneseOnline Images
Sudanese Online Videos
Sudanese Online Wikipedia
Sudanese Online Forums
If you're looking to submit News,Video,a Press Release or or Article please feel free to send it to [email protected]

© 2014 SudaneseOnline.com

Software Version 1.3.0 © 2N-com.de